الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط
الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط - Page 22
1980 سنة الصراع الدولي على الخليج
المصدر الجمهور 20 كانون اول 1979
بقلم سليم نصار
ستكون سنة 1980 هي سنة الخليج... وسنة الصراع الدولي على مستقبل الخليج... بل وسنة الابتعاد عن الجبهة الشرقية بحيث ترتاح اسرائيل ومصر لتثبيت مقررات "كامب ديفيد" ووضعها موضع التنفيذ.
واذا كانت اسرائيل – الدولة العنصرية – هي التي سببت, في العمق, تفجير كل المواقف العنصرية والاقليمية في المنطقة, فهي بدون شك تشعر بانها لم تعد وحدها موضع الاتهام, وان الدول المحيطة بها راحت تقلدها, وهذا اكبر انتصار لها. لان اسرائيل في النهاية هي وضع نفساني واجتماعي وديني وعرقي, قبل ان تكون وضعاً سياسياً .
ويرى المراقبون ان عام 1979 كان من أسوأ أعوام اسرائيل, وان الولايات المتحدة بشكل خاص, والدول الغربية بشكل عام, كانت تشعر بأنها محرجة امام الصعوبات السياسية والاقتصادية التي تعانيها حكومة بيغن. وكانت في كل توصياتها تسعى لان تفرض عليها بعض التنازلات, كحل لمشاكلها المستعصية مع العرب.
وفجأة انقلبت الادوار. فقد سافر موشي دايان مؤخراً الى اميركا, لكي يعرض حلاً عسكرياً جاهزاً ضد ايران, ويقول بصورة سرية وبصفة غير رسمية, ان ألـ77 حلاً التي وضعها كومبيوتر البانتغون لن تزيد الامور الا تعقيداً. وان اسرائيل هي القاعدة العسكرية التي يجب ان تنطلق منها القوة الاميركية – الاوروبية لتأديب ايران – وهذا معناه, ان اسرائيل تكون قد انهت الوجود الغربي في المنطقة وبررت للدول العربية المعتدلة تطرفها المحتمل واعطت الاتحاد السوفياتي الفرصة الذهبية لان يصل الى المياه الدافئة... والى ابار النفط. وهذا ما كان يقوله بن غوريون دائماً, انه يجب خلق ظروف مواتية تكون فيها اسرائيل الحليفة الطبيعية الوحيدة في المنطقة للولايات المتحدة اولاً, ولاوروبا الغربية, ثانياً لان بقاء العلاقات الطيبة بين جاراتها والدول الغربية سيفقدها دورها العسكري كقاعدة للدفاع عن مصالح هذه الانظمة... كما يعزز ادوار الدول الاخرى.
ومهما تكن النتائج اليوم, فإن اسرائيل تشعر بأنها المستفيدة من هذا الوضع. فقد اثبتت انها الوحيدة المخلصة في علاقاتها مع الولايات المتحدة. واثبتت بالتالي, ان نظامها, لا نظام الشاه–الذي فتح له كيسنجر ترسانة وزارة الدفاع- لا يزال هو الاقوى وهو الاكثر قابلية ومدعاة للتعامل معه في المستقبل. وأكثر من هذا, فقد وصف "بيغن" الولايات المتحدة بأنها هي سبب التوتر.. وهي التي تحمل لها شعوب المنطقة الكراهية, والعداء. بكلام آخر, اراد ان يستثير الشعب الاميركي ويستفزه متناسياً السبب الذي من اجله طار الشاه, وخرج الخميني كمنقذ. وهذا ما دعا فؤاد شهاب لان يصف في الماضي, الوضع لبنيكسون عندما زار لبنان كنائب رئيس, بقوله:
في الثلاثينات والاربعينات كان السفير السوفياتي يقف وحده في الحفلات الرسمية بالشرق العربي. لان مجرد القاء التحية عليه كان يعتبر تحدياً للمشاعر العامة وللمواقف السياسية.
بينما اليوم, يقف السفير الاميركي منبوذاً في الحفلات. بل إن مصادقته ربما تثير التهم والشكوك لماذا؟ لان سياسة اميركا وارتباطها العضوى باسرائيل ووجود اسرائيل, قد جعلها تحمل الوزر الاكبر من المسؤولية. بينما انسحبت اكثر الدول الاوروبية متخوفة على مصالحها.
وكل ما دعا اليه المرشح ادوار كنيدي, هو تقديم الاغتيالات المصلحية على كل اعتبارات اخرى. فالشاه كان مجرد مرحلة. ولكنه اليوم اصبح عبئاً ثقيلاً, تماماً كما اصبحت اسرائيل. من هنا كان دعم الحركة الصهيونية ودعاتها امثال هنرى كيسنجر, للوقوف مع الشاه, امراً مرتبطاً بمستقبل اسرائيل مع الولايات المتحدة. وهذا يعني انه اذا كانت واشنطن ستتخلى عن الشاه بسبب مصالحها الحيوية.. فإن هذه القاعدة ربما تطبق مستقبلاً على اسرائيل. فهي ايضاً اصبحت عبئاً ومعوقاً وخطراً على الوجود الغربي بكامله في الشرق الاوسط. من هنا كان تظهير عملية المحتجزين في السفارة وكأنها عمل سياسي يراد به تحطيم النفوذ الاميركي, بحيث يجني كارتر كما جنى جونسون منذ 12 سنة وكان يأمر بضرب كوريا الشمالية لانها احتجزت 81 بحاراً على الباخرة "بوابلو".
وفجأة, قالت كوريا الشمالية ان الباخرة ليست سوى باخرة تجسس, وانها عثرت على اجهزة ووثائق تثبت ذلك, وبعد البحث والتدقيق اكتشفت جونسون ان قبطان الباخرة – وكان اسمه بوتشر... اي اللحام أو الذباح – لم يكن لديه الوقت الكافي لحرق جميع المستندات وتدمير كل اجهزة التجسس. لذلك اضطر الرئيس لان يحل المشكلة بالطرق الديبلوماسية لئلا ينفضح آمر الباخرة, وهكذا, وبعد 29 جلسة مفاوضات سرية مع حكومة كوريا الشمالية تم الافراج عن الرهائن بعدما اعتذر جونسون بكتاب خطي بأن البحارة قد تجسسوا وخالفوا الاصول.
وبعد هذه الحادثة قرر جونسون الا يجدد وانسحب من الحياة السياسية.
وتقول "الواشنطن بوست" ان الطلاب الايرانيين قد عثروا على وثائق تدين فعلاً اميركا بالتجسس, وانهم سيستخدمونها لتلويث سمعتها. وهذا معناه ان كارتر سيسير على خطى جونسون... لينتهي آخر الامر – وبعد المفاوضات السرية بواسطة سفراء دول اخرى – الى تقديم الاعتذار العلني.
ولكن, هل ينتهي الى الاعتزال والانسحاب من معركة الرئاسة كما فعل سلفه... ام انه سيجعل منها معركة داخلية حتى لو فقد صداقة ايران ونفط ايران, نهائياً؟.. هذا هو السؤال؟.. (انتهى)
___________________




