التوطين

Tuesday, 20 October 2009 14:20 | PostAuthorIconWritten by | PDF Print E-mail
Article Index
التوطين
Page 2
Page 3
Page 4
Page 5
Page 6
Page 7
Page 8
Page 9
Page 10
Page 11
Page 12
Page 13
Page 14
Page 15
Page 16
Page 17
Page 18
Page 19
Page 20
All Pages

توطين الفلسطينيين في لبنان

 

تقرير دبلوماسي
الصياد - فريد الخطيب

يقول أحد كبار السياسيين المحسوبين على العهد أن الرئيس الياس سركيس بدأ ممارسة سلطاته الفعلية يوم 6 كانون الثاني الجاري عندما أعلن أمام رؤساء البعثات الدبلوماسية أن لبنان يرفض توطين الفلسطينيين ويرفض أن يكون حل قضية الشرق الأوسط بمجملها على حساب قضية الوطن الصغير.
ويقول السياسي نفسه أن الرئيس سركيس لم يلق ذلك الخطاب استناداً إلى تكهنات أو تصورات مستقبلية إنما كان يعلم ماذا يجري في الخفاء وماذا يعد من حلول على مستويات دولية لتسوية أزمة المنطقة.
أكثر من ذلك هناك من يؤكد أن الأميركيين أفهموا من يعنيهم الأمر. مصارحة أو مداورة، أن الحل الممكن للمشكلة الفلسطينية هو نصف حل بالنسبة للفلسطينيين، أي منح الحكم الذاتي للفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية وقطاع غزة مع الارتباط بالكيان الأردني. أما النصف الآخر من الحل فهو توطين الفلسطينيين الآخرين حيث يقيمون، سواء أرادوا هم هذا المصير أو رفضوه وقاوموه...
ومن الطبيعي أن يرفض الرئيس سركيس بوادر هذا الحل ويحذر من أخطاره وهو يعلم أن موقفاً من هذا النوع وعلى هذا المستوى من الحدة سيلقى تأييداً من جميع الفرقاء، وأولهم الفريق الفلسطيني الذي لا يستطيع إلا أن يرفض التوطين ويعتبره ذروة المؤامرة على القضية، وطناً وشعباً، كما أن "الحركة الوطنية" سترفض الفكرة التزاماً منها بمبدأ التحرير وتقرير المصير. وفي المقابل فإن الجبهة اللبنانية ستقول للرئيس سركيس: هذا ما ننتظره منك. وها نحن معك في العمل لإحباط المخطط الذي يستهدف لبنان.
وهكذا صار. وأصبح الرئيس سركيس القاسم المشترك بين كل الآراء والمواقف، وقد التف حول موقفه الجميع على اختلاف تحليلاتهم و"تنظيراتهم" للخطاب.
ولكن المواقف شيء والتحركات شيء آخر. فالدولة لها خطة لمرحلة ما بعد رفض التوطين، وللجبهة اللبنانية موقف وللحركة الوطنية موقف وللمنظمات موقف. ومن هنا تظهر المخاوف مجدداً على مستقبل الوضع اللبناني، خصوصاً أن التقارير الدبلوماسية تنطوي على معلومات لا تشجع على التفاؤل، خصوصاً بالنسبة للذين يأملون أن تنتهي مبادرة السادات إلى حل قريب.
يقول تقرير أعده دبلوماسي كبير: إن المرحلة المقبلة لا تقل خطورة عن المراحل السابقة، ليس على الصعيد اللبناني فحسب، بل على الصعيد العربي إجمالاً. والخطورة لا تعني الاصطدامات بقدر ما تعني المفاجآت السياسية. ذلك أن السلام بين العرب وإسرائيل شبه مستحيل، إن لم يكن مستحيلاً، في السنوات المقبلة. والسبب يعود إلى أن مبادرة الرئيس السادات غير كافية لتمحو في ساعات ما أحدثته الحروب والأحقاد والمطامع خلال بضعة أجيال بحيث تبدو المشكلة أكثر عمقاً من نزاع على رسم حدود وتنفيذ قرارات دولية وانسحاب من "أراض احتلت" أو "الأراضي المحتلة".

سلام مرحلي
ويضفي الدبلوماسي الكبير لمحة تاريخية على الصراع العربي – الإسرائيلي فيقول إنه صراع حضارات، بل صراع ديني عنصري، وأي سلام يمكن أن يحصل بين العرب وإسرائيل سيكون سلاماً مرحلياً، حتى لو أصبح هناك تمثيل دبلوماسي بين تل أبيب والقاهرة أو غيرها من العواصم العربية.
ويضيف: إن المنطقة لن تنعم بسلام حقيقي إلا عندما تبلغ جميع شعوبها مرحلة التطور التي بلغتها الشعوب الأوروبية، وهي مرحلة فصل الدين عن القضايا الدنيوية. وعندما تصل شعوب المنطقة إلى هذا المستوى من التطور الفكري والثقافي والاجتماعي وتقلع عن الاتكال على القدرات الخفية قد تتمكن من تحقيق السلام والاستقرار المنشودين، ولكن، مع ذلك، لا بد أن يبقى الحذر والشك متسلطين على النفوس، وبالتالي تبقى إسرائيل تعمل من منطلقها الديني، وكذلك العرب.
ثم يعرض الدبلوماسي بعض مراحل النزاع العربي – الإسرائيلي، خصوصاً المرحلة الحالية وهي غير الأخيرة، ليؤكد وجهة نظره وينتقل إلى القول "ليؤكد أن المنطقة ستتعرض لحروب جديدة بين الدول العربية وإسرائيل، وأحياناً بين بعض الدول العربية نفسها".
والأسباب، كما يوضحها، هي أن زيارة السادات إسرائيل وكل التطورات التي أسفرت عنها حتى الآن لن تؤدي إلى النتائج المرجوة، وإذا ظهر بعض الإيجابيات على هذا الصعيد فلن يكون إلا نوعاً من الرماد في العيون..
ويضيف الدبلوماسي أسباباً أخرى فيقول: "ولنكن أكثر واقعية ونتذكر أن العرب قبل العام 1967 كانوا يستعدون للحرب، وبعد العام 1973 أخذوا يتكلمون عن الحرب. وبعد ذهاب السادات إلى إسرائيل أصبحوا يتكلمون عن السلام، والله يعلم كم يخفي هذا السلام خلفه من جبال الكره لإسرائيل والاستعداد لمحاربتها"!
ثم يقول: إن لبنان الذي كان النموذج المثالي النقيض لوجود إسرائيل أسقطته الحرب "التي لم تكن صراعاً بين الديانات بل كانت صراعاً بين اللبنانيين والفلسطينيين" وكانت النتيجة خسارة للقضية الفلسطينية ولشعار الدولة العلمانية الديمقراطية في فلسطين. ومن هنا فلا أمل قريباً بإعادة رفع هذا الشعار قبل أن تجتاز شعوب المنطقة، بما فيها إسرائيل، وطاً طويلاَ نحو التطور الأوروبي الذي تجاوز صراع الأديان واستطاع بناء الدول المتمدنة المتحضرة.

التوطين أمر واقع
ويتناول الدبلوماسي الكبير في تقريره الموضوع اللبناني الأساسي في هذه المرحلة وهو موضوع "التوطين" الذي طرح عبر تصريحات ومبادرات مختلفة فيقول إن توطين الفلسطينيين حصل بشكل أو بآخر، وهو أمر واقع لا مفر منه، والدليل على ذلك وجود هذا العدد الضخم من الفلسطينيين على الأراضي اللبنانية، وكل المشاريع المطروحة لحل أزمة الشرق الأوسط لا تشير من قريب أو بعيد إلى إيجاد مخرج أو حل، باستثناء حل واحد هو التوطين.
وفي رأيه إن مشروع إقامة الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، إذا تحقق، لا يحل المشكلة لسببين، الأول لأن إسرائيل ترفض التسليم بالدولة الفلسطينية إذا كانت ستسيطر عليها منظمة التحرير والثاني أن عدد سكان الضفة والقطاع قد ازدادا بنسبة لا تترك مجالاً واسعاً لعدد إضافي كبير من الفلسطينيين.
والتوطين مشروع قديم مشمول بموافقة بعض الدول الكبرى. ذلك أن قرارات الأمم المتحدة تنص على دفع تعويضات للفلسطينيين الذين خسروا أملاكهم وبيوتهم في الأراضي المحتلة، وهذا جزء أساسي من مؤامرة التوطين التي يعلن الجميع رفضها والتصدي لها.
وفي اعتقاد الدبلوماسي الكبير أن الدول التي تنظم اللعبة ستكشف عن مشروعها في الوقت المناسب وتعلن أن حل أزمة المنطقة هو في التوطين.
وفي اعتقاده أيضاً أن الفلسطينيين مطلعون على كل الإجراءات التي تتخذ.
ويختم الدبلوماسي الكبير تقريره بنقطة إيجابية تتعلق بلبنان خلاصتها "أن الوضع اللبناني حالياً لا بأس به وأن الدول الكبرى صانعى الحلول أصبحت متفهمة أكثر من ذي قبل أهمية المحافظة على استقرار لبنان وسلامة بقائه"!

قميص عثمان؟!
إلا أن النظرة إلى التوطين تختلف على صعيد "الحركة الوطنية". ففي حين تؤكد الأحزاب اليسارية وجود مؤامرة هدفها "تذويب فلسطين والفلسطينيين" تعلن أن موضوع التوطين يأخذ حجماً مضخماً وذلك لتمييع القضية الأساسية وصرف الأنظار عنها.
وفي لقاء بمنزل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السيد وليد جنبلاط ضم بعض رؤساء الأحزاب أثير الموضوع.
وفي رأي الأحزاب إنه إذا كان بيغن قد طرح موضوع التوطين في واشنطن بشكل عام وطرحه فانس بشكل عرضي خلال محادثاته في بيروت فليس من الضروري التقاط الموضوع.
إن حقيقة موضوع الاستيطان هي أن المشروع مطروح كحل من الحلول التي يجري التفاوض بشأنها حالياً بين مصر وإسرائيل برعاية الولايات المتحدة الأميركية. وأن المقاومة تعرف هذه الحقيقة وكذلك الدول العربية الأخرى.
ومهما يكن الأمر فإن موضوع التوطين أصبح محوراً أساسياً في الجدل القائم بين مختلف الفرقاء على الساحة اللبنانية. وطالما أن هناك إجماعاً على رفض هذا المشروع، أياً كانت مبررات الرفض وأسبابه، فإن السلطة تستطيع أن تنطلق من هذه الزاوية لتحقق منجزات سياسية كثيرة في جو يتوافر فيه الحد الأدنى من الوفاق على الأقل.
 _______________________________________


 

مذكرة من منظمة التحرير للخارجية
ترفض التوطين وتعتبره "بالون اختبار"

الصياد
فريد الخطيب

زار وفد من "عقال" الفلسطينيين المقيمين في لبنان السيد ياسر عرفات وبحث معه أمر مشروع إقامة مخيم البيسارية في جنوب لبنان. فسأل أحدهم عرفات: هل سيكون البناء في المخيم من طبقتين؟ فرد عرفات بالإيجاب. فقال الرجل المتقدم في السن: هذا يعني أنه سيكون للبناء سقف من الإسمنت. فرد عرفات بالإيجاب أيضاً. وهنا اعترض الرجل المتقدم بالسن الذي كان يتحدث باسم الوفد قائلاً: لا. لا يمكن أن نقبل هذا.
والحقيقة أن موضوع إسكان الفلسطينيين وتوطينهم في الدول العربية قديم في عمر النكبة عام 1948. وقد تصدى له المسؤولون الفلسطينيون والحركات القومية العربية والحركات الاجتماعية والثقافية في الدول العربية خلال الأعوام الثلاثين الماضية. واستمر مئات الآلاف من الفلسطينيين يعيشون في المخيمات في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن وسوريا ولبنان، فيما اعتبره السيد عبد المحسن أبو ميزر الناطق الرسمي باسم اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية "أطول تظاهرة في التاريخ".
في السادس من الشهر الجاري رفض الرئيس الياس سركيس، في استقباله لرؤساء البعثات الدبلوماسية بمناسبة بدء السنة الجديدة، رفض لبنان توطين الفلسطينيين المقيمين فيه. وقال "إن لبنان قد التزم منذ نشوء أزمة الشرق الأوسط موقفاً صريحاً واضحاً، ينادي بالسلام العادل، انطلاقاً من الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني على أرضه".
وفي اليوم ذاته أدلى السيد صلاح خلف بتصريح رفض فيه بشدة توطين الفلسطينيين. وقال "إن أي قطعة من أرض فلسطين لا نقبل عنها بديلاً أي قطعة في العالم بما فيها لبنان".
وفي مهرجان أقيم بذكرى "يوم الشهيد" في اليوم التالي قال "أبو أياد" أن المقاومة الفلسطينية حاربت في لبنان "لتبقى البندقية ونعود عليها إلى فلسطين".
في اليوم الثالث نشرت صحيفة "العرب" القطرية تصريحاً لعرفات قال فيه أن التوطين يشكل مؤامرة خطيرة على القضية الفلسطينية وعلى مستقبل الشعب الفلسطيني. ودعا الدول العربية إلى تحديد موقف واضح وشامل في رفض فكرة توطين الفلسطينيين، محذراً إياها من أخطار تحقيق ذلك. وقال إن الشعب الفلسطيني لن يقبل بغير وطنه وإقامة سيادته الوطنية عليه.
في التاسع من الشهر الجاري بعثت الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية برسالة إلى وزارة الخارجية اللبنانية وقعها رئيسها السيد فاروق القدومي، وقال فيها "إن كل بالونات الاختبار ومشاريع التوطين هذه التي تطرحها إسرائيل والإمبريالية الأميركية وعملاؤها لن تجد على الصعيد الفلسطيني الشعبي أو الرسمي أية أذن صاغية".
وقد فازت "الصياد" بالحصول على نسخة من تلك الرسالة، وفيما يلي نصها الحرفي:
"تبدي منظمة التحرير الفلسطينية (الدائرة السياسية) أطيب تحياتها إلى وزارة الخارجية الموقرة في الجمهورية اللبنانية الشقيقة، وترجو – انطلاقاً من رغبتها في تبادل الرأي والفهم المشترك للقضايا التي تهم شعبنا وأمتنا – أن تعبر للوزارة الجليلة عن عميق تقديرها لمواقف التأييد التي تضمنتها تصريحات مختلف الرسميين في لبنان الشقيق لقضيتنا الفلسطينية وفي مقدمتها تصريحات فخامة الرئيس الياس سركيس في بيانه أمام رجال السلك الدبلوماسي يوم السادس من كانون الحالي، وتصريحات دولة رئيس مجلس الوزراء اللبناني في الرابع من الشهر الجاري، والتي تضمنت رفضها لأي حل أو أية محاولة تستهدف توطين شعبنا العربي الفلسطيني في غير أرضه الفلسطينية.
"إن منظمة التحرير الفلسطينية وهي تقدر مواقف الدعم هذه وتنظر باهتمام إلى الأبعاد الخطيرة المترتبة على طرح موضوع توطين الشعب الفلسطيني في غير أرضه، الأمر الذي أخذ يتناوب على بثه هنا وهناك أكثر من طرف مغرض يقف وراءه العدو الصهيوني المشترك، لترجو أن تسجل بكل وضوح أنها لن تقبل تحت أي ظرف من الظروف أن تسمح أو أن توافق على مجرد طرح مثل هذا الموضوع لمجرد المناقشة، وأن كل بالونات الاختبار ومشاريع التوطين هذه التي تطرحها إسرائيل والإمبريالية الأميركية وعملاؤها لن تجد على الصعيد الفلسطيني الشعبي أو الرسمي أية  أذن صاغية.
"إن منظمة التحرير الفلسطينية وهي توضح هذه الحقيقة الراسخة لترجو أن تؤكد بكل حزم ووضوح أنها وشعبنا الفلسطيني لن تقبل التوطين على أية بقعة في العالم – سواء في لبنان أو سواه – وأن الوطن الطبيعي والتاريخي لشعبنا هو في فلسطين وهو الوطن الوحيد الذي سيظل كفاحنا مستمراً حتى بلوغه والاستقرار فيه، آملين أن تكون هذه الحقيقة الراسخة كفيلة بوضع حد لكل محاولات الدس التي تستهدف تشويه أو تحوير الموقف الفلسطيني على غير حقيقته، مؤكدين من جديد عميق تقديرنا للمواقف المؤيدة التي رفض فيها مختلف الأخوة المسؤولين في لبنان الشقيق  مشاريع الحلول الاستسلامية المطروحة من قبل عدونا المشترك.
"تغتنم منظمة التحرير الفلسطينية (الدائرة السياسية) هذه المناسبة لتعرب لوزارتكم الجليلة عن عميق تقديرها واحترامها".
فاروق القدومي
رئيس الدائرة السياسية
لمنظمة التحرير الفلسطينية

في تلك الرسالة تعتبر منظمة التحرير طروحات التوطين "بالون اختبار" والسؤال: بالون اختبار لماذا؟ والجواب في بعض أوساط منظمة التحرير أنه بالون لاختبار إمكانات توطين الفلسطينيين في الأردن وفي شبه جزيرة سيناء ضمن إطار مشاريع التسوية السياسية المطروحة وذلك على أساس مشاريع التنمية والري التي بدأها مشروع جونستون.
وفي مشاريع التسوية السياسية المطروحة ترفض إسرائيل عودة الشعب الفلسطيني إلى "دولة مستقلة" تقام في فلسطين. وتصر في الوقت ذاته على بقاء مستوطناتها في الأراضي المحتلة من مصر وسوريا أيضاً.
وباختصار فإن الموقف الفلسطيني من طرح موضوع التوطين ضمن مشاريع التسوية تلك هو: تشجيع الدول العربية على رفض التوطين، على أن يكون ذلك مقروناً بتأييد منظمة التحرير الفلسطينية.(0انتهى)

__________________________

 القذافي وعلاقته بالقوى اللبنانية: أسرار امتدت ثلاثة عقود

ابراهيم بيرم-جريدة النهار26 شباط 2011 الصفحة 13

قبل اقل من عامين تحدث بيان وزع في بيروت عن قيام وفد من نحو 30 شخصية لبنانية بينهم اصحاب مهن حرة ورؤساء بلديات وشخصيات في طرابلس الغرب، وقابلوا الزعيم الليبي معمر القذافي، وتداولوا واياه في قضايا تتصل بالوضعين اللبناني والعربي عموما.
وربما كان هذا الوفد آخر وفد لبناني يقابل الرجل، اذ بعده لم تأت المعلومات على اي انباء عن لقاءات بينه وشخصيات او وفود لبنانية.
ووفق المعلومات فإن زيارة هذا الوفد اتت، من ضمن توجهات للنظام الليبي، الذي يهتز منذ مدة مؤذناً بالسقوط الوشيك، تقضي بالعمل وفق اي السبل وهي محاولة للعودة مجدداً الى الساحة اللبنانية، في محاولة مكشوفة لاستعادة الحضور الليبي في كل هذه البقعة التي كانت في مرحلة من المراحل واحدة من "الرئات" الاساسية التي كان يتنفس منها وعبرها، ويمارس فيها ومن خلالها طموحاته واوهامه السياسية وغير السياسية.
ليس خافياً ان علاقة القذافي ونظامه، وما انطوى عليه من مشاريع متعددة وما ابتكره من تطلعات وافكار عابرة للأقطار والساحات العربية، بالساحة اللبنانية على وجه التحديد راوحت ما بين مدّ وجزر، واقدام واحجام، ولكن المفصل الاساس والعلامة الفارقة في رحلة هذا الرجل الملتبس والمغامر، عبر هذه الساحة كانت مسألة اختفاء الامام السيد موسى الصدر، ابان رحلة كان يقوم بها هذا القائد المميز لطرابلس الغرب في اواخر آب العام 1978، وقبل هذا التاريخ وبعده بقي ظل القذافي ممتداً على الساحة اللبنانية وله مع العديد من اشخاصها ورموز بعض قواها السياسية خزان اخبار واسرار.
ربما كان ابرز الكاتمين لها والعارفين بخفاياها الامين العام السابق للحزب الشيوعي والقائد المخضرم جورج حاوي الذي قضى غيلة في مطلع عام 2006، طاويا صدره على هذه الاسرار كونه واحدا من قلة نادرة ومن الشخصيات اللبنانية والعربية ظل القذافي يقبل بالتواصل معها، وهو المعروف بأنه من "العيوفيين" الذين لا تطول صحبتهم لاحد، التي ولا تمتد ثقته بأحد، اذ ما يلبث ان ينقلب عليه وفق كل الذين يقيض لهم ان يقاربوه.
من الصعوبة بمكان ايجاد جردة حساب عميقة لعلاقة القذافي بالساحة اللبنانية، لاعتبارين اثنين:
الاول: لطول هذه العلاقة الممتدة الى اكثر من ثلاثة عقود.
الثاني: لتشعب هذه العلاقة وتعقدها ومراوحتها ما بين الدعم المادي البلاحدود، الى تصدير الافكار والاسرار، الى اصدار الصحف ودور النشر، ومراكز البحوث والدراسات، مرورا بالمشاريع الاقتصادية والعمرانية، وصولاً الى حد انشاء الاطر السياسية (كان يكره تسمية الاحزاب)، وما يندرج تحتها من لجان ثورية ومؤتمرات ذات طابع قومي.
ورغم ذلك، فلا بد من الاشارة استهلالاً الى ان جذور هذه العلاقة تضرب الى مطالع عقد السبعينات في القرن الماضي. في ذلك الزمن الغابر، كانت الساحة اللبنانية تحتضن كما هو معلوم قوة اساسية ناهضة وواعدة هي "الحركة الوطنية" اللبنانية بتلاوينها اليسارية والقومية والبين بين، وهي تضع نصب اعينها، لا سيما بعدما تضخمت وانتجت من نفسها قوة متعاظمة، القبض على مقاليد تغيير المعادلات والموازنات الداخلية اللبنانية لمصلحة برنامج تغييري، والى جانبها كانت هناك الفصائل الفلسطينية المنتقلة آنذاك لتوها الى هذه الساحة بعدما نجح النظام الاردني في طردها من بلاده بعدما ألحق بها ضربة عسكرية موجعة.
ولأن القذافي كان عهدذاك في ذروة تألقه الثوري، كوريث للناصرية التي رحل رمزها الابرز جمال عبد الناصر، وقد رحل لتوه تحت وطأة نكسة عام 1967، تاركاً تياراً شعبياً عربياً ممتداً وعريضاً ملكوماً، يبحث عن مثال آخر، توجهت انظار الحركة الوطنية والفصائل الفلسطينية الى القذافي الشاب، الممتلئ وعودا وثورية وحماسة لا تهدأ، وجعلته بالتالي معقد آمالها ومربط احلامها.
وفي المقابل بدا واضحا ان القذافي الذي كان يعيش، حتى يومذاك، على مجد احتضان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وتسميته اياه بالامين على القومية العربية، والذي خال انه الوريث الشرعي للزعامة الناصرية، وجد ضالته في الساحة اللبنانية والقوى والتيارات اللبنانية والفلسطينية الموجودة فيها على حد سواء.
ووفق معلومات وذكريات بعض من قدر لهم ان يعاصروا عن كثب تطورات تلك المرحلة، وخفايا تلك العلاقة، فإن القذافي اتخذ لنفسه نخبة سياسية لبنانية جعلها بمثابة مجلس مستشارين مقربين منه، يرفدونه بالافكار والرؤى والمشاريع الهادفة جميعها الى جعله قطب المرحلة في العالم العربي، الذي شعر بأنه بات بلا اب روحي له بعد غياب عبد الناصر.
واللافت ان تلك المجموعة التي اتخذها الزعيم الليبي يومذاك  دائرة مستشاريته الضيقة والموثوقة كانت تضم شخصيات تنتمي الى كل التيارات السياسية الصاعدة في تلك الحقبة، اذ كان فيها الشيوعي والناصري والقومي السوري والتقدمي الاشتراكي، وحتى من كان يعتنق فكر حزب البعث.
واللافت ان هذه النخبة السياسية الفكرية نجحت في تأمين جسر علاقة متينة بين القذافي والساحة السياسية والاعلامية اللبنانية، وذلك من خلال تلميع صورة الزعيم الليبي  في الوسط السياسي والاعلامي والفكري والثقافي اللبناني، وتقديمه في صورة القائد الثوري صاحب الرؤية الذي يتخطى كونه رئيس دولة عربية محدودة السكان.
ولا بد من ان كثيرين ما زالوا يذكرون كيف ان الراحل جورج حاوي اطلق على القذافي ونظامه مصطلح "المثابة الثورية".
وفي المقابل صارت العاصمة الليبية مقصد عشرات الوفود والشخصيات اللبنانية، اما الباحثة هناك عن دور وموقع وتمويل لمشروع ما سياسي او اعلامي او ثقافي، وإما للمشاركة في مؤتمرات ومناسبات ومهرجانات متنوعة الاهتمامات كانت تنظمها دوائر القرار في النظام الليبي. والغاية القصوى المضمرة لهذا النشاط المحموم، ايجاد جسور تواصل بين اوسع الشرائح اللبنانية و"المركز" الليبي.
وهكذا وغداة اندلاع الحرب الاهلية في لبنان العام 1975، كانت ليبيا القذافي حاضرة بقوة في الوسط السياسي والاعلامي والثقافي من خلال:
    1 - قوى وتيارات سياسية ترتبط مباشرة بالقيادة الليبية وتعمل وفقاً لتوجهاتها ورؤاها، وغالبيتها من القوى والتيارات والمجموعات الناصرية الهوى والتوجه.
وتذكر ادبيات تلك المرحلة بان الاحصاءات سجلت في نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي، اسماء نحو 18 تنظيماً وحزباً وتياراً يدعون النسب الى الناصرية وفكرها، ولكن لكل منها قيادتها الخاصة وقاعدتها الجماهيرية واطارها التنظيمي والعسكري وقواعدها المختلفة.
ومن المفارقات التي تذكر ان كل هذه القوى والمجموعات كانت توالي القذافي وتجعل منه رمزها وقائدها وتتلقى منه الدعم والرفد المالي والسياسي، ولقد بذلت لاحقاً محاولات لجمع هذه القوى تحت لواء واحد، ولكنها لم تنجح. فيما حاولت القيادة الليبية في  تلك المرحلة ايجاد مظلات عامة تعمل تحتها هذه القوى، مثل "رابطة الطلبة العرب الناصريين الوحدويين" و"التنظيم الناصري العربي" و"المؤتمر العام للأحزاب الناصرية"، ولكن الواضح ان هذه الاتحادات الناصرية لم تعمر طويلاً.
    2 - دعم وتمويل اصدار صحف يومية واسبوعية شهرية خصوصاً في بيروت، التي كانت يومذاك عاصمة الصحافة العربية الحرة.
    3 - انشاء دور نشر مثل دار "المسيرة".
    4 - انشاء مراكز بحوث ودراسات وابرزها "معهد الانماء العربي" الذي كان مركزه الاساس في طرابلس الغرب، لكن مقره في بيروت (في محلة بئر حسن) كان الافعل والانشط، اذ عكف على اصدار اكثر من 250 كتابا وموسوعة، اضافة الى مجلة دراسات شهرية (تحولت لاحقاً  فصلية)، اضافة الى تنظيم ندوات ومؤتمرات علمية وثقافية وفكرية...
واللافت ان هذا المعهد جمع خيرة المثقفين والكتاب والصحافيين اللبنانيين، الذين كانوا يعملون كباحثين متفرغين او متعاقدين او متعاملين. وكانت رواتبهم هي الاعلى، الى درجة ان البعض عدّ هذا المركز وكأنه مركز انشئ خصيصاً لربط مثقفي لبنان والنخبة الفكرية والعلمية والجامعية فيه، بنظام القذافي، وهو اسلوب اتبعته معظم الانظمة التي كانت لها تطلعات كبيرة عابرة حدود بلادها.
    5 - دعم وتمويل مشاريع عمرانية وصحية وتربوية في المدن والبلدات والقرى التي سيطرت عليها، احزاب وقوى "الحركة الوطنية" من العام 1975 وحتى العام 1982.
واللافت انه في تلك المرحلة كان نظام القذافي يتعاطى مع كل القوى الوطنية واليسارية والقومية الموجودة في لبنان، ولم يفكر في انشاء اطر واحزاب خاصة به، مع انه كان يدعم قوى وشخصيات اكثر من سواها تحت عنوان انها قريبة منه في شكل مباشر، او تعتبر امتداداً له، خصوصاً الاحزاب ذات التوجه الناصري.
وليست جديدة الاشارة الى ان التنافس كان في تلك الحقبة على اشده بين النظامين العراقي والليبي على الساحة اللبنانية، وعلى اكتساب ود قواها واحزابها الوطنية، وان سوريا كانت تفيد من الحضور الليبي الذي كانت تعتبره رصيداً لها وداعماً لتوجهاتها للحد من تنامي نفوذ النظام العراقي.
وظلت الصورة على هذه الحال حتى اختفاء الامام الصدر ابان زيارته ليبيا في العام 1978، اذ صار القذافي ونظامه عدواً لشريحة من اللبنانيين الذين اتهموه مباشرة بجريمة اخفاء الامام الصدر والشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين.
ومذذاك فتحت حركة "امل" حربا لا هوادة فيها على النظام الليبي وامتداداته ورموزه في لبنان. ومن ذلك الحين اضطر النظام الليبي الى ان يسلك سلوكاً مغايراً على الساحة اللبنانية، لا سيما بعدما شعر بأنه بات طرفاً في هذه الساحة، وان القوى التي ظن انها ستكون الى جانبه وتدافع عن وجوده في لبنان بدأت تعيد حساباتها، لا سيما بعدما رفعت حركة "امل"  وتيرة استهدافاتها وهجماتها على الديبلوماسيين الليبيين وعلى كل القوى والفصائل التي كانت تدور مباشرة في فلك النظام الليبي.
وازداد وضع النظام الليبي على الساحة اللبنانية صعوبة وحراجة بعد انسحاب قوات منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان في صيف عام 1982، في اعقاب الغزو الاسرائيلي الواسع النطاق للأراضي اللبنانية في ذلك التاريخ، وفي اعقاب سيطرة حركة "امل" على الوضع في بيروت الغربية في أعقاب ما صار يعرف في القاموس السياسي اللبناني بـ"انتفاضة السادس من شباط" العام 1984، واضطرار طرابلس الغرب الى سحب كل بعثتها الديبلوماسية من لبنان، بعد ذلك التاريخ، ولا سيما بعد اقتحام السفارة الليبية في منطقة بئر حسن.
وعموماً بعد اختفاء الامام الصدر في ليبيا، وبعدما بات نظام القذافي مستهدفاً من جانب حركة "امل"، وبعد تغير الاوضاع جذرياً في الساحة اللبنانية في أعقاب اجتياح العام 1982، وما تلا ذلك من تقلص لدور الحركة الوطنية، وضمور حضور اغلب احزابها، وانفراط عقدها الجامع (اللجنة التنفيذية والمجلس السياسي للحركة الوطنية)، وفقدانها ذراعها العسكرية المتمثلة بقوات الفصائل الفلسطينية، وصعود نجم حركة "امل" وضعف عصب التيار القومي، بدا واضحاُ ان نظام القذافي بدأ يسلك مسلكاً مختلفاً وينفذ اداء مغايراً على الساحة اللبنانية، تمثل بالآتي:
    - وقف ضخ الاموال والمساعدات والمخصصات المالية لاحزاب وقوى معينة.
    - قطع العلاقة مع قوى واحزاب كانت حتى الامس القريب تعمل وفق توجيهاته. بل ان القذافي ساهم في احداث انشقاقات في داخل هذه القوى، ولا سيما القوى الناصرية.
- وقف انشطة كل المؤسسات والمعاهد والمرافق التي كان نظام القذافي انشأها على الساحة اللبنانية، ومن بينها معهد الانماء العربي.
    - وقف زيارات الوفود اللبنانية الى ليبيا والتي كانت تتم في شكل شبه يومي.
    - انصرام حبل العلاقة بين القذافي والمجموعة اللبنانية التي كانت بالنسبة إليه بمثابة حلقة استشارية.
    - ولم يسجل اي دور مميز في دعم ما يقدمه القذافي لجبهة "المقاومة الوطنية اللبنانية" للاحتلال الاسرائيلي، وهي الجبهة التي بدأتها احزاب يسارية وقومية غداة الاجتياح الاسرائيلي للأراضي اللبنانية. وبدا جلياً لكل الذين حافظوا على شكل علاقة وتماس مع النظام الليبي، ان رموز هذا النظام  بدأوا يتحدثون في شكل سلبي عن حلفائهم السابقين في لبنان، وعلى ادراجهم في خانة "الخونة" و"الغدارين" و"الخائفين"من غضبة حركة "امل" والشيعة عموماً.
    - شرع النظام الليبي في اتباع نهج معين في العلاقة مع الساحة اللبنانية كما مع بقية الساحات العربية قوامه انشاء اطار سياسي معين مركزه في طرابلس الغرب، على ان تكون له خيوط علاقة من نوع ما مع الساحة اللبنانية وسواها.
وتعددت هذه الاطر ضمن "المؤتمر الشعبي العربي"، الى "اللجان الثورية العربية"، الى "المثابة الثورية العربية"، واخيرا وليس آخرا الى "الملتقى الثوري العربي الديموقراطي". وتكفل هذه الاطر بالقيام بأنشطة ومؤتمرات معينة ومناسبات معينة تارة في بيروت وطوراً في صنعاء وسواها.
    - قطع العلاقة بين طرابلس الغرب، وفصائل فلسطينية بعينها، كانت في وقت من الاوقات محسوبة بالكامل على النظام الليبي، مثل "الجبهة الشعبية – القيادة العامة" بزعامة احمد جبريل، والابقاء على علاقة مميزة مع "فتح – المجلس الثوري" بزعامة الراحل صبري البنا "ابو نضال" الذي كان قبيل اغتياله في بغداد في اواخر عقد التسعينات، طريد كل العواصم العربية.
وحتى بداية الحصار الاميركي – الغربي على ليبيا في التسعينات من القرن الماضي، والذي دفع القذافي الى الانكفاء الى الداخل كلياً، كان الحضور الليبي في الساحة اللبنانية في اضعف حالاته، ان لم يكن معدماً، فلا تمثيل ديبلوماسياً، ولا نشاط معيناً يميز حضوره، بعدما كان مالئ الدنيا وشاغل الناس، وهو الذي ظن في يوم من الايام انه يقبض على زمام الساحة اللبنانية حتى انه تجرأ في حقبة السبعينات ودعا مسيحيي لبنان الى "الاسلمة" بالكامل.
واللافت انه، بعدما نجح نظام القذافي في انهاء قضية "لوكربي" والحصار الغربي والدولي على بلاده، سعى الى فتح الابواب مجدداً على الساحة اللبنانية من خلال امرين اثنين:
الاول عرض عبر اكثر من طريق ايجاد تسوية لقضية الامام الصدر، تارة عبر تحميل مسؤولية قتل هذا القائد المميز، لـ"ابو نضال" الذي كان قتل في بغداد، وتارة اخرى عبر عرض دفع مبلغ ضخم من المال.
الثاني: العمل على فتح قنوات اتصال غير مرئية بواسطة بعض الموفدين الذين كانوا يصلون سراً عبر سفارته في دمشق، مع عدد من الشخصيات والقوى اللبنانية، ولا سيما تلك المحسوبة على المعارضة السابقة.
ولكن الواضح انه، فيما اخفق اخفاقاً تاماً في المسألة الاولى، لم ينجح في تحقيق اختراق واسع في المسألة الثانية.

_____________________________________________________


جماهير الأمة العربية
مع دعوتك يا أبو عمار

الحوادث 5/11/76

• الأخ أبو عمار يدعو مجلس الدفاع العربي المشترك للانعقاد من أجل تحديد خطة الحرب
 

إذا كانت فلسطين هي جوهر القضية ولب المشكلة في الصراع العربي الصهيوني، فإن رفض الشعب العربي الفلسطيني اليوم لمعاهدة الصلح الساداتية الإسرائيلية الأمريكية يمثل ثقلاً رئيسيالإ ومهماً في إجهاض نتائج هذه المعاهدة وتطويق أهدافها وغاياتها المشبوهة.. وقد رفض الشعب الفلسطيني هذه المعاهدة عن قناعة ثابتة بأنها تتجاهل حقيقة القضية، وتسبغ الشرعية على الاحتلال والاغتصاب الصهيوني وترمي في البحر بالحقوق المشروعة وحق تقرير المصير والعودة وإقامة الكيان الوطني الفلسطيني. لقد كان رفض شعبنا العربي الفلسطيني للمعاهدة متميزاً ونوعياً، فأبناء الضفة الغربية والقطاع انتفضوا بأقصى درجات الغضب والسخط مستنكرين مشاريع الحكم الذاتي معتمدين على الإرادة الثورية الصلبة لإفشال الحكم الذاتي وتلقين قوات الاحتلال دروساً جديدة في التصدي والاستبسال. والمقاومة الفلسطينية، بكافة فصائلها، جددت مواقفها الوطنية والقومية مشددة على الكفاح المسلح كطريق للتحرير وعلى التمسك بنهج التضحية والقتال وصولاً لاستعادة كامل التراب الوطني الفلسطيني.

- قرارات قمة بغداد لم تعد كافية
وقد جاءت مواقف الأخ أبو عمار رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية المدينة للمعاهدة والرافضة لها على رأس الموقف الشعبي والرسمي الفلسطيني حيث أكد في خطابه داخل مؤتمر وزراء الخارجية العرب في بغداد إننا لا نقبل أن تكون الخيانة وجهة نظر، بل يجب معاقبة الخائن وإنني أعتبر أن الخطوة الأولى اتخذت في مؤتمر القمة العربي عندما قررت فرض العقوبات على نظام السادات في حالة التوقيع على معاهدة الخيانة".
والأخ أبو عمار يستدرك أبعاد المخطط الصهيوني الأميركي الساداتي معتبراً "أن المؤامرة مستمرة ولن تقف عند إهدار حقوق الشعب الفلسطيني بل ستستمر لتنال من حقوق الأمة العربية كلها. إن هناك أطماعاً إسرائيلية كبيرة. إن هناك طاعوناً حل بمنطقتنا بعد التوقيع..".
ولمواجهة هذا الطاعون فالأخ أبو عمار يشدد على أن قرارات قمة بغداد لم تعد كافية للمرحلة، "ونحن نطالب ليس بفرض العقوبات على مصر وإنما على المهندس الأميركي، على الولايات المتحدة الأميركية.. لأن الولايات المتحدة أرادت أن يلعب السادات دور الشرطي العربي إلى جانب الشرطي الإسرائيلي في المنطقة".
ويشير الأخ ابو عمار إلى أن المقصود بمعاهدة الاستسلام إذلال الشعب الفلسطيني وأمته العربية، ولكنه يرد على ذلك بلهجة المصمم والواثق ويقول:
بالنسبة لشعبنا الفلسطيني، لا يستطيع أحد ذله بعد اليوم بعد أن قامت ثورته وأصبح يشكل رأس الرمح في أمتنا العربية، هذه الثورة التي تدخل عامها الخامس عشر مستمرة.. فالرقم الصعب والأساسي في معادلة الشرق الأوسط هي ثورة الشعب الفلسطيني".

الأمة العربية قادرة على الانتصار
وحينما يتكلم عن الرقم الفلسطيني في معادلة الشرق الأوسط فإنه يربط هذا الرقم ببعده وعمقه القومي لأن الأمة العربية بالرغم من عنف المؤامرة الإمبريالية الصهيونية قادرة على تحقيق الانتصار مهما طال الزمن أو قصر ومهما بلغت التضحيات..
ويعود الأخ أبو عمار في أحاديثه الصحفية ليضع العرب شعوباً وأنظمة أمام حقيقة الأوضاع التي يمرون منطلقاً من أن العرب على مفترق طرق: إما أن نكون وإما لا نكون، إما أن نذهب واحداً وراء واحد إلى التوقيع وإما أن نصمد".

- تهديد بيغن وكارتر
وصراع الوجود الذي تخوضه الأمة العربية منذ أن أقيم الكيان الصهيوني الاستيطاني على أرضها يتخذ أشكالاً وأساليب متنوعة، يستخدمها العدو للسيطرة على المنطقة وابتلاعها وتركيع قواها المقاتلة، وتلعب الإدارة الأميركية في هذا المجال دوراً واضحاً في تهديد القوة القومية والوطنية العربية والتلويح بعصا المتابع للثورة الفلسطينية، وفي أحاديثه الصحفية كشف الأخ أبو عمار النقاب عن التهديدات الأميركية والصهيونية له وللثورة فقال: الإدارة الأميركية أرسلت لي قبل مدة تهديداً بأنهم سيخلقون لنا المتاعب، وبيغن قبل فترة وجيزة قال بأنه سيحرق أصابعي" وندد بالتهديد مردداً: "فليفهم كارتر وبيغن والسادات، بأن أحداً لا يستطيع حرق أصابع الثورة الفلسطينية، فهذه الثورة تهدد ولا تهدد، وعلى بيغن أن يفهم أنني لن أكتفي بحرق أصابعهم في هذه المنطقة بل بقطع أياديهم منها كلياً"..

- دروس من التاريخ
وعاد بالذاكرة، عدة سنوات إلى الوراء لإحضار بعض دروس التاريخ العربي الحديث "فسابقاً وقع النقراشي المعاهدة مع رودوس؟ فماذا كانت نهايته على يد الشعب المصري؟ نفس المصير سيلقاه السادات على يد الشعب المصري. لأن هذا الشعب يسير بهدوء وسلاسة لكن عندما يأتي الفيضان فإنه سيجرف أمامه كل شيء وسيطمس العملاء والدخلاء من أرض الكنانة".
ولا يكتفي الأخ أبو عمار بتلك الحادثة وردود الفعل الشعبية عليها، بل ينتقل إلى أيامنا الحاضرة مخاطباً الرئيس الأميركي كارتر ومتسائلاً في نفس الوقت. ماذا فعلت طائراته وأساطيله في حلف السنتو أمام عظمة الشعب الإيراني البطل بقيادة الشيخ الوقور آية الله الخميني، وكما تمزق حلف السنتو فسوف يتمزق الحلف الكرتوني الجديد.."

- الغرب وحساباته الخاطئة
هذا توقع يجب أن يعرفه العرب والعالم وخاصة الدول الأوروبية التي حسب ما قال -: "أسقطت من حساباتها قوة الجماهير التي قد تصمت. ولكن حين تنطق فإنها تهز المنطقة بكاملها، هذا ما جرى في إيران الشاه.. واليوم نرى هذه الدول تتجاهل تماماً قوة الشعب المصري البطل الذي حطم أسطورة الجيش الصهيوني، وخطه المنيع على قناة السويس".
وينتقل الأخ أبو عمار لتحذير الأمم المتحدة من مخاطر معاهدة الصلح لأن النتيجة التي توصل إليها هذا الاتفاق ستؤدي حتماً إلى تشجيع المعتدي الإسرائيلي على العدوان بعد أن كوفىء به بمثل ما كوفىء به في هذا الاتفاق من استمرار احتلاله لأرضنا العربية الفلسطينية حتى الأراضي المصرية، ويضع شروطاً مذلة على السيادة المصرية في تلك الأراضي، فضلاً عن تجاهله التام لكل جوانب النزاع الأخرى، وتلقيه المساعدات المالية الضخمة بجانب المساعدات العسكرية التي لم يسبق لها مثيل".
ويتساءل: أليس مستغرباً حقاً أن يصحب اتفاق السلام المزعوم هذا أكبر عملية تصدير للسلاح الأميركي إلى منطقة الشرق الأوسط في التاريخ الحديث؟".
نحن نأمل ونطالب ألا تحطى هذه المعاهدة بأي غطاء شرعي دولي تسعى الولايات المتحدة الأميركية للحصول عليه، لتمرير هذه المعاهدة التي تهدد بانفجار المنطقة، وبتعريض أمن وسلام العالم للخطر..".

قررنا أن نقاتل حتى النصر
ويستنتج الأخ أبو عمار بشكل قاطع أن المعاهدة ليست معاهدة سلام وإنما هي معاهدة استسلام وكل من يقف مع السادات هو خائن".
ولكنه ينتقل بالثورة الفلسطينية وبالشعب الفلسطيني من موقع الرفض السلبي إلى الرفض الإيجابي المرتكز على الإرادة الشعبية الصامدة، وأنه يبدأ بنفسه قبل أن يطالب الآخرين ويقول: "لقد قررنا نحن أن نقاتل إلى آخر طفل فينا، وأن تصاعد عمليات شعبنا وثوارنا داخل الأرض المحتلة يؤكد إصرارنا على رفض الحكم الذاتي ورفض معاهدة الخيانة التي وقعها السادات".
وينطلق الأخ أبو عمار من المثل الرائع الذي يقدمه نضال الشعب العربي الفلسطيني في الوطن المحتل ليطالب جميع العرب بالمقاطعة النفطية والمالية ضد الولايات المتحدة الأميركية، داعياً مجلس الدفاع العربي المشترك للانعقاد، لتحديد متى يكون التحرير ومتى يكون الحرب؟ مختتماً أحاديثه الصحفية بالقول:
ليفهم كل من يعنيه الأمر على هذه الأرض، أننا سندخل القدس وبنادقنا في أيدينا مشرعة نحررها ونرفع على رباها علم الأمة العربية.(انتهى)
_____________________

"المستقبل" تفتح ملفّ: الملفّ الفلسطيني في لبنان

المستقبل، العدد61، 22 نيسان – أبريل 1978
غسان بيرم

بعد دعوة مجلس النواب اللبناني إلى جلسة يوم الخميس في 20 نيسان الجاري لمناقشة قضية الوجود الفلسطيني في لبنان أو ما عرف بالملف الفلسطيني. بعد هذه الدعوة تهيب الجميع الموقف بما في ذلك الفئات التي كانت تلح على عقد جلسة من هذا النوع يتخذ فيها قرار لبناني من الوجود الفلسطيني في لبنان.
فعندما يكون مجلس النواب اللبناني مدعواً لمواجهة مشكلة من هذا النوع هي أكبر من لبنان لأنها أكبر من العرب لم يحن أوان حلها دولياً فإن النتيجة لا يمكن أن تأتي بحلول إيجابية فاعلة على الإطلاق بل ربما تكون هذه الجلسة وما يتخللها من مناقشات مدخلاً جديداً إلى صراعات لبنانية تكرس ما هو قائم الآن من واقع انقسامي في الرأي والرؤية والعيش والتعايش.
وخوف البعض من جلسة وفق هذا التصور لما قد يسفر عنها جعل الانقسام في الرأي حولها قبل الدعوة إليها. وقد برز هذا الانقسام خلال مرحلة التمهيد والتحضير التي قام بها رئيس مجلس النواب السيد كامل الأسعد وذلك عندما أصرت الجبهة اللبنانية على عقد هذه الجلسة تحت شعار أن خطر الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان بلغ مداه بعد أن اتخذت منه إسرائيل ذريعة لاحتلال الجنوب، وبلغ مداه في لبنان بحيث أصبح يستوجب موقفاً لبنانياً واحداً يمكن به التصدي لهذا الخطر كما يصفونه، وبالتالي فإنه آن الأوان بعد محنة لا تزال مستمرة منذ ثلاث سنوات، أن يتفق اللبنانيون على معنى السيادة والولاء للبنان وهما الأمران اللذان يتعارضان مع استمرار الوجود الفلسطيني المسلح، ذلك أنه لا تزاوج بينهما ولا تعايش. بين من يختار السيادة والولاء وبين من يختار استمرار هذا الوجود المسلح تحت أي ظرف من الظروف.
والفريق اللبناني الآخر الذي عارض هذه الجلسة من حيث المبدأ هو بأكثريته من القيادات الإسلامية والقيادات الممثلة لتيارات عربية مختلفة في لبنان. من حيث المبدأ اعترض هذا الفريق على التوقيت ورأى أن البحث بهذا الشكل في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي هو توقيت سيء وأنه إذا كان من الضروري بحث قضية الوجود الفلسطيني في لبنان للوصول إلى صيغة لا تميت الذئب ولا تفني الغنم، بمعنى أنها تؤمن سيادة الدولة الكاملة في لبنان وفي الوقت نفسه لا تلغي الثورة الفلسطينية فإن هذا البحث يجب أن يكون مؤجلاً إلى ما بعد زوال الاحتلال الإسرائيلي لكي لا يستوي الأمران معاً ولكي لا تتخذ إسرائيل من أي مواجهة سياسية حول معنى وشكل وحجم الوجود الفلسطيني مبرراً لوقف انسحابها.
حيال هذا الانقسام في الرأي حاول رئيس مجلس النواب أن يوجد حلاً وسطاً بعد أن وضع أمام موقف استحال عليه صرف النظر عن الجلسة ورأى أن جلسة "تنفيس" من هذا النوع أفضل من ترك الأمور تتفاعل سياسياً وتتخذ أشكالاً وطنية حذرة وكان حله الوسط هذا أنه أبعد موعد الجلسة إلى 20 نيسان الحالي أملاً بأن هذه الفترة التي تفصل بين موعد الدعوة وموعد الجلسة ستشهد الانسحاب الإسرائيلي وهكذا وجه الدعوة تحت عنوان "البحث في الأمور المصيرية المتصلة بلبنان" دون أن يستعمل عبارة فتح الملف الفلسطيني. إلا أن هذا التحوير في مضمون الدعوة لم يلغ الهدف الأساسي منها بعد أن وضعت البلاد في هذا الجو وأصبح معروفاً أن الجلسة هي من أجل الملف الفلسطيني وأن أي موقف يسفر عنها سيتناول بالتحديد موضوع الوجود الفلسطيني المسلح بشكل خاص.
ولأنه لم يلغ الهدف منها وهو الهدف الحذر الخطر من حيث طرحه بكل تفاصيله والذي يدخل تحقيق موقف لبناني منه في قائمة المستحيلات، لأنه كذلك، نشطت الاتصالات على مختلف الأصعدة السياسية وبدأت المحاولات اللبنانية تسير في أكثر من اتجاه، اتجاه يحاول أصحابه الوصول مسبقاً إلى صيغة قرار، موحد يخرج به مجلس النواب، واتجاه يوظف أصحابه كل الإمكانات المساعدة على فرط الجلسة أما عن طريق الوصول إلى اتفاق على إلغائها أو عن طريق حصول غياب نيابي كبير يمنع اكتمال نصابها القانوني واتجاه آخر يقول إنه إذا استحال الوصول إلى تفاهم مسبق وبما أن مقاطعة الجلسة تعد موقفاً سلبياً يدل على أن المقاطعين هم الذين يريدون أن تبقى الأمور كما هي عليه لذلك فلا بأس إن عقدت الجلسة وأدلى كل فيها دلوه وقال ما عنده وما عند سواه وتنتهي الجلسة بدون اتخاذ قرار وذلك بإبقاء البحث معلقاً بحجة انتظار التطورات.
وكان أبرز ما يميز به هذا التحرك اللقاء السياسي الذي دعا إليه في منزله وزير الخارجية والدفاع السيد فؤاد بطرس وضم عدداً من السياسيين والنواب تناول البحث فيه كيفية التفاهم على اجتياز "قطوع" هذه الجلسة دون الوقوع في مطبات الملف الفلسطيني ورماله المتحركة وانتهى اللقاء إلى تأليف لجنة تضم ثلاثة نواب منهم نائبان عرف عنهما بأنهما من فطاحله المحامين اللبنانيين في الدعاوى الجنائية فضلاً عن حنكتهما السياسية هما الشيخ بهيج تقي الدين والنائب نصري المعلوف وتضم اللجنة معهما نائباً ثالثاً، وهو محامي أيضاً هو الشيخ بطرس حرب وكلفت هذه اللجنة بأن تدرس "الملف الفلسطيني" بكل تعقيداته وظروفه وملابساته وتضع بشأنه مشروع حكم لبناني بهذه القضية يعرض على مجلس النواب ويصدره المجلس باسم الشعب اللبناني. والمقصود هنا أن تضع هذه اللجنة مشروع توصية يلتقي على تأييده الجميع وتختتم جلسة الملف بالتصويت عليه.
والنائبان بهيج تقي الدين ونصري المعلوف يقولان أنهما في تاريخهما الطويل رافعا أمام المحاكم بأكبر القضايا وأكثرها تعقياً وكانا يخرجان منها بانتصارات كبيرة يسجلها لهما قصر العدل اللبناني، إلا أنهما لم يواجها في حياتهما السياسية والعدلية قضية شائكة معقدة كالقضية التي طلب إليهما إيجاد حكم عادل يرضى عنه الجميع كهذه القضية لأنها قضية لها أول وليس لها آخر في مجلد كبير يحوي على مجموعة كبيرة من الملفات وكل ملف ينطوي على دعوى مختلفة عن الأخرى، منها الجنائية ومنها الحقوقية ومنها السياسية، أطراف النزاع فيها عديدون لبنانيون وفلسطينيون وعرب وأميركان وسوفيات وإسرائيليون لكل منهم معادلاته ومصالحه... إنها في النهاية القضية الكبرى التي عمرها أكثر من ثلاثين سنة قضية متداخلة في بعضها البعض، يصر الرئيس شارل حلو على وصفها بأنها قضية صراع تاريخي على السماء أكثر مما هي قضية صراع على الأرض بين العرب وإسرائيل أو بين الأديان التي ولدت على هذه الأرض المقدسة.
قضية بهذا الحجم وبهذه الضخامة كيف  يمكن لمجلس نواب لبنان أن يحسم ويحكم بشأنها، ويتساءل الرئيس تقي الدين الصلح هل يمكن أن يكون اللبنانيون أقوى من العرب مجتمعين ومن ثم هل ستكون قدرة اللبنانيين أقوى من قدرة الدولتين العظميين على الحسم وإذا كانت، القدرة اللبنانية – فرضاً – أصلب من القدرة العربية ومن قدرة الجبارين العالميين فهل ستسمح لعبة الأمم لهذه القدرة اللبنانية أن تكتمل لتحسم في قضية لا تزال تتفاعل دولياً وعربياً وإسرائيلياً قبل أوان الحسم الطبيعي بنظر الدولتين الأعظم؟
فعندما توافق العرب على فتح هذا الملف في مؤتمر قمة الرياض لم يستطيعوا الذهاب إلى أبعد من ملامسة هذا الملف وعندما قرروا لم يستطيعوا الذهاب إلى أبعد من إرسال قوة رع عربية لوقف القتال في لبنان بعد أن كبر حجم هذا القتال إلى درجة التهديد بحروب عربية أخرى؟
وعندما دعي مجلس الأمن الدولي لمناقشة قضية احتلال إسرائيل لجنوب لبنان حصر بحثه في كيفية حمل إسرائيل على الانسحاب ووضع عازل دولي (قوات دولية) بينها وبني الأرض اللبنانية دون أن يجرؤ على فتح الملف الفلسطيني لأن قضية هذا الملف كبيرة وثقيلة يستحيل على إحدى الدولتين الكبيرتين، أميركا والاتحاد السوفياتي حمل أعبائها بمفردها دون أن يقوم بين الدولتين الأعظم وفاق أكيد على حل هذه المشكلة. وما دام هذا الوفاق الدولي لم يتحقق في الشرق الأوسط فإن المشكلة في لبنان باقية وهذا ما دعا رئيس الكتائب للبنانية الشيخ بيار الجميل لأن يقول للسفير الأميركي في بيروت عند اجتماعه به في الأسبوع الماضي "أن أميركا والاتحاد السوفياتي هما الدولتان اللتان لهما الكلمة الفصل في العالم وهما عملاقا الديمقراطية والحرية والحضارة الإنسانية، لذلك حرام عليهما أن يتفرجا على هلاك لبنان، من دون أن يقوما بأي عمل جدي وحاسم لإنقاذه".
في زحمة البحث والجدل عن مصير جلسة الملف الفلسطيني وكيف تكون ولماذا لا تكون، انفجر القتال على جبهة عين الرمانة – الشياح جنوبي مدينة بيروت وهي الجبهة التي كانت منذ انفجار حرب السنتين أكثر الجبهات حساسية وتوتراً لا بل كانت وبقيت هي الجبهة الأم التي اندلعت منها الحرب منذ البداية.
وخطورة الأمر أن اشتعال هذه الجبهة في هذه المرة كان بأسبابه وظروفه وعناصر المتقاتلين أو المتحاربين فيها كان مختلفاً تماماً عن المرات الماضية، فالقتال هنا كان له طابع آخر ينفجر بين قوة الردع العربية بأكثريتها السورية وهي القوة المعتبرة بأنها قوة الشرعية وبين جبهة عين الرمانة التي تتمركز فيها قوات الجبهة اللبنانية من كتائب وأحرار وتنظيمات أخرى حليفة.
ولم يعد المهم هنا من افتعل ومن بدأ هذه الحوادث ولا كيف انفجرت بقدر ما أصبح المهم والمهم جداً هو، لماذا انفجرت هذه الاشتباكات وما أهدافها الأمنية والسياسية ولماذا جاء توقيتها هذا الحين بالذات؟
فالذين اعتبروا أن الهدف من ذلك كان محاولة لفتح معركة تدويل الوضع اللبناني وجعل رقعة وجود القوات الدولية تمتد من الجنوب حتى النهر الكبير في الشمال، فإن هؤلاء اتخذوا من نتائج حرب الأيام الخمسة على محور عين الرمانة – الشياح دليلاً على فشل هذه المحاولات في الوقت الحاضر على الأقل دون أن يسقطوا من حساباتهم احتمالات تجدد هذه المحاولة بشكل أو بآخر.
غير أن الذين اتخذوا من مجمل هذه المعارك مبرراً للقول بأن الغاية منها ربما تكون إجراء تعديلات على بعض التوازنات السياسية والأمنية التي كانت قائمة بهدف تصغير بعض الأحجام الكبيرة وتكبير أحجام أخرى صغيرة لخلق توازنات جديدة على الساحة اللبنانية، فإن الحكم على نجاح أو فشل هذه المحاولة بنظر هؤلاء غير ممكن بشكل كامل وإن كانت الدلائل الأولى تشير إلى احتمالات نجاحها وإلى أن الانتقال من الحوار بواسطة العنف إلى الحوار السلمي بالكلام والرسائل المتبادلة هو الذي سيقرر في النهاية إما العودة إلى لغة العنف أو جعل الأوضاع تتركز على أسس أمنية جديدة تقوي بالتالي من قبضة الشرعية اللبنانية على الأوضاع ومن قدرتها على التحرك سياسياً لإيجاد الحلول اللبنانية التي تدفع بالأوضاع نحو الاستقرار الطبيعي القادر على التعايش مع ما هو موجود على الأرض اللبنانية ومفروض عليه من الخارج حتى ينتهي الأمر إلى صيغة حل للصراع العربي – الإسرائيلي في المنطقة.
يبقى الشيء الأهم من هذا كله وهو الذي لا يمكن أن يكون سبباً ودافعاً لأية حوادث بقدر ما هو نتيجة، ذلك السؤال المطروح بين حين وآخر لمعرفة ما إذا كانت قوات الردع العربية قد نجحت في ضبط الأمن اللبناني وخلق ضوابط قوية تمنع بشكل أو بآخر تجدد القتال واتساع رقعته على الساحة اللبنانية. وعندما يوجه مثل هذا السؤال في أي حين لا بد وأن تكون سوريا هي المعنية أولاً بالأمر خاصة إذا ما سلمنا بأن مقررات قمتي الرياض والقاهرة لم تكن إلا بوحي من المبادرة السورية الأساسية إن لم تكن غطاء عربياً لها.
والذي تشير إليه المواقف القريبة والبعيدة، والكبيرة والصغيرة هو أنه من غير المسموح، سورياً أو عربياً فشل أو انهيار هذه المبادرة العربية الأمنية في لبنان بل إن هناك أكثر من جهة ومعادلة دولية ترفض مثل هذا الفشل ولا تسمح به، وقد كان وزير الخارجية الفرنسية لوي ديغرينغو في تعليقه على الأحداث الأخيرة خير معبر عن هذا الموقف الدولي الراهن عندما أكد على ثلاثة أمور.

أولاً: إن مهمة القوات الدولية محصورة في الجنوب فقط وأن إمكانية تدويل المعارك الداخلية في لبنان ليس من سبب أو مبرر لها ونأمل ألا يكون ما حدث في الأيام الأخيرة (معارك عين الرمانة) أكثر من هبة عنف.

بيار الجميل: الفلسطينيون أضاعوا قضيتهم وخسروا تأييد اللبنانيين

وللمشكلة اللبنانية – الفلسطينية عند رئيس حزب الكتائب الشيخ بيار الجميل أكثر من ملف، وحديثه عنها شرح يطول وإذا تسنى لك أن تجلس أمامه مستمعاً لخرجت بصورة مأساوية لها عدة وجوه، ففيها مأساة لبنان عند العرب ومأساة العرب في لبنان، ومأساة لبنان مع الفلسطينيين ومأساة الفلسطينيين مع العرب واللبنانيين. وحديث رئيس حزب الكتائب اللبنانية عن المشكلة يبدأ ولكنه لا ينتهي. لماذا؟ لأن القضية بنظر الشيخ بيار لم تنته.
* وإلى متى سيبقى هذا البلد مسرحاً لسفك الدماء والتدمير؟.
- يجيب زعيم الكتائب اللبنانية قائلاً: إلى أن يدرك العرب بجرأة عمق المأساة التي نعيشها. وإلى أن يتخلوا عن الغوغائية والديماغوجية ويعملوا ويفكروا بعقلهم أكثر من عاطفتهم، أو يفكروا بعقلهم وبعاطفتهم معاً، فشجاعة بدون عقل مصيبة، وعقل بدون شجاعة كارثة. فإلى متى هم غافلون عما يصيب ويحل بلبنان، الله أعلم! وكأني بهم يفهمون مشكلتنا ويتغاضون عنها أو كأنهم لا يريدون فهم حقيقة المشكلة والعمل بعقل وشجاعة على حلها.
هذا أمر مؤسف. مع أن لبنان الذي هو واجهة العرب خدم القضايا العربية والفلسطينية منها بنوع خاص وما عمل يوماً ما يسيء إلى العرب وقضاياهم بل العكس هو الصحيح والتاريخ والوقائع خير شاهد على ذلك.

ثانياً: إن قوات الردع العربية تدخلت ومن الممكن دائماً أن تتوصل إلى وقف القتال.

ثالثاً: إن القوات الفرنسية في لبنان ليست لديها تعليمات خاصة سوى كونها تحت إمرة قائد القوات الدولية المحصورة مهمتها في الجنوب اللبناني.


طوني كليفتون مندوب مجلة النيوزويك الأميركية في المنطقة قال وهو يودع مهمته هذه بعد نقله إلى مكان آخر: إن دورات العنف ستستمر حتى التقاء الشيء الذي لا يمكن تحريكه (أي الفلسطينيين) مع القوة التي لا يمكن صدها (أي الإسرائيليين) حتى يتم لهما إما تدمير بعضهما البعض أو الاتفاق على العيش سوياً.
والسؤال هو: أين لبنان من هذه المعادلة التي سيبقى الصراع العربي – الإسرائيلي يفرضها إلى أن يأتي السلام الشامل والدائم إلى هذه المنطقة؟
ويضيف الشيخ بيار:
لا أظن أحداً في هذا العالم العربي استقبل الفلسطينيين وأعطاهم الضيافة التي قدمها لهم لبنان، فاستقبلهم وفتح لهم المجال واسعاً ورحباً للعيش والعمل وخدم قضيتهم على مختلف الأصعدة وفي شتى المجالات المعنوية والمادية والسياسية وقدم لهم صيغة تعايش أبنائه التي هي الصيغة الحضارية الفريدة في العالم، قدمها لهم كشاهد حي ضد العنصرية ولذلك أنا لا أستبعد أن تكون إسرائيل قد عملت من أجل ما أصابنا لكي تضرب هذه الصيغة. هؤلاء الفلسطينيون نزلوا علينا في لبنان كأشقاء وأصدقاء ولا أريد أن أستعمل كلمة لاجئين فجعلنا من قضيتهم قضيتنا فلأننا قبلهم وقبل قضيتهم فهمنا هذه القضية فحذرنا منها وكشفنا مخاطرها ودعونا إلى التصدي لها حتى قبل "هرتزل". فإسرائيل لم تولد بين يوم وآخر، واليهود بدأوا معركتهم قبل أن يقيموا دولتهم ولم يستعملوا السلاح في البداية بل بدأوا بالدعاية ومن ثم بتشجيع يهود العالم على الهجرة إلى فلسطين كزائرين وأرباب عمل وعمال فعملوا على شراء الأراضي وعلى تركيز أوضاعهم وتنظيم وجودهم حتى جاء الوقت الذي حملوا فيه السلاح وقاتلوا الفلسطينيين وطردوهم من بلادهم وأرضهم وبدأوا رحلة إقامة دولتهم. ولكن وبكل أسف وبدل أن يستعمل الفلسطينيون هذه القوة اللبنانية الكبيرة التي قوامها الحرية والديمقراطية والصيغة الحضارية وصداقات لبنان مع العالم وخاصة ملايين اللبنانيين المنتشرين في العالم فإنهم ضربوا كل ذلك عرض الحائط وبدأوا يقيمون العمل الفدائي في لبنان في الوقت الذي حذرناهم ونبهناهم من أن لبنان بواقعه ووضعه غير قادر على احتمال وجودهم الفدائي فيه فهو أضعف الدول العربية ولا يستطيع أن يدافع عن نفسه ولا عنهم خاصة وأننا مجاورون لإسرائيل التي لا بد وأن تضربنا وتضربهم في أول فرصة، ولكنهم رفضوا هذه النصيحة المخلصة وراحوا يعملون من أجل الوصول إلى اتفاق يكرس شرعية وجودهم على الأرض اللبنانية فكانت اتفاقية القاهرة، هذه الاتفاقية التي سبقها حوادث وصدامات كثيرة بين لبنان والفلسطينيين وذلك عندما وجدت تيارات خارجية مختلفة من يسار دولي وشيوعية دولية في المقاومة الفلسطينية مدخلاً لها إلى لبنان وبدات نشاطات هذه العقائد الخارجية تستعمل القضية الفلسطينية لتركيز وجودها في لبنان حتى أن القضية الفلسطينية لم تعد قضية لاسترداد الحق والأرض بل أصبح الفلسطينيون أو بعض الفئات منهم طوابير خامسة لكل التيارات الخارجية لهذه العقائد الشيوعية والتيارات اليسارية التي جاءت بواسطتهم إلى بلد كلبنان بلد الديمقراطية والحرية الذي اختار أبناؤه بالرضى وبعد الخبرة والتجربة نظامه الحر فكان لهم أفضل نظام وحقق لهم أحسن النتائج من ازدهار اقتصادي ومستوى معيشة لائق حتى أن الفلاح والعامل اللبناني بمستواه المعيشي كان مميزاً عن سواه في هذه المنطقة وأصبح دخلنا القومي أعلى دخل في هذه المنطقة. والأكثر والأهم من ذلك أن نظامنا هذا هو الذي حقق لنا هذه الصيغة اللبنانية الفريدة التي صنعها المسلم والمسيحي لتكنون نموذجاً للتعايش بين الشعوب والطوائف وكانت درساً لهذا العالم كله. وسواء شئنا أم أبينا فإن الطابع الأوروبي والغربي هو طابع مسيحي وأن الطابع العربي هو الطابع الإسلامي بينما لبنان وحده جمع بين هاتين الحضارتين الكبيرتين بالإضافة إلى أديان أخرى. فإذا كانت ثروة سوانا البترول والمعادن والصناعات الضخمة فإن ثروتنا هي هذا المناخ من الحرية السياسية والاقتصادية الذي جعل من لبنان مقراً لرؤوس الأموال العربية والأجنبية التي كانت تدر على لبنان مداخيل كبيرة حققت البحبوحة والازدهار فيه.
ولكن الفلسطينيين أخطأوا بحق لبنان وبحق نظامه واستقراره، فقضيتهم، قضية شعب شرد من أرضه وألغيت جنسيته هي – أعدل قضية، ولكن هذه القيم العظيمة التي تحملها قضيتهم استعملت لإدخال تيارات معينة مختلف عليها في لبنان بينما لم نكن مختلفين على قضيتهم. وخطأهم الجسيم أنهم ربطوا قضيتهم بهذه التيارات. ونحن من جهتنا كنا نحذرهم من خطر كل ذلك عليهم وعلى قضيتهم في لبنان ونقول لهم إن هذا أمر غير مقبول به في لبنان وإنه جريمة بحق قضيتكم وبحق لبنان السماح لعقائد هدامة تتستر بقضيتكم من أجل الدخول إلى لبنان والإطاحة بنظامه. إن مثل هذه العقائد كمثل رجل الدين الذي يتستر بثوبه لكي يقوم بعملية تهريب.
وتابع رئيس الكتائب حديثه قائلاً: وبالإضافة إلى هذا وقبل اتفاقية القاهرة كان الفلسطينيون يتعمدون القيام بأعمال لا تسمح كرامة أي لبناني بها وكانت تؤدي إلى حدوث احتكاكات، وإلى إخلال بالنظام العام حتى أصبحوا دولة ضمن الدولة أو فوقها ولا سيما بعد أن أصبحوا مسنودين من اليسار الدولي والشيوعية الدولية حتى آلت الأمور إلى ما آلت إليه من تعطيل لقدرة الدولة على صعيد الإدارة والقضاء وقوى الأمن والجيش. وكم من مرة كنا نعيد الكرة ونحاول مع القيادات الفلسطينية الواعية التي كانت تدرك أهداف معركتها الحقيقية من أجل فلسطين ولكن هذه القيادات لم تستطع الصمود في وجه ضغوطات ومخططات الشيوعية الدولية في لبنان والمنطقة.
وبهذه المناسبة أسأل ياسر عرفات: هل من أحد أعطى القضية الفلسطينية وأخلص لها أكثر منا نحن، كما أسأله بشرفه وضميره لو كان أخذ بنصائحنا هل انهارت المقاومة الفلسطينية في لبنان على هذا النحو، وأسأله: هل من صديق أكثر منا كان يصدقه القول ويرشده إلى الصواب ويقول له الحقائق كما هي بينما كان سوانا يتزلف له ويقول له ما يرضيه؟...
وبنتيجة كل هذه الأعمال التي كانوا يقومون بها بدأوا يطرحون وضع اتفاقية رسمية بينهم وبين الدولة. نحن كنا ضد هذا العمل. نحن كنا مع اتفاق ولكن غير رسمي وغير مكتوب وكنا نعتقد أن هذا الأمر هو في مصلحتهم هم، فعندما توقع الدولة اتفاقية رسمية مع عمل فدائي عندها لا يصبح هذا العمل عملاً فدائياً بل يتحول إلى عمل جيش نظامي، فضلاً عن أن وجود اتفاقية من هذا النوع يعطي إسرائيل دائماً المبرر لضرب لبنان واحتلال أراضيه. ونحن كما نفهم ونعرف العمل الفدائي أنه عمل ينطلق من كل أنحاء العالم وليس من لبنان فقط هذا البلد الضعيف بقدراته العسكرية التي لا تمكنه لا من الدفاع عن نفسه ولا من الدفاع عن الفلسطينيين. وقلنا لهم بعد وضع هذه الاتفاقية بأنكم الآن أعطيتم إسرائيل حجة لاحتلال لبنان ساعة تشاء بعد أن حافظنا على أرضنا وبقيت هي الأرض الوحيدة المحيطة بإسرائيل التي لم تجرؤ على احتلالها ليس بفضل قوتنا العسكرية بلبفضل صداقاتنا الدولية وبفضل وحدتنا الوطنية في حين أن هناك أراضي دول عربية هي أقوى وأغنى منا ولكنها احتلت، واحتلال هذه الأراضي طعن القضية الفلسطينية في الصميم والجوهر بحيث لم تعد قضية شعب وقضية وطن سليب بل أصبحت عند العرب قضية انسحاب إسرائيل وعدم انسحابها بضعة كيلومترات من أراضيها المحتلة.
وقبل الاجتياح الأخير الذي قامت به إسرائيل للجنوب بأكثر من سنة ونحن نرفع الصوت ونسأل أكثر المتطرفين فلسطينياً وعربياً وقومياً. هل إن هذا الوجود الفلسطيني في الجنوب بالشكل الذي كان عليه هو في مصلحة قضيتكم؟ وكنا نقول: إذا كان في مصلحة القضية فعلاً، وفي مصلحة استرداد الأرض فعلاً، فنحن معكم. أما وإنكم بذلك تستدرجون إسرائيل لكي تجني على لبنان والعالم العربي وإنكم بذلك تستعدون اللبناني عليكم بدل أن تربحوه فأصبح ضدكم وبدل أن يبقى لقضيتكم منبراً حولتموه إلى مقبرة لكم.
ولكن بكل أسف وهذا ما يحز في النفس، بدل أن يأخذوا بنصائحنا كانوا يمطروننا بشتى التهم والألقاب من انعزاليين، إلى انكماشيين إلى عملاء واستعمار رجعيين، خونة ضد القضية الفلسطينية والعمل الفدائي والعالم العربي. ولكن على كل حال كم أن هذا البلد الذي هو لبنان قوي حتى يتحمل كل ما تحمله ولا يزال موجوداً واللبناني الذي أدهش العالم بصموده، سيرون كيف سيدهش العالم بإعادة تعمير وطنه.
*
قلت لرئيس الكتائب اللبنانية: ولكننا لا نزال كما نحن من دمار إلى دمار ومن قتل إلى قتل، والنهاية؟
- قال: لقد طرقنا كل الأبواب ولم يبق مخلص ولا قاض ولا محكمة إلا وطرقنا بابه حتى يئسنا ولذلك قلت إن إيماني بلبنان كإيماني بالله ولا بد في النهاية من الخلاص، صحيح أن لبنان قد دمر اقتصادياً ومادياً ولكنه بشرعيته لا يزال موجوداً وسنعود إلى تعميره بأفضل مما كان.
*
وعدت أسأل الشيخ بيار: ولكن، الحل؟
- فأجاب: لا يمكن حل القضية اللبنانية إلا بمعالجة القضية الفلسطينية. الفلسطينيون موجودون بدون إرادتهم وبدون إرادتنا. وخلافنا ليس على هذا ولكن خلافنا على هذا الوجود المسلح الفوضوي المستعمل من كل التيارات الخارجية كطابور خامس. ولهذه المناسبة أسأل أي بلد عربي وغير عربي يقبل بهذا الشيء المفروض على لبنان وأي بلد يقبل بالتخلي عن سيادته وعن استقلاله. والمؤسف أكثر وأكثر أن هذه المقاومة لا تعرف لها "حرف من طرف" فلم تعد مقاومة واحدة بل مجموعة مقاومات وكل واحدة على خلاف مع الأخرى.
*
وقلت لرئيس الكتائب: بعد كل الذي جرى منذ ثلاث سنوات أين أصبحنا، هل قاربت نهاية المشكلة؟
- فأجاب: والله، لا نزال في "النفق" وفي كل مرة نعتقد أننا وصلنا إلى نهاية هذا النفق نعود ونكتشف أننا لا نزال في وسطه، تماماً كما لو أننا نحارب الطبيعة ونحن كبلد عضو في الجامعة العربية ويعد من أصغر الدول العربية وأرقاها وهو واجهة العالم العربي فهل من الحق والعدل والإنصاف أن يحمله العالم العربي هذا الحمل الثقيل وهو عبء عليه ليس من الناحية الاقتصادية والجغرافية فحسب بل هو عبء على صيغة التعايش فيه. ولكن للأسف لا أحد من العرب يريد أن يدرك ويسمع. وكم من مرة سمعنا منهم يقولون عن الفلسطينيين "الله يسعدهم ويبعدهم". هذا الموقف الذي جعلنا نكفر بكل هذه القيم وبهذا الواقع. حتى الكلام لم يعد له معنى وحتى المقاييس تبدلت واختلفت، فأن تكون أنت وطنياً تفتخر بوطنك وتؤمن بالله ودينك وأن تكون مهذباً، إذاً أنت رجعي، إما أن تكون وسخاً وغير مهذب وتفتخر بعدم إيمانك بالله وتفتخر بأنك مرتبط بعقائد وأيديولوجيات خارجية هدامة فأنت الوطني التقدمي.
في هذه الأثناء وصل إلى بيت حزب الكتائب موفد الرئيس حافظ الأسد العميد محمد الخولي يرافقه الرائد إبراهيم حويجي وعقدا اجتماعاً مع الشيخ بيار بحضور المحامي كريم بقرادوني عضو المكتب السياسي لحزب الكتائب وكان البحث حول تصفية ذيول معارك الشياح – عين الرمانة وكيفية تدعيم سلطة الشرعية وتثبيت الأمن.
*
وبعد انتهاء هذه الزيارة عدت إلى استئناف حديثي مع الشيخ بيار فسألته: قلت قبل قليل بأننا طرقنا كل الأبواب فلم نجد الحل وأصبحنا كمن يحارب الطبيعة. المعروف إن أي خطة عمل سياسية أو عسكرية لا تؤدي إلى حل أو نتيجة يفترض استبدالها بخطة جديدة، فما هي الخطة البديلة برأيكم؟
- قال: أهم شيء أن نتفق نحن اللبنانيين مع بعضنا البعض فاللبناني المسيحي والمسلم هو الوحيد الذي يفهم القضية اللبنانية. فإذا كنا متفقين يهون على كشيء والذي استطاع أن يبني لبنان على أساس هذه الصيغة التي توازن بين أعرق حضارتين يستطيع أن يحافظ عليها، فلبنان إما أن يكون بمسلميه ومسيحييه أو لا يكون. إذا علينا نحن اللبنانيين مسلمين ومسيحيين أن نجيب عن هذا السؤال: أي لبنان نريد؟
فإذا استطعنا الإجابة الصحيحة نمشي بصدق وإخلاص فما من وطن في العالم مهما كان قوياً وكبيراً يستطيع العيش وهو منقسم على نفسه. أنا أفهم أن تكون هناك خلافات على بعض الأمور ولكن لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن أن يكون هناك خلاف على أساس الوطن وهويته، فالفرنسي يعتبر نفسه فرنسياً ويعتبر فرنسا فوق الجميع وكذلك المصري وكذلك الأميركي إلخ... إما أن يكون اللبناني يعتبر نفسه مصرياً أو عراقياً أو ليبياً أو سورياً قبل أن يكون لبنانياً فهذا هو الشيء الذي يخرب لبنان من زمان.
*
وأخيراً قلت للشيخ بيار: بقي عندي الآن سؤالان يدور الجدل حولهما الآن، السؤال الأول: بالنسبة لعقد جلسة مجلس النواب لبحث الملف الفلسطيني هل لا تزالون متمسكين بعقدها؟.
- فأجاب: إذا انت هذه الجلة ستعقد لتتحول إلى جلسة شتائم وتوسيع شقة الخلافات فلا أرى من الضروري عقدها ولكن إذا عقدت وسادها التعقل والمنطق فلا بأس بها فإنها تخدم المصلحة.
*
أما السؤال الثاني فهو: الفلسطينيون موجودون فإذا كننتم تعتبرون أن الطورات الأخيرة قد ألغت اتفاقية القاهرة فهل من بديل لهذه الاتفاقية يستطيع أن يحكم العلاقات اللبنانية – الفلسطينية؟
 - وبشيء من الاشمئزاز قال الشيخ بيار: لا زلت تتكلم عن اتفاقية القاهرة... المهم قبل كل شيء أن نتفاهم نحن اللبنانيين وعندها تسهل القضية 90%.

- صائب سلام: ننادي بتنظيم الوجود الفلسطيني وهذا يتم من خلال السلطة الشرعية

الرئيس صائب سلام الذي عايش ولادة الملف الفلسطيني في لبنان لا بل وشارك في صنع أكثر مراحل هذا الملف سواء من موقعه كسياسي أم من موقعه في السلطة كرئيس للوزراء في مرحلة امتدت من 1970 حتى 1973 وهي الفترة التي شهدت أفضل العلاقات بين السلطة اللبنانية وبين منظمة التحرير الفلسطينية. في تعريفه الموجز للملف الفلسطيني ومحتوياته يقول الرئيس صائب سلام أن هذا الملف الذي ينادي البعض بفتحه في لبنان هو في واقع الأمر ملف مفتوح منذ عشر سنوات بل ولنقل منذ 1948 يوم العدوان الإسرائيلي الأول وقيام الدولة الصهيونية على أساس طرد سكان فلسطين العرب من بيوتهم وأراضيهم بالعنف البربري الذي عرف به مناحيم بيغن وأترابه.
على أثر هذا العدوان نزل عدد كبير من إخواننا الفلسطينيين في لبنان ضيوفاً على الرحب والسعى وفتح لهم اللبنانيون قلوبهم وبيوتهم دون تمييز بين فئة وفئة. وتطور وجود الفلسطينيين في لبنان منذ عشر سنوات إلى مقاومة ناشطة وأخذت تتسلح بما يعينها على ثورتها لاستعادة حقوقها بعد تلك الهزيمة العربية الكبرى سنة 1967.
وهنا طبعاً أصبح الوجود الفلسطيني عند كثير من أبناء فلسطين وجوداً فاعلاً وليس وجوداً للاجئين مستكينين في مخيمات الذل والتشريد. وأخذ يخرج من بينهم شاب غر يستشهد وهو في ربيع الحياة استشهاداً بطولياً في سبيل قضيته وتحقيق أهافه السامية المشروعة فكان لا ب من نشوء علاقة جديدة بين اللبنانيين وبصورة خاصة بين السلطة في لبنان وبين تلك القوة الثائرة الجديدة التي ولدت على أرضه.
وللإنصاف يجب أن نقرر أن تصرف بعض الثوار لم يكن يتوافق تماماً مع ما يطلب من أناس نذروا أنفسهم ووضعوا أرواحهم على أكفهم من أجل أهدافهم السامية، ومن تصرف شاذ من هنا، ومن معاملة أكثر شذوذاً من هناك. كانت الأمور تتفاقم، وليس من الحق أن نبرر التصرفات الشاذة لبعض من حمل السلاح من الفلسطينيين ولكن لنعترف أن الضغط يولد الانفجار وأن الظلم يولد الحقد فكيف إذا كان ذلك بين جماعة عاشوا في مراتع الظلم وكانت ردات الفعل الحاقدة عندهم أمراً طبيعياً.
واستمرت هذه الحالة تتصاعد حتى سنة 1970 يوم تسلمت الحكم مع الرئيس سليمان فرنجية وبين 1970 و1973 جعلنا العدالة والإنصاف قاعدة للحكم كما جعلنا التشدد في ضبط الأمن وانضباط الجميع أساساً متوازياً مع ذلك. وإذ أدى هذا الأسلوب في الحكم إلى ضبط الأمن وإشاعة الاستقرار في لبنان وبين اللبنانيين فقد كان من نتيجته أيضاً أن أدى إلى انضباط الفلسطينيين والمقاومة الفلسطينية إلى أبعد حد ممكن، فانضبط الثوار وزالت معظم الشكاوى من تصرفاتهم وما يصدر عنهم من تجاوزات بل أكاد أقول إنها تلاشت تماماً خصوصاً وأن ما قام من ثقة متبادلة بين الحكم اللبناني والمسؤولين في المقاومة قد عاون معاونة كبيرة في التوصل إلى ذلك.
ولكن أتت سنة 1973 بعد حادث فردان المشؤوم في نيسان من تلك السنة واستقالتي من الحكم فتبدلت الأوضاع تبدلاً جذرياً.
ومرة أخرى لا أريد أن أبرر ما أخذ يصدر عن الفلسطينيين من تجاوزات غير مقبولة في كل النواحي ولكن النتيجة البديهية لهذا الوضع كانت عودة كثير من الفلسطينيين إلى ممارسة التجاوزات المستنكرة على كل صعيد في ظل فقدان هيبة الحكم ومعها ليس فقدان الثقة المتبادلة فحسب بل تصاعد الحقد والعداء بين المقاومة والسلطة، وأخذ كل ذلك يتفاقم حتى كانت سنة 1975 يوم ابتدأ تنفيذ المؤامرة في لبنان لا بسبب وجود الفلسطينيين فيه وحسب بل استغلالاً لما أصبح لبنان فيه من ضعف في حكمه السايب. ربما كان هذا الشرح مطولاً ولكنه في نظري يعطي صورة مختصرة عن ظروف الملف الفلسطيني قبل المؤامرة الكبرى التي وجدت لها من لبنان في تلك الظروف فريسة سائغة في الحلقة العربية الواسعة فأخذت تزكي بمختلف الأساليب الخفية وغير الخفية إشعال النار من هنا ومن هناك في الصدام الدامي الذي استمر أكثر من سنتين فدمر لبنان بجميع مرافقه كما أنهك المقاومة الفلسطينية وأصاب قضيتها في الصميم.
ويتابع الرئيس سلام قائلاً: والآن، فالأكثرية الساحقة من اللبنانيين تفتش عن الوسائل والطريق المجدي للتخلص من هذه المحنة القاسية. فلا يصح أن نحصر القضية في هذا السبيل بما يريد البعض أن يصوره للناس من أنه يقتصر على فتح الملف الفلسطيني، وتعبير فتح الملف بحد ذاته يعني على حد فهم أرباب القانون أنه إعلان للاتهام يجب التحقيق فيه وإدانة أصحابه وكأنهم هم وحدهم المسؤولون عن المحنة المستمرة، وعدا ما فيه من تجن واضح فيه أيضاً الضرر البالغ بإعطاء إسرائيل الذريعة التي تتطلبها وهي أن الفلسطينيين في لبنان هم حجتها الحقيقية. فالعدوان على لبنان واجتياح أراضيه ليس بسبب الفلسطينيين وحدهم.. بل لأن لإسرائيل أهدافاً لا تخفى على أحد.
ونحن لا نجاري المطالبة بفتح الملف الفلسطيني اليوم بالذات، انطلاقاً من أمرين:


الأول: هو أننا لا نقر إطلاقاً إعطاء إسرائيل هذه الذريعة التي تتطلبها إذ أن الواقع لا يقر إطلاقاً أيضاً بأن الدافع للعدوان الإسرائيلي واجتياح أراضي لبنان هو وجود المقاومة الفلسطينية فيه.
والثاني: هو رفض هذا الأسلوب في إثارة الأحقاد والعودة إلى التصلب من هنا والتصلب من هناك مما يؤدي حتماً إلى تصادم ثم اندلاع أعمال العنف مرة أخرى والمزيد من إزهاق الأرواح البريئة والتخريب والدمار وفي ذلك الضرر البالغ على اللبنانيين وعلى الفلسطينيين على حد سواء.
نحن نعترف بأن هنالك معضلة قائمة بوجود المسلحين الفلسطينيين على أرض لبنان. بل ونعترف بأن وجود هذا العدد الضخم من الفلسطينيين على أرض لبنان هو معضلة أيضاً. ولكن هذه المعضلة ليست لبنانية فحسب بل هي معضلة للفلسطينيين أيضاً، وإذا اختلفنا على وسائل معالجة هذه المعضلة فنحن لا نختلف على وجودها في الجوهر والأصل. فنحن نريد أن ينزح الفلسطينيون وبأكثر إلحاح منا يريدون أن يتركوا لبنان ويعودوا إلى وطنهم وبيوتهم، ولكن هذا لا يتوقف على اي موقف متصلب من اللبنانيين بل على حل قضية الفلسطينيين حلاً عربياً – دولياً بإعطائهم أبسط حقوقهم التي يعملون في سبيل تحقيقها. وطالما أن هنالك وجوداً فلسطينياً في لبنان وقد نشأت بين أبنائه الثورة المسلحة فلا يمكن لا إنسانياً ولا وطنياً أن ننزع منهم سلاحهم بالكامل ونطلب منهم أن يعيشوا في مخيمات الذل مستكينين راضين مرة أخرى. إذ عندئذ نعود إلى أول الطريق بحيث يتوجب على السلطة في لبنان أن تجعلهم قابلية بالانضباط عاملين على أساسه خاضعين للسلطة الشرعية في لبنان ولكن ليس من المعقول ولا يمكن أن يتحقق ذلك قبل أن تقوم هذه السلطة بمساندة جميع الأرجاء اللبنانية وعلى جميع اللبنانيين وخصوصاً المسلحين منهم الذين أصبح فريق كبير من الشعب اللبناني يضج ظلامة من تصرفاتهم الخارقة لكل القوانين.
*
قلت للرئيس سلام: عندي ملاحظتان، الأولى أنك تحدثت عن المرحلة التي سادت فترة حكمكم وهذا صحيح فقد انضبط الفلسطينيون إلى حد ما وكان هناك تجاوب متبادل وربما كان هذا بسبب وجودكم الشخصي في الحكم ولكنكم في تلك الفترة لم تستطيعوا تنفيذ اتفاقية القاهرة لتركيز العلاقات على أسس ثابتة لا سيما وأن صائب سلام ليس موجوداً بشكل دائم في مركز السلطة؟
 - أجاب الرئيس سلام: أولاً أحب أن أذكر أنني عندما أشير إلى فترة الحكم اللبناني الذهبية خلال الحقبة الاستقلالية بكاملها وذلك بين 1970 و1973 فأنا لا أتبجح لفخر شخصي أدعيه ولكنني أقول إن هيبة الحكم وعدالته كانت سبباً للاستقرار والازدهار وللعلاقة الطيبة مع المقاومة الفلسطينية. أما أننا لم نطبق اتفاق القاهرة فأنا أقول إن التعامل كان على قدر كبير من الحزم من جهة، والثقة المتبادلة من جهة أخرى وخصوصاً ثقة الفلسطينيين بعدالة الحكم وشدة انضباطه بحيث كان يطبق اتفاق القاهرة بحذافيره دون أن نحتاج يوماً للرجوع إلى نصوص ذلك الاتفاق. بل وأقول أكثر من تطبيق اتفاق القاهرة وذلك عندما كانت الضرورة العربية على كل الجبهات تتطلب عدم إعطاء الذريعة لإسرائيل بأي استثارة فقد استجاب الفلسطينيون على مدى أشهر طويلة عديدة لعدم القيام بأي نشاط إطلاقاً على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية وهذه كلها من وقائع التاريخ.
 *
الملاحظة الثانية هي ما اعتقده الرئيس سلام بأن التجاوزات وبعض الممارسات الخاطئة هي التي مهدت وسببت الحرب التي وقعت، وقلت للرئيس سلام هل هذا هو واقع أم أن الوجود الفلسطيني بحد ذاته وما يرمز إليه في لبنان كان هو الدافع أو المسبب للمشكلة؟
 - فقال الرئيس سلام: إذا أردنا أن ندخل في التفاصيل فهنالك أسباب كثيرة يأتي في مقدمتها في رأيي أن بعض القادة من هنا وبعض القادة من هناك كانوا يشطون في المزايدات فيزكون النار عند كل حركة كبيرة كانت أم صغيرة. بل وأكثر من هذا فلنذهب إلى الصراحة في الموضوع فنقول إن هذا الأسلوب لم يكن محصوراً بنزعات ورغبات أولئك القادة المشؤومين بل كلنا نعرف أن وراء كل منهم كانت دولة أو دول تدفعهم إلى ذلك لإغراق لبنان في الدماء والخراب وجعله مركز المؤامرة الكبرى على نفسه وعلى العرب. ولا أحب أن أفصل هنا أكثر من ذلك لأنني اليوم أبذل الجهد الصادق والمستمر في سبيل تناسي الأحقاد وفتح القلوب والعودة إلى التآخي بين المسلمين والمسيحيين الذي كاد يفقدهم إياه بعض القادة ممن لم يرع للمسلمين والمسيحيين لا ذمة ولا ديناً فكانت أنانيتهم الشخصية تطغى على المصلحة اللبنانية الصميمة. وإذا أشرت إلى الدول التي كانت تحرض على ذلك فطبعاً لا يصح لي أن ألوم إسرائيل لأن هذا كل ما ينتظر منها، ولكنني، بألم عميق، أقول إن بعض الدول العربية كانت تقوم هي أيضاً بتفجير صراعاتها على الساحة اللبنانية.
 *
قلت للرئيس سلام: على كل هناك مشكلة قائمة وهي أن فريقاً كبيراً من اللبنانيين له موقف رافض من الوجود الفلسطيني ويطالب بإزالة هذا الوجود، على الأقل العسكري منه بنوع خاص ويرفض العودة إلى سياسة اتفاقية القاهرة؟
 - فأجاب: كنت أتمنى أن كون هذا صحيحاً إن موقف معظم المسيحيين هو كموقف معظم المسلمين يطلبون العودة إلى العيش الهانىء المستقر في ظل الأمن والشرعية، وإذا انزلق بعض القادة في إثارة موضوع الفلسطينيين على صعيد الأحقاد والمصادمة بالعنف فإني لآمل أن يدركوا بأن ليس هذا هو السبيل لما ننشده وينشدونه وهؤلاء القادة الذين أشير إليهم الذين وقفوا ولا زالوا يقفون في سبيل ما أدعوا إليه ونبذل الغالي والرخيص من أجل تحقيقه وهو فتح القلوب وتفتيح العقول ومد الأيدي على صعيد الأخوة والمواطنية المشتركة بما ألخصه بشعار التفهم والتفاهم.
 *
وسألت الرئيس سلام: ألا تعتقدون مع من يعتقد من مسؤولين وسياسيين بأن أي وفاق بين اللبنانيين على العودة للعيش المشترك لا يسبقه أو يرافقه موقف موحد من الوجود الفلسطيني هو وفاق غير ثابت وعرضة للانهيار في أية لحظة؟
 - فرد الرئيس سلام: الوفاق اللبناني ليس نصوصاً مكتوبة ولا يكون بالفرض من أية جهة. ولا أن يجبر فريق من اللبنانيين على إعلان ولائه بالقوة أو يجبر الفريق الآخر على إعلان عروبته بالقوة بل الوفاق الصحيح هو ما يقوم على ما أشرت إليه من تفهم صحيح من كل فريق لأخيه الفريق الآخر مما يوصل إلى التفاهم.
 *
وقلت للرئيس سلام: ولكن مأخذ الفريق الآخر هو أن المسلمين لا يستطيعون اتخاذ موقف صريح وواضح من الوجود الفلسطيني؟
 - فقال: أبداً، نحن دائماً ننادي بتنظيم الوجود الفلسطيني وضبط كل شذوذ من قبل المسلحين فيه. ولكن هنالك من يعرقل استتباب الأمر لهذه الشرعية فلا تتمكن لا من ضبط أمور اللبنانيين ولا بالطبع من ضبط أمور الفلسطينيين، وأعود فأقول لو تفاهم الفريقان في لبنان، المسلم والمسيحي، لتعززت لشرعية في لبنان وانضبط المواطن اللبناني ولتمكنت الشرعية من وضع العلاقة مع الفلسطينيين على أفضل الأسس الممكنة في الظروف القائمة.
 *
وأخيراً كان لا بد من سؤال من وحي المعارك التي كانت دائرة على جبهة الشياح – عين الرمانة وعن الدافع والمغزى منها؟
 - فقال الرئيس سلام: إسرائيل، وإسرائيل مرة أخرى. مع الاعتراف بأن ما رافق المحنة من ملابسات لا زال يرافقها حتى اليوم من إهمال عربي بل ومن تدخل عربي لتفاقم المصير.
إن لبنان اليوم مع ما وقع فيه لا يمكن أن يستعيد الحكم شرعيته فيه إلا بقوة رادعة خارجية وما يقوم اليوم من قتال عنيف في لبنان يجب في نظري أن ينتهي بسيطرة قوة الردع العربية وهي قوة الشرعية كما اعترف  بذلك الجميع وذلك على جميع من يرفع السلاح في وجه السلطة.(انتهى)
ـــــــــــــــــــــــــــــ


صفحات من مذكرات "أبو أيّاد":
"فلسطيني بلا هوية"

o حرب الأشباح بين الاستخبارات الإسرائيلية وفتح.
o هكذا قتل الإسرائيليون أبو يوسف وكمال عدوان وكمال ناصر.
o أبو إيهاب هو رئيس منظمة أيلول الأسود.
o تفاصيل عملية ميونيخ تنشر لأول مرة.
o كدت أقتل مرتين أثناء معركة الكرامة.
o قال لي عبد الناصر: إن دويلة في الضفة وغزة خير من لا شيء.
o كيف تمت تصفية عناصر المخابرات الإسرائيلية في مدريد ونيقوسيا.
o ثغرة الدفرسوار: كيف حصلت؟ ولماذا لم تقاوم؟
o السلام هو المطلوب.. ولكن كيف؟

 المستقبل 23 ايلول 1978 العدد23

اليوم تصدر جريدة "الوطن" في الكويت وهي تحمل الفصل الأول من مذكرات صلاح خلف "أبو أياد". وفي الوقت نفسه تنشر "المستقبل" بإذن خاص من "الوطن" خلاصة لأبرز فصول الكتاب..
وهذه هي المرة الأولى التي يوافق فيها أحد قادة المقاومة الفلسطينية "التاريخيين" على نشر مذكراته... وفي هذه المذكرات التي ستصدر في كتاب عنوانه "فلسطيني بلا هوية". يجيب أبو أياد عن الأسئلة حول بداية الحركة الفلسطينية وأيديولوجيتها وتنظيمها وحول الفدائيين ونشاطاتهم السرية وغير ذلك من الأسئلة التي ظلت حتى الآن بلا جواب صادر عن مسؤول مأذون له. وأبو أياد يتصدى في مذكراته للأخطاء التي ارتكبها رؤساء المنظمات الفدائية وللصراعات التي ما انفكت تنخر منظمة التحرير الفلسطينية وتعيق عملها.
وبصفته عضواً في اللجنة المركزية لحركة فتح فإن أبو أياد يضطلع بمسؤوليات متعددة بينها مسؤولية تسوية المشكلات الدقيقة مع مختلف رؤساء الدول. وهو يكشف تفاصيل المحادثات السرية التي أجراها – في أحيان كانت عصيبة – مع عبد الناصر والملك فيصل والرئيس الليبي القذافي والرئيس السوري حافظ الأسد.
وأبو أياد إلى ذلك جوالة كبير وهو يورد تفاصيل زيارته للصين وفيتنام وكوبا والاتحاد السوفياتي ومحادثاته مع شو ان لاي والجنرال جياب وفيدل كاسترو إلخ...
ثم إن القائد الفدائي الذي طالما أشارت إليه المخابرات الإسرائيلية (الموساد) ووكالة المخابرات الأميركية (السي.آي.أي) كرئيس لمنظمة أيلول الأسود يكشف في مذكراته اسم الرئيس الحقيقي لهذه المنظمة ويورد سرداً تفصيلياً حول إعداد وتنفيذ عمليات الاغتيال الفلسطينية. وقد كان بعض هذه العمليات باهراً شأن عملية الألعاب الأوليمبية في ميونيخ، كما كان بعضها مجهولاً من الجمهور شأن اغتيال عملاء الموساد في أوروبا.
وأبو أياد يتمتع بمركز يتيح له أن يكشف النقاب عن "حرب الأشباح" التي ما تزال قائمة بين الإسرائيليين والفلسطينيين منذ سنوات، فقد أصبح رئيساً لمخابرات منظمة التحرير الفلسطينية منذ العام 1970، بعد أن كان أحد أوائل المسؤولين عن دوائر فتح الأمنية (1968 – 1970).
ويكشف أبو أياد خفايا الحرب اللبنانية، وتفاصيل مقتل السفير الأميركي في بيروت، وتفاصيل اغتيال قادة المقاومة الثلاثة في بيروت: أبو يوسف وكمال عدوان وكمال ناصر...
وأخيراًيحدد الشروط التي يضعها الفلسطينيون لإقامة سلام مع الإسرائيليين: سلام ليس مبنياً على العدل – كما تدعو إليه جبهة الرفض – وإنما على العدل والواقعية معاً.

وفي ما يأتي ما لخصته "المستقبل" من مذكرات أبو أياد...
إنها ليست أكثر من أضواء ساطعة وسريعة تفضلت الزميلة الكويتية "الوطن" صاحبة الحق في نشر المذكرات وسمحت لنا بأن نقدمها إلى قراء "المستقبل"...
• سيظل يوم 13 أيار/ مايو 1948 محفوراً في ذاكرتي إلى الأبد".
بهذه الجملة بدأ صلاح خلف (أبو أياد) مذكراته.. وذلك التاريخ هو اليوم الذي غادر فيه يافا مع عائلته بحراً باتجاه غزة، ولم يكن قد أكمل الخامسة عشرة من عمره.
وذكرياته ذلك اليوم يستعيدها بكل بشاعتها.. إذ "لم يكد المركب يرفع مراسيه حتى سمعنا عويل امرأة، فلقد لاحظت أن أحد أطفالها الأربعة لم يكن على متن المركب، وراحت تطلب العودة إلى المرفأ للبحث عنه، إلا أنه كان من الصعب علينا ونحن نتعرض لنيران المدافع اليهودية الغزيرة أن نعود أدراجنا فنعرض للخطر حياة ما بين مائتين وثلاثمائة شخص بينهم العديد من الأطفال المتراكمين في المركب. وذهبت توسلات تلك المرأة الباسلة سدى فانهارت باكية. وكنا بضعة أشخاص نحاول تهدئتها مؤكدين لها أنه سيتم إيواء ابنها الصغير بالتأكيد ثم يرسل في وقت لاحق إلى غزة، ولكن عبثاً إذ راح قنوطها يتزايد برغم أقوالنا وبرغم تطمينات زوجها، ثم إذ بأعصابها تنهار فجأة فتتخطى حاجز المركب وتلقي بنفسها في البحر. أما زوجها الذي لم يفلح في الإمساك بها فقد ألقى بنفسه إلى البحر أيضاً، ولم يكن أي منهما يحسن العوم فابتلعتهما الأمواج الهائجة أمام نواظرنا.. والمسافرون الذين أخذهم الروع كانوا كمن أصابه الشلل"!

وبعد أن يستعرض أبو أياد فظاعة الأحوال ووحشية الحرب يقول:
"لو قيل لي إبان سني حداثتي أن اليهود سيطردوننا ذات يوم من وطننا لكنت أول الناس استغراباً بل واستنكاراً، ذلك أنه كانت تصل أفراد عائلتي أفضل العلاقات باليهود، وكان لهم الكثير من الأصدقاء فيما بينهم، فجدي الشيخ عبد الله هو رجل دين من غزة ربى أطفاله بروح متسامحة، وتزوج أحد أبنائه من يهودية، كما لم يكن نادراً أن أسمع من يكبرونني سناً يذكرون اتصال حبل الغرام أو انقطاعه بين هذا أو ذاك من أقربائنا وبين فتاة يهودية"!
ويروي طفولته وكيف تعلم العبرية في محل والده وكيف اكتشف تدرب الماغاناه على استعمال السلاح وعن منظمة النجادة الفلسطينية التي انتمى إليها ليناضل دفاعاً عن الأرض، ثم يتحدث عن ظروف الحياة الصعبة التي عاشتها عائلته في غزة وما اجتازه من صعاب في سبيل تحصيل العلم، ثم الانطلاق في العمل النضالي ضمن اتحاد الطلبة الفلسطينيين..


وفي تلك الأيام كما يقول أبو أياد في مذكراته:
"التقيت للمرة الأولى بطالب يدرس في كلية الهندسة عمره 22 سنة ويكبرني بأربع سنوات ويتمتع بطاقة ونشاط وحماسة وروحية مغامرة أسرتني وجذبتني إليه: إنه ياسر عرفات، الذي عرفه العالم بعد ذلك بخمس عشرة سنة باسمه الحركي: أبو عمار، كان ياسر يومها مسؤولاً عن التدريب العسكري لطلاب الهندسة الراغبين في الاشتراك بالأعمال  الفدائية ضد البريطانيين في منطقة قنال السويس، وبخلاف ذلك كان يناضل – شأني أنا – داخل اتحاد الطلاب الفلسطينيين الذي يضم زملاءنا الطلبة ممن ينتمون إلى كافة النزعات السياسية: الأخوان المسلمون، الشيوعيون، البعثيون، القوميون العرب إلخ.. إلا أنني – شأن ياسر عرفات – لم ألتحق بأي حزب سياسي. وكانت ميولي الطبيعية تحملني على أن أنضم إلى ركب قومية علمانية، ولم تكن لدينا أفكار مسبقة بهذا الصدد –  ياسر عرفات ولا أنا – إلا أننا كنا نعلم على الأقل ما هو مضر بالقضية الفلسطينية".

بين تأميم القنال وثورة الجزائر:
 ويقول أبو أياد أن المنعطف الحقيقي في حياته النضالية حدث في تموز/يوليو 1956 عندما أعلن جمال عبد الناصر تأميم شركة قنال السويس، ويروي عن لك الأيام فيقول:
"حين عبأنا أنفسنا للدفاع عن مصر ضد العدوان الذي شنته عليها إسرائيل وإنكلترا وفرنسا بعد تأميم القنال بثلاثة أشهر فإننا فعلنا ذلك بحماسة، وشكلنا كتيبة كوماندوس لنقاوم العدوان الثلاثي إلى جانب المتطوعين المصريين. أما ياسر عرفات الذي كان يومها ضابط احتياط فلقد أرسل إلى بورسعيد حيث أسهم ضمن سلاح الهندسة في عمليات نزع الألغام. وأما أنا فقد تطوعت من جهتي في المقاومة الشعبية، وكنت مستعداً للقتال ولكن السلطات لم تسمح لي بالذهاب إلى جبهة قنال السويس، ولذا كان علي الاكتفاء بأداء مهمات دفاعية كالقيام – في جملة ما قمت – بالحراسة أمام جسور القاهرة"!


ويذكر أبو أياد ما كانت تتناقله الأنباء عن بطولات الثوار الجزائريين ويقول:
"كنا نطرح على أنفسنا مسألة ما إذا لم يكن في وسعنا نحن كذلك أن ننشىء حركة واسعة تكون ضرباً من الجبهة التي تضم الفلسطينيين من جميع الاتجاهات، وينتمون إليها بصفة فردية بغية إشعال الكفاح المسلح في فلسطين. وفي سنتي 1954 – 1955 جرت بعض غارات الكوماندوس ضد إسرائيل إلا أنها كانت تقاد جميعها تقريباً من قبل استخبارات البلدان المجاورة لإسرائيل. وكنا نشعر أنفسنا معنيين قليلاً بالمشروعات التي لا تمليها المصلحة الفلسطينية. ولما كنا نرتاب في الأنظمة العربية فلقد كان تقديرنا بأن الكفاح المسلح الذي يستحق هذه التسمية هو كفاح ينبغي أن يعده وينظمه ويخوضه الفلسطينيون إلى غايته دون أن يكون لهم أي ارتباط بغير شعبهم".
ويحدد أبو أيا بعد ذلك الأسس التي وضعت لإنشاء كوادر حركة التحرير الفلسطينية، وكيف تفرق الرفاق حيناً ثم كيف اتفق الجميع على التسمية التي أطلقت على الحركة: فتح (حركة تحرير فلسطين) التي تصبح الأحرف الأولى منها ح.ت.ف. وإذا ما قلبت.. فتح، ثم كيف اكتملت مهمة تزويد الحركة بالبنى والأنظمة والقيادة المركزية في تشرين الأول/أكتوبر 1959.

هكذا قامت فتح.. وهكذا قمنا بأول عملية
ويروي أبو أياد تفاصيل وقوف حركة "فتح" على قدميها، وكيف عقدت الاجتماعات، وما جابهته من تحديات، وبخاصة من الجامعة العربية والأنظمة العربية وأحمد الشقيري، وكيف حرصت على استقلاليتها. ويذكر أبو أياد عن تلك الأيام:
إن النظام العربي الوحيد الذي أيدنا عام 1964 هو نظام بن بللا الذي سمح لنا بإقامة ممثلية في الجزائر، غير أن بن بللا الذي كان وثيق الصلة بعبد الناصر كان يرفض إعطاءنا أية معونة مادية، وإنما تسلمنا أول شحنة من السلاح من الجزائر عام 1965 بعد تسلم بومدين مقاليد السلطة. وعلى كل فلقد كان ذلك بفضل اللواء حافظ الأسد رئيس الجمهورية السورية الحالي الذي كان لنا معه علاقات طيبة منذ العام 1964. كان الأسد في تلك الأثناء قائد سلاح الطيران، وكان يستلم الأسلحة المرسلة إلينا بالطريق الجنوبي على سبيل الأمانة ثم يسلمها إلينا دون علم حكومته...


ويستعرض أبو أياد بعد ذلك كيف خطط لأول عملية فدائية في 31 كانون الأول/ديسمبر 1964، وعن أول بيان نشرته الحركة في 28 كانون الثاني/يناير 1965 بتوقيع "العاصفة" وعن الملابسات التي رافقت انطلاق الكفاح المسلح في أكثر من عاصمة عربية، ويمضي قائلاً:
"بتنا قادرين على مواصلة وتطوير حرب العصابات، ومن العام 1965 حتى عشية حرب الأيام الستة قام فدائيون بحوالي مائتي غارة تقريباً. ولا ريب في أن معظمها جاء على نطاق متواضع بحيث أنه لم يكن يعرض أمن واستقرار الدولة الصهيونية للخطر، ولكن هذه العمليات أسهمت في زيادة التوتر بين إسرائيل والبلدان العربية التي كانت إسرائيل – ويا لسخرية القدر – تتهمها بتشجيع ودعم الحركة الفدائية. وفي الخامس من حزيران/يونيو 1967 علمت من الإذاعة أن إسرائيل شنت هجوماً جوياً صاعقاً ضد مصر. وفي ذلك التاريخ انتهت مرحلة من حياتي كمناضل وأصبحت ثورياً متفرغاً. فالحرب التي بدأت يومذاك سجلت منعطفاً رئيسياً في تاريخ الحركة الفلسطينية".
ويتحدث أبو أياد في مذكراته بالتفصيل عن معركة الكرامة ويروي كيف أن أنباء الاستعداد لها وصلته من اللواء عامر خماش رئيس الأركان العامة في الجيش الأردني يوم 18 آذار/مارس 1968 وكيف أن اللواء أخبره بأن الهجوم الإسرائيلي سيقع خلال ثلاثة أيام، ثم يروي أبو أياد كيف قرر المسؤولون العسكريون في حركة فتح الصمود في وجه الهجوم المنتظر وطلبوا من أعضاء القيادة أن يغادروا المكان كإجراء أمني، إلا أن ياسر عرفات وفاروق القدومي وأبو صبري وأبو أياد قرروا الاشتراك في المعركة وتوزعوا في مختلف قطاعات الكرامة واستقر كل واحد في مغارة.

ويقدم أبو أياد تفاصيل معركة الكرامة فيقول:
"في 21 آذار/مارس – أي بعد ثلاثة أيام من تحذير اللواء خماش – أيقظني أحد الفدائيين عند الفجر ليعلمني ببدء الهجوم الإسرائيلي. كان في وسع المرء أن يميز أرتال مصفحات الجيش الصهيوني وهي تجتاز نهر الأردن تبعها تشكيلات من المشاة. وبدأت المدفعية بالقصف بينما راحت طائرات الهليكوبتر تلقي بالمظليين خلف خطوطنا. وهكذا راح حوالي 15 ألف رجل يندفعون في هجومهم على قواعدنا على جبهة تمتد ثمانين كيلومتراً تقريباً. إلا أنه كان بادياً أن الهجوم الرئيسي يتجه نحو الكرامة التي كان علينا أن ندافع عنها بأقل من 300 رجل. ودون أن ينتظر تعليمات القيادة العليا فإن اللواء مشهور حديثه أصدر أمره إلى المدفعية الأردنية بالرد، واستقبلت الدبابات الإسرائيلية في الكرامة بإطلاق نار غزير من قذائف الآر.بي.جي. وبوابل من القنابل اليدوية. ونزل الفدائيون من التلال ليخوضوا المعركة مجابهة وجسماً لجسم أحياناً وبالسلاح الأبيض. وأبدى البعض منهم بطولة انتحارية، فقد رأيت مثلاً أحد شبابنا من رجال الكومندوس وهو يدمر دبابة بأن ألقى بنفسه تحت جنزيرها وقد لف نفسه بحزام من المتفجرات.
أما أنا فلقد نجوت من الموت مرتين. كان أحد الفدائيين الذين أقودهم - ويدعى جورج – قد غادر المغارة التي أرابط فيها بحثاً عن ذخيرة. ولست أدري أي توجس غامض دفع بي إلى مغادرة المكان لأستقر وراء صخرة تقع فوق المغارة بما يقرب من المائة متر. وبعد ذلك بقليل شاهدت جورج يتقدم نحو المغارة رافعاً ذراعيه وتتبعه مجموعة من الجنود الإسرائيليين، ثم قذف هؤلاء بقنبلة مسيلة للدموع داخل مخبئي السابق قبل أن يفتحموه...
ولما كنت أعاني آلاماً في ظهري، فإنني لم أستطع اللحاق برجالي الذين تسلقوا التلال ليحتلوا مواقع أكثر أماناً. وحين بقيت وحيداً شاهدت مجموعة أخرى من الجنود الإسرائيليين تتجه نحوي وأصابعهم على زنادات رشاشاتهم وهم يبحثون بصورة بادية عن مرمى، فبقيت جامداً دون حراك حتى اللحظة التي لم يعد يفصلهم فيها عن الصخرة التي أقبع خلفها سوى بضعة أمتار. وأخرجت مسدسي ببطء وهو جاهز للإطلاق. ولم يكن في مشطه سوى خمس رصاصات أدخر ذخيرتها لنفسي. إلا أن الجنود الإسرائيليين توجهوا بغتة وجهة أخرى مخلفينني وراءهم. وبعيد ذلك بقليل جاءت مجموعة فدائية تبحث عني وتساعدني على تسلق التلال لإيوائي في مكان أقل تعرضاً للخطر.
وتواصلت المعارك حتى المغيب، وبعدها شرعت القوات الإسرائيلية تلم موتاها وجرحاها كمقدمة للانسحاب. لقد دمروا ثلاثة أرباع مباني الكرامة، إلا أنهم كانوا راجعين في الحقيقة بخفي حنين".

المواجهة مع عبد الناصر:
وتمضي مذكرات أبو أياد في تفاصيل دقيقة ومؤثرة تروي الصعاب والخلافات والتحديات التي كانت تواجه المقاومة الفلسطينية.. ويصل بعد ذلك إلى المواجهة التي تمت مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بعد قبوله مشروع روجرز وعن الزيارة التي قام بها وفد المقاومة الذي ضم عرفات وفاروق القدومي وهايل عبد الحميد وأبو أياد فقال:
"استقبلنا عبد الناصر ببعض الفتور ثم قال لنا: لقد تنزهت في حديقتي طول ساعة لأتمالك غضبي وأنا أستقبلكم". كان غاضباً من الهجمات التي تعرض لها في منشورات فتح والتي عرض لنا نماذج منها كانت مبعثرة على مكتبه. ثم أضاف إنه لا يحق لنا أن ننتقده قبل أن نعرف البواعث التي دفعته إلى قبول مشروع روجرز، وأشار خلال المحادثة التي دامت أكثر من سبع ساعات إلى أن هناك إمكانية بنسبة واحد بالألف في أن يتحقق مشروع السلام الأميركي لأنه يعلم مقدماً أنه ليست لدى إسرائيل النية مطلقاً في احترام التزاماتها وإعادة الأراضي المحتلة بكاملها. ولكنه سيواصل برغم ذلك جهوده للتوصل إلى تسوية سلمية. وبانتظار ذلك لا بد له من كسب الوقت ليستعد للحرب التي تبدو له للوهلة الأولى أمراً لا مناص منه. وأضاف أنه خلال زيارته الأخيرة لموسكو طالب بتسليم مصر صواريخ سام 7 وحصل عليها بعد أن هدد بالاستقالة، ثم أفضى لنا بأنه سيستغل وقف إطلاق النار الساري لتركيز هذه الصواريخ على طول قنال السويس. وروى لنا أن القادة السوفيات اندهشوا في بادىء الأمر من انضوائه تحت راية مشروع أميركي وعرضوا عليه كبديل مشروعاً تقدمه له موسكو وواشنطن معاً فرفض المشروع موضحاً لمحادثيه بأنه يريد أن "يحرج" الولايات المتحدة التي التزمت لأول مرة منذ حرب حزيران/يونيو 1967 بجلاء إسرائيل الكامل تقريباً عن الأراضي التي غنمتها وأضاف: إن ميزة القرار 242 هو أنه صدق على حق العرب في استعادة أراضيهم المفقودة بإقرار دولي.
ثم استطرد عبد الناصر يقول بلهجة ساخرة وهو يلتفت نحو ياسر عرفات:
"كم تظن أنه يلزمكم من السنين حتى تدمروا الدولة الصهيونية وتبنوا دولة موحدة ديمقراطية على كامل فلسطين المحررة؟". وأخذ علينا ممارستنا لسياسة غير واقعية وقال: إن دويلة في الضفة الغربية وغزة خير من لا شيء".
وينتقل أبو أياد بعد ذلك ليتحدث بالتفصيل عن أحداث أيلول/سبتمبر وعن آخر مؤتمر قمة حضره عبد الناصر. وعن الصدمة التي شعروا بها جميعاً عندما بلغهم نبأ وفاته وقال:
"كان عبد الناصر أباً لنا جميعاً وهادياً حتى ولو كان يحدث له أن يخطىء. وقد أدى كوطني خدمات جلى للشعب المصري وقدم كقومي عربي معونة لا تقدر للشعب الفلسطيني، ذلك أنه كان يحبنا حباً صادقاً، وظل وفياً للالتزامات التي قطعها لنا منذ لقائنا الرسمي الأول العام 1968. وكان كثيراً ما يستقبلنا دون أن يحسب حساب الوقت الذي يولينا إياه. وكانت محادثاتنا تتصف بالصراحة وتنتهي دائماً بنتائج ملموسة. ولا زلت أذكر محادثة أجريناها معه – عرفات وأنا – في تشرين الثاني/نوفمبر 1969 بحضور أنور السادات، فقد حرص على أن يوصلنا إلى درج مدخل منزله ثم راح يتتبعنا بعينيه ونحن نتجه نحو سيارتنا. ورأيت نظرته. كانت نظرة مشرقة مليئة بالحنو الأبوي وبالرضا. وهمس السادات الذي كان يسير إلى جانبنا يقول: "إن الريس يحبكما كثيراً أنتما الإثنين، وهو يسعد كثيراً عندما يراكما متحدين في الكفاح فأيداه بلا قصور فإنه يحتاج إلى ذلك".

ويستعرض أبو أياد بعد ذلك كل الظروف التي عاشتها المقاومة والتي زادت في جراحها، والتي أوصلتها كذلك إلى تحويل الغضب الذي جاش في النفوس وتوجيهه وإعطائه بنية ذات محتوى سياسي. وكان ذلك بداية وجود "منظمة أيلول الأسود".

أيلول الأسود: رئيسها ونشاطها
ويشدد أبو أياد في حديثه عن منظمة أيلول الأسود على عدم وجود علاقة بين فتح والمنظمة من جهة، وأنه خلافاً لكل ما يقال ويشاع ليس رئيسها.. فرئيس المنظمة مناضل معروف باسم "أبو إيهاب"!
ويحدد أبو أياد موقفه من الاغتيال السياسي فيقول:
"إذا كنت بحكم طبيعتي وأيديولوجيتي عدواً لدوداً للاغتيال السياسي، ثم للإرهاب عامة، إلا أنني لا أخلط كما يفعل كثيرون في أرجاء العالم، بين العنف الثوري وبين الإرهاب، وبين ما يشكل فعلاً سياسياً وبين ما ليس كذلك. وأرفض الفعل الفردي الذي يرتكب خارج أي تنظيم أو أية استراتيجية، أو تمليه بواعث ذاتية، ويدعي الحلول محل كفاح الجماهير لشعبية. وعلى العكس من ذلك، فإن العنف الثوري ينخرط في حركة واسعة ذات بنى يشكل قوة متممة لها، ويسهم في مدها في فترات الجزر أو الهزيمة بانطلاقة جديدة. لكنه يصبح نافلاً لا جدوى منه عندما تسجل الحركة الشعبية نجاحات سياسية، على الصعيد المحلي أو على المسرح الدولي.
و"أيلول الأسود" لم تكن منظمة إرهابية مطلقاً. بل تصرفت دائماً كرديف ملحق بالمقاومة في الحين الذي لم يكن بوسع هذه الأخيرة فيه ان تضطلع بمهماتها العسكرية والسياسية كاملة. وقد أكد أعضاؤها دائماً وأبداً أنه ليست لهم أية صلة عضوية بفتح أو بمنظمة التحرير الفلسطينية. قد عرفت عدداً منهم، وأستطيع أن أؤكد أنهم ينتمون في غالبيتهم إلى مختلف المنظمات الفدائية. وبالنظر إلى أنهم خرجوا من صفوف هذه المنظمات، فإنهم كانوا يترجمون ترجمة صادقة مشاعر الإحباط والسخط التي تعتمر الشعب الفلسطيني".


ويروي أبو أياد في مذكراته تفاصيل هامة ومثيرة عن عدد كبير من الأعمال التي خططتها ونفذتها منظمة "أيلول الأسود"، ويصف حرب المنظمة ضد الاستخبارات الإسرائيلية بأنها كانت "حرب أشباح"، ويقول:
"إن الظروف التي يعيشها المعتقلون من أفراد المقاومة في سجون إسرائيل تفرض العمل على إطلاق سراح قسم منهم، كما أنه تم بذل كل ما يمكن بذله في هذا السبيل لكن دون طائل، فمحاولات الهرب المنظمة أجهضت الواحدة بعد الأخرى، والمداخلات الدولية المختلفة الأنواع، لم تفض إلى أية نتيجة. وواجهت إسرائيل النداءات والمساعي المتكتمة التي قامت بها الهيئات الإنسانية كالصليب الأحمر، والدول العظمى والصغرى وهيئة الأمم المتحدة والبابا ومختلف المؤسسات الدينية، بجدار من اللامبالاة وعدم التحسس. ومن هنا كان اللجوء إلى القوة وإلى خطف الطائرات من قبل بعض الفصائل الفلسطينية.
إلا أنه تبين أن سلاح اليأس النهائي هذا، غير فعال هو الآخر. فباستثناء أول عملية اختطاف طائرة عام 1969،أي تلك العملية التي أخذت إسرائيل على حين غرة، فإن المسؤولين الإسرائيليين رفضوا رفضاً قاطعاً إجراء أية تسوية مع الخاطفين. بل ثمة ما هو أسوأ من ذلك، إذ كانوا يبذلون قصارى جهدهم، لدى كل مواجهة، للإفضاء إلى نهاية دموية بهدف تأليب الرأي العام العالمي ضد الفدائيين. وهكذا فإنه سريعاً ما ظهر لنا أن خطف الطائرات لا يخدم قضيتنا، بل يضر إضراراً فادحاً بمعنى معركتنا التحريرية نفسه.
ولهذا السبب ذاته، أدانت فتح بلا هوادة مختلف العمليات الأخرى مثل تلك المغامرة الخرقاء التي قام بها أولئك الذين احتلوا في أيلول/سبتمبر 1973، سفارة المملكة العربية السعودية في باريس ليأخذوا بعض الدبلوماسيين كرهائن، أو العملية – التي تفوق هذه شبهة – والتي قام بها المغامر كارلوس في كانون أول/ديسمبر 1975، حين هاجم مقر منظمة الدول المصدرة للنفط – أوبيك في فيينا، لحساب ما يرجح أن يكون قوى خفية تعمل على المسرح الدولي للنفط. ولطالما تردد بهذا الصدد اسم العقيد القذافي الذي حاكت الصحافة الدولية حوله أسطورة أظهرته فيها (كسوبر – إرهابي) أو ما فوق إرهابي. إلا أنني أستطيع أن أؤكد من جهتي وبناء لمعرفتي بالوقائع، بأن الرئيس الليبي ظل بعيداً عن كامل العمليات العنيفة التي نظمت في السنوات الأخيرة تقريباً.

أسرار عملية ميونيخ بالتفصيل
وبالمقابل، فإن فتح لم تندد بالعملية التي قامت بها "أيلول الأسود" في ألعاب ميونيخ الأولمبية في أيلول/سبتمبر 1973. وقد يدهش المرء لهذا الموقف إذا لم يعرف بواعث وأهداف وسلوك القائمين بها، والأحداث التي أفضت إلى الخاتمة الدموية التي انتهت إليها. وبما أنني أعرف جيد المعرفة جميع مسؤولي مجموعتي المغاوير الذين قاموا بالعملية، مصالحه وشي غيفارا – وفقاً لاسميهما القتاليين – وبما أنني استجوبت مطولاً الناجين الثلاثة من المجموعة والذين يعيشون حالياً في بيروت، فإنني أجدني في وضع يتيح لي أن أقدم سرداً بالقدر الذي تسمح به القواعد الأمنية من التفصيل.
في مطلع العام 1973، وجهت منظمة التحرير الفلسطينية رسالة رسمية إلى اللجنة التي تدير الألعاب الأولمبية مقترحة اشتراك فريق من الرياضيين الفلسطينيين بالألعاب، وبما أن العرض ظل بلا جواب، فإن المنظمة أرسلت رسالة ثانية، لم تلق هي الأخرى غير الصمت التحقيري. فكان من البديهي، أننا غير موجودين بالنسبة لهذه المؤسسة المحترمة التي تدعي أنها غير ذات طابع سياسي، أو أننا – وذلك احتمال أفدح سواء من الاحتمال الأول – لا نستحق الوجود.
وقد أثارت هذه الإهانة سخط وغضب مقاتلينا الشباب. فقررت قيادة "أيلول الأسود" أن تأخذ هذه القضية بيديها، وأن تضع مشروعاً يستهدف ثلاثة أمور: تأكيد وجود الشعب الفلسطيني إزاء الكافة وضدهم. الإفادة من الانتشار الخارق للوسائل الإعلامية في ميونيخ لتعطي قضيتنا دوياً عالمياً، بالمعنى الإيجابي أو السلبي ما هم! وأخيراً التوصل إلى إطلاق إسرائيل سراح مقاومين، حدد عددهم الأولي بمائتين.
وينبغي لي أن أقول إننا لاحظنا، ويا لعظم كآبتنا حينها، أن قسماً هاماً من الرأي العام العالمي تأثر لتوقف العرض المسرحي، الذي تمثله الألعاب الأولمبية بالنسبة إليه لمدة أربع وعشرين ساعة، بأكثر مما تأثر للمصير المأساوي الذي عاناه الشعب الفلسطيني طوال أربع وعشرين سنة.
وقد جرى الإعداد للعملية بجدية ودقة مثاليتين. والمسؤولان اللذان جرى اختيارهما قبل العملية بثمانية أشهر، هما من المناضلين المجربين.
كان عمر مصالحة سبعة وعشرين سنة، وكان قد غادر مسقط رأسه حيفا وهو طفل بصحبة ذويه، وهم من الفلاحين الفقراء، إلى الضفة الغربية. كما كان يحمل درجة التبريز في الجيولوجيا ويتمتع بشخصية مؤثرة بالنظر إلى قامته المهيبة وذكائه الوقاد، واختار الالتحاق بصفوف منظمة فتح حيث عهد إليه بوظيفة مفوض سياسي. وبالنظر إلى إجادته فوق هذا كله، للغة الألمانية، فإنه كان في وضع يؤهله لتولي قيادة المجموعة، شأنه في ذلك شأن صديقه وشريكه شي غيفارا، المتمرس بالأساليب الفدائية برغم حداثة سنه (25 سنة) وبرغم دراسته الحقوقية في باريس.
ووفقاً للأهداف السياسية الثلاثة المعينة للمحاولة فإنه أوكل إليهما القيام بأربع مهمات واضحة: رسم خطة تفصيلية لسير العملية، اختيار ستة فدائيين آخرين يشتركون معهم في المحاولة، الحصول على الأسلحة الضرورية وإيصالها إلى داخل القرية الأولمبية، وأخيراً الاضطلاع بتنفيذ الخطة، بما في ذلك المساومات التي ستدور لمبادلة الرهائن الإسرائيليين بالمساجين الفلسطينيين. وبطبيعة الحال، فإن مصالحه وشي كانا يتمتعان بحشد من المعاونين والمنفذين لإيصال مشروعهم إلى غايته.
ولم يكن اختيار أفراد المجموعة بالأمر اليسير. ففي الفترة الأولى، جرى اختيار خمسين فدائياً شاباً ممن تتراوح أعمارهم بين 17 و20 سنة ليتلقوا تدريباً مكثفاً. وكانوا يتحدرون جميعاً من مخيمات اللاجئين في لبنان وسوريا والأردن وينتمون في معظمهم إلى عائلات متواضعة ويحدوهم جميعاً حافز إرادة تحرير أفراد عائلاتهم المسجونين في السجون الإسرائيلية. وكانوا يجهلون كل شيء عن المهمة التي ربما أوكلت إليهم، إلا أنهم كانوا يتحرقون لكي يكونوا بين المختارين المحظوظين. وقد أثار الاختيار النهائي بعض المآسي. فقد استبعد أحد الفدائيين اليافعين لأنه سبق لاثنين من أشقائه أن سقطوا في ساحة الشرف. فسخط الشاب الصغير واحتج وتضرع وانفجر باكياً. ثم راح يهدد بالانتحار إذا لم يضم إلى مجموعة المغاوير. فانتهى الأمر بالمسؤولين إلى الإذعان وضموه إلى المجموعة. فكان أحد أوائل من سقطوا برصاص قوات الأمن الألمانية...
وقبل أن ينتشر المصطفون الستة في مختلف البلدان الأوروبية، حيث ينبغي لهم أن يعتادوا نمط الحياة الغربية، فإن مصالحه وشي ذهبا إلى ميونيخ على سبيل الاستشاف. وتمكن أولهما، بعد أن غير ملامحه بأن اصطنع، بين جملة ما اصطنعه، شعراً مستعاراً، من أن يجد عملاً كخادم مقصف في القرية الأولمبية حيث كانت الاستعدادات للحدث الرياضي تجري على قدم وساق. واستغل هذا الوضع ليقوم بتفتيش الأمكنة وتحريها بانتظام وذلك لجهة ترتيب الأجنحة وخاصة الجناح الإسرائيلي، والمخارج الممكنة. ثم راح يستفيد من جملة صلات الصداقة التي أقامها مع عدد من المستخدمين الألمان وسواهم وكذلك مع شابة آسيوية شغفت به، ليجمع كمية من المعلومات راح يبلغها شيئاً فشيئاً إلى شي الذي استقر في بلد أوروبي مجاور. وهكذا فإن هذه العملية التي استغرقت أربعة أشهر، أفضت إلى مخطط عمل واضح ومتماسك.

الأسلحة تهرب في حقائب عروسين!
إلا أن عقبة طرأت في اللحظة الأخيرة، طرحت مشكلة جدية على المنظمين. ففي الموعد المضروب لتسليم الأسلحة إلى المغاوير، بلغهم أن الرقابة البوليسية تعززت فجأة في ألمانيا على المراكز الحدودية والطرق والمحطات وخاصة في المطارات وذلك في حين كانت المهلة المتبقية أقصر من أن تتيح استخدام وسيلة نقل أخرى غير الطائرة...
فقرر المنظمون أن يلعبوا رهانهم كاملاً. وكدست الأسلحة المودعة في أحد البلدان العربية دون علم حكومته، في ثلاث حقائب وعهد بها إلى منالة وإلى أحد أعاء "أيلول الأسود" بعد أن عقد "قرانهما" لهذه المناسبة بواسطة جوازات سفر مزورة. وسافر "الزوجان" إلى بون مصحوبين بحقيبتين إضافيتين تحتويان أمتعتهما الشخصية. ولدى خروجهما من المطار طلب إليهما موظف الجمارك وكان محاطاً برجال أمن، أن يفتحا حقائبهما. غير أن الرجل عاند وأبى، معلناً أنه يشعر بالإهانة إزاء هذه المعاملة. فهو رجل أعمال وسائح كبير، كما زعم، ولم يحدث له أن عومل كشقي أو أهين بهذه الطريقة. وباختصار، فإنه تذرع بحجج غير مقنعة تنحصر قيمتها الوحيدة في كسب الوقت، في وضع كان يبدو يائساً بصورة ظاهرة.وأصر موظف الجمارك على أنه لا يستطيع ان يخرق قانوناً يطبق على كافة المسافرين. أما ممثل "أيلول الأسود" فإنه راح يتردد أمام سبيلين ممكنين. فإذا استمر في رفضه فتح حقائبه فإنه سيضطر للرحيل في أول طائرة تغادر بون وفي هذه الحال ستلغى عملية ميونيخ. ولهذا فإنه اختار البديل الثاني وطلب باستكانة إلى موظف الجمارك أن يعين له الحقيبة التي يريد تفتيشها من بين الحقائب الخمسة التي كانت كلها متشابهة. وفتح الحقيبة المعينة له ثم نشر... الملابس الداخلية النسائية التي كانت فيها. فارتبك الجمركي وراح يغالي في الاعتذار مرحباً بهما في ألمانيا الاتحادية...
ووصلت الأسلحة إلى مقصدها قرابة الخامس والعشرين من شهر آب/أغسطس، أي قبيل بدء الألعاب الأولمبية بعشرة أيام تقريباً. وفي بون، استبدلت حقائب "الزوجين" بحقائب مماثلة، ولكن خاوية، وتولاها مناضلون آخرون فقاموا بوضع الأسلحة – وهي عبارة عن رشاشات وقنابل يدوية وسواها – في صناديق ودائع الأمانات في محطة ميونيخ حيث أتى بعد ذلك أفراد مجموعة المغاوير لطلبها كل بمفرده وبمفتاحه الخاص في ساعات مختلفة، قبيل دخولهم إلى الحرم الأولمبي.
وسبقهما مصالحه وشي ودخلا من البوابة الكبرى بفضل بطاقتي الدخول اللتين نجحت صديقة أولهما بالحصول عليها. أما رفاقهما الستة فكان عليهما أن يتسلقوا السياج المحيط بالقرية الأولمبية والذي يبلغ علوه مترين. وضرب لهم موعد مع الرجل الذي سوف يقودهم إلى هناك ويسخدمونه كمرتكز أو كمرقاة عند طرف السياج. وقبيل وصولهم كانت إحدى المناضلات التي لا يعوزها الجمال، قد ذهبت إلى المكان لتدخل في محادثة مع موظف الأمن الألماني الذي يقوم بالحراسة. وإذ تمكنت بذلك من إلهائه، فإن أفراد المغاوير نجحوا في القفز عن السياج دون أن يعيقهم أي عائق. وبعيد ذلك بساعات، كانت الفتاة والدليل قد غادرا ألمانيا بالطائرة.

رهائن.. ومفاوضات.. وتآمر في الخارج!
كان الجناح الذي يقيم فيه الرياضيون الإسرائيليون يبعد مسافة خمسين متراً عن السياج. وقد اصطدمت المجموعة – التي كانت تلقت تعليمات دقيقة بعدم إحداث ما يريق الدم إلا في حالة الدفاع الشرعي عن النفس – بمقاومة عنيفة من قبل اثنين من مدربي الفريق الرياضي، فنشب إثر ذلك عراك انتهى بقتلهما. أما الرياضيون التسعة الذين أخذوا كرهائن فقد عوملوا معاملة حسنة، بل أكثر من حسنة وأبلغهم مصالحه وشي خاصة بأنهم سيبادلون بمعتقلين فلسطينيين.
وخلال مدة الإحدى وعشرين ساعة لمحاصرة المبنى على يد البوليس الألماني، دارت بين الفدائيين ورهائنهم مناقشات ودية طويلة. كانت أعمار هؤلاء الآخرين تتراوح بين 18 و30 سنة وكانوا في معظمهم مهاجرين جدداً وفدوا إلى إسرائيل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي ورومانيا وبولونيا وغيرها، وينتمي كثيرون منهم إلى أطر وكوادر الاحتياط في الجيش الإسرائيلي. وقد أوضح لهم الفدائيون أن مكان فلسطين في الألعاب الأولمبية قد أسند ظلماً إلى إسرائيل، التي كان ينبغي على كل حال أن تطرد من هذا التجمع العالمي شأنها شأن جنوب إفريقيا وروديسيا.
وقد أكد مصالحه – الذي تزوج أحد أقاربه الأقربين من يهودية – للرياضيين، بأن الفلسطينيين لا يكنون أية كراهية لليهود أو حتى للإسرائيليين الذين هم شأن الفلسطينيين وإن بصورة مختلفة عنهم، ضحايا المغامرة الصهيونية. وبالرغم من أن الرهائن كانوا مهتمين بالحوار، إلا أنهم أصروا على أن السياسة ليست مركز اهتمامهم.
وظهر أن المفاوضات مع المسؤولين الألمان – الذين عملوا كوسطاء بين الفدائيين وإسرائيل – هي بالصعوبة التي كانت متوقعة. وكان عناد السيدة غولدا مائير رئيسة الحكومة الإسرائيلية في تلك الأثناء غير طبيعي تماماً، إذ أنها لم تظهر أي رغبة في إنقاذ حياة الرهائن. أما المغاوير الذين كانت التعليمات الصادرة إليهم توصيهم بألا يقتلوا أسراهم، فإنهم راحوا يمددون فترة الإنذار ساعة بعد أخرى، على أمل أن تقدم لهم صيغة تسوية ما. كانوا يعلمون مقدماً أنه لا يمكنهم الحصول على إطلاق سراح المئتي معتقل الذي أعدت لائحة بأسمائهم وفقاً لعددهم ونزعاتهم السياسية، وتوزعهم على العشرة آلاف سجين المعتقلين في السجون الإسرائيلية. إلا أنهم كانوا مستعدين عملياً لمباللة رهائنهم التسعة بخمسين أو عشرين أو حتى بتسعة معتقلين فلسطينيين. غير أن أملهم خاب ولم يقدم لهم المفاوضون الألمان والإسرائيليون أي عرض مضاد، اللهم إلا تقديم مبلغ غير محدد من المال أو "شيك على بياض" – كما لو كانوا مجرد أشقياء – وذلك مقابل إطلاق سراح الرهائن وتقديم جوازات مرور للثوريين الستة.
وفي اللحظة التي وصلت فيها المساومات إلى مأزق خطير، قامت سفارة عربية بإيصال اقتراح إلى مصالحه يمكن أن يكون موضوع اتفاق سري: وقوام الاقتراح هو أن يجري إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين واستبدالهم بمتطوعين ألمان يقتادهم الفدائيون إلى أحد البلدان العربية. وبعد ذلك بشهرين أو ثلاثة أشهر تقوم إسرائيل بإطلاق سراح خمسين سجيناً سراً بعد أن تتولى عدة دول عظمى ضمان احترام هذا الاتفاق.


أزمة دبلوماسية بسبب تشابه الأسماء
ومهما يكن من أمر، فإن هذا الطارىء المأساوي – الهزلي أفضى إلى أزمة ديبلوماسية. فقد حمل سفير ألمانيا الغربية في تونس تسجيل المحادثات الهاتفية بيديه وتقدم باحتجاج حاد إلى الحكومة التونسية مطالباً بتسليم مسؤولي "أيلول الأسود" الموجودين في تونس. وبعد عمليات أخذ ورد طويلة، تم الاتفاق على عدم إشاعة القضية. ومع هذا فإن السفير شبيلات وسائر أفراد عائلته طردوا من تونس بعد أن كانوا يتمتعون بحق اللجوء فيها.
أما مصالحه، فإنه أدى مهمته بأن احتمى بموقف الانكفاء الوارد في المخطط الذي كلف بتنفيذه. ذلك أنه، إزاء تصلب الإسرائيليين اقترح، كحل نهائي، أن يسافر الفدائيون ورهائنهم إلى القاهرة. وإنما وضع هذا الحل البديل، كمحاولة إضافية لتلافي إعدام الرهائن دون الإضرار بمصداقية "أيلول الأسود". فمصر ما كانت ستسمح مطلقاً بأن تمرغ سيادتها على أرضها. وعلى هذا فإن الرهائن الإسرائيليين كانوا سيحتجزون بصفتهم رعايا لبلد عدو، فلا يطلق سراحهم إلا إذا قبلت السلطات الإسرائيلية بالمبادلة. أو بعبارة أخرى، فإن مصيرهم لم يكن سيختلف، في أسوأ الافتراضات، عن مصير المقاومين الفلسطينيين المعتقلين في سجون الدولة اليهودية.
غير أن المستشار ويللي براندت كان يطمع بالحصول على المزيد، فقد اتصل هاتفياً برئيس الحكومة المصرية عزيز صدقي وأبلغه آخر اقتراحات مصالحه، طالباً إليه العمل بحيث يجري إطلاق سراح الرياضيين الإسرائيليين وطردهم لدى وصولهم إلى القاهرة بصحبة الفدائيين، بعد أن تقوم السلطات المصرية بتحييد هؤلاء اآخرين. وبطبيعة الحال، فإن عزيز صدقي الذي أبلغني المحادثة كلمة كلمة، رفض اقتراح المستشار موضحاً أنه لا يليق بشرف حكومته أن تخون ثقة الفدائيين على هذا النحو.
ولست أدري ما إذا كان المستشار براندت عارفاً أم لا، بأن السلطات الألمانية كانت تتآمر، إبان هذه المحادثة وبتعاون وثيق مع المخابرات الإسرائيلية، من أجل اغتيال الفدائيين. وقد جرى إعداد عدة مشاريع قبل  أن يقر القرار على أن ينصب الكمين للفدائيين في مطار فيوزشتنفيلد بروك العسكري، حيث كان يفترض أن يطير المغاوير والرهائن من هناك على متن طائرة لوفتهانزا باتجاه القاهرة.


زحف الفدائيان وهما صريعان ليتصافحا
أما الخاتمة المفجعة التي أفضت إليها هذه الحكاية نتيجة لازدواجية الحكومة الألمانية المشؤومة، فمعروفة. فقد انتهكت هذه الأخيرة الاتفاق المعقود والعهد المعطى وأمرت نخبة قناصتها بفتح النار على أفراد الكوماندوس. كان مصالحه وشي قد هبطا لتوهما من طائرة اللوفتهانزا بعد أن فتشاها ليتوجها نحو طائرات الهليكوبتر التي تضم الرهائن المنتظرين فيها، فكانا أول المصابين. وقد ردا على النار بشجاعة قبل أن يسقطا في بركة من الدم ثم زحفا وهما في طور الاحتضار نحو بعضيهما وتصافحا مصافحة أخوية قبل أن يلفظا أنفاسهما الأخيرة. ثم أن مقاتلاً ثالثاً كان يقوم بالحراسة سقط قتيلاً هو الآخر. ولم يشاهد انفجار طائرتي الهيلوكوبتر إلا بعد موت أفراد المجموعة الرئيسيين الثلاثة وبعد انتهاء تبادل إطلاق النار. وعلى هذا، فإن الفدائيين اللذين كانا يرافقان الرياضيين الإسرائيليين – واحد في كل طائرة – لم يعمدا إلى قتل رهائنهما والانتحار معهم، إلا بعد أن لاحظوا أنه لم يبق لديهما ما يأملانه. أما الأعضاء الثلاثة الباقون، فإنهم جرحوا فسلموا أنفسهم.
وبالإجمال، فإن تضحيات أبطال ميونيخ لم تذهب هدراً. فإذا كانوا لم يتوصلوا كما كانوا يأملون إلى تحرير رفاقهم السجناء في إسرائيل، إلا أنهم بلغوا الهدفين الآخرين المرسومين للعملية: فقد اطلع الرأي العام العالمي على المأساة الفلسطينية بفضل دوي الألعاب الأولمبية. كما فرض الشعب الفلسطيني حضوره على هذا التجمع الدولي الذي كان يسعى لاستبعاده. أما الخاتمة – المجزرة، فتتحمل حكومتا جمهورية ألمانيا الاتحادية وحكومة إسرائيل خاصة، المسؤولية الراسخة الجسيمة فيها.
ثم إن السلطات الألمانية راحت تسعى مدفوعة بشعور بالذنب أو ربما بدافع من الجبن، إلى التخلص من الفدائيين الأسرى. وجاءتها الفرصة بعد ذلك بشهرين في 29 تشرين الأول/ اكتوبر 1972 عندما قامت مجموعة مغاوير فلسطينية باختطاف طائرة بوينغ تابعة لشركة لوفتهانزا تعمل على خط بيروت – فرانكفورت إلى زغرب. وطالبت بالإفراج عن الناجين من عملية ميونيخ، فأفرج عنهم فوراً ليعودوا جنوداً مجهولين.
وتواصل "حرب الظلمات" أو حرب الأشباح كما يسميها البعض وهي تزداد كما وكثافة. ووجهت مخابرات الدولة الصهيونية بطرود ملغومة إلى جمهرة مناضلينا في عدد من العواصم والحاضرات بينها بيروت والجزائر (حيث أصيب ممثل منظمة التحرير الفلسطينية أبو خليل بجراح جسيمة) وطرابلس (حيث أصيب مصطفى عوض زيد ممثل منظمة التحرير بالشلل والعمى) والقاهرة (حيث أرسل طردان إلى اثنين من قادة فتح، فاروق القدومي وهايل عبد الحميد، أفلتا منهما سالمين) وستوكهولم (حيث فقد عمر صوفان مدير الصليب الأحمر أصابع يديه) وبون (حيث أصيب عدنان أحمد من اتحاد الطلاب الفلسطينيين بجراح جسيمة) وكوبنهاغن (حيث فقد الطالب أحمد عبد الله ذراعه). وبعد مقتل ممثلي منظمة التحرير في روما وباريس – زعيتر والهمشري – جاء دور ممثل المنظمة في نيقوسيا حسين أبو الخير حيث اغتيل في 25 كانون الثاني يناير 1973.
وقد ردت "أيلول الأسود" بقدر ما في وسعها، مضاعفة من عملياتها. فبعد مقتل أبو الخير بثلاثة أيام، قامت بقتل عميل إسرائيلي في قلب مدريد كان يتسمى باسم باروخ كوهن في حين أن اسمه الحقيقي هو مويس هنان ايشي. ولما كان حائزاً عدة جوازات سفر فإنه غالباً ما كان يتنقل تحت هويات مختلفة بين عاصمة أوروبية وأخرى وخاصة بين باريس وبروكسل وروما. وكان من البديهي أن كوهن يشغل وظائف هامة داخل مخابرات الدولة اليهودية. فقد شكل، بين جملة ما شكله، شبكة من الطلاب الفلسطينيين في إسبانيا، كان أفرادها في معظمهم من مواليد الضفة الغربية وغزة، مسنداً إليهم مهمات الإثارة والاستفزاز والتجسس. وكانت إحدى مهماتهم الاستعلام عن الفلسطينيين المقيمين في إسبانيا وخاصة لجهة ميولهم وانتماءاتهم السياسية. وكانت إحدى مهامهم الأخرى هي جمع المعلومات والاستخبارات في البلدان العربية – كمصر ولبنان مثلاً – البلدين اللذين كان بعض هؤلاء المجيشين يزورونهما أثناء العطل المدرسية. وفي مرحلة لاحقة، أنشأ كوهن خططاً لمهاجمة مؤسسات إسبانية يملكها يهود أو أن لها علاقات تجارية وثيقة مع إسرائيل وذلك بهدف الحط من اعتبار الفلسطينيين في نظر الرأي العام، والتسبب في طردهم من أسبانيا.
غير أنه كان يجهل أن العديد من هؤلاء المجيشين، أعضاء في "أيلول الأسود" وأنهم يتظاهرون بالتعاون معه بناء لطلب هذه المنظمة. وأنه تقرر إعدامه عندما بدأ يشك جدياً بأمانة ووفاء هؤلاء الذين لم يكونوا يقومون بتنفيذ المهمات التي أوكلها إليهم، متذرعين بذرائع مختلفة. وبات إعدامه أمراً ملحاً عندما أعلن بعيد مصرع محمود الهمشري في باريس، بأنه نقل إلى وظائف أخرى. فقد كان كوهن وفقاً لمعلومات "أيلول الأسود" أحد مدبري اغتيال ممثلي منظمة التحرير الفلسطينية في فرنسا.
ثم إن كوهن نفسه حدد موعد إعدامه عندما أبلغ "صلته" الفلسطيني في مدريد بأنه سيلاقيه في 28 كانون الثاني يناير في مدريد للمرة الأخيرة. وذهب الطالب وفق ما هو متفق عليه إلى مقصف (بار) يقع في أحد شرايين العاصمة الرئيسية. والواقع أن ثلاثة من أفراد "أيلول الأسود" كانوا على الموعد. فبخلاف محادث العميل الإسرائيلي كان هناك رجلان مسلحان، أحدهما داخل المقصف والآخر خارجه ينتظران اللحظة المؤاتية للشروع بالعمل.
وبعيد وصوله إلى المقصف، أبلغ كوهن الطالب بأنه سيقدمه إلى خليفته ودعاه إلى أن يتبعه. فكان ذلك نعمة غير مأمولة. لكن الطالب الذي كان يتمنى إرجاء الإعدام لكي يتمكن من معرفة العميل الإسرائيلي الجديد، لم يجد أية وسيلة لتحذير شريكيه. وقد قلق هذان الآخران عندما شاهدا كوهن وصاحبه يغادران المقصف فجأة. فهذا الانتقال غير متوقع، بحيث أن الرجل المستهدف قد يفلت منهم ويختفي فجأة في زحام المشاة كعادته. وفتح أحدهم النار عن كثب فأردى كوهن قتيلاً، بينما أطلق الآخر النار في الهواء إرهاباً، بحيث تمكن المغاوير الثلاثة من الضياع في الزحام قبل أن يغادروا الأراضي الإسبانية بالطائرة.
وهكذا فإن "أيلول الأسود" رمت برمية واحدة فأصابت المخابرات الإسرائيلية (الموساد) إصابتين. ذلك أن إعدام كوهن أدى إلى تصفية مجمل الشبكة الإسرائيلية في أسبانيا. ذلك أن إعدام كوهن أدى إلى تصفية مجمل الشبكة الإسرائيلية في إسبانيا. إذ لما كانت المخابرات الإسرائيلية تجهل أي "مجنديها" الفلسطينيين هو قاتل عميلها، فإنها اضطرت، من قبيل الحكمة والاحتراس إلى قطع علاقاتها بكافة أعضاء المنظمة التي كونها كوهن بصبر وأناة.
وفي هذه الاندفاعة، قتلت "أيلول الأسود" في شهر آذار/مارس 1973، عميلاً إسرائيلياً في 9 نيسان/أبريل جرت محاولتان في العاصمة القبرصية، إحداهما ضد مقر سفير الدولة الصهيونية والثانية ضد طائرة تابعة لشركة العال كانت جاثمة في المطار. على أن ما وصف بأنه رد إسرائيلي، كان صاعقاً. فغداة اليوم التالي لهذا الهجوم المزدوج الذي يتصادف مع الذكرى الخامسة والعشرين لمجزرة دير ياسين نزلت وحدة مغاوير إسرائيلية في بيروت واغتالت ثلاثة من قادة المقاومة الرئيسيين هم/ يوسف النجار (أبو يوسف) كمال عدوان وكمال ناصر.

هكذا قتلوا أبو يوسف وعدوان وكمال ناصر
كنت وثيق الصلة بكمال ناصر، وإلى جانب اجتماعاتنا السياسية، فإننا كنا نرى بعضنا مرة على الأقل في اليوم، مؤثرين أن يكون ذلك في الليل عندما يتوافر لكلينا الوقت، فنتحادث ساعات طويلة. كان كمال شاعراً مجيداً، يشع ذكاء وحساسية وطيب مزاج، ويعرف كيف ينشد يأس شعب منهك، وكيف يغني آمال المقاومة. وكان إنساناً تأتلف فيه الروحانية والدعابة. وكنت أحب فيه نزاهته العميقة وأمانته كمناضل.
وبرغم تعاطفه مع فتح إلا أنه لم ينتسب إليها لأنه لم يكن يفق مع حركتنا اتفاقاً دائماً كاملاً. وإنما كان يمارس وظيفته كناطق وحيد باسم منظمة التحرير الفلسطينية، بصفته شخصية مستقلة.
كانت محادثاتنا التي لا تنتهي تدور في الغالب حول مشكلة تمسك بشغاف قلوبنا: عنيت وحدة الحركة الفلسطينية. فكان هذا يقودنا إلى إثارة مزايا وعيوب المقاومة ووسائل تصحيح الانحرافات أو الأخطاء المرتكبة. وكم من مرة لعبنا دور الوسطاء أو دور الساعين بالمصالحة.
وقبيل الغارة الإسرائيلية التي أودت بحياة كمال ناصر ويوسف النجار وكمال عدوان بنحو من عشرة أيام، كنا بضعة أشخاص – بينهم هؤلاء الثلاثة وياسر عرفات – مجتمعين في شقة كمال. وكان الشهداء العتيدون الثلاثة يقطنون المبنى نفسه: كمال عدوان في الطابق الثاني وكمال ناصر في الثالث ويوسف النجار في السادس. فهل تراني توجست يومذاك  غيابهم المأساوي؟ يبقى أني حين لاحظت لدى وصولي عدم وجود حرس أو أي تشكيل أمني، فإني قلت لهم بلهجة تتراوح بين الجد والهزل: "أما إنكم لمتهورون! لن تلبث أن تحط طائرة هيلكوبتر إسرائيلية في الأرض البور المراجهة لبمناكم ثم تختطفكم ثلاثتكم!" وانقلب قولي إلى ممازحة قبل أن يعود عرفات إلى الموضوع ليطلب إليهم أن يسهروا بصورة أكثر جدية على أمنهم. فأجابوا بأنهم لا يريدون إزعاج الجيران بإقامة حماية ملفتة كثيراً في المبنى.
وتشاء المصادفة أن يقرر مجلس منظمة التحرير المركزي، الذي كنا ننتمي إليه خمستنا، أن ينعقد بصورة استثنائية في بيروت – وليس في دمشق كالعادة – في يومي 9 و10 نيسان/أبريل (تاريخ الغارة الإسرائيلية) وطال اجتماع يوم 9 إلى ساعة متأخرة من الليل نمت بعدها، كما كان يحدث لي كثيراً – لدى كمال ناصر. وعلى أثر جلسة صباح اليوم التالي، عرض النجار وعدوان وناصر علي أن آتي فأتغذى معهم في مطعم على شاطىء البحر اشتهر بطيب السمك فيه. والواقع إنني كقاعدة عامة، أتلافى، أسباب أمنية، ارتياد المحلات العامة. ولا أدري أية نزوة دفعتني ذلك اليوم إلى قبول الدعوة: وعى كل، فقد أحسست بحاجة إلى أن لا أنفصل عن رفاقي الثلاثة ولو لساعتين. وبعد أن تناولنا وجبة كانت لذيذة على نحو خاص، وسادها طيب المزاج، ذهبنا معاً إلى المجلس المركزي الذي انتهت مداولاته في الساعة التاسعة مساء.
وعاد يوسف النجار وكمال عدوان إلى منزليهما. فعرضت على كمال ناصر أن ننهي السهرة في شقته. إلا أنه أجابني، أمام عظيم دهشتي، بلهجة مزاح: "أفضل أن أموت على أن أستقبلك عندي!" ثم راح يوضح لي بعد ذلك بجدية أن عليه أن ينظم مرثاة في الشاعر عيسى نخلة الذي مات لتوه، وأنه متيقن من أن وجودي سيمنعه من العمل. وإذاً فقد تركته آسفاً. ثم تذكرت أن علي أن أزور الناجين الثلاثة من عملية ميونيخ، فقررت أن أذهب لأسمع حكاية مغامرتهم. وحين وصلت إلى مقصدي، لاحظت وجود هرج قتال في الشارع حول المبنى الذي تحتله الجبهة الشعبية الديمقراطية التي يرئسها نايف حواتمه، والذي يقع على بعد نحو من عشرة أمتار من المبنى الذي ينزل فيه الفدائيون الثلاثة. وحين سألت بعض مناضلي الديمقراطية عن سر الهرج، قالوا إن مغاويرهم مستنفرون بسبب الهجوم الوشيك الذي ستشنه الجبهة الشعبية التي يرئسها الدكتور جورج حبش على مكاتبهم. واستشطت غضباً، وعبرت لهم عن رأيي في هذا الخلاف الأخرق بين منظمتين من منظمات المقاومة، ممن تقضي طبيعة الأمور عليهما بأن يكرسا جهودهما لمحاربة العدو.
وبطبيعة الحال فإني لم أكن أعلم في تلك اللحظة كم أن الحداث ستصوب قولي. فقد كانت الساعة آنذاك التاسعة والنصف، ولم يكن في تخيل أحد، أن المغاوير الإسرائيليين، وليس مغاوير الجبهة الشعبية، سيقومون بعد ثلاث ساعات بمهاجمة مبنى الجبهة الديمقراطية. غير أن أنصار نايف حواتمه كانوا قد وضعوا في هذا المبنى المؤلف من تسعة طوابق، دوائرهم الإدارية والمالية والإعلامية وجزؤاً هاماً من محفوظاتهم، منتهكين بذلك أدنى القواعد الأمنية الأولية.
ثم إن المحادثة التي أجريتها بعيد ذلك مع الناجين الثلاثة من عملية ميونيخ، أبعدتني عن مشاغلي الآنية المباشرة. فالتفاصيل التي زودني بها عن سير العملية شغفتني. كما أن السرد الذي سردوه لي عن التعذيب الذي لاقوه في السجون الألمانية بلبل خاطري. ذلك أن التنكيل الذي نزل بأحدهم، أورثه عاهة جنسية دائمة. ثم إن الثلاثة راحوا بدورهم يسائلونني عن الأوضاع السياسية. وفجأة سمعت صوت عيارات نارية. فنظرت إلى ساعتي فوجدتها تشير إلى الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل. ووجدتني أنرفز مرة ثانية وأنا افسر لصحابتي أن المعركة الجارية هي على الأرجح معركة بين أنصار حبش وحواتمه.
وتكاثفت الطلقات، ثم جاءت أصوات انفجارات قوية لتزرع الريبة في رأسي. فقد كان ثمة مطر ينهمر من القذائف التي تتساقط على مبنى الجبهة الديمقراطية. وقلت في نفسي إنه من غير المحتمل بل من المستبعد أن يلجأ المهاجمون إلى مدافع الهاون. وبدأت أخمن الحقيقة عندما ظهر بواب المبنى الذي كنا فيه فجأة أمام باب شقتنا وهو يصيح بصوت مخنوق: اليهود! اليهود هنا!. وكان يرتجف من رأسه إلى أخمص قدميه بحيث أنه لم يستطيع أن يضيف إلى هذه الكلمات شيئاً.
وإذن، فإن التنبؤ الذي نبأت به لعشرة أيام خلت، دون أن أكون كثير الإيمان به، قد تحقق. فالإسرائيليون قائمون على أبوابنا بالمعنى الحرفي للكلمة. وقلت في نفسي إنهم إذا كانوا قد عرفوا كيف يحددون مقر الجبهة الديمقراطية، أفلا يعرفون كذلك، أن فدائيي ميونيخ الثلاثة يقطنون المبنى المجاور لمقر الديمقراطية؟ وأن ياسر عرفات يقطن هو الآخر في منزل يقع على بعد بضعة أمتار من مبنى الجبهة الديمقراطية؟
ولما كنا مسلحين بمسدسات جيب بسيطة، فإنه لم يكن في وسعنا – صحابتي الثلاثة وأنا – أن نفعل شيئاً يذكر، اللهم إلا أن نلجأ إلى قفص أو بئر سلم المبنى على موازاة الطابق الرابع. وأوصل أحدنا المصعد إلى الطابق الخامس ثم جمده هناك بأن فتح بابه، وهكذا يصبح المهاجمون مضطرين للصعود على أقدامهم والتعرض لنيراننا فقد كنا عازمين على المقاومة حتى آخر طلقة نملكها.
ثم إن حريقاً قوياً تبعته سلسلة من أصوات التقصف والتحطم جعلتنا نفترض أن مبنى الجبهة الديمقراطية قد تعرض للنسف. ثم تباطأت أصوات تبادل العيارات النارية. ونزل صحابتي إلى الشارع يترصدون المغاوير الإسرائيليين بينما كانوا ينسحبون مغطين انسحابهم بإطلاق النار متقطع.
وكان أعداؤنا يرتدون لباس الفدائيين ولكنهم كانوا يتبادلون الكلام بالعبرية. ثم نزلت بدوري إلى الشارع فتعرفت على الجثث الممددة على أرض المبنى والتي تعود إلى المناضلين الثلاثة الذين ينتمون إلى الجبهة الديمقراطية والذين وبختهم قبل ذلك بثلاث ساعات عندما علمت أنهم يتأهبون لقتال مغاوير الجبهة الشعبية. ما رفاقهم الذين كانوا في المبنى لحظة الهجوم فإنهم سلموا في غالبيتهم ذلك أنهم لحسن الحظ، غادروا المبنى قبل تدميره ليردوا على المهاجمين.
واجتزت الشارع وذهبت إلى منزل عرفات الذي كان سليماً هو الآخر. وعلمت أن الإسرائيليين قصفوا المبنى الذي يقيم فيه، غير أنهم، بالنظر إلى عدم تيقنهم من وجوده به، فإنهم لم يلجوا في القصف خاصة وأن حرسه قاوموا مقاومة صريحة. وافرج عن بعض الفدائيين الذين كانوا مسجونين في الطابق الذي يقع تحت أرض المبنى لارتكابهم بعض المخالفات. وسلحوا في بداية المعركة فأسهموا في رد الجنود الإسرائيليين. أما عرفات فتابع المعركة من سطح المبنى وهو يصدر تعليماته للمقاتلين.

صلبوا كمال ناصر وخرموا فمه بـ 15 رصاصة!
ولما كان قد بلغ عرفات أني كنت إبان المعركة موجوداً في مبنى مجاور، فإنه كان مقتنعاً بأني قتلت. ولهذا فإنه حين تلقاني احتضنني طويلاً بين ذراعيه. كان بادي الانفعال، وأطلعني على الأخبار التي وصلته: فالمغاوير الإسرائيليون الذين نزلوا في الجنوب قرب صيدا وفي بيروت قد شنوا هجماتهم على عدة أهداف فلسطينية في آن معاً. وأضاف عرفات: على أن أجسم ما في الأمر، هو أنهم دخلوا شقة يوسف النجار وكمال عدوان وكمال ناصر، ولكنه لا يدري ما إذا كان هؤلاء قد اختطفوا أم قتلوا. وبعد ذلك بدقائق بلغنا النبأ الصاعق: فرفاقنا الثلاثة قتلوا حقا وصدقاً.
وقررت لفوري أن أذهب إلى شارع فردان حيث يقع مبنى المعذبين الثلاثة. وبالنظر إلى المخاطر التي كانت لا تزال قائمة بالنسبة للتنقل في المدينة، فإن عرفات حاول أن يردعني عن ذلك ولكن دون جدوى. وكان أن أصابني المشهد الذي كان ينتظرني في مسكن كمال ناصر بالهلع. فقد رأيت صديقي – عبر غيمة من الدخان المتولد عن صاروخ أطلقه الإسرائيليون قبل اقتحامهم المنزل بلحظات – ممدداً في وضعية المصلوب. وكان محيط فمه يبدو وكأنه مخرم بخمس عشرة رصاصة على الأقل. فقاتلوه لم يهملوا الرموز، في عجالة مهمتهم المشؤومة، ولم ينسوا أن كمال مسيحيي الطائفة وناطق باسم منظمة التحرير الفلسطينية. وبخلاف ذلك فإن المهاجمين رشوا بالرصاص سريره والسرير الموضوع في غرفة الجلوس الذي كن آوي إليه عامة، وذلك للقاء على كل من يمكن أن يكون قد التجأ تحتهما.
كان كمال يلبس بيجاما، مما يشير في الظاهر إلى أن الهجوم فاجأه في نعاسه في اللحظة التي كان يهم فيها بالرقاد. وكان شباك نافذته مفتوحاً والستائر البندقية اللون منتزعة، ما لو أنه حاول الفرار في البداية. ثم أنه رد بعد ذلك بواسطة مسدس جيب وجدناه إلى جانبه. إلا أن مقاومته لم تطل لأن المسدس كان ينقص رصاصتين فقط. وعندها تذكرت أني كنت كثيراً ما أنا كده وأقول له: "إن أنت إلا شاعر ولن تستخدم السلاح في حياتك مطلقاً!" ولعلي لم أخطىء كثيراً في ذلك. أفلم يمت في اللحظة التي كان ينظم فيها مرثاة؟!
ونحن نعرف ظروف اغتيال رفيقينا الآخرين معرفة أوفى، بفضل شهادات أفراد أسرتهم. فقد قتل المغاوير الإسرائيليون الفدائي الوحيد الذي كان يحرس مدخل البناية بواسطة مسدس كاتم صوت، قبل أن يصعدوا بالمصعد إلى الطابق السادس. ونسفوا بوابة مدخل بيت النجار بواسطة قنبلة بلاستيكية. وكان رفيقنا وهو الذي يحب التبكير في الرقاد، قد نام، في حين أن أبناءه وهم صبي عمره ست عشرة سنة اسمه يوسف، وأربع بنات، يذاكرون دروسهم في غرفهم. وركض يوسف إلى مدخل البيت وواجه المغاوير الإسرائيليين الذين صرخوا فيه بالعربية: "قل لنا أين أبوك"؟ فاستبد الرعب بالصبي وأسرع إلى غرفته ثم خرج من النافذة وهبط إلى الطابق الخامس متسلقاً على قسطل، والتجأ هناك. خلال ذلك استيقظ النجار على الهرج وأقفل على نفسه في الصالون الذي يفصل غرفته عن المدخل. وبينما كان المغاوير يحاولون اقتحام الباب طلب إلى زوجته أن تناوله مسدسه. ودوت بعض الطلقات خلف الباب فانتهى به الأمر أن انفتح. وأصيب النجار إصابة خطرة فراح يترنح وهو يشتم المعتدين عليه صائحاً: "جبناء خونة" وحاولت امرأته أن تحميه بأن وضعت نفسها بين زوجها وبين الإسرائيليين. لكن هؤلاء واصلوا إطلاق النار ببرود وقتلوا الزوجين معاً.
وخلال هذا الوقت، احتلت شقة كمال عدوان الواقعة في الطابق الثاني. وكان كمال لا يزال يعمل، فتنبه إلى وجود ضجيج مشبوه على السلم. ولم يكد يمسك ببندقيته الرشاشة حتى بدأ المهاجمون باقتحام باب الدخول. وحتى قبل أن يتمكن من الرد تلقى عدة رصاصات... في رقبته، ذلك أن مجموعة ثانية من المغاوير الإسرائيليين تسللت إليه من نافذة المطبخ متسلقة المجارير الخارجية، وأطلقت عليه النار في ظهره. أما زوجته وولده فقد كانا يشاهدان المشهد البشع وهما عاجزان عن إتيان أي أمر، فإن الإسرائيليين أبقيا عليهما، ثم توجهوا نحو الطابق الثالث ليقتلوا ضحيتهم الثالثة، كمال ناصر.
ومن البديهي أن مغاوير الجنرال دايان – الذي كان حينذاك وزيراً للدفاع – ما كانوا يستطيعون القيام بعملية استغرقت قرابة الثلاث ساعات  في قلب بيروت، دون أن يعترضهم رقيب أو حسيب، لولا تمتعهم بتواطؤ شركاء محليين هامين.

حذر في العائلة تجنباً لمؤامرات الاغتيال
وبعد أن روى أبو أياد تفاصيل محاولات جرت لاغتياله وتصفيته، أشار إلى محاولات جرت للاعتداء على حياة أقاربه.. فقد تلقى أولاده مرتين علب شوكولاتة كانت في الحقيقة ملغومة ولحسن حظهم أن أبو أياد وزوجته علماهم أن يكونوا متيقظين وعلى جانب من الحذر بحيث يمتنعون حتى عن فتح طرود الحلويات التي يبعث بها هو إليهم حين يكون في الخارج، ويقول أبو أياد:
"مع أنني مهدد دائماً، إلا أنني لا أخشى الموت. وأنا مؤمن دون أن أكون صوفياً. والرعاية الإلهية التي أبقت علي حتى الآن، لا تعفيني من اتخاذ حد أدنى من الاحتياطات لأؤمن سلامتي وسلامة ذوي.
ولما كنت من الجهة الثانية، شديد النفور والكراهية لإراقة الدم، فإنني جاهدت أبداً لأمنع شباب المقاومة المتحمسين من القيام بمحاولات اغتيال أعتبرها غير مجدية أو مضرة بقضيتنا.
غير أنه كان لحرب تشرين أول/اكتوبر كنتيجة، أنها قدمت السياسة على العنف، تقديماً مؤقتاً، على الأقل.

أسرار عملية الدفرسوار وموقف السادات
ويستعرض أبو أياد في مذكراته تفاصيل اجتماعاته بالرئيس المصري أنور السادات قبيل حرب تشرين/اكتوبر، وتفاصيل ما جرى من اتصالات ومشاورات ومعارك وأدوار.. ويركز أبو أياد في مذكراته على ثغرة الدفرسوار الشهيرة ويقول بصدد ذلك:
"إن تاريخ حرب تشرين/اكتوبر لم يكتب بعد، برغم ذلك العدد من المؤلفات الجيدة التي كرست له. فالواقع أن بعض التقلبات لا تزال في الظل، كما أن عدداً آخر منها يشكل ألغازاً لم تفك رموزها بعد. وأحد هذه الألغاز، وهي ليست من أصغرها شأناً، هو بلا نزاع، عبور رجال الجنرال شارون قنال السويس بواسطة عملية اختراق قلبت مجريات الأحداث وأنهت هزيمة الجيش المصري.
فلا زلت إلى اليوم أجد في سلوك القيادة المصرية العليا. وفي سلوك السادات نفسه، إزاء محاولة الجنرال شارون أمراً يعصي على التصديق. وليحكم من شاء على ما سأقول. ففي العشرين من تشرين الأول، أي قبل أربعة أيام من قيام وحدات المغاوير الإسرائيلية بعبور القنال عند نقطة تعرف باسم الدفرسوار، قريبة من البحيرة المرة الكبرى (التمساح) قام عملاء المخابرات المصرية المتنكرون بثياب بدوية، بإرسال إشارة إلى القاهرة (بواسطة أجهزة إرسال) تفيد بمرور جسور ودبابات برمائية في العريش. فطبيعة هذا العتاد نفسه بحد ذاتها برهان على أن الجيش اليهودي سيحاول اجتياز القنال وتطويق الجيش الثالث المرابط على الضفة الشرقية للقنال، كما أن قيادة الأركان في القاهرة تملك في ملفاتها عدة مخططات، أعدت منذ أيام عبد الناصر أو منذ عهد قريب بهدف تلافي حدوث عمليات اختراق في أربع نقاط ضعيفة على الأقل، بينها نقطة الدفرسوار بالتحديد. وإذن فإنه ليس في الخطة الإسرائيلية شيء غير متوقع. فماذا فعلت القيادة المصرية العليا؟ لا شيء. كما أن المعلومات التي وردت من العريش في 10 تشرين ول لم تبلغ في ظاهر الأمر للسادات.
وبعد ذلك بيومين، وبعد أن وصلت طليعة قوات الجنرال شارون غلى منطقة الدفرسوار، جاء النفير الثاني، ولكن من جانب ممثلينا هذه المرة. فقد قام قادة جيش التحرير الفلسطيني ووحدات فتح المكلفة مع الجيش الكويتي بالدفاع عن الدفرسوار، بإبلاغ القاهرة بوشوك الهجوم الإسرائيلي. إلا أن المسؤولين المصريين لم يقوموا بأي رد فعل ولم يرسلوا بتعزيزات للدفاع عن هذه النقطة الحساسة العصيبة. وفي يوم 14 تشرين أول انتقل الجنرال شارون إلى الهجوم وتمكن من تسريب بضع دبابات وراح يحاول توسيع الثغرة. فقاتل رجالنا ببطولة وسقطوا في ساحة الشرف بالعشرات. كان لوضع عصيباً ولكنه لم يكن يائساً. فلا يزال في الوقت فرصة لكي تتخذ القيادة المصرية العليا إجراءات ترد العدو على أعقابه. ولكنهم تركوا الأمور تجري على هواها. أما السادات الذي ألقى في 16 تشرين أول خطاباً متلفزاً تحدث فيه عن نجاحات جيشه فلم ينبس بكلمة حول المعارك الجارية على ضفتي القنال. وهو لا يمكن ألا يكون على علم بالكارثة لأني أنا نفسي كنت على علم كامل بالوضع.
فكيف نفسر سكوت وسلبية قيادة جيشه العليا؟ إن السر لا يزال كاملاً، هذا ولم تكد الحرب تنتهي، وبينما كان الجيش الثالث لا يزال محاصراً، حتى كان السادات يريد أن يبدأ التفاوض مع إسرائيل. وفي 26 تشرين أول، أي بعد مرور ثمانية وأربعين ساعة على وقف النار الثاني، حدد لنا محمد حسنين هيكل، رئيس تحرير الأهرام، الذي كان أحد مستشاري الرئيس المصري المسموعين في تلك الحقبة، موعداً لمقابلة هذا الأخير في اليوم نفسه. واستقبلنا السادات في قصر القاهرة. وقبل أن نتمكن من الجلوس – فاروق القدومي وأنا – سألنا فجأة: "وإذا، هل تقبلون بالاشتراك في مؤتمر السلام؟".
كان السادات يبدو قلقاً ومعيل الصبر في آن معاً. ففي خطاب 16 تشرين أول، أشار إلى أن "الفلسطينيين" يجب أن يشركوا بالضرورة في عملية السلام. أما اليوم فإنه يريد أن يعرف ما إذا كانت منظمة التحرير الفلسطينية توافق على تمثيل الفلسطينيين حول الطاولة المستديرة. وقلت له إننا لا نستطيع الإجابة عن سؤاله قبل أن نطلع اطلاعاً واسعاً على حيثيات الموضوع. ونحن نريد أن نعرف ماذا سيكون مؤتمر جنيف بالضبط، ووفق أية شروط سوف ندعى إلى حضوره والمشاركة فيه. وقدم لنا الرئيس المصري بعض التوضيحات: فقد كتب إلى الحكومتين الأميركية والسوفياتية ليعرض عليهما المشاركة في الاجتماع وليقترح مشاركة فرنسا وبريطانيا كذلك، إلى جانب مصر وسوريا والأردن والفلسطينيين، ثم بطبيعة الحال، إسرائيل. وأضاف في رسالته أن المؤتمر يجب أن ينعقد تحت رعاية الأمم المتحدة في نيويورك أو في جنيف حيث تملك الأمم المتحدة مكاناً لهذا الغرض. ثم أردف من باب طمأنتنا: وأي سوء في هذا طالما أن الدبلوماسيين العرب يقابلون عادة ممثلي إسرائيل في مختلف محافل المنظمة الدولية.
واعترضنا قائلين إن منظمة الأمم المتحدة مكلفة بتطبيق قرار جلس الأمن رقم 242 الذي جرى تبنيه في 22 تشرين ثاني/نوفمبر عام 1967. وهو القرار الذي نرفضه نحن لأنه يسكت عن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة. ولهذا فإن ذهابنا إلى جنيف أو إلى نيويورك ضمن هذه الشروط. يعني أننا نقبل التفاوض على إعادة حقوق "اللاجئين" كما يشير إليهم القرار 242. وراح السادات يحاول إبعاد اعتراضنا بالإعلان علينا "ليس عليكم إلا أن تتجاهلوا هذا القرار. تعالوا وأعرضوا وجهة نظركم وأعرضوا مطالبكم، أية كانت هذه المطالب. دافعوا إذا أردتم عن أطروحتكم حول ضرورة تفكيك دولة إسرائيل كمقدمة لإقامة فلسطين ديمقراطية متعددة الطوائف. فالأمر الضروري هو أن تكونوا حاضرين في مؤتمر السلام!".
فوعدناه بأن نعرض اقتراحه في أقصر مدة ممكنة على الهيئات العليا في المقاومة. وبانتظار ذلك، فإننا طرحنا عليه عدة أسئلة حول الوضع العسكري، لماذا قبل بوقف إطلاق النار بمثل هذه السهولة؟ هل كانت ثغرة الجنرال شارون بمثل هذا القدر من الخطورة والتهديد؟ وحاول السادات أن يقلل من أهمية الثغرة مؤكداً أن الجيش الثالث ليس مهدداً بالإبادة. غير أنه ذكر بالمقابل قيام الولايات المتحدة بتزويد إسرائيل بشحنات من الأسلحة البالغة التطور خلال المرحلة الأخيرة من القتال، و"تخلي" الاتحاد السوفياتي الذي يرفض تزويده بالسلاح الضروري لمواصلة الحرب. وبدت لنا الحجة التي أدلى بها لإقناعنا بعجزه، حجة مشتبهة. فالقوات المصرية شنت القتال – أولاً – بسلاح سوفياتي ذي كم وكيف، أكثر من كافيين. وثانياً – لأنني كنت أنا نفسي أسكن قرب مطار الماظة الحربي (في ضاحية القاهرة) وتمكنت أن ألاحظ بعيني اتساع وكثافة شحنات الأسلحة السوفياتية طوال حرب تشرين. ووفقاً للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن – وهو معهد لا يمكن أن يتهم بمحبة السوفيات – فإن الجسر الروسي الذي أقيم مع مصر وسوريا اشتمل على 934 رحلة طيران ذهاباً وإياباً. هذا بدون أن نحسب الشحنات التي تمت بطريق البحر وأفرغت في الموانىء المصرية. وبدون أن نتكلم عن الموارد الإلكترونية التي أشركتها موسكو في جمع الاستخبارات عن تحركات القوات الإسرائيلية. وفي يوم 26 تشرين أول، أي في ذات اليوم الذي أجرينا فيه المحادثة مع السادات، كشف هنري كيسنجر النقاب عن أن الاتحاد السوفياتي قد عزز تعزيزاً عظيماً أسطوله الحربي في المتوسط، ووضع عدة وحدات مجوقلة (محمولة جواً) في حالة استنفار. فكان الروس بذلك يريدون ردع إسرائيل عن مواصلة هجومها ضد الجيش المصري الثالث.

القذافي قدم كل المعونة: مالياً وعسكرياً
واشتكى السادات كذلك بمرارة من العقيد القذافي الذي أخذ عليه علناً السلوك الذي سلكه في الحرب والأهداف المحدودة التي رسمها لها. هذا مع أن الرئيس الليبي لم يدخر وسعاً في تقديم معونته المالية والاقتصادية والعسكرية له، على الرغم من عدم اتفاقه معه. فهو لم يقدم لمصر عملات صعبة بالنقد السائل ونفطاً وحسب، بل وكذلك طائرات "ميراج" اشتراها من فرنسا وسبعين طائرة ميغ 21، بينها 26 طائرة اشتراها بأن الاشتباكات وأرسلت مباشرة من الاتحاد السوفياتي إلى الجبهة المصرية. ومنذ الساعات الأولى للحرب، أرسل القذافي إلى القاهرة عضوين من أعضاء مجلس الثورة هما الرائد عبد المنعم الهوني والرائد عمر المحيشي وظلا هناك تحت تصرف السادات، تحسباً لحالة احتياجه إليهما. وهكذا فإنهما أخطرا طرابلس "بثغرة" شارون موضحين أن هذه النكسة قد نالت كثيراً من الرئيس المصري. فما لبث الرائد عبد السلام جلود، رئيس الوزراء الليبي السابق، إن ركب الطائرة إلى القاهرة وأبلغ القذافي أثر محادثة مع السادات بأن هذا الأخير "منهار" معنوياً.
وقام الرئيس الليبي بدوره بزيارة القاهرة حيث وجد السادات ملازماً سريره ويعاني أوجاعاً في المعدة وعاجزاً، فيما يبدو عن خوض محادثة متماسكة. وعرض القذافي وهو يتحرق برماً وعيلان صبر، بأن يذهب بنفسه إلى المقر العام للقوات المسلحة، لمتابعة تطور المعارك. فرفض السادات رفضاً قاطعاً مؤكداً له أن جنرالاته أهل تماماً للقيام بمسؤولياتهم. والحقيقة هي أنه لم يكن يريد له أن يتدخل بمشروع ندد به بشدة.
وفي ختام الفصل الذي يحمل عنوان "شرارة أكتوبر" وفيه ما فيه من التفاصيل والأحكام والأسرار، قال أبو أياد:
"لم تكن حرب تشرين بالنسبة إلينا نحن الفلسطينيين، كما بالنسبة إلى جميع الأمة العربية، إلا انقشاعة قصيرة الدوام. وبدلاً من أن تشق طريق تحرير الأراضي المحتلة فإنها عززت النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط ويسرت مؤامرات تصفية المقاومة الفلسطينية. وبالمقابل، فإن الحرب ونتائجها أثارت في صفوفنا وعياً صحياً سيساعدنا على تكييف أهدافنا على الحقائق، وعلى اتخاذ قرارات جريئة تضع حداً نهائياً لسياسة " كل شيء أو لا شيء".
ثم يمضي في الفصل الثامن (تحدي السلام) في رواية أسرار الاتصالات السياسية وتأثيرات دبلوماسية الملوك التي اتبعها كيسنجر، والملابسات التي أحاطت بمؤتمر القمة العربي الذي انعقد في الرباط، وأورد تفاصيل ما أشارت إليه الأنباء عن مجموعات الفدائيين التي كانت مكلفة بتصفية عدد من الرؤساء والملوك العرب.. ثم أشار إلى الاتفاقيات التي وقعت بين مصر وإسرائيل لفك ارتباط الجيشين... ثم – كما قال أبو أياد – صار في مستطاع الجنون الدموي أن ينفلت من عقاله في لبنان...

هكذا تم اغتيال السفير الأميركي في لبنان
وفي الفصل التاسع من المذكرات.. الفصل الذي جعل أبو أياد عنوانه "الشرك اللبناني" أوسع التفاصيل والمعلومات والأسرار عن الحرب اللبنانية وخفاياها.. وإذا كانت الإشارة إلى تفاصيل المحتويات أو إلى أبرز عناوينها تشكل بحد ذاتها إثارة وتأثيراً فإن ما يمكن أن نأخذه من هذا الفصل يقتصر على صفحتين فقط من المذكرات وردت فيهما تفاصيل اغتيال السفير الأميركي في لبنان فرنسيس ميللوي.. وهذه هي التفاصيل كما أوردها أبو أياد:
"ارتكبت الجريمة الغبية النذلة في 16 حزيران/يونيو. ففي هذا اليوم كان سفير الولايات المتحدة الجديد في بيروت فرنسيس ميللوي، الذي لم يكن قد مضى عليه في منصبه هذا سوى شهر، ومعه المستشار الاقتصادي في السفارة روبرت وارنغ في طريقه لمقابلة الياس سركيس الذي لم يكن قد بدأ يضطلع بعد بمهمته الرئاسية بانتظار نهاية ولاية سليمان فرنجية. وكان لا بد للدبلوماسيين من سلوك طريق المتحف، الطريق الوحيدة التي تصل القطاعين المتناحرين من بيروت، عنيت القطاع الغربي الذي تقع فيه السفارة الأميركية، والقطاع الشرقي الذي تسيطر عليه الميليشيات المارونية ويقطنه الرئيس المنتخب.
ووصلت سيارة السفير تتبعها سيارة الحرس إلى الخط الفاصل بين القطاعين. ولدى وصولها إلى مدخل شارع المتحف انعطفت سيارة الحرس متخلية عن السيارة التي تقل السفير ومستشاره الاقتصادي. لكن لماذا؟ إن السر لا يزال يكتنف هذه القضية ولم يكتشف حتى الآن. يبقى أن سيارة السفير اختفت قبل أن تصل إلى حاجز المراقبة الواقع على نقطة تقاطع القطاعين. وبعيد ذلك بساعات اكتشفنا جثث فرنسيس ميللوي وروبرت وارنغ وسائقهما اللبناني زهير مغربي وقد اخترقها الرصاص. غير أن حزب العمل الاشتراكي العربي، وهو فصيل لم يسبق لنا أن سمعنا به قبل ذلك، أعلن تأييده لهذا العمل دون أن يدعي مسؤوليته عنه. وهذه هي كافة الوقائع التي تناهت إلى علم الرأي العام قبل أن يطوى ملف القضية.
وقررت من جانبي القيام بتحقيق حول الحادث. وبعد ثمانية أيام من البحث والتحري، أبلغت بوجود سيارة السفير في مرآب، فقامت مجموعة فدائية باقتحام المبنى وعثرت فيه على السيارة كما وجدت هناك شاباً في السادسة عشرة من عمره يتولى حراستها. ولم يكن المراهق أكثر من (كومبارس) إلا أنه زودني ببعض الإشارات حول مسير العملية. وهكذا فقد علمت أن القتلة اتصلوا بزهير مغربي، السائق الشخصي للسفير، قبيل تنفيذ جريمتهم ببضعة أيام لتأمين تواطئه معهم. فأكدوا له أنهم يريدون خطف رب عمله للحصول على فدية ثم يطلقان سراحه وسراح راكبي السيارة الآخرين. وكان خادم السفارة الأميركية الوفي الهرم هذا، يعيش حياة هي أكثر بؤساً وضنكاً من أن تحول دونه ودون أن تراوده الرغبة في الحصول على نصيب من الفدية يضمن له ولعائلته الأمان المادي لسنوات طويلة. وهكذا فقد قبل أن يلعب دور الأداة في يد الخاطفين. فأوقف السيارة عند نقطة اتفق عليها معهم. بحيث يتمكن الخاطفون من الاستيلاء على ضحاياهم دون إطلاق رصاصة. وبعد أن جرى استجواب ميللوي ووارنغ استجواباً  يستطيع مخبري أن يفيدني عنه بشيء، جرى إعدامهما وإعدام مغربي معهما بكل برود. ثم غادر القتلة لبنان بعد ذلك بساعات دون أن يتركوا أي أثر.
لكن ما دام هؤلاء لم يطلبوا أية فدية، ولا تقدموا بأية مطالب سياسية أو سواها، فماذا كان هدفهم إذن؟ إن المراهق الآنف الذكر روى لي أنه استمع عرضاً إلى محادثة بين القتلة سمعهم يقولون فيها إنهم كانوا يأملون أن يترتب على عمليتهم، حدوث إنزال أميركي في لبنان! وإذ كان هؤلاء يرثون شأننا جميعاً لاقتتال الأخوة الفلسطينيين والسوريين، فإنهم كانوا يتصورون أنه سيسعهم وضع حد له بتحويل لبنان إلى فيتنام جديدة وتطوير الحرب الأهلية إلى حرب تحرير وطني! ولا ريب في إنه يحق لنا أمام منطق بمثل هذه البساطة الشائنة، أن نتساءل ما إذا كان مرتكبو هذه العملية الغبية أشخاصاً حمقى أم عملاء مأجورين!!".
ويخصص أبو أياد الفصل العاشر والأخير للحديث عن رحلة أنور السادات إلى إسرائيل وخفايا وملابسات هذه الزيارة وأسرار الاجتماعات التي سبقتها والتي هيأت لها..
ونترك تفاصيل كل ذلك لينشر في حينه مع ما يمكن أن يطرأ من أحداث منذ الآن نلقي الضوء على كل ما جرى ويجري.. ونأخذ عن أبو أياد أحاسيسه يوم تلك الزيارة إذ وصفها قائلاً:
اليوم يوم 19 تشرين ثاني/نوفمبر 1977.
وطائرة البوينغ الراسية تحط بهدوء في مطار تل أبيب، وأنا جالس أمام جهاز التلفزيون في بيروت، أراقب الجمهور الكثيف من الشخصيات الإسرائيلية ذات الوجوه المألوفة مني أو غير المألوفة، وهي تنتظر وصول السادات. واستقرت الطائرة أخيراً وبدأ المصورون، والأشخاص المجهولون، ورجال الأمن بالثياب المدنية، والموظفون يهبطون مسرعين. وكوكبة من القادة الصهاينة يتقدمهم مناحيم بيغن واقفون كالخشب المسندة على قدم سلم الطائرة ونظراتهم مسمرة على بابها الفاغر. وأنا يغمرني أمل مجنون في أن السادات لن يخرج من الباب! لأنه قرر في اللحظة الأخيرة ألا يأتي إلى إسرائيل!
وتلقيت الصدمة في أحشائي وأحسستها تشنجاً في حلقي. ذلك أن الرئيس المصري ظهر تحت أضواء كاشفات الضوء كالتماعة النور في الدكنة، وهو يصافح أيدي جلادي شعبنا وهم يتتالون أمام ناظري: بيغن، دايان، شارون، والجنرالات ببزاتهم. ثم ظهر السادات "المنتصر في حرب أكتوبر" جامداً أمام علم المحتلين بينما النشيد الوطني الصهيوني يدوي في الأسماع. وانسابت الدموع على خدود عدد من رفاقي. أما أنا فلازمت جهاز التلفزيون دون أن أحول ناظري عنه طوال أربعين ساعة، متتبعاً زيارة العار والمذلة دقيقة دقيقة.
 
المقاومة والصين
عن الرحلات إلى الصين قال أبو أياد في مذكراته:
"سبق لياسر عرفات أن زار بكين مرتين في العامين 1964 و1966، وكانت الزيارة الأولى ناجحة بحذر، بينما تمخضت الثانية عن وعود بالمعونة تجسدت بعد حرب الأيام الستة. والواقع هو أن عدة مجموعات من الفدائيين تلقت اعتباراً من العام 1968 إعداداً عسكرياً في معسكرات التدريب في الصين، إلا أنه بقي علينا أن ننمي ونعزز هذه العلاقات وقد كان هذا الهدف في بالنا حين سلكنا، ياسر عرفات وأنا، طريق بكين في شباط/فبراير 1970.
وكانت الدواعي السياسية والأمنية توجب أن تظل هذه الرحلة سرية، وإمعاناً في التمويه سلكنا طرقاً مختلفة لنلتقي في باكستان حيث نستقل الطائرة من هناك. وحاولنا أن لا نسترعي الانتباه، فكان عرفات مثلاً يلبس طقماً رسمياً مستبدلاً غطاء رأسه التقليدي (الكوفية والعقال) بقبعة لينة محترمة، لكنها كانت احتياطات لا طائل وراءها. إذ ما كدنا نجلس في الطائرة حتى وجدنا أنفسنا وجهاً لوجه مع عبد السلام جلود – الشخصية الثانية في ليبيا – وكان بادي الإحراج وحيانا بقليل من الملاطفة ثم لزم الصمت طوال الرحلة. وعرفنا بعد ذلك أنه كان يقوم هو أيضاً بزيارة سرية للصين هي أول زيارة يقوم بها منذ قيام الثورة الليبية في أول أيلول/سبتمبر 1969.
وسحرنا شو آن لاي الذي أجرينا معه محادثات ودية طويلة بذكائه الحاد ورهافته وسعة ثقافته. ثم إن الأسئلة التي طرحها علينا نمت ليس عن عميق تعاطفه إزاء الشعب الفلسطيني وحسب وإنما عن عميق معرفته كذلك بالمشكلة وسياقها المحلي والدولي، وكان يتذكر بالتفصيل – وهو ذو الذاكرة الفريدة – الأجوبة التي حصل عليها من زوار فلسطينيين آخرين عن الأسئلة نفسها التي وجهها إلينا، الأمر الذي كان يتيح له أن يستخلص نتائجه الخاصة.
وعندما تعرضنا لموقفنا  من الاتحاد السوفياتي – وهي أدق المسائل على الإطلاق – فإننا شرحنا له أننا نريد إقامة علاقات ودية مع موسكو. وأضفنا بأننا نأمل أن لا تنال مثل هذه العلاقات من تعاوننا مع الصين الشعبية. كان من البدهي أن النظام  الصيني يريد – كما يظهر من الشعارات التي تغطي جدران بكين – تعبئة السكان ضد "إمبريالية الاتحاد السوفياتي الاشتراكية".
وأصغى إلينا شو آن لاي برصانة ثم أجابنا أمام عظيم دهشتنا بأنه يفهم شواغلنا "فأنتم تمثلون حركة تحرر وطني، ومن الطبيعي أن تحاولوا تأمين العون والمساعدة حيثما وسعكم الحصول على ذلك".
ووعدنا بدعم الصين الكامل ودعانا إلى توضيح حاجاتنا بدقة. ثم ضرب لنا موعداً لموافاته في اليوم التالي إلى وزارة الدفاع حيث أعلمونا للتو بأن طلباتنا العسكرية والمدنية قد قبلت".

الأزهر.. والثياب المسروقة!!
روى أبو أياد في مذكراته الحادثة الآتية:
"بعد ثلاث سنوات من خروجنا من فلسطين، غادرت غزة إلى القاهرة (العام 1951) بقصد انتساب إلى الجامعة. ووفقاً لما وعدوا به فإن أقاربي راحوا يكتتبون – كل حسب طاقته – ليزودني بما أعيش به. وبخلاف مباركة والدي، فإني تلقيت مبلغ خمسين جنيهاً ينبغي أن يفي باحتياجاتي خلال الأشهر الأولى. ثم إن أبي أوصى بي أحد أبناء عمومته ويدعى الشيخ يوسف وكان يتابع دروس علم الكلام في جامعة الأزهر. وجاء الشيخ يوسف إلى محطة القاهرة برغم عماه يسعى في طلبي، وعرض علي المبيت في منامة الجامعة. ومنامة الجامعة عبارة عن رواق تصطف فيه الأسرة بمحاذاة بعضها البعض فلا تفصل السرير عن الآخر سوى منضدة صغيرة. ولما ان أحد زملاء الشيخ يوسف غائباً، فلقد كان بوسعي أن أشغل سريره بضعة أيام إلى أن أعثر على مأوى دائم. وقبلت عرض ابن عمي بطيبة خاطر برغم نفوري من المنامة الوسخة لتي تنبعث منها رائحة بشعة.
ثم إني علقت قميصي ولباسي الذي دسست في جيبه الخمسين جنيهاً بمسمار. وعندما فتحت عيني في صبيحة اليوم التالي لاحظت أن ثيابي اختفت. وإذ استولى علي الذعر هززت الشيخ يوسف الذي كان ما يزال نائماً لأستوضحه ما حل بها، إلا أنه لم يكن يعلم أكثر مما أعلم، ولم يطل بنا الأمر حتى أدركت أن أمتعتي قد سرقت"..

فتح ومكافحة الجاسوسية
يقول أبو أياد في مذكراته:
"كانت لدينا ثغرة يجب سدها فأنشأنا دائرة لمكافحة الجاسوسية تولى قيادتها فاروق القدومي قبل أن تسند إلي في نهاية العام 1967. وتلقى بعض الكوادر الذين انتخبناهم بدقة إعداداً سريعاً في مصر وسواها قبل أن ينتشروا في الأرض المحتلة والبلدان العربية المجاورة.
ثم إن عدداً من المخبرين الذين عملوا لصالح البوليس الإسرائيلي تقدموا إلينا معترفين بذنبهم، فأعطيناهم بصورة عامة – بعد إجراء استجوابات كثيفة معهم – إمكانية التكفير وذلك إما بإلحاقهم بمخابراتنا الخاصة وإما عبر قيامهم بمهمات ذات خطورة خاصة. وكانوا يسجلون قبل الانطلاق في العملية تصريحاً حول نشاطاتهم السابقة لصالح إسرائيل ثم يعرضون أسباب تحولهم. وكنا نحتفظ بحق نشر تصريحاتهم في حالة موتهم أو إذا ما تبين أنهم عملاء مزدوجون، الأمر الذي لم يحدث أبداً.
وقد طبقنا منذ البداية قاعدة عدم المعاقبة على الخيانة بالإعدام. كنا نعدم فقط أولئك الذين أدى تعاونهم مع العدو إلى خسارة بشرية في صفوفنا. لكن هذه الحالات الأخيرة كانت نادرة نسبياً، ذلك أن عدد الذين أعدموا خلال عشر سنوات كان في حدود العشرين من الوشاة فقط.
أما المتعاونون مع العدو من أمثال الشيخ الجعبري، فلم نكن نتخذ ضدهم بصورة عامة أي عقاب، كان تقديرنا في الواقع أن من الأولى تحييدهم بعزلهم سياسياً عن الأهالي. وقد أخذ علينا بعض أصدقائنا في العالم الثالث أحياناً أننا لم نصفّ خصومنا جسدياً، وبذلك أسهمنا في تغذية الانقسامات والتشويش في الحركة الوطنية الفلسطينية. إلا أن قادة فتح كانوا يعتبرون دائماً وأبداً أن الحوار الديمقراطي هو الطريقة الصحيحة الوحيدة – والمجزية على المدى الطويل – من أجل امتصاص الخلافات.(انتهى)

_____________________________________________

"المستقبل" تحاور أمين الجميل وأبو أياد

اللقاء اللبناني – الفلسطيني هو طريق السلام
وهو الرفض العملي لسياسة التوطين

المستقبل، العدد 94
9 كانون الأول – ديسمبر 1978

خيل للكثيرين خلال حرب السنتين وبعدها أن جميع الجسور بين المقاومة الفلسطينية والجبهة اللبنانية قد قطعت، بل نسفت بشكل نهائي، وبلغت العلاقة بينهما نقطة اللارجوع! ... وبعد حرب الخنادق والشوارع... وما تبعها ورافقها من حروب الكلام والاتهام فوجىء الناس مؤخراً بنبأ يقول: لقد اجتمع أمين الجميل وأبو أياد!
وبدأت التساؤلات... والأصح الاتهامات!
وراح "الغيارى" في هذا الجانب أو ذاك يعلقون على الاجتماع ويشرحون أسبابه وأهدافه "ويترحرحون" في الشرح حتى بلغ ببعضهم الأمر حد الانتقال من نطاق الاستغراب إلى نطاق الاستهجان فالاتهام بالمروق و"التخوين"!
فئة ثانية رأت في هذا اللقاء بصيص أمل ونور في نفق الأزمة اللبنانية المظلم!
وفئة ثالثة اعتبرته، في مضمونه وجوهره وأبعاده، بمثابة انعطاف مهم وجوهري في مسار الأزمة اللبنانية والفلسطينية على حد سواء. فهل التوطين (القاسم المشترك المرفوض) هو الذي جعل هذا اللقاء ممكناً؟ أم هل هناك تحولات معينة في المواقف اللبنانية والعربية والدولية؟
هل هناك حسابات سياسية جديدة أم هناك واقعية سياسية قديمة فرضت نفسها مجدداً على الفريقين باعتبار أن الحوار إذا لم يؤد إلى اتفاق فهو سيؤدي إلى أقله، إلى عدم عداء واستعداء؟!
جميع هذه الاحتمالات والتفسيرات، وغيرها كانت تدور في أذهان الكثيرين من اللبنانيين والفلسطينيين والعرب. وكان لا بد من إلقاء الضوء على معنى الحوار الكتائبي – الفلسطيني والهدف منه. ولعل أسلم السبل إلى ذلك هو الحوار مع رجلي الحوار... وهذا ما فعلته "المستقبل" في لقائيها مع الشيخ أمين الجميل والسيد أبو أياد.


• عن قصة الحوار الفلسطيني الجبهوي قال الشيخ أمين الجميل:
- لم أتعود يوماً سلوك الطريق الأسهل، فأنا منذ طفولتي ربيت على أن أختار الطريق الأصلح، وإن كانت هذه الطريق هي الطريق الأصعب. على هذا الأساس، لم أتمكن من أن أسلك الطريق الأسهل بالنسبة إلي، وهي طريق الصدام مع أي كان، لأن الصدام في حد ذاته في الوقت الحاضر يستهوي الناس أكثر من الطرق الأخرى.
وعلى كل حال، إنني لم أخش تلك النتائج التي تتكلم عنها لأنني مقتنع بما أفعل، ومقتنع بأن هذه الطريق، هي الأصح والأصلح لبلدي. وأن الرفاق الذين يؤيدونني في نهجي هذا، إنما يؤيدونني عن ثقة كوننا عشنا سوية في متراس واحد، وقاتلنا على جبهة واحدة، وناضلنا في سبيل قضية واحدة علماً بأن كل موقف اتخذه، لا يكون إلا بعد الاقتناع والتشاور والإقناع. وللوهلة الأولى يعجب الناس لهذه المواقف، ولكن بعد الإطلاع على جميع مجمل المعطيات، يقتنعون ويسيرون بدون تردد، مهما كان الطريق شاقاً وصعباً. ومهما كبر التيار المعاكس، وسريعاً ما يتبين لهم أنني كنت على حق، وأن الضجة التي افتعلها البعض لم تكن في محلها.


•
 على أية أسس تم اللقاء، وعبر أية قنوات، وهل صحيح ما قيل بأن حواركم مع الفلسطينيين يستهدف تنسيق مواقف معينة ضد فرقاء آخرين؟ وهل كان "للتوطين" مجال للبحث في الاجتماعات التي عقدت؟
- اللقاء هو جزء من محاولات متعددة الاتجاهات: اتجاه تفاهم وحوار لبناني – فلسطيني، ولبناني – لبناني، ولبناني – سوري. فالعلاقة بيننا وبين الفلسطينيين محور أساسي للعلاقة بيننا وبين الفلسطينيين محور أساسي للعلاقة بيننا وبين مواقف عدة أطراف. فإذا أردت ممارسة السيادة على اللبنانيين، وغير اللبنانيين المقيمين على الأراضي اللبنانية فإن هذه الممارسة لا تتحقق إلا بتنفيذ القانون والشرائع والاتفاقات على كافة المتواجدين على الأرض اللبنانية. ومنهم الفلسطينيون. ولتنفيذ ذلك، لا بد من أن يكون الفلسطينيون، مهيئين، وأن يكون السوريون جزءاً من عملية التنفيذ. وأن يكون المسلمون موافقين.
فالسوري اليوم، هو الأداة الأمنية في الدولة. والفلسطيني هو الذي يقتضي ضبط ممارساته في الدرجة الأولى. والمسلم يقتضي أن يكون موافقاً ومتجاوباً مع مبادىء السيادة والقانون، أي مع الحد الأدنى المتوافق مع مصلحة الوطن وسيادته وكرامته. إن الخلاف بدأ خلافاً لبنانياً – فلسطينياً. وإذن فهنالك جزء من الحل يجب أن يبدأ بحوار لبناني – فلسطيني. طالما أنه ليس بوسعنا اليوم أن نأتي بالأسطول السادس، وبحافلات سكك الحديد العالمية من أجل نقل كل الفلسطينيين إلى خارج لبنان. وأنا، من دعاة محاولة حل المشاكل مع كل الأطراف المقيمة على الأراضي اللبنانية بالحوار. واستعمال منطق البندقية عندما تستنفد الوسائل الأخرى، وعندما يصبح المصير مهدداً، والكرامة مداسة كما كان الحال في السنتين 1975 و1976 إذ اضطررت لحمل البندقية والدفاع عن مصير وكرامة الوطن.
أما هذا الحل العسكري فهو غير مضمون النتائج ونتائجه غير مؤكدة.
اللقاء مع أبو أياد لم يكن محورياً، بل هو جزء من خطة أساسية لحل المشاكل اللبنانية. نحن لم نقصد ضرب الفلسطيني بالمسلم، أو ضرب الفلسطيني بالسوري. إنما العكس هو الصحيح، فقد قصدنا إقامة جسر من جسور العبور للتفاهم مع كل هذه الأطراف.
فأنا من دعاة التفاهم اللبناني – الفلسطيني – السوري، وقلت ذلك حتى عندما كانت القذائف العشوائية تتساقط على قرانا وجبالنا ومدننا. وتكلمت عن تحالف استراتيجي بيننا وبين سوريا وبين الفلسطينيين. إذا هذه الضجة التي قامت على أثر اللقاء سلباً أم إيجاباً، ضجة لا تتناسب مع الأهداف الحقيقية للقاء. وبالفعل، فإن مضمون هذا اللقاء والذين رافقوه وشاركوا فيه يؤكدون هذه الروح التي سادته. روح البحث عن الحد الأدنى من التفاهم للخروج بالبلد من هذه المشكلة المتعددة الأطراف: المشكلة بين اللبناني – واللبناني، واللبناني – والسوري، واللبناني – والفلسطيني. وكان الهم الأساسي، لا بل المحور الأساسي لهذا التحرك إيجاد هذا المخرج، وليس السعي إلى تفتيت جبهة ما، أو هناك، على حساب هذا أو ذاك من المتحاورين.

o أبو أياد: إن لدينا قناعة مشتركة بأن ما حصل كان خطأ فادحاً.
o الرئيس الأسد هو أول المتحمسين للحوار الفلسطيني – اللبناني.
o مصلحة المسيحيين هي مع العرب، والتقسيم لا يفيد أحداً.
o أمين الجميل: نحن نميز بين نزوة عابرة يرتكبها السوري أو الفلسطيني وبين مصالح استراتيجية تربط اللبناني والسوري والفلسطيني بالمحيط العربي.
o هناك تجار سياسة قامت تجارتهم على رأسمال "استمرار الأزمة"!

• هل لكم أن تشرحوا لنا قصة اللقاء مع أبو أياد. كيف جرى التحضير له، ومن شارك في صنعه وإخراجه؟ وهل صحيح ما قيل بأن سوريا لم تكن على علم به؟
- اللقاء تم بناء على مساع قام بها أصدقاء مشتركون. وتوجت المساعي في الاجتماع الذي حصل في مكتب المقدم سامي الخطيب قائد قوات الردع العربية. ولم يكن لدينا شيء نخفيه لأن ما نقوم به عادة لا نخجل من إعلانه. والأطراف الأساسيون والمعنيون بالموضوع هم على علم بمضمون المباحثات التي جرت وأعني بهذه الأطراف السلطة الشرعية، وحزب الكتائب، والسوريين والفلسطينيين طبعاً.


• الضجة التي أحدثها الحوار مع الفلسطينيين شملت عدة أطراف، خاصة الأطراف المتعاطفة مع الفلسطينيين إن لم نقل الأطراف الفلسطينية بالذات وكادت تقضي على هذا الحوار في المهد. ما هي في نظركم أبعاد هذه الحملة؟
- يوجد فريق صادق في هذه الحملة. وهذا الفريق صادق لجهة المخاوف التي أبداها. ولكن عندما تتوضح له أسباب اللقاء وأهدافه وتظهر نتائجه سيجد أن لا مبرر لهذا الخوف. وسيقتنع بأن هذا الاتصال لم يكن هدفه عزل فريق أو إيقاع الفتنة بين فريق وفريق آخر. بل لتحقيق تفاهم لبناني – سوري – فلسطيني، وتفاهم لبناني – لبناني، من هذه الزاوية يعرف الأطراف المعنيون إن كل بحثنا قام على محاولة إيجاد قواسم مشتركة، أو على الأرجح جوامع مشتركة بطريقة وأسلوب يحفظان بالنتيجة كرامة كل الأطراف وإيجاد المخرج اللائق في رعاية السلطة الشرعية.
وفي أي حال، فإنه يوجد على الساحة فريق متضرر من الحوار، ومن نتائج الحوار. وهذا الفريق هو المستفيد الأساسي من استمرار الخلاف. وهذا الفريق لا يمكننا إقناعه.
يوجد أناس فتحوا دكاكين، ولا يعقل أن يسلموا بحلول تقضي على دكاكينهم هذه وتقفلها ربما إلى الأبد. وهذه الدكاكين، المشار إليها قائمة على استمرار الخلاف وبث سموم الافتراء والتقسيم. وعلى الصدام بين اللبناني واللبناني، أو بين اللبناني – والفلسطيني أو بين اللبناني والسوري. وليس في وسعنا أن نقنع هؤلاء بألا يخافوا من هذه اللقاءات لأنه يوجد بالفعل بينهم من قامت تجارته "السوبر ماركت" على أساس استمرار الأزمة.
ويؤسفني القول بأن هذا الفريق لا يقتصر على جهة واحدة بل إنه متوفر عند كل الأطراف. في صفوفنا يوجد من هذه البضاعة وعند الآخرين فإن أعداد هؤلاء كثيرة لا يستهان بها. كما أنه يوجد عندنا من يناسبه استمرار الفوضى ومن له مصلحة في استمرار غياب الدولة أو تغييبها، وفي إبقاء هذا الجو الانقسامي قائماً وبقاء جو الصدام بين اللبناني واللبناني، والفلسطيني والفلسطيني، والسوري. هكذا يوجد أكثر من فريق في الطرف الآخر يراهن على هذه الأجواء.
وهنالك مثل آخر. لا يمكننا إقناع اللصوص من كافة الأطراف أو الذين يعيشون على حساب غياب الدولة وفقدان القانون وأنصار الإبقاء على الوضع المتفجر، وفارضي الخوة والخارجين على القانون، لا يمكننا إقناع على هؤلاء بأن المصلحة تفرض عودة القانون والسيادة وتحقيق الوفاق اللبناني – اللبناني، وإحلال التفاهم مع بعض الأطراف العربية الأخرى في سبيل إعادة السيادة الوطنية.
نعم، ليس في وسعنا وبهذه السرعة أن نصنع هذه المعجزة. إن هذه الفئات التي أشرنا إليها آنفاً ليس من مصلحتها في كل الأحوال أن تزول هذه الأجواء والأوضاع الشاذة. ولذلك فقد قام فريق من هنا وآخر من هناك بهذه الحملة، ولا استغرب أن يقوم فرق من عندنا متضرر من هذا الاتجاه الوطني بعرقلة هذه المساعي التي نقوم بها لمصلحة لبنان.
إن هذه القافلة ستظل تسير، بالرغم من كل ما يدور حولها من اعتراضات وشتائم وعراقيل واتهامات واستفزازات.


• هذا الحوار، إلى أين سيصل بالنتيجة. ما هي ورقة العمل، أو ما يصح بستميته مشاريع الحلول؟
- نحن لا ندعي بأنه بين ليلة وضحاها، ستزول تراكمات من التصرفات والمواقف، ولكن بدلاً من أن يلعن الإنسان الظلام، فعليه أن يضيء شمعة. وقد حاولنا أن نضيء هذه الشمعة بدلاً من أن نظل نلعن التقسيم والحالات الشاذة القائمة عبر عمليات الخروج على القوانين والأنظمة والظروف التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه. وباختصار، نحن أقدمنا على إضاءة هذه الشمعة، بدلاً من أن نلعن الظلام.
قد يكون هذا اللقاء، هو الشمعة التي ننشدها ولكن لن نسمح مهما أوتينا من قوة، لن نسمح بأن تطفأ هذه الشمعة. فلا أبو أياد يستطيع أن يتساهل في قضيته، في قضية العودة إلى وطنه والحصول على الدولة المنشودة، والوطن لشعبه، ولا نحن يمكننا التساهل في مسألة الكرامة والسيادة. كما وأننا لا نطمح، ولا هو أيضاً يريد الصدام مع سوريا. فهدفنا هو أن نصحح السلوك عند كافة الأطراف لا أن ندفع تلك الأطراف إلى الصدام. فكل مسعى إيجابي كنا نقوم به، كنا نتعرض من خلاله أيضاً إلى الاتهامات والتهديدات. إن القناعات الأساسية في الحياة، حياتنا، لا تخضع للإرهاب، ولا للضغوط من أي مصدر جاءت. وقد جاءت فعلاً من أكثر من جهة، وفي أكثر من مرحلة.
إن اللقاء اللبناني – الفلسطيني، لم يكن من أجل الدردشة "أو التكتكة" إنما هو رفض عملي لسياسة التوطين عبر مراهنتنا على التفاهم مع العرب وليس مع أعدائهم. فالحلول الدولية التي تطبخ اليوم كما نعتقد تضع في رأس اهتماماتها توطين الفلسطينيين في لبنان. وهذا التوطين لا يتم بالرفض الفلسطيني وإنما بإقامة صلات مباشرة مع الجهات التي يستهدفها هذا التوطين، يعني اللبنانيين والفلسطينيين، والجهات المؤتمنة مؤقتاً على أمن لبنان والسوريين في طليعتها وذلك من أجل وضع مخطط عملي لرفض التوطين. ورفض التوطين لا يتم إلا من خلال توجه الفلسطينيين نحو قضيتهم الأساسية ومساندتهم في هذا الاتجاه لإقامة دولة لهم على ترابهم، وفوق أرضهم وليس على ترابنا وفوق أرضنا.
ونحن انطلاقاً من هذا المفهوم، مفهوم إنقاذ لبنان، ومحاربة التوطين عملياً، وإعادة الفلسطينيين إلى وطنهم وليس إبقاؤهم في لبنان والحؤول دون تنفيذ المخططات على حساب اللبنانيين عامة والمسيحيين بصورة خاصة، اتجهنا إلى هذا التفاهم اللبناني – الفلسطيني. وأننا مصممون على السير في هذا الخط لإحباط مخطط التوطين في أرض لبنان ونسيان القضية الفلسطينية الأساسية، وعندما نحارب التوطين، نكون قد حاربنا التقسيم في نفس الوقت، لأن التوطين هو في نظرنا الطريق نحو التقسيم. وحتى نحارب التقسيم، يجب إزالة شبح التوطين. ولذلك يقضي إقامة علاقة مباشرة مع الفلسطينيين وتوجيه جهوهم نحو قضيتهم الأساسية.
وكم من جهة، بحجة محاربة التقسيم ومحاربة التوطين تعمل لتكريس التقسيم والتوطين معاً.


• ما هي صورة العلاقات بينكم وبين سوريا، وما هي صحة الأنباء القائلة ب، هنالك مساعي قائمة حالياً لإعادة الحوار مع السوريين بعد أن فشل الحل العسكري للأزمة؟
- سبق وقل إننا من ضمن مفهوم الكرامة بابنا مفتوح لإقامة علاقات مع أي طرف، فنحن لسنا منغلقين على أي اتصال ضن هذا المفهوم، خاصة وأن ضغوطاً هائلة بذلت لعرقلة الحوار، ونشأت ظروف ضاغطة وصعبة جداً في وجهه. ولكننا استمرينا به بالرغم من كل ذلك. وهدفنا من جرائه رفع لواء التضامن بين لبنان ومحيطه العربي، ومع سوريا بالذات، بالرغم من كل الأضرار. فإن أحداً لم يكن بإمكانه أن يكرهنا على هذا الموقف. فنحن نفرق بين الخطأ العابر، والانفعال العابر، والنزوة العابرة، التي يمكن أن يرتكبها السوري والفلسطيني وبين مصالح استراتيجية تربط اللبناني والسوري والفلسطيني، بالمحيط العربي. هذه المصالح ثابتة، ونحن نميز بين الظروف العابرة، وبين المصالح الثابتة.
البعض يتهمنا بأنه كان في صفوفنا من راهن على إسرائيل من أجل ضرب سوريا في لبنان. فإن هذا البعض نسي أو تناسى أنه هو بالذات من راهن في إحدى المراحل على إسرائيل، من أجل ضرب سوريا، ومنعها من تنفيذ سياستها على الساحة اللبنانية. إننا نعرف ذلك، وسوريا بالذات كانت على علم بأن من يعي صداقتها الآن، ويستفيد من وجودها على الساحة اللبنانية ويطلق الاتهامات جزافاً، كان هو بالذات في فترة غير بعيدة يراهن على التدخل الإسرائيلي ضد الجيش السوري!
لسنا "وسطيين". نحن على استعداد للوصول إلى أبعد حد في خط التفاهم إذا كان هنالك استعداد من قبل السوريين والفلسطينيين، وكافة الأطراف الأخرى لإيجاد حل يقوم على حفظ كرامة كافة الأطراف والمصالح المتبادلة على اساس سيادة لبنان.
وأكرر القول، لسنا وسطيين، ولا أصحاب أنصاف مواقف أو حلول في هذه المسائل ولم يعرف عنا أننا من دعاة من يسير خطوتين إلى الأمام، وخطوة إلى الوراء. نحن من دعاة الخطوات المتلاحقة إلى الأمام عندما يلاقينا الطرف الآخر.


• سلطت الأضواء في الآونة الآخرة على الدور السعودي في لبنان. قيل إن السعوديين يلعبون ورقة معينة، وقيل إن ورقتهم متفق عليها مع السوريين، كيف تقيمون هذا الدور؟
- الدور السعودي في لبنان، دور نزيه وشريف ونعترف بأنه عنصر خير. هذا الدور يتم بالتنسيق مع كافة الدول العربية وهو مكمل للدور السوري. إن للمملكة السعودية أكثر من صديق في لبنان. واللبنانيون يكنون مودة خاصة للسعودية وللمسؤولين فيها نظراً للروابط التقليدية القائمة بين البلدين، ولا بد أن يلاقي هذا الدور التجاوب من قبل كل الأطراف لأن غايته الوحيدة مساعدة لبنان للخروج من هذه المحنة. وإننا على استعداد لتسهيل هذا الدور ضمن ما يطلب منا وقد أظهرنا عملياً ذلك من خلال التزامنا التزاماً مطلقاً بما اتفق عليه في هذا المجال بمؤتمر بيت الدين.

عند أبو أياد
كلما حاول القائد الفلسطيني "أبو أياد" أن يتحدث بإيجاز عن أهداف هذا الحوار والظروف اللبنانية والعربية التي تشجع عليه، تراه يستعمل القول المأثور: "ليس البطولة أن تموت من الظمأ إن البطولة أن تعب الماء". وقد طرحت على "مهندس" وموجه الحوار الفلسطيني – الماروني أبو أياد السؤال التالي:


• من أجل فهم سليم للظروف والأسباب التي حتمت هذا الحوار لا بد من الإجابة على السؤال التالي: معروف أن الحرب اللبنانية بدأت فلسطينية – مارونية فهل هذا الحوار يعد بداية نهاية هذه الحرب؟
فأجاب أبو أياد:
- من الصعب أن نضع المشكلة اللبنانية في حدود هذا السؤال. صحيح أن البداية كانت فلسطينية تحت بند التجاوزات، وعدم تنفيذ الاتفاقات وإلى ما هنالك من ادعاءات، لكن الموضوع في رأيي تجاوز هذا الإطار بعد ذلك إذ تفجرت فيما بعد مشاكل  كثيرة كانت موجودة في بنية المجتمع اللبناني قبل أن تتفجر فلسطينياً. وإذا كنت لا أريد العودة إلى التاريخ إلا أنه لا بد من الإشارة إلى أحداث وحوادث لبنانية كثيرة وقعت وكانت ذات طابع طائفي لم يكن للفلسطينيين فيها أية علاقة. ومع ذلك لا نريد أن نكرر أن الدور الفلسطيني في الحرب الأخيرة كان بارزاً في الصراع الذي حصل، ولكن أيضاً كانت هناك خلفيات لبنانية طائفية واجتماعية وسياسية بالإضافة إلى خلفية أخرى هي اتفاقية سيناء وهناك أكثر من تصريح اميركي وأكثر من معلق أميركي وغير أميركي أكدوا جميعهم العلاقة بين اتفاقية سيناء الأولى وبين ما حدث في لبنان عام 1975.
بطبيعة الحال فإن أي مخطط يراد له أن ينفذ في بلد ما لا بد أن تكون عناصره التفجيرية موجودة. من هذا المنطلق كانت "القشة التي قصمت ظهر البعير" وهي الكلام الكثير عن التجاوزات الفلسطينية وما رافقها من أحاديث وانتقادات ومن ثم مقتل معروف سعد في صيدا وبعد ذلك حادثة عين الرمانة، إلا أن الحرب تطورت بعد ذلك، ودخلتها أطراف لبنانية عدة. وإذا كنا نحن طرفاً في حرب السنتين فحجتنا أننا ندافع عن الثورة ووجودها وحقنا في التواجد من خلال الاتفاقات المعقودة وكانت حجة الطرف الآخر الدفاع عن لبنان واستقلاله وسيادته ثم بدأت بعد ذلك تخرج إلى السطح المطالب اللبنانية المحضة من هذا الفريق أو ذاك.
لهذا أستطيع أن أقول أنه بعد مؤتمر الرياض ومجيء قوات الردع توقف القتال وبدأت هدنة ارتاح لها الشعب اللبناني بكل أطرافه إلا أن المعركة انتقلت بعد ذلك إلى جانب آخر هو الوجود السوري وبدأ يطفو على السطح التواجد السوري والمعارك التي شهدناها في الأشهر الماضية ثم برز شيء أخطر كنا نحذر منه منذ البداية وهو التعاون مع إسرائيل من قبل بعض أطراف الجبهة اللبنانية وبرز ذلك بشكل علني وشجعت عليه زيارة السادات إلى القدس المحتلة.

أسس الوفاق
هنا كان لا بد من جهتنا أن نساعد ونمد أيدينا إلى أية جهة من أخواننا المسيحيين الذين قاتلونا وذلك على أساس أن المشكلة لا بد من حل لها وفق الأسس التالية وهي أسس موضوعية وبالإمكان إذا ما استمر العمل من أجلها أن تحقق الأمن والسلام الدائمين للبنان وهذه الأسس هي:


أولاً: تحديد معالم الوفاق اللبناني – اللبناني ويكون من ضمن هذا الشرط الأول الاتفاق على قواسم مشتركة بالنسبة للتواجد الفلسطيني في لبنان وهذا الجانب يمكن أن يسهم به في الاتصالات المباشرة مع الأجنحة المعتدلة التي أبدت في تصريحات علنية مواقف من الوجود الفلسطيني والتعامل مع إسرائيل.


ثانياً: في رأيي لا بد أن يقوم تعاون سوري – لبناني وبطبيعة الحال مع بعض الأطراف العربية أيضاً للمساعدة على إيجا هذاالوفاق وحماية الاتفاقيات التي تنجم عنه وأي حاولة للقفز على هذه الحقيقة تكون قفزة في الهواء.


ثالثاً: وأقولها بكل تجرد: إن مستقبل المسيحيين بشكل عام وأعني بشكل خاص الذين حملوا السلاح، بغض النظر عن القضية التي قاتلوا من أجلها، أقول إن مصلحة المسيحيين في هذا البلد لا يمكن أن تكون مع إسرائيل إطلاقاً إنما هي مع العالم العربي لأن العالم العربي هو الامتداد الطبيعي لمصالح كل اللبنانيين على اختلاف طوائفهم، ولأن التقسيم أو التقوقع في قسم من لبنان لا يمكن أن يحل المشكلة المسيحية، ولا الاتصال بإسرائيل هو الدافع لتكتل المسيحيين حول الجبهة اللبنانية، بل الشيء الطبيعي هو الحل ضمن الأطر والشروط التي ذكرناها ولا بد لكل فريق من تقديم تنازلات متبادلة وهذا ليس بالأمر الصعب. وبقدر ما للأزمة اللبنانية من جوانب داخلية كذلك فإن لها أيضاً جوانب خارجية خاصة إذا ما وقعت معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل. وسيحاولون بعدها – في رأيي – تفجير الوضع في لبنان من أجل استنزاف لبنان أولاً والشعب الفلسطيني وسوريا من بعد.
من هنا نعود إلى السؤال ونقول، ما هو دورنا؟ هل ننتظر القدر أن يأتي. وأن تحل بنا هذه الكوارث أم لا بد من التدخل ومحاولة إجراء حوارات مع كل جهة يمكن أن تعلن عن تأييدها لمبدأ الوفاق على هذه الأسس.
ويستطرد أبو أياد قائلاً:
وهنا لا بد من طرح سؤال عن الضجيج الذي يقوم بعد كل حوار، هل نستطيع كأطراف في لبنان، فلسطينيين ولبنانيين أن نحسم الصراع عسكرياً لصالح أية جهة؟ إذا كان هناك جواب إيجابي فعلينا أن نوقف كل الحوارات، وإذا كان الجواب بالنفي فما هو الطريق الآخر؟ هل هو تقسيم لبنان بين مسلمين ومسيحيين!
أعتقد أنه ليس هناك عاقل يجد في التقسيم مصلحة لأي لبناني. وبالمقابل هل الحل هو في انسحاب قوات الردع العربية من لبنان وعودة القتال اللبناني – الفلسطيني مرة ثانية لكن من خلال هذا القتال يستنزفوا طاقاتنا بواسطة إسرائيل من ناحية ويدفع حتى بالمسيحيين المعتدلين إلى الارتماء بأحضان إسرائيل من ناحية ثانية.
أعتقد أن علينا مسؤولية الإقرار بأن طريق الحوار هو الطريق الوحيد والسليم لحل المشكلة. وهنا لا بد للشرعية من دور وموقف حيال هذه القضية بحيث لا تسمح لنفسها أن تكون متفرجة ولا أن يكون لها دور الحكم بلا صلاحيات التقرير. السلطة الشرعية ليست حكماً بقدر ما عليها أن تبادر، مع اقتناعي بصعوبة المهمة وصعوبة الأطراف التي تتشكل منها الأزمة اللبنانية ولكن ليس هناك خيار للشرعية إلا أن تبادر وتبادر.

الحوار اللبناني – السوري – الفلسطيني
•
 أخ أبو أياد، بعد هذا السرد والتقييم الموضوعي للموقف لا بد من سؤال مطروح الآن. وهو: هل أن هذا الحوار قد انتهى إلى نتيجة أم أنه ما زال مستمراً، وفي أي جو هو، وأية صعوبات يواجهها؟
- في الواقع، وكما أشرت في أحاديث سابقة، المشكلة لها عدة أطراف ووجوه. لنفترض أننا توصلنا إلى اتفاق مع طرف على بعض الأسس والمبادىء، هذا ممكن ولكنه غير كاف. مفروض بالحوار أن يكون شاملاً لكي ينجح وأعني أنه لا بد من وفاق سوري – لبناني ولبناني – لبناني ولبناني – فلسطيني وذلك حتى لا يكون الحوار ناقصاً أو حواراً من جانب واحد. ولكن أهمية هذا الحوار الذي جرى أنه أوجد أرضية مشتركة نتفق عليها. وفي اعتقادي أنه عندما تكون هناك أرضية للحوار الفلسطيني – اللبناني فهذا يساعد على الحوار السوري – اللبناني واللبناني – اللبناني فضلاً عن أن ذلك يمكن السلطة الشرعية من أن تكون مبادرتها مستندة إلى هذه الأرضية. كل هذه القناعات لا تسقط إطلاقاً مبدأ أن الحوار لا يمكن أن يكون مع متعاملين مع إسرائيل حتى لا تخرج بعض أصوات النشاز لتعلمنا دروساً في كيفية عدم التعامل مع المتعاملين مع إسرائيل.


• أخ أبو أياد، أشرت قبل قليل إلى وجود أرضية مشتركة ينطلق منها حواركم مع بعض أطراف الجبهة اللبنانية، فما هي مقومات هذه الأرضية؟
- كنت أنتظر هذا السؤال لأقول إن هذه الأرضية المشتركة تقوم على معارضة توطين الفلسطينيين في لبنان وعلى أهمية امتداد لبنان العرب وليس الإسرائيلي. وعلى أهمية التعاون التي ذكرتها وكان هناك استعداد لتحقيق لقاءات سورية – لبنانية وخاصة مع الشيخ أمين الجميل بالذات وشخصيات وطنية من الطرف الآخر. وفي رأيي إن تشجيع كل المعتدلين في اتجاه التصدي لكل الزوابع والأنواء مهما كانت هو أصلح أرضية للحوار، وهناك قضايا أخرى تم الاتفاق عليها لا أريد إعلانها الآن وكلها في صالح حل الأزمة.


• من التساؤلات المطروحة سؤال يقول: هل إن هذا الحوار بينكم وبين بعض أطراف الجبهة اللبنانية هو بدافع اقتناع حقيقي بوجود مصلحة مشتركة فيه أم أن المصلحة المشتركة التي ساعدت عليه هي مصلحة ظرفية لا تلبث أن تزول؟
- بهذا المعنى، أعتقد أن كل إنسان يدخل حرباً مضى عليها أربع سنوات لا بد أن تخلق عنده قناعات مختلفة ولا يمكن لكل إنسان عاش حرباً بكل قسوتها ومرارتها وضحاياها لا بد أن يتعلم من التجربة، وكل إنسان لا يتعلم من التجارب إنما يعيش في الماضي وكل إنسان تعلمه التجارب يعني أنه يعيش المستقبل وكل إنسان يدعو إلى الحوار وإلى إنهاء هذه الأزمة هو إنسان يعيش في المستقبل ويريد للبنان وللقضية الفلسطينية أن يكونا في مأمن من الأخطار. من هنا – وبغض النظر عن وجود قناعة مشتركة بأن ما حصل كان خطأ فادحاً – فإن هذا لا يمنع التعامل مع الواقع لا بل يحتمه من أجل المصلحة المشتركة ولا بد من أن نسير في هذا الطريق الصعب رغم ما نعيشه من أجواء غريبة من المزايدات عند كل الأطراف.


• السؤال الأخير أخ أبو أياد هو حول الموقف السوري ومن أي منظار تنظر دمشق إلى حواركم هذا وهل ثمة تحفظات أم العكس؟

- أولاً: أفضل أن يجيب الأخوة السوريون على هذا السؤال، ولكن بوحي لقاءاتي مع هؤلاء الأخوة على أعلى المستويات في سوريا وبالتحديد مع الرئيس حافظ الأسد، أعتقد أن الرئيس الأسد من المؤمنين بالحوار وما نجده لديه من ردة فعل الآن إنما هو نتيجة إيمانه بأنه تحمل من أجل حماية الموارنة الشيء الكثير ودخل من أجل ذلك معارك مع كل القوى العربية والفلسطينية وكان دافعه إلى ذلك الحؤول دون ارتماء بعض الموارنة في أحضان إسرائيل ولكنه عندما وجد أن هذا البعض من الجبهة اللبنانية تعامل مع إسرائيل كان مكمن الحزن والأسى لديه ولذلك أعتقد أنه إذا ما اقفلت بوابات إسرائيل من "الجدار الطيب" إلى مرفأ جونية فإن أكثر إنسان سيكون حريصاً على الحوار والوصول إلى حل لبناني – لبناني هو الرئيس حافظ الأسد خاصة والأخوة السوريون بشكل عام.
وتركت أبو أياد يتابع المرحلة الأخيرة من دعم المساعي الآيلة إلى تحضير كل الأجواء المناسبة لتأمين زيارة يقوم بها الشيخ أمين الجميل إلى دمشق على أمل أن تكون فاتحة حوار جديد يؤدي إلى طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة من التعاون والعلاقات بين المقاومة والجبهة اللبنانية.
_____________________________________________________________




أبو أياد يروي "للمستقبل":

قصة المقاومة مع السادات

المصدر المستقبل العدد 112، 14 نيسان 1979
بيروت -غسان بيرم

• استدعانا السادات قبيل الحرب ليقول لنا: أنا أريد أن أعبر القناة فقط
• السادات يمنع عائلتي من مغادرة مصر لأسباب لا أعرفها
• طلب السادات من أبو عمار أن يتوسط له لدى القذافي وأن يطلب منه نصف سلاح ليبيا لمصر

   يروي هنا السيد صلاح خلف (أبو أياد) أحد أبرز القيايين في اللجنة التنفيذية لحركة "فتح" القصة الكاملة للمقاومة الفلسطينية مع الرئيس أنور السادات منذ أن كان للمقاومة الفلسطينية علاقة مع الرئيس المصري. ويروي أبو أياد هذه القصة ليس لأنه الزعيم الفلسطيني الوحيد الذي أتى الرئيس السادات على ذكره في خطابه الأخير الذي ألقاه أمام مجلس الشعب المصري في مجال سرده لبعض الوقائع والاتهامات بل ربما أيضاً لأن السيد صلاح خلف هو واحد من قياديي حركة المقاومة الفلسطينية الذي عرف السادات أكثر من سواه بحكم العلاقة الشخصية القديمة التي كانت تربطه معه.

وقبل أن يبدأ أبو أياد سرد بعض أهم جوانب وتفاصيل رحلة المقاومة مع السادات قلت له:
لم يكن الرئيس السادات في خطابه الأخير يتعرض لأول مرة للمقاومة الفلسطينية وقيادتها، إلا أنه ظهر وكأنه يقدم جردة حساب عما قدمه للمقاومة الفلسطينية وما كانت قيادات المقاومة تقابله به. لذلك نسألك ما هي القصة الحقيقية للمقاومة مع الرئيس السادات؟
قال أبو أياد: إن علاقتنا مع السادات ترجع إلى ما قبل تسلمه المسؤولية كرئيس للجمهورية معه ومع غيره من أعضاء مجلس قيادة الثورة، ولكن هو بشكل خاص كان بيننا وبينه بعض العلاقات العائلية. وبعد أن تسلم رئاسة الجمهورية كخليفة لعبد الناصر، توسمنا فيه الخير ووقفنا معه وجعلنا العلاقة معه في مستوى العلاقة التي كانت بيننا وبين الرئيس عبد الناصر.
كان يحاول أن يفرق دائماً بيننا كقيادة. فكان دائماً يريد المقابلات المنفردة معنا ولا يريد أن أذهب إليه مع أبو عمار مثلاً.. كان يلتقي أبو عمار وحده ويلتقي بي وحدي، وما من مرة إلا وأسمعني انتقادات  ضد أبو عمار، وأكيد أنه كان ينتقدني أمام أبو عمار، ولم أحاول مرة أن أنقل لأبو عمار مثل هذا الكلام بل كنا نفهم على بعضنا البعض.
وقال أبو أياد:
... لندخل في العام 1973، تلك كانت أكثر فترة يستطيع فيها الإنسان أن يكتشف حقيقة أنور السادات. أذكر في شهر أغسطس من ذلك العام طلبنا لمقابلته في "برج العرب" وكانت علاقته مع حسنين هيكل حتى ذلك الحين غير مقطوعة، وعندما وصلنا إلى "برج العرب" في الإسكندرية وكنت أنا وأبو اللطف، حاول هيكل أن يقول لي بأن الرئيس يريد أن يجتمع بي وحدي، فقلت له: أولاً، لقد جئت أنا وأبو اللطف.
ثانياً، ليس ممكناً – من باب اللياقة – أن أقول هذا لأبو اللطف وبالتالي فإن الذي سيقوله لي الرئيس سأقوله بدوري لأبو اللطف، نحن لسنا قيادة منقسمة على بعضها البعض.
والظاهر أن هيكل تكلم مع الرئيس وقال له إن أبو أياد مصر على أن يكون مع ابو اللطف وهكذا كان وقابلناه بعد ذلك.
ولا بد أن أروي قصة طريفة عن حكاية الـ 30 واحداً الذي طلبهم منا.

أولاً، بدأ هو الكلام عن أنه قرر المعركة قريباً. صحيح هو لم يحدد التاريخ بل قال قريباً وفي غضون شهرين أو ثلاثة. ومن ثم شدد في كلامه على أن "هذه المعركة ستكون شرارة أولى وهذه الشرارة ستكون فقط من أجل ضرب وقطع خط بارليف  ويتوقف هناك، وبعدها نكمل معركتنا السياسية وبنعمل مؤتمر سلام وتأتوا أنتم معنا، ونكون حررنا أرض 1967 وأنتم لازم تعملوا دولة، وأنا مش حأقول للملك حسين عن هذه الحرب لأني مش عاوزة يدخلها حتى لا يكون له حق بأخذ الدولة الفلسطينية أو مطالبته بالضفة الغربية".
وأضاف أبو أياد: .. والحقيقة أننا ذهلنا وجلسنا نناقشه كيف يمكن أن تون حرب محدودة وما هي الحرب المحدودة، وفي الحقيقة نحن لا نعرف شيئاً عن هذه الحرب.
والشيء الذي لم يكن يعرفه هو أننا كانت لنا عيون في مصر.. وفي داخل الجبهة، وطبعاً أنا لا أريد أن أسمي أسماء ولكن الفريق الشاذلي ذكر بعض الأسماء. فقبل الحرب قال السادات الفريق صادق وعندما أقاله كنا نحن نعرف من مصادرنا أن هناك خلافاً حول موضوع الحرب المحدودة، والخلاف كان بين السادات وبين صادق لأن رأي الأخير كان بأن يصلوا إلى الممرات وبعد الوصول إلى الممرات تبدأ حرب الاستنزاف، أما السادات فلم يكن موافقاً على هذا.. بل كان رأيه بأن يصار إلى قطع مسافة العشرة كلم، أي قطع القناة.. ويتوقف.
قلت أننا ذهلنا يومها وجلسنا نناقشه ولكنه طلب منا وقال أنتم لازم تبعتولي 300 رجل من فتح.

• المستقبل: 300 رجل أم 30؟
- أبو أياد: 300 أو 400. فقلنا له: لماذا نرسل لك 300 رجل، فنحن عندنا هنا قوات "عين جالوت" وهذه القوات هي قوات جيش التحرير الفلسطيني وهي عبارة عن لواءين.
قال لنا: لأ أنا عاوز رجال من فتح حتى لا تواجهوا ضغطاً سياسياً. وبعدين لازم الكلام ده ما يوصلش لحافظ الأسد أوعوا يوصل هذا الكلام لأن حافظ الأسد بيكرهكم على رأس السطح.
وقال أبو أياد:
طبعاً هذا الكلام كان يكرره لنا دائماً وقال لنا "تذكروا أن حافظ الأسد أرسل لي زهير محسن وخالد الفاهوم وطلب مني مقابلتهم حتى يغطي على ياسر عرفات، ولكن أنا بسايره دلوقتي علشان عاوزين ندخل الحرب مع بعض. ومتقلوش الكلام ده والقوات باعتكم لازم تجي مصر بسرية تامة ما حدش يعرف، وبعدين أنتو عاملين مكاتبكم في بيروت ليه، ليه ما تجيبوهاش مصر هنا ليه؟، فهنا مركز الثقل وبعدين حاندخل المعركة السياسية مع بعض وأحسن ما يكونش عليكم ضغط من حد".
وكما قلت لك كنا في تلك الأيام شبه مذهولين. ومن ثم طلب مني أن أذهب إلى عبد السلام توفيق مدير المخابرات لأبحث معه هذه الأمور بعد أن كلم بحضوري عبد السلام توفيق وقال له سيصل إليك أبو أياد وتكلم معاه بالموضوع اللي حايقولك عليه.
طبعاً لم نوافق على ذلك حتى أن حكاية إرسال هذه القوة من فتح لم نكن مقتنعين بها لأن قواتنا موجودة في مصر وهي تعد حوالي 2500 جندي من جيش التحرير الفلسطيني، لأن لا فرق بين فتح ومنظمة التحرير. إنما لم نكن في الحقيقة نعرف ما هو غرضه من هذا الأمر رغم أنه قال لنا لازم تدخلوا معايا غزة وإلخ.
... وهكذا عدت أنا وأبو اللطف واجتمعنا بالقيادة، وذهلنا كلنا وكنا نتساءل ما هي هذه الحرب التي يريدها السادات؟!
وعدنا في شهر سبتمبر/أيلول وقابلنا السادات في مؤتمر عدم الانحياز وكنت أنا وأبو اللطف وأبو عمار، وكنا قد فهمنا حقيقة خلافه مع الفريق صادق ومع ضباط آخرين. فأعاد ذات الكلام علينا مرة ثانية بحضور أبو عمار هذه المرة، حتى أنه في تلك الأثناء تركنا ونزل لمقابلة أحمد إسماعيل وحكمت الشهابي وعاد إلينا بعد نصف ساعة، فصار أبو عمار يناقشه وكذلك نحن ونقول له إننا خائفون من هذه الحرب لأن فيها توريطاً لا أحد يعرف نتائجه. والقضية ليست بهذه السهولة، فلازم تستعد أكثر من ذلك وتأتي لك أسلحة أكثر. فقال: أبداً، أنا عايز أعمل معركتي وأنا مستعد لها وعايزكم بس تكونوا جنبي.
وبالذات طلب السادات من أبو عمار "عايز أبو أياد يكون جنبي يوم المعركة".
وقال له أبو عمار: خلاص: أبو أياد وأبو اللطف حايكونوا عندك يوم المعركة.
وقال السادات: أنا حا ارسل وراكم قبل أسبوع وأول ما السفارة تصل بيكم تيجوا على طول.
قبل أن نصل إلى الحرب ونتائجها يجد الإنسان نفسه مضطراً أن يتكلم عن السادات وأخلاقيته وكيف أن تصرفاته فيها غدر وفيها خيانة، وهذه الأمور سنعود إليها بكل وقائعها وتفاصيلها في وقت آخر.

الرسالة السرية:
المهم انتهى مؤتمر عدم الانحياز وعدنا نحن إلى بيروت، وأذكر أنه يوم 4 أو 3 من أكتوبر اتصلت بنا السفارة المصرية.
هنا لا بد من أن أقول بأن حكاية أننا كنا عارفين بموعد الحرب وأن السادات أرسلني إلى بيروت "لأبلغ" بموعدها. ولكن إنصافاً.. وفي تلك الأيام، وما بين مقابلتنا للسادات في برج العرب ومقابلتنا له في الخامس من الشهر حصل أن فؤاد مطر، وهو حي يرزق وموجود عندكم في "المستقبل" نشر خبراً قال فيه إن هناك إشاعات عن أن مصر تستعد للحرب وأن السادات أبلغ زعيماً فلسطينياً بموعدها. والحقيقة أن السادات لم يفاتحني بهذا الموضوع بل الذي فاتحني به هو هيكل. وكان تقييم السادات في حينه أن واحداً من اثنين هو الذي سرب هذا الخبر، وهما إما حسنين هيكل أو كمال أدهم، وأنا أتحدى أن أكون تكلمت مع فؤاد مطر أو مع غيره في هذا الموضوع لأن السادات كما لاحظنا في خطابه الأخير ركز على هذه النقطة وقال بأنه كان يوماً أسود في حياته وكانت ليلة سوداء إلخ. طبعاً لم يفاتحنا السادات في هذا الموضوع إطلاقاً، بل نحن الذين فاتحناه بهذا الموضوع وقلت له "أيش حكاية خبر "النهار". فقال أنا أشك بهيكل أو كمال أهدم. وراحت القضية وكانت عابرة والدليل أننا تلقينا رسالة يوم الأربعاء قبل الحرب تدعونا إلى القاهرة، والحقيقة أنني لم أهتم كثيراً في بادىء الأمر إلا أنني وجدت إلحاحاً وقلت لنفسي: ربما هذا الموضوع هو موضوع الحرب، وبالفعل سافرت يوم الخميس إلى مصر. وفور وصولي أبلغني المشير أحمد إسماعيل وكان حاضراً فؤاد نصار مدير المخابرات الحربية وقال لي ابعث رسالة إلى أبو عمار يوم غد الجمعة وقل له فيها بأن الحرب ستبدأ غداً وقال إن الرسالة يجب أن تكون سرية وما يصحش حد يعرف بها. احترت أنا في كيفية إرسال الرسالة لأن المفروض أن أبقى أنا في مصر. وفعلاً كتبت الرسالة وسلمتها إلى شاب أثق به طار بها صباح الجمعة إلى أبو عمار ليلة الحرب. وأوصيت للشاب أن يحمل رسالة استقالتي إلى أبو عمار، وقلت له بأن يسلمها باليد لأبو عمار حتى لا يزعل منك، ولكن إذا أصاب الطائرة شيء أو أنزلت في إسرائيل مثلاً فإن أول شيء تقوم به هو تمزيق الرسالة حتى لا يعرف أن بيننا خلافات. وبالفعل أخذ الشاب الرسالة وأبلغها إلى أبو عمار الذي كاد أن يجن بسبب كيف أن الحرب ستقع غداً وهو لا يعلم بها. المهم في الساعة الواحدة والنصف من يوم السبت بدأت الحرب وفوجئنا نحن بمدير المخابرات يتصل بنا ويدعونا لأن نكون جاهزين لمقابلة السادات في الساعة السادسة مساء، وفي الحقيقة لم أكن أتصور بأن السادات سيكون قادراً على مقابلتنا. وهو عندما كان يقول لنا "أنا عاوكم تكونوا جنبي يوم الحرب" كنا نعتقد بأنه يريد من ذلك أن يقول إن الفلسطينيين كانوا إلى جانبي في حال وقعت نكسة. (عيب أن نقول هذا الكلام ولكن هذه حقيقة وقد قالها بنفسه). طبعاً ذهبنا نحن في الموعد إلى قصر الطاهرة فوجدنا السادات في زيه العسكري وقال لي: هذه برقية تقول بأن خمسة آلاف جندي عبروا، وكان يتلقى في كل دقيقة برقية. والشيء المذهل الذي لاحظته هو أنه كان كلما سمع بانتصار نراه يصاب بالضيق. وكان يقول لنا بأنه مخطط للحرب بأن تتوقف عند القناة فقط ولكن يجب أن تستم عشرة أيام. ويبدو من خلال الخطة التي كانت موضوعة أنه كان يضع في حسابه استشهاد وإصابة أربعة آلاف جندي في عملية العبور. ولكن جاءتنا الأخبار بأن مجمل الخسارة لا يتجاوز المئتين، وجاءته برقية في حوالي التاسعة والنصف فتركنا وذهب ومن ثم عاد إلينا. فقلنا له: ما بك منزعجاً؟ فقال لنا: جاءني خبر يقول بأن حافظ الأسد توقف ويريد المطالبة بوقف إطلاق النار وقد أبلغني بذلك السفير السوفياتي وأنا طلبت الآن الرئيس الأسد  لأستفسره. وبعد قليل عاد ليقول لنا "الحمد لله طلع الكلام ده مش صحيح". وقال لنا "يا أخوانا دول الأولاد عبروا بسرعة" وكان القلق بادياً عليه. وقلنا له طيب ليش زعلان؟

كيف حصلت ثغرة الدفرسوار؟
قال السادات: "يا اخوانا أنا ما أقدرش أوقف المعركة ودول عبروا بسرعة، أنا متفق مع الملك فيصل أن تدوم المعركة عشرة أيام علشان يقدر يقطع النفط، ودلوقت إذا عبر الأولاد بهذه السرعة ما أقدرش أتقدم!!".
الغريب أن السادات كان "زعلاناً" من هذا الانتصار لأنه لم يكن يريد أن يتحقق بهذه السرعة. وهنا لا بد أن نتساءل: كيف حصلت ثغرة "الدفرسوار" ولماذا؟
حصلت عندما مت عملية العبور بسرعة فكان المفروض بالسادات أن يتقدم إلى الممرات وهذا كان ممكناً قبل أن يتحرك الجيش الإسرائيلي لأن الاندفاعة الأولى لها قوتها العسكرية.
هذه هي الليلة الأولى وهنا أحب أن أضع ملاحظة وهي أن السادات لو كان فعلاً غاضباً منا بسبب خبر "النهار" الذي نشر كان بإمكانه عدم استقبالنا يوم الحرب.
المهم أننا قابلناه يوم 26 أكتوبر فسأناه عن الوضع فقال: أبداً الوضع كويس والثغرة دي هي ثغرة تلفزيونية ومعرفش ايه ولكن أنا شفت نفسي بواجه أمريكا فقلت لازم أطلب وقف إطلاق النار..
وكنت في حينه أنا والأخ أبو اللطف فسألنا السادات: المهم دلوقتي انتوا رايحين معايا مؤتمر السلام ولا لأ؟

وقلنا له: يا سيادة الرئيس: أي مؤتمر سلام فلازم تفهمنا ما هو مؤتمر السلام وعلى أي أساس حتى نستطيع أن نجيبك على سؤالك بنعم أو لا؟
أجاب: أنا بعت برسائل إلى الدول الكبرى الخمس من أجل الدعوة لمؤتمر سلام يعقد في جنيف أو في الأمم المتحدة تحضره سوريا ومصر والأردن ومنظمة التحرير.

وهنا صرنا نناقشه بالشكليات ونقول له، طيب الأردن ليش.. أنت قلت لنا في البداية أنك لا تريد إدخال الأردن في المعركة حتى لا يكون له حق في الدولة الفلسطينية.
أجاب: لأ. هي الحكاية أن الأردن له حدود خارج فلسطين. وقلنا له: ولبنان؟
أجاب: لأ. لبنان دي يأتي دورها بعدين في المرحلة الأخيرة.
المهم أنه كان يتكلم وكأنه دارس الموضوع وعارف بكل تفاصيله وكأنه واضع خطة لما وصلنا إليه اليوم ولكنه يطبقها على مراحل. وبعد أسبوعين جاء كيسنجر إلى المنطقة وبعثه أبو عمار القاهرة فقال له السادات "لا أنتو مش حا تحضروا المرحلة الأولى والثانية، المفاوضات، انتوا بتحضروا في المرحلة الثانية من جنيف".
وفي شهر مارس 1975 كان كيسنجر لا يزال يروح ويجيء إلى المنطقة، وفي تلك الأثناء أعلن إسماعيل فهمي أن المباحثات فشلت وكنا نحن ف يحالة شبه مقاطعة مع السادات ونهاجمه، إلا أنني أثر هذه التصريحات لإسماعيل فهمي تحركت شخصياً وذهب إلى القاهرة فوراً وقابلت السادات وكان بأسوان
وكانت تلك أول مرة في حياتي أرى فيها السادات في حالة غضب وبدأ يشتم بأبو عمار ويقول "دنا مش حاقبلو ولا عاوز أشوفو... ده مش حا عمل له حاجه.. أنا ما بينقلش علي كده، بقايض أرض بمبادىء". وكان حاضراً هذه المقابلة ممدوح سالم فقلت له: يا سيادة الرئيس ليه بتشهر بأبو عمار بس، فما هو الفرق بيني وبين أبو عمار فنحن كلنا واحد. وأذكر كلمة قالها لي وما زلنا نضحك لها إلى الآن قال "لأ" أنت حاجة ثانية، أنت حامل طبنجه وأنا حامل طبنجه، احنا مقاتلين (الطبنجه يعني مسدس).
فقلت له: والله يا ريس اللي بيحمل طبنجه هو أبو عمار مش أنا.
المهم كل هذا الكلام كنا نحن نتجاوزه، وبعد ذلك توفي الملك فيصل والتقى السادات بأبو عمار في السعودية ودار بينهما عتاب وخناق حول "ازاي تقولوا علي أنا ببيع مبادىء بقطعة أرض"...
كما أنني كنت في مقابلتي له اتفقت معه على أن نبدأ عهد وساطة بينه وبين الرئيس حافظ الأسد. ونحن كان قصدنا من إعادة هذه العلاقة أن يرتدع السادات ونبقى نحن من حوله بعد أن رأيناه منجرفاً بشكل مخيف. وطبعاً لن يسمح الواحد منا لنفسه بأن يقول للرئيس الأسد ما يقوله عنه السادات، لأن دورنا كان دور الموفق. وكان وافقني على أن يلتقي بالرئيس الأسد. فذهبت أنا فوراً إلى دمشق واجتمعت بالأسد وبدأنا نهيىء للقاء بينهما في الرياض.
إلا أن الشيء الذي قاله لي في تلك المقابلة وبعد هذا كله "اسمع ما تحسبوش أنا قطعت العلاقة والمفاوضات مع كيسنجر وإسرائيل، أبداً، أنا حاستمر بالمفاوضة، بكرا يجيني عرفات أنا حامشي بيه على طول... أنا دلوقتي حاسيبك لأن عندي جماعة من الكونغرس الأميركي". يعني كل الكلام الذي قلناه على مدى ساعتين، ثلاث ساعات رأيته يختزه بهذه الكلمة اللي هي ما تحسبوش إني مش حاعمل أي اتفاق أنا بكرا يجيني عرض أمشي به على طول".
في الواقع، الإنسان لا يستطيع أن يطمئن إلى هذا الرجل. وتجاربنا كانت كثيرة معه، أثناء أكتوبر وبعد أتوبر وأثناء موضوع جنيف وغيرها، ولكن كنا دائماً نحاول أن نكبت أفكارنا بشكل فظيع، وبقينا نشد على موضوع الدولة الفلسطينية وعلى منظمة التحرير كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني حتى نعطل له الحل الموجود في رأسه. فإسرائيل مشطبة على الدولة الفلسطينية وعلى المنظمة، وكذلك أميركا مشطبة هذا الموضوع، والسادات طبعاً هو الآخر أصبح مضطراً لشطب الدولة والمنظمة لكنه لم يكن يعرف كيف يتملص من هذا الموضوع، فأصبح يريد الوصول إلى حل لهذا الموضوع الذي أصبح متضايقاً منه بأي شكل من الأشكال.
المهم أنه التقى في السعودية مع حافظ الأسد واتفقوا على عدة لقاءات. وعادت العلاقات تقريباً إلى مجراها الطبيعي بينهما، وأن السادات بعد فترة عاد ليوقع اتفاقية سيناء والتي ورد في نص أحد ملحقاتها أن أميركا لا تعترف بمنظمة التحرير ولا تحاورها إلا إذا اعترفت المنظمة بالقرار 242. طبعاً هذا الأمر أخفاه علينا السادات، حتى إسماعيل فهمي أيامها قال إن هذا الملحق لا علم لي به ولا أعرف عنه شيئاً. وطبعاً دخلنا نحن والسوريون ضده في معركة، ولكن للأسف بعدها بفترة وجيزة وقعت أحداث لبنان التي ألهتنا عن كل شيء وأصبح الواحد يفكر في كيف يمكن أن يحمي الثورة.

وخلال حرب لبنان:
وكما تعلمون إن الحرب اللبنانية استغرقت وقتاً طويلاً من فبراير/ شباط 1975 أي منذ مقتل معروف سعد لغاية دخول قوات الردع العربية إلى لبنان، وطبعاً كان أصعبها أننا خضنا معركة مع السوريين. وكانت هذه الأخيرة بالطبع فرصة العمر بالنسبة للسادات الذي راح يعمل على تأجيج الموقف. وهذه الحرب لا مجال هنا لأن يتكلم عنها الإنسان كثيراً وعن أسبابها وظروفها، لكن المهم أنه في النتيجة والمحصلة صرنا مضطرين نسكت عن اتفاقية سيناء حتى نأتي بالسلاح من مصر لأننا أصبحنا محاصرين، والسادات استغل الفرصة وبدأ يبعث لنا بالسلاح، وكان يأتينا عن طريق مصر سلاح من العراق، وكان السادات يفعل هذا كله من أجل محاربة السوريين وإبقاء الحالة متأزمة. ولعل هذا يفسر أن أصعب قرار اتخذه واحدنا في حياته هو قرار مقاتلة السوريين وذلك لاعتبارات كثيرة ولعل من أهمها أنها أنستنا اتفاقية سيناء وكل شيء..
وحصل بعدها مؤتمر الرياض وحصلت فيه الصلحة مرة ثانية بين حافظ الأسد والسادات وبطبيعة الحال دخلنا نحن بهذه الصلحة واعتبرنا عندها أن الخطوات الاستسلامية التي يسير فيها السادات وقفت عند اتفاقية سيناء.
وبعدها بدأنا نرجع إلى مصر ونلتقي السادات وكان يقول دائماً لي ولإخواننا كلهم، أبو عمار وأبو اللطف وغيرهم، لازم تكونوا عارفين انو الدولة الفلسطينية دي في جيبي، أنا حاجيب لكم الدولة الفلسطينية وأنا كذا وأنا كذا. يعني ولا مرة من هذه المرات إلا وكانت الدولة الفلسطينية موجودة في جيبه الصغير.
آخر مرة التقينا فيها السادات، وكانت قبل "رحلته التاريخية" لأن قبلها لم يكن هناك أي شيء جدي بل كانت كلها عروضات كلام بكلام، وأذكر أني وأبو عمار كنا في القاهرة في بداية سبتمبر/أيلول، واذكر أنه جاءت في ذلك الحين ورقة عمل أميركية تقول، بأن يحضر ممثلون عن الفلسطينيين في جنيف ويكون بينهم أعضاء غير معروفين في منظمة التحرير، فعرض ورقة العمل هذه علينا. وقبلها كانت هناك معركة أربعة أشهر حول محاولات أميركية بأن نقبل نحن بالقرار 242 على أساس أن نتحفظ على كذا وكذا.. ولكن لازم نقول بالأول "نقبل". ونحن عارفين أن القوانين والأعراف الدولية تعترف بأنك قبلت وكل باقي التحفظات لا قيمة لها بعد ذلك.
وحول هذه الناحية دارت معركة طويلة عريضة دخلت فيها السعودية من جهة ومصر من جهة وسوريا من جهة، والمهم أن هذه المعركة تقلصت في النهاية بورقة العمل الأميركية. وإذا بورقة العمل الأميركية هذه وبعد 24 ساعة وبعد البيان السوفياتي الأميركي تأتي ورقة العمل الإسرائيلية – الأميركية التي ألغت الاثنين معاً وليس فيها أي ذكر لا للدولة الفلسطينية ولا لمنظمة التحرير.
وكنا نحاول لآخر لحظة أن نعرف إلى أين يريد أن يصل السادات.
وفي أثناء ورقة العمل الأميركية وكنت قابلته آخر مرة في حياتي فكان يريد الذهاب إلى أميركا.. إلى كارتر، ورأيته وأنا أدخل عليه يزرع الغرفة جيئة وذهاباً وهو في حالة ارتباك وإذا به يقول لي متسائلاً: "مش عارف.. أنا عايز أعطي كارتر حاجة، مش عارف حاقدر أعطيه ايه"!؟
ضحكت أنا وقلت له: الحقيقة أنا ما عنديش حاجة أعطيه إياها إلا هذا القميص الذي ألبسه.
فرد السادات: "لا.. لا أنا ما قصدش أنتوا.. أنا بسأل نفسي، أصل سبق وأنا أعطيت نيكسون.. أعطيته عملية اتفاقية سيناء الأولى ومن ثم أعطيته عملية الرادارات الأميركية.. دول أنا كنت موافق عليهم بس أنا قلت أخللي، (وكان ده بعدين) فورد يضغط علي حتى يظهر أني أنا اللي تنازلت.. عشان كده أنا عايز دلوقتي أعطي كارتر حاجة حتى يظهر هو كمان انو ضغط علي".
وطبعاً لم يكن يخطر في بالي أنه يريد أن يعطي كارتر عملية الزيارة إلى القدس. وبدا بعد ذلك لي أن الرجل مقبل على عمل خطير ولكنني لم أكن أعرف ما هو وبالتالي غير قادر على التصريح به. فلو كان قال لي عن الذي ينوي عمله لكان عرف موقفنا ولكان ربما الظرف قد تبدل.
المهم كانت بدأت المشاكل بينه وبين ليبيا وكان أبو عمار قد بدأ يحاول القيام بوساطة لوقف هذا النزاع. فواق السادات وقال له: أنا حاروح ألقي خطاب في مجلس الشعب وعايز منك تروح القذافي وتحصل منه على موافقة بأن يعوض لمصر كل خسائرها في الحرب وأن يعيد المعونة التي قطعها وأن يعطينا نصف سلاحه وعايز تحضر لي الجواب قبل خطابي في مجلس الشعب".
فذهب أبو عمار إلى ليبيا وقابل القذافي واستطاع أن يحصل منه على أشياء جيدة، وطبعاً ليس من المعقول أن يتخلى رئيس دولة عن نصف السلاح الذي يملكه. وعند عودة أبو عمار شعر من الذين كانوا في استقباله في مطار القاهرة بلهفة تستعجله وقالوا له "الريس ينتظرك في مجلس الشعب وعاوز يشوفك قبل الخطاب".
وبالفعل توجه أبو عمار إلى مجلس الشعب على وجه السرعة فوجده يبدأ في خطابه ولم يكلف نفسه بضعة دقائق للانتظار، فانتظر أبو عمار حتى انتهاء الخطاب الذي قال فيه أنه مستعد من أجل السلام الذهاب إلى الكنيست الإسرائيلي.
ولم يواجه أبو عمار في حياته إحراجاً كالإحراج الذي واجهه وهو جالس يستمع إلى مثل هذا الخطاب في مجلس الشعب من السادات.
بعد الخطاب نزل السادات وصعد مع أبو عمار إلى إحدى الغرف وقبل دخولهما التفت السادات إلى إسماعيل فهمي وقال له "حاول أنت وسيد مرعي تصلحوا الكلمة التي قلتها عن الكنيست لأنها كانت زلة لسان".
وبالفعل اعتبر أبو عمار أن الحكاية زلة لسان لا أكثر ولا أقل. لأن أحداً لم يكن يتصور أن السادات يمكن أن "يعملها".

المستقبل: في خطابه الأخير قال السادات إنني كرئيس مصر هذا هو ما استطعت أن أحققه، حكم ذاتي لخمس سنوات بعدها يقرر الشعب الفلسطيني مصيره،  هذا ما "قدرت" عليه وإذا كان غيري من الزعماء العرب قادراً على تحقيق الأكثر فأنا مستعد أن أتنازل عن كل ما قمت به، فما هو رأيكم بهذا الكلام؟
أبو أياد: الواقع أن السادات يعتبر نفسه ابن بلد "فهلوي". ففي خطابه جملة مغالطات، لعل من أهمها قوله "خالي العرب يجيبوا أكثر". أصلاً هو لم يستطع خوض حرب أكتوبر لولا السلاح السوفياتي ولولا المال العربي ولولا الدعم العربي، دعم السعودية، دعم ليبيا، والكويت والعراق الذي استمر إلى ما بعد الحرب بأن قدم له استثمارات كبيرة وأسلحة عراقية. بالإضافة إلى مشاركة سوريا الفعلية التي نزلت في الحرب بكل ثقلها والحقيقة أن سوريا هي التي خسرت كثيراً وهي التي دفعت الثمن الباهظ من إمكاناتها وجيشها، فضلاً عن قطع النفط وعن الجيوش العربية التي أرسلت إلى مصر.. القذافي الذي تكلم عنه أنا أعرف أنه بعث له بمساعدات كبيرة بدون أن يطلبها منه وأبو مدين الله يرحمه بعث له الدبابات التي سارت كل هذه المسافة الطويلة ووصلت إليه أثناء المعركة. هذا بالإضافة إلى القوات المغربية التي كانت موجودة، فالسادات استغل كل الطاقات العربية حتى يحرر سيناء ومن ثم أدار ظهره إلى كل العرب. ومن ثم جاء ليقول يا عرب إذا استطعتم حاولوا أن تحصلوا على أكثر مما حصلت أنا عليه! هذا منتهى الانتهازية ومنتهى الخداع فأنت يا سادات أخذت كل إمكانات العرب حتى تستطيع أن تحارب بها، الحرب ونتائجها لم تكن لك وحدك ومن أجل أن تحقق انتصار العشرة كلم على القناة ومن ثم لترمي القفاز والتحدي في وجه العرب بطريقة الغدر والانتهازية وبروح الإنسان الانتهازي الدجال الذي يضحك على الناس. صحيح أن الأمور لن تقف عن الحد الذي وصلت إليه فإذا الشعب المصري لم يحاسب السادات على جرائمه التي ارتكبها منذ زيارته للقدس وحتى توقيعه المعاهدة، فالأكيد أن هناك واقعاً جديداً سيخلق عند الأمة العربية ليعوض عن إخراج مصر بالقوة من المعركة.
الناس إلى الآن غير قادرين على فهم ما هو هذا الحكم الذاتي الذي جاء به السادات، فالبلديات الموجودة الآن في الأرض المحتلة هي أفضل من هذا الحكم الذاتي، فعلى الأقل هناك نوع من الاستقلالية في هذه البلديات وهو أفضل من الاستقلالية التي يتحدث عنها الحكم الذاتي الذي لا يمكن في النهاية أن يؤدي إلى الدولة المستقلة.
ويقول لك السادات "أنا بعد خمس سنين بسحب الحاكم العسكري الإسرائيلي".. إلى أين يسحبه وإن سحبه فهو سحب الحاكم العسكري وليس الحكم العسكري.. وحتى لو جرت انتخابات في الضفة وغزة بعد خمس سنين وأصبح للفلسطينيين ممثلون في الداخل فهذا الافتراض ينطبق على أهل الضفة فقط، أما الفلسطينيون الذين هم في الخارج فما هو مصيرهم وأين سيصبحون وأين العودة. طيب أنا الفلسطيني الذي لست من الضفة ولا من غزة ما هو مصيري وما يريد أن يفعل بي، والفلسطينيون الموجودون في سوريا ولبنان والكويت والسعودية والعراق وحتى  عنده في مصر، أين سيذهب بهم؟ فهو لم يأت على ذكرهم، إنه تنازل عن القدس وتنازل عن حق الشعب الفلسطيني كله الموجود في الخارج بينما أعطى فلسطينيي الداخل شكلاً مزيفاً من الحكم الذاتي وبذلك صفى القضية الفلسطينية.
فخطورة ما أقدم عليه السادات ليست فقط أنه سوى قضية الانسحاب من سيناء، ولو توقف عند هذا الحد لقلنا هذه خيانة مصرية وقلنا أن الشعب المصري يحاكمه عليها، ونحن بالطبع لن نتخلى عن الشعب المصري بل سنبقى إلى جانبه. وقد جاءت مذكرة أعضاء مجلس قيادة الثورة التي تمثل حقيقة إرادة الشعب المصري وشرف مصر ولا شك أن هناك أصواتاً كثيرة في مصر شريفة. ولكن السادات تجاوز حده وحجم القضية الفلسطينية ووضعها على طريق التصفية. فنحن من الأفضل والأشرف لنا أن نبقي القضية معلقة بدل أن تنتهي إلى هذه النتيجة المذلة.

• المستقبل: طبعاً هذا يدخل في نطاق مخطط توطين الفلسطينيين حيث هم في الخارج؟
- أبو أياد: من هنا أنا أستغرب مواقف بعض إخواننا في لبنان الذين هم ضد التوطين – لا سيما الأصوات التي طلعت تؤيد المعاهدة – فهؤلاء الناس يجب أن يكونوا أكثر من كل العالم ضد المعاهدة لأن السادات يعمل على توطين الفلسطينيين وهذا من ضمن خطوط المعاهدة. ومن ضمن خطوط المعاهدة التي تحدث عنها السادات قال إنه ليس هناك أشياء سرية. فلو استمعنا إلى خطابه نجده مليئاً بالتناقضات من أوله إلى آخره. يقول مثلاً: "ليه أنا محتاج ابعت الجيش إلى أي مكان ثان؟". ومن ثم يحكي من جهة ثانية أن له في السودان جيشاً مصرياً. ومن ثم عندما يرسل 50 طائرة إلى زائير فماذا يعني ذلك؟ أليست الطائرات من القوات المسلحة؟
المهم أن كل هذا هو من ضمن المخطط الأميركي – الإسرائيلي – المصري كما تقول المعاهدة بأن هناك "شوية فلسطينيين في الضفة يمكن أن يقام لهم حكم ذاتي ضمن إسرائيل وبذلك تصبح إسرائيل موجودة على هذا الأساس.

• يمكن أن هذا الحكم الذاتي الذي أعطوه في الضفة مشابه إلى حد ما للحكم الذاتي المعطى للأكراد في العراق وربما في إيران.
- يا ريت. حتى الحكم الذاتي في العراق هو أفضل بكثير مما سيعطى في الضفة الغربية. مع العلم أنه لا مجال للمقارنة هنا. فالعراقيون شعب واحد ولهم تاريخ مشترك. أما إسرائيل فهي دولة اغتصبت أرضنا وشردت شعبنا وقامت على أساس الغزو الانتقامي. فالسادات لم يستطع حتى العودة إلى قرار التقسيم، وهو أفضل بكثير مما حصل عليه كما أنه لم يستطع حتى الحصول على الأراضي العربية المحتلة بعد 67. ولهذا رفض الملك حسين المعاهدة لأنه وجد أنه ليس هناك أي شيء يشجعه للدخول فيها.


* لاحظنا أن السادات اتخذ قولاً منسوباً لك وهو أن مشكلة السادات هي رصاصة وحول المجابهة من مجابهة قومية إلى معركة شخصية فردية وأدخل فيها موضوع عائلتك الموجودة في القاهرة.
- أنا في الحقيقة لا أريد الدخول في مثل هذه المهاترات. وأنا أتحدى أن يقول لي أحد إني أنا الذي تكلمت في موضوع الرصاصة. ولكن لكمة الرصاصة هذه ظهرت عندما زار السادات القدس. ورد عليها هو في حينه من الإسماعيلية. ورد عليها هو في حينه من الإسماعيلية. وهذه الكلمات ليست مني، وأنا ما كنت مخجولاً بها لو أنني قلتها. فالقضية ليست قضية شخصية وإنما هي قضية نهج السادات ومن معه كحسني مبارك مثلاً الذي لا يميزه شيء عن السادات، وكذلك مصطفى خليل وأيضاً وزير الدفاع كمال حسن علي وبطرس غالي...
والسادات يستغل كل شيء حتى الكلام عن عائلتي. والحقيقة إن عائلتي موجودة في مصر منذ العام 1965، ليس بسبب الاطمئنان عليه أبداً بل صادف أن العائلة كانت موجودة في غزة وانتقلت إلى مصر في ذلك التاريخ وبقيت هناك.
وعندما قام السادات بزيارة القدس قلت في نفسي إنه من غير المعقول أن نكون في معركة مع السادات وعائلتي موجودة هناك، فعلى الأقل من الناحية الإنسانية يجب أن يتسنى لي رؤية أولادي. فطلبت من زوجتي أن تترك مصر مع العائلة وتأتي لنقيم في أي دولة عربية أخرى في سوريا أو غير سوريا مثلاً حيث تقيم بقية عائلات الإخوان في القيادة، إذ ليس صحيحاً أننا نقيم في مصر خوفاً من الإقامة في أي عاصمة أخرى بل بالعكس فالعائلات التي تعيش في بعض العواصم العربية تعيش في حالة طبيعية جداً. إلا أن زوجتي في ذلك الحين اعترضت وقالت لي: يوجد في مصر 80 ألف فلسطيني سيقولون عنكم إنكم سحبتم عائلاتهم من مصر خوفاً عليها لكي تابعوا في الخارج شتم السادات ومهاجمته. مع أن هذا الأمر حرمني طوال هذه الفترة من رؤية عائلتي. وبعدها أصبح أولادي معرضين للمضايقات وممنوعين من التحرك وغيرها... ويأتي السادات الآن يقول إن أولادي "يعملون مشاكل في المدارس ومعرفش إيه". والحقيقة أنه في مرة من المرات جاءت المدرسة وأعطت الطلاب موضوعاً في الإنشاء تطلب منهم فيه أن يكتبوا عن رحلة الرئيس التاريخية إلى القدس طبعاً ابنتي ترددت ورفضت. وعندما أجبرتها المعلمة قالت لها ابنتي: أكتب، ولكن بشرط أن أبدي رأيي بصراحة. فوافقت المدرسة. فكتبت رأيها ونعتقد أن طلاباً مصريين كتبوا أيضاً نفس رأيها. وجاء السادات الآن ليقيم في خطابه القيامة على عائلتي ويقول إن أولادي يفتعلون المشاكل في مدارسهم وأنهم يعيشون بأمان في حمى الشعب المصري إلخ... مع العلم أنهم يعيشون في وضع لا يحسدون عليه وهم محاصرون في المنزل وفي المدرسة ويمنع عليهم التحرك.
وبعد توقيع المعاهدة قلت إنه أصبح من غير المنطقي بقاء العائلة هناك، وتولى أحد الأصدقاء تسهيل مهمة خروجهم من مصر. إلا أن السلطة فرضت عليهم البقاء ومنعت خروجهم. والمحاولات ما زالت مستمرة وربما يسمح لهم بالعودة في المستقبل ولكن حتى الآن هناك منع من الخروج. في النهاية ليست القضية قضية حياة أولادي. قد يقتلهم السادات، ليس هذا هو المهم بل الأهم أن هناك شعباً فلسطينياً كاملاً ما زال مشرداً خارج دياره وأرضه وحياته كلها معرضة للخطر.(انتهى)
_______________________


في حديث هادىء.. رصين وظريف
أبو أياد:

الوضع غير طبيعي والتفجير الشامل قد يبدأ من الجنوب


• أتحدى الدولة اللبنانية أن تكشف اسم مواطن فلسطيني اشترى أرضاً في الجنوب
• لم نعد قطيع غنم يفرض علينا العيش هنا أو هناك.. والتوطين يقع عنما تسقط بندقيتنا
• أنا لم أقل "طريق فلسطين تمر في جونيه".. وليس عيباً أن يحترم الخصم خصمه
• إذا استقرت ثورة الخميني سيكون الجيش الإيراني معنا ضد إسرائيل
• الجبهة الشعبية بقيت خارج اللجنة التنفيذية لأن دخولها جاء وكأنه تحد لـ""فتح"

الجمهور – 15 شباط 1979
أجرى الحديث غادة سلهب وفضلو هدايا


أبو أياد كان قنبلة خلال حرب السنتين، وهو اليوم طالب حوار، ربما تمشياً مع القول المعروف "بأن من يصنع الحرب، بإمكانه أن يصنع السلام".
والذي يعرف أبو أياد عن بعد لا كالذي يعرفه عن كثب. قد تظن وأنت في طريقك إليه أنك ستكون حيال رجل بطاش، مدجج بالسلاح، صاحب نظرات  تصطك أمامها الركاب وتنخلع لها القلوب.
لكن التصور شيء والحقيقة شيء آخر. فأنت، وجهاً لوجه مع أبو أياد، لست أمام الشخص الذي رسمته لك مخيلتك الجامحة، بل أنت أمام شخص وديع، لطيف، قريب للقلب شعاره "لا تكن قوياً فتكسر أو ليناً فتعصر". بل هو نفسه يعجب للأسطورة التي حيكت حوله ويخبرك القصة التالية:
- ذات يوم دعيت لحضور خطبة واحد من مقاتلينا على فتاة لبنانية. وخلال الحفل، كنت أمازح المدعوين، أروي بعض النكات، أضحك.. فنظر إلي والد العروس بكثير من الاستغراب والدهشة وسألني: هل صحيح أنت أبو أياد؟ وكرر السؤال أكثر من مرة لدرجة حملتني على استيضاح الأسباب التي دفعته إلى كل هذه الدهشة فقال: كنت أظن أنني سأرى أبو أياد على غير هذا النحو. كنت أحسب أنني سأجدك مدججاً بالسلاح، عبوساً، صعباً، يتطاير الشرر من عينيك.

 وعلق أبو أياد على القصة بقوله: والحق بالطبع ليس على الطليان، بل على إذاعة صوت لبنان!
في هذا الجو الرصين والظريف في آن معاً، كان حوارنا الهادىء التالي:
سألناه:
• يقال إنكم في الاجتماع الذي عقدتموه مع الرئيس الحص وعدتم بتسهيل دخول الجيش بهيكليته الحالية إلى الجنوب عن طريق الساحل، ولكن البعض يتهمكم في الوقت نفسه بأنكم وراء مطالبة الحركة الوطنية برفض دخول هذا الجيش. ما هو تعليقكم؟
- في لقائنا مع الرئيس الحص بحثت قضايا عدة كان منها دخول الجيش اللبناني إلى الجنوب.
في الواقع إننا لا نملك، في أي وقت من الأوقات، حق القول أننا نرفض دخول هذا الجيش إلى الجنوب، وبخاصة إذا كان هذا الدخول يأخذ شكل التعاون مع الحكومة اللبنانية، ولأمر يتعلق بمنع الاعتداء الإسرائيلي على الجنوب، إضافة إلى أن القضية لبنانية بحت.
في اللقاء المذكور فضلنا نحن أن يعالج هذا الموضوع مع الحركة الوطنية، لأن معارضة أي طرف لدخول الجيش إلى الجنوب يمكن أن تؤدي إلى بعض المشاكل. إما أن يقال أن المقاومة الفلسطينية هي وراء رفض الحركة الوطنية لدخول الجيش، فهذا أمر غير صحيح.
وليس بخاف على أحد أن للحركة الوطنية وجهة نظر، ولا نستطيع نحن أن نفرض عليها شيئاً، لا سيما بما له علاقة بالشؤون اللبنانية كتركيبة الجيش، مثلاً، التي ورد ذكرها في السؤال. فنحن لا نستطيع أن نعرف من هو الصالح وغير الصالح، ألا إن الحركة الوطنية أدرى منا بهذا الواقع.


• قلت إنكم بحثتم مواضيع عدة مع الرئيس الحص، فهل يمكن أن نعرف ما هي هذه المواضيع؟
- من هذه المواضيع، مسألة قوات الطوارىء الدولية، وهل سيتم التمديد لها بعد انتهاء مدتها أم لا؟ بالإضافة إلى موضوع انسحاب القوات الإيرانية والإشاعات التي تقول أن دولاً أخرى ستسحب قواتها أيضاً من الجنوب، ومدى تأثير كل ذلك على المنطقة الحدودية. وبحثنا أيضاً موضوع العمليات الفدائية من جنوب لبنان، فأبلغنا الرئيس الحص أن هذه العمليات متوقفة من زمان، علماً بأن أي عملية تحصل في القدس، مثلاً، أو في حيفا يقولون إن لبنان مسؤول عنها والسبب أن هذا البلد يعتبر الحلقة الضعيفة على صعيدي الدفاع الجوي والدفاع العام. كما بحثنا مواضيع أخرى تتعلق بالمخطوفين في الشمال، وغير ذلك من الأمور المطروحة على بساط البحث.


• أنت القائل أن الوضع سينفجر في الربيع، فعلام بنيت هذا القول؟ وما هو رأيك بالتفجر المحدود الحاصل حالياً في الداخل وفي الجنوب؟
- عندما سئلت حول هذا الموضوع قلت إن الوضع سينفجر في شهر نيسان تقريباً.
 وأمنيتي طبعاً ألا يحصل هذا الانفجار، أما لماذا حددت هذا التاريخ، فتحليلي عائد لثلاثة أمور:
- أولاً ألمر مرتبط بتوقيع معاهدة أو شبه معاهدة بين مصر وإسرائيل. ثانياً بانتهاء فترة التمديد لقوات الردع العربية. وثالثاً التحليل مرتبط بالتقارير الأمنية التي تردنا والتي تؤكد أن هناك استعدادات لهذا التفجير. هذا مع العلم أني اتمنى ألا يحصل الانفجار في الربيع، وربما في نيسان، لقد صرحت بذلك كي أحذر الناس وأطالب جميع الأطراف بتحكيم العقل ومنع هذه الحرب، لا على سبيل الاستبشار بالطبع.
 ومهما قلنا أن هناك مؤامرات خارجية تستهدفنا فإننا نحن أدوات تلك المؤامرات، ولا يمكن لأي مؤامرة أن تنجح دون أن تكون لها أدوات. من هنا انطلقت في تحذيري، وأملي الأول والأخير ألا يحصل شيء.


• هل يمكننا أن نعتبر أن التفجير الحاصل حالياً في الجنوب هو المؤشر للانفجار الكبير في شهر نيسان (أبريل) المقبل؟
- أنا لم أقل أن الانفجار سيحصل فقط في الجنوب، وإنما قلت أن الانفجار سيكون شاملاً، وقد يبدأ من الشمال أو من الجنوب بواسطة إسرائيل أو بواسطة سعد حداد، وقد ينتهي بين بيروت الشرقية وبيروت الغربية، والواقع أن الوضع الآن غير طبيعي.


• يشاع أن المقاومة الفلسطينية تشتري أراضي في الجنوب وتسجلها تحت أسماء لبنانية مستعارة. ما صحة هذا القول؟
- سبق وتحديت أياً كان بأن يأتيني بأسماء فلسطينيين اشتروا أراضي في الجنوب. ونحن كمقاومة لا نشتري أراضي ولا نبيع. ولكن أينما توجد أراضي خالية نضع قواتنا فيها. هناك بعض الصحف ذكر أسماء فلسطينيين مؤكدة أنهم اشتروا أراضي. أنا أتحدى أن تكون هذه الأسماء صحيحة. قالوا مثلاً إن فلسطينيين انتحلوا جنسيات أخرى، وادعوا بأن نسبة الشارين الفلسطينيين بلغت 93 بالمائة. أنا أتحدى أن تكون هذه الأرقام صحيحة، ثم كيف أتوا بها وجميع أجهزة الدولة معطلة. وأنا أؤكد أن هذه الإشاعة مرتبطة بالتوطين، أو هي تحضير لعملية التوطين، وأظن أننا صرخنا ألف مرة بأننا ضد هذا المشروع. إنني أدعو أي مسؤول أو أي وزير لبناني أن يكشف أسماء فلسطينيين اشتروا أراضي، لا أن نظل نعتمد على أقوال الصحف وغيرها.


• هناك من يربط بين عمليات الشراء المنوه عنها وبين ارتفاع أسعار الأراضي في الجنوب بشكل خيالي؟
- أنا أؤكد بأن ارتفاع هذه الأسعار ليس له علاقة بشراء الفلسطينيين للأراضي، وما عليك إلا أن تسأل خبيراً اقتصادياً في هذا الحقل.


• ما رأيك بالقرار 444؟
- أنا ضد كل القرارات. ولكن فيما يتعلق بطلبات الدولة منا ضمن إطار القرار فنحن نسهل كل الأمور. سهلنا دخول قوات الطوارىء الدولية إلى كل المناطق. والذين عطلوا دخول هذه القوات إلى سائر أجزاء لبنان معروفون، وهم الرائد سعد حداد وجماعته. أما نحن فقد سهلنا، كما يعلم الجميع، دخول أفراد القوات الدولية إلى كل منطقة طلبوا الدخول إليها، وأكثر من ذلك فقد خضنا معركة مع أخواننا من أجل هذا الموضوع بالذات. ولذلك فنحن لا نتعامل مع القرار كقرار، وإنما نتعامل مع طلبات الدولة فيما يخصنا ضمن إطار هذا القرار.


• مسؤول كبير في الدولة قال إن التوطين واقع واقع واقع. نود أن نعرف تعليقكم على هذا القول، وكيف تحارب المقاومة التوطين في الوقت الحار لمنع حدوثه؟
- مع احترامي للمسؤول الكبير، ومهما تكن لديه من معلومات حول الموضوع من جهات أجنبية، فإن الجهة المعنية تظل أقدر على الإجابة عن السؤال، لأننا لم نعد قطيع غنم يفرض علينا العيش هنا أو هناك. وقد أوضحنا للجميع أنهم إذا كانوا صادقين في محاربة التوطين في لبنان فما عليهم إلا أن يساعدونا على أن نظل نحمل البندقية في أيدينا، لأنه عندما تسقط هذه البندقية يسهل عندئذ أن يفرض التوطين علينا وعلى هذا المسؤول الكبير.


• هذا التوطين سيفرض على جميع الدول العربية وليس على لبنان فحسب؟
- أكيد. أكيد. لذلك فإن من يمنع التوطين هم الفلسطينيون أكثر من أي جهة أخرى. واسمحوا لي هنا بالعودة قليلاً إلى الوراء.
 نحن بدأنا الثورة المعاصرة الفلسطينية عام 1965 وكان معنا الضفة الغربية وغزة، وكانت أرضاً محررة، أي أرضاً عربية بغض النظر عن الطرف العربي الذي كان يسيطر عليها. وكنا يومها متواجدين في أكثر من جهة. وقد أتيحت للفلسطينيين في الخارج فرص كبيرة جداً، وخاصة للذين قاموا بالثورة منهم. والحقيقة أنه لو كنا نرتضي التوطين، لما قمنا بالثورة إطلاقاً. ولارتضينا أن نشارك في حكم الضفة الغربية وغزة، ولأبقينا الفلسطينيين في الكويت، وفي لبنان وحتى الجهة المعادية لنا اليوم في لبنان والتي تحارب التوطين حقيقة، لم تكن تشكو من الفلسطينيين، وإنما كانت تتيح لهم فرص عمل كثيرة، وبخاصة في المكلس وتل الزعتر كعمال، وفي مجالات أخرى كأصحاب مهن حرة ورجال أعمال. ولم يكونوا يلقون أي مضايقة. والواقع أن الذين يمنعون التوطين هم الفلسطينيون أنفسهم، ولكن ليس كل الفلسطينيين وإنما حملة السلاح منهم. فكيف يكون إذن التوطين واقعاً إذا لم تسقط البندقية الفلسطينية.
 لكن إذا ما سقطت هذه البندقية فعندها فقط يفرض التوطين على هذا المسؤول الكبير وعلى جميع المسؤولين العرب. وهذا ما شرحناه للجميع، وحتى للذين قاتلونا وقاتلناهم في "الجبهة اللبنانية". فنحن  مع تنظيم وجود السلاح لأننا نحن ضد السلاح الفالت، وهم الآن يعانون من هذا السلاح الفالت في مناطقهم، وبدأوا يشعرون أن التجاوزات التي كانت تحصل في صفوفنا كانت تجاوزات فردية، وبخاصة أنهم صاروا يعانون في مناطقهم من الشراذم المسلحة.
وإذا كنا مع تنظيم وجود السلاح فتبقى فقط مسألة تنفيذ الاتفاقات تنفيذاً صحيحاً، وإذا ما تم ذلك لا يبقى هناك أي تخوف من موضوع التوطين، لأننا نحن نتكفل برفض هذا المشروع، ومن هنا ايضاً يأتي رفضنا للحكم الذاتي. ومن يريد أن يحارب التوطين ينبغي أن يعمل في ثلاثة مجالات: مجال القتال، الذي نعمل نحن فيه، والمجال السياسي الذي ينبغي أن تساعدنا فيه كل جهة عربية أو غير عربية في شرح أسباب رفضنا لكامب ديفيد، هذا الرفض المبني على اعتبار أن الحكم الذاتي يحل مشكلة أقل من ربع السكان، ويحلها أيضاً بشكل خاطىء. فالحكم الذاتي هو طبعاً غير الدولة الفلسطينية. الدولة الفلسطينية تعني أن للفلسطيني وطناً ينتمي إليه. وعندها يصبح وضعنا مثل وضع لبنان، حيث هناك أكثر من نصف السكان في الخارج. فلو جئت مثلاً بالملايين الثلاثة من اللبنانيين المهاجرين لما كان بإمكان لبنان أن يستوعبهم، وهكذا هي الحال بالنسبة إلينا. فإذا جئنا بجميع الفلسطينيين الموجودين في الخارج ووضعناهم في الضفة الغربية وغزة أو أي منطقة أخرى من فلسطين ما كان بالإمكان استيعابهم جميعاً. ولكن هؤلاء يكفيهم أن يكونوا منتمين إلى وطن، إلى دولة، ويبقوا حيث هم كعمال، ومهندسين ورجال أعمال. هذا هو الفارق بين الحكم الذاتي والدولة الفلسطينية. ومن يريد أن يحارب التوطين، فعلاً، ينبغي أن يكافح معنا على الصعيد السياسي، وأن يشجع الفلسطيني على الكفاح من أجل رفض نتائج كمب ديفيد.


• أين وصلت التحقيقات بشأن اغتيال الشهيد "أبو حسن"، وكيف تفسر هذا الاغتيال؟ وما هو مدى تأثيره على المقاومة الفلسطينية؟
- إن هذه العمليات التي تتسم بطابع الغدر من الصعب معرفة منفذيها لأنها تحتمل ترجيحات عدة، ولها خطوط متعددة. فهناك الخط الخارجي وقد عرفنا منهم أربعة أو خمسة أشخاص. وهناك الخطوط المحلية التي لا تزال موجودة برأيي في البلاد. وهي، في قسم منها، ذات طابع عربي ومن جنسيات أخرى. وهي ما يسمونه عادة بشبكات التجسس، أو شبكات التخريب، أو شبكات الإرهاب. ومن يقدم على تنفيذ جريمة بهذا الحجم لا يترك عادة بصمات أو شبهات إلا على الذين غادروا البلاد، ومع ذلك فقد تمكنا من التوصل إلى تفاصيل، لا نريد إذاعتها الآن، يمكنها ان تساعدنا على الحد من هذه العمليات. ولو أخذنا مثلاً الفترة الواقعة بين استشهاد الزعماء الفلسطينيين الثلاثة عام 1973 وبين استشهاد "أبو حسن" لوجدنا أنه لم تقع خلالها أي عملية مماثلة، وذلك بسبب الإجراءات التي اتخذناها، ولكن عملية "أبو حسن" كانت نوعاً جديداً من العمليات الإرهابية، التي تعتمد طريقة التفجير اللاسلكي، بينما لو تعرض "أبو حسن" لأي هجوم لما كان هذا الهجوم أدى إلى النتيجة المتوخاة. ويمكن أن تقولوا أن العملية نفذت بالقوات السورية في الجبل وأجيب: ولكن ليس بالطريقة الفنية التي نفذت مع الشهيد "أبو حسن" ولعل هذا ما يؤكد بأن جميع العمليات التي نفذت ضد القوات السورية لها أبعاد إسرائيلية. ومثل هذه العمليات ليست صعبة، في الواقع، وأن تخيلها الناس كذلك. واتقاؤها يقتضي ألا يكون هناك روتين يومي.
  أما بالنسبة لسؤالكم حول تاثير عملية الاغتيال على المقاومة الفلسطينية، فنحن قد بنينا الثورة على أساس أنها طويلة الأمد، ومثل هذه الثورة لا يمكن أن تقوم على شخص أو بضعة أشخاص، وأن يكون كل فرد له تأثير معين. فنحن، جميعاً معرضون للاغتيال والموت هو بيد الله. ولكن مهما فعلوا، فإن الثورة لن تتوقف وكل جيل ينشأ عندنا سيكون أسوأ من الذي قبله. أسوأ بالنسبة للعدو طبعاً. ولكن بالنسبة إلينا أكثر عملاً وأكثر صلابة.


• يقال إن الشهيد "أبو حسن" تلقى مكالمة هاتفية قبيل نصف ساعة من اغتياله؟
- ما عرفته هو أن الشهيد قد تلقى تحذيراً قبل 10 أيام من الحادثة من إحدى الشخصيات المحلية (معلوماتنا في "الجمهور" ترجح أنه إما أنطوان شادر أو كريم بقرادوني) تنبههه إلى أن خطراً ما سيواجهه.


• قلت إنكم عرفتم الخط الخارجي الذي يمكن أن يكون وراء عملية الاغتيال، فهل لديكم أي شيء ملموس في هذا المجال، أم أن الأمر مجرد تكهنات؟
- بالطبع لدينا أشياء ملموسة حول كيفية حصول العملية.


• هل لنا أن نعرف بعض التفاصيل؟
- ليس هناك ضرورة بالطبع. إنما يمكنني الجزم بأن الجهة الخارجية التي قصدتها هي إسرائيل، وإن حاولت إسرائيل أن توهمنا بأن جهة محلية هي التي نفذت العملية، وكذلك لم تتورع عن ذر اسم "فتح" فطيرت البرقيات، ونشرت بيانات في الخارج جاء فيها أن مجموعة الشهيد الفلاني هي المسؤولة عن اغتيال "أبو حسن"، وذلك من أجل الإيحاء وكأن العملية عملية داخلية. إلا أن الذين نفذوها قد انكشفوا فعلاً، وقد غادروا البلاد، ابتداء من الذين استأجروا السيارات إلى الفتاة التي فجرت العبوة، بالإضافة إلى بعض التفاصيل التي ليست من مصلحة التحقيق الكلام عنها.

• كانت "الجبهة اللبنانية" تعتبر "أبو أياد" خصمها الأقوى، وهو الذي قال عبارته الشهيرة: "طريق فلسطين تمر في جونيه". ثم فجأة أصبح أبو أياد الرجل المفضل لدى "الجبهة" لماذا؟
- أولاً أنا لست الرجل المفضل لدى "الجبهة اللبنانية". وثانياً أنا اعتبر أنه ليس من العيب أن يحترم الخصم خصمه، وهذا فخر، في أي حال، لا أدعيه لنفسي. وبشأن العبارة التي وردت في السؤال فأنا قد شرحت ذلك قبلاً وأكرر هنا القول أنني لم أقلها. وإنما قولوني إياها، وأقول ذلك ليس عن خوف. وأنا أعترف بأنني كنت أثناء الحرب أتكلم لغة الحرب، وكنت عنيفاً، وعنيداً، ولكن هذا لا يعني أن المرء ينبغي عليه أن يتكلم لغة الحرب في أيام السلم. وبعض الناس يعتقد أن في الأمر تناقضاً، ولكنه في الحقيقة، ليس كذلك، باعتبار أن هناك حالات تستدعي لغة معينة، فعندما يكون المقاتل ينزف دماً لا يمكن الكلام بلغة المحبة، لأن هذه اللغة لا يمكن أن تعبر عن ذلك النزف. وبعدما توقفت الحرب، ودخلت قوات الردع العربية لبنان لم نعد نحن كطرف أساسي. وهذا لا يعني أننا محايدون مائة بالمائة. وعندما طلب إلينا الشيخ أمين مقابلته لم أعارض أنا الفكرة، وهذا هو، في الواقع، الحوار الوحيد المسؤول الذي حصل بيننا وبين "الجبهة اللبنانية" وبحضور العقيد سامي الخطيب، وكان حوار مفيداً جداً رغم كل ما قيل ويقال. وأنا لا أبالغ إذا قلت أن ما جرى بيني وبين أمين كان إيجابياً جداً. ولكن المسألة هي أبعد من هذا الحوار، ولذلك توقفت الاتصالات بيننا الآن لأننا لسنا الطرفين الوحيدين حالياً في الساحة. ولو كنا نحن والكتائب الطرفين الوحيدين لأمكننا القول أن الحوار قد يؤدي بنا إلى الطريق السليم، ولكن هناك أطراف أخرى، كالأطراف التي لا تنكر اتصالها بإسرائيل. أنا لا يمكن أن أكون محايداً تجاهها، وإلا فما معنى مهاجمتي للسادات. وهناك أيضاً الطرف السوري الذي تحمل الكثير من سقوط عناصر له، والذي لا يمكن إزاحته، أو تجاهله أو القفز فوقه في أي عملية حوار.
وبعد ذلك لا يكفي أن تنكر الشيء حتى يكون عديم الوجود. فعندما تنكر "الجبهة اللبنانية" وجود "الحركة الوطنية" أو "التجمع الإسلامي"، أو "الجبهة القومية" فهي تنكر حقائق موجودة. ثم كيف تنكر الجبهة اللبنانية وجود المحاور الآخر، وهل يعني أن كل هؤلاء المحاورين غير موجودين؟ أنا أعتبر ذلك غروراً أكثر من اللازم. وأؤكد أنه يوجد في هذه المنطقة محاورون جيدون. وثمة طرف آخر في الشمال هو الرئيس سليمان فرنجية. وإذا ما اتفقت كل هذه الأطراف، فإن الاتفاق ينبغي أن يتم أولاً كحوار لبناني – لبناني – سوري، وبعدها يأتي دورنا. ولا بأس إذا كان لنا دور في جميع هذه الحوارات، إلا أن دورنا الأساسي هو في نهاية الحوارات الأخرى. لذلك أنا لا أستطيع أن اعتبر بأن الحوار الذي تم بيني وبين أمين الجميل هو حوار بيننا وبين "الجبهة اللبنانية"، بل إنه كان لقاء إيجابياً، واعترف بذلك، لأن موقفه من إسرائيل كان واضحاً، وكذلك موقفه من الحرب الماضية، ولا أريد هنا أن أكشف كل آرائه فقد أعلنها هو بكل صراحة ووضوح. أنا أعتقد أن هناك أرضية للحوار، ولكن ينبغي ألا يكون هناك تجاهل لأي طرف موجود في الساحة. ولكي ينجح الحوار، وتتوقف المؤامرة، ينبغي أن تون جميع الأطراف متفقة على وقف المؤامرة. وهذا يتطلب مثلاً خطوة شجاعة من "الجبهة اللبنانية" وخطوة باتجاه قطع الاتصال مع إسرائيل. وبفتح اليد بواسطة الرئيس سركيس باتجاه السوريين، وبفتح خط أو حوار مع المنطقة الغربية بما فيها من وطنيين ومسلمين وسواهم. ونحن من جهتنا مستعدون في أي وقت للحوار. يتفق اللبنانيون برعاية سورية يصبح هناك فريق واحد نحاوره ويحاورنا فتسهل عملية الحوار بيننا.


• المعروف أن حركة "فتح" لها علاقة خليجية حميمة، ومع هذا راهنت منذ البداية على حركة آية الله الخميني في إيران، فكيف ترون خريطة المنطقة العربية بعد متغيرات إيران؟
- نحن لم نحدد قط علاقاتنا بأي جهة عربية، ونحن نفتخر بأن قرارنا، في المقاومة الفلسطينية، هو قرار مستقل. وقد دفعنا ثمناً غالياً لذلك ولا نزال ندفع، فأنا أستغرب لماذا تخاف الدول الخليجية من ثورة إيران، مع العلم أن أي مسؤول خليجي لم يظهر مثل هذا التخوف، ولنفترض أن هناك تخوفاً فلماذا هذا التخوف ولا سيما أن آية الله الخميني يدعو إلى دولة إسلامية، وهذه هي حال الدول الخليجية. وأنا أرى أنه من حسن حظ تلك الدول أن يكون الشاه قد رحل عن إيران، وهو الذي كان يبيت المؤامرة على الدول الخليجية، بعكس ثورة الخميني التي ستحول دون تنفيذ تلك المؤامرة، بل أن تلك الثورة ستكون متضامنة مع الدول العربية.
ومن جهة أخرى، فإن سقوط الشاه يعني سقوط ركن مهم من أركان الحلف الذي من المرجح أن يقوم بعد توقيع المعاهدة المصرية – الإسرائيلية. ومن هنا كان تأييدنا كمقاومة فلسطينية لحركة الخميني، وخاصة أنه يدعو إلى قطع العلاقات مع إسرائيل ووقف بيع النفط لها.
إن طموحاتنا لأكبر من ذلك وهي أنه إذا استقرت الثورة في إيران ونجحت فإن الجيش الإيراني الذي كان معداً للهجوم على الخليج سيكون إلى جانبنا في حربنا ضد إسرائيل.


• المراقبون والمطلعون يرون أن المجلس الوطني الأخير قد أخفق، بالرغم مما أعلن من نتائج إيجابية في الوصول إلى ما أرادته قيادة "فتح": كالوحدة الوطنية، توسيع القيادة الفلسطينية، وإدخال الجبهة الشعبية. فإلى أي مدى نجح هذا المجلس، بتقديركم، وأين أخفق، وما هي الأسباب؟
- أنا أعتبر أن المجلس الفلسطيني الأخير كان أنجح المجالس ثلاثة أسباب: السبب الأول أن البرنامج السياسي قد أقر في هذا المجلس بالإجماع. وكذلك البرنامج التنظيمي والمالي، وهذه هي المواضعي التي كانت، في السابق، موضع خلاف. والسبب الثاني أننا أكدنا في هذا المجلس استقلالية القرار الفلسطيني عن أي جهة. ولكن هذا يجب ألا يعني ارتباطاً بأي نهج إقليمي، فالفلسطيني ليس إقليمياً، وإنما هو قومي قبل أي شيء. وما عنيت باستقلالية القرار الفلسطيني هو عدم وجود أي وصاية عربية على هذا القرار، وعدم وجود مندوبين للدول العربية في القيادة الفلسطينية بشكل يحول دون فلسطينية القيادة. ومن هنا يمكنني القول أن القرار الفلسطيني في هذا المجلس كان فلسطينياً مائة بالمائة. أما السبب الثالث فإن خروج المجلس باللجنة التنفيذية ذاتها لمنظمة التحرير هو من أسباب نجاح هذا المجلس، لأنه عندما يتكتل أي فريق ضد فتح متذرعاً بأي أسباب كانت فلا بد لفتح من أن تتخذ الموقف الذي يناسب حجمها وتاريخها وتضحياتها.
 والحقيقة أنه جرت محاولات عديدة لتحجيم فتح وعرقلة تأليف قيادة سياسية وفرض الشروط عليها، حتى من قبل أطراف لا يجمع بينها سوى التضامن التنافسي. ومن هنا ظلت القيادة السياسية على حالها لأن ذلك يعني أن "فتح" لا ترضى بأن تتكتل المنظمات الفلسطينية ضدها تحت أي شعار آخر.
فعلى صعيد الوحدة الوطنية، فقد ظن الناس للوهلة الأولى بأن المجلس قد فشل. ولكن العكس هو الصحيح. ولو رضخت "فتح" للشروط التي فرضت على القيادة السياسية لأمكننا القول عندها أن هذه القيادة ليست قيادة شعبية. أما القيادة الحالية فهي تمثل المجلس الوطني كله وبالإجماع، وربما للمرة الأولى يصفق أعضاء المجلس ويهتفون وينشدون عندما أعلن رئيس المجلس أن اللجنة التنفيذية باقية على حالها.
 إضافة إلى ذلك فقد وافق أعضاء المجلس الوطني على موضوع الحوار مع الأردن وأقام ضوابط لكل الخلافات التي يمكن أن تحصل على الساحة الفلسطينية. وعلى ذلك، فأنا أعتبر هذا المجلس أنجح المجالس الفلسطينية، وللأمانة أشير إلى أن هناك قضيتين ظلتا دون حل. فبالنسبة لدخول الجبهة الشعبية اللجنة التنفيذية أقول إننا لسنا ضد هذا الدخول، بل العكس هو الصحيح، إذ نعتبر أن دخول الجبهة الشعبية اللجنة يعزز من استقلالية القرار الفلسطيني. ولكن طرح دخول الجبهة كتحد لفتح، فإن ذلك يسمح لنا بإبقاء الجبهة، لوقت معين، خارج اللجنة التنفيذية. علماً بأننا حالياً بصدد عقد اجتماعات لهذا الغرض وفي جو هادىء لجميع المنظمات الفلسطينية دون فرض شروط على أي جهة. وفيما خص القيادة الجبهوية فهذا لا يعني ان يتمثل كل فصيل في هذه القيادة بمندوب عنه، وإنما ينبغي أن تكون هناك قوة مسؤولة عن القرار الفلسطيني، كما هي الحال مثلاً في العراق وسوريا حيث حزب البعث هو صاحب القرار داخل الجبهة الوطنية وكما الحال في فيتنام حيث كانت هناك 26 حركة لكن الحزب الشيوعي كان هو الحلقة الرئيسية المركزية. نحن لا نطلب، كحركة "فتح"، أن نتميز بهذا الحجم الكبير، وإنما لا  نرضى أن يكون حجمنا في القرار كحجم أي منظمة فلسطينية في الساحة. وبرأيي، إن من يتخذ القرار هو الذي يتحمل نتائجه، ولا يمكن لأي جهة أن ترفض القرار وأن يكون على "فتح" تنفيذه. وهنا أكرر القول إننا الآن في مرحلة تعريف القيادة الجماعية ومعنى العمل الجبهوي. وإذا ما اتفقنا على أمر معين في هذا المجال يمكن أن ندعو إلى دورة استثنائية بغية تصحيح الوضع وإدخال بعض العناصر الجديدة وإخراج بعض العناصر الأخرى.


• طالعنا في صحيفة "لوموند" الفرنسية بعض المقتطفات من كتاب أعده أريك رولو عنكم تحت عنوان: "أنا فلسطيني بلا هوية" ما هي قصة هذا الكتاب؟
- الواقع ان الكتاب لم يوضع كمذكرات عني، لأن الإنسان لا يمكن أن يكتب مذكراته إلا إذا كان مغروراً كالرئيس السادات، أو إذا رحل عن الحياة السياسية. طرحت الفكرة منذ ثلاث سنوات، وكان رولو يرغب في تقديم الفلسطيني إلى العالم الخارجي وفي تعريف نضاله. وعندما التقاني سألني عن واقع هذا النضال قلت له: "لأنني فلسطيني بلا هوية" فسر لهذا الجواب ودون العبارة أمامه ووعدني بإصدار كتاب بهذا العنوان. وبالفعل فقد وجه إلي أسئلة عديدة، لأنه لا يمكن أن يطرح مثل هذه الأسئلة على أي كان في الشارع. وعلمت أن الكتاب استغرق ثلاث سنوات من العمل، وقد زار الكاتب خلال ذلك عائلتي، وخاصة والدتي فتعرف من خلالها إلى شخصي ثم جمع تصريحاتي. وقدم إلى لبنان مرتين خلال الحرب أولاهما عام 1975 وثانيهما عام 1976، وكانت الزيارة الأخيرة التي قام بها بعد كمب ديفيد، وكان قد التقاني أيضاً عقب زيارة السادات للقدس. في كل مرة كان يسألني عن انطباعاتي بالنسبة للأحداث الجارية على صعيد أزمة الشرق الأوسط. وأحب أن أشير هنا إلى أنه كانت لي ثلاثة شروط للموافقة على إصدار الكتاب. الشرط الأول ألا يكون بشكل مذكرات، وأن يكون تحت عنوان: "فلسطيني بلا هوية". والشرط الثاني ألا ينشر كحلقات. أما الشرط الثالث فهو أن يعود ريعه لمؤسسة الشهداء. ولكن مع الأسف لم ينفذ إلا الشرط الثالث. والكتاب نقل إلى اللغة العربية وتنشره حالياً صحيفة "الوطن" الكويتية.
 ويهمني أن أشير هنا إلى أن السفارة الإسرائيلية في باريس اشترت معظم النسخ، ودار النشر الفرنسية هي بصدد إعادة طبع الكتاب لتوزيعه على المكتبات مجدداً.


• نشرت صحيفة "الواشنطن بوست" الأميركية مقالاً حول عمليات التعذيب داخل السجون الإسرائيلية، ولكن سرعان ما نفي الخبر. ما هي المعلومات المتوافرة لديكم بالنسبة لهذا الموضوع؟
- هذا السؤال في محله فعلاً، لأن هناك تعتيماً على أبنائنا في الداخل وعلى نضالهم بشكل واسع. ولا أبالغ إذا قلت أن هناك قرى بكاملها تسجن ويضرب أهلوها وبيوتاً تنسف بشكل جماعي. حتى المقدسات استبيحت. ولعل أخطر شيء هو ما يعانيه السجناء. تصوروا، مثلاً، أننا ندفع للصليب الأحمر من أجل أن يقدم بعض المساعدات لهؤلاء السجناء والمعتقلين، وقد عملت السلطات الإسرائيلية على منع تلك المساعدات، وإذا ما وصلت فهي تصل مشوهة. بالإضافة إلى أن هؤلاء المعتقلين يتعرضون لعملية ضرب جماعية فور كل عملية فلسطينية. وهذا ما شجع قيام حركة إضرابات واسعة داخل السجون، وما دفع بالتالي إلى نشر المقالات في الصحف تلك المقالات التي لا تلبث إسرائيل أن تكذبها. ونحن الآن في صدد المطالبة بهيئة، غير الصليب الأحمر الذي لا يتدخل في الشؤون السياسية، تكون منبثقة عن الأمم المتحدة أو اتحاد الكنائس العالمي، كي تزور السجناء في المعتقلات الإسرائيلية وتطلع على أحوالهم، وعلى طرق تعذيبهم، وعندما تنفي إسرائيل شيئاً ما بصورة رسمية فمعنى ذلك أنه حاصل.


• سؤال أخير، هل يمكن أن نعتبرك متفائلاً أم متشائماً بالنسبة للوضع في لبنان؟
- أنا "متشائل". وهذا يعني أنني غير متفائل وغير متشائم كما يقول أمين حبيبي، وهو أحد كتاب الأرض المحتلة، في كتاب له صدر عام 1948 تحت هذا العنوان. والكلمة بالمناسبة هي كلمة فصحى.(انتهى)
_________________________________

 مؤتمر الثورتين الفلسطينية والليبية في طرابلس:

"الجماهيرية" تدخل طرفا في المواجهة المباشرة

الكفاح العربي – مصحح-  تاريخ:

   البداية، شهدتها مدينة غريان الليبية، حيث التقى العقيد معمر القذافي ياسر عرفات بحضور ثلاثة آخرين من حركة فتح هم: صلاح خلف (أبو أياد)، و(أبو طارق) ممثل فتح في الجماهيرية وعبد الرحمن الفهود من الجانب الليبي.
   وقد عقد الطرفان اجتماعين، استغرق الأول ساعتين والثاني خمس ساعات وقد حضر هذا الأخير الرائد الركن عبد السلام جلود. وعبر هذه الساعات السبع أمكن تسوية كافة القضايا العالقة بين الجماهيرية من جهة وحركة فتح من جهة ثانية.
    وبالفعل، فقد تمت تسوية القضية المالية العالقة بين فتح والجماهيرية، وكذلك بين الصندوق القومي والجماهيرية. ودفعت الجماهيرية كافة التزاماتها بعد أن وافقت على ذلك اللجان الشعبية.
   كذلك تقرر خلال هذا الاجتماع وبعد موافقة اللجان الشعبية في الجماهيرية تقديم المعونات المالية والعسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية من أجل أن تواصل تحمل مسؤولياتها في دعم صمود الشعب الفلسطيني داخل الأرض المحتلة في وجه مشروع الحكم الذاتي والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة ضد الجنوب اللبناني.
   وأبدت قيادة ثورة الفاتح خلال هذا الاجتماع عزمها على المساهمة في إعادة تعمير مدينتي صور والنبطية في جنوب لبنان.
   كما اتفق على إعادة تنشيط جبهة الصمود والتصدي لمواجهة المرحلة المصيرية التي تتعرض فيها القضية الفلسطينية لخطر التصفية.
   كذلك برز خلال الاجتماع تعهد فلسطيني يقضي بتقديم مختلف أشكال التعاون للجماهيرية في حال تعرضها لعدوان من قبل النظام الحاكم في مصر.
   هكذا بدا، بعد هذا الاجتماع أن عهداً جديداً من التحالف الوثيق قد بدأ بين طرابلس من جهة وحركة فتح من جهة ثانية. وهذا بالطبع مهد للاجتماع الطارىء بين قيادة ثورة الفاتح وقادة فصائل المقاومة.
   واللقاء الجماعي الأول، الذي شاركت فيه قيادة ثورة الفاتح، جاء بعد لقاءات ثنائية بين وفود منظمات المقاومة الفلسطينية كل على حدة مع القيادة الليبية. وفي هذا الاجتماع العام شارك كل من ياسر عرفات يرافقه كل من (أبو أياد) و(أبو صالح) و(أبو الهول) عن اللجنة المركزية لحركة فتح. والدكتور جورج حبش يرافقه تيسير قبعه عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. ونايف حواتمه الأمين العام للجبهة الديمقراطية، وزهير محسن الأمين العام لمنظمة الصاعقة. والدكتور سمير غوشه الأمين العام لمنظمة النضال الشعبي وأحمد جبريل الأمين العام للجبهة الشعبية – القيادة العامة.

"ما العمل..؟"
   والسؤال الذي اتفق قادة فصائل المقاومة من جهة وقادة ثورة الفاتح من جهة ثانية، على أن يكون المدخل الأساسي للحوار هو: "ما العمل لمواجهة مؤامرة التصفية؟". فأمام استمرار المؤامرة يرى المواطن العربي القوى المناهضة للمعاهدة تراوح مكانها مما جعلها تبدو وكأنها تتراجع أمام أطراف حلف المؤامرة الجديد..
   موقف ثورة الفاتح، عبر عنه الرائد الركن عبد السلام جلود الذي طالب بتحديد المسائل وتوضيحها وتحميل المسؤولية للجميع، وأكد على أهمية جبهة الصمود والتصدي ودورها في مواجهة المؤامرة التي يقوم بتنفيذها التحالف الثلاثي.. "ولذلك حرصنا.. .. هكذا قال جلود: "..على اللقاء بقيادة الثورة الفلسطينية لكي نحلل بموضوعية مخاطر هذه المؤامرة..".
   وأعرب الرائد جلود عن أمله في "أن يتوصل المؤتمر إلى خطة عمل ميدانية ليتحمل فيها الجميع مسؤولياتهم".
    قادة فصائل المقاومة من جانبهم أجمعوا على طرح مسألة الضغط الأميركي في سوريا ولبنان، وضرورة مواجهة هذا الضغط عن طريق جبهة الصمود. وقد أوضح قادة الثورة الفلسطينية بأن سياسة السادات تستدعي حصار سوريا.. وأن حصار سوريا يستدعي إزعاجها في لبنان.. وهذا أمر يصعب في الحسابات الإستراتيجية للأنظمة المشاركة في جبهة الصمود والتصدي.
   كذلك كان ثمة إجماع على التركيز بأن قمة بغداد العربية لم تتخذ أية خطوة لتصطدم مع السياسة الأميركية في المنطقة.".. وأن هذه الخطوة مطلوبة أساساً من جبهة الصمود.. فإذا كانت قرارات بغداد تأديبية وحسب فإن قرارات الصمود يجب أن تتضمن المواجهة..
   وعند بحث الدعوة لعقد قمة رابعة للصمود أثيرت ثلاث مسائل أساسية:
- الوحدة بين دمشق وبغداد، وضرورة إنجاز خطوات عملية مدروسة.
- تأمين الحماية لهذه الوحدة بتوسيع رقعة تحالفاتها، ".. وهذا يتطلب بالتالي رأب الصدع بين العراق واليمن الديمقراطي، وكذلك بين العراق وإيران".
- ضرورة انضمام العراق للجبهة، ".. ودونما تأخير" (وسوف يتوجه لهذه الغاية وفد خاص ليبي فلسطيني إلى كل من بغداد ودمشق خلال الأيام القليلة المقبلة).

حضور الجبهة الشعبية
    وعند التداول بالوضع الفلسطيني وجد الأمناء العامون أنفسهم أمام ذات المشكلة العالقة التي تتمثل بغياب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عن اللجنة التنفيذية، والمجلس المركزي لمنظمة التحرير. لذلك فإن تخطي هذا الجدار كان يستوجب بدوره فتح حوار مع الجبهة الشعبية حول المشكلة ذاتها.(انتهى)
___________________________


 

 

الجماهيرية الليبية والحركة الوطنية
تتفقان على تنظيم العلاقات بينهما

• محسن إبراهيم: الجماهيرية تحضر للقيام بمبادرات تستهدف تدعيم موقف الصمود.


صباح الخير الأحد 4/6/1978

أعلن بيان مشترك صدر يوم الأحد الماضي في أعقاب لقاءات وفد الحركة الوطنية اللبنانية مع الأمانة العامة لمؤتمر الشعب العام في الجماهيرية العربية الليبية أن الطرفين "اتفقا على تنظيم العلاقات الثورية، والنضالية التي تربط الحركة الوطنية اللبنانية بثورة الفاتح من سبتمبر أيلول العظيمة" وذلك "خدمة للأهداف القومية وتصعيداً للنضال القومي الشامل ودعماً للكفاح الجماهيري الوطني على الساحة اللبنانية" (راجع نص البيان كاملاً في مكان آخر).
وكان قد زار الجماهيرية الليبية في الفترة ما بين 23 و27 أيار الماضي وفد من الحركة الوطنية اللبنانية يضم الرفيق وليد جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، الرفيق جورج حاوي نائب رئيس المجلس السياسي المركزي للحركة الوطنية والأمين العام المساعد للحزب الشيوعي اللبناني والرفيق محسن إبراهيم الأمين العام التنفيذي للمجلس السياسي المركزي وأمين عام منظمة العمل الشيوعي في لبنان والأمين الدكتور عبد الله سعادة رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي وعضو لأمانة الدائمة لمؤتمر الشعب العربي. وقد أجرى الوفد عدة لقاءات، بالعقيد معمر القذافي أمين عام مؤتمر الشعب العام في الجماهيرية والرائد الركن عبد السلام جلود عضو الأمانة العامة للمؤتمر ومسؤولين آخرين. وذكر أنه "تم خلال هذه اللقاءات عرض شامل لتطورات الوضع العربي واللبناني وكان الاتفاق كاملاً في تحديد الرؤية التحليلية لمسار الأحداث ووسائل التصدي لها".

التمهيد للزيارة
وكان مندوب الحركة الوطنية اللبنانية في الأمانة العامة الدائمة لمؤتمر الشعب العربي العام رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الدكتور عبد الله سعادة قد طرح في زيارته الأخيرة إلى الجماهيرية الليبية على الأخوة المسؤولين هناك امكانية قيام وفد على مستوى عال يمثل الحركة الوطنية بزيارة الجماهيرية وإجراء مباحثات مع المسؤولين فيها.
وجرت ضمن هذا الإطار سلسلة مشاورات وأبحاث مع الأخ الرائد عبد السلام جلود ومع الأخوة أعضاء مكتب الاتصال العربي تم بنتيجتها الاتفاق على أن تقوم الجماهيرية بدعوة وفد يمثل الحركة الوطنية لزيارة رسمية.
ويوم الخميس 18/5/1978 أبلغ الدكتور سعادة أن الجماهيرية على استعداد لاستقبال وفد الحركة الوطنية.
وفي اجتماع المجلس السياسي المركزي تقرر تلبية الدعوة. ويوم الثلاثاء الماضي 23/5/1978 سافر على متن طائرة تابعة لشركة اليطاليا كل من الدكتور عبد الله سعادة وجورج حاوي ومحسن إبراهيم ووليد جنبلاط.
هذا وقد عاد الرفقاء جنبلاط وحاوي وإبراهيم يوم السبت الماضي 27/5/78 وبقي الأمين سعادة في طرابلس لاستكمال بعض الأمور الإجرائية ومنها المشاركة في صياغة البيان الختامي للمباحثات.

إبراهيم: تطور مهم للمساندة العربية
ووصف محسن إبراهيم في حديث لـ"صباح الخير" ما أنجز عبر الزيارة بأنه يشكل بالنسبة إلينا تطوراً مهماً في مستوى المساندة العربية للحركة الوطنية اللبنانية وهي المساندة التي نأمل أن تتعمق وتتسع لتشمل جميع القوى الوطنية والتقدمية في العالم العربي".
وأكد إبراهيم أن الزيارة تشكل "خطوة هامة على طريق تعزيز العلاقات بين الطرفين وتنظيمها". وأضاف إن هذه "لم تكن المرة الأولى بالطبع التي يتم فيها لقاء بين ممثلين للحركة الوطنية أو لأحزاب منها وبين قيادة الثورة في الجماهيرية لكن الزيارة الأخيرة تكتسب في نظرنا صفة نوعية خاصة من حيث كونها شكلت مناسبة لبحث مجمل العلاقات الثنائية ضمن افق مستقبلي".
وقال إبراهيم "لقد خصت قيادة الثورة في الجماهيرية وفد الحركة الوطنية الأخير بحفاوة كريمة – يهمنا أن نتوقف أمام مدلولاتها السياسية. لقد شعرنا خلال اللقاء مع العقيد معمر القذافي ومع الرائد الركن جلود كما في سائر لقاءاتنا مع الأخوة القادة والمسؤولين في الجماهيرية الشقيقة أن الحركة الوطنية اللبنانية تحتل عندهم مكانة بارزة مصدرها أولاً وفي الأساس التقدير الكبير لدورها النضالي على الساحة اللبنانية ولما قدمته من إسهام في النضال العربي ككل على قاعدة التزامها المتشدد بالقضية القومية. وهو أمر يعكس تعاطفاً شعبياً لدى أوسع الجماهير في الجماهيرية الشقيقة وقد لمسناه في كل اتصالاتنا.
وأوضح إبراهيم أن الزيارة شكلت "مناسبة لبحث الوضع العربي العام والتطورات الجارية على الساحة اللبنانية ونستطيع القول هنا بلا مبالغة أن الاتفاق بوجهات النظر كان تاماً حول تحديد اتجاهات الوضع العربي الراهن والمهمات التي يلقيها على عاتق جميع القوى القومية والوطنية التقدمية العربية".
وقال "لقد جرى البحث مطولاً في النتائج الخطيرة التي أدت إليها خطوات السادات الاستسلامية المصري لكن الطرفين اتفقا على ضرورة تجاوز حدود هذا الموقف الاعتراضي نحو مواجهة قومية شاملة لمخطط الحل الاستسلامي الامبريالي الصهيوني.
على قاعدة الخروج نهائياً من دائرة الرهان على أوهام التسوية.
وكشف إبراهيم عن أن "الأخوة قادة الثورة في الجماهيرية هم بصدد التحضير للقيام بمبادرات عربية تستهدف تعزيز موقف التصدي الحقيقي لنهج النظام المصري وتوفير مقومات الصراع الناجح مع الحلف الصهيوني الامبريالي".
وقال "أما بالنسبة للتطورات الجارية على الساحة اللبنانية منذ عرض وفد الحركة الوطنية اللبنانية مطولاً رؤياه لها مشدداً على أهمية المنعطف الذي دخله الوضع اللبناني في أعقاب الاتلال الإسرائيلي للجنوب. لقد وجدنا عند الأخوة قادة الثورة الفاتح من سبتمبر (أيلول) تفهماً كبيراً للقضية الوطنية اللبنانية وارتباطها الوثيق بالقضية القومية الشاملة ولمسنا مدى متابعتهم الجادة لكل ما يدور على الساحة اللبنانية، وكان أمراً يدعو إلى الفخر بحق أن نستمع إلى تقييمهم للنضال الصامد الذي تخوضه جماهيرنا الوطنية اللبنانية والقتال العنيد الذي مارسته قوات الحركة الوطنية جنباً إلى جنب، مع قوات الثورة الفلسطينية في مواجهة العدوان الإسرائيلي على الجنوب. وقد سجلت قيادة الجماهيرية تأييداً كاملاً لهذا النضال واستعداد مطلقاً لتقديم كل أشكال الدعم والمساندة السياسية والمادية والمعنوية بالقدر الذي تتطلبه منها مسؤولية المواجهة على الساحة اللبنانية".
وتابع قائلاً ولم يقتصر الأمر على تبادل الرأي السياسي وتركيز المواقف الموحدة في النظرة إلى الوضعين العربي واللبناني. بل تعدى ذلك إلى البحث في تنظيم العلاقة بين الطرفين على أسس ثابتة ومنتظمة ودورية، بما يؤمن كل الفائدة المرجوة في هذا الإطار. وكان الرأي متفقاً على ضرورة متابعة الجهود لهذه الجهة بحيث تكون زيارة وفد الحركة الوطنية فاتحة علاقة أكثر تقدماً وتطوراً من ذي قبل".(انتهى)

____________________________________________________

 

 

نص البيان المشترك عن زيارة وفد الحركة الوطنية إلى الجماهيرية

التضامن المطلق لمواجهة العدوان الإسرائيلي

• رفض "التضامن العربي" الذي يستهدف تمرير النهج الاستسلامي.
• الجماهير الليبية قاعدة صلبة للقتال القومي والتحرر العالمي.


صباح الخير في 4/7/1978

صدر في الأسبوع الماضي بيان مشترك عن زيارة وفد الحركة الوطنية اللبنانية للجماهيرية الليبية وقعه عن الجانب اللبناني رئيس الحزب الأمين الدكتور عبد الله سعاده.
وقد أذيع البيان يوم الأحد الماضي من الإذاعة والتلفزيون في الجماهيرية. وجرى بالإضافة إلى ذلك إعادة عرض لقاءات الحركة الوطنية مع العقيد القذافي والرائد الركن جلود على التلفزيون.
وفيما يلي نص البيا المشترك:
"استجابة لدعوة الأمانة العامة لمؤتمر الشعب العام قام وفد يمثل المجلس السياسي المركزي للحركة الوطنية اللبنانية برئاسة الأخ/وليد جنبلاط وعضوية الدكتور/عبد الله سعادة، جورج حاوي محسن إبراهيم بزيارة إلى الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية، ما بين 16/20 من جمادي الآخرة 1398 هـ الموافق 23/27 من مايو (أيار) 1968.
وقد استقبل الأخ العقيد معمر القذافي الأمين العام لمؤتمر الشعب العام وقائد ثورة الفاتح من سبتمبر العظيمة والأخ الرائد ركن عبد السلام جلود عضو الأمانة العامة لمؤتمر الشعب العام وفد الحركة الوطنية اللبنانية تجسيداً للتلاحم مع الثورة الشعبية اللبنانية التي تعبر من خلال حركتها الوطنية عن إرادة الأمة العربية في مواجهة الهجمة الامبريالية الصهيونية. وقد تم في لقاءات وفد الحركة الوطنية اللبنانية مع قيادة ثورة الفاتح من سبتمبر العظيمة عرض شامل لتطورات الوضع العربي واللبناني وكان الاتفاق كاملاً في تحديد الرؤية التحليلية لمسار الأحداث ووسائل التصدي لها. واتفق الطرفان على ما يلي:

أولاً: أكدت قيادة ثورة الفاتح من سبتمبر العظيمة تضامنها المطلق مع نضال الشعب اللبناني في مواجهة العدوان الصهيوني الواسع على لبنان والذي أدى إلى احتلال قسم من الجنوب اللبناني. وما رافقه من تصعيد لمحاولات القوى الانعزالية تنفيذ مخططها المشترك مع العدو. وقد أشاد الأخوة قادة الثورة في الجماهيرية بصمود وبسالة الجماهير الوطنية في لبنان دفاعاً عن قضيتها الوطنية وعن القضية القومية لكل العرب، وأكدوا دعمهم الكامل لنضال الحركة الوطنية اللبنانية من أجل تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الصهيوني والمحافظة على عروبة لبنان ووحدته، وحماية مواقع الثورة الفلسطينية، كما أكدوا على استعداد ثورة الفاتح من سبتمبر العظيمة تقديم كل أشكال المساندة للنضال الوطني على الساحة اللبنانية.

ثانياً: إن ثورة الفاتح من سبتمبر العظيمة والحركة الوطنية اللبنانية تؤكدان التزامهما بمسؤولياتهما القومية في تحرير كامل التراب العربي، وتحقيق أهداف النضال العربي في التحرير والوحدة.

ثالثاً: يؤكد الطرفان على ضرورة استمرار الكفاح المسلح كأداة شعبية للتحرير والمجابهة والتصدي لكافة المخططات الامبريالية الصهيونية الرجعية الرامية إلى تمرير الاعتراف بالكيان الصهيوني وتكريس وجوده والتعامل معه، والتي تجسدت في زيارة التي أقدم عليها السادات للعدو ومفاوضاته المباشرة معه، ويعلنان رفضهما للقرارين 242، 338 وكل ما يمس الحقوق القومية للأمة العربية.

خامساً: يؤكد الطرفان على أهمية تعزيز نهج الصمود العربي في وجه الهجمة الامبريالية الصهيونية الرجعية والتصدي لها بجبهة شعبية قومية تضم كافة القوى الوطنية والقومية التقدمية العربية على قاعدة رفض كل الحلول الاستسلامية وإسقاط كل المراهنات على التسوية مع العدو الصهيوني، وانتهاج طريق الكفاح المسلح من أجل تحرير كامل الأراضي  العربية المحتلة والمغتصبة والمواجهة الحازمة للامبريالية ومخططاتها وعملائها. وشددا على ضرورة تعميق عملية الفرز الثوري في الواقع العربي وتصليب تيار المواجهة القومية الشعبية الشاملة للعدو.

سادساً: يؤكد الطرفان رفضهما للدعوات المتجددة لما يسمى بالتضامن العربي والتي تستهدف تمرير النهج الاستسلامي لنظام السادات، وتكريس نتائجه.

سابعاً: يؤكد الطرفان واقع الترابط العضوي القائم بين النضال القومي العربي ضد الإمبريالية والصهيونية والرجعية وبين النضال التحرري لشعوب أفريقيا ويشجبان بشدة مخططات التدخل الاستعماري الفرنسي  والإمبريالية الأميركية في شؤون القارة الأفريقية والتي تستهدف بسط السيطرة عليها من جديد، واستنزاف ثرواتها، وضرب حركتها التحريرية التقدمية.

ثامناً: اتفق الطرفان على تنظيم العلاقات الثورية والنضالية التي تربط الحركة الوطنية اللبنانية بثورة الفاتح من سبتمبر العظيمة خدمة للأهداف القومية وتصعيداً للنضال القومي الشامل ودعماً للكفاح الجماهيري الوطني على الساحة اللبنانية.

وقد سجل وفد الحركة الوطنية اللبنانية تقديره للمواقف المبدئية الثابتة لثورة الفاتح من سبتمبر العظيمة وقيادتها الثورية، والتي تجسد أصالة الثورة كثورة شعبية، وأصالة قيادتها كقيادة قومية. كما أبدى الوفد تقديره للمنجزات الثورية والديمقراطية في الجماهيرية، والتي جعلت منها قاعدة صلبة للنضال القومي العربي، والنضال التحرري العالمي.(انتهى)

_______________________________________________


وفد الحركة الوطنية
في الجماهيرية العربية الليبية

"ليس لنبي كرامة في وطنه"

صباح الخير4-6-78
بقلم: الدكتور عبد الله سعاده
إقدام رئيس نظام مصر على زيارة "دولة الصهيوني الاغتصابية الاستيطانية العنصرية" أذهل العالم كله، وطعن آمال القوميين والتقدميين العرب وطموحاتهم بالرغم من أن مسار التعامل الساداتي – الصهيوني – الامبريالي كان يشير بوضوح إلى هذه النهاية المفجعة.
ومن أبرز المؤشرات والمقدمات لهذه النهاية – الهاوية كانت الحرب اللبنانية التي جسدت الصراع المصيري بين إرادة النضال لنصرة الحق القومي التقدمي وبين سياسة الردة والاستسلام للعدو الصهيوني – الامبريالي. فانقسم اللبنانيون، وانقسم معهم العرب إلى معسكرين في الحرب اللبنانية، وإن كانت بعض الأطراف تسترت بأقنعة مموهة. ولا أغالي إذ أقول بأن العالم كله انقسم بالتالي إلى معسكرين في موقفه من الحرب اللبنانية لأنها – رغم ضيق الرقعة اللبنانية – كانت الميدان الحامي للصراع بين الحق والحرية والتقدمية، وبين الاستسلام والرجعية.
والمؤامرة الرجعية – الامبريالية – الصهيونية دفعت "الثورة الفلسطينية" إلى الأرض اللبنانية، لأن الأقوياء يرفضون تحمل أعباء "الثورة" ومضاعفاتها الخطيرة ويرفضون الإعلان عن هذا التخلي أمام أنفسهم وجماهيرهم، خاصة وأن "الثورة  الفلسطينية" فرضت بنضالها الثوري الحق وببندقيتها الفدائية على كل العالم وعلى قمته "منظمة الأمم المتحدة"، ففرضوها على لبنان.

أولاً: لأنهم استضعفوه فاستدرجوه ليحمل عنهم هذا العبء الثقيل. لأن الثورة والحق عبء ثقيل في عالم الباطل الامبريالي وهيمنته بقيادة الجبار الأميركي وترسانته المتقدمة "الدولة الصهيونية".


ثانياً: لأن المراهنة كانت أن لبنان – دولة الخدمات والسياحة والمرفأ والمطار – سيترك الثورة يتيمة على أرضه وبين شعبه الساعي إلى المكاسب في كل أرجاء العالم. فتسهل تصفية الثورة الفلسطينية، العقبة الكبرى، في طريق الحل الصهيوني – الامبريالي.

وثالثاً: لأن لبنان – دولة الفسيفساء الطائفية والعرقية – كان يتدرج صعداً في طريق الوحدة الاجتماعية الصاهرة كل الطوائف والأعراق مثالاً يتحدى الدولة "العنصرية العبرية"، مما أوجب إلغاء هذه التجربة الرائدة تفتيتها وبعث مدافن النعرات فيه لتفشيل دعوة المقاومة لقيام "فلسطين الديمقراطية".


وكانت المفاجأة المذهلة "الحركة الوطنية اللبنانية":
أولاً: لأنها قامت في لبنان الماركنتيلي، لبنان الخدمات. وسجلت نموذجاً نضالياً متقدماً على كل الحركات التقدمية في العالم العربي، وتحملت وحملت جماهيرها تضحيات لم يكن يتصور خيال أن بإمكان أحد أن يتحملها.

ثانياً: إنها تلاحمت مع الثورة الفلسطينية وسبقتها في الغيرة على القضية القومية التي تحتل المسألة الفلسطينية فيها مركز الصدارة.

ثالثاً: أنها حملت أعباء "الثورة الفلسطينية" وأخطاءها وتجاوزاتها دون أن تتخلى عن القضية، معتبرة أن دعم القضية هو الطريقة الثورية الوحيدة لإلغاء التجاوزات وإصلاح الأخطاء وإنقاذ القضية الأساسية.

رابعاً: أن "الحركة الوطنية اللبنانية" قامت بين أحزاب وهيئات قومية ووطنية وتقدمية كانت حتى اندلاع الأزمة تتصارع فيما بينها إلى حد التحارب. فوحدها النضال المشترك والاستراتيجية الواحدة وأصبحت نموذجاً متقدماً في العالم كله للنضال الجبهوي المسؤول: بينما كانت الثورة الأم – الثورة الفلسطينية – ولا تزال تعاني من خلافات داخلية، كانت لولا الحركة الوطنية اللبنانية وعلاقاتها الحكيمة وصلت إلى حد التحارب والانقسام.
الذين تعبوا بالأمس ولا يزالون من حمل أعباء الثورة الفلسطينية ومضاعفاتها الخطيرة، فتآمروا عليها وحصروها في لبنان، بدأوا اليوم يتعبون من "الحركة الوطنية اللبنانية" لأنها تصعيد للثورة الأم في أعمق مضامينها وبدأوا يتآمرون عليها.
هذه "الحركة الوطنية"، يصح فيها بالفعل القول "ليس لنبي كرامة في وطنه".
في مؤتمر الشعب العربي الذي انعقد في طرابلس على أثر مبادرى السادات الفاجعة، كانت "الحركة الوطنية اللبنانية" عروس "مؤتمر الشعب العربي" الذي ضم سبعين تنظيماً سياسياً عربياً، ومئة وأربعين تنظيماً شعبياً. ورفض المؤتمرون، عند ذكر الحركة الوطنية اللبنانية، إلا أن يصفقوا واقفين مراراً وتكراراً، ومراراً وتكراراً. فأخذ لبنان بفضل حركته الوطنية بعده الشعبي العربي، والانغراس في وجدان الشعب، والموقف المعبر عن الحق والقيم والتقدم هما المراهنة الباقية، فالأنظمة تتغير وتتبدل، والشعوب وحقيقتها باقية.
في زيارة وفد الحركة الوطنية الأخيرة (22/27/أيار 1978) إلى الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية، والحفاوة التي لقيناها على أرض ثورة الفاتح أحسسنا أننا بين أخوة لنا وبين رفقاء نضال.
في صباح اليوم الأول حظينا بلقاء الرائد ركن عبد السلام جلود الذي عرفه لبنان في أحلك أوقاته ساعياً مؤوناً للمساعدة على حل الأزمة بما يؤمن مصلحة لبنان و"الثورة المقدسة".
وفي مساء اليوم ذاته حظينا بمقابلة قائد ثورة الفاتح الأخ العقيد معمر القذافي الذي فتح لنا قلبه في حوار عقلي مسؤول مؤكداً استعداده للإسهام معنا في كل ما يساعد على نصرة لبنان وسلامة الثورة.
وقد لقينا من سيادة الأخوين المناضلين القذافي وجلود تطابقاً في الموقف القومي والتقدمي والديمقراطي. وتأكد لنا أن الصعيدين الرسمي والشعبي – وليس هنالك تفريق بينهما في الجماهيرية – إن لبنان – القيمة، لبنان – الحق القومي، لبنان – التقدم والديمقراطية الحق، لبنان – العلمانية، لبنان – القيم الدينية المترفعة عن السلبيات الطائفية، لبنان – الحركة الوطنية، هو هو لبنان الذي يفرض نفسه على كل العرب قوياً ورائداً بدل لبنان الأخ المستضعف الذي يرفع إليه العرب الساداتيون "الثورة المقدسة" لتوأد فيه تحت أنقاض دماره المادي والنفسي.
ميزة الجماهيرية العربية الليبية أن ليس لها مطامع إقليمية في لبنان، ولا مصالح اقتصادية أو استراتيجية فيه، بل بالعكس من ذلك، فهي – بالإضافة إلى أعبائها – تتحمل مضاعفات موقفها القومي الحق والتحرير في المشرق العربي.
ميزتها أنها – وهي البعيدة عن نيران الصهيونية المباشرة – تتعرض بسبب موقفها الصامد إلى لفحات نيران حليفتها الامبريالية العاتية:
ميزتها – وهي المستكفية والغنية قطرياً – أنها تعرض ذاتها للأخطار والتضحيات في سبيل الحق القومي والتقدمي.
ميزتها – وهي المحاطة جنوباً بالتدخل الامبريالي في تشاد وأفريقيا، وفي الشرق لتهديدات السادات واعتداءاته كلما واجه فشلاً، وفي الغرب، وعلى شاطئها الطويل تقابل الامبريالية الأوروبية الغربية والأسطول السادس – ميزتها أنها بالرغم من كل ذلك تقف صامدة وتقيم على أرضها مؤتمر الشعب العربي وقمة الصمود والتصدي الأولى في وجه مبادرة السادات الاستسلامية. فتغامر بكل شيء في سبيل الموقف العربي المبدئي الثابت وتكون قاعدة صلبة للنضال القومي والوحدوي والتحرري العالمي.
ميزتها ْنها تستقبل "الحركة الوطنية اللبنانية" وتصدر معها بياناً مشتركاً رسمياً لتؤكد احترامها وتأييدها لخطنا القومي والتقدمي ونضالنا الصادق والتي يجدر بكل العرب القوميين والتقدميين أن يفاخروا بها تأكيداً بأن أصالة الشعوب الحية تتحدى المحن والكوارث مهما عظمت وتأكيداً بأننا رغم نكستنا لا بد سائرون إلى نصر قضيتنا الحق في وجه الصهيونية والامبريالية والرجعية العربية.
فإلى الجماهيرية العربية الليبية وإلى قيادتها الثورية تحية التقدير والشكر من الحركة الوطنية اللبنانية ومنها الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي سبق، وحظي قبل ثمانية أشهر بلقاء مماثل وبيان مشترك رسمي مماثل.(انتهى)
ـــــــــــــــــ


 

 


 (الوطن العربي العدد 128 )
رواية دبلوماسية عربية
الصدر محتجز في مدينة سبها الليبية

  تنتشر في الاوساط المهتمة باستقصاء مصير سماحة السيد موسى الصدر رواية ربما كانت تلقي اول ضوء موضوعي على مصيره الغامض، و مفاد هذه الرواية التي تؤيدها بعض الجهات الدبلوماسية العربية بشكل غير مباشر ان الزعيم الروحي للطائفة الشيعية في لبنان  و الصحفي الاستاذ عباس بدرالدين والشيخ محمد يعقوب يقيمون في معسكر اعتقال صحراوي في الجنوب الغربي من مدينة سبها اللليبية في منطقة عسكرية محظورة ،على كثب من حدود تشاد .
   و المعسكر عبارة عن مخفر سابق للهجانة احيط بسياج من الاسلاك الشائكة و افرزت لحراسته ثلة من الحرس الصحراوي تنتمي الى قبائل الطوارق و لاتتكلم العربية الا بصعوبة .و تخضع هذه القوة لامرة ثلاثة من ضباط المخابرات .
   (....) .وقد قادهم ضابط المخابرات بلباقة الى احدى قاعات المطار التابعة للامن العام . و هناك قيل لهم انهم سيتوجهون على سبيل التكريم في سيارة فخمة تنقلهم الى سلم الطائرة مباشرة و قبل كل المسافرين.
   و لكن السيارة الفخمة التي استقلوها مع ثلاثة من ضباط المباحث و التي واكبها ستة من راكبي الدراجات النارية ،بالاضافة الى سيارة جيب و و سيارتي لاند روفر مسلحتين ،لم تتجه الى باحة المطار انما سلكت طريقا فرعيا خرجت منه الى مطار عسكري قريب ،حيث جرى نقل الامام موسى الصدر و صحبه الاستاذ عباس بدرالدين والشيخ محمد يعقوب بالقوة الى طائرة هليكوبتر حملتهم مع ضباط المباحث الى سبها .
   و قد كشف الستار عن مقر اعتقالهم بعد ان استبدل الحرس الذي كان يخفر المعتقل بافراد من النوبيين الذين كانوا يؤمنون الحراسة للماريشال عيدي امين ضيف ليبيا الحالي .و كان السبب في استبدال الحرس السابق ان ضابط المباحث المسؤول عن المعتقل الخاص اكتشف رسالة من الصدر مع حارس طوارقي قبل تهريبها الى تونس لترسل من هناك الى لبنان .و قد صادر الرسالة كما صادر معها رسالة يطلب فيها الصدر اعطاء الجندي مكافأة خمسة الاف دولار .
  و بالنظر الى ان الاراضي الليبية مقفلة عمليا في وجه اي استقصاء يتعلق بالسيد الصدر و رفيقيه.فان التثبت من صحة هذه الرواية قد يتطلب بعض الوقت اذا استمرت المصادر الدبلوماسية التي تعرف شيئا عن حقيقة الموضوع معتصمة بالصمت الذي تفرضه اعتبارات المحافظة على سلامة علاقاتها مع نظام القذافي.
   و ....

___________________________________


 

الحكم الذاتي مؤامرة على الأرض والشعب


الحوادث

مشروع الحكم الذاتي الذي جاء في اتفاق "كامب ديفيد" لا يختلف في جوهره عن مشروع حكومة "ليكود" الذي قدمه بيغن إثر زيارة أنور السادات للقدس المحتلة في كانون الأول 1977.
فالمشروعان يلتقيان على تجاهل منظمة التحرير الفلسطينية، وحق تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني، وفي قيام الدولة الفلسطينية وسيادته عليها، وكان ما أراده أطراف الحلف الجهنمي الثلاثي "كارتر والسادات وبيغن". هو الحيلولة دون قيام دولة فلسطينية. فكان المشروع المؤامرة الذي اسمه "الحكم الذاتي".
إن الحكم الذاتي الذي يروج له البعض، يستهدف في زرع الشقاق بين الشعب الفلسطيني، وإلهاء العرب وغير العرب في تسميات ومشاريع وهمية لا أمل لها في الحياة، وضرب الشخصية الوطنية الفلسطينية وحقها في التحرير والعودة.
ولقد لخص شموئيل تامير وزير العدل الصهيوني "آفاق" الحكم الذاتي عندما صرح لراديو العدو: "إن من يعتقد بأن الحكم الذاتي يعني إقامة دولة فلسطينية ثالثة بيننا وبين الأردن. وأن الحكم الذاتي يعني انسحاب جيش الدفاع الإسرائيلي من المناطق، ويعني سحب المستوطنات والمستوطنين من يهودا والسامرة وقطاع غزة، فإنه يعيش بالأوهام، ومن الأفضل أن يتحرر من هذه الأوهام".
أسس حكم الإدارة الذاتية:
ويقوم مشروع بيغن للحكم الذاتي على المبادىء والأسس التالية:
- قيام حكم ذاتي إداري في الضفة الغربية وقطاع غزة.
- إلغاء الحكم العسكري!
- انتخاب مجلس إداري من 11 عضواً مدة ولايته 4 سنوات.
- المسائل الإدارية من صلاحيات المجلس الإداري.
- السلطات الإسرائيلية معنية بشؤون الأمن والنظام العام.
- للسكان حق الاختيار بين الجنسية الأردنية والجنسية الإسرائيلية.
- قيام لجنة مشتركة إسرائيلية – أردنية – "فلسطينية".
- تتمسك إسرائيل بحقها ومطلبها في السيادة على الضفة الغربية وقطاع غزة.

ومن الملاحظ أن هذا المشروع يرتكز على مسألتين بارزتين:
أولاً: الحكم الذاتي لن يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية.
ثانياً: تحتفظ إسرائيل بحق المطالبة بالسيادة على الضفة والقطاع. وقد أكد مناحيم بيغن بأن الحكم الذاتي لا ينطوي على أية سيادة. وهو حكم إداري لا سياسي، وحول مستقبل القدس قال: أما بالنسبة إلى القدس فهي عاصمتنا الأبدية، وهي غير قابلة للتقسيم ولن يكون هناك حدود تفصل الضفة وإسرائيل".

ملاحظات حول مشروع بيغن
إن مشروع بيغن للحكم الذاتي واضح المعالم والأهداف، فهو يؤكد على حق إسرائيل في السيادة على الإدارة الذاتية. وعلى دور جيش إسرائيل في الحفاظ على الأمن والنظام. وفي حماية اليهود ومستوطناتهم المنتشرة في قلب وأطراف الضفة الغربية.
ويعطي المشروع الحرية لليهود في المسكن وإنشاء المستوطنات وشراء الأراضي، والسيطرة على مصادر المياه كما يسمح للجيش الإسرائيلي في السيطرة على أية أرض يحتاجها، والمشروع أعطى إسرائيل كل الصلاحيات، وحرم الفلسطينيين من أي شيء، حتى من حق إنشاء جهاز أمن محلي أو إدارة الأراضي.
إن صلاحيات الفلسطينيين في الإدارة الذاتية، تتلخص في الإشراف على المؤسسات والمصالح المدنية التي لا تشكل خطراً على مخططات إسرائيل التوسعية، وهذا الإشراف لا يتعدى الجانب المعنوي في حين بقيت الجوانب التقريرية والتنفيذية بيد السلطات الصهيونية.
ولذلك فإن مشروع الحكم الذاتي، لا يعطي الفلسطينيين سوى "لجنة اجتماعية" ذات هيكلية هشة، فارغة المضمون، حتى أن صلاحيات البلديات الموجودة في الأرض المحتلة أوسع وأشمل من هذا المشروع – المؤامرة.

كامب ديفيد والحكم الذاتي:
أما مشروع الحكم الذاتي الذي اتفق عليه في كامب دايفيد فيدعو إلى:
1 – انتخاب سلطة حكم ذاتي ولكن بإشراف الإسرائيلية.
2 – تجاهل مؤتمر كامب دايفيد منظمة التحرير الفلسطينية، كممثل شرعي وحيد للشعب العربي الفلسطيني.
3 – أعطى الاتفاق الحرية للقوات المسلحة الإسرائيلية بالتواجد في "مواقع أمن معينة" والاشتراك في دوريات إسرائيلية – اردنية مشتركة، وإنشاء مراكز مراقبة لضمان أمن الحدود.

المرحلة الانتقالية:
أما في الفترة الانتقالية، والتي حددت بخمس سنوات فلم يوضح الاتفاق مستقبل الضفة الغربية وقطاع غزة لكنه دعا إلى قيام "تفاوضات" بين ممثلي الأردن وإسرائيل "وسكان" في الضفة الغربية وقطاع غزة بشأن "معاهدة السلام"، على أن تتركز المفاوضات على أساس جميع النصوص والمبادىء لقرار مجلس رقم 242.
(والمعلوم أن قرار 242 يتجاهل الحقوق الوضع للفلسطينيين ويعتبرهم لاجئين).
ويركز الاتفاق الساداتي الإسرائيلي على اتخاذ الإجراءات والتدابير لضمان أمن إسرائيل، وأن يكون دور مثلي الأردن وإسرائيل وسكان من الضفة وغزة من وصاية وإشراف.
هذا بعض ما جاء في اتفاقية الخيانة بين أنور السادات ومناحيم بيغن.

الموقف الفلسطيني من الحكم الذاتي
ولقد أدركت منظمة التحرير الفلسطينية حقيقة المؤامرة الثلاثية، فأعلنت رفضها للحكم الذاتي المزعوم، كما وأن ردود الفعل العنيفة من جانب حماهير الأرض المحتلة قد تجلت في الإضرابات والمسيرات الشعبية معلنة رفضها للحكم الذاتي، مؤكدة ولائها التام لمنظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
وعقدت سلسلة مؤتمرات في حنينا والقدس وبيرزيد وبيت لحم وغزة ونابلس وغيرها، مؤكدة على ضرورة الوحدة الوطنية، والتفاق كل القوى الوطنية الرافضة لنهج السادات الخياني، داعية إلى حشد كل الطاقات والجهود من أجل تحقيق الحقوق الوطنية المشروعة.
إن مؤامرة الحكم الذاتي هي مظهر من مظاهر إعلان سياسة الحلف الثلاثي "كارتر، بيغن والسادات" ولن يكون مصير هذه المؤامرة أفضل من مصير مثيلاتها التي أسقطتها الجماهير العربية.(انتهى)

_______________________________________

 

.الشيخ محمد مهدي شمس الدين و هو يتحدث الى فضلو هدايا و صبري يحيى
في حوار هادىء و صريح..الشيخ محمد مهدي  شمس الدين:
إيران وعدت بالتحري عن الإمام الصدر
وسيكون الرد بحجم ثورتها
      (مصحح)
(الجمهور في 12 نيسان 1979 الصفحة 12)

• الذي استطاع ان يزيل عرشا عمره 2500 سنة قادر على فعل أي شيء
• أرجو ان لا يعتبر المسؤولون العرب المعنيون بقضية الإمام انهم أدوا واجبهم فيها وأصبحت المهمة في يد الايرانيين
• إذا كان توطين 200 ألف فلسطيني أحد أسباب إخفاء الامام, فإن هذا الإخفاء لن يحقق أهدافه..
• الاعلام الاجنبي يعتمد التشويه والتشويش بالنسبة لما يجري في ايران.. وليطمئن الجميع.. فالثورة استقرت

اجرى الحديث: فضلو هدايا و صبري يحيى

   أين اصبحت قضية الامام موسى الصدر؟ ماذا عن العامل الايراني الجديد الذي دخل على هذه القضية؟ ما حقيقة ما يشاع حول توطين 200 ألف فلسطيني في الجنوب؟


ماذا عن زيارته الاخيرة الى ايران, وما هي أبرز المواضيع التي بحثها مع الامام أية الله الخميني وزعماء الثورة هناك؟ ماذا عن القمة الروحية المزمع عقدها, وهل صحيح ان عملية بيع الاراضي في الجنوب زوبعة في فنجان؟
 

   هذه الاسئلة وغيرها حملناها الى الشيخ محمد مهدي شمس الدين, نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى بحثا عن الاجوبة الشافية. والحديث الذي استغرق ساعتين ونصف الساعة جرى في منزله بشارع رأس النبع, وكان يقطعه بين وقت وأخر رنين الهاتف حيث كان على الطرف الاخر من الخط بعض المستفسرين عن جملة من القضايا.

وكان السؤال الاول البديهي:
* أين أصبحت المساعي المبذولة لمعرفة مصير الامام موسى الصدر, وما هي حقيقة قصة اختفائه؟
قال سماحته:
- القصة شديدة الوضوح ولم يعد فيها كثير من الخفايا, بل أصبح الجميع على دراية كافية بالجانب الاكبر من تفاصيلها وملابساتها. أما عن الجهود المبذولة بشأنها, فقد كان الاعتماد على المساعي العربية التي لم تحقق تقدماً يذكر على هذا الصعيد, بالرغم من مضي مدة طويلة, وبالرغم لما نعتقده من توفر عنصر الاخلاص والجدية.
   ولا استطيع أن أحدد الاسباب التي جعلت الجهود العربية غير فعالة في هذه القضية.
بطبيعة الحال دخل عامل نوعي جديد على الموقف بالنسبة لقضية الامام هو العامل الايراني الذي تأكدت من أنه يتعامل مع هذه القضية من موقع مبدئي وليس من مواقع سياسية.
   وما أرجو أن يتم في هذا الشأن هو الا يعتبر المسؤولون العرب المعنيون بقضية الامام أنهم أدوا واجبهم فيها وأصبحت المهمة في أيدي الايرانيين. فمن الضروري أن تستمر الجهود العربية وتتكامل مع الجهد الايراني, وهذا ما يحملني على توقع أن تؤدي هذه الجهود المتكاملة الى نتيجة.
   والحقيقة أنه لا توجد معلومات محددة يمكن الركون اليها والثقة بها بشكل مطلق حول مصير الامام. فالقضية لا تزال تراوح مكانها دون ان تحقق أي تقدم في هذا الشأن على صعيد المعلومات.


• يقال ان احد أسباب إخفاء الامام هو توطين 200 ألف فلسطيني في الجنوب. فما هو رأيك؟
- لا أستطيع ان أؤكد سببا معينا بذاته لإخفاء سماحة الامام. كل الاسباب السياسية واردة. وربما يكون هذا السبب الذي ذكرت من جملتها. ولكن لي تعليقا على هذا القول وهو انه إذا كان في التوجهات الدولية أو في بعض التوجهات العربية شيء من هذا القبيل, فأنه لن يمر, لأن الادارة الشيعية والوطنية لن تسمح به, والطائفة الاسلامية الشيعية ستحاربه بكل أسلوب وبكل وسيلة.          ومن هنا, فإذا كان هذا سببا لإخفاء الامام, فإن هذا الاخفاء لم ولن يحقق أهدافه, ومن ثم فلا فائدة لمن أخفوه أو تعاونوا على إخفائه, بل اعتقد ان وعي الجنوبيين للخطر المحدق بهم من هذه الزاوية قد ازداد وتعمق, مما يدفعهم الى مزيد من الحذر والتشكيك في كل تطمين أو تهدئة سياسية تقال لهم.
وموقف الجنوبيين من هذه القضية, كموقف قياداتهم, ليس قابلا للمساومة أو المهادنة لأن هذه القضية, قضية التوطين, اذا كانت صحيحة تشكل خطراً وجوديا عليهم, وعلى لبنان, وعلى القضية الفلسطينية..

• حتى الان اقتصر تحرك المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى على الخطوات الدبلوماسية وبعض التظاهرات. فهل في نيتكم اتباع أسلوب جديد للكشف عن سماحة الامام؟ وهل قطع لكم أية الله الخميني وعوداً صريحة في هذا الحقل؟
- طبيعة المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى تحدد اسلوب عمله في هذه القضية وفي غيرها من القضايا الوطنية والاسلامية, وهو العمل السياسي والدبلوماسي, وتوجيه الرأي العام نحو مصالحة وتنبيهه الى الاخطار التي تواجه الوطن أو أي جزء منه أو أي فئة من فئاته. والعمل بجميع الوسائل السياسية والجماهيرية على ضمان المصلحة العامة ومواجهة الاخطار العامة.
أما لجهة الامام الخميني, فقد عبر مراراً عن تأثره الشديد والصميمي بقضية سماحة الامام (ابني وتلميذي), وتصميمه على أن يعمل بجميع الوسائل الممكنة لهذه القضية.

• ما هو حجم هذه الوسائل؟
- ان حجم هذه الوسائل سيكون بحجم الثورة الايرانية وتصميمها ودرجة عقوبتها. والذي استطاع ان يزيل امبراطورية عمرها 2500 سنة في خلال 15 سنة باستطاعته ان يفعل الشيء الكثير!

• ما هي نتائج زيارتك لإيران, وما هي المواضيع التي تطرقتم اليها؟
- في الحقيقة ان أول الموضوعات وأكثرها الحاحاً كان موضوع سماحة الامام, ان مع أية الله الخميني, وان مع كبار المسؤولين في حكومة الثورة, أو في حكومة الجمهورية الاسلامية, كالرئيس مهدي بازركان ووزير الخارجية السيد كريم سنجابي, ورئيس لجنة التخطيط العليا, وقيادة الحزب الجمهوري الاسلامي, والمراجع العليا, وقيادات الرأي العام. وقد تطرقنا طبعا, الى أحاديث سياسية وفكرية عن الثورة الايرانية بالذات, وعن الاوضاع الراهنة, وآمال المستقبل بالنسبة لإيران الجمهورية الاسلامية.(انتهى)

______________________

 

 

حسين الحسيني العائد من ايران:
معلوماتنا لا تزال تؤكد أن الإمام الصدر حي يرزق
  (مصحح)
(الجمهور 24 ايار 1979 الصفحة 10)

   النائب حسين الحسيني, عاد مؤخراً من طهران, حيث قابل هناك أية الله الخميني وكبار المسؤولين الايرانيين وبحث معهم في أخر تطورات قضية الامام موسى الصدر وصحبه وضرورة كشف كل ملابسات هذه القضية والاسراع في إعادة الامام قبل الوصول الى درجة التصعيد ضد الجهة المعنية بعملية الاخفاء.
   وفي رأي أمين عام حركة أمل ان الامام الصدر وصحبه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين ما زالوا على قيد الحياة, وهذا أمر ثابت لدى النائب حسين الحسيني استناداً الى المعطيات والمعلومات التي توافرت لديه من خلال اتصالاته ومحادثاته مع عدد من المسؤولين في لبنان وسوريا والاردن وايران والجزائر, علما بأن هذه الدول كانت ولا تزال مهتمة بقضية الامام, وهي الان تتابع هذه القضية بديبلوماسية هادئة لتأمين عودة الامام سالماً الى وطنه.
   وطلب السيد حسين الحسيني من السيد عبد السلام التركي توضيحا حول أقواله في المؤتمر الاسلامي بشأن قضية الامام عندما قال: "اسألوا لبنان عن الصدر"( ...) بأعتبار أن توجيه هذا السؤال الى لبنان يخفي أبعاداً خطرة في نظر الرأي العام العربي والاسلامي العالمي.
   ورداً على ما قاله الرائد عبد السلام جلود في طهران من ان الامام قد اغتيل خارج ليبيا قال النائب الحسيني ان الرائد جلود نفى هذا القول وتراجع عنه ولكن بين النفي والتأكيد تبقى الاسئلة وعلامات الاستفهام قائمة حول هذا القول.
   وعلى كل حال فقد مضى على اختفاء الامام وصحبه ثمانية أشهر ونيف, وبعد المراجعات والاتصالات المتواصلة التي اجراها المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى والنائب حسين الحسيني وكبار المسؤولين اللبنانيين والعرب الايرانيين تحولت قضية الامام الى لغز محير. فمن القائل ان الامام لا يزال حياً يرزق و صحبه في ليبيا ولكن الجهات الليبية المسؤولة تؤكد رسمياً سفره على متن طائرة "أليطاليا" الى روما في الرحلة رقم 881, وبالمقابل فإن السلطات  الايطالية نفت وجود الامام في روما أو في اي مكان اخر في ايطاليا وأذاعت هذه السلطات بيانا بهذا الشأن, كما ان شركة "اليطاليا" نفت هي بدورها رسميا سفر الامام على متن طائراتها, اذن أين الامام, وكيف يمكن حل هذا اللغز؟
   النائب حسين الحسيني يقول ان قضية الامام ليست لغزاً, ولم تستطع أية جهة منذ اللحظة الاولى للاختفاء, جعلها لغزاً, بالرغم من ان كل المحاولات كانت تهذف الى إقامة طبقة ضبابية تفصل الرأي العام والجهات المعنية عن الحقيقة.
   هذه الحقيقة لا تحتاج الى اثبات بأعتبارها تستند الى الوقائع والتواريخ.
   ويتابع أمين عام حركة أمل قوله: ان كل المعطيات والمؤشرات المتوافرة لدينا تشير الى ان الامام ومرافقيه ما زالوا أحياء, لذا فإننا نتابع القضية ونواجه مسؤولياتنا تجاهها, وعلى الاخرين أيا كانت ادوارهم في عملية الاخفاء ان يتحملوا مسؤولياتهم كاملة.
   وذكر النائب حسين الحسيني ان الموقف الايراني هو في الدرجات العليا عن التصعيد وسيصل هذا الموقف الى الدرجات القصوى. كما ان قضية الامام انتقلت الى مستوى المعالجة الدولية, بحيث ان البيان الايراني كان واضحاً جداً في المؤتمر الاسلامي الاخير الذي انعقد في مدينة فاس المغربية, كما ان الموقف اللبناني لم يقلل أبداً من اهمية هذه القضية, علما بأن بعض الجهات حاولت بشتى الطرق استخدام أجهزة الاعلام للتقليل من أهمية ما أثاره الوفدان الايراني واللبناني بهذا الصدد.
  وتابع الحسيني قائلا: ولئن كان المؤتمر الاسلامي قد فضل عدم اتخاذ القرار الحاسم بشأن هذه القضية في الوقت الحاضر, لأن أكثرية الاعضاء المشتركين كانوا يرغبون في افساح المجال للجهات المعنية بأخفاء الامام من اجل سرعة العمل لإنهاء هذه القضية, خاصة وان المردود عن هذه القضية ليس سوى أسوأ الانعكاسات على كل الأصعدة.(انتهى)

________________________________________________________

 

 

 

شقيقة الامام الصدر
توضح خطوات الطائفة الشيعية في المستقبل
رباب الصدر:
الامام حي ... أخفوه من أجل التوطين ...
 ولن نسكت بعد اليوم
 ابن اختي الطبطباني كان مسروراً جداً بعد نتائج زياراته للبنان ...


16 – الجمهور/18 تشرين اول 1979

   في اكثر الاحيان, يكون الانسان غير المناسب في المركز المناسب, او الانسان المناسب في المركز غير المناسب.
   ولكن, السيدة رباب الصدر شرف الدين, انسانة مناسبة في المركز المناسب. فهي بالاضافة الى مسؤوليتها عن مدرسة الزهراء, تزاول نشاطات عديدة وعلى عدة اصعدة فعالة لا مجال لذكرها في هذه العجالة.
   اول ما يستشفه المرء حين يراها, اللطف والدماثة,والرزانة, والارادة القوية والصلابة المحببة, بالرغم من لين الطباع الذي تلمسه فور ان تتبادل واياها الحديث. وبما ان الاحداث تتري, على اكثر من صعيد, وكلها مترابطة متداخلة, وقضية الامام لها الصدارة في كل حدث, كان "الجمهور" هذا اللقاء مع شقيقة الامام مدينة الزهراء.
•
السؤال التقليدي الذي نستهل به اسئلتنا, يدور حول مصير سماحة الامام موسى الصدر, أين اصبحت قضية الاختفاء؟
 -لهذا السؤال عدة اجوبة. والجواب عنه يخلتف باختلاف المصدر. فأصحاب القضية, لهم رأي, والذين نفذوا القضية لهم رأي اخر.


•
انا اسألك رأيك انت..
 -نحن اصحاب القضية نعتبر, بل نؤكد, ان الامام بخير, ولكنه محجوز, وطبعاً هناك هدف معين وراء احتجازه.


• برأيك ما هو السبب في احتجازه؟
 -السبب واضح. فالسيد موسى, انسان حر, مستقل, يسير في طريق الله, يدعو الجميع للتفاهم, يدافع عن الانسانية, وعن الضعفاء والمستضعفين, وهو جريء صريح لا يهاب سوى الله فقط. كل هذه النضال تجمعت لديه لتكون سبباً في احتجازه.

• فقط من اجل ذلك احتجز؟
 -ان ذلك يشمل الكثير, ولا داعي لشرح التفاصيل, لان كل انسان يعرف الامام, ويعرف اهمية وجوده, خصوصاً في الظرف الراهن. لذلك فابعاده من مصلحة الذين نفذوا المؤامرة.

• يتردد في اكثر من وسط, ان وراء اختفاء الامام رفضه القاطع "التوطين" ما رأيك في ذلك؟
 وبحماسة شديدة.. (شخصية السيدة رباب هادئة, ولا تنفعل بسهولة أجابت:
 -هذا صحيح مئة بالمئة. ولا شك في ذلك ابداً...

• اين وصل التحقيق بالنسبة لاختفاء سماحة الامام الصدر؟
 -التحقيق مستمر, ويجري بعدة طرق. هناك تحقيقات سرية جداً جداً. ولا تحكى للناس مطلقاً.
من نتائج هذه التحقيقات, نعرف ان الامام بخير, ونحن متأكدون جداً بأنه في صحة جيدة, والمساعي طبعاً مستمرة للافراج عنه بسرية تامة.


• لو حاولنا اعادة  تذكير الناس بما فعلتموه وبذلتموه بشأن قضية اختفاء الامام, فماذا تذكرون الناس به؟
 -سأقول  لك رؤوس اقلام فقط, اذ اننا لا يمكن ان نطلع الناس على ما نفعل, لان كل تحركاتنا يجب ان تكون طي الكتمان. المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى. حركة المجرومين "امل". الدولة اللبنانية. كلهم تحركوا, وأجروا اتصالات مع دول عربية وغير عربية, من اجل قضية اختفاء الامام ورفيقيه.
   وهنا, احب ان اذكر, او ... اتمنى على الدولة اللبنانية, ان تبذل مساعي اشد على صعيد اختفاء الامام الصدر. لأنني اعتبر الدولة ابا لكل مواطن. والمواطن حين تعترضه المشاكل والمصاعب, يجب ان يلجأ الى الدولة كما يلجأ الولد الى ابيه في حال احتياجه له. فالدولة هي الاب الحنون للمواطن.


•
اتعتبرين الدولة مقصرة على هذا الصعيد, صعيد اختفاء الامام..؟
 -اقول ما قلت, لا غضبا ولا عتباً .. بل هو مجرد تمن. ثم لا يستطيع احد ان ينكر مدى المشاكل والمصاعب التي تتعرض لها الدولة. ولو كان الامام موجوداً في هذا الوقت, تخفت المشاكل, ولاستطاعت الدولة بمساعدته, ان تلتقي حلولا لكل.. لو لبعض مشاكلها المستعصية عليها..
وحين اظهر تمنياتي على الدولة اللبنانية, في ان تبذل جهوداً اكثر من اجل الافراج عن الامام, فليس ذلك الا لانني اعتبر ان لبنان هو صاحب قضية اختفاء الامام ورفيقيه, اذ ان مشكلة الامام, وقضية اختفائه, سببها لبنان..


•
ماذا تعتزمون القيام به مجدداً بشأن قضية الامام؟
 -التفاصيل, لا داعي لشرحها. ولكن, من المؤكد اننا لن نسكت أبداً, مهما غلا الثمن.
  واعتقد ان الدول المهتمة بهذه القضية, والذين يعملون بها.. ومن اجلها.. يلمحون بأن لا دور للدبلوماسية بعد الان على صعيد قضية اختفاء الامام..

• ماذا يعني ذلك؟
ابتسمت السيدة رباب وقالت بتمهل:
 -الاشخاص الذين قالوا ذلك, يعرفون ماذا تعني كلماتهم..
فقاطعتها قائلة:


•
افهم مما قلت, بأن القضية ستأخذ طابع العنف..
 -انا اقول بأن تصريح نائب رئيس الوزراء الايراني الدكتور صادق طباطبائي يحمل في طياته معاني كثيرة.. ويكفي ذلك.


•
ما هي صلة القربى بينكم وبين الدكتور طباطبائي؟
 -انه ابن اختي, اي ان الامام خاله, وأنا خالته.

• خلال زيارة الدكتور طباطبائي الى لبنان, ماذا كانت مهمته. وما النتائج التي اسفرت عنها زيارته, خلال اتصالاته مع المسؤولين اللبنانيين, والقادة الفلسطينيين؟
 -كانت الزيارة, زيارة رسمية, من قبل الدولة الايرانية, وبأوامر من الامام الخميني, من اجل ان يزور لبنان, ويزور جنوب لبنان, ويرى بأم العين, ما تعرض له لبنان, وبالاخص جنوبه من قصف وحشي وتهجير, وتدمير وخراب, لينقل الى الامام الخميني صورة صادقة عما رأى.
   اما عن اجتماعاته مع المسؤولين اللبنانيين والقادة الفلسطينيين, فقد كانت النتائج مفيدة جداً وبصورة عامة, كانت اللقاءات مثمرة.
  اكثر من ذلك لا استطيع ان اقول, لانني لست مسؤولة لبنانية ولا فلسطينية, ولكن, استطيع ان أؤكد لك, بأن الدكتور طباطبائي, كان سعيداً جداً بنتائج زيارته.


• لماذا قال الدكتور طباطبائي عبارته هذه "ان امن شمال ايران من امن جنوب لبنان"؟
 -هذا الكلام هو الذي قاله, لا انا, وهو يدرك ما قال. ولكني افهم  عليه, وأعرف ما يعني..
  انه يعني ان اليد التي تخرب وتهدم وتشاغب في شمال ايران, هي اليد نفسها التي تخرب وتدمر وتهدم في جنوب لبنان!

• يتردد ان ثمة مشروعاً اميركياً لتوطين الفلسطينيين في جنوب لبنان. ما هي الاجراءات التي ستتخذونها على هذا الصعيد؟
 -الواقع, انني لست مسؤولة رسمية لاتكلم عن ذلك. ولكني كجنوبية, ارفض رفضا باتاً, وبكل ما تحمل كلمة رفض من معنى, ان يأخذ الجنوب منا.
و.. انني كمسلمة, مؤمنة بالقضية الفلسطينية المقدسة, اعرف بأن اصحاب القضية انفسهم لا يمكن ان يقبلوا بالتوطين.
الخلاصة, ان احد من الجنوبيين لا يقبل بالتوطين ابداً, وكذلك فان الفلسطينيين لا يقبلون به. وهنا, اريد ان اضيف بأن المسلمين في العالم كله, والذين يقدسون القضية الفلسطينية, مضى عليهم اكثرمن عشرين سنة, وهم ينادون بالقضية الفلسطينية.
  فهل من المعقول ان يعملوا من الجنوب ... فلسطين ثانية؟ وهل باستطاعة احد ان ينسى الضحايا والشباب الذين يموتون على مذبح القضية الفلسطينية.
   واستطيع ان اؤكد انه بالرغم من عديد المؤامرات التي تحاك حول هذه القضية. وبارغم من جميع القوى العالمية التي تخطط من اجل تنفيذ ما يريدون, اؤمن بأننا لو اتحدنا جميعاً, وآمنا ايماناً قاطعاً بحقنا, ودافعنا عن هذا الحق, لن تعطي جميعا المؤامرات ثمارها لا على صعيد القضية الفلسطينية, ولا على صعيد القضية اللبنانية, ولن تنفذ مآرب الذين حاكوا ويحركون المؤامرة تلو المؤامرة. بل قد نستطيع بهذا الايمان المطلق, وهذي القوى المتحدة, ان نعيد فلسطين عربية, وان لا نخسر الجنوب.


• السيد ياسر عرفات, زار مؤخراً سماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين. هل وصلتكم معلومات حول الاحاديث التي دارت في هذا الاجتماع؟
 -تفاصيل ذلك الاجتماع ليس لدي. ولكن, حين اجتمع الدكتور صادق طباطبائي بياسر عرفات, كنت موجودة.


•
ماذا حصل في هذا الاجتماع؟
 -ما قلته لك حول التوطين, وموقف الفلسطينيين. هذا هو رأي المسؤولين في منظمة التحرير.
  هذا ما دار في الاجتماع. وقد تشعب الحديث, وتطرق الى القضايا الايرانية, ولكني لا املك حق التحدث في هذا الموضوع


• هل لنا ان نعرف اين تقيم حاليا عائلة الامام الصدر؟
 -انهم في لبنان, واولاده ايضاً يتابعون دراستهم هنا . لماذا تسألين؟

• لأن الاشاعات تقول بأن عائلة الامام تقيم في باريس...
 -كلا ...الجميع هنا...

• في اجتماعك بفخامة رئيس الجمهورية الاستاذ الياس سركيس, ماذا حصل؟
 -طبعاً,أبدى اهتمامه بقضية اختفاء الامام. وقد طلبت منه اشياء ..
فقاطعتها قائلة:

• ماذا طلت سيدتي؟
 -ارجوالمعذرة, لا استطيع ان اقول.. طلبت اشياء وعدني فخامة الرئيس بتنفيذها. وليس ندي ادنى شك, بأ، الذي وعد به.. سيتحقق.

• سيدة رباب, هل تريدين ان تضيفي شيئاً؟؟
 تطلعت الي بعمق كبير .. واجابت .. ونظرتها تحكي حكايا غامضة:
 -اذا تكلمت .. سيكون كلامي صارخا .. حادا .. عنيفا .. جارحا..
لذلك اقول فقط:
لا داعي بعد الان للكلام حول قضية الامام موسى الصدر ... لأن العمل سيتكلم.(انتهى)

________________________________________

 

المفتي قبلان يرد على غوقة بشأن قضية الصدر
-----
"الوقائع أثبتت عدم مغادرة الصدر وصحبه الأراضي الليبية
وهناك ملوك ورؤساء دول عربية صرحوا بهذه الحقيقة"
-----
"تصريحات غوقة تأتي في إطار محاولات لطمس القضية
نطالب المسؤولين بأن يتحركوا لأن قضية الصدر قضية وطن"

-----

وكالة أخبار لبنان - بيروت في 14/12/1981
 في السنة العشرون من تاريخ اصدار الوكالة


(ا.ل) – رد المفتي الجعفري الممتاز الشيخ عبد الأمير قبلان على التصريحات الأخيرة التي أدلى بها أمين عام مكتب الأخوة الليبي في لبنان السيد عبد القادر غوقة بشأن قضية إخفاء سماحة الإمام السيد موسى الصدر وصحبه الأستاذ السيد عباس بدر الدين وفضيلة الشيخ محمد يعقوب. وأكد قبلان مسؤولية ليبيا في هذا الإخفاء وأورد بعض جوانب من التحقيقات التي أجريت والتي تؤكد عدم مغادرة الصدر وصحبه الأراضي الليبية. وقال قبلان إن "ملوك ورؤساء عدة دول عربية قد صرحوا بهذه الحقيقة". وأوضح قبلان أن قضية الصدر ليست قضية شخص أو طائفة بل هي قضية لبنان كله باعتبارها "وجهاً من أوجه المؤامرة".

بيان صحافي
جاء ذلك في مؤتمر صحافي عقده المفتي قبلا ن عند الساعة الواحدة بعد ظهر اليوم في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بالحازمية وتلا خلاله البيان الآتي نصه:
 

بسم الله الرحمن الرحيم
حضرات الإخوان الصحفيين ومراسلي وكالات الأنباء.
نرحب بكم في هذه الدار، دار الطائفة الإسلامية الشيعية في لبنان، التي جعلها الإمام الصدر داراً للبنانيين كافة وللمسلمين جميعاً، دون أي اعتبار فئوي أو طائفي، والتي شهدت مواقف الإمام الصدر الأنموذج للإنسان المناقبي المؤمن والملتزم بقضايا شعبه وأمته وقضايا الإنسان في كل مكان، كما شهدت العديد من الاجتماعات التي دعا إليها الإمام الصدر من أجل توحيد القلوب وتوافق الإرادات بين أبناء الوطن الواحد.
إن لقاءنا معكم اليوم، وهو من أجل خدمة الحق والحقيقة في قضية الإمام الصدر، بعد أن تعرضنا مجدداً في الأسبوع الماضي لمحاولات طمس وتشويه من السلطات الليبية وأتباعها، وكان آخر هذه المحاولات في الحديث الإذاعي لعضو السفارة الليبية في بيروت السيد عبد القادر غوقة.
إننا لن نقف في هذا المقام عندما ورد في هذا الحديث عن الدور الليبي في أحداث لبنان وصراعات الغير على أرضه، ولكننا سوف نتناول ما ورد في هذا الحديث عن قضية الإمام الصدر ونقف عند مزاعم السيد غوقة بقوله الآتي:
1 – أن اتهام ليبيا بأنها وراء إخفاء الإمام الصدر يفتقر إلى أدلة..
2 – إن ليبيا عرضت التعاون المطلق في قضية الإمام الصدر، وهي تؤكد استعدادها للمشاركة في الجهود الآيلة إلى الكشف عن مصيره، وتتمنى أن تتحد كل الجهود اللبنانية والعربية والإسلامية لجلاء هذه القضية.

المسؤولية الليبية
أولاً: عن مسؤولية ليبيا في الإخفاء نقول: إن الادعاء الليبي بمغادرة الإمام الصدر ليبيا مع صحبه إلى إيطاليا، كشفت زوره التحقيقات القضائية الإيطالية واللبنانية التي أجريت بتوسع ودقة وتفصيل، وضبطت فيها إفادات شهود عيان في ليبيا وإفادات جميع أفراد الطاقم وبعض الركاب في طائرة أليطاليا التي زعم أن الإمام وصحبه غادروا ليبيا على متنها مساء يوم 31/8/1978 في رحلتها إلى روما، وإفادات مسؤولي الأمن والجمارك الإيطاليين الذين راقبوا نزول ودخول ركاب هذه الطائرة، وإفادات موظفي فندق "هوليداي إن" في روما الذي دخله قبيل ظهر يوم 1/9/78 شخصان ليبيان انتحلا اسمي الصدر وفضيلة الشيخ محمد يعقوب وتركا فيه حقائبهما وجوازي سفرهما.
هذه التحقيقات القضائية، تمكنت بالأدلة القاطعة من كشف الحقائق والوقائع الآتية:
1 – واقعة إلغاء العقيد القذافي فجأة ودون تفسير، موعد اجتماعه بالإمام الصدر وصحبه الذي كان محدداً في منتصف ليل 29 – 30 آب 1978.
2 – واقعة انتقال الإمام الصدر وصحبه في الساعة الواحدة من بعد ظهر يوم 31/8/1978 من فندق الشاطىء في طرابلس الغرب بالسيارات الليبية الرسمية الموضوعة بتصرفهم، للقاء العقيد القذافي بالموعد الجديد المحدد للاجتماع. وعدم عودتهم إلى الفندق الذي بقيت فيه حقائبهم وجواز سفر أحهم السيد عباس بدر الدين.
3 – واقعة قيام موظفين ليبيين بتقديم جوازي سفر الإمام الصدر وفضيلة الشيخ محمد يعقوب، بعد ظهر يوم 31/8/1978 إلى القنصليتين الإيطالية والفرنسية في طرابلس الغرب للاستحصال على تأشيرتي دخول إلى إيطاليا وفرنسا، بالرغم من وجود تأشيرة صالحة على الجوازين لدخول فرنسا، وبالرغم من أن برنامج رحلة الإمام وصحبه وبطاقات سفرهم وتصريحاتهم في طرابلس تحدد كلها وجهة سفرهم بعد مغادرة ليبيا إلى فرنسا مباشرة.
4 – إجماع أفراد طاقم الطائرة التي زعمت السلطات الليبية أن الإمام وصحبه غادروا ليبيا على متنها، وكذلك ركاب الطائرة المستجوبين، إجماعهم على الجزم بأنهم لم يشاهدوا بينهم في رحلة هذه الطائرة شخصاً يلبس الزي الديني أو بأوصاف الإمام الصدر الجسدية المميزة.
وهذا ما جزم به أيضاً عناصر الأمن والجمارك الإيطالية التي راقبت وصول ركاب هذه الطائرة.
5 – إجماع إفادات موظفي وعمال فندق "هوليداي إن" في روما، على الجزم بأن مواصفات الشخصين اللذين دخلا الفندق ووضعا فيه حقائب الإمام وفضيلة الشيخ محمد يعقوب، لا تنطبق على مواصفاتهما.
6 – عدم مطابقة الخط والتوقيع اللذين ملأ بهما الشخصان المذكوران البطاقتين المخصصتين لنزلاء هذا الفندق، على خط وتوقع الإمام وفضيلة الشيخ محمد يعقوب.
7 – اختلاط موجودات الحقائب بشكل يدل على عدم توضيبها من قبل أصحابها، واحتواء هذه الحقائق على أغراض غريبة ومواد مدسوسة.
8 – نزع صورة الإمام عن جواز سفره، ثم إعادتها إليه.

إعلان المدعي العام الإيطالي
هذه بعض وقائع التحقيقات القضائية والأدلة التي قادت المدعي العام الإيطالي إلى أن يعلن في مطالعته بتاريخ 19/5/1979:
- أنه لا يوجد أي دليل يثبت أن الإمام وصحبه غادروا طرابلس إلى روما بطائرة أليطاليا مساء يوم 31/8/1978.
- أنه بالمقابل يوجد عدد من المسلمات بأن الإمام وصحبه لم يغادروا إطلاقاً طرابلس بأية طائرة.
والحقيقة ذاتها التي توصل إليها القضاء الإيطالي، توصلت إليها البعثة الأمنية اللبنانية، وأبلغتها الحكومة الإيطالية رسمياً وخطياً في أيار 1979 إلى الحكومة اللبنانية وإلى المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وإلى عدة حكومات عربية وإسلامية.
وهذه الحقيقة ذاتها أكدتها رئيسة مجلس النواب الإيطالي السيدة نيدل يوتي ورئيس اللجنة الخارجية في المجلس المذكور السيد اندريوتي ووزير خارجية الفاتيكان الكردينال كازارولي للوفد النيابي اللبناني في تشرين الأول 1980 وأعلن ذلك رئيس هذا الوفد السيد منير أبو فاضل في مؤتمره الصحافي ببيروت بتاريخ 14/10/1980.
وملوك ورؤساء عدة دول عربية صرحوا بهذه الحقيقة لأركان المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى.
وكانت الثورة الفلسطينية قد شهدت بهذه الحقيقة وبمسؤولية العقيد القذافي شخصياً في قضية الإمام الصدر وصحبه، ونشرت شهادتها علناً في الصحيفة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية "فلسطين الثورة" العدد 949 بتاريخ 11/21/1979.

العرض الليبي للتعاون
ثانياً: أما عن القول بوجوب توحيد الجهود لجلاء هذه القضية، وبأن ليبيا عرضت التعاون وتؤكد استعدادها في هذا السبيل، فإننا نعيد إلى الذاكرة ما ورد في بيان نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في مؤتمره الصحافي بتاريخ 31/8/1979، حيث أعلن أنه بالرغم من رسوخ القناعة منذ البدء بحقائق الأمور وبمسؤولية السلطة الليبية، فإن هذا المجلس كتم طيلة سنة إعلان قناعته، وبقي حريصاً على التعاون مع الجميع في لبنان ومع كبار المسؤولين في الدول العربية والإسلامية، في سبيل إنجاح المساعي الهادئة الهادفة إلى وضع حد سليم للقضية، وبذل جهداً موفقاً في الحيلولة دون بلوغ ذوي النيات السيئة والأيادي العابثة مبتغاهم في استغلال القضية لشق الصف الإسلامي والوطني.
هذا الموقف، قوبل من السلطات الليبية بعدم التجاوب وبالتمادي في الاستهتار بالمشاعر والمقدسات، وبمواصلة محاولات التضليل والتمويه.
ومنذ البدء، رفضت السلطات الليبية بتاريخ 14/9/1978 السماح للبعثة الأمنية اللبنانية بدخول أراضيها، في الوقت الذي مكنت فيه السلطات الإيطالية هذه البعثة من تنفيذ مهمتها في إيطاليا باستقصاء الحقائق.
أما البيان الرسمي الذي أصدرته السلطات الليبية بتاريخ 17/9/1978 والحوار الذي تم مع العقيد القذافي بتاريخ 21/9/1978 في دمشق، وكتاب السفارة الليبية إلى المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بتاريخ 28/9/78، وتصريحات وأجوبة المسؤولين الليبيين في أوقات لاحقة وفي مناسبات مختلفة، في الاجتماعات المغلقة وفي المؤتمرات والأندية والمقابلات الصحفية، فكانت كلها تهدف إلى التضليل، إنما بأشكال مختلفة، وأحياناً يظهر التناقض والاضطراب على النحو المألوف عند عدم الالتزام بالصدق والحقيقة.
وعندما دعت إيران لعقد اجتماع في سفارتها بباريس بتاريخ 6/8/1979 لبحث قضية الإمام الصدر، حضر جميع المدعوين باستثناء ممثل ليبيا (السفير الليبي في باريس) الذي امتنع عن الحضور.
وأصرت السلطات الليبية على متابعة التضليل ومحاولة طمس القضية بالضغط الذي مارسته على الحكومة الإيطالية وبتلفيق تحقيق ليبي مزيف قدمته إلى السلطات الإيطالية في شباط 1980، ثم بإنفاق الأموال بسخاء في الساحة اللبنانية وخاصة في مناطق المحرومين ولشراء بعض الضمائر والأصوات..
ننتهي في حديثنا إلى القول أن القناعات في العالم كله مكتملة بمسؤولية السلطة الليبية في إخفاء الإمام الصدر وصحبه في ليبيا، وأنه لن يفيد هذه السلطة التمادي في محاولات التضليل والتنصل من المسؤولية، وكفاها تصريحات ومقولات كتلك التي أوردها مؤخراً السيد غوقة في حديثه الإذاعي.
ونكرر في الختام أن قضية الإمام الصدر ليست قضية شخص أو طائفة، بل هي قضية لبنان كله باعتبارها وجهاً من أوجه المؤامرة التي تعصف به منذ حوالي سبع سنوات. وهي قضية من القضايا المهمة التي يسأل عنها قادة العرب والمسلمون، لما تشكله من جرح نازف في الصف العربي ومن انتهاك لمبادىء الإسلام وشعائره ومقدساته.

أسئلة وأجوبة
س: ما رأي المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بما قيل عن إعدام 1500 أسير عراقي؟
ج: هذا الخبر عار عن الصحة. وفي إيران حوالي سبعة آلاف أسير عراقي يعاملون كما يعامل الأسرى وحسب المواثيق التي ترعى ذلك. وما أعلن عن قتل الأسرى غير صحيح والذين قتلوا إنما قتلوا في المعارك الجارية وكان من مصلحة الإعلام العراقي أن يقول ذلك لطمس حقائق ومجريات الحرب وإخفاء خسائره الحقيقية في المعارك.
س: ما هي النتائج التي أسفرت عنها عملية خطف الطائرة الليبية بعد ردود الفعل المختلفة عليها؟
ج: إن خطف الطائرة لم يكن عملاً عنفياً وإنما كان عملاً سلمياً وهو إنذار إلى النظام الليبي بأن شباب لبنان والمؤمنين في لبنان لديهم القدرة والشجاعة لأن يطالوا المؤسسات الليبية لتذكير أصحابها أن قضية الإمام الصدر لا يمكن أن تنسى أو نتجاهلها لأنها قضية وطن وقضية الوطن تتمثل في احترام الإنسان وبالخصوص إذا كان الإنسان بوزن الإمام الصدر.
إن خطف الطائرة ليس قرصنة كما قيل ولا عملية إرهابية. حتى احتلال المطار من جماهير تمثل مليوناً و200 ألف نسمة كان عملاً عفوياً لا عن نية سيئة بل لتقول هذه الجماهير للمسؤولين اللبنانيين من أعلى سلطة إلى أدنى مسؤول أن جماهير الإمام الصدر، بل إن الشعب اللبناني كله، بكل طوائفه، هم أهل وأصدقاء الإمام الصدر. ولا يجوز أن تنسب هذه الفئة أنها طائفية ومتعصبة، بل إن الطائفة الشيعية صميمة في لبنانيتها ولا يجوز لأحد أن يشكك في هويتها بل تحركها نابع من قناعتها بأنه برجوع الإمام الصدر يرجع الأمن والاستقرار إلى لبنان والمنطقة. ونحن لن نسكت عن هذه القضية، بل سنلاحق من تجرأ واعتدى مهما كانت الظروف صعبة وحالكة. وعندما قبلنا الانتظار وسكتنا على خطف (اعتقال) الإمام الصدر وصحبه بدأت الأيادي المغرضة والعداوات العربية تتفاعل على الأرض اللبنانية. نحن لا نضمر أي عداوة لليبيا شعباً ونظاماً. ولكن السلطات الليبية اعتدت علينا وضربتنا في الصميم. فعلى المسؤولين اللبنانيين أن يحركوا هذه القضية ولا يجوز أن تنام في أدراج مكاتبهم فيطمأنوننا تارة بالتفاؤل ويتشاءمون تارة أخرى. وإننا ندين كل أعمال الخطف والاعتداء وأية ممارسة سيئة في ربوع لبنان الحبيب.(انتهى)
ـــــــــــــــــــــــــ

ولادة الجمهورية الإسلامية الثانية


وكالة اخبار لبنان في 10 -11-2009
بقلم زاهر بدرالدين


     (ا.ل) – يستمر القتال بين الحوثيين والسعوديين حيث تعتبر المملكة السعودية أن تحرك الحوثيين يهدد أمنها وهي بالتالي تدافع عن نفسها والدليل على جدية المملكة هو قيام طلعات حربية عسكرية على الحوثيين لضرب مواقعهم على الحدود وداخل الأراضي اليمنية. وبلهجة حازمة حذر مجلس الوزراء السعودي برئاسة الملك عبد الله من أنه "لن يتهاون إزاء أي انتهاك سيادي لأراضي المملكة ويترافق هذا الأمر يتبادل الاتهامات لكل جانب من المتقاتلين وإسقاط أسرى لكلا الطرفين...
    أما الرئيس اليمني فقد صرح أن التحديات التي تواجهها اليمن قد فرضت عليه فرضاً.
   هذا دون أن ننسى أن المملكة العربية السعودية قد عبرت عن انقلاب داخلي على الحكم. وبالتالي يمكننا الاستنتاج بأن الأمن في المملكة العربية السعودية يهتز وهذا ليس بأمر مفاجىء وليس صدفة وإنما هو أمر طبيعي وعلينا أن نعلم بهذه النتيجة منذ أن قام الملك عبد الله في زيارة للولايات المتحدة الأميركية عاد يومها منها مستاءاً لعدم تجاوب بوش أو الإدارة الأميركية كما في السابق.
    وفي التفاصيل:

بعد الملك عبد الله: الخلافة في المملكة العربية السعودية
معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى
سيمون هندرسون الخميس 16 تموز (يوليو) 2009
موجز تنفيذي
من المرجح أن تمر المملكة العربية السعودية في السنوات القليلة القادمة، ببعض التغييرات المثيرة في القيادة. فالعاهل السعودي الملك عبد الله هو الخامس من أبناء الملك عبدالعزيز (مؤسس المملكة) الذي يحكم بلاد الصحراء، ولم يبلغ أي من أسلافه سنواته المتقدمة. ويطرح عيش الملك عبد الله عمراً طويلاً السؤال التالي: من سيكون الملك القادم، وكيف يمكن أن يؤثر حكمه على العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية؟ من المرجح أن تكون هذه الخلافة بصورة خاصة، حاسمة بالنسبة لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، حيث أن طبيعة وأسلوب حكم العاهل السعودي المقبل، قد تساعد أو تعوق الأهداف الأمريكية المتعلقة بمجموعة واسعة من القضايا الاقليمية الحاسمة، بما فيها إيران، والعراق، وأفغانستان، وباكستان،
وعملية السلام في الشرق الأوسط، وأمن الطاقة.
إن الأخوة غير الأشقاء للملك عبدالله الذين يتمتعون بنفوذ وقوة هم أرجح من يخلفه وهم: ولي العهد [الأمير] سلطان، الذي هو في الخامسة والثمانين من عمره، ووزير الداخلية [الأمير] نايف، الذي يبلغ السادسة والسبعين. وتفيد التقارير بأن كلاهما مريض. وتمر الخلافة حالياً بين أبناء الملك عبد العزيز (الذي كثيراً ما يشار إليه بـ ابن سعود) من أخ لأخيه؛ بيد أن جيل الأبناء أصبح طاعناً في السن، ويُعتقد أن الكثير من الأخوة، والأخوة غير الأشقاء للملك عبد الله الذين ما زالوا على قيد الحياة، يفتقرون إلى صفات الخبرة اللازمة لحكم البلاد. وكما أن التفاصيل المتعلقة بالنسب الملكي للخلافة في العائلة المالكة السعودية غير واضحة، كذلك هو الدور الذي لم يتم إختباره بعد لـ"هيئة البيعة"، التي أنشئت في عام 2006، والتي تهدف إلى نزع فتيل صراع الخلافة داخل عائلة آل سعود.
ويقوم الملك بدور بارز في صنع القرار السياسي في المملكة العربية السعودية. وبالرغم من أنه يسعى في البداية إلى الوصول إلى توافق في الآراء بين كبار أعضاء العائلة المالكة، إلا أنه يتخذ قراراته إما شخصياً كملك، أو على مستوى الحكومة كرئيساً للوزراء. ومع ذلك، ففي الواقع تنازل العديد من حكام السعودية لأنصارهم الرئيسيين خارج الدوائر الملكية عن الكثير من عمليات صنع القرار في المجالين الذين ميزا المملكة العربية السعودية كقوة إقليمية ودولية: الإسلام والنفط. فالسياسة الدينية، التي يتم تفسيرها على نطاق واسع، تتأثر تأثراً شديداً من [آراء] كبار رجال الدين المسلمين في البلاد، بينما تتأثر السياسة النفطية من قبل التكنوقراطيين في المملكة. ولكن حتى في هذه المجالات الحيوية، يمكن بسهولة أن يصبح صنع القرار السياسي في السعودية – الذي لم يكن أبداً فعالاً أو عملية سريعة - مشلولاً في خضم أزمة خلافة التي [عادة ما] تميز العديد من فترات الحكم القصيرة لملوك كبار السن ومرضى.
وخلال العقد الماضي أو نحو ذلك، خضعت العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية لتقييم جذري، وخاصة منذ الهجمات التي شنت على الولايات المتحدة في 11 أيلول/سبتمبر، حيث كان خمسة عشر إرهابياً من التسعة عشر مواطنين سعوديين. وخلال فترة طويلة من إدارة الرئيس بوش، كانت العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية فاترة: وكثيراً ما يبدو أن القادة السعوديين يقومون بالتركيز على الخلافات مع الولايات المتحدة بدلاً من التقارب معها حول القضايا الاقليمية والاستراتيجية، وخاصة فيما يتعلق بعملية السلام في الشرق الأوسط، وطبيعة تهديد تنظيم «القاعدة»، وغزو العراق والإطاحة بصدام حسين، وأسعار النفط، وصعود إيران كقوة اقليمية.
ولكن مرور الوقت، والركود العالمي في 2008-2009، وانتخاب الرئيس الأمريكى باراك اوباما، ساهمت جميعها في تحسين العلاقات الثنائية. وقد أدى ارتفاع أسعار النفط - عامل مهم في الانكماش الاقتصادي الذي حدث في جميع أنحاء العالم – إلى تعزيز احتياطيات المملكة المالية، مما جعل السعودية لاعباً مؤثراً في المحافل الدولية، يسعى [لاتخاذ] سياسات جديدة للتخفيف من الانهيار المالي العالمي. وقد رفعت جهود الملك عبد الله لتطوير العلاقات بين الإسلام والأديان الأخرى من مكانته الدولية الشخصية. وخلال فترة وجيزة نسبياً، نجح في تطوير علاقات وثيقة مع الرئيس أوباما، الذي زار الرياض في حزيران/يونيو 2009، خلال أول جولة قام بها إلى الشرق الاوسط.
ورغم أن العلاقات الأمريكية السعودية تقوم على أساس مصالح وطنية دائمية وخاصة بين الدولتين، [إلا أن] قيام علاقة عمل وثيقة بين كبار الزعماء السياسيين في كلا البلدين هو أمر أساسي لتطوير روابط ثنائية قوية، ولا سيما بالنظر لأهمية العلاقات الشخصية في النظام السياسي السعودي. بيد، إن إقامة علاقات وثيقة في القمة تتطلب وقتاً وجهداً. وفي الوقت الذي تواجه فيه المملكة احتمال تتويج ملك جديد كل سنتين أو ثلاث سنوات (أو حتى أقل)، يواجه الرئيس الأمريكى احتمال أن يضطر العمل مع العديد من الملوك السعوديين خلال فترة رئاسة واحدة فقط. إن الوقت - الذي لا مفر منه - والذي يتطلب من كل زعيم سعودي جديد أن يتعرف على نظيره الأمريكي، يمكن أن ينتقص في الواقع، من التقدم في جدول الأعمال الثنائي.
إن الحل الواضح للمشاكل المرتبطة باعتلاء "سلسلة" من الأمراء المسنين عرش الخلافة السعودية هي [مبايعة] الأصغر من بينهم ملكاً على البلاد. فهناك عشرون من أبناء ابن سعود الذين ما زالوا على قيد الحياة، ومن بينهم [العاهل الحالي الملك] عبد الله، ولكن الكثير منهم لا يتمتع بالصفات التي تعتبر عادة ضرورية [للمرشح] لكي يصبح ملكاً، بما في ذلك الخبرة الحكومية والمكانة الاجتماعية النسبية لأمهاتهم. إن الاستفادة من الجيل المقبل من القادة المحتملين - أحفاد ابن سعود - تكثر من عدد المتنافسين الأصغر سناً، ولكنها تزيد أيضاً من عدم اليقين لما سيؤول له النسب الملكي للخلافة.
وبالنظر إلى أن السلطة والمناصب هي مركزية داخل مكتب العاهل السعودي، من الممكن أن يكون هناك تنافس حاد بين أبناء العائلة المالكة. فمنذ وفاة ابن سعود في عام 1953 عمل نظام الخلافة على العرش في عدد من الظروف المختلفة؛ من تنصيب ملك جديد على وجه السرعة بعد الوفاة، أو العجز [عن القيام بدور الملوكية]، أو العزل، أو اغتيال الملك السلف. ولكن يبدو من سلاسة انتقالات السلطة في السعودية بأنها تخفي بالفعل منافسات ضارية داخل العائلة المالكة التي غالباً ما تستفحل وتستمر فترات طويلة. وخلال 270 سنة مضت سيطرت خلالها عائلة آل سعود - إلى حد كبير - على الساحة السياسية في شبه الجزيرة العربية، أدت أحياناً خصومات داخلية كهذه إلى حدوث تصدعات في القيادة. ويمكن لوجود خلافة قصيرة الأجل لملوك سعوديين مُرَضى أن يثير شبح قيام عدم استقرار سياسي أو حتى أزمة خلافة في المملكة.
وكما يليق بأسرة تحكم دولة مسماة باسم العائلة الحاكمة لها، يمكن توقع قيام عائلة آل سعود بوضع مصالحها في الدرجة الأولى. ومع وجود خوف فطري من قيام الأجانب بانتهاك صلاحيات العائلة الحاكمة، ستمتعض عائلة آل سعود من أي محاولة [قد تقوم بها] الولايات المتحدة للتأثير على الخلافة في السعودية. وسيشكل ضبط النفس الذي تلتزمه الولايات المتحدة تحدياً واضحاً، لأن المسؤولين الأمريكيين ما يزالون يتخوفون من الأسلوب الذي سيقوم بموجبه الأمراء نايف أو سلطان بحكم المملكة. (إن سمعة الفساد التي يتمتع بها سلطان تحد من شعبيته داخل المملكة، بينما يعتبر نايف [رجلاً] "صعباً").
وبالرغم من هذه الشكوك، من الضروري أن يحتفظ صناع القرار في الولايات المتحدة على علاقات عمل وثيقة مع القيادة السياسية العليا في المملكة العربية السعودية من أجل إدارة المشاكل الاقليمية كالجهود التي تبذلها إيران النووية في توجهاتها نحو الهيمنة الإقليمية، والتهديد الذي يشكله التطرف الإسلامي، وعملية السلام في الشرق الأوسط، وأمن الطاقة. وفي هذا الصدد، يتعين على المسؤولين الأمريكيين بذل كل جهد ممكن لزيادة مثل هذه الروابط العميقة – أي علاقات العمل الوثيقة - مع نظرائهم السعوديين.(انتهى)

الأمير طلال دعا للاسراع بالإصلاحات السياسية وحقوق الإنسان وحرية المرأة
القدس العربي 29-8-2009
دعا الامير طلال بن عبد العزيز آل سعود شقيق العاهل السعودي الراحل فهد بن عبد العزيز الي تسريع الاصلاحات السياسية في المملكة، وقال أنه يفضل أن يكون نائبا منتخباً في البرلمان عن أن يكون ملكاً وأضاف الأمير طلال (70 عاما) في حديث أجرته معه مجلة دير شبيغل الألمانية ينشر هذا الأسبوع أنه يفضل الاستعجال بالإصلاحات السياسية وتطبيق الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية المرأة علي أن يكون ذلك علي مراحل وبناء علي برنامج إصلاحي معلن وملتزم به وفقا لتطلعات الناس. وأكد ضرورة تطوير مجلس الشوري الحالي بالمملكة وإعطائه بعض الصلاحيات في حق المساءلة وإقرار ووضع الدستور والقوانين الخاصة بالانتخابات المقبلة.
وتساءل عن سبب وجود تقدم شعبي في بنغلاديش وبوليفيا أكثر من الشعوب العربية، مشيرا إلي أن الشعوب العربية عموما تحكمها ديكتاتوريات.
وأعرب عن خشيته أن يتحرك المتربصون بها من الداخل لإثارة الاضطرابات وزعزعة الاستقرار والمطالبة بفيدراليات، كما يحدث في العراق، وما يطرح اليوم بلبنان، وذلك إذا لم تبادر الحكومات العربية إلي الإصلاح السياسي.
وشدد في حديثه علي حرية الرأي والكلمة وحق الحرية الإعلامية واحترام مبدأ الشفافية والتخلص من عادة التكتم علي الأمور.
ونبه الي أن المواطنين في المملكة بمن فيهم رجال الدين والليبراليون سيربحون بسياسة الإصلاح وهم مجتهدون ومتفتحون عدا قلة صغيرة متعصبة. وأن الملك عبد العزيز الذي بني المملكة أسسها وحدثها علي أساس كتاب الله وسنة رسوله.
وفي حديث آخر لاذاعة مونت كارلو قال الامير طلال نحن نعتقد انه من الضروري ان نبدأ بالاصلاح السياسي (في السعودية) اي وضع نظام اساسي جديد اي ما يعرف في العالم الغربي بالدستور يكون عقدا اجتماعيا بين الحاكم والمحكوم ويساير الثوابت المعروفة في السعودية من الناحية الدينية ومن ناحية التقاليد الصحيحة وليس التقاليد الدخيلة .
واضاف علينا ان نساير القرن الحادي والعشرين وكل هذه المطالب مشروعة ولا تتعارض مع الثوابت وجوهر الدين الاسلامي .
ودعا الامير طلال الي قيام حكم دستوري مثل الاردن والكويت او البحرين في المملكة معتبرا ان الاصلاحيين السعوديين ارتكبوا هفوة عندما طالبوا بملكية دستورية فقد فسر هذا الامر تفسيرات عديدة فمنهم من فسره علي ان يكون حكما دستوريا مثل الحكم في دول شمال اوروبا وانكلترا اي الملك يملك ولا يحكم وهذا من الصعب جدا ان يكون موجودا في اي دولة عربية علي الاقل في المستقبل المنظور وفي الزمن المتوسط .
كما دعا الامير طلال الي منح مجلس الشوري السعودي الاستشاري بعض الصلاحيات وتحويله الي شبه مجلس تشريعي رقابي له حق المساءلة .
واوضح يجب ان يتطور مجلس الشوري الموجود الان رغم انه غير منتخب لكن فيه عناصر جيدة ومميزة يجب ان تحال اليهم هذه الامور والانظمة المستقبلية ومنها قانون الانتخابات وكل الامور ليدرسها مجلس الشوري ويعطي هذا المجلس بعض الصلاحيات وتحويله الي شبه مجلس تشريعي رقابي له حق المساءلة .
ودعا الي ان يسبق الحكام العرب مطالب شعوبهم ويقوموا بالاصلاحات ويتجنبوا المسيرات والتظاهرات لتفادي الخطر علي الاوضاع في العالم العربي مضيفا نحن نريد قيادات واعية تسبق الشارع في نظرتها المستقبلية.(انتهى)

القدس العربي: حربا الحوثيين والقاعدة تسرعان عملية توريث مختلفة في السعودية
كتب المحرر السياسي في صحيفة القدس العربي: حربان احدثتا انقلابا في خريطة مراكز القوى في المملكة العربية السعودية، ونقلتا السلطة والنفوذ الى الجيل الثاني، اي احفاد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، وهما حرب الحوثيين الزيديين الدائرة حاليا في منطقتي صعدة وعمران شمالي اليمن، وامتدت ألسنة لهبها الى جنوب المملكة، والحرب على 'القاعدة' التي بدأت داخل المملكة، وانتقلت بشكل اكثر خطورة الى اليمن ايضا، حيث يوجد مقر فرعها في الجزيرة العربية بقيادة ابو بصير ناصر الوحيشي.
حرب الحوثيين الدائرة حاليا على حدود المملكة الجنوبية، وتشارك فيها القوات السعودية بمختلف اسلحتها البرية والجوية والبحرية، صعّدت من نجم الجنرال خالد بن سلطان مساعد وزير الدفاع الامير سلطان بن عبد العزيز ونجله (الامير سلطان مريض بمرض عضال ولم يعد الى المملكة منذ عام تقريبا وموجود حاليا في المغرب)، فهو الذي يشرف على المعارك، ويتولى مسؤوليات والده بالكامل.
اما الحرب على تنظيم 'القاعدة' فجعلت من الامير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية، الذي هو والده ايضا، الامير نايف بن عبدالعزيز المسؤول الامني الاول في البلاد، ووزير الداخلية الفعلي، خاصة بعد تعيين والده نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء، وهو منصب ظل شاغرا لعشر سنوات، ومنذ تولي الامير سلطان ولاية العهد. ويعتقد الكثيرون ان الامير نايف اصبح الاوفر حظا لخلافة شقيقه الامير سلطان في ولاية العهد، سواء اذا اصبح ملكا، او انتقل الى رحمة الله.
واللافت ان هذا التحول المتصاعد الوتيرة، اي تولي ابناء الجيل الثاني المناصب الرئيسية التي يشغلها آباؤهم، يأتي على حساب الجيل الاول، ويحدث تغييرا جذريا في عملية التوريث، يتم بهدوء، كفرض للامر الواقع.
العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز يبارك عملية التوريث هذه ويؤيدها، ولكن بشكل تدريجي. فقد فاجأ الجميع عندما سجل اول سابقة في هذا الصدد رسميا عندما عين الامير منصور بن متعب بن عبد العزيز وزيرا للشؤون البلدية والقروية، خلفا لوالده الذي قاطع جلسات مجلس الوزراء، احتجاجا على تعيين شقيقه الامير نايف الذي يصغره سنا، نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء. فمن تقاليد العائلة الحاكمة ان لا يترأس امير اصغر سنا اي اجتماع او مجلس وزراء يشارك فيه من هم اكبر منه سنا.
الملك عبد الله الذي يصفه الكثيرون بالملك الاصلاحي، بات يتجنب اتخاذ قرارات حاسمة تغير المعادلات القائمة على الارض، ويحاول الحفاظ على مراكز القوى، على حالها دون تغيير، الامر الذي صبّ في مصلحة تصعيد الامراء الشبان الى المراكز الاولى مكان آبائهم.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو حول موقف ابناء الملك عبدالعزيز الذين يحتلون مراكز تم تجاوزها من قبل الاحفاد. فالامير عبد الرحمن يحتل منصب نائب وزير الدفاع، والامير احمد يحتل منصب نائب وزير الداخلية، والاميــر سلمان امير الرياض الذي كان يتطلع لمنصب ولاية العهد ويدير شؤون العائلة تراجعت حظوظه فيما يبدو لمصلحة الامير نايف. والحال نفسه ينطبق على الاميرين مشعل رئيس مجلس البيعة، والامير نواف رئيس الاستخبارات السابق، واخيرا الامير طلال بن عبد العزيز الذي لمع نجمه، وكفّ عن المعارضة، بعد ان قربه الملك عبدالله وجعله احد مستشاريه.
هناك ايضا امراء من الاحفاد ينافسون ايضا لتولي ادوار في كعكة الحكم، مثل الامير عبد العزيز بن فهد الذي يتربع على قمة امبراطورية اعلامية ضخمة يديرها اخواله من آل الابراهيم، والمقصود (محطات التلفزة مثل العربية، وام.بي.سي بفروعها المتعددة)، وكذلك الامير الوليد بن طلال صاحب الامبراطورية المالية الضخمة وبعض اذرعها الاعلامية (محطات روتانا)، ولا يمكن نسيان الامير متعب بن عبدالله (مساعد رئيس الحرس الوطني) وشقيقه نجل العاهل السعودي الامير عبد العزيز بن عبدالله بن عبد العزيز الذي بات مبعوثا شخصيا لوالده في امور كثيرة، خاصة الملف السوري.
واذا كانت عملية توريث وزارات الدفاع والداخلية والشؤون البلدية والقروية حُسمت عمليا، فان ما يمكن ان يكون موضع منافسة هو منصب ولي العهد. فهل سيرث الجنرال الامير خالد بن سلطان والده في ولاية العهد، مثلما ورث منصبه في وزارة الدفاع؟ وهل سيتولى هذا المنصب الامير محمد بن نايف اذا اصبح والده وليا للعهد لحدوث اي مكروه للامير سلطان، او انتقل لتولي منصب الملك في المستقبل في حال شغوره؟
يظل من الجائز القول ان الوصول الى مثل هذه النتائج والتساؤلات امر ينطوي على بعض التسرع، فمسألة التوريث ما زالت في بدايتها، وكذلك الحربان على الحوثيين والقاعدة. فأي انتكاسة في هاتين الحربين ربما تنعكس سلبا على بـطليها، كل على انفراد او الاثنين معا، خاصة ان اطرافا خارجية وقوى اقليمية متورطة فيها، وهذا ينطبق بشكل ادق على الحرب مع الحوثيين.
ما يمكن استخلاصه حتى الان، ان الجناح السديري في الاسرة بدأ يستعيد قواعده، ويرجح كفته من خلال صعود نجم ابنائه، وتوليهم اهم مركزين في الدولة وهما الامن (محمد بن نايف) والدفاع (الامير خالد بن سلطان) حيث الاسلحة والدبابات والطائرات والميزانيات الضخمة.
المملكة العربية السعودية مقدمة، في تقديرنا، على ملفات ساخنة جدا، فالحرب على الحوثيين حتى لو حُسمت في جبل دخان او غيره، بسبب الفارق الضخم في موازين القوى، فانه من الصعب القول ان خطرها سينحسر. فهذه الحرب ربما تستمر لسنوات طويلة، تكون بمثابة استنزاف للمملكة بسبب وقوف ايران خلفها، حسب الاتهامات اليمنية الرسمية. والشيء نفسه يقال ايضا عن حرب 'القاعدة' ضد النظام السعودي بعد ان وجدت 'قواعد' لها في الجوار اليمني حيث تنجرف اليمن الى مصاف الدول الفاشلة بسرعة، الامر الذي يجعل مستقبل اميري هذه الحرب متوقفا على نتائجهما سلبا او ايجابا، مع الاخذ في الاعتبار ان النفوذ الايراني في تصاعد في شمالي المملكة اي جنوب العراق، وفي بعض دول الجوار الخليجية، وفوق كل هذا وذاك ما زال احتمال حدوث مواجهات في موسم الحج واردا.(انتهى)

نظام "هيئة البيعة" الحارس الجديد لحكم آل سعود
شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء 31 تشرين الاول/2007 - 19/شوال/1428
شبكة النبأ: فيما يحمل معاني مزدوجة تتأرجح بين التنظيم السلطوي وبين محاولات اصلاح خجولة  أقرّ العاهل السعودي في الايام الاخيرة من شهر رمضان الفائت، اللائحة التنفيذية لنظام "هيئة البيعة"، الذي كان قد اصدره في الشهر نفسه من العام الماضي، لتنظيم عملية الخلافة السياسية، وهي خطوة رأى فيها مراقبون اجراءا اصلاحياً يهدف الى مَأسسة الحكم وتطوير الدولة، بينما عدّها آخرون مجرد تدبير يقصد منه توطيد دعائم الحكم عن طريق درء الصراعات المستقبلية على السلطة بين ذرية الملك عبد العزيز.

مأسسة انتقال الحكم
المملكة العربية السعودية هي الوحيدة من بين الأنظمة العربية الملكية (في المغرب والأردن وأخيراً في البحرين)، التي لم يكن يوجد لديها قواعد قانونية مدونة تنظم عملية توريث السلطة في العائلة المالكة.
فعدم وجود دستور للمملكة جعل العملية تعتمد على التوافق بين الأقطاب النافذين من الأبناء الذكور للملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، مؤسس الدولة السعودية الحديثة عام 1932.
ومن جهة ثانية، فإن توريث الحكم لدى آل سعود يختلف عن باقي الأنظمة الوراثية العربية، في أن المُلك ينتقل من الأخ إلى أحد الإخوة، وليس من الأب إلى أكبر الأبناء. حسب تقرير للـCNN.
وهذا ما أدى إلى نشوب صراعات بين الإخوة على الحكم، كما حصل في ستينيات القرن المنصرم، حينما نازع الأمير فيصل، الملك سعود على الحكم، مما قاد في نهاية المطاف إلى خلع الثاني عن العرش، بدعوى عدم أهليته للحكم، أو كما حصل في أواسط السبعينيات، حينما أقدم أحد أبناء أخ الملك فيصل على قتله.
وتطويراً للنظام السياسي في المملكة، وتقعيداً له، أقر الملك الراحل فهد في العام 1992 ما يسمى بـ"النظام الأساسي للحكم" (الذي يعد بديلاً بدائياً عن الدستور)، والذي نصت إحدى مواده على أنه "يكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء .. ويبايع الأصلح منهم للحكم"، إلا أن النظام لم يحدد الآلية التي يمكن بواسطتها مبايعة الأصلح من العائلة المالكة.
وهكذا، أصدر الملك عبد الله بن عبد العزيز في التاسع عشر من أكتوبر/ تشرين الأول من العام المنصرم، نظام "هيئة البيعة"، الذي تألف من 25 مادة تنظم مبايعة الملك واختيار ولي العهد.
وبرغم أن تطبيق النظام الجديد سيؤجَّل إلى ما بعد جلوس ولي العهد الحالي الأمير سلطان بن عبد العزيز على العرش، إذ نص النظام على أن أحكامه "لا تسري على الملك وولي العهد الحاليين"، فإنه مع ذلك اُعتبر بنظر الصحافة المحلية "تأطيراً مؤسسياً للحكم، وآلية واضحة تضمن انتقالاً سلساً للسلطة."
فبمقتضى النظام الجديد تتشكل ما تسمى "هيئة البيعة" من أبناء الملك المؤسس عبد العزيز، وإذا كان أحدهم "متوفى أو معتذراً أو عاجزاً بموجب تقرير طبي"، فإن الملك يعين أحد أبنائه بدلاً منه، بالإضافة إلى تعيين الملك اثنين آخرين، واحد من أبنائه، والآخر من أبناء ولي العهد، ويتولى رئاسة الهيئة "أكبر الأعضاء سناً من أبناء الملك المؤسس." 
ووفق النظام الجديد أيضاً، فإن الهيئة هي التي تقوم بالدعوة إلى "مبايعة ولي العهد ملكاً على البلاد"، عند وفاة الملك.
وإن كان النظام الأساسي لسنة 1992 قد أناط بالملك وحده اختيار ولي العهد (الذي هو بالضرورة الملك المقبل)، فإن نظام البيعة قد جعل القرار النهائي فيما يخص اختيار ولي العهد بأيدي مجموع الأمراء الأعضاء في الهيئة.
فأعطى الملك حق "ترشيح واحد أو اثنين أو ثلاثة لمنصب ولي العهد"، لكنه أناط بالهيئة حق الموافقة على مرشح الملك (أو أحد مرشحيه) لمنصب ولاية العهد، وفي حالة عدم إجازة الهيئة لمرشح الملك (أو أياً منهم)، فعليها ترشيح من تراه للمنصب، وفي حالة عدم موافقة الملك على مرشح الهيئة، يحسم أمر اختيار ولي العهد بالتصويت.
ولتفادي تكرار ما حصل في العقد الأخير من عهد الملك الراحل فهد، حين كان عاجزاً عن ممارسة سلطاته لأسباب صحية، منح النظام الجديد الهيئة صلاحية تكليف اللجنة الطبية (المبينة شروطها في النظام نفسه)، بإعداد تقرير طبي بحالة الملك الصحية، فإذا أثبت التقرير عدم قدرة الملك على الحكم بصورة دائمة "تدعو الهيئة إلى مبايعة ولي العهد ملكاً على البلاد."  
ولمنع حدوث أي فراغ دستوري نتيجة لعدم قدرة الملك وولي عهده على ممارسة سلطاتهما معاً لأسباب صحية، أو لوفاتهما في وقت واحد، نص النظام - ولأول مرة في تاريخ الدول السعودية - على تشكيل مجلس حكم مؤقت من خمسة أعضاء من الهيئة لإدارة شؤون الدولة بصفة مؤقتة، على أن تقوم الهيئة خلال أسبوع "باختيار الأصلح للحكم من أبناء الملك المؤسس وأبناء الأبناء."

لا صوت للشعب في اختيار الحاكم! 
وإن كانت شؤون العرش والخلافة السياسية في السابق تدور في أروقة البلاط الملكي، بمعزل عن الناس، فإن النظام المستحدث أخضع كل مداولات هيئة البيعة للسرية المطلقة، لدرجة أن أعضاء الهيئة من الأمراء ممنوعون من اصطحاب جداول الاجتماعات وأية أوراق أخرى خارج مقر الهيئة (وفقاً للمادتين 16 و23 من النظام).
بيد أن نظام هيئة البيعة انطوى أيضاً على نواقص وثغرات، مما استدعى إصدار اللائحة التنفيذية في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
وتتألف اللائحة من 18 مادة، وأهم ما فيها المادة الأولى التي توضح آلية تعيين أبناء المتوفين أو العاجزين من أبناء الملك المؤسس في هيئة البيعة، إذ يطلب الملك من هؤلاء ترشيح اثنين أو ثلاثة ليختار هو واحداً منهم لعضوية الهيئة.
وتحدد المادة الثالثة مدة العضوية بأربع سنوات غير قابلة للتجديد، إلا في حالة اتفاق إخوة العضو على ذلك، بعد موافقة الملك.
كما أن اللائحة نصت في المادة السادسة على أن هيئة البيعة تنعقد بصورة فورية عند وفاة الملك، للدعوة إلى مبايعة ولي العهد ملكاً، بينما حددت المادة السابعة الفترة التي يجب فيها اختيار ولي العهد الجديد، بألا تتجاوز عشرين يوماً.
وينبغي هنا عدم الخلط بين هيئة البيعة (التي لا تنص مواد النظام على عدد أعضائها، لكنها من المتوقع أن تزيد عن الأربعين عضواً)، وبين ما يسمى بـ "مجلس العائلة" (الذي يتألف من 18 عضواً، كما ورد في أحد تصريحات الأمير طلال بن عبد العزيز).
فالهيئة تتشكل عضويتها من نسل الملك عبد العزيز فقط (الأبناء وأبناء الأبناء)، وتضطلع بدور سياسي وتمثل مرجعية للحكم، أما المجلس فيضم ممثلين عن عائلة آل سعود بمختلف مكوناتها، وهم معيَّنون من طرف الملك، وليس لهذا المجلس دور في شؤون الحكم أو السياسة، إنما هو ينظر في شؤون العائلة وقضاياها الداخلية.

إخماد بؤر الصراع على مقاليد السلطة
وقد شدد سياسيون سعوديون على أن نظام البيعة الذي أقره الملك عبد الله "سيشيع سلاماً داخلياً بين أعضاء الأسرة الحاكمة، (كما ورد في تصريح صحفي لمحمد آل زلفة، عضو مجلس الشورى السعودي)، وسيسكِّن الصراعات المكبوتة بينهم."
وعلى نحو أكثر وضوحاً، تذكر المعارضة السعودية والأستاذة في جامعة "كنغز كوليج" بلندن، مضاوي الرشيد، في إحدى مقالاتها المنشورة على موقعها على الإنترنت، أن "الهدف من نظام البيعة، هو تجنب الصراع المخفي حالياً"، بين أبناء الملك عبد العزيز حول الحكم.
وتضيف أن الأسرة المالكة "تخشى من تعيين أحد أبناء عبد العزيز الحاليين في منصب ولي العهد.. وبذلك تحصر الخلافة في نسله هو وحده، مستثنياً بذلك الأجنحة الأخرى في العائلة."
ويدعم هذا الرأي ما تناقلته التقارير الإعلامية الأجنبية بأن عهد الملك الراحل فهد بن عبد العزيز "شهد تغيراً في معادلة النفوذ داخل العائلة المالكة"، إذ تزايد نفوذ جناح معين من الأسرة داخل مفاصل الدولة الحساسة، وغدا له اليد الطولى في توجيه سياساتها.
ويطلق على أفراد هذا الجناح "السديريون"، وهم أشقاء الملك فهد، من أمهم حصة السديرية، أي الأمير سلطان ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام، والأمير نايف وزير الداخلية، والأمير سلمان أمير منطقة الرياض، والأمير عبد الرحمن نائب وزير الدفاع، والأمير أحمد نائب وزير الداخلية، فضلاً عن أبنائهم الموزَّعين على مناصب مهمة في الدولة (بحسب ما جاء في تقرير المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات، "هل تستطيع السعودية إصلاح نفسها؟"، 14/7/2004).
والواقع أنه منذ أن أقعد المرض الملك فهد عن القيام بأعباء الحكم عام 1995، وحتى وفاته في العام 2005، سادت تخمينات كثيرة داخل السعودية وخارجها عن وجود تجاذبات وانقسامات وسط العائلة الحاكمة، وهو ما تأكد أخيراً بتصريحات الأمير طلال بن عبد العزيز، الأخ غير الشقيق للعاهل السعودي، لوكالة الأسوشيتد برس للأنباء.
ووفقاً لصحيفة "الغارديان" البريطانية في الخامس من سبتمبر/ أيلول الماضي، انتقد الأمير ما أسماه "احتكار فئة معينة داخل العائلة الحاكمة السلطة."
وأضافت الصحيفة: "رغم أنه لم يسم أحداً بالاسم، إلا أنه كان يشير إلى أكثر الأمراء نفوذاً، لاسيما ولي العهد الأمير سلطان، ووزير الداخلية الأمير نايف، وحاكم الرياض الأمير سلمان."
ومما يدفع بصحة فرضية صراع الأجنحة، ما ورد في تصريحات الأمير طلال نفسها، حين طالب بفتح تحقيق بريطاني ـ سعودي مستقل في قضية "صفقة اليمامة"، إذ كانت وسائل إعلام أجنبية قد أشارت إلى تورط أفراد ضمن العائلة المالكة السعودية في تلقي رشىً وعمولات لإتمام الصفقة، وألمحت تحديداً إلى الأمير بندر ووالده الأمير سلطان ولي العهد، اللذين ينتميان للجناح السديري. 
وكانت صحيفة "القدس العربي" اللندنية قد أشارت في تعليقها على تصريحات الأمير طلال غير المسبوقة تلك، أنها جاءت رداً على إزاحة الأمير من مجلس العائلة، وإحلال أحد الأمراء السديريين محله، وهو أمير منطقة الرياض سلمان.
ومن جهة أخرى، فإن صدور نظام البيعة، يعني نسخ منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء(الملك)، فهذا المنصب، الذي استُحدث في الستينيات، كان يعد المرتبة الثالثة في تسلسل الحكم، وكل الذين شغلوه تسلموا سدة الُملك بعد خلو المنصبين الأوليين.
فبعد وفاة الملك فهد في أغسطس/ آب عام 2005، ومبايعة ولي العهد حينئذ الأمير عبد الله ملكاً على البلاد، وخلو منصب النائب الثاني بعد تسلم الأمير سلطان ولاية العهد، توقع كثيرون أن يعين الملك عبد الله الأميرَ نايف نائباً ثانياً له، وذلك لنفوذه وخبرته وأقدميته، إلا أن الملك كسر التقليد الذي استمر أكثر من ثلاثة عقود، وأبقى المنصب شاغراً.
وهكذا، يرى محللون، مثل سكوت ماكلويد، مراسل "التايم" في تقريره "الملك السعودي المقبل"، المنشور في 17 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أن الأمير نايف (الذي يعد أحد أقطاب الجناح السديري)، هو "الخاسر الأول من تطبيق نظام البيعة."

المرأة خارج ترتيبات البيعة
وإذ يشرك النظام الجديد الجيل الثاني من سلالة عبد العزيز في صنع قرار الخلافة، فهذا يعني الحد من سطوة الجيل الأول، الذي أصابه الهرم، حيث أن كل أبناء عبد العزيز الأحياء، الاثنين والعشرين أميراً، قد جاوزت أعمارهم السبعين عاماً، ورجحان كفة الجيل الجديد في تولي منصب ولي العهد المقبل.  
إلا أن ما يؤخذ على النظام المستحدث أنه كرس الطبيعة المغلقة للنظام السياسي، كما أبقى تركيز السلطة في أيدي فئة قليلة (أوليغارشية)، هي نسل عبد العزيز، وكرس إقصاء باقي أسرة آل سعود من توجيه دفة الحكم، وخصوصاً أولاد العمومة (أبناء إخوة الملك عبد العزيز)، دع عنك أنه أبقى على إقصاء الإناث عن شؤون الحكم والسياسة.
كما أنه لم يقصِ الشعب عن عملية تحديد شكل الحكم وآلية الخلافة السياسية فحسب، بل إنه لم يشرك حتى النخبة السعودية، السياسية والمثقفة والبيروقراطية، من غير آل سعود.
ومن هنا، جاءت دعوة عبد العزيز بن عثمان بن صقر، مدير مركز الخليج للأبحاث بدبي، والمقرب من العائلة الحاكمة، إلى أن "يأخذ نظام هيئة البيعة ولائحته التنفيذية بُعداً شعبياً، بعد أن تم إقرارهما بشكل رسمي"، حسب ما ورد في مقاله المنشورة على موقع "العربية"، بعنوان "نظام البيعة واستمرارية المشروع الإصلاحي السعودي"، في 18 الجاري.
وعلى أي حال، فإن المراقبين يعدون تأسيس هيئة البيعة استجابة لتحديات مسألة انتقال الحكم، إلا أنها تبقى استجابة "مؤجَّلة"، بسبب أن اللائحة التنفيذية، ونظام البيعة، لا يسريان على الملك وولي العهد الحاليين، ومن ثم فإن الباب سيكون موارباً لاحتمال حصول تطورات أو تحولات في هذا الصدد بالمستقبل.
لذا وبعد كل هذا العرض فاتنا أن نذكر أن في المملكة طبقة فقيرة معدومة الحال اقتصادياً وذلك على حساب العائلة المالكة التي تتكاثر بشكل عشوائي نظراً لتعدد الزيجات وتعدد الأولاد وبيدها كلمة القرار والسلطة والمال والتوجه الاستراتيجي والعلاقات الخارجية والأمن الداخلي إلخ...
إن المملكة العربية السعودية مبنية على أسس من تبن وليس من حجر وليس خفي على أحد أن الولايات المتحدة الأميركية تكره لا بل تبغض نظام المماليك وهذا كان سبب خلافها مع البلدان الأوروبية في الحرب العالمية الثانية وبعدها. وهي التي عرضت النظام الملكي في بريطانيا للاهتزاز في أكثر من مرّة!
وبناءاً عليه فإن الولايات المتحدة الأميركية ستتخلى عن العائلة الحاكمة بالرغم من الإصلاحات التي جاءت متأخرة وترفع يدها عنهم كما فعلت مع شاه إيران المثال في طاعته للولايات المتحدة وإسرائيل لأن المصالح الدولية أقوى من المصالح الشخصية وكانت الولايات المتحدة تراهن على اجتذاب الثورة في إيران نحوها ولكن هذا الأمر لم يحدث!...
أحد أهم سياسات الولايات المتحدة مع الدول الخارجية الحليفة هو تغيير الحكم لإقامة حكم جديد والأهم اتفاقات جديدة تلغي  كل الاتفاقيات الماضية لتبدأ بوضع فواتير بأرقام جديدة.
شاه إيران أكبر عبرة حتى أن الولايات المتحدة رفضت بأن تحط طائرته على أراضيها.
ترى هل ما يحدث الآن بين الحوثيين والسعودية بالإضافة إلى الفقر والحرمان والظلم الطبقي الاقتصادي نظراً للتفاوت الاقتصادي الكبير بين الطبقة الحاكمة وعامة الشعب ستنتهي بإعلان المملكة العربية السعودية على أنها جمهورية إسلامية عربية.
ولما لا فهذا سيعطي إسرائيل سبباً ومبرراً إضافياً لوجودها في المنطقة، بما ينبىء أن العالم العربي مقدم على حالة إسلامية في الحكم الأمر الذي سيلغي أي حق لعودة الفلسطينيين وتوطينهم في مكان وجودهم لأن إسرائيل ستكون القاعدة الموالية والمدعومة مادياً وعسكرياً ومعنوياً من الغرب لمواجهة عالم إسلامي يجهر لها بالعداء في الشرق الأوسط.(
انتهى)
ـــــــــــــــــــــــــــ


 

Last Updated (Thursday, 10 March 2011 13:01)

 
القائمة الرئيسية
  • الرئيسية
  • الأرشيف
  • عن الوكالة
  • عباس بدر الدين
  • قالوا في عباس بدر الدين
  • الصحف اليومية
  • راسلنا
Banner
Banner
حول ملف الإخفاء
  • س س
  • العقيد القذافي
    • ليبيا القذافي
  • لكلمته صولة
  • مطالبات
  • مطالبات - تابع
  • التوطين
  • د.مسيكة :هذه هي وقائع التحقيق
  • التحقيق الايطالي في جريمة الاخفاء
  • من المؤكد
  • قانون انشاء المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى ونظامه الداخلي وملاك موظفيه العام
  • موسى الصدر لماذا هو؟
  • معلومات عن خطف الإمام وصحبه
Banner
للعلم والمعرفة
  • العلمنة
  • الوفاق الذي عاش 30 عاماً
  • مصير لبنان في مشاريع
  • تاريخ قوات حفظ السلام في لبنان
  • الخريطة الاميركية للشرق الاوسط
  • الاستراتيجية الاميركية في المنطقة
  • الثورة الإسلامية الإيرانية
  • طائرة الموت الايرانية
Banner
Banner
Banner
Banner

Copyright © 2010 LNA.
All Rights Reserved.

Designed by MS Graphics.