بقلم: رفيق شلالا
بيروت في: 16 آب 2009
كثيرون اختاروا الصحافة مهنة لهم، قليلون جعلوها رسالة.
من هؤلاء القلائل، عباس بدر الدين، الصحافي الذي عشق مهنة البحث عن المتاعب فأعطاها الكثير من خبرته ومعرفته، فتميز بحضوره الدائم وإخلاصه لمن عمل معه، ولا سيما الإمام المغيب السيد موسى الصدر، الذي جعله رفيقاً واختاره صديقاً في زمن قل فيه الرفاق المخلصين، وندر الأصدقاء!
عرفت عباس بدر الدين، وأنا في بداية مسيرتي المهنية في “النهار” ولم أكن بعد قد أمضيت سوى سنوات قليلة في تلك المدرسة الكبيرة التي خرّجت أجيالاً من الصحافيين والمفكرين، فوجدت فيه الصحافي المؤمن والملتزم الحاضر دائماً من خلال وكالة “أخبار لبنان” ليوفر لوسائل الإعلام الخبر الدقيق، والموقف الجريء، والمعلومة الصحيحة. ولا أزال أذكر المرات الكثيرة التي كنا نلجأ فيها إلى “السيد عباس” لنسأله تفاصيل إضافية عن خبر، أو لندقق معه في “تسريبة” معينة، فكان بالنسبة إلي، وإلى كثيرين من رفاق الدرب في تلك الأيام، المرجع والمستند.
وتعززت معرفتنا، من خلال الإمام المغيب موسى الصدر، حيث كنا نلتقي معاً في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في الحازمية، أو في المناسبات التي يكون فيها الإمام الصدر محور الحدث، محاضراً في الكنائس والحسينيات والمراكز الثقافية والاجتماعية، أو معتصماً في العاملية احتجاجاً على حروب الآخرين على أرضنا مع رفيقه في الاعتصام، الكبير غسان تويني، أو خطيباً في الاحتفالات والمهرجانات. وما أزال أذكر تلك الليالي التي كان يهاتفني فيها الإمام مع طلوع الفجر وقبل صياح الديك – ديك “النهار” – وأنا في مكتبي في الجريدة في شارع مصرف لبنان، ليسألني عن خبر أو عنوان أو حدث، ويطلب مني، بأسلوبه المميز الذي ينضح تواضعاً ومحبة، أن أنسق مع “السيد عباس” في موقف سيعلنه أو حدث سيرعاه، أو مسألة إنسانية يوليها اهتمامه. وكنت أنا أستفيد من هذه الاتصالات التي غدت يومية، لأغرف من هذا المعين الذي لا ينضب، مكتسباً المزيد من المعرفة والمنطق والموضوعية والعلم والصفاء والنبل.
اليوم، كلما تحل ذكرى تغييب الإمام الصدر والصديق عباس بدر الدين والشيخ محمد يعقوب تعود بي الذاكرة إلى السنوات التي كنت فيها على تواصل دائم مع المغيبين، ولا سيما الإمام الصدر والصديق عباس، فأتساءل ألم يكن هذا “التغييب” من ضمن المؤامرة الكبرى التي حيكت ضد لبنان، ولا تزال فصولها تتكرر وإن تنوعت الأسباب وتعددت الغايات واختلفت الأدوات؟
الأكيد أن الصديق عباس بدر الدين، الذي اختار الصحافة رسالة، كان شاهداً على بعض فصول هذه المؤامرة، ولو قدر له أن يفضح المتآمرين لما قصر. لعله فعل… ولذلك غُيّب مع المغيبين!