الاعلامي المتوقد
بيروت في 28/8/2002
بقلم غازي فريج
مدير تحرير وكالة اخبار لبنان سابقا
رئيس جمعية متخرجي جامعة الامام الاوزاعي
بدأت معرفتي بالأستاذ عباس بدر الدين مع بدايات الحرب اللبنانية، وكنت يومها قد أمضيت بضع سنوات في الصحافة متنقلاً بين عدد من الصحف المحلية بدءاً بالصحافة الرياضية، مروراً بالثقافة والترجمات، ثم التحقيقات، وانتهاءاً بالسياسة وقانا الله شرورها!
عرفت في هذا الرجل إعلامياً متوقد النشاط خفيف الظل حاضر الدعابة، ذا باع طويل في دروب السياسة اللبنانية، وممارسات أهلها، وصاحب خبرة في دهاليز العمل العام، يعرف الكثير من مداخلها ومخارجها. وهذا ما جعله مقرباً من بعض المعنيين بالشأن العام في تلك المرحلة العصيبة من تاريخ لبنان، وعلى رأسهم الإمام المغيب السيد موسى الصدر.
كان عباس بدر الدين صاحب خط وطني واضح تميزت به "وكالة أخبار لبنان" آنذاك. كان مؤيداً للدولة اللبنانية داعماً لمؤسساتها. لم يثنه عن هذا الخط ظهور قوى سياسية عديدة على الساحة، ومعها الكثير من الإغراءات المالية والمعنوية. لقد كان رهانه على الدولة ثابتاً، لأنها هي ام الثوابت وضمانة الجميع. أما القوى الأخرى – برأيه- فقد أفرزتها الحرب المحلية العبثية، فهي طارئة على واقعنا اللبناني، ولا بد من أن تزول بعد زوال الأدوار المرسومة لها…
هذه القناعة الوطنية الثابتة قربته من الامام موسى الصدر ،و جعلته الاعلامي الاول في المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى آنذاك.و هذه المكانة هي التي قدرت له ان يكون ثالث ثلاثة عندما اصطحبه الامام موسى الصدر مع الشيخ محمد يعقوب في زيارته الوحيدة و الاخيرة الى ليبيا ،ليصبح اختفاؤهم لغزا لم يتمكن احد من جلاء غموضه حتى الان.
كانت تربطني بالزميل عباس بدر الدين ثقة متبادلة قويت بفعل التعامل المهني والحرص المشترك على جودة الأداء الإعلامي وحسن الصياغة ودقة الخبر.
في صيف سنة 1978 كانت "وكالة أخبار لبنان" قد اضطرت، بحكم المعارك في وسط بيروت، إلى ترك مكاتبها في منطقة العازارية.
ثم حلت لبعض الوقت "ضيفاً" على إحدى مدارس النائب السابق الأستاذ حسين اليتيم في محلة زقاق البلاط! هناك فوجئنا ذات يوم بالأستاذ عباس يزور أسرة التحرير في الوكالة مودعاً – قبيل سفره – وبصحبته الشيخ محمد يعقوب.
سأل الأستاذ عباس الزملاء عن الهدية التي يفضلها كل منهم.
قال أحدهم أن التمور الليبية طيبة المذاق!و تمنى آخر ان يعرجوا في رحلتهم على عاصمة اوروبية لكي تكون الهدية حرزانة! أما أنا فتمنيت له سلامة الذهاب والعودة…. ولكن القدر لم يشأ أن ينال أحد منا "هديته!".
أواخر صيف 1978 انتقلت الوكالة بمساعي السيدة زهرة يزبك بدر الدين زوجة الأستاذ عباس وبمساعدة بعض الأصدقاء، إلى مكاتب شبه دائمة في بناية تقع في محيط المدينة الرياضية قبالة السفارة الصينية. ومن هناك استمرت الوكالة تؤدي دورها الإعلامي، محافظة على خطها الوطني بالرغم من كل الصعوبات والمشكلات التي كانت تعترض عملنا. لقد غادرنا البعض، وطعننا البعض الآخر في الظهر، وتخلى عنا الكثيرون. ولكن الوكالة بقيت حاضرة على الساحة الإعلامية، ولم تنحرف عن خطها الوطني، واستمرت كذلك حتى توقفت مؤقتاً عن الصدور بسبب الاجتياح الإسرائيلي صيف 1982.
يومها سلمت الأمانة إلى السيدة بدر الدين، وآثرت أن أرتاح من شؤون الوكالة وشجونها، ومن مشكلات الإعلام والإعلاميين…. والناس أجمعين!
وما زلت حتى كتابة هذه السطور آملاً أن ينجح الأستاذ زاهر بدر الدين في تأمين استمرارية الوكالة على الخط الذي أراده والده، مع اختلاف الظروف وتقلبات الزمان والمكان!.




