الثورة الاسلامية الايرانية - بريجنيف ينفذ وصية لينين في افغانستان!
بريجنيف ينفذ وصية لينين في افغانستان!
لماذا اختفت ملفات "السافاك" حول الوجود السوفياتي في ايران؟
المصدر: الحوادث 18/1/80 (مصحح)
حسن حماده
"حزام الأمن الآسيوي" هو الحلم الكبير الذي راود تفكير لينين قائد الثورة البولشيفية في روسيا و مؤسس دولة الاتحاد السوفييتي.
كان لينين يعتبر ان السيطرة على آسيا تؤدي حكماً الى سقوط اوروبا بأكلملها في قبضة الشيوعية الروسية. هذه النظرية التي سبقت إكتشاف البترول في الخليج والمناطق المحيطة به, تأكدت, بما لا يقبل الشك, بعد ظهور الذهب الأسود الذي بدونه تختنق الدول الصناعية, وفي مقدمتها, دول اوروبا التي لا تملك الا القليل من هذه الطاقة...
اما تعبير "حزام الأمن" فيقصد به حلف عسكري بقيادة الاتحاد السوفياتي و "دول آسيوية" ... يكبر تدريجياً وتتسع رقعته بحيث تنتشر سلطة الكرملين على كامل القارة الآسيوية وبالتالي على البحار المحيطة بها. ولتحقيق ذلك لا بد من موطىء قدم على حدود الاتحاد السوفياتي, يدخل في الستار الحديدي ويصل دولة لينين بالمياه الدافئة من خلال تواصل جغرافي يكفل سيطرة "روسيا الحمراء" على مستعمراتها الجديدة... فكيف إذا كانت هذه المستعمرات مثل افغانستان البلد الذي تؤكد بعض المصادر المطلعة, التي استقت منها المعلومات صحيفة "لوكوتيديان" الفرنسية, ان في مناطقه الشمالية الغربية كميات ضخمة من البترول قد لا تقل عن الثروة النفطية لإيران! ...
وحسب كبار الخبراء في السياسة السوفياتية, إن نظرية "حزام الأمن الآسيوي" هي البوصلة التي تمثل مدى الاستمرارية في الستراتيجية السياسية لدولة لينين ... وضمن هذا الاطار يمكن تفسير الغزو الروسي لإفغانستان وردات الفعل التي صدرت عن الولايات المتحدة وحليفاتها والصين وباكستان ... وهذه الاخيرة تعتبر, بالنسبة للأوساط الديبلوماسية, الهدف الثاني بعد افغانستان.
ولم تكذب إذاعة "كابول" الاوساط الديبلوماسية الغربية, إذ بثت يوم السبت 29 كانون الاول (ديسمبر) الماضي برنامجاً خاصاً حول ما اسمته "بالروابط المتينة" بين افغانستان وباكستان مؤكدة ان النظام الجديد يؤيد "حق السكان الباكستانيين من البلوش والباثان في تقرير مصيرهم بأنفسهم" ... مما يعكس السياسة السوفياتية القاضية بتحريك القوميات والعنصريات بغية القضاء على وحدة باكستان من الداخل تمهيداً لابتلاعها فتفتح الطريق امام الروس للوصول عبر البر الى بحر العرب الواقع شمالي غربي المحيط الهندي, وبالتالي القضاء على الثوارالمسلمين الافغان الذين يأخذون من الاراضي الباكستانية قاعدة خلفية لحربهم ضد النظام الشيوعي في "كابول" وبعض المدن الافغانية, خاصة وان الاتحاد السوفياتي يحرص كثيراً على عدم انتقال عدوى الرفض الاسلامي الى "اوزباكستان" السوفياتية حيث الاكثرية الساحقة من المواطنين المسلمين. وهذا ما اشارت اليه صحيفة "الازفستيا" الصادرة صباح الخميس 3 الشهر الجاري عندما بررت قمع الثوار المسلمين الافغانيين بحجة "عدم السماح بقيام حركات تخريبية يقصد منها التشويش على بعض المناطق داخل اراضي الاتحاد السوفياتي" ...
و "المبادرة" السوفياتية بإتجاه باكستان اثارت زيغنيو بريزنسكي, مستشار كارتر لشؤون الامن القومي, فاعلن في 30 الشهر الماضي ان الولايات المتحدة "ملتزمة بالدفاع عن باكستان اذا ما تعرضت لأي عدوان سوفياتي" ... منهياً بذلك مفعول الحظر الذي فرضته واشنطن على الباكستان بسبب عصيان الرئيس ضياء الحق لأوامر البيت الابيض واصراره على المضي في صناعة القنبلة الذرية التي يطلق عليها الغربيون, بكثير من المرارة, تسمية "القنبلة الاسلامية".
وما ان صدر تصريح بريزينسكي حتى صدر في اليوم التالي رد من الرئيس الافغاني الجديد بابراك كارمل جاء فيه: "... إن افغانستان تؤمن بوجوب حل كافة الخلافات الحاصلة مع حكام باكستان بروح أخوية صادقة" ... ويبدو ان هذه الروح التي تحدث عنها كارمل يقصد بها الجالية السوفياتية من التقنيين والخبراء العاملين في باكستان والبالغ عددهم 5.500 تقني, الذين يشكلون القاعدة الخلفية لجالية الجواسيس الروس التابعين لجهازي الاستخبارات:"الكاي- جي – بي" و "الجي – آر – يو". ومن المعروف ان الحكومة الباكستانية شكلت جهازاً خاصاً بمكافحة التجسس, لكن هذا الجهاز لم يفلح كثيراً في ترقب وملاحقة الجواسيس الروس. غير ان بعض التقارير الديبلوماسية السرية نشرت اسماء ثلاثة رجال سوفيات, مقيمين في باكستان, تأكدت الاستخبارات الباكستانية انهم يدبرون حركة الجاسوسية السوفياتية في الباكستان, وهم: فاسيلوف وهو القنصل العام للاتحاد السوفياتي في اسلام اباد, ونائبه المسؤول عن العلاقات مع الصحفين الباكستانيين ويدعي خوخلوف, مهمته انتقاء الاشخاص "المؤهلين" للعمل في حقل الجاسوسية لصالح موسكو.
اما الشخص الثالث فهو نائب رئيس البعثة التجارية الروسية في باكستان واسمه "برغرين" الذي تمكنت الاستخبارات من معرفة رتبته العسكرية في جهاز "الجي– آر– يو", وهي, رائد.
وحسب ما تورده بعض المصادر الديبلوماسية, ان السوفيات اسرعوا في غزو افغانستان بسبب تعاظم الثورة الاسلامية هناك وتهديدها بشكل جدي للنظام, وبالتالي بسبب اسراع باكستان في انتاج القنبلة الذرية بعد ان نجحت في جمع واستيراد المواد اللازمة, طيلة خمس سنوات, دون ان تتمكن الدول الغربية من معرفة ذلك. ولا شك في ان انتشار الاسلحة الذرية على شواطىء المحيط الهندي يعرقل الى ابعد الحدود امكانية نجاح مشروع "حزام الأمن الآسيوي" ... ومن الطبيعي ايضاً ان يكون للاسراع في غزو افغانستان علاقة شديدة مع الوضع الذي تجتازه الثورة الايرانية.
ولعبة الاتحاد السوفياتي مع ثورة الامام الخميني هي لعبة ... السكوت! ولا يوازي هذا السكوت سوى اللقاآت المتكررة التي تحصل بين الزعيم الايراني والسفير السوفياتي منذ الدخول الروسي الى افغانستان. صحيح ان المرجع الايراني ندد بعملية الغزو, غير انه ما زال يعطي الأولوية لمواجهة الولايات المتحدة في موضوع الرهائن. لذلك يركز الايرانيون على عدم اثارة الروس عليهم ديبلوماسياً. من هنا اتى تنديد قطب زادة. وزير الخارجية, بالهجوم الروسي على "كابول" بمثابة عتاب اكثر مما هو عداء.
كان ذلك للحؤول دون وقوف موسكو الى جانب الدول الخمس في مجلس الأمن اثناء التصويت على القرار المتعلق بإطلاق سراح الرهائن الاميركيين.ولما أتى الموقف الروسي بالامتناع عن التصويت بدلا من استعمال حق الفيتو,هوجمت السفارة السوفياتية في ايران واحتلت لوقت قصير ما لبث "حراس الثورة" ان اخرجوا المعتصمين منها. ولقد علق احد المراقبين على ذلك بأنها مجرد "شمطة أذن" والحرص على عدم قطع شعرة معاوية مع الروس ... حتى ولو دعا الطلاب الذين يحتلون السفارة الأميركية" الحكومة الروسية المتعطشة للدماء لأن تعلم ان قمع الأمة الافغانية المحرومة يوازي قمع الشعب الفيتنامي الذي جلب الهزيمة والعار للولايات المتحدة" ... فإن العلاقات على صعيد القمة لا تخلو من التنسيق فالروس اوعزوا لجواسيسهم وانصارهم بعدم مواجهة التيار الخميني الجارف, بل بالانجراف معه ومسايرته. فحسب تقارير وقعت بين يدي بعض المراسلين الاوروبين, إن جهاز الاستخبارات الروسية " الكاي – جي –بي" يسير اربعة اجهزة في ايران, الأول هو الحزب الشيوعي الايراني (تودي) الذي يضم اكثر من 50 الف ملتزم إضافة الى عدد مماثل من الحزبيين المستترين. الجهاز الثاني مؤلف من عدد من العسكريين الايرانيين منهم على الاقل ضابط واحد برتبة جنرال وثلاثة كولونيلات. وتتساءل التقارير عن سبب اختفاء ملفات "السافاك" (جهاز الاستخبارات الذي كان تابعاً للشاه) المتعلقة بالتواجد السوفياتي في ايران لتاريخ عودة الامام الخميني (!) ... أما الجهاز الثالث فمؤلف من بعض الذين تقربوا من الزعيم الايراني اثناء وجوده في فرنسا. والجهاز الرابع يضم عدداً من الجواسيس المتواجدين في كردستان اذربيجان. وتقول المعلومات ان هؤلاء لعبوا دوراً هاماً, الى جانب "زملاء" لهم اميركيين, في تحريك الحرب الاهلية التي جرت في تبريز بمطلع الشهر الماضي بين انصار الخميني وانصار شريعتمدرأي ...
ولم ينس "كرمل" الصين, عندما تحدث عن "الروح الأخوية" التي يجب ان تسود بين افغانستان وجاراتها فقال "ان الشعب الافغاني يطلب صداقة مع الشعب الصيني مجردة من اية مصلحة", واتنى تصريحه هذا رداً على بيان حكومة بكين الذي جاء فيه ان "الصين تعتبر ان الغزو السوفياتي لافغانستان يهدد امنها القومي" ... فمن ثوابت السياسة الصينية, محاربتها لأي مشروع سوفياتي يهدف الى تطويقها, او على الاقل عزلها استراتيجياً عن جاراتها الأسيويات. ولا ينسى الصينيون كيف حاول الروس, في عهد ستالين, تقسيم البر الصيني تمهيداً لضم القسم الشمالي منه الى الاتحاد السوفياتي ...
كما لا ينسى الصينيون المحاولات الانقلابية التي يحركها الاتحاد السوفياتي تمهيداً لمجيء نظام موال للكرملين. أي, نظام "كرمل صيني". فالصينيون عادوا وانفتحوا على الهند منذ سنة 1975 ومن ثم طوروا علاقاتهم مع اليابان ودول منظمة امم جنوب شرقي آسيا (تايلاندا, الفيليبين, ماليزيا, اندونيسيا وسنغافورة) ... ويعتبر المراقبون ان احداث افغانستان ستزيد في توثيق العلاقات بين بكين وطوكيو بشكل أساسي, ومن ثم بين باكستان والهند. ولا شك في ان زيارة هارولد براون, وزير الدفاع الاميركي, لبكين للتشاور حول سياسة المواجهة مع موسكو تكسب العلاقات الاميركية الصينية زخماً أكبراً وبعداً جديداً وذلك بأن ساوتها واشنطن بباقي حليفاتها الأطلسيات.
أما ابرز ما في المواجهة الاميركية للتوسع السوفياتي فهو استعداد بعض الدول مثل الصومال وكينيا ومصر واسرائيل وعمان ... على اعطاء واشنطن السماح في إقامة قواعد عسكرية في اراضيها.
وفي نظر المراقبين, إن الاتحاد السوفياتي دخل الثمانينات من الباب الواسع عسكرياً ليحمي نفسه اقتصادياً. ولكن, مقابل ذلك, خلق الغزو نفوراً شديداً عند بعض الدول التي كانت منحازة ومن ثم وطدت علاقاتها مع موسكو, كتركيا مثلاً, او غير منحازة كالهند العروفة بسياستها الخارجية المتزنة.
يبقى هنالك عدة تساؤلات من اهمها: هل سيتمكن الجيش الروسي الجرار من سحق. ثورة المسلمين في افغانستان؟ ... وما تأثير ذلك على العلاقات الايرانية الروسية؟ ... وفي حال لم يتجاوز الاعتراض الايراني حدود الكلام, هل تحافظ الثورة الايرانية على مصداقيتها بالنسبة للذين تجاوبوا معها؟ ... وما هي حدود الاعتراض الاميركي؟ ...
ومهما يكن من امر, فلقد كان من المتعارف عليه, عند الصينيين بشكل خاص ومن ثم عند الاميركيين ان الاتحاد السوفياتي, حسب قول الكاتب الاميركي إدغار سنو: "يثير ضجيجاً في الشرق ليوجه ضربته الى الغرب" ..
أما اليوم, فكما قال اللورد كارينغتون, وزير الخارجية البريطاني, ان "المشكلة ابعد بكثير مما حصل حتى الآن. انه اول تحرك عسكري سوفياتي خارج اوروبا مما يعني انهم سيتحركون في كل مكان" ..
فالمهم بالنسبة للروس كسر "القوس الاستراتيجي المشؤوم الذي بناه الاميركيون طوال السنين بالقرب من حدود الاتحاد السوفياتي الجنوبية" .., كما ذكرت "البرافدا" في عددها الصادر في 31 الشهر الماضي, واستبداله بملف عسكري يمثل حزاماً يقي الاتحاد السوفياتي ويسمح له بتركيع العرب.
فهل ينجح في ذلك وهوالذي تعود في السنين الاخيرة ان يكسب موقعاً بعد موقع في العالم؟
الجواب عند الاميركيين وحدهم.




