الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط
الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط - Page 9
سبحة بريزنسكي وأزمة الشرق الاوسط

بقلم سليم نصار
الجمهور 29 اذار 1979
اذا كانت الدول تقاس بمسؤولياتها فإن للسعودية مسؤولية متعددة الجوانب, يفرضها عليها الدور القومي الذي التزمت به في وقت اصبحت – حسب الاوصاف الصحافية – المحور الذي تدور حوله مشكلة الحرب والسلام في الشرق الاوسط.
فمنذ مؤتمر الخرطوم عام 1967 اتسعت حدود هذه المسؤولية بعدما طور الملك فيصل الالتزامات التي اعانت عبد الناصر على النهوض من كبوة الهزيمة بحيث شملت الدول الافريقية وما يسمى بسياج العالم العربي.
وفي حرب 1973 اعترف المراقبون بأن الرباط الاستراتيجي الذي وضعته دولتا المواجهة يومذاك مصر وسوريا مع السعودية, كان له الاثر الاقتصادي والسياسي وكل ما نتج بعد ذلك من خلل في الوضع العالمي بسبب خظر النفط. وهكذا اكتشفت دول المواجهة ان اي انتصار عسكري يجب ان يتحقق بواسطة الدعم المعنوي والمادي والاقتصادي وحتى العسكري من قبل دول "الدائرة الثانية" وفي مقدمتها السعودية ودول الخليج.
وفي مؤتمر بغداد اثبتت السعودية انها تقف في وسط العالم العربي بعيداً عن كل المحاور والصراعات. ذلك انها كانت تطالب بالاتفاق على حد ادنى من وحدة الصف وتصفية الخلافات الجانبية, والقفز فوق الصعوبات على امل التغلب على اسلوب التشنج واللجوء الى الحوار الهادىء في وقت ارتفعت فيه الاصوات والضجة وانخفضت الرزانة والحكمة.
وفي ضوء هذه السياسة تجري حالياً اتصالات بين دول الخليج بقصد تصفية الخالفات الثنائية وضرورة العمل بسرعة على انهاء المشاكل العالقة, على اعتبار ان القضية الكبرى تحتاجالى كل جهد مشترك وكل قوة منسقة وبما ان السياسة الخارجية لهذه البلدان تتلازم مع اقتصاد المنطقة العربية وامنها... وبما ان الهموم واحدة والتطلعاتواحدة, فقد ارتأت السعودية والكويت تأمين وحدة الكلمة كعامل مبدئي لضمان وحدة الطريق ووحدة الهدف. كل ذلك لتوفير مناخ سياسي يمنع احداث اي خلل في العلاقات والتنسيق والتضامن.. كما يمنع بالتالي ظهور تطورات مفاجئة كالتي تتخيلها الصحف الغربية بقصد الترهيب والترغيب, ضمن الحملات الهادفة التي اثبتت ان العالم العربي عاجز فعلاً عن استيعاب الظروف والمشاعر والقوانين التي تتحكم بالعقل الشرقي وتملي عليه تصرفاته وردود فعله.
حدث قبل مجيء هنري كيسنجر الى المنطقة للقيام بدور الوسيط والمفاوض, ان اجتمع بعدد من المستشرقين وطلب منهم توجيهه بحيث لا يخطىء في طريقة التعامل. وقيل لها يومها ان المساومة هي شرط للوصول الى نتيجة مرضية لان العربي يجب "المفاصلة" و "المساومة" في التعامل التجاري. وهو يتعام في السياسة كالتجارة.
وحفظ كيسنجر الامثولة, فكان "يشارع و "يفاصل" و "يجادل" و "يساوم" ويقايض, ويقبل الرجال في الحل والترحال.
وعندما قرر بريزنسكي خلفه في مجلس الامن القومي, الانتقال الى المنطقة درس بعض العادات واستشار بعض اصدقائه من اساتذة الجامعة.
وتمنى عليه احدهم ان يكون صبوراً وبقد الساعات والايام لان قضية الشرق الاوسط بالغة التعقيد. لذلك شوهد بريزنسكي في رحلته الاخيرة وهو يحمل السبحة.
والسبحة بالانكليزية تسمى "حبات القلق".
ويظهر ان مستشار الرئيس كارتر بدأ يعد حبات القلق في سبحة طويلة... طويلة, طول المسافات التي قطعها مع زميله كيسنجر. ولكنه ادرك بعدما زار المنطقة ان الذي يحمل السبحة لا يمكن ان يتمتع بمزاج شرقي.. كما ان من "يساوم" لا يمكن ان يحصل دائماً على افضل الاسعار!. (انتهى)
___________________




