الثورة الاسلامية الايرانية - قرار أميركي : موت الشاه؟
قرار أميركي : موت الشاه؟
(الكفاح العربي لنصير مروة بتاريخ :24-3-1980 )
لا يحتاج المرء الى عراف لكي يتنبأ بأن شاه إيران السابق لن يغادر باناما وأنها ستكون مثواه الأخير.
والمراقب لا يحتاج كذلك الى علم العلماء ليرى ان العلاقات الأميركية الإيرانية المتأزمة لا تترك للولايات المتحدة خياراً يذكر. فلا العودة الى قرارات المقاطعة الإقتصادية واردة بعد في حسابات الرئيس الأميركي , ولا الحملة العسكرية ممكنة , ولا تواصل الوضع على ما هو عليه- في ظروف الإنتخابات الرئاسية وتوتر العلاقات مع الإتحاد السوفياتي _ أمر مقبول.
وإذا كانت الرئاسة الإيرانية تسعى بدورها جاهدة لإطلاق الرهائن , فلانها تعتبر أن إيران كطرف له تطلعاته ودوره داخل العالم الثالث, إنما يقتضي منها أن تتخلص من عملية الرهائن لأنها تغل لها يديها من حيث أنها لا تحظى بأدنى تعاطف عالمي بل وتعزلها في المحافل الدولية.
ومشكلة الرهائن ليست مسألة قانون دولي كما يقدمها البعض ولا مسألة إرهاب كما يصفها بعض آخر. أو لنقل أن هاتين الصفتين ليستا الصفتين الغالبتين عليها. بل لعل القضية الحقيقية هي أن الطلبة الإسلاميين بادروا الى ما كان سبقهم اليهم آخرون في الأيام الأولى للصورة حين هاجم مسلمون السفارة الأميركية وردهم عنها الدكتور يزدى وزير الشؤون الثورية في ذلك الحين, ثم سار وراءهم شعب بكامله. ولهذا فإنه حتى الذين عارضوا عملية الإسترهان منذ بداياتها – كالرئيس بني صدر ظلوا مضطرين لأخذ هذا التأييد بعين الإعتبار. ولو كانت القضية قضية إرهاب عادي , لكانت المسألة قد وجدت لها حلاً منذ زمن.
غير ان الأميركيين وقعوا في الفخ الذي نصبوه . فقد إستنكروا العملية كما كان لا بد لهم أن يفعلوا ثم راحوا يهيجون الرأي العام عندهم ضد إيران , ويستصرخون الحلفاء لمقاطعة طهران, ويهددون بمهاجمتها عسكرياً... الى أن تبين أن الأمر كله غير ممكن.. ثم الى أن جاءت أحداث أفغانستان لتغير الوضع في نظرهم , وتعطيهم الوسيلة اللازمة لمحاولة خيار آخر.
والواقع هو أن الرئيس كارتر كان كثير الإستبشار في الأيام الحكومة الإيرانية المؤقتة إذ تبين له أن الزعيم الإيراني "معاد للشيوعية . وعلى هذا فقد بدا له أنه بالإمكان أخذ الإيرانيين من مدخل "أن عدو عدوهم داخل في صداقتهم " وبطبيعة الحال, فإن أحداث السفارة الأميركية جاءت لتذكر بالشطر الثاني من الحديث , وهو الذي يقول: صديق عدوي داخل في عداوتي . فحلفاء الشاه وحماته وفارضو إسرائيل , هم أعداء إيران وأعداء شعوب الشرق الإسلامي.
غير أن التدخل السوفياتي في كابول , والموقف المعادي الذي إتخذته إيران منه , أعاد لإستبشار الرئيس الإميركي بعض الحياة, فقد بات يأمل في أن تكون الثورة الإفغانية مقدمة "لحلحلة" الأوضاع بين واشنطن وطهران.
لكن طهران ليست كل شيء.. فهناك أيضا قم. والخميني لم يترد في إعلان عدائه للتدخل السوفياتي بكل سبيل ممكن. لكن كراهية ما يقدم عليه السوفيات في إفغانستان, لا تجعل من الأميركيين شيئاً محبباً في إيران . والطريقة التي يقرأ بها الخميني تختلف عن تلك التي يقرأ بها الغربيون. فالأميركيون مثلاً ليسوا أعداء أعدائه (ليدخلوا في صداقته):
بل كلاهما عدو لامة إسلامية واحدة .
والفارق بين القراءتين الغربية والخمينية , هو الفارق بين الايديولوجية والجغرافية السياسية . والإيرانيون الذين يغلبون الجغرافية السياسية على ما سواها , إنما يقرؤون – إعترفوا بذلك أم لم يعترفوا- بنفس الأسلوب الذي يقرأ به الغربيون.
فإيران الإيرانية بحدودها المباشرة مع السوفيات , وذكرياتها التي لا تعود الى أبعد من الحرب العالمية الثانية , لا تستطيع في نهاية المطاف إلا أن تحاذر السوفيات أن لم تعادهم.
أما الأميركيون فإنهم وإن كانوا سبب الأوجاع الحاضرة, إلا أنهم طردوا, وهم في نهاية المطاف بعيدون بعد القارة الأميركية عن مياه المحيط الهندي.
ويبدو أن هذا الرأي هو أيضاً رأي البريطانيين , أساتذة علم الجغرافيا السياسية ودهاقنة العلاقات السياسية الدولية. فقد تطلع هؤلاء الى أحداث إيران ولم يرتاعوا , وشاهدوا توقف طلبات السلاح من إيران على صناعاتهم العسكرية ولم يقنطوا. فالثورات تمر, في رأي داوننغ ستريت, وتبقى الأوضاع التاريخية والجغرافية . ولقد شاهدوا وفوداً عسكرية إيرانية تأتي وتروح طلباً لقطع الغيار لدبابات تشفتين وسواها ولم يأبهوا لتغير أشخاص الوفود- لأن ذلك من طبيعة الثروات – وإنما إعتبروا أن إستمرار مجيء الوفود برغم تغير أفراد طاقمها هو دليل على أن الهيئة السياسية والإدارية قد تتغير, لأن الحقائق المادية من جغرافية وسواها تظل . وهم حتى عندما تابعوا الأميركيين في قرارات مقاطعة إيران, ظلوا يعتقدون بأن ما يجري في إيران هو سحابة صيف ولن تلبث أن تنقشع بصورة أو بأخرى.
وعندما قدر لنا بأن نلتقي وزير الخارجية الإيراني في المؤتمر الصحفي الذي عقده في سفارة بلاده بباريس كان سؤالنا له: كيف ترون أن يكون مستقبل العلاقات الأميركية الإيرانية إذا ما حلت مسالة الرهائن بصورة أو بأخرى , وما هي في رأيكم شروط تطبيع العلاقات؟ . فكان أن تلافي السؤال الحقيقي , ووارب في الأجابة وقال: المهم ألا يتدخلوا في شؤوننا . وحين أعادت زميلة أميركية السؤال مرة أخرى بكلمات أخرى , جاء الجواب مواربا مرة أخرى بكلمات أخرى. (انتهى)




