«ثورة الشباب اللبناني»
وشعار إسقاط النظام الطائفي
الشمس العدد 135 2011
يحظى شعار «إسقاط النظام الطائفي في لبنان» باهتمام الشباب الشعار هو القاسم المشترك مع «الثورات العربية» التي رفعته «إسقاط النظام».
وأما الإضافة اللبنانية فكانت الصفة الطائفية. من هنا يمكن اكتشاف تأثير «الثورات العربية» على الحركة الشبابية في لبنان. وهو تأثير «البعد القومي» الذي في حالات الصحوة العربية يؤدي عمليا الى تراجع العامل الطائفي او القبلي او الجهوي.
النظام الطائفي في لبنان متجذر وهو الأرسخ في المعادلة اللبنانية. والمحاولة الاصلاحية الوحيدة جاءت من جانب الجنرال فؤاد شهاب الذي ساهم في تكوين مؤسسات الرقابة والمحاسبة وفي تحييد ادارة الدولة عن تدخلات الاقطاع السياسي. كما أعطى حيزاً واسعاً للكفاءة والخبرة بأن تكون مدخلا لقطاعات شبابية من خريجي الجامعات في الدخول الى ملاكات الدولة عبر مجلس الخدمة المدنية كما انه حاول إحداث إنماء متوازن في الأطراف والأرياف البعيدة لمعالجة النمو العشوائي لأحزمة البؤس في بيروت وضواحيها نتيجة الخلل الكبير الناجم عن ان دولة لبنان الكبير ألحقت الأقضية الاربعة «بنظام المتصرفية» من دون ان تنقل «الدولة اليها».
باختصار عزز فؤاد شهاب «فكرة الدولة» وإن لم ينجح في إلغاء السقوف المتعددة للطوائف وللمواطنية. على الأقل حاول من داخل السلطة… وكانت نقطة الضعف الأساسية في مشروعه انه لم يشتغل على قوة اجتماعية من داخل المجتمع المدني تحمل مشروع الاصلاح.
الحركة الشبابية الآن تحمل وعداً إصلاحياً بزخم رومانسي يصيب عمق المشكلة اللبنانية حيث العلة الاساسية هي في النظام الطوائفي الذي تحميه شبكة واسعة من المصالح الاقتصادية والاجتماعية والذي يتجه في العمق نحو صيغة فيدرالية من كانتونات الطوائف عبر اضعاف فكرة الدولة وتهميش مؤسسات الرقابة والمحاسبة واستبعاد الكفاءة وتعزيز المحسوبية. وواقع الامر لا يمكن للنظام الطوائفي الا ان يكون مصدراً للتوترات الداخلية. وهذا ما لمّح اليه البيان الحكومي الأول لحكومة الاستقلال في 7 تشرين الاول 1943 حيث اعتبر «ان الطائفية تقيّد التقدم الوطني من جهة وتشوّه سمعة لبنان من جهة أخرى فضلاً عن انها تسمّم روح العلاقات بين الجماعات الروحية المتعددة التي يتألف منها الشعب اللبناني. وقد شهدنا كيف ان الطائفية كانت في معظم الاحيان أداة لكفالة المنافع الخاصة. كما كانت أداة لإيهان الحياة الوطنية في لبنان إيهانا يستفيد منها الأغيار…»
والواضح ان الطائفية السياسية هي مصدر أساسي من مصادر الإنقسام اللبناني والنزاعات اللبنانية. والايجابي في «الثورة الشبابية اللبنانية» انها تأتي كعنوان للاعتراض على هذا الانقسام وهذه الطوائفية عبر التشديد على فكرة المواطنة غير المرتبطة بحسابات الطوائف وأمرائها. وبهذا المعنى اذا كان المحرّك الأساسي المباشر للثورات العربية هو فساد السلطة السياسية والفقر وغياب الضمانات الاجتماعية والصحية وتفشي البطالة بين الشباب وخريجي الجامعات… اذا كان هذا هو المحرّك مضافاً اليه عنصر الصحوة القومية فإن «الثورة الشبابية في لبنان» هي على تماس يومي بفساد السلطة كما ان الشباب هم الأكثر تحسساً لمشكلة السكن والزواج والوظيفة والتمزق الاجتماعي والحروب الأهلية المتربصة بهم عندما يختلف أمراء الطوائف.
نحن في مرحلة يصح فيها القول المأثور لتوصيف المجتمع السياسي اللبناني: «كثرة الخلاف شقاق وكثرة الاتفاق نفاق»… هذه هي فعلا المعادلة التي تحكم العلاقة داخل الطبقة السياسية اللبنانية. ومن حسن الحظ ان «الثورة الشبابية» هي جزء من المشهد اللبناني الحالي بقواه الشبابية الحية وهي يمكن ان تكون نقطة استقطاب للقواعد الشبابية سواء للأحزاب التقليدية التاريخية أو للأحزاب الطوائفية. وهذا يفترض وعياً اضافياً من الحركات الشبابية بحيث تدرك ان ما تطرحه يمكن ان تستجيب له هذه «القواعد» اذا أحسنت التعاطي ولم تحرق المراحل. فالواضح ان هناك تفاوتا في الرؤية السياسية لدى التيارات الشبابية يستتبع احيانا خلافا في ترتيب الأولويات او الانجرار الى نوع من «الطفولة اليسارية» التي تكتفي بالتميّز وبأن «الشعب» سيلحق بها عفوياً وبنوع من «الحتمية التاريخية»، فالمسألة اكثر تعقيداً وحساسية مما يعتقد البعض. فالتعريف بالمصطلح أمر ضروري كما تحديد توقيته اكثر ضرورة. فللأسف ان مصطلح «العلمانية» مفهوم خطأ لدى غالبية الناس اذ تعتبره نقيض الدين. ولذلك السؤال هل يُفترض ان يكون في الواجهة ام من الممكن استبداله بمفهوم القيم المدنية المرتبطة بالدولة المدنية. هذه الناحية قد يكون التفت اليها مبكرا المطران غريغوار حدّاد الذي يمكن ان تستفيد «الحركات الشبابية» من تجربته وطروحاته وتعريفاته للمصطلحات ومن الكراريس التي أصدرها حول المجتمع المدني. فالمطران غريغوار حددا شارك مع الإمام السيد موسى الصدر والأب يواكيم مبارك والدكتور حسن صعب منذ بداية السبعينات في بلورة «توجّه مدني» يغلب فكرة المواطنية في وطن على المواطنية في طائفة… وهذا تراث مهم قطعت الطريق عليه الحرب الاهلية في العام 1975 وهي حرب طوائفية هدفها باستمرار تجديد «النظام الطائفي» الذي يتيح احيانا فترات موقتة من الهدنة. فقد اسقط اتفاق الطائف «نظام المارونية السياسية» وانما لم يُسقط النظام الطائفي الذي أسّس لمحاصصات طوائفية غير مستقرة باعتبار ان المشاريع الطوائفية هي في نهاية الأمر بلاء على الوطن وعلى طوائفها.
وحتى لا تكون «الثورة الشبابية» في لبنان مجرّد «إضافة فولكلورية» كما يرغب في ذلك أركان «النظام الطوائفي» باعتبارها «ظاهرة موقتة وعابرة» ينبغي ان تدرك «الحركات الشبابية» ان النظام الطائفي «لن يسقط غدا». فمن سمة الشباب السرعة والعجلة. وسيفاجئهم هذا النظام الطوائفي بأنه قادر على زرع الانقسام بين مكوّناته الأهلية بحيث يعزلهم اذا لم يعرفوا كيف يطرقون بابه الطائفي من عنوان «المشترك بين اللبنانيين» وبمراكمة الإنجازات. وهذا يفترض ربط شعار إسقاط النظام الطائفي بالهموم التي يعاني منها كافة اللبنانيين. اذ لا حماية في هذا البلد الا للنظام المصرفي الذي يقود عمليا من خلف الستار كل الطبقة السياسية الطوائفية… وهكذا لا بد من بلورة مشروع جامع لكل التيارات الشبابية وبإنتاج صيغة تنظيمية تستفيد من التجربة المصرية بحيث تكون القيادة جماعية ولا مكان فيها «لزعيم» بحيث تطرح المساءلة والمحاسبة من القواعد وبحيث تحول دون انحراف هذه «التيارات» او احتوائها. وفي هذا السياق حتى تحوز هذه «التيارات الشبابية» على دعم شبابي حقيقي المطلوب ان يكون هناك عناوين للتحرك منها يوم للمحروقات.يوم للبطالة. يوم للنخب. يوم للصحة والطبابة. يوم لاقساط الجامعة والمدرسة. يوم لقانون انتخابات يلغي القيد الطائفي ويعتمد النسبية. يوم لمشاكل الأرياف… كما المطلوب الربط بين «تيارات المدن» و«تيارات الأطراف» وابتداع الصيغ التنظيمية لذلك. وفي هذا المجال ثمة تجربة غنية للمؤتمر الوطني لنبذ الطائفية في البقاع وعكار حيث تم تحديد المطالب المرحلية من النظام الطائفي وتم تحديد الأولويات التي تخرج المحافظتين من أسر الحسابات الطوائفية.
في كل الاحوال ثمة قضية مطروحة على «التيارات الشبابية» وتتناول تحديد موقع لبنان في بعده القومي العربي، وفي علاقاته بالثورات العربية وفي موضوع الصراع العربي – الاسرائيلي. وباختصار شديد اسقاط النظام الطائفي هو الذي يلغي على المدى البعيد ان نكون نحن اللبنانيين ضحايا حروب اهلية مستمرة وهدنات موقتة.
عبد الهادي محفوظ