الثورة الاسلامية الايرانية - المكوك الجزائري بين طهران وواشنطن
"المكّوك" الجزائري بين طهران وواشنطن
بدأ ببازركان والخوف منه عراقيّ ومغربيّ
(النهار العربي و الدولي العدد189 من الاثنين 15 الى الاحد 21 كانون الاول 1980)
الوساطة الجزائرية بين طهران وواشنطن تستمر في صمت. وتحركها الذي يلفت الاهتمام لم يولد مع بداية حلحلة ازمة الرهائن بل هو يعود الى اواخر عام 1979, عندما بدأ رئيس الحكومة الايرانية الموقتة مهدي بازركان مساعيه الديبلوماسية لاعادة العلاقات الطبيعية مع الولايات المتحدة. ومن ضمن هذه المساعي كان اللقاء الرسمي الاول بين واشنطن وطهران هو الاجتماع المنعقد في الجزائر في تشرين الاول (اكتوبر) 1979 الذي اشترك فيه كل من بازركان ووزير خارجيته يزدي من الجانب الايراني. وزبيغنيو بريجنسكي من الجانب الاميركي.
ومن دون الدخول في تفاصيل التأويلات حول مباركة الخميني عقد هذا اللقاء الاول ام لا فإنه مكّن الطرفين من تجريب الوساطة الجزائرية وكرّس الجزائر في دور الوسيط الموثوق في خبرته.
وطوال المراحل المتتالية من تطور قضية الرهائن, لعب الديبلوماسيون الجزائريون في واشنطن وطهران دوراً اساسياً في استمرار الحوار غير المباشر بين الحكومتين الايرانية والاميركية. وحين اقتنعت ادارة الرئيس كارتر بالتخلي عن المراهنة على الشخصيات السياسية الموالية للغرب والتعاطي مباشرة مع رجال الدين, قام الجزائريون بدور اساسي في مد جسور مفاوضات لا تفرط باسمها بين الجانبين. فخلال زيارة محمد باجاوي ممثل الجزائر لدى الامم المتحدة الى طهران في ايار (مايو) الماضي بصفته نائب رئيس اللجنة الدولية للتحقيق في جرائم الشاه, اجتمع الى آية الله محمد بهشتي رئيس الحزب الجمهوري الاسلامي والرجل القوي بين رجال الدين الايرانيين. وكان الديبلوماسي الجزائري من اكبر المشجعين على ايجاد اتفاق بين بهشتي والاميركيين.
هذه التحركات والوساطات التي تدرجت مع تطور ازمة الرهائن, رشحت الجزائر لتصبح الوسيط الرسمي والعلني حين اندلعت الحرب الايرانية – العراقية وبدأ رجال الدين يفكرون في التخلص من الرهائن. وانطلق الحوار الرسمي بين الاميركيين والايرانيين في حضور وفد من الخارجية الاميركية برئاسة وارن كريستوفر يوم 10 تشرين الثاني (نوفمبر) في الجزائر في اطار بدء المفاوضات غير المباشرة حول قضية الرهائن.
ثم عاد كريستوفر ثانية الى الجزائر الاسبوع الماضي لتقديم توضيحات الادارة الاميركية التي كان طلبها منها الايرانيون, بواسطة الديبلوماسيين الجزائريين يوم 25 تشرين الثاني (نوفمبر).
ثلاث شخصيات جزائرية تلعب الدور الرئيسي في هذه الوساطة وهي: عبد الكريم غريب ورضاء مالك سفيراً الجزائر في طهران وواشنطن, ومحافظ البنك المركزي الجزائري. لكن المصادر الرسمية في الجزائر تؤكد ان دور الوسطاء الجزائريين دور فني بحت. وان محادثات محمد بن يحيى وزير خارجية الجزائر مع كريستوفر الاسبوع الماضي اقتصرت على تقديم ايضاحات فنية تتعلق بالرد الاميركي على الاستفسارات الواردة من طهران. وبالرغم من التأكيدات الجزائرية فإن بلدين عربيين متخوفان من هذه الوساطة بين واشنطن وطهران. وهما المغرب والعراق. فحكومة الرباط تخشى من ان يستفيد الجزائريون من دورهم المهم في المفاوضات الايرانية الاميركية ليساوموا واشنطن على موقفها من الصحراء الغربية, ويدفعونها الى وقف دعم المغرب او في أسوأ الحالات الوقوف على الحياد بين الطرفين. وحتى قرار الكونغرس الاخير القاضي برفع المساعدة الاميركية للمغرب, لم يطمئن الاوساط الرسمية المغربية. اما مع العراق فإن العلاقات تمر في فترة صعبة, لأن الجزائريين في محافظتهم على علاقات جيدة مع ايران, برغم الحرب المشتعلة, قد رفضوا نظرية الرئيس العراقي القائلة بأنه لا مجال للحياد بين العربي والاجنبي. لكن الديبلوماسية الجزائرية المعروفة باتزانها عرفت كيف تكرّس موقفها من دون الدخول في مواجهة مباشرة مع الموقف العراقي. (انتهى)




