عباس بدر الدين ... اشتقنا

بيروت في:15-6-2008
بقلم الياس عون
عبّاس, يا رفيق القلم والنضال, اشتقنا اليك...
مرّت السنوات بطيئة, طويلة لا تنتهي, ثقيلة الظلّ لا ترحم, وما زلنا في انتظارك ... نحن لا نصدّق انك لن تعود الينا...
يوم حملت قلمك وذهبت برفقة الامام سيف الحقيقة, ورفيق جهاده الشيخ يعقوب, فرحنا لفرحك, وهلّلنا لاختيارك رفيقاً لرجل الشيعة الاول في لبنان, وناطقا باسمه, بل ضاربا بسيفه المسلّط فوق رؤوس الطغاة والمتاجرين بحريات الناس وكراماتهم. ما كنّا نعلم ان الحقيقة مؤذية الى هذا الحد. ما كنا ندرك ان الامام الذي دافع عن المحرومين سوف يحرّم عليه الظهور, فيغيّب وتغيّبان معه انت والشيخ الجليل...
ما زلنا نتذكرّكم, ونذكركم, ونسأل عنكم ليل نهار ... وما زلنا لأهل الغدر بالمرصاد, فلا يموت حق وراءه مطالب... فيا شهداءنا الاحياء, اعتصموا بحبل الله, عزّ وجلّ, ولا تيأسوا من رحمته, وتذكّروا قول الامام عليّ كرّم الله وجهه: "يوم المظلوم على الظالم اشدّ من يوم الظالم على المظلوم".
عباس .. اشتقنا اليك يا عباس... لا نريد ان نصدّق انّك لن تعود .. تسلّل خلسة كما كنت تتسلّل الى اجتماعات اللجان النيابية, لتحصد الاخبار, وتسابق الاحداث, وتضع النقاط على الحروف.. انت بملء اراداتك, ايها الصحافي الابيّ الامثل, اخترت لنفسك مهنة المتاعب, لكن وا أسفاه! لست ادري ما اذا كان القدر قد اختار لك هذا المصير المجهول, كأغلى ثمن لهذا الاختيار الصعب الذي من اجله نذرت قلمك ووهبت شبابك وعمرك...
الذين غيّبوا الامام موسى الصدر, ورفيقيه الشيخ يعقوب, والصحافي عباس بدر الدين, قد غيّبوا بالفعل أجلّ صفحة في تاريخ لبنان ما بعد احداث 1975. فقد تبدلت القيم, واختلت المقاييس, الصغار انتفخوا حتى صاروا كبار الشكل! المقامات الكبيرة زال عهدها, وحلّت محلّها الزعامات الميليشياوية والطائفية, بل المذهبية احيانا .. بيرت الفينيقية, امّ الشرائع, وقد قيل عن اهلها انهم معلمو معلمي العالم, تبدلّت اليوم معالمها, وطمست آثارها التاريخية, وصار اسمها الجديد بفضل "السوليدير" Down Town, اما الصحف فقد صار بعضها صحفا عالمية, في حين ان بعضها الآخر قد كفّ عن الصدور. اما المحطات الفضائية فقد شملتها العولمة برعايتها القتالة, وباتت تدخل بيوتنا ومخادعنا دون استئذان, لتقضي على ما تبقى من ذاكرتنا الوطنية, وتشوّه براءة اطفالنا احيانا بالتفاهة واحياناً بالعنف ولا تتورّع عن ايذاء مشاعرهم الانسانية النبيلة بالخلاعة وقلة الاخلاق. اما الفن في هذه المرئيات العجيبة فيقول لنا: الوداع, الوداع الى الابد.
وثمّة ما اخجل بأن اخبرك عنه, يا اخي عباس, يا رفيق القلم في ساحات النضال.. انها الفتنة المذهبية, بل مصيبة المصائب التي ذرّت قرنها, ثم استفحل شرها في الاونة الاخيرة, ما بين الشيعة والسنة... يا للمذلة والعار! المسلم يقاتل المسلم ويناصبه العداء!
لبنان كله, يا صديقي عباس, قد تغير, تغير الى الاسوأ مع الاسف الشديد. موالاة ومعارضة, واحزاب سياسية, وطوائف ومذاهب, واننا سائرون الى الخراب. الدين العام يقال انه تعدى خمس واربعين مليار دولار, والحبل على الجرار, واستر يا ستار...




