إسرائيل تواجه معركة المصير
اعترف موشيه دايان أمس بأن إسرائيل تواجه، لأول مرة منذ عام 1948، حرباً هجومية تقترن بخطة مدروسة وتوقيت محكم.
ولم يعترف طبعاً بالنتائج التي ترتبت على هذا التحول في الصراع العربي – الإسرائيلي. لم يعترف مثلاً: بأن إسرائيل لم تعد ذلك “البعبع” الذي يرمز إلى الغلبة والتفوق والانقضاض المفاجىء.
لم يعترف بأنها صارت دولة عادية لها حجمها الطبيعي، وصار هو نفسه قائداً معرضاً، كغيره من القادة العسكريين، للفشل وخيبة الأمل.
إن غرور موشيه دايان، جعله يسقط من حسابه أن العرب قادرون أن يشنوا حرباً هجومية مدروسة، بل أن غروره صور له أن عبور قناة السويس، مثل اختراق حصون الجولان، مغامرة أكبر من العرب ومن قدرتهم العسكرية.
ولا شك في أنه أصيب في صميم كبريائه وسمعته العسكرية، عندما استطاع أبطال مصر وسوريا عبور القناة واختراق الحصون بسرعة مذهلة، وبأقل عدد ممكن من الضحايا.
وكانت الإصابة الثانية عندما تحطمت أمس جميع الهجمات الكبيرة المضادة التي قام بها جيش دايان ومدرعاته وسلاح طيرانه فوق سيناء ومرتفعات الجولان وجبل الشيخ.
وبدلاً من أن يأخذ الدرس ويلزم جانب الصمت، لجأ إلى التهديد والتهويل واستباق الحوادث بقوله إن هذا اليوم (الإثنين) سيكون اليوم الحاسم.
ولن نقول له كيف، وبأية معجزة وأي قضيب من قضبان السحر، بل نقول إننا في انتظار اليوم الحاسم الموعود.. وسنرى أن أسطورة القائد الذي يؤخذ كلامه بعين الاعتبار قد انتهت.
ومن قبل انتهت أساطير العديدين من كبار الطغاة، ولن يكون حظ هذا الطاغية الصغير خيراً من حظوظ أولئك الكبار.
إن المعركة الناشبة منذ ظهر السبت الماضي، كشفت عن حقيقة لا يستطيع إنكارها أحد، وهي أن التحول الذي أشار إليه موشيه دايان، ليس هو إلا حركة تصحيح يفرضها حكم التاريخ ومنطق الطبيعة، وتجسدها إرادة العرب وتصميمهم على الدفاع عن حقهم وكرامتهم وحياتهم.
وهذه الحركة التصحيحية تقربهم من النصر، ولا سيما أن مصير إسرائيل متوقف على خسارة معركة.
وليس اعترافها بالانتقال من الهجوم إلى الدفاع، وشكواها المتصاعدة من العدوان في “يوم الغفران”، بالإضافة إلى فشل هجماتها المضادة، وخسائرها المتزايدة، ووقوع الكثيرين من ضباطها وجنودها بالأسر، ليس هذا كله سوى الدليل الصارخ على أن إسرائيل بدأت تخسر معركة المصير.
هذا مع العلم أنها لم تواجه بعد إلا ربع العرب، وأن هذا الربع يبدو واثقاً من نفسه إلى حد أنه لم يطلب ولم يستعجل تدخل الثلاثة الأرباع الباقية.
ولكن هل تأدية الواجب تحتاج إلى طلب وعريضة استرحام، أم أن المعركة التي بدأتها مصر وسوريا تفرض على جميع الأخوان العرب أن يهبوا هبة واحدة للإسهام فيها بكل ما يملكون من أسلحة وطاقات لتحقيق النصر وتكريس حركة التصحيح؟
سعيد فريحة
الأنوار : 8/10/1973
______________________________________
فكرة!
انفجر الموقف أمس، وستتضاعف الانفجارات يوماً بعد يوم.
ولن تكون حرباً خاطفة… فقد تستمر عدة أشهر، أو بضع سنوات.
ولن تكون حرب الجيوش وحدها… بل يجب أن تساهم فيها هذه المرة كل الشعوب العربية… فلا مكان بعد اليوم للمتفرجين.
والمطلوب اليوم من كل عربي أن يقدم بعض ما عنده لمعركة العمر… وأن لا يوهم نفسه أن أحداً غيره سيحارب له معاركه.
وإذا لم يشترك العربي في الهجوم، فعليه أن يساهم في المعركة بعرقه، أو بماله، أو بوقته، أو بجزء من طعامه.
ولا يجوز أن ينتظر الشعب حتى تطلب منه الحكومة أن يشد الحزام، بل عليه أن يبدأ من تلقاء نفسه التوفير من استهلاكه، ويساهم بالمال المتوفر في شراء مزيد من السلاح أو الترفيه عن الجنود في الميدان.
مطلوب من كل الحكومات أن توقف كل المصروفات الكمالية، أن ترجىء مآدبها الفاخرة، وأن تضغط مصروفاتها، وتوجه كل ما وفرته للمعركة.
مطلوب من الملوك والرؤساء العرب أن يبدأوا سياسة التقشف في بيوتهم وقصورهم.
مطلوب من الأحزاب أن تتهادن أثناء المعركة، وأن لا تضيع وقت الشعب في المعارك الصبيانية التي تضيع الوقت، ولا تحل مشكلة واحدة.
ومطلوب من زعماء الأحزاب أن يرجئوا خلافاتهم الشخصية، ويجلسوا جميعاً على مائدة واحدة يخططون لمعركة العرب لا لمعركة الحزب!
مطلوب من نساء العرب القيام بدور إيجابي في هذه المعركة، بالاشتراك في عمليات التمريض وزيارة زوجات الجنود وأولادهم، وتفصيل ملابس الجرحى، وزيارة المستشفيات.
مطلوب تأليف لجان شعبية في كل منطقة وكل شارع لمواجهة احتمالات الغارات الجوية.
مطلوب من رئيس الوزراء الاجتماع كل ليلة أثناء الحرب برؤساء تحرير الصحف والمشرفين على الإذاعة والتليفزيون، ويطلعهم على حقائق المعركة. فلق دفعنا ثمن إخفاء الحقائق من شعوبنا، ولا نريد أن ندفع هذا الثمن مرة أخرى.
ومطلوب من الدولة أن تنشىء فوراً عدد من اللجان ذات الخبرة، وتمنحها سلطات واسعة لمواجهة المشاكل والأزمات بعيداً عن قيود الروتين الحكومي.
مطلوب تجنيد كل طبقات الشعب، واختيار الدور الذي يناسب كل فرد فيه.
وبهذا لا تحارب الجيوش وحدها.. وإنما تحارب معها الشعوب وتنتصر.
علي أمين
الأنوار: 7/10/1973
______________________________________________
معنى هذا القتال
رأت إسرائيل سنة 1967 في إغلاق خليج العقبة بضعة أيام، أمراً لا يمكن السكوت عليه، وسبباً كافياً لقيامها بحرب شاملة على العرب، ظهر أنها محسوبة من سنوات! وهي في دعايتها اليوم لا ترى في احتلالها أراضي ثلاث دول عربية طوال سبع سنوات، وإغلاقها خليج العقبة وقناة السويس معاً، سبباً كافياً لأن يحارب العرب!
وتقول إسرائيل اليوم أنها لم تسع إلى الحرب أبداً وأنها تريد السلام! وقد كان لديها طوال سبع سنوات أكثر من دولة عربية قابلة لقرار مجلس الأمن بكل بنوده، وكان لديها روجرز ويارنج وفالدهايم وغيرهم، وتجمعت عليها كل الضغوط الدولية الممكنة، ولكنها رفضت الاستجابة لكل هذا، مؤكدة أعمق الظنون وهي: أنها تريد الاحتفاظ بمواقع استراتيجية دائمة تجعل العالم العربي كله: بأهله، وحكوماته، وثرواته، ومرافقه… تحت رحمة السلاح الإسرائيلي المسلط.
والسؤال الذي يسمعه ويردده كل عربي هو: ماذا يا ترى ستكون نتيجة هذه الجولة الجديدة؟… وهو سؤال طبيعي، يخفق له كل قلب يذكر أن شبابنا يقاتلون ويستشهدون كل دقيقة في صحراء سيناء ومرتفعات سوريا…
ولكن الإجابة على هذا السؤال جاهزة:
إن حقيقة اشتعال القتال الآن هي الجزء الأكبر من الإجابة!
ذلك أن هذه ليست الحرب الأولى مع إسرائيل، وإزاء خصم له هذه العقيدة لن تكون الحرب الأخيرة!
ومنذ هزيمة 1967 شن العرب حرب الاستنزاف، وحرب الفدائيين، ثم هذه الحرب الأكبر.
ومعنى هذه الحرب أن هذه الأمة مستعدة لأن تدفع الثمن الباهظ من الدم مرة بعد مرة. وأن سيناء وغيرها بالنسبة لنا أكثر من جبال وكثبان رمال!
ومن تابع الإذاعات الإسرائيلية منذ نشوب القتال، يلاحظ على الفور أن ما أغاظ إسرائيل وأثار أعصابها أكثر من المباغتة: هو مجرد أن العرب تجاسروا على اتخاذ قرار بالقتال! ففي السنوات الماضية كانوا قد اقتنعوا تماماً أن العرب ليسوا أمة تركب المخاطر وتدفع ضريبة الدم. ونشروا قناعتهم هذه على العالم حتى اقتنع معظم العالم، بل وأخذت هذه القناعة تنخر طريقها كالسوس إلى نفوس عربية كثيرة!
هذا هو النصر الذي أحرزناه. أن تعرف إسرائيل ويعرف العالم أن بلادنا مستعدة للتضحية، وبذل الدم، وركوب المخاطر، في سبيل استرداد أرضها وحقها في الحياة. وأن تعيد إسرائيل ويعيد العالم – العدو والصديق – تقييمه لنا ونظرته إلينا على هذا الأساس!
قلوبنا مع المقاتلين، ستنتهي المعارك يوماً ولكن دماءهم ستظل تضيء فوق سيناء والجولان مئات مقبلة من السنين.
أحمد بهاء الدين
الأنوار: 9/10/1973
_________________________________________
الانتصارات الأولى
هذه المرة، لن تتمكن إسرائيل من تحريض العالم ضد العرب، فالعالم بأسره يعرف أن القتال يدور على أراض عربية محتلة.
وسواء فوجئت إسرائيل بالقتال أم كانت متهيئة له، فثمة حقيقة راهنة وهي أن القوات المصرية عبرت القناة، والقوات السورية زحفت في الجولان، بقوة السلاح وبالرغم من أنف إسرائيل.
لقد حاول دايان في مؤتمره الصحفي مساء أمس، التخفيف من أهمية الانتصارات العربية في هذه المعارك الأولى، ولكن كل شيء في لهجة دايان وتصريحات المسؤولين الإسرائيليين يدل على أنهم فوجئوا، فعلاً بالانتصارات العربية.
بالطبع، لا يمكن لأحد أن يتنبأ بما تخبئه الأيام المقبلة على الصعيد الحربي. غير أنه من الراهن أن نجاح الجولة الأولى يبشر بنجاحات وانتصارات عربية أخرى، لا سيما وأن إسرائيل لن تتمكن، كما فعلت عام 1967، من استفراد كل دولة عربية على حدة.
إن الدول الكبرى ستحاول إقناع المتقاتلين بوقف القتال. كما ستحاول إسرائيل استرجاع خسائرها بالقوة. والسؤالان المطروحان هما: أين سيتوقف القتال، في حال استمرار الانتصارات العربية؟
وماذا سيكون موقف الدول الكبرى في حال توسع القتال ودخول دول عربية أخرى فيه؟
إن الأسرة الدولية قد شبعت من غطرسة إسرائيل ومن تماديها في حلمها المجنون. وليس بمستغرب أن تجد إسرائيل، نفسها، معزولة ومغلوبة على أمرها، فتتراجع عن مواقفها السابقة.
وسيجد العرب العالم بأسره إلى جانبهم في هذه المعركة، إذا خرجوا منها منتصرين.
وإنهم لمنتصرون.
باسم الجسر
الأنوار: 7/10/1973
________________________________
مدى إسرائيل
في حياة الشعوب ساعات تطوي الزمان، منها الساعات التي نعيشها اليوم.
لقد حذفت معارك السويس وسيناء والجولان، حتى الآن، ربع قرن من عمر العرب قبل أن تردهم إلى ما كانوا عليه في عام 1967.
صحيح أننا نتقدم الخطوات التي تراجعناها، ولكن الصحيح أيضاً أن إسرائيل تتراجع الخطوات التي تقدمتها. وهذه أول هزيمة لها، وهي أخطر عليها من كل هزائم العرب.
فالرأي السائد في العالم الخارجي، حتى الأمس القريب، هو أن إسرائيل ذات الرقعة الصغيرة من الأرض، والمليوني نسمة، متفوقة على الأمة العربية ذات القطاعات الشاسعة والأكثر من مئة مليون. وهذا شيء خطير بالنسبة للعرب.
إلا أن الأخطر منه بالنسبة لإسرائيل هو الرأي السائد أيضاً في العالم الخارجي والقائل أن العرب يستطيعون أن يتحملوا أكثر من هزيمة، أما إسرائيل فلا تستطيع ذلك، لأن مداها البشري والجغرافي لا يشكل أكثر من خطي دفاع في حرب أصولية شاملة.
إلا أن العالم الخارجي المعادي للعرب يتوقف عند “نقطة أمان” ويطرح السؤال التالي: هل تسمح أميركا بخرق خط الدفاع الإسرائيلي الثاني إلى قلب تل أبيب؟
وهذا تأكيد لا يحتاج إلى إعلان، وهو أن مدى إسرائيل ليس رقعة الأرض المغتصبة، بل هو مدى الاستعمار الممتد عبر أوروبا إلى أميركا. فلولا أميركا لما كانت إسرائيل، ولولا أميركا لما بقيت إسرائيل، ولولا أميركا لكانت الحرب الدائرة الآن كفيلة بالقضاء على إسرائيل.
ومن هنا فإن الحرب مع إسرائيل طويلة، لأن أمام العرب أكثر من خطي دفاع للعدو.
ولكن كل هذه الاعتبارات تسقط في حالة الحرب. فالذي يطلب القتال والنصر يستطيع أن يحدد زمان ومكان فتح النار، إلا أنه لا يستطيع أن يحدد زمان ومكان وقف النار. ويكفيه أن يملك الإرادة والإيمان بالنصر حتى ينتصر.
وبالنسبة للعربي فإن كل خطوة إلى الأمام، بعد سنوات التراجع، تعتبر نصراً وقوة فوق قوة.
وها هم المصريون والسوريون يندفعون اليوم في الأرض المحتلة ويمحون معالم طريق 1967.
وها هي إسرائيل تنكفىء. إلى أي مدى؟ هذا غير مهم. المهم أنها بدأت تنكفىء، وأن الجندي العربي يتقدم إلى الهدف الذي لا بد من بلوغه مهما طال الزمان وبعد المدى.
عزت صافي
الأنوار: 9/10/1963
______________________________________
(انتهى)