عباس بدر الدين: ذلك الإعلامي الرزين
بيروت في :6-7-2002
بقلم باسم الجسر
عرفت عباس بدر الدين في مطلع الستينات صحافياً شاباً نشيطاً وحاضراً في كل المواضع والمناسبات التي تقضي مهنة تغطية الأحداث بها. كان قد بدأ يكون لنفسه علاقات وصداقات مع الذين يصنعون الأحداث في لبنان ساعدته على إنشاء وكالة أنباء محلية "وكالة أنباء لبنان"، التي ما لبثت أن احتلت مكانتها بين الوكالات الصحفية الأربع أو الخمس التي كانت تصدر في بيروت وتوزع على الصحف ووكالات الأنباء الخارجية والمراجع الرسمية والشخصيات السياسية إذ كانت أخبارها دقيقة وموثوقة وموضوعية.
وتوثقت العلاقة الشخصية والمهنية بيني وبين عباس بدر الدين، بعد أن عينت مديراً لمصلحة الأنباء في عام 1962، وأشرفت على إنشاء "الوكالة الوطنية للأنباء" في وزارة الأنباء (يومذاك). فبحكم وظيفتي كان علي أن أتعاون، وأن أنافس وكالات الأنباء الخاصة التي استقبلت صدور نشرة الوكالة الوطنية بكثير من التحفظ والقلق على مصيرها، نظراً لتفوق إمكاناتها عليها. ولكن وكالة عباس بدر الدين نجحت في الصمود مستمرة في صدورها وإقناع الصحف والوكالات والشخصيات المشتركة فيها بمواصلة اشتراكهم فيها. بل إن علاقة تعاون من نوع خاص، قامت بين الوكالة الوطنية الرسمية التي كنت أديرها و"وكالة أنباء لبنان"، فكانت هذه الوكالة تنشر، أحياناً، أخباراً لم تكن الوكالة الرسمية قادرة على نشرها، بالرغم من صحتها. ولا شك في أن شخصية عباس بدر الدين الرزينة والجدية والمقتدرة صحفياً والذكية، سهلت كثيراً هذا التعاون ونجحت في المحافظة على استقلالية وكالته وفرضت على المراجع الرسمية وغير الرسمية الاعتماد عليها لتغطية كل أخبار البلد.
واستطاع عباس في نهاية الستينات أن يجعل من وكالته مرجعاً إعلامياً محترماً وأن يكسب لها وله صداقة واحترام عدد كبير من الشخصيات، ومن كل الطوائف والانتماءات السياسية والحزبية.
وكان من الطبيعي بعد هذا النجاح في حقل الإعلام أن يلتقي عباس بدر الدين بالإمام موسى الصدر، في تلك الحقبة من تاريخ لبنان، وأن يصبح من المقربين منه والعاملين معه. وأن تشاء الأقدار له مرافقته في تلك الرحلة إلى ليبيا التي انتهت بغيابهما.
شهادتي في عباس بدر الدين، بعد مرور ثلاثين سنة على غيابي باغترابي وغيابه في رحلته، هي شهادة صديق معجب ومحب، بصحافي لامع وصديق مخلص وإنسان خلوق.
لقد "غاب" عباس بدر الدين، كما غاب كثيرون من رجالات لبنان وشخصياته الوطنية والسياسية والإعلامية، في تلك الحرب القاسية والبشعة، التي كان لبنان ساحة وضحية لها. وكان في عز عطائه ونجاحه. ومن حقه على الذين عرفوه وأحبوه وقدروه تجديد ذكراه في قلوبهم، وتقديم باقة وفاء واحترام له ولما أنجزه في حياته من أعمال ونجاحات إعلامية.




