الاستاذ عباس .. مدرستي وجامعتي
بيروت في :29-9-2004
بقلم محمد بنجك
شكل الأستاذ عباس بدر الدين, أعاده الله سالما الى أسرته ووطنه, بالنسبة لي, مدرستي وجامعتي, وينبوع العطاء الذي زودني بذخيرة لم تنضب حتى الآن على الرغم من مرور 32 عاما وما يقارب الشهرين على استقباله لي في مكتبه في الطابق السادس في بناية خاتون في قلب العاصمة بيروت.
كان ذلك عصر يوم 11 أغسطس / آب من العام 1972 عندما وصلت من قريتي الناقورة الى العاصمة للمرة الأولى برفقة صديق مشترك هو أحمد زكي الجمل, ليأخذ الأستاذ عباس, كما اعتدت وأحببت مخاطبته, بيدي, وأنا ابن التاسعة عشرة, ويتعهدني برعايته وصدره الواسع ودماثة خلقه وقلبه الكبير وعلمه الوفير وما لا يحصى من الصفات التي يندر مثيلها في زمننا الراهن.
في "وكالة أخبار لبنان", المدرسة والجامعة في آن, كتب الأستاذ عباس الأحرف الأولى على الصفحة الأولى في عملي المهني, عندما قال لي: أليس من المبكر أن تتزوج في هذا العمر؟ ولما لاحظ دهشتي واستغرابي زاد بقوله: هذه المهنة يا محمد تتطلب عهدا مثل عهد الزواج, وهو حبها والأمانة والوفاء والإخلاص لها, واعتبارها البند الأول في جدول أعمال مفتوح يتجدد يوما بيوم وساعة بساعة أحيانا, وإلا فلا مجال للتعب.
ما زال صوته الدافىء الهادىء يرن في أذني , وما زلت وفيا لما لقنني إياه على مدى ست سنوات, وما زلت أذكر تعاليمه وتوجيهاته, بدءا من تدريبي في الوكالة على كل شيء فيها وصولا الى مساعدتي في العام 1974 على الانتقال الى جريدة "المحرر" عبر اتصال مع الصديق الأستاذ رياض أبو ملحم وكان مدير تحريرها آنذاك.
في الوكالة كان الدرس الاول من الأستاذ متابعة الخبر من لحظة وصوله من المندوب الى كيفية إعادة صياغته في ديسك التحرير وعنونته وطباعته ومن ثم الكيفية التي ينشر بها في الصحف في اليوم التالي, لملاحظة عملية نموه وتطوره, حيث كان الحصول عليه من المندوب وتزويد الوكالة به ما يشبه التشكل الجنيني وتكون الولادة الفعلية يوم نشره في الصحف.
وكان الدرس الثاني عن وجوب العناية باللغة العربية التي كان الأستاذ مجليا فيها ودقيقا وحازما جدا في منع أي خطأ, حرصا على عمل نظيف مائة في المائة, ما وفر ل"وكالة أخبار لبنان",تحت جناحي الأستاذ عباس, رصيدا كبيرا لدى الصحف ولدى غيرها من المشتركين سواء أكانوا مسؤولين أم دوائر ومؤسسات.
وحفظت الدرسين عن ظهر قلب, وكان الأستاذ عباس يثني حينا ويعتب بلطف وخلق عال أحيانا, وكان يوصي الأساتذة في الوكالة المرحوم علي القيسي والمرحوم محمود زين العابدين وعوض شعبان ونور الدين الحصري أطال الله بعمرهما وغيرهما من الزملاء المخبرين بأن يهتموا بي ما أمكنهم ذلك, إلى أن قدّر الله لي برعاية الأستاذ عباس وعنايته ومتابعته أن تسلمت منصب سكرتير التحرير في الوكالة, وهو ما لم أكن أحلم به في وقت قصير لا يتعدى السنوات الأربع.
الى العمل التحريري, حرص الأستاذ عباس على أن أتعلم في الوكالة كل شيء من السكرتيريا الى الأرشيف الى الطباعة على الآلة الكاتبة الى العمل على الآلة الناسخة التي تعني المرحلة الأخيرة في إنجاز العدد اليومي قبل أن يتولى الموزعون توزيعها.
وهكذا عبرت بنا السنوات من أغسطس العام 1972 الى أغسطس العام1978 وهو الشهر المأساة الذي سافر فيه الأستاذ عباس الى ليبيا برفقة الإمام الصدر والشيخ محمد يعقوب, وما زلنا إلى اللحظة كما الأسرة والوطن بما فيه من محبين ومريدين ننتظر العودة على الرغم من طول السفر.
ما زلت الى اللحظة أذكر للأستاذ عباس لطفه ورقته ومحبته وأنه المعلم الأول وصاحب الفضل الأول بعد الله سبحانه في ما أنا عليه اليوم مما اشكر الله وأحمده عليه, وما زلت دائم الدعاء بأن يرده إلينا سالما. إنه سميع مجيب الدعاء.




