الثورة الاسلامية الايرانية - Page 12
لماذا استبدل عرفات طائرته الى ايران؟
"ابو عمّار" للخميني: الى اللقاء في القدس
المصدر: الاسبوع العربي في 5/3/79
التحذير جاء من دولة صديقة. كان السيد ياسر عرفات قد قرر ان يتوجه الى طهران على الطائرة نفسها التي اقلت البعثة الاعلامية والطبية الفلسطينية من مطار بيروت, والتي استأجرتها منظمة التحرير الفلسطينية, إلا ان القرار تبدل في اللحظة الاخيرة تجنباً لعملية أعدتها اسرائيل لخطف قائد الثورة الفلسطينية, فسافر من دمشق على متن "كرافيل سورية".
وفي مطار طهران, موظفون قلة وعدد من المسلحين... وحالة سكون, توقفت الطائرة وتوجه الوفد الفلسطيني الى صالون الشرف, دون ان يخطر في بال الايرانيين ان "ابو عمار" من ضمن اعضاء الوفد... وكانت حالة ذهول!
ولدى وصوله الى مقر آية الله الخميني ضج الحضور: الله اكبر, الله اكبر! وتعانق الرجلان لعدة دقائق, وحيا "ابو عمار" مستقبليه, وعاد يعرف القيادة الايرانية على اعضاء الوفد الفلسطيني, ثم بكى من شدة التأثر.
ومعظم مساعدي الخميني يعرفون "ابو عمار" وهو يعرفهم جيداً. فقد تدربوا في معسكرات "فتح" واولهم نجل الخميني نفسه, والثوار الايرانيون كانوا يشاهدون في صبرا والجنوب اللبناني, كما في احراش جرش وعجلون واغوار الاردن.
وقبل ان يصل طهران, كان عرفات يعرف المكانة التي للثورة الفلسطينية في قلوب قادة الثورة الايرانية. كان قد حول غرفة عملياته في صبرا الى غرفة عمليات للهبة الشعبية في طهران وتبريز وقم ومشهد... وكان على اتصال دائم ووثيق بآيات الله الخميني والطالقاني والمنتظري, والدكتور مهدي بازركان, يعرض عليهم خدماته في مختلف المجالات من اجل ان تنتصر الثورة.
وليل الثلاثاء 13 شباط 1979, اجرت القيادة الايرانية اتصالاً هاتفياً بعرفات, اكدت خلاله انها سيطرت على الاوضاع, وان معاقل نظام الشاه قد سقطت. وسمع "ابو عمار" على الهاتف صوتاً يقول: ان الثورة الايرانية بقيادة الخميني, هي ثورة فلسطين من اجل تحريرها, وتحرير الاراضي العربية المحتلة, وايران الجديدة هي قاعدة هذا التحرير.
واقفل المتحدث الايراني سماعة الهاتف, وحاول عرفات الاتصال بالخميني ليهنئه بهذا الانتصار, إلا ان قائد الثورة الايرانية كان مرهقاً, وقد اخلد الى الراحة لبعض الوقت. وتحدث "ابو عمار" الى احد كبار مساعديه, وكان هذا الحوار:
عرفات: ان قلبي وقلوب الفلسطينيين تنبض في صدر البطل آية الله الخميني, آية الثورة وقائد المسيرة.
مساعد الخميني: ان ثورتكم هي قلب ثورتنا, ومنذ اللحظة الاولى وانتم معنا. شعاراتكم على جدران طهران, وصوركم في ايدي مناضلينا.
عرفات: كيف الحال عندكم؟
مساعد الخميني: نحن على مشارف النصر الآن. اتحدث اليك والانفجارات وزخات الرصاص تدوي. وكل شاحنة وكل عربة ركاب ملئت بأكياس الرمل وتحولت الى متراس متحرك. إننا نتقدم. لقد بدأ الهجوم العام. انتظروا اخباراً سارة خلال ساعات.
عرفات: اعتبروا الجسد الفلسطيني كيساً من الرمل ومتراساً لكم, إن قوتنا بكم لا حد لها, واعتزازنا بنضالكم البطولي اصبح خبزنا اليومي. كم اتمنى ان اكون الى جانب ابي وقائدي آية الله... هل تسمعني؟
المساعد: نعم اسمعكم.
عرفات: الى اللقاء فوق جبل المكبر في القدس..
المساعد: الى اللقاء يا "ابو عمار", ودار سفارة اسرائيل ستكون مكتباً لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وفي ايران التقى الخميني وعرفات ثلاث مرات. اللقاء الاول استمر ساعة على انفراد, والثاني عدة ساعات, والثالث, الذي عقد قبل عودة "ابو عمار" استغرق وقتاً غير قليل وربما كان الاهم.
وقد سمع عرفات من الخميني ان ايران ستشارك في تحرير فلسطين بمختلف الوسائل المتاحة, وان ايران الاسلامية قوة تضاف الى القوى العربية, وسد منيع.. وسمع ان النفط الايراني هو جزء لا يتجزأ من الاسلحة التي ستستخدم في المعركة, ولن تذهب منه قطرة الى اسرائيل او جنوب افريقيا. وسمع ايضاً ما يطمئن الى دعم الثورة الايرانية للثورة الفلسطينية في مختلف المستويات "فدين الثورة الفلسطينية كبير ومهما قدمنا لا نستطيع الوفاء".
ومصادر فلسطينية مقربة قالت ان زيارة عرفات سجلت عدة انجازات لعل ابرزها:
- التاكيد على العلاقات النضالية بين الشعبين الايراني و الفلسطيني.
-تعويض الخلل الذي احدثه خروج مصر من الصف العربي وواجهة الصراع, وتأمين عمق استراتيجي جديد للقوة العربية.
-توظيف طاقات ايران في خدمة الثورة الفلسطينية والقضايا العربية التحريرية.
واذا صح ان الثورة الايرانية احدثت انهياراً يكاد يكون كاملاً في الطموحات الخارجية والتطلعات الخارجية الى منطقة الخليج العربي, فإن السيف الذي كان مصلتاً على الرقاب العربية يكون قد رفع, والمعادلات التي كانت قائمة تكون قد سقطت...
ويكون عرفات, دونما حاجة الى بروتوكولات, قد حقق للثورة الفلسطينية كسباً استراتيجياً لا يقدر بثمن




