الرئيسية / News / Latest / العدد 2431 السبت 16-11-2013

العدد 2431 السبت 16-11-2013

“الاستقلال من الميثاق الى اعلان بعبدا” في الفينيسيا

   (أ.ل)-عقد منتدى بعبدا اليوم عند الساعة الحادية عشرة في فندق الفينيسيا ندوة حول “الاستقلال من الميثاق الى اعلان بعبدا” برعاية رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان وحضور غفير من الشخصيات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والاعلامية والمؤيدين لطرح “اعلان بعبدا”ابتدأت الندوة بعرض فيلم وثائقي عن الاستقلال اللبناني وما تلاه من احداث على الساحة اللبنانية ومن يتحكم بقرارالوطن منذ ميثاق 1943 الى ميثاق الطائف الى اعلان بعبدا الاخير الذي أطلقه رئيس الجمهورية ميشال سليمان والداعي الى النأي بالنفس تحت وطأة التأثيرات الخارجية والدولية والاقليمية أولها العربي .

وجاءت الكلمات كالآتي بعد كلمة الافتتاح لرانيا بارود وفي التفاصيل:

إطلالة “منتدى بعبدا” الأولى
ندوة برعاية فخامة رئيس الجمهورية وحضوره

    برعاية فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وحضوره، عقد “منتدى بعبدا” الساعة العاشرة والنصف قبل ظهر (اليوم 16 تشرين الثاني 2013) في فندق فينيسيا، ندوة تحت عنوان “الاستقلال من الميثاق إلى إعلان بعبدا”.
   حضر المؤتمر، إلى رئيس الجمهورية، عدد من الشخصيات والهيئات السياسية والدبلوماسية والأمنية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والمدعوين…، إضافة لحشد من ممثلي وسائل الإعلام. وكان في استقبال فخامته أعضاء من منتدى بعبدا السادة  جان ربيز، أنطوان أزعور وجورج زرد أبو جودة
   قدّمت الندوة الإعلامية رانيا بارود، وتحدّث فيها البروفسور شفيق المصري الخبير في القانون والشرعية الدولية والبروفسور فايز الحاج شاهين عضو هيئة الحوار الوطني والأستاذ عبد الهادي محفوظ رئيس المجلس الوطني للإعلام والوزير السابق زياد بارود والوزير السابق جهاد أزعور والوزير السابق خالد قباني والسفير الروسي ألكسندر زاسبكين والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان ديريك بلامبلي، وتخلّلها كذلك عرض وثائقي حول الميثاق والإعلان من إعداد الزميل جورج غانم.
   يذكر أن هذه الندوة هي الإطلالة الأولى لـ”منتدى بعبدا”، وتأتي مثابة إعلان عن انطلاقته تحت شعار “حياد وحوار لاستقرار وازدهار”. وفي الكتيّب الإعلامي الذي وزّع على هامش الندوة، نبذة عن مبادئ “منتدى بعبدا” وأسسه الوطنية التي تهدف إلى جمع شمل اللبنانيين حول تعزيز دور مؤسسات الدولة اللبنانية في إطار الحفاظ على روحيّة ميثاق الـ1943 وقوانين الدستور اللبناني واتفاق الطائف؛ وتشديد على ضرورة حماية كيان الدولة اللبنانية في ظلّ الصراعات الإقليميّة التي تهدّد أمن لبنان بصورة مباشرة.

منتدى بعبدا 
حياد وحوار لاستقرار وازدهار

الرؤية
   مبادرة مدنية تتطلّع إلى تعزيز الاعتدال والتهدئة وحياد لبنان الإيجابي عن النزاعات الإقليمية والدولية التي يؤدي الانزلاق إليها لخلق فتنة بين المواطنين، وترى الاحتكام إلى الحوار الوطني بين جميع الأفرقاء اللبنانيين من أجل دعم استقرار لبنان وازدهاره.

المهمة
   تأسيس منتدى يدعو الجميع للعودة إلى كنف الشرعية اللبنانية والمبادئ الدستورية المؤسسة لها استرشادًا بميثاق 1943 واتفاق الطائف وقواعد الاجتماع اللبناني، وانطلاقًا من تبنّي إعلان بعبدا كليًا والعمل على تفعيله ومأسسته وبحث السبل الآيلة إلى ترجمته على أرض الواقع.

مبادئ وأهداف
   • يمرّ لبنان بمرحلة بالغة الدقّة والخطورة. انقسام عمودي لطبقته السياسية ينعكس شللاً في الدولة والمؤسسات وخروجًا على الروح الميثاقية وقواعد الدستور.
   • انخراط الأفرقاء المتصارعين على الساحة اللبنانية في الصراع الإقليمي، ولاسيّما ذلك الدائر في سوريا والأبعاد المذهبية التي اتخذها والتي امتدت إلى العمق اللبناني، مما بات يهدد كيان البلد الصغير بالانحلال إذا لم يتم انتشاله من أتون الفتنة.
   • عملية الانتشال هذه تتطلب العودة إلى كنف الشرعية اللبنانية والمبادئ الدستورية المؤسّسة لها، كما تتطلب العمل على تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية وتوسيع مساحة التوافق الداخلي وتغليب منطق الحوار ونهج الاعتدال والتهدئة.
   • كرّس “إعلان بعبدا” مبدأ الحوار وأسّس لحياد لبنان الإيجابي. حياد لبنان الإيجابي يعني الالتزام بالقضايا العربية المحقّة ولكن من دون الانزلاق إلى الصراعات العسكرية والتصعيد السياسي والإعلامي. 
   • اتخذت وثيقة “إعلان بعبدا” بعدًا ميثاقيًا بعدما أجمع عليها أفرقاء الحوار على الساحة الداخلية كافة، سيّما وأنها جاءت تكمل وتبني على ميثاق الـ1943 واتفاق الطائف.
   • لاقت هذه الوثيقة دعم المجموعة العربية والمجتمع الدولي وترحيبهما، خاصة وأنها تشكّل نقطة انطلاق للتوافق الداخلي وعنصرًا دافعًا باتجاه استقرار لبنان وتجنيبه صراعات المنطقة وحروبها.
   • أثبتت التطوّرات الأخيرة على الساحة اللبنانية أن المبادئ التي يرتكز عليها إعلان بعبدا، ولاسيّما الحياد والحوار، ليست فقط ضرورة على المستويين الأمني والسياسي فحسب إنما على المستوى الاقتصادي أيضًا؛ فالحياد والحوار شرطان متلازمان لنهضة لبنان الاقتصادية.
   • انطلاقًا من ذلك نرى أنه من الملائم والمفيد بل الضروري تفعيل إعلان بعبدا كقاعدة داعمة للسلام اللبناني وعنصر مساهم في استقرار المنطقة من خلال سلسلة من النشاطات الإعلامية والتثقيفية بهدف تغليب منطق التهدئة والحوار والعمل على تجنيب لبنان أتون الفتنة والحروب.
   • لذا تداعت مجموعة من اللبنانيين، أكاديميين وإعلاميين ورجال أعمال وناشطين من المجتمع المدني، تحت عنوان “منتدى بعبدا”، من أجل عقد ندوة تسلّط الضوء على أهمية هذه الوثيقة لصنع السلام اللبناني والخروج من الأزمة الراهنة والبحث عن وسائل لمأسسة هذا الإعلان، وسبل تؤول إلى ترجمته على أرض الواقع.
   • “منتدى بعبدا” ليس حزبًا إنما مبادرة مدنية تدفع باتجاه تغليب منطق الاعتدال والتهدئة، وتساهم في تدعيم الاستقرار، وتمدّ الجسور بين المتباعدين، وتروّج لدور الدولة والمؤسّسات الشرعية الحاضنة لحقوق المواطنين، وتعزّز فرص التنمية الاقتصادية.

إعلان بعبدا

   إعلان صدر في 11/06/2012 على إثر طاولة الحوار في ما بين أعضاء هيئة الحوار الوطني اللبناني التي شكلها الرئيس ميشال سليمان في مقر رئاسة الجمهورية في بعبدا، وتم التوافق على النقاط والمقررات التالية:

1.    التزام نهج الحوار والتهدئة الأمنيّة والسياسيّة والإعلاميّة والسعي للتوافق على ثوابت وقواسم مشتركة.
2.    التزام العمل على تثبيت دعائم الاستقرار وصون السلم الأهلي والحؤول دون اللجوء إلى العنف والانزلاق بالبلاد إلى الفتنة، وتعميق البحث حول السبل السياسية الكفيلة بتحقيق هذا الهدف.
3.    دعوة المواطنين بكلّ فئاتهم للوعي والتيقّن بأنّ اللجوء إلى السلاح والعنف، مهما تكن الهواجس والاحتقانات، يؤدّي إلى خسارة محتّمة وضرر لجميع الأطراف ويهدّد أرزاق الناس ومستقبلهم ومستقبل الأجيال الطالعة.
4.    العمل على تعزيز مؤسسات الدولة وتشجيع ثقافة الاحتكام إلى القانون والمؤسسات الشرعيّة لحلّ أيّ خلاف أو إشكال طارئ.
5.    دعم الجيش على الصعيدين المعنوي والمادي بصفته المؤسسة الضامنة للسلم الأهلي والمجسّدة للوحدة الوطنيّة، وتكريس الجهد اللازم لتمكينه وسائر القوى الأمنيّة الشرعيّة من التعامل مع الحالات الأمنيّة الطارئة وفقًا لخطّة انتشار تسمح بفرض سلطة الدولة والأمن والاستقرار.
6.    دعم سلطة القضاء تمكينًا من فرض أحكام القانون بصورة عادلة ومن دون تمييز.
7.    الدعوة إلى تنفيذ خطة نهوض اقتصادي واجتماعي في مختلف المناطق اللبنانيّة.
8.    دعوة جميع القوى السياسيّة وقادة الفكر والرأي إلى الابتعاد عن حدّة الخطاب السياسي والإعلامي وعن كلّ ما يثير الخلافات والتشنّج والتحريض الطائفي والمذهبي، بما يحقّق الوحدة الوطنيّة ويعزّز المنعة الداخليّة في مواجهة الأخطار الخارجيّة، ولاسيَما منها الخطر الذي يمثّله العدوّ الإسرائيلي، وبما ينعكس إيجابًا على الرأي العام وعلى القطاعات الاقتصاديّة والسياحيّة والأوضاع الاجتماعيّة.
9.    التأكيد على ضرورة التزام ميثاق الشرف الذي سبق أن صدر عن هيئة الحوار الوطني لضبط التخاطب السياسي والإعلامي، بما يساهم في خلق بيئة حاضنة ومؤاتية للتهدئة ولتكريس لبنان كمركز لحوار الحضارات والديانات والثقافات.
10. تأكيد الثقة بلبنان كوطن نهائي وبصيغة العيش المشترك وبضرورة التمسّك بالمبادئ الواردة في مقدمة الدستور بصفتها مبادئ تأسيسيّة ثابتة.
11. التمسّك باتفاق الطائف ومواصلة تنفيذ كامل بنوده.
12. تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليميّة والدوليّة وتجنيبه الانعكاسات السلبيّة للتوتّرات والأزمات الإقليميّة، وذلك حرصًا على مصلحته العليا ووحدته الوطنيّة وسلمه الأهلي، ما عدا ما يتعلق بواجب التزام قرارات الشرعيّة الدوليّة والإجماع العربي والقضيّة الفلسطينيّة المحقّة، بما في ذلك حقّ اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم وديارهم وعدم توطينهم.
13. الحرص تاليًا على ضبط الأوضاع على طول الحدود اللبنانيّة السوريّة وعدم السماح بإقامة منطقة عازلة في لبنان وباستعمال لبنان مقرًّا أو ممرًا أو منطلقًا لتهريب السلاح والمسلحين، ويبقى الحقّ في التضامن الإنساني والتعبير السياسي والإعلامي مكفولاً تحت سقف الدستور والقانون.
14. التزام القرارات الدوليّة، بما في ذلك القرار 1701.
15. مواصلة دراسة السبل الكفيلة بوضع الآليّات لتنفيذ القرارات السابقة التي تمّ التوافق عليها في طاولة وهيئة الحوار الوطني.
16. تحديد الساعة الحادية عشرة قبل ظهر الاثنين الواقع فيه 25 حزيران الجاري موعدًا للجلسة المقبلة لهيئة الحوار الوطني لمواصلة البحث في بنود جدول أعمالها والتي ستكون الإستراتيجية الوطنية للدفاع في صلب المناقشات.
17. اعتبار هذا البيان مثابة “إعلان بعبدا” يلتزمه جميع الأطراف، وتُبلّغ نسخة منه إلى جامعة الدول العربيّة ومنظمة الأمم المتحدة.

كلمة رانيا بارود الافتتاحية

   فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان،
أيها الحضور الكريم،

   إنه المنتدى… تنادينا وأتينا كثراً…
فعندما يتنادى القوم لا يكون هناك صاحب دعوة ولا مدعوا…. فهم ينادون بعضهم بعضاً دون حصرٍ ولا تمايز، ينذرهم حسُّهم المشترك بالخطر الشديد، وتحرّكهم غريزة البقاء…
   هكذا تنادى الجميع اليوم في زمن التهاوي لمّا تجاوزت فكرة الدولة خطوط الخطر، وبات الأمل الوحيد في البقاء عنوانه: بعبدا
فكان منتدى بعبدا
   بعبدا بكل رمزيتها، بعبدا بكل أبعادها، بعبدا بشخص سيّدها اليوم،  بعبدا بإعلانها…
   هذا الإعلان الذي قلّما يخلو خطاب سياسي (مهما اختلفت ألوانه) على الساحة اللبنانية أو على الساحة الدولية المتعلّقة بلبنان، قلّما يخلو من ذكر إعلان بعبدا    ويدعو إلى الإلتزام به والإرتكاز عليه كأساس حل في الأمن والسياسة والإقتصاد ومأسسة الدولة.
   فكيف يترجم ذلك الإلتزام وذلك الإرتكاز ما لم نتنادَ إلى الحوار والتفكير حول بناء ميثاقي جديد وضع أسسَه الرئيس ميشال سليمان.
   إنها وديعة الرئيس إلى اللبنانيين قبل مغادرته الرئاسة بعد أشهر قليلة.
وديعة باتت اليوم أشبهَ بالعاميّة…. كلما مرّ الوقت عليها كلّما زادت الحاجة إلى ترسيخها…
   فاستحقّ لقاؤنا اليوم ….
   لقاء يستفيد من اهتزازات سبعين استقلالية ليتطلع إلى سبعين إستقرارية، والأمل بسبع مرّات سبعين قِوامها حَياد وحوار نحو الإزدهار
إنها الرؤية تترجم اليوم من مناظير قانونية ودستورية وميثاقية وميدانية واقتصادية

الجذور القانونية لإعلان بعبدا
الدكتور شفيق المصري

   يمكن توزيع إعلان بعبدا – كوثيقة- على ثلاثة محاور:
   الأول: يتعلق بضرورة تعزيز الثقافة السياسية ويهدف إلى صقل المواطنية اللبنانية في التعامل السلمي والإيجابي مع الأخر وإحترام المسلمات الوطنية الممهدة إلى إجماع وطني واعٍ ومسؤول.
   والثاني: يتناول ضرورة التركيز على المبادئ الدستورية وإلتزام حكم القانون وإحترام أداء المؤسسات الدستورية واجهزتها التنفيذية.
   والثالث: الذي تضمنه إعلان بعبدا، في معظم بنوده، قائمٌ على المرجعيات الدستورية الداخلية والمرجعيات القانونية الإقليمية والدولية الملزمة للبنان – الدولة.
   هذه المرجعيات تشكل الجذور القانونية الثابتة لبناء هذا الإعلان ونقله من إطار التمنيات الصادقة والدعوات الضرورية إلى المناخات الدستورية الداخلية والإلتزامات الإقليمية والدولية المستقرة. وبالتالي فإن إعلان بعبدا يأتي، في هذا السياق، تذكيراً بما أجمع عليه اقتاب الحوار في ١١-٦-٢٠١٢. ولكنه يأتي، كذلك، تأكيداً متكرراً لهذه الإلتزامات جميعاً. وهي، مع الإعلان أو بدونه، تبقى ضمن الزاميتها الشاملة، داخلياً وخارجياً، للدولة اللبنانية بصرف النظر عن الحكومات.  
   وتوضيحاً لما تقدم نلاحظ:

   أولاً: ما أشار إليه إعلان بعبدا حول تأكيد نهائية الوطن اللبناني وصيغة العيش المشترك والمبادئ الأخرى التي وردت في مقدمة الدستور. هذه المقدمة الميثاقية تشكل إستمراراً نوعياً للميثاق الوطني في مسلماته. والميثاق في حقيقته التاريخية لا يقتصر فقط على الاتفاق الشفهي بين الشخصيتين المؤسستين للإستقلال، وإنما يكتمل بمضمون البيان الوزاري ألاول الذي كان نصاً مكتوباً وشاملاً، قدم في ٨-١٠-١٩٤٣ وحظي، انذاك، بإجماع ممثلي الشعب اللبناني بدون إستثناء. وقد تضمن هذا البيان الأول – أي الميثاق الوطني المكتمل – بنوداً انمائية وسياسية وإجتماعية كثيرة تجدر إعادة قراءتها اليوم ولو بعد مرور ٧٠ سنة على صدورها. 
   وبالتالي فإن إعلان بعبدا يشكل، هنا، التذكير بهذه البنود الميثاقية التي وردت في مقدمة الدستور وهو، بما تضمن من بنود، يشكل الحلقة التأكيدية الواصلة بين الميثاقين الأول الذي أشرنا إليه والثاني المتمثل بمقدمة الدستور. والميثاقان يعتبران من أركان المبادئ التأسيسية الثابتة. ولابد من التذكير بهما معاً. وهذا ما فعله إعلان بعبدا. 
   أما بالنسبة ل” التمسك بإتفاق الطائف ومواصلة تنفيذ كامل بنوده” فالمعروف أن هذه البنود دخلت في صلب الدستور وأصبحت مواد دستورية ملزمة ولكنها لم تنتقل، بعد، إلى الحيز التنفيذي. وهي بمجملها ذا طابع انمائي أو تحديثي متقدم كإنشاء مجلس الشيوخ بعد تطبيق المادة ٩٥ من الدستور، وإصدار قانون اللامركزية الموسعة وقانون الإنتخاب وإنجاز الإنماء المتوازن والعدالة الإجتماعية وغيرها من البنود حتى التي لم يعتمدها الدستور لغاية اللحظة كرقابة الدولة على المناهج المدرسية والكتاب المدرسي والمدارس الخاصة. 
  
      ثانياً: يؤكد البند الثاني عشر من إعلان بعبدا ضرورة  “تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية و تجنيبه الإنعكاسات السلبية لها حرصاً على وحدته الوطنية و سلمه الأهلي .” ولكنه إستثنى من هذا التحييد (وليس الحياد) ثلاثة أمور لا يستطيع أن يكون محيداً بإزائها:

   أ‌- إلتزام قرارات الشرعية الدولية: والواقع إن هذا الإلتزام وارد أصلاً في ميثاق الأمم المتحدة (المواد ١ و 2 و ٢٤ و ٢٥ و ٣٩ و ١٠٣…إلخ) وملزم بكافة الدول الأعضاء وحتى للدول غير الأعضاء في المنظة الدولية. وبالتالي فان كل دولة عضو في الأمم المتحدة ملزمة بالإمتثال إلى مواثيق الشرعية الدولية وقراراتها. وهذا الإلتزام يشمل كل القرارات الدولية قبل صدور القرار ١٧٠١ ومعه وبعده أيضاً. وإذا إستثنى إعلان بعبدا هذا الأمر من مسألة التحييد فإنه  ، بذلك،  يؤكد ويشدد على وجوب هذا الإلتزام عملاً بميثاق الأمم المتحدة وإنسجاماً مع الدستور اللبناني ذاته الذي يؤكد هذا الإلتزام.

     ب‌-إلتزام الإجماع العربي: وهو ملزم أيضاً بموجب ميثاق جامعة الدول العربية. فالمادة السابعة من هذا الميثاق تعبر ان: القرارات التي يتخذها مجلس الجامعة بالإجماع تكون ملزمة لجميع الدول الأعضاء فيها. أما القرارات المتخذة بالأكثرية فهي تلزم الدول التي تقبلها. هذا مع العلم أن الإجماع العربي يحسب خارج الدولة المعنية ذاتها. وعندما يستثني إعلان بعبدا مسألة الإجماع الملزمة للدول
الأعضاء فإنه يؤكد قانونياً على صدقية هذه المادة وضرورة احترامها. ولعل هذا البند من الإعلان يذكر بإلتزام آباء الإستقلال وقرارهم عندما اكدوا خلال السنوات الأولى لحكمهم:
   _ إن سياسة لبنان الخارجية يجب أن تلتزم بوحدته الوطنية الداخلية.
   _ وإن لبنان مع العرب إذا اتفقوا وعلى الحياد إذا اختلفوا.
   _ وإنه ليس مع الأحلاف والمعاهدات والمحاور الإقليمية ولا الدولية.
      وهكذا نرى أن الإعلان المستند أصلاً إلى هذه المرجعيات القانونية والسياسية لم يرسم أي إطار جديد في سياسة لبنان الخارجية انما جاءت تذكيراً بموجبات تقع على عاتق لبنان وفقاً لإلتزامات قانونية سابقة ولسياسة حكيمة اعتمدها آباء الاستقلال أصلاً.

   ج- إلتزام القضية الفلسطينية المحقة بما في ذلك حق اللاجئين الفلسطنيين. والمعروف، هنا، أن لبنان معني منذ البدء، بهذه القضية ليس من ناحية مبدئية وحسب واينما بدافع التعاطي الإجباري مع مسألة تتعلق بوجود مئات آلاف اللاجئين الفلسطنيين في ربوعه. وهذه المسألة مستندة ، كما هو معروف أيضاً، إلى أحكام الشرعية الدولية، الواجبة التطبيق قبل إعلان بعبدا أو بعده. ولكن أهميته تكمن في تجديد الإلتزام بسياسة التحييد مع التأكيد على مشروعية الإستثناءات التي أوردها.
   أما ما أورده الإعلان حول ضبط الحدود اللبنانية – السورية فتجدر الإشارة إلى أن هذا الموضوع نوقش وأقر منذ جلسة الحوار الأولى. وقد حظي انذاك بتصديق القرار الدولي١٦٨٠/ ٢٠٠٦ .هذا مع العلم أن من واجبات الدولة الحفاظ على حدودها الملحوظة في الدستور وعلى توفير الأمن اللازم والإنتظام القانوني لهذه الحدود. وهناك الكثير من الأحكام القانونية الدولية حول هذه الواجبات في سياق العلاقات الدولية.

   ثالثاً: إن هذه الوثيقة المعروفة ب”إعلان بعبدا” اقترنت أصلاً بإجماع أركان الحوار على الصعيد اللبناني. وهي اقترنت بإجماع عربي دعا تكراراً إلى الترحيب بها والإستعداد لتيسير اعتمادها ودعم توجهاتها قاعدةً لإجماع اللبنانيين في السياسة الداخلية والخارجية على السواء.
   كذلك اقترنت هذه الوثيقة بموافقة وترحيب الدول الكبرى بشكل معلن وصريح.
   فما هي نتائج ذلك على المستوى الدولي؟
   إن الإعتراف بالحكومات والدول يمكن تعريفه بأنه إقرارacknowledgement بوجودها وإستعداد للتعاون معها على الصعيد الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي بشكل عام.

   فهل ييشكل ترحيب هذه الدول الاقليمية والدولية نوعاً من الاعتراف بالحكومة الراهنة  أو بأية حكومة مقبلة تلتزم هذا الاعلان؟
   الواقع أن لبنان – الدولة ليس بحاجة إلى إعتراف دولي وكذلك فإن الحكومة الراهنة أو الحكومة المقبلة لا تحتاج إلى إعتراف طالما أنها تقوم حالياً أو يمكن أن تقوم وفقاً للدستور المعترف به أصلاً. إذاً، يمثل هذا الإعتراف أو الترحيب بإعلان بعبدا:

   _ دعماً سياسياً دولياً كبيراً للحكومة اللبنانية في سياستيها الداخلية والخارجية، وإستعداداً دولياً للتعاون معها على أكثر من صعيد.
   _ ودعماً قانونياً دولياً كبيراً لإعلان بعبدا بقدر استناده إلى هذه المرجعيات القانونية المحلية والإقليمية والدولية التي تقدم ذكرها وبقدر إلتزام هذه الحكومة الحالية أو المقبلة بإعلان بعبدا ذاته.

كلمة الوزير السابق جهاد أزعور
ندوة “الإستقلال من الميثاق إلى إعلان بعبدا”

   فخامة الرئيس،
أصحاب الدولة والمعالي والسعادة،
أيها الحضور الكريم،

   يكتسب لقاؤنا هذا اليوم، بمبادرة مشكورة من “منتدى بعبدا”، اهمية كبيرة من حيث موضوعه وتوقيته.
   فهو يأتي قبل ايام من الذكرى السبعين للإستقلال، وعلى مسافة قريبة من مرور ربع قرن على إتفاق الطائف. ولا شك في أن اختيار هذا التاريخ الزمني للندوة ينطوي على رمزية معبّرة، إذ يرفع موضوعها، وهو “إعلان بعبدا”، من مستوى الإرتباطبالزمن الراهن، إلى مصاف تلك المحطات الأساسيةفي مسيرة لبنان الحديث.
   لقد اختار منظمو هذه الندوة لهاعنوان”الإستقلالمنالميثاقإلىإعلانبعبدا”، ولكنّه، في الواقع، يجوز أن يكون أيضاً:”إعلان بعبدامنالإستقلالإلىالميثاق”.

   لماذا؟
   إذا إنطلقنا من العنوان المعتمد للندوة، بوسعنا القول إن الميثاق شكل الأرضية الكيانية لاستقلال الأرض واكتفى اللبنانيون بذلك فقط.
   كان يفترض بالميثاق أن يوثّق الإستقلال، بمعنيين:
   – المعنى الأول أن يكون الوثيقة المبدئية والفكريةوالمؤسساتية التي يستند عليها الإستقلال، والعقد الوطني الجامع الذي ينطلق منه المشروع الإستقلالي، ويترسخ به، إذ أن هذا الميثاق هو العمود الفقري للبنيان الوطني، والشرعة التأسيسية لمفهوم المواطنة.
   – المعنى الثاني أن يحصّن الميثاق صيغة لبنان وتنوعه وتميّزه كتجربة فريدة في الشرق،وهي تجربة لبنانالوطن الرسالة، وأن يجعل استقلاله متيناً، وصلباً، وشديد الوثاق، لا مشرّعاً أمام عواصف الشرق وتجاذبات الغرب.
ولكن، لم يدم الأمر طويلاً حتى لاحت مؤشرات الإعصار الجارف الذي شهدناه في العام 1975،والذي شلّع لبنان ومزّق مجتمعه.
   فيا للأسف، حرب الآخرين في لبنان، وحرب اللبنانيين على أنفسهم، أفقدت اللبنانيين الثقة بدور الميثاق في حماية الاستقلال والكيان. وأمام هشاشة الميثاق عند كل اختبار،  لم يبق شرق ولا غرب إلا ومارس تدخلاًفي شؤوننا أو وصاية علينا.
   وجاء اتفاق الطائف ليصلح هذا الخلل، غير انه اصطدم بحواجز الطائفية، فغدا ميثاق الحد الادنى، وجامعا مشتركاً هشاً احبط فريقا كبيرا من اللبنانيين من دون ان يرضي الفريق الآخر.
   واليوم، بعد 23 عاماً على انتهاء الحرب، وبعد ثمانية أعوام على تلك “الصحوة المواطنية” التي أعادت إلى اللبنانيين إيمانهم بحلم قيام دولة قوية ورائدة، لم نصل بعد إلى إستقلالنا الناجز.
   لقد فوتّنا الفرصة التي حصلنا عليها في العام 2005. ولن يكون لنا استقلال ما دمنا نعرض أنفسنا للإستغلال، ونترك الآخرين مجدداًيقررون مصير بلدنا.

فخامة الرئيس،
أيها السيدات والسادة،

   اليوم، تلوح لنا الفرصة مجدداً من خلال إمكانية”تيويم” الميثاق، أو تحديثه، وجعله جسر عبور لتحقيق “الإستقلال المستدام”.
ولربما يشكّل “إعلان بعبدا” الخطوة الأولى في هذا المجال.إنه نافذة إلى المستقبل، فلنبدا بتبنّيه “مدوّنة سلوك”  للمرحلة المقبلة، ولنسع إلى تطويره واغنائه واستكماله.
   لقد استبشر اللبنانيون خيراً باتفاق الأطراف السياسيين على “إعلان بعبدا”، ووجدوا فيه نموذجاً يتمنون تعميمه من اجل كسر الإنقسام السياسي الحاد. واللبنانيون يخاطبون سياسييهم اليوم: لا تحبطوا بصيص الأمل هذا، ولا تجعلوا منه مادة خلافية جديدة بينكم.
   إن الإلتزام بالمبادئ التي نص عليها هذا الإعلان يشكّل، من دون أدنى شك، جسراً للإنتقال إلى رسم صورة لبنان المستقبل، من خلال العمل على صوغٍمشروع وطني متكامل على كل المستويات، يضع الانسان في صلب العمل السياسي، ويجعله محوراً وهدفاً له.
   إن اي نقاش أو مشروع سياسي، يبقى فارغا وغير ذي قيمة ما لم يكن منطلقاً من هاجس توفير نوعية حياة أفضل للإنسان. ولذلك، فإن ما نحتاج إليه في لبنان، قبل الخوض في أية إصلاحات لصيغة الحكم أو مؤسسات الدولة، هو عملية تغيير جذرية في طريقة العمل السياسي، بحيث تسعى القوى السياسية إلى حلّ هموم الناس بدلاً من أن يكون صراعها وتجاذباتها مصدراً لهموم ومشاكل إَضافية لهؤلاء الناس.

فخامة الرئيس،
الحضور الكريم،

   نعم. يمكن أن يكون عنوان ندوتنا اليوم “إعلان بعبدا من الإستقلال إلى الميثاق”، لأن هذا الإعلان يشكل نقطة إنطلاق لاستكمال الإستقلال وحمايته، وفي الوقت نفسه لتجديد الميثاق وترسيخ قيمه.
    كيف؟
    • لقد أثبتت التجربة المريرة أن الميثاق الوطني يبقى ناقصاً من دون “ميثاق شرف” وفعل إيمان يحميه من نزعات الهيمنة بالقوة أو تغيير التوازنات الدقيقة بالعنف. ومن هنا، أهمية التزام “إعلان بعبدا”، وصولاً إلىاعتماد الحوار الهادئ والعقلاني نهجاً دائماً، لا هدنة ظرفية، وجعل “صون السلم الأهلي”خطاً أحمر تحميه المؤسسات الدستورية دون غيرها.
إن المطلوب وضع ضوابط وطنية اخلاقية توازي في أهميتها الضوابطالقانونية والدستورية، ترسي لدى الجميع نوعاً من “رقابة ذاتية” على سلوكهم وخطابهم، وتجعلهم يحجمون عن كل ما يسبب الفتنة، وعن كل ما يهدم البنيان الوطني ويعطّل الدولة ويشلّ وظائفها.

    • لقد علمتنا السنوات السبعون المنصرمة أن ميثاقنا يصبح عرضة لكل المخاطر ما لم يكن مدعوماً بمؤسسات قادرة، تشكّل ضمانة لترجمته بصورة سليمة. ومن هنا، لا بد، وفق ما أراده “إعلان بعبدا”، من أن تكونللدولة مؤسسات حقيقية فاعلة، ومن أن لا يكون حل النزاعات والخلافات إلاّبالاحتكام إلى القانون والمؤسسات الشرعيّة.ولا تستقيم دولة القانون ما لم تكن لدى الجيش والقوى الأمنيّة الشرعيّةوالقضاء القدرة على فرض سلطة الدولة والأمن والاستقرار والقانون، وهو ما يسعى “إعلان بعبدا” إلى توفيره.

   • إن الإستقراريبقى ناقصاً ومعرّضاً للإهتزاز إذا لم يقترن بخطة نهوض اقتصادي واجتماعي كتلك التي يدعو إليها “إعلان بعبدا”، تؤمّن للمواطن إزدهاراً يريحه، وحياة كريمةً تكفل عدم إنجرافه إلى خيارات التطرف أو التزلف أوالعنف.
وهذه الخطة يجب أن تكون على قدر طموحات اللبنانيين وأحلامهم ببلد يحترم مواطنيه، من خلال إدارة كفوءة ونزيهة، و”شبكة أمان إجتماعي” شاملة وفاعلة، ونظام تعليمي يعدّ الشباب للتميّز، ويمكّنهم من تحقيق أحلامهم وطموحاتهم، واقتصاد يوفر فرص العمل لهم، ويحضّهم على الإبتكار والإبداع، ويدعمهم للمنافسة، ويمهّد لهم سبل المبادرة عوضاً عن دفعهم إلى المغادرة.

   • يستحيل صون استقلال لبنان ما لم يكن كل أبنائه يتشاركون حلم بناء المستقبل من خلال رؤية واضحة وطموحة تعيد إلى لبنان دوره الحضاري. ولا يمكن أن يعيش أي ميثاق من دون مشاركة حقيقية للجميع وجدية في العمل ومنهجية في التخطيط ومثابرة في التنفيذ.

فخامة الرئيس،
أيها السيدات والسادة،

   يخطىء من يظن أن إعلان بعبدا وصفة علاجية لظرف آنيّ ومرحلي.
صحيح أنه يوفّر، في حال التزام جميع الأطراف بمندرجاته، مخرجاً للبنان من الحريق الأقليمي، ويجنّبه مزيداً من الإحتقان الداخلي، ولكنّ الأهم من كل ذلك أن يجهد اللبنانيون  لتجديد التعاهد الوطني، ووضع اتفاق إطاري لمشروع مستقبلي يطور المعادلة اللبنانية ويعصرنهاوفق الثوابت التي أرساها إتفاق الطائف، بدلاً من محاولات نسف هذا الإتفاق أو جعلهفي المقابل جامداً.
   لقد انتزع أجدادنا الإستقلال من خلال الميثاق الوطني، وآباؤنا أخرجوا لبنان من الحرب الأهلية من خلال اتفاق الطائف.
   دورنا اليوم، قبل أعوام قليلة من مئوية “لبنان الكبير”، أن ننطلق، بدءاً بالتزام “إعلان بعبدا”، في مسار يزيل كل العوائق المانعة للحوار الهادىء والمتكافىء، ويبدد كل المخاوف التي تمنع حصول هذا الحوار، تمهيداً للإنكباب على ورشة وطنية لتطوير التجربة اللبنانية، وصولاً إلى الإتفاقعلى مشروع يعيد لبنان كبيراً، بوحدته، بطموحه، بدوره، بإشعاعه، بإنسانه. وليكن عنوان المرحلة المقبلة “بناء الثقة لترميم الميثاق”.
   إن المتغيرات التي يشهدها العالم العربي من حولنا، كما التجارب التي مررنا بها ودفعنا ثمنها غالياً، تفرض علينا إطلاق نقاش وطني واسع حول كيفية تحصين وطننا وتجنيبه مزيداً من النزاعات والمشاكل والصراعات المدمرة. ومثل هذا النقاش لا يمكن أن يتم إلا في مناخ سليم، يساهم إعلان بعبدا في توفيره.

   وشكراً

الاستقلال من الميثاق إلى إعلان بعبدا

د. خالد قباني

     اقترن الميثاق الوطني لسنة 1943، أيّ ميثاق العيش المشترك الذي جاء ترجمة لإرادة اللبنانيين، مسيحين ومسلمين ببناء دولة، بالاستقلال. أيّ أن الاستقلال ارتبط ارتباطاً وثيقاً بإرادة العيش المشترك، وكان نتيجة لهذه الارادة. فإذا ما سقط ميثاق العيش المشترك سقط الاستقلال ومعه سقط لبنان.
 واقترن اتفاق الطائف، أي ميثاق العيش المشترك الثاني لسنة 1989، بوحدة لبنان. جاء اتفاق الطائف ترجمة لإرادة اللبنانيين برفض الحرب، ورفض كل أشكال التقسيم، وقد كان لبنان آيلاً حينذك الى التقسيم ، وكانت قد أعدت كل الصيغ والمشاريع تحقيقاً لهذا المشروع الذي يضع نهاية لميثاق العيش المشترك، فجاءت وثيقة الوفاق الوطني لتحيي فكرة هذا العيش المشترك الإسلامي- المسيحي، وتعيد وحدة لبنان، أرضاً وشعباً ومؤسسات، الى الحياة. بل الى أعتبار لبنان وطناً نهائياً، لجميع أبنائه، وطناً مستقلاً سيداً حراً موحداً لا وطناً مجزءاً أو مقسماً أو ملحقاُ.
 تعرضت صيغة العيش المشترك الى خضات واهتزازات، نتيجة انخراط لبنان في الصراعات الاقليمية والدولية، وعدم قدرته على حماية وحدته الداخلية وتماسكه الإجتماعي وتضامنه الوطني، والخلافات بين قياداته وقواه السياسية، على مصالح شخصية وفئوية وطائفية، بعيدة عن الشأن الوطني والمصالح العامة المشتركة، مما أفسح المجال للتدخلات الخارجية، التي حوّلت لبنان ساحة للصراعات والنزاعات ولتصفية الحسابات الإقليمية والدولية.
 لم يلجم لبنان نفسه من هذه الصراعات، بل زجت القوى السياسية بنفسها في هذه الصراعات. وضعت هذه القوى نفسها في خدمة الجهات الإقليمية والدولية، وكانت النتيجة ان فقد لبنان قراره الوطني وتماسكه الداخلي، بل أكثر من ذلك، تحول لبنان كله الى ساحة حرب أفقدت الوطن أو كادت سيادته واستقلاله وحريته.
 واقترن بيان بعبدا بالدعوة للحوار. في غمرة هذه الفوضى العارمة، في خضم هذا الضياع والارتباك الذي يلف البلاد، جاء بيان بعبدا في 11/6/2012، لينقذ ما يمكن انقاذه، وكمحاولة جدية لإخراج لبنان من أتون الحرب التي تحيط بالمنطقة العربية، ولا سيما في سوريا، والتي تكاد تغرقه في لهيبها وتفقده القدرة على المبادرة والعمل.
 جاء بيان بعبدا، ليعيد لبنان الى ميثاق عيشه المشترك، المهدد بالانهيار، ليحفظ وحدة لبنان، المعرضة للتمزق، ليستعيد سلام لبنان وأمنه واستقراره، جاء ليؤكد على استقلال لبنان وسيادته، بعد ان بات استقلاله مهدداً وسيادته منقوصة، جاء ليعلن تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات والنزاعات الإقليمية والدولية، وليبعد لبنان وشعبه عن كل ما يؤدي الى انقسام اللبنانيين أو ضرب وحدتهم وتضامنهم الوطني.
 جاء بيان بعبدا، في مضامينه وأبعاده، ليؤكد على التمسك باتفاق الطائف ومواصلة تنفيذ كامل بنوده، جاء ليؤكد على لغة الحوار بين أبنائه وقواه الحية السياسية والإجتماعية، ونبذ لغة العنف، جاء ليؤمن الأجواء المناسبة والملائمة لبدء حوار وطني متكافئ حول كل القضايا الأساسية والخلافية، بدل لغة التحدي والتشفي والتهديد. جاء ليخرج لبنان من الركود والجمود والشلل السياسي والاقتصادي والإجتماعي، جاء إعلان بعبدا، متجاوزاً شعارات أطلقتها بعض القوى السياسية وباتت أسيرة لها، اعتمدت لحظة تنافس  أو تحد أو تنازع سياسي، أعاقت مسيرة البلاد، ليحرر هذه القوى من أسرها، ويجعل المصلحة الوطنية العليا أساساً يبنى عليه لدفع هذه المسيرة من جديد الى الأمام، وإطلاقها من عقالها.
     اليوم كلنا يشعر، أنه مهزوم. هزمنا ومعنا هُزِم الوطن، حكومة لا تشكل، ومجلس نواب لا ينعقد، وجلسات عديدة سبقت التمديد لم نستطع الخروج منها بقانون انتخاب، سجلنا فيها الهزيمة تلو الهزيمة، ندخل رحاب المجلس مبتسمين، منشرحين، مقبلين على بعضنا البعض، ونخرج منه مبتئسين، عابسين، مدبرين، ندير أظهرنا ونكيل لبعضنا البعض كل أنواع الاتهامات وأقذع العبارات. ينام اللبنانيون على حدث ويصحون على حدث، وبعد كل حدث مأساةٌ ومأساة، ننتظر اغتيالاً بعد آخر لخيرة رجالاتنا ورموزنا.
      هدرنا وقتاً كثيراً، أضعنا فرصاً أكثر، تسببنا بالآلام والأحزان لشعبنا وأهلنا ومواطنينا، وتركناهم نهباً للرياح والأعاصير، نزرع الأشواك في دروبهم، وندعهم ينزعونها بأيديهم، غير عابئين بنزفهم ولا بجراحهم، يغلق الناس أجفانهم ليلاً في لحظة زمنية على أملٍ كبير، ويفتحونها نهاراً في لحظةٍ زمنية على يأسٍ كبير. بين الأمل واليأس إطراقةُ جفن أو طُرفة عين.
     لم يعد الناس يطيقون صبراً على ما يجري، ولم يعد الناس يحتملون مزيداً من الحزن والغم والقلق لما يجري، ولم يعد الناس يفهمون أو يدركون ما يجري. الناس كلهم ، من كل الفئات، من كل الطوائف، من كل المناطق، باتوا حيارى، وفي حالة ضياعٍ كامل ، وهم يسألون ويتساءلون، وماذا بعد؟
       البلد أفقرناه، والاقتصاد دمرناه، والدستور مزقناه، والقانون أهملناه، وقطعنا من الجسور في ما بيننا ما قطعناه، ووضعنا على قلوبنا الاختام، وقفلنا على عقولنا بالأقفال، فلا عينٌ رأت ولا أذن سمعت، ولكن عيون الناس مفتوحة ومدهوشة وآذان الناس مصغية ومألومة، قلوبهم تدمع، وعقولهم تجزع من هول ما يجري وما يحصل. لقد صبر الناس على أوضاعهم واحوالهم كثيراً، وصبروا على من يسوسون الأمور أكثر، أفليس من حقهم علينا أن نخرج عليهم بعد رحلة الآلام التي مشوها، بحلول تريحهم وتطمئنهم وتبلسم جراحهم. ألا يستحق شعبنا أن نتوافق من أجله، من أجل التخفيف من معاناته ومحنه الكثيرة، ألا يستحق وطننا أن نعطيه كما أعطانا وأن نكون له كما كان لنا، ألا يستحق أن نحفظه كما حفظنا وان نصونه كما صاننا واحتضننا، ألا يستحق منا هذا الوطن أن نتنازل قليلاً عن كبريائنا، وهل كثيرٌ على شعبنا وعلى وطننا أن نضع أيدينا في أيدي بعض من اجل إنقاذه، أوليس الانتصار للوطن أحق من الانتصار على بعضنا البعض، وهل يبنى الوطن ويستقيم الأمر بهزيمة بعضنا للبعض الآخر، أي انتصار نجنيه بهزيمة أحدنا للآخر؟ لبنان لا يعيش ولا يقوى بانتصار فريق على آخر، معاً ننتصر وينتصر بنا الوطن، ومعاً نُهزم ويُهزم معنا الوطن لا سمح الله، ولقد سجلنا معاً انتصارات كثيرة، ولعل أجلها انتصار لبنان عل العدو الاسرائيلي، ولكننا استعجلنا في تحويل انتصارنا إلى هزيمة مروعة في مؤسساتنا وفي اقتصادنا وفي مرافقنا وفي وفاقنا الوطني وأمعنا في تدمير ما بقي من مقومات الدولة ومؤسساتها.
    ولكن لن نيأس، لن نيأس من رحمة ربنا، لن نفقد الأمل، وسنبقى نعول على حكمة الخيرة من قيادات بلدنا، لم تزل الفرصة على ضآلتها سانحة أمامنا، لنحكّم العقل والحكمة، ونضع نصب أعيننا مصالح وطننا وشعبنا، ونعيد الثقة في ما بيننا، ونحافظ على وحدتنا وعيشنا المشترك، ونتفهم بعضنا البعض، ونتشارك في بناء بلدنا وصنع مستقبل وطننا، ونحن قادرون على ذلك، والناس حتماً سيقفون إلى حانبنا وسيدعموننا.
    لا بد إذاً من الحوار، هو ما يدعو إليه بيان بعبدا، لا غنى لنا عن الحوار في معالجة مشاكلنا الداخلية، وعلينا أن نحتكم إلى مؤسساتنا الدستورية في معالجة قضايانا الوطنية. إن أي معالجة لهذه القضايا خارج مؤسسات الشرعية هو طعن بشرعية الدولة وتسليم الأمور إلى موازين القوى إن لم نقل إلى الشارع ولقد كانت تجربة الاحتكام إلى موازين القوى والجهات التي ترعاها شرقاً وغرباً، مدمرة للبنان ولأهله وأدت إلى حرب أهلية طاحنة كادت أن تنهي لبنان لولا الإرادة الجامعة للبنانيين برفض الحرب ورفض العنف ورفض التقسيم والتمسك بالوحدة الوطنية والوفاق والتضامن الداخلي و العيش المشترك الذي يشكل جوهر الوجود اللبناني وضمانة استقلال لبنان وحريته وسيادته. أليس هذا ما يبشر به إعلان بعبدا؟   
   لقد اجتمعت إرادة اللبنانيين على وثيقة الوفاق الوطني التي جاءت ثمرة مؤتمر الطائف، والذي حقق سلام لبنان وأحيا من جديد المؤسسات الدستورية ووحدة الشعب. فلا يجوز لنا بعدما دفعه اللبنانيون من ثمن باهظ بالأرواح والممتلكات، وبعد أن أعيد إعمار لبنان وبناؤه، أن نعود لنغامر بكل هذه المنجزات التي أعادت لبنان إلى خريطة العالم وأن نضع اللبنانيين ومستقبل لبنان وبناء الدولة في أتون صراع سياسي وخلافات مريرة وانقسامات تذهب بآمال اللبنانيين وحقهم في حياة كريمة ومستقرة.
     لم يعد اللبنانيون يطيقون أن تأخذهم فئة ذات اليمين وفئة أخرى ذات الشمال فتتفرق بهم السبل، بل يريد اللبنانيون جميعاً أن يسيروا معاً في طريق واحدة، في الطريق السوي والمستقيم الذي يحقق آمالهم وأحلامهم وأن يجتمعوا في ما بينهم على كلمة سواء، على لبنان الواحد الموحد، لبنان النهائي لجميع أبنائه، لبنان المساواة والعدالة، لبنان العربي الهوية والانتماء، والأمور لن تستقيم إلا بالتغيير الحقيقي الذي يعيد بناء لبنان الدولة ومؤسساتها على قاعدة الحق والقانون والعدالة. لم يعد مقبولاً أن يعطل أحد مسيرة بناء الدولة، ولبنان لا يحكم بمنطق الغلبة ولا بمنطق الاسئثار إذ لا يمكن لفئة أو جهة أن ترهن لبنان لمشيئتها أو أن تدّعي حق تقرير مصير وطن وشعب بأسره.
      يجب أن نعتاد العيش في كنف الدولة أي أن نتقبل فكرة الدولة وأن نحترم قوانينها ودستورها، وأن نخضع لسلطانها، لأننا خارجها نكون جماعات وطوائف وقبائل متناحرة لا رابط فيما بيننا ولا كيان لنا.
      لقد بات اللبنانيون بحاجة إلى دولة ترعى شؤونهم وتهتم لمشاكلهم وشؤون حياتهم ومعيشتهم. لقد ملّ اللبنانيون السياسة وأهلها والتي ما دخلت شيئاً إلا أفسدته، في وقت لم تنجح فيه الأحزاب اللبنانية في تقديم نموذج مقنع     للديموقراطية او للحرية او للحكم الرشيد. أصبح اللبنانيون يحتاجون إلى من يرعاهم ويتدبر أمورهم في ظل ما يعانونه من أوضاع اجتماعية واقتصادية تضغط على أنفاسهم وعلى صدورهم إلى حد بات ينذر بالانفجار ونحن عن ذلك لاهون أو غافلون.
      لبنان يا فخامة الرئيس غني بأبنائه، غني بشبابه، غني بطاقاته، غني بقدراته، غني بتاريخه أو ليس اللبنانيون هم أنفسهم من يساهمون في بناء الأوطان في العالم، أو ليس اللبنانيون هم أنفسهم من يشاركون في إنماء بلدان كثيرة في العالم، أو ليس اللبنانيون هم أنفسهم من يتولون القيادة السياسية في دول كثيرة في العالم. لماذا هم قادرون في الخارج وعاجزون في الداخل، لماذا هم يستبعدون عن قيادة المؤسسات في بلدهم، لماذا هم مهمشون في وطنهم، إذا لم يضعوا أنفسهم تحت حماية الأحزاب والتيارات السياسية ويتحولون أزلاماً لها. لماذا يصبحون غير كفؤين أو غير مؤهلين إذا ما حافظوا على شيء من عزة النفس والكرامة، واحتفظوا لأنفسهم بهامش من الحرية والاستقلال وحرية الرأي. في الدول الديموقراطية ، تتنافس الأحزاب على السلطة لخدمة الناس، وفي بلادنا تتنافس الأحزاب والجماعات على السلطة لكي يكون الناس في خدمتهم.
     لقد قضّ مضاجع الناس جدال سياسي عقيم يكاد لا ينتهي، وهو لا يسمن أو يغني من جوع، لا جوع البطن ولا جوع الفكر، لأنه تحول إلى تحديات وتسجيل مواقف، في حين نحتاج إلى منطق العقل والتفهم وأن ندرك أن البلاد بحاجة الآن إلى الحكمة والتروي والأناة والجلوس على طاولة الحوار وبناء جسور الثقة بين اللبنانيين لكل يسلم وطننا وتستقيم أمورنا.
    لقد أكدت الأحداث كلها على مدى تعلق اللبنانيين بوطنهم وأرضهم، ومدى حرصهم على وحدتهم الداخلية ووفاقهم الوطني ومدى تشبثهم بحريتهم واستقلالهم وسيادتهم، وهذا هو الرهان الأكبر على أن لبنان لا يموت ولن يموت وأن أهله هم حماته وهم ضمانة وجوده واستمراره، فلا نبتغي ضماناً يأتينا من خارج إرادة اللبنانيين ووحدتهم.

   فخامة الرئيس ،
 إذا لم تستطع القوى السياسية الاتفاق على بيان بعبدا، وهو الذي يضمن الحد الأدنى من حياد تجاه ما يجري من حولنا ، ويتضمن مبادئ ومسلمات وطنية، وحماية للسلم الأهلي في لبنان ووأد الفتنة، فكيف يمكن أن يعهد إلى هذه القوى نفسها أمر مصير لبنان ومستقبل اللبنانيين؟!

سفير روسي الكساندر زاسيبكن          

   عندما دخلت الشرق الاوسط وافريقيا الشمالية مرحلة تقلبات وقفت روسيا ضد التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ومن اجل احترام سيادة دول واستقلالها ووحدة اراضيها تلك المبادئ التي  تعتبر من اهم ثوابت الشرعية الدولية المضمونة في ميثاق الامم المتحدة وبدون التمسك بها سوف يتم اغراق المجتمع الدولي في مستنقع الصدامات بلا مخارج.
   منذ بداية مسلسل الازمات كنا مقتنعين بان سياسة اسقاط الانظمة غير مقبولة ولا يجوز للمجتمع الدولي او مجموعة دول ان تتورط فيها ويؤدي العدوان المباشر او غير المباشر الى الخراب والفوضى والتقسيم والمزيد من المآسات للشعوب ومن الواجب معالجة قضايا الاصلاحات عن طريق الحوار الوطني واستنادا على مبادئ الاعتلال والعدالة والتسامح واحترام حقوق الانسان الا ان الاحدات في المنطقة تطورت باتجاه التصعيد وانتشرت اللعبة الخطيرة باستخدام شعارات الدمقراطية من جهة واسلامية من جهة اخرى في الوقت عندما الواقع كان يدل على انتشار التطرف ومجابهة والارهاب.
   وكنا نطلب من الاطراف الخارجية عدم التدخل في النزاعات واصرنا على  ان دور المجتمع الدولي يجب ان يركز على مساعدة الاطراف الداخلية على جلوس وراء طاولة المفاوضات والضغط على النظام والمعارضة على حد سواء لبدء الحوار للوصول الى الحل السلمي. ونعتبر ان موقف روسيا يقع في الوسط بين النظام والمعارضة السياسية الوطنية.
   ومن دول المنطقة وجدنا لبنان وقف موقفا متميزا اثناء تطور الاوضاع وايدت روسيا اعلان بعبدا منذ الاول لانه يتكون اساسا للحفاظ على الاستقرار الداخلي في لبنان وايجاد الحلول للقضايا عن طريق الحوار الوطني وتجنب الفتنة الطائفية هذا  ما نفترحه لجميع الدول العربية تمر هذه المرحلة الصعبة. وتكون مسألة الاخرى الاساسية هي تحييد لبنان عن النزاعات الداخلية في البلدان العربية ويجب تطبيق هذا المبدأ من قبل الجميع وفي كافة الجوانب بدون استثناء. وسوف يؤدي العكس الى تراكم المشاكل وعدم التوازن تسبب تصعيد التوتر وعدم الاستقرار.
   وقال الوزير لافروف ان اعلان بعبدا ممكن ان يكون مثالا  للدول الاخرى في المنطقة التي ندعوها ان تأخذ على عاتقها التزامات مماثلة بخصوص عدم تدخل في شؤون الغير. ونحن مقتنعون بانه اذا وقف تمويل وتسليح من الخارج للمجموعات المسلحة التي تحارب النظام السوري فهذا يسهل ايجاد الحل السلمي سريعا جدا. ويعرف الجميع ان التطرف يتوسع عبر الحدود ووضع حاجز امامه في سورية سوف ينعكس ايجابيا على امن لبنان.
   ولا تعني رغبة تجانب الانعكاسات السلبية للازمات في المنطقة اتخاذ موقف الا مبالاة بل يشترط تأييد الحلول السلمية  للنزاعات والتضامن  مع الجهود الرامية الى التسوية السياسية واتخاذ اجراءات امنية من قبل السلطات ونقيمها ايجابيا لان الجيش وقوى الامن تلعب دورا فعالا في انقاذ لبنان من تداعيات الازمة السورية. وان لبنان يقع في وضع خاص من كل ما يحدث من حيث وضعه الجيوغرافي والحضاري والسياسي والانساني القريب من سورية.
   ومن المهم جدا تقديم مساعدة الى لبنان من كافة النواحي ابتداءا من تأكيد الاجماع الدولي الخاص بالامن والاستقرار في البلد ووصولا الى تقديم المعونات المالية والمادية للنازحين وزيادة القدرة الدفاعية للجيش اللبناني وتنفيذ المشاريع الاقتصادية المشتركة.
   اذ نركز على الحوار الوطني وضرورة  تأمين التوافق حول القضايا الاساسية للاجندة الداخلية ونريد ان نأكد ان  الاجماع الدولي حول الاستقرار اللبناني يجب ان يستمر بغد النظر عما يحدث في سورية والمنطقة كلها ومن الواجب للجميع تقديم الدعم للسلطاته اللبنانية لكي تتمكن ان تنفذ واجباتها في كل مكان في اراضي لبنانية وتطويق المشاكل وعدم سماح بحدوث الفتنة.
   ومن المهم ان الحل الجذري بالنسبة للبنان مرتبط بالتسوية السياسية في سورية التى نسعى اليها عن طريق طرح المبادرات ومنها الروسية الامريكية ويجب ان تتقدم عبر انعقاد مؤتمر جنيف-2 وتعتبر من المفيد مشاركة لبنان في هذا المؤتمر عندما سينعقد لان الوصول الى هذا الهدف سوف يزيل الاعباء والمتاعب اللبنانية ويسمح عودة النازحين السورين وسوف يؤثر ايجابيا على الاوضاع الطائفية.
   اود ان اؤكد اننا في روسيا نعتبر اعلان بعبدا من وثائق دبلوماسية معاصرة تتناسب ومرحلة جديدة بالعلاقات الدولية وفي نفس الوقت تعتمد على ثوابت الشرعية الدولية.
   ويجب ان يكن اعلان بعبدا وثيقة الوفاق والشراكة وتتكون جذوره في مبادئ دول عدم الاحياز ويمكن القول ان الوثيقة هذه تتناسب المقاييس القانون الدولي ممكن اسفادة منه المجتمع الدولي واعضاءه في المستقبل.

إعلان بعبدا في ما له وفي ما عليه
عبد الهادي محفوظ
رئيس المجلس الوطني للاعلام

 الإنقسام السياسي والطوائفي والمذهبي والمناطقي يحكم علاقات اللبنانيين وذلك بسبب انعدام الحوار وتغليب لغة الإلغاء للآخر. وقد يكون ’’إعلان بعبدا‘‘ آخر مناسبة جمعت أهل الدولة والسياسة على طاولة الحوار وأنتجت تعبيرا مشتركا شدَّد على الثوابت اللبنانية الجامعة التي ناسبت الوضع آنذاك والذي تحكمت به لاحقا معطيات متوترة أضافها الواقع الاقليمي وما يفترض من معالجات من روحية إعلان بعبدا وبما يزيل الهواجس المتبادلة ويؤدي إلى تبريد الأجواء المتأزمة.
 وبالتأكيد يصلح ’’إعلان بعبدا‘‘ منطلقا وأساسا للمعالجة وللخروج من حالة ’’الفراغ‘‘ التي تهدد بناء الدولة وسلطتها ومؤسساتها.
 فبيان بعبدا شدد على :
 الإلتزام بنهج الحوار والتهدئة الأمنية والسياسية والإعلامية والسعي للتوافق على ثوابت وقواسم مشتركة ودعم الجيش وخلق بيئة حاضنة للسلم الأهلي والوحدة الوطنية.
    وأما النقطة التي تحتاج إلى نقاش وحوار فهي ’’تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الاقليمية والدولية ما عدا ما يتعلق بواجب التزام قرارات الشرعية الدولية والإجماع العربي والقضية الفلسطينة المحقة‘‘…
   شدد الإعلان على السعي للتوافق على ثوابت وقواسم مشتركة. أي أنه ترك نوافذ لمعالجة النقاط الغامضة أو لتدارك خلافات ناشئة ومستجدة مرتبطة بتغيُّر الظروف. لكن بكل الأحوال جعل الإعلان من الحوار قاعدة أساسية وهو هنا يستجيب للنظرية السياسية التي اعتمدها الإمام السيد موسى الصدر عندما اعتبر الحوار هو المدخل الإلزامي للوحدة الوطنية وعندما استبعد الحلول السياسية الناجمة عن الطوائفية باعتبار أن المشاريع الطوائفية لا تبني وطنا ولا تبني طوائفها.
   لا أحد يستطيع أن ينكر تأثيرات الواقع الاقليمي والدولي على الداخل اللبناني. إنما هذه التأثيرات لا ينبغي أن تحول دون صياغة توافق داخلي لبناني يبعد ما هو سلبي في هذه التأثيرات خصوصا وأنه من حسن حظ لبنان تعدّد المؤشِّرات الخارجية إنما ليس من عامل خارجي واحد يجمع عليه اللبنانيون وهذا ما يعطي حظوظا كبيرة لنجاح الحوار الداخلي بما يشكل مشتركا لبنانيا. وهذه الفرصة يتيحها ’’إعلان بعبدا‘‘ كما تتيحها المبادرات البناءة كتلك التي أطلقها دولة الرئيس نبيه بري والتي تتقاطع في أكثر من نقطة مع ’’الإعلان‘‘.
   لا شك أنه في الآونة الأخيرة أثيرت نقاط اعتراض على ’’إعلان بعبدا‘‘ الذي يواجه عمليا قراءات مختلفة. ويمكن اختصار هذه الإعتراضات في ثلاث نقاط : الحياد. موضوع المقاومة. بنود الطائف التي لم تنفذ. 
   واضح أن هناك التباسا بين الحياد والتحييد.  ’’بيان بعبدا ‘‘ ليس محايدا لا في الصراع العربي – الإسرائيلي ولا في موضوع الإنتماء للعروبة ولا في التأكيد على مبدأ أن لبنان هو وطن نهائي لكل اللبنانيين. وبهذا المعنى هناك فارق أساسي بين الحياد والتحييد. فإذا كان ثمة تداخل قد نشأ بين الأزمتين اللبنانية والسورية إضافة إلى تدفق السوريين على لبنان وما يفترضه ذلك من معالجة فإن الحوار وحده هو الكفيل بإيجاد الحلول أو بحصر التداعيات.  وأما في موضوع مستقبل المقاومة فليس هناك من إشارة سلبية. فالإستراتيجية الدفاعية هدفها أولا وأخيرا تحصين لبنان من الأطماع والإعتداءات الإسرائيلية. والمقاومة بهذا المعنى هي أحد أوراق القوة في الإستراتيجية الدفاعية. عدا عن أن ’’إعلان بعبدا‘‘ يشدِّد على الإلتزام بقرارات الإجماع العربي. وهنا لا بد من التذكير بأنه بتاريخ 26 و 27 آذار 2013 وفي الدورة الرابعة والعشرين  لمجلس جامعة الدول العربية وعلى مستوى القمة في الدوحة التي كرست أعمالها لبحث الوضع العربي وآفاق المستقبل صدر عن القمة بيان عُرف بـ ’’بيان الدوحة‘‘ جاء فيه ’’نعبر عن دعمنا التام لحق لبنان حكومة وشعبا ومقاومة في تحرير أو استرجاع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا اللبنانية والأراضي اللبنانية في قرية الغجر والدفاع عن لبنان في مواجهة أي اعتداء بكل الوسائل المشروعة والمتاحة ‘‘. هذا الإلتزام من جانب ’’بيان بعبدا‘‘ ببيان الدوحة هو كاف في حد ذاته في موضوع المقاومة.
    أيا يكن الأمر… إذا كانت الحلول الطائفية بلاء للوطن فإنه أصبح من الضروري تطبيق البنود التي لم تنفذ في الطائف وعلى رأسها تشكيل لجنة إلغاء الطائفية وإقامة مجلس شيوخ.
    باختصار الشحن الإعلامي يجعل من الكلمة أخطر من الرصاص. ويقرِّب الفتنة. وهذا ما يفترض إرادة سياسية واحدة لأن الضرر لا يقتصر على طائفة أو منطقة… وبالتالي أصبح من الضرورات توفير مثل هذه الإرادة الواحدة في حكومة وحدة وطنية بالتوافق والحوار وعبر إلغاء الشروط والشروط المضادة… فالبلد يعيش واقعا أمنيا خطيرا وواقعا اقتصاديا مترديا… والخروج من هذا الواقع يلزم المجتمع السياسي بالإلتفاف حول الجيش ضامن الوحدة وتحصينه من انعكاسات الخلافات داخل الطبقة السياسية والتشديد على اعتبار اسرائيل العدو المشترك لكل اللبنانيين.  كذلك لا بد من البحث عن المقاربات البناءة سواء في تشكيل حكومة وحدة وطنية أو في اللقاء من جديد حول طاولة الحوار قبل الوقوع في الفراغ… ولا خلاص إلا بتعزيز فكرة الدولة وتعزيز فكرة المواطنة والوصول إلى قانون انتخاب يعتمد النسبية ويتيح الفرصة أمام تمثيل كامل للمرأة والشباب ويوفر مناخات الخروج من الحسابات الطوائفية… وكذلك اعتماد اللامركزية الإدارية التي تضمن التوازن الإجتماعي وتحيي الطبقة المتوسطة من خلال توفير ضمان صحي اجتماعي وضمان للشيخوخة وفرض ضريبة تصاعدية لتوفير الحد الأدنى من العدالة الإجتماعية.
   الصيغة اللبنانية هي تعبير عن حوار الحضارات والأديان… وما يجري حاليا من خلافات مستحكمة وعدم تقبل للآخر قد يودي بهذه ’’الصيغة‘‘ ويفجرها. فعلى ما يقول قول مأثور يصلح لتوصيف المجتمع السياسي اللبناني والإنقسام’’كثرة الخلاف شقاق. وكثرة الإتفاق نفاق‘‘. و هذه الناحية أدركها مبكرا ابن خلدون عندما استنتج بأن ’’العصبيات لا تبني أوطانا‘‘. هذه العصبيات أصبحت السمة الأساسية في حسابات المجتمع السياسي وفي الترويج الطائفي والمذهبي.  و الملفت للنظر أن البيان الوزاري الأول لحكومة الإستقلال الأولى في 7 تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1943 اعتبر أن الطائفية ’’تقيّد التقدم الوطني من جهة وتشوّه سمعة لبنان من جهة أخرى فضلاً عن أنها تسمّم روح العلاقات بين الجماعات الروحية المتعددة التي يتألف منها الشعب اللبناني . وقد شهدنا كيف أن الطائفية كانت في معظم الأحيان أداة لكفالة المنافع الخاصة , كما كانت أداة لايهان الحياة الوطنية في لبنان إيهاناً يستفيد منه الأغيار‘‘.
   ختاما :في التاريخ اللبناني الحديث كان هناك محاولة إصلاحية جدية للرئيس الراحل الجنرال  فؤاد شهاب عززت من وضع مؤسسات الدولة والهيكلية الإدارية وربطت الأرياف المهملة بالدولة المركزية وقرَّبت اللبنانيين من فكرة المواطنة… هذه المحاولة أضعفتها من جديد الحروب الأهلية المتجددة بأشكال مختلفة حيث أصبحنا نعيش حربا دائمة تقطعها هدنات مؤقتة وبحيث أصبح السؤال هل تصمد الدولة أم تتفكك أم تختفي إذا ما وصلت إلى حالة فراغ شامل كما توحي الصراعات وتبعية الداخل للخارج غير المتفاهم حول لبنان. فإذا كانت التفاهمات الأميركية – الروسية تنتج حلا سياسيا في سوريا ، فإن الإستقرار اللبناني محكوم إلى تفاهمات سعودية – ايرانية لا يبدو أنها قريبة… ولذلك فإن حكمة اللبنانيين هي في حفظ بلدهم أولا وتغليب المصلحة الوطنية وتبادل التنازلات قبل فوات الأوان. وفي هذا السياق فإن رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي الوزير وليد جنبلاط على حق عندما يستنتج بأنه ’’لا بديل عن الدولة كمرجعية ومظلة حامية للبنانيين جميعا لا سيما مع تنامي التحديات السياسية والأزمة الإقتصادية والإجتماعية على أكثر من صعيد‘‘. وهو مصيب أيضا عندما ينصح ’’بالتقاط اللحظة النادرة اقليميا ودوليا والمواتية للمصلحة اللبنانية في الخروج من الإنقسام والخروج من القطيعة السياسية وفي أولوية رغيف الخبز والأقساط المدرسية والأمن وفرص العمل‘‘.
شكرا لفخامة الرئيس العماد ميشال سليمان لرعايته هذا اللقاء المرجو منه أن يكون بوابة للتلاقي وتقريب المسافات ولجم التوترات وتبريد الرؤوس الحامية والبحث عن الحلول الممكنة واستبعاد سياسات الإلغاء.

المبادىء الميثاقية التي يستند اليها اعلان بعبدا

البروفسور فايز الحاج شاهين
عضو هيئة الحوار الوطني

   ان مداخلتي تحمل العنوان الآتي:
” المبادىء الميثاقية التي يستند اليها اعلان بعبدا”

   سؤالان ينبغي الاجابة عليهما:
   السؤال الاول: ما هي هذه المبادىء الميثاقية؟
   السؤال الثاني: ما هي القيمة المضافة التي ادخلها اعلان بعبدا على هذه المبادىء ؟

   اولا: في المبادىء الميثاقية

   ان المبادىء الميثاقية لاعلان بعبدا، الذي يتضمن 15 بنداً، هي تلك المكرسة في مقدمة الدستور وفي وثيقة الوفاق الوطني المعروفة باتفاق الطائف.
جاء في البند 10 من اعلان بعبدا ما يلي:
   ” تأكيد الثقة بلبنان كوطن نهائي وبصيغة العيش المشترك وبضرورة التمسك بالمبادىء الواردة  في مقدمة الدستور بصفتها مبادىء تأسيسية ثابتة.”
جاء في البند 11 من هذا الاعلان ما يلي:
   ” التمسك باتفاق الطائف ومواصلة تنفيذ كامل بنوده.”
     
      نظراً لضيق الوقت سأحصر بحثي بالبندين 12 و 13 من هذا الاعلان، لانهما موضوع الساعة.
   جاء في البند 12 من اعلان بعبدا ما يلي :
   تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الاقليمية والدولية وتجنيبه الانعكاسات السلبية للتوترات والازمات الاقليمية ، وذلك حرصا على مصلحته العليا ووحدته الوطنية وسلمه الاهلي، ما عدا ما يتعلق بواجب التزام قرارات الشرعية الدولية والاجماع العربي والقضية الفلسطينية  المحقة بما في ذلك حق اللاجئين الفلسطنيين في العودة الى ارضهم وديارهم وعدم توطينهم. “
   ان البند 12 يستند “الى الفقرة ( ي) من مقدمة الدستور التي تنص على مبدأ الالتزام  بميثاق
   العيش المشترك وذلك لان التحييد المشار اليه في هذا البند  يهدف الى مصلحة لبنان العليا، 
ووحدته الوطنية وسلمه الاهلي “
   يجدر التركيز على ان التحييد الوارد في البند (12) اعلاه ليس هدفا بحد ذاته بل هو وسيلة. اما الهدف فهو “المصلحة العليا”   و”الوحدة الوطنية ” و”السلم الاهلي”.
   ان هذا البند يستند ايضا الى الفقرة (ب) من مقدمة الدستور التي تنص على ان ” لبنان عربي الهوية والانتماء” وذلك لانه يتضمن الالتزام بالاجماع العربي والقضية الفلسطينية وحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة”

   كما يستند الى الفقرة (ط) من مقدمة الدستور التي تنص على عدم توطين الفلسطينيين وذلك لانه يتضمن تأكيداً على رفض التوطين.
   جاء في البند 13 من اعلان بعبدا على ما يلي:

“13- الحرص (تاليا) على ضبط الاوضاع على طول الحدود اللبنانية السورية وعدم السماح باقامة منطقة عازلة في لبنان واستعمال لبنان مقرا أو ممراً او منطلقاً لتهريب السلاح والمسلحين، ويبقى الحق في التضامن  الانساني والتعبير السياسي والاعلامي مكفول تحت سقف الدستور والقانون.”
   ان هذا البند يستند الى وثيقة الوفاق الوطني التي تضمنت فقرة تحمل عنوان ” العلاقات اللبنانية السورية”

   جاء في هذا العنوان ما يلي :
   “يقتضي عدم جعل لبنان مصدر تهديد  لامن سوريا وسوريا لامن  لبنان في اي حال من الاحوال. وعليه فان لبنان لا يسمح بان يكون ممرا او مستقرا لاي قوة او دولة او تنظيم يستهدف المساس بأمنه او أمن سوريا.  وان سوريا الحريصة على امن لبنان واستقلاله ووحدته  ووفاق ابنائه لا تسمح بأي عمل يهدد أمنه واستقلاله وسيادته.”

 هذه هي  باختصار المبادىء الميثاقية .
 فما هي ” القيمة المضافة التي ادخلها اعلان بعبدا؟
 
   ثانيا:في القيمة المضافة التي ادخلها اعلان بعبدا على  المبادىء الميثاقية:

   ان هذه القيمة المضافة تظهر من خلال الامور الآتية:

   الامر الاول:
 ان اعلان بعبدا شكل اطاراً وطنياً لتأكيد الالتزام بالمبادىء الميثاقية التي ذكرناها.
   ان الدساتير والمبادىء الكلية، التي تبنى على اساسها الاوطان والدول، ليست محطة زمنية آنية تبدأ وتنتهي مع صدورها او اعلانها.انما وجدت لتدوم.
   ان الالتزام بها  هو عملية مستمرة والتقيد بها هو بمثابة فعل ايمان للمسؤولين والمواطنين.

   الامر الثاني:
   ان اعلان بعبدا كان موضع اجماع وهو يدل على ان اتفاق اللبنانيين بعضهم مع البعض ليس عملية مستحيلة.
فاذا كانت السياسة تفرق فالمبادىء الميثاقية تجمع.
   قد يقال ان الاجماع الذي كان متوفراً يوم اعلان بعبدا بتاريخ 11/6/2012 لم يعد متوفراً اليوم وان هذا  الاعلان تعرض للانتكاسات من قبل اكثر من جهة  لبنانية.
   ان هذا الكلام صحيح ولكن يمكن الاجابة عليه.
   ان اتفاق الطائف تعرض للانتقادات واصيب بانتكاسات تم وصفها بانها “انقلاب على الطائف”.

   لكن اتفاق الطائف رغم كل ذلك بقي متمتعاً بقوته الميثاقية.
   وما يصح بالنسبة لاتفاق الطائف يصح بالنسبة لاعلان بعبدا.

   الامر الثالث:
   ان اعلان بعبدا شكل مناسبة لتجديد ثقة الامم المتحدة وجامعة الدول العربية والمجموعة الاوروبية بلبنان وباهمية الوفاق بين اللبنانيين.
   بتاريخ 21/6/2012 تم تسجيل اعلان بعبدا كوثيقة  رسمية من وثائق الامم المتحدة في دورتها العادية العامة السادسة والستين   .
   هذا ما يذكرنا بالاعلانين الصادرين عن مجلس الامن بتاريخ 7/11/1989 و بتاريـــــخ 22/11/1989 اللذين يتضمنان تأييداً لهذا الاتفاق.
   بتاريخ 23/6/2012 صدر عن  الامين العام  لمجلس جامعة  الدول العربية بيان نوه باعلان بعبدا واصفا  اياه ” بانه ارسى مجموعة من الثوابت والقواسم المشتركة التي اجمع عليها اللبنانيون  باعتبارها  منطلقات  تأسيسية للحوار . “
   بتاريخ 23 /7/ 2012 صدر عن  وزراء خارجية  الدول الاوروبية   المجتمعون  في بروكسيل بيان اشاد  باعلان بعبدا.

   فخامة الرئيس
   ايها الحضور الكرام

   اسمحوا لي ان انهي مداخلتي بثلاث ملاحظات:

   الملاحظة الاولى:
   ان تاريخ لبنان الحديث عرف محطتين ميثاقيتين:

   ـ الاولى سنة  1943 وهي سنة اعلان الاستقلال.
   ـ الثانية سنة 1989 وهي تاريخ تصديق  مجلس النواب على وثيقة الوفاق الوطني المعروفة باسم اتفاق الطائف.
بين هاتين المحطتين  توجد نقطة التقاء ونقطة تمايز.
   اما  الالتقاء فهو ان هذين  الميثاقين  يؤكدان على ان الوفاق الوطني هو مبرر وجود لبنان.
   اما التمايز  فهو ان الميثاق الوطني عام 1943 كان مبنياً عل سلبيتين:

 Deux Négations:

ـ لا للشرق
    و
 لا للغرب

   اما الميثاق الوطني الحالي فهو مبني على ايجابيتين:Deux Affirmations
    ـ الاولى  مكرسة  في الفقرة (آ)  من مقدمة الدستور التي تنص على ان لبنان وطن نهائي لجميع ابنائه.
    ـ الثانية  مكرسة في الفقرة (ي) من هذه المقدمة  والتي تنص على ” ان لا شرعية  تناقض ميثاق العيش المشترك ”
ان للعيش المشترك مفهوماً خاصا في لبنان.
   في اكثرية الدول التي تتميز بالتنوع الطائفي او الاثني،  يوجد عيش مشتـــــرك بالمعنــــــى السوسيولوجي.
   الناس، هناك، تعيش بعضها مع البعض وتتعامل بعضها مع البعض اجتماعياً
واقتصادياً  ومالياً.
   اما في لبنان فالعيش المشترك له معنى دستوري يتمتع بقوة الزامية وهذا المعنى هو الحق  لكل طائفة بالاشتراك في السلطة. وهذا  الحق يضمنه الدستور . 
    
   الملاحظة الثانية:
   للاسف يوجد حالياً في لبنان انقسام حاد بين اللبنانيين ولكن ما يخفف من حدة هذا الانقسام هو
   انه ليس طائفياً بل سياسي: ففي كل فئة نجد اطرافا من كل الطوائف حتى لو كانت الارجحية
فيها لمذهب معين.
   لكن التخفيف من حدة هذا الانقسام لا يلغي تأثيره البالغ السلبية على الحياة اليومية للمواطنين وعلى حسن سير مؤسسات الدولة.
    مما يحتم علينا العمل على ان يكون الاختلاف في الرأي دليل  عافية ديمقراطية وليس مصدراً للاحتقان وللاقتتال.

   الملاحظة الثالثة:
   مملا لا شك  فيه ان الاختلاف بين السعودية وايران ينعكس سلبا على لبنان وان الوفاق بينهما ينعكس ايجابا عليه .
   فلماذا  لا يقوم لبنان بمحاولة  التوفيق بين هاتين الدولتين  الكريمتين ؟
   لماذا لا يصار الى تأليف لجنة مشتركة من كبار الشخصيات اللبنانية السياسية والدينية والفكرية
   المشهود لها  بالمصداقية والكفاءة لاجل القيام بمساعي التوفيق ؟
   ان تاريخ لبنان مليء بالسابقات التي انتظر فيها ان ينزل عليه  الوفاق الذي يصنعه الاخرون.
   فلماذا لا يصار الى ابدال  منهجية “الانتظار” بمنهجية “المبادرة”؟

   قد يقال ان نجاح هذه المبادرة ليس اكيدا ولكن علينا ان نسعى لان السعي ، في الظروف الحالية، هو واجب وطني يفرض نفسه لاجل كسر الجمود والخروج من الازمة . فاذا نجحت كان فيها كل الخير، واذا  فشلت  فليس فيها تفاقم للضرر.
   طالما تغنى لبنان بانه جسر بين الشرق والغرب . لماذا  لا يحاول ان يكون جسرا  بين ايران والسعودية ؟
وهذا أضعف الايمان.
   انني اضع هذا الاقتراح في دائرة  تقدير الذين يؤمنون بثقافة الحوار وهم كثيرون في لبنان .

وشكرا لكم .
(انتهى)
______________________________

       

Print Friendly

عن admin

شاهد أيضاً

نشرة الأربعاء 16 تشرين الأول (10) 2019 العدد 5781

رئيس الجمهورية تابع التطورات المتعلقة بالحرائق في عدد من المناطق، وقمة لبنانية-ايرلندية غدا في قصر ...

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *