الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط
الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط - Page 36
أميركا وعرش العولمة
24-8-2006 وكالة اخبار لبنان
المربع المدمر في حارة حريك هو مشعر يقشعر البدن أمامه خصوصاًَ بعد رؤية الضحايا والشهداء في معظم الأرجاء لا سيما الأطفال الإرهابيين الذين حازوا على صفقهم هذه من قبل أن يولدوا.
المشهد يتكرر، إنه نفس المشهد الذي حدث في 11 أيلول في نيويورك في أميركا. فهل يا ترى أن اليد التي قامت في تأدية المشهد الأول هي نفسها التي قامت بالمشهد الثاني في حارة حريك. أم أنه انتقام للمواطن الأميركي بهدف امتصاص نقمته الغريزية لما يشفي غليله، عندئذٍ يرضى فيخرج رئيسه الذي يمثله والحامل للدعوى الدينية الجديدة من موقع الاتهام بالفشل وهو الذي شعبه إلى الهزائم المتتالية والهلاك في المستقبل. وفي هذه الحال يكون قد أعاد لهذا المواطن الأميركي عراقته وهيبته وردّ له اعتباره.. وأيّ اعتبار!.. أين هي حذاقة وذكاء القياديين في البنتاغون أو لم يعتبروا من فيتنام أو من غيرها أنه لا يمكن طمس إرادة الشعوب أو قهرها أو سلب رأيها أو تحييد خيارها أو إخضائعها للإملاءات التي تناسبها... هذا كله تحت شعار الحرية والديموقراطية المزيفة ألا وهي ديمقراطية الرأسمالية الإقطاعية والمستعمرة.
أو لم يعتبروا أن هذه الشعوب وإن كانت لا تملك تكنولوجيا حديثة كالتي بحوزة أميركا أو حليفتها إسرائيل، لا يمكن استعبادها. أو لم تعتبر أميركا أنه بإمكانها أن تدمر قدر ما تشاء ولكن لا يمكنها أن تعمّر خصوصاً إذا ما كانت مرفوضة ومنبوذة نصاً ومضموناً من هذه الشعوب.
ها هو أحد المبعوثين من السفارة الأميركية يفتتح معرضاً فنياً في بيروت ويقول متحدياً: ها هي أميركا تعود إلى لبنان في عالم النشاطات والثقافة. ولكنه في نفسه يعلم جيداً أن المواطن اللبناني لا يُقَيِّم ولا يحضر هذه المناسبات كطريقة واضحة للتعبير عن استيائه من نظرة أميركا المتعالية والمتسلطة.
إن البلدان التي كانت مستعمِرَة المنطقة قد اعتبرت من تجربتها أن الشعوب لا يمكن استعمارها أو حكمها بلغة القوة فهي قد أدركت ذلك من خلال ما اخترته وبئساً للذي لم يدرك هذه الحقيقة.
وكيف بالتالي لأميركا الناشئة في هذا العصر الحديث أن تعلم ذلك. كيف لها ذلك وهي تركيبة من شعوب وحضارات متعددة ومختلفة ومتنوعة لا يجمعها سوى آلة عملة الدولار وبالإضافة إلى ذلك فإن تاريخها يقوم على استعباد البشر وسلبهم من أرضهم وإبادتهم كالأفارقة والهنود الحم (السكان الأصليين) الذين استولت على أرضهم لأنهم وجدوا فيها إله الذهب معتقدين أنهم بذلك الذهب بإمكانهم أن يفعلوا ما يشاؤون به طالما أن الإنسان ضعيف أمام هذه المادة. غير أن الأحداث في الشرق برهنت وتبرهن أن المعركة في الشرق الأوسط بشكل عام هي معركة المادة والتكنولوجيا مع الإيمان والروح.
بعد انهيار المعسكر الشرقي وانتهاء الحرب العالمية الثالثة الباردة لم يعد لأميركا عدوّ يوحّدها وظهر هذا حتى في أحد أفلامها السينمائية الكوميدية. فها هي تخلق لنفسها الحجج بخلق أو إيجاد عدوّ جديد ألا وهو الإرهاب الغير محصور في مكان واحد أو بلد واحد أو قادة واحدة وبالتالي يتحرك شبح الإرهاب في اتجاه بوصلة توجهها كيفما تشاء وحسب أهدافها وبما يمكنها أن تسيطر على البلد الذي تبغاه وفق مصالحها الاقتصادية التوسعية حيث سينتهي بها الأمر بأن تحكم هذا العالم فتحكمه حينها بسياسة رعاة البقر.
أميركا مرفوضة اليوم من عدد من الشعوب. كيف لا وهي التي ضحت بجنودها في فيتنام حيث كانت تختبر قدرتها العسكرية. فما الذي يمنع أن تضحي أميركا وتستغني عن حليفتها المدلعة اسرائيل. فوالله أن هذا اليوم آت وسكان الشرق الأوسط جميعاً والعالم سيشهدون.
لقد فشلت أميركا في أفغانستان والعراق ولبنان فوداعاً لغلبة الشعوب بالأسلحة الحديثة المتطورة ووداعاً لأهلها بالجلوس على كرسي أو عرش العولمة. قد يكون من الأجدى لها أن تبحث عن الحياة والماء في المريخ وتنفق مجهود شعبها على أحلامها التوسعية التي لا يحدّها حدود فلربما حكمت هذا المريخ المسكين الشعب الأميركي طيب ليس عنده نسبة عالية من الثقافة يظن معظمه أن الكرة الأرضية مقتصرة على الولايات المتحدة. إنه شعب مسالم لا يحب الحرب همّه شرب البيرة ومشاهدة مباريات البايسبول بعد أن يكون قد أنهكه العمل بعد عناء يوم شاق من العمل وبعد أن يكون قد أثقله دفع الضرائب التي تخصص للمجهود الحربي حيث يتم صناعتها في الولايات المتحدة ويأتي بها إلى الشرق الأوسط للتجربة الميدانية الحية والمدفوعة!!!
مع الاشارة أن أعمال العنف تكاثرت ابتداء من أحداث 11 سبتمبر حتي الآن، وأصبحت ظاهرة ميزت بداية هذا القرن، و الواضح أن هذا العنف ليس عشوائيا إنما يرضخ لتخطيط ولأيديولوجية مبرمجة ترتكب ضمن إطار منهجي، وتنطلق من قاعدة دينية تتمحور من خلال البيانات و التقارير سواء أتت من أميركا على لسان جورج بوش أو من جماعات المتطرفين من الإسلاميين على لسان بن لادن. والفكرة تدور حول حماية " المقدس " بما يجعل العنف وسيلة للدفاع عن هذا المقدس الذي يرى كل طرف من زاويته أنه مهدد بالخطر .
أيعقل أن تكون البلاد المنتجة للذهب الأسود هي التي تتعرض للقتال بأحدث الأسلحة ولمختلف أشكال البؤس والأسى بدل أن تكون في حالة نعيم ورخاء واستقرار وتطور؟!...
أكتب هذه الأسطر قبل أن يدفع المواطن الأميركي المزيد من ضرائبه على مشاريع غازية توسعية خائبة تقودها الإدارة الأميركية عسى وعلى أمل أن تبدل من اعوجاج سياستها في التعاطي مع الشعوب فلا تنظر إليهم كأرقام وتعيد النظر بتعاطيها مع البشر. إنها دعوة لأميركا لأن تستيقظ من سكرتها بفوزها على المعسكر الشرقي ولتعترف أنها ليست لوحدها على وجه هذه الأرض. (انتهى) زاهر بدر الدين
___________________




