غير مصحح
سقوط اللواء المدرع 190 الإسرائيلي
بقلم: عزت صافي
في موقع قيادي داخل صحراء سيناء، وعلى عمق أكثر من عشرة أمتار تحت الرمال، قابلت القائد في القطاع الأوسط في الجبهة المصرية. وللتعريف عنه: أنه قائد اللواء المصري الذي دمر اللواء المدرع الإسرائيلي 190 وأسر قائده عساف ياجوري.
كنت أهبط الدرج وسط جدارين من أكياس الرمل، وأتلمس طريقي إلى غرفته، وأتساءل: كيف سيكون هذا القائد الذي جعل كل مواطن عربي يوم 8 تشرين الأول يقفز من مكانه مصفقاً وهو يسمع البلاغ الذي أعلن تدمير اللواء الإسرائيلي المدرع وسقوط قائده في الأسر.
ودخلت غرفة مساحتها أربعة أمتار مربعة تقريباً. كان مع بعض ضباطه، وهو كان خلف طاولة صغيرة عليها جهاز تلفون أسود، وعلبة سكاير من النوع الذي يدخنه الجندي المصري، ومنفضة وعلبة كبريت.
مربوع القامة، تحت الخمسين، هادىء، لطيف جداً، متواضع جداً جداً، ولكنه قوي جداً جداً جداً، يبتسم دائماً، في عينيه ذبول وحنان وغبار معارك الصحراء، وفيهما فوق ذلك كل الأشواق إلى لقاءات جديدة مع ألوية الجنرال موشي دايان.
وقف مرحباً، يده اليمنى تصافح وأصابع اليسرى على الطاولة بشكل هرم: أهلاً وسهلاً، عدم المؤاخذة على استقبالكم في هذا المكان، مركز قيادتي ليس هنا. على أي حال تستطيعون أن تتصوروا أنفسكم في فندق صغير، أفتح النافذة يا عسكري.
بعد قليل دخل ضوء طبيعي إلى الغرفة لقد سحبوا كيس رمل من جانب السقف فصار للغرفة نافذة.
ضحك القائد وأطرق برأسه وهو يمسح جبينه بكفه.
قدمت إليه نفسي عن “الأنوار”، فقال: الأنوار. أهلاً وسهلاً. أهلاً وسهلاً. ماذا جئت تفعل هنا؟
قلت: نحن نتخيلك مثل فهد يتمشى في الصحراء باحثاً عن مدرعات إسرائيلية.
ابتسم وأطرق مردداً: العفو. أنا العميد أركان حرب حسن أبو سعدى واحد من جنود مصر الذين لهم شرف القتال تحت أعلامها.
قلت: لو تعلم يا حضرة العميد كم يشتاق كل لبناني للمس رمال صحراء سيناء، وكم يشتاق العرب للتعرف على وجوهكم.
قال: وجهنا هو وجه مصر. وترى هذا الوجه في كل مكان. وجه أي جندي ووجه أي ضابط.
وتوقف ليغير الحديث: أنا زرت لبنان قبل الحرب. ونحن نقدر موقف لبنان وتعاطفه وصمود جيشه، وأملنا أن يحافظ هذا الجيش على التضامن والتفاهم مع المقاومة الفلسطينية، وأن يساعد المقاتل الفلسطيني على القيام بواجبه المقدس.
وأضاف: هذه الحرب التي نخوضها ليست حرب مصر وحدها. إنها حرب كل العرب، ولأول مرة حارب العرب بكل قواهم. بكل أسلحتهم العسكرية والاقتصادية والنفطية.
حاربوا بكل إيمانهم. بكل طاقاتهم. ربنا ينصر.
ودون إرادة مني أو انتباه رحت في شبه خطاب عن هذه الحرب التي تخوضها مصر وسوريا وكل الدول المساندة. و”التي جعلت صدرنا بعرض صحراء سيناء ورؤوسنا بارتفاع فضائها”.
وقلت للعميد: نريد أن نسمع منك قصة العبور التاريخي، وقصة الالتحام مع لواء عساف ياجوري، وكيف دمر، وكيف استسلم قائده؟
وابتسم العميد أبو سعدى وهو يهز رأسه ويتطلع إلى من حوله من الضباط. وقال:
“حسناً، سأتكلم، لأول مرة سأتكلم”.
وبعد لحظة صمت لا بد أنه تخيل أثناءها تلك اللحظة الفاصلة التي أعطيت فيها إشارة الهجوم، قال:
لقد نجحنا في عبور قناة السويس، ورغم أن العبور كان عقبة كبيرة، بل أكبر عقبة، فقد تم دون خسائر تذكر. كانت خسائر زهيدة.
وأظنكم عندما عبرتم إلى الضفة الشرقية من قناة السويس قد لاحظتم الساتر الرملي ففي أي مكان على ضفة القتال، يستطيع أي شخص أن يشاهد على الطبيعة، أو على الخريطة، هذا الساتر الرملي، ويعرف أن العبور يحتاج إلى “كوبري”، أي جسر.
وكانت المشكلة الحساسة بالنسبة لنا هي عبور قوات المشاة من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية لكي تتبعها القوات المدرعة. وطبعاً أجرينا مسحاً للمنطقة على طولها.
الحقيقة نحن كنا مستعدين للعبور منذ أن أعطى الرئيس أنور السادات الأمر بالاستعداد للحرب. والحقيقة أننا كنا مستعدين كل لحظة. ومع مرور الأيام كان استعدادنا يتضاعف، وكنا جاهزين للانطلاق.
كان العدو قلقاً على مصيره. وفي يوم 6 “أكتوبر” (تشرين الأول) كنا نحن ندرس لحظة العبور والمكان الذي سيتم فيه.
و… انطلقت النار. الله أكبر. الله أكبر. وفردنا المعبر. هنا كان أول معبر على قناة السويس.
وبعد قليل أصبح المعبر (الجسر) صالحاً للمرور، وبدأ الإسرائيليون هجومهم الشديد على هذا المعبر. بدأوا بكل قواهم، وخصوصاً المدفعية التي ركزت القصف عليه في محاولة لتدميره.
وفي كل لحظة كنا نحن نعيد إصلاحه من جديد. إلا أنهم لم يتمكنوا من تدميره إلا بعد أربعة أيام، ولكننا نحن لم نعد بحاجة إليه، لقد ودعنا الكوبري القديم. قلنا له: لك منا كل التقدير والاحترام والمودة.
كنا قد بنينا بدلاً منه “كوبري” حقيقياً بعد قليل من هجوم 6 أكتوبر، فعبرت عليه قواتنا إلى الضفة الشرقية خلال ست ساعات.
ما زلنا في لحظات العبور. فكيف تصرف الجنود المصريون عندما عبروا إلى الضفة الشرقية وكيف تصرف الإسرائيليون؟
قال العميد أبو سعدى: على صعيد القتال كانت المعركة بين جنود المشاة المسلحين بأسلحة مناسبة والمدربين بطريقة واقعية، وبين قوات العدو على الضفة الشرقية.
وفي الحقيقة إنك لو شاهدت ضباطنا وجنودنا وهم يحاربون لاعتقدت أنهم يتدربون.
كانوا خلال القتال يعدون أخطاء العدو. والواقع أن العدو ارتكب أخطاء كثيرة، والواقع أن القوات الإسرائيلية لم تكن مستعدة لخطة دفاعية، وقد نجحنا نحن في تحقيق المفاجأة الاستراتيجية التي هي إخفاء نية الهجوم، ولحظة الهجوم، ومكان الهجوم.
كنا عند الظهر يوم 6 أكتوبر (تشرين) نجمع قواتنا على الضفة الغربية، ولم يكتشفوا هم نيتنا في العبور وفي أي وقت، وفي أي مكان. ولذلك فإننا نطلق على خطتنا المفاجأة الاستراتيجية. أنا لا أقول أن الجيش الإسرائيلي ضعيف، ولكني أقول أنه ليس بالجيش الذي لا يقهر كما يدعون. بل إنه الجيش الذي يترك مدرعاته جديدة في ساحة المعركة، وستشاهدونها في مكانها. وهو الجيش الذي يدع جنوده يركضون شرقاً محاولين الهرب، وأغلبيتهم من الاحتياط.
قبل أن نعبر قناة السويس تعاهدنا جميعاً على الضفة الغربية على أننا وهبنا حياتنا لمصر، وقد برهنا على أن في مصر قادة وجنوداً يصنعون لها النصر. في عام 1967 قالوا إن الجيش المصري ليس بالجيش المحارب، وقالوا أشياء كثيرة عن جيشنا وهناك كثيرون من الأصدقاء وغيرهم صدقوا ذلك. وقد عشنا السنوات الست الماضية في حالة صعبة.
وعندما جاء اليوم الموعود كنا مستعدين للعطاء بدون حدود. قررنا أن نعطي حتى الموت، وفعلاً كان ذلك اليوم عيداً حقيقياً.
الدفعات الأولى التي عبرت القناة كانت تحمل الأعلام، وعندما وصلت شكت بعض أعلامها على التلال وتابعت الزحف نحو العمق في سيناء لتبلغ نقاطاً محددة وتشك عليها الأعلام أيضاً رغم خطورة التقدم. ولكنك لا تستطيع أن تصف هؤلاء المقاتلين الأشداء. تستطيع أن تستوعبهم لو رأيتهم في تلك اللحظات. كنت أنظر إليهم فأشعر أن تياراً كهربائياً قد مسهم. كانوا قد قرروا أن يعطوا كل حياتهم من أجل الوصول إلى سيناء.
وقبل مضي ساعتين من بدء الهجوم كانت كل القوات، كل الجنود، هنا على الضفة الشرقية، وخلال ست ساعات كانت كل هذه الضفة محررة.
في اليوم الثاني من الحرب شاءت إسرائيل أن تلعب على المستوى الاستراتيجي. كان قادتها يحاولون الوصول إلى أعماق مواقعنا بأي شكل، وكانوا يظنون أنهم يستطيعون أن يفعلوا ذلك كما فعلوا عام 1967. وكانوا يعتمدون على الحرب النفسية، ولكنهم ما كانوا يعلمون أن الحرب النفسية لا يمكن أن تنجح مع جيش منتصر.
وقد بدأوا محاولتهم الأولى بإرسال اللواء المدرع 190 من “بئر شوبا” على طريق العريش باتجاه “الفردان”، وأنا أشكر دايان على هذه الهدية.
ثم أخذوا يدفعون مجموعات صغيرة من الدبابات إلى الجناح الأيسر لجس النبض. كانوا يتصوروننا نظريين. وأخذنا نصد هذه الدبابات على أنها الهجوم الرئيسي للعدو.
بعد ذلك أرسلوا قوات صغيرة أخرى لدعم المجموعات المتقدمة.
ومرة أخرى أرسل العدو مجموعة ثانية باتجاه آخر فأظهرت له خطة متجاوبة مع هدفه، بمعنى أني تصرفت وكأني أنفذ أوامره.
وبعد ذلك دفع بمجموعة جديدة إلى خلف قواتنا في مكان جيد.
ثم جاءتني معلومات بأن قوات العدو تتجمع على بعد 6 كيلومترات إلى الشمال الشرقي من هذه المنطقة.
وكنت تصورت أين سيكون الهجوم المضاد، وكان في منطقة الوسط. وكنت مستعداً. وقد أعطيت أوامري بصنع فخ للعدو.
بعد عشر دقائق بدأ العدو هجومه بسرعة أربعين كيلومتراً فأمرت الخط الأول بالنزول في المخابىء، وقلت لجنودي: اتركوا اللواء 190 يمر حتى نأخذه بالأحضان.
وعندما بدأت الدبابات الإسرائيلية تمر على حفر المشاة المموهة عندنا أخذ هؤلاء يقفزون من الحفر المموهة كالشياطين ويدركون دبابات اللواء 190 فيما كانت دباباتنا، وكل وسائلنا المضادة للمدرعات، تطبق على العدو وتقتله.
وخلال ثلاث دقائق انتهى اللواء المدرع الإسرائيلي 190. لو تأخر قراري ثلاث دقائق لما كان العدو وقع في الفخ لأنه كان هاجماً بسرعة 40 كيلومتراً. وعندي فكرة دقيقة عن هذه المنطقة. فأنا أعرف كل شبر منها، بل إني درست كل شبر منها.
كان قائد اللواء بعيداً عن قواته حوالى ثلاثة كيلومترات. وطبعاً لم تكن المفاجأة واردة في خياله الخصب.
وقد حاول أن يفر بدبابته، ولكن أحد ضباطي الممتازين أسرع بدبابته خلف دبابة ياجوري وضربها فأصابها، فقفز ياجوري منها ومعه جنديان.
وأسرعت مركبة قيادة إسرائيلية لتلتقطه. إلا أن مجموعة من جنودي على رأسها ضابط كانت له بالمرصاد.
وبصاروخ واحد صغير ضربت مركبة القيادة الإسرائيلية فقفز منها ياجوري عساف ومعه أربعة جنود.
وأمرتهم مجموعتنا بالاستسلام فرفع ياجوري يديه مستسلماً وأمر جنوده بالاستسلام أيضاً، إلا أن أحدهم حاول إطلاق رشاشه “العوزي” فالتحمت معه مجموعتنا بالسلاح الأبيض، واستعملت مجرفة الرمل (الرفش) في هذه المعركة، فقتل ثلاثة جنود إسرائيليين واستسلم الرابع وهو بحالة سيئة، ووقع ياجوري طبعاً في الأسر.
وكان لا بد أن نسأل عن مصير قائد هذا اللواء فقال العميد أبو سعدى:
لقد طلب مقابلتي فوافقت.
وجيء به إلي، كان خائفاً على مصيره، لأنه ارتكب خلال حرب 1967 أعمالاً غير إنسانية فظيعة، وقد اعترف بذلك، وسألني عن مصيره، فقلت له:
إنك ضابط كبير، والحرب قد انتهت بالنسبة إليك، فأنت الآن أسير حرب، وسوف تعامل حسب اتفاقية جنيف الخاصة بأسرى الحروب.
وحاول عساف ياجوري أن يقول كلاماً كثيراً، ولكن لم يكن عندي وقت لأستمع إليه، فقد كان علي أن أرسله إلى المكان الذي سيبقى فيه.
وانتهت القابلة مع العميد ركن حرب حسن أبو سعدى.
وعندما مددت يدي لأصافحه مودعاً وشاكراً رأيت فيه من جديد ابن مصر الطيب الشجاع المتفوق على الدماغ الإسرائيلي.
العمليات البحرية
بقلم هشام عبد الله
شاركت البحرية المصرية في العمليات العسكرية منذ اليوم الأول لاندلاع القتال، فقامت بسلسلة من العمليات الهجومية والدفاعية أشارت إليها البلاغات العسكرية.
ففي مجال العمليات الهجومية، ضربت المدمرات المصرية في اليوم الأول للقتال الأهداف الإسرائيلية على الساحل الشمالي لسيناء، وفي الوقت نفسه قامت بحماية الجناح الأيسر للقوات البرية المهاجمة، ولم تقتصر هجمات القطعات البحرية المصرية على البحر الأبيض المتوسط، بل وعملت في خليج السويس، فهاجمت في اليوم الثاني للقتال، مواقع معادية على الشاطىء الشرقي لخليج السويس، واشتبكت في اليوم ذاته مع قطع بحرية معادية، دمرت منها خمس قطع.
وواصلت المدمرات المصرية مساندتها للقوات المهاجمة في سيناء من سواحل البحر الأبيض المتوسط وتمكنت من إسقاط طائرة هليكوبتر مجهزة للحرب ضد السفن، حين حاولت التدخل في المعركة. وذكر بلاغ عسكري مصري أن القوات البحرية قامت بتنفيذ مهامها القتالية بقصف مواقع العدو على الساحل الشمالي لسيناء، وقامت في الوقت نفسه بتأمين الشواطىء المصرية في البحرين الأبيض والأحمر.
وقد تركزت معظم العمليات الهجومية التي شنتها المدمرات المصرية في اليوم الثاني للقتال، ويذكر البلاغ رقم 14 أن عمليات قصف مواقع العدو في البحرين الأبيض والأحمر مستمرة. ويضيف بأنها اشتبكت مع تشكيل بحري معاد، ودارت معركة بحرية نتج عنها إغراق قطعة بحرية متوسطة للعدو، وانسحبت باقي القطع.
وفي مجال الدفاع، شاركت البحرية في اليوم الثاني للقتال في صد هجمات العدو المعاكسة ضد القوات البرية المصرية والتي اضطر العدو على أثرها إلى التراجع شرقاً. وفي الساعات الأولى من صباح يوم 9 تشرين الأول رصدت الرادارات البحرية تشكيلاً بحرياً معادياً على الساحل الشمالي لسيناء يتقدم في اتجاه الغرب يعاونه تشكيل من طائرات الهليكوبتر المجهزة لمحاربة السفن. فتصدت له القوات البحرية المصرية واشتبكت معه وأغرقت له خمسة زوارق كما أسقطت أربع طائرات هليكوبتر فاضطر باقي التشكيل للانسحاب وقد أصيب للبحرية المصرية في هذه المعركة ثلاثة زوارق.
وفي خليج السويس حاولت ثلاثة من زوارق الصواريخ الإسرائيلية ترافقها مجموعة من قوارب الكوماندوس مهاجمة المواقع المصرية في يوم 12 تشرين الأول، فقامت المدفعية المصرية بقصفها ودمرت أحد الزوارق وبعض القوارب. ثم طارد تشكيل بحري مصري هذه الزوارق والقوارب أثناء انسحابها إلى ميناء رأس سدر وقصفها بالصواريخ وبالمدافع البحرية وتمكن من تدمير باقي القطع، ثم قام التشكيل المصري بعد ذلك بقصف منشآت الميناء.
ويوم 16 تشرين الأول تصدت البحرية المصرية لقوات العدو التي حاولت الاقتراب من السواحل الشمالية للدلتا، وكبدت العدو خسائر جسيمة حيث تمكنت من تدمير أربعة زوارق. وتصدت البحرية المصرية كذلك، لقطع العدو التي حاولت قصف المنشآت البحرية في بور سعيد ودمرت إحداها وأجبرت باقي القطع على الفرار.
وفي البحر الأحمر دفع العدو يوم 20 تشرين الأول بمجموعة من وحداته البحرية الخاصة (الكوماندوس) للقيام بعمليات تخريب، وأثناء اقترابها من الشاطىء اشتبكت معها عناصر بحرية مصرية والمدفعية الساحلية فدمرت قاربين بمن فيهما من الأفراد واستولت على أحد القوارب وأجبرت باقي القوارب على الانسحاب دون أن تتمكن من تحقيق أهدافها. وفي الوقت نفسه، حاول العدو دفع بعض أفراده من الضفادع البشرية نحو إحدى القطع البحرية المصرية تم اكتشافهم وتدميرهم وانتشلت جثث بعضهم.
ولقد شن العدو آخر هجماته البحرية ليلة 21 – 22 تشرين الأول على الساحل الشمالي أمام بورسعيد، حيث دارت معركة بحرية بين قوة العدو المهاجمة تساندها طائرات الهليكوبتر، والقطع البحرية المصرية، أسفرت عن تدمير ثلاث قطع بحرية وإصابة طائرتي هليكوبتر، وانسحبت القوة المهاجمة شرقاً دون أن تحقق هدفها.
وفي الليلة ذاتها، حاول تشكيل آخر يتكون من ثلاث زوارق سريعة الاقتراب من السواحل المصرية على البحر الأحمر فتصدت له البحرية المصرية ودمرت له زورقين وانسحب الزورق الثالث قبل أن يحقق الهجوم هدفه.
أما على الجبهة السورية فكان دور القطع البحرية السورية دفاعياً محضاً، إذ لم يتح لها ميزان القوى البحرية فرصة القيام بعمل هجومي. وقد بدأت قطعات من بحرية العدو تساندها طائرات الهليكوبتر المضادة للسفن، بشن هجماتها ضد المنشآت المدنية في منطقة اللاذقية في اليوم الثاني للقتال، فاشتبكت معها القوات البحرية السورية والمدفعية الساحلية في معركة دامت ساعتين أسفرت عن إصابة ستة زوارق للقوة المهاجمة غرق منها أربعة بينها سفينة القيادة، وتم إسقاط طائرتي هليكوبتر وانسحبت بقية الزوارق، وأصيب زورق طوربيد سوري واحد إصابة متوسطة، واستخدمت الزوارق السورية في هذه المعركة الصواريخ والطوربيدات.
ثم بدأت بحرية العدو بشن سلسلة من غارات الإزعاج فقامت بمهاجمة أهداف مدنية على الساحل السوري في “برج سلام” ومرفأ اللاذقية، ومصب النفط في بانياس، فاشتبكت معها القطع البحرية السورية والمدفعية الساحلية لمدة ساعتين وأغرقت للعدو ثلاثة زوارق وانسحبت الزوارق الباقية، ونتج عن ذلك أيضاً إصابة بعض سفن الشحن الأجنبية (واحدة يونانية وقد غرقت، وواحدة سوفياتية وواحدة يابانية).
وأفاد بيان سوري لاحق بأن المعركة التي وقعت في الساعة الواحدة والنصف من صباح يوم 111 تشرين الأول قد امتدت على طول الشاطىء بين اللاذقية وطرطوس، وأن عدد الزوارق التي أغرقتها الزوارق والمدفعية الساحلية السورية بلغت ثمانية زوارق منها خمسة غرقت أمام شاطىء اللاذقية وثلاثة أمام الشاطىء بين بانياس وطرطوس، وبقيت النيران مشتعلة فيها وهي تغرق حتى الساعة السابعة صباحاً. ولم يصب أي من الزوارق السورية.
وعاود العدو الهجوم في الساعة الثالثة والعشرين والدقيقة الخمسين من مساء 12 تشرين الأول بوحدات بحرية ترافقها مجموعة من طائرات الهليكوبتر، وحاول الاقتراب من ميناء طرطوس فتصدت له وسائط الدفاع الساحلي والبحرية السورية في معركة استمرت ساعة ونصف الساعة نتج عنها إغراق ثلاثة زوارق معادية وتمكنت وسائط الدفاع الجوي من تدمير طائرة هليكوبتر.
وخاضت البحرية السورية والمدفعية الساحلية في الساعة الواحدة والنصف من صباح يوم 14 تشرين الأول معركة بحرية شمال اللاذقية تم فيها إغراق زورقين للعدو، وكانت خاتمة هذه المعارك، المعركة التي دارت يوم 20 تشرين الأول بالقرب من السواحل السورية والتي أسفرت عن إغراق زورقين حربيين للعدو.
على الرغم من النشاط المذكور عن العمليات البحرية فليس بإمكاننا القول أنه كان للعمليات البحرية العربية أهمية رئيسية مثل الجيش أو الطيران، وكان من الممكن أن تكون لها هذه الأهمية لو أنها شاركت في ضرب الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية أو قامت بعمليات إنزال ضخمة، أو تمكنت من تأمين الخنق الاستراتيجي عن طريق فرض حصار على الشواطىء الفلسطينية. وفي الوقت نفسه لا يمكن القول بأن مشاركتها كانت ثانوية، لأنها شاركت بفاعلية في الدفاع عن السواحل العربية، والأهداف الاستراتيجية العربية. ويمكننا القول باختصار أن أهميتها كانت ثانوية بالنسبة للعمليات الهجومية إلا أنها كانت رئيسية في العمليات الدفاعية.
وبصورة عامة فقد اقتصر دور البحرية العربية على حماية الشواطىء العربية في مصر وسورية، وفي الإسناد التكتيكي للقوات البرية بقصف مواقع العدو خاصة تلك الواقعة بمحاذاة شواطىء البحر الأبيض المتوسط، أو الإسناد الإداري “اللوجستيكي” بإيصال وحدات القوات المسلحة إلى أهدافها كما حدث يوم 16 تشرين الأول حين قامت وحدة بحرية مصرية بإنزال تشكيل من القوات الخاصة خلف خطوط العدو، وإعادته بعد تنفيذ مهمته. كما قامت بعملية عسكرية هامة، هي ما يعرف عسكرياً بـ “الخنق الاستراتيجي” للعدو، حين قامت قطع بحرية مصرية، بالتضامن مع سلطات الدول العربية المشرفة على البحر الأحمر، بإغلاق مضيق باب المندب أمام الملاحة الإسرائيلية. وقد منع هذا الخنق السفن الإسرائيلية من الوصول إلى ميناء إيلات أو خروجها منه. والحقيقة أنه كان بإمكان البحرية المصرية والسورية القيام بدور مشابه في البحر الأبيض المتوسط، وذلك بعمل حزام على طول الشاطىء الفلسطيني تشترك فيه الغواصات المصرية. وكان بوسع هذا الحزام أن يمنع وصول الإمدادات والمواد الاستراتيجية إلى الموانىء الإسرائيلية. ولكن يبدو أن الموقف السياسي لم يكن مناسباً للقيام بحصار مشابه.
واختلف نشاط بحرية العدو عن موقف البحرية العربية. فقد تركز نشاطها على القيام بغارات إزعاج على المواقع العربية الساحلية، خاصة السورية، سواء منها الاقتصادية أو المدنية أو العسكرية، مستخدمة بذلك كل إمكاناتها من قطع بحرية وقوات كوماندوس بحرية، أو طائرات الهليكوبتر المضادة للسفن.
والحقيقة أن عوامل أخرى هي التي وزعت الأدوار على القوات البحرية بالشكل الذي سبق ذكره. فمن جهة لم تخرج الوحدات البحرية المصرية من تحت مظلة وحدات الدفاع الجوي المصرية تجنباً للطيران المعادي. ولم تقم البحرية المصرية بعمليات بعيدة المدى، أو بغارات ضد السواحل الفلسطينية المحتلة لذلك السبب بالذات، وفي الوقت نفسه لم تحتجز البحرية الإسرائيلية أي جزء من قواتها لحماية شواطئها وموانئها اعتماداً منها على سيطرة قواتها الجوية في تلك الأجواء.
——–
فكرة!
إن دخول السعودية الحرب سيطير النوم من عيني الرئيس نيكسون!
لا لأن السعودية ستستخدم الأسلحة الأميركية الحديثة ضد الحليفة إسرائيل.
لا لأن أحدث طائرات “الفانتوم” التي اشترتها السعودية من أميركا سترمي قنابلها على شعب الله المختار!
ولا لأن الضباط السعوديين الذين تدربوا في كليات العم سام العسكرية على أحدث أساليب القتال، سيستخدمون خبرتهم ضد أصدقاء أميركا.
ولكن لأن دخول السعودية الحرب أصبح يضع حكام الولايات المتحدة بين المطرقة والسندان!
فالذي لا شك فيه أن قلب حكومة واشنطن مع إسرائيل. وأن نيكسون لم يتردد بعد قيام الحرب في إصدار الأمر بإسعاف الحليفة العزيزة بما تحتاج إليه من طائرات وأسلحة.
ولا شك أن عقل أميركا خضع لعواطف قلبها في الأسبوع الأول من الحرب.
ولكن دخول السعودية الحرب قلب موقف أميركا رأساً على عقب.
فإذا كان قلب أميركا مع إسرائيل، فإن عقلها أصبح حائراً!
فإذا كان حزب نيكسون في حاجة إلى أصوات اليهود في نيويورك بعد عامين، فإن الولايات المتحدة في أشد الحاجة لنفط السعودية في الخمسين عاماً المقبلة.
فهل تضحي أميركا بمستقبل خمسين سنة في سبيل مليوني صوت في معركة الانتخابات المقبلة؟
هل يستطيع الرئيس نيكسون أن يضحي بمستقبل بلاده ليرضي مليوني يهودي؟
هل من الممكن أن يقدم على هذه المغامرة الخطرة؟
أعتقد أن خول السعودية الحرب قد وضع الولايات المتحدة في مأزق لم تواجهه في يوم من الأيام.
إنه الخيار بين العقل والعاطفة!
ولقد علمتنا الأيام أن السياسة لا قلب لها!
علي أمين
الأنوار: 16/10/1973
——-
أبعاد جديدة للحرب
بات في حكم المؤكد أن يتخذ الموقف الذي اتجه إليه الملك فيصل بالنسبة إلى علاقات المملكة العربية السعودية بأميركا، أبعاداً بالغة الأهمية. ذلك أنه إذا كان اليهود يملكون قوة ضغط كبيرة على البيت الأبيض، وخاصة على الكونغرس الأميركي، بحكم سيطرتهم الإعلامية ونفوذهم الاقتصادي، فإن مما لا ريب فيه أن حاجة أميركا إلى النفط السعودي خاصة، وإلى النفط العربي عامة، وما يمكن أن يكون لموقف السعودية من تأثير على سائر دول الخليج المنتجة للنفط، يشكل بدوره قوة ضغط تمس المصالح الأميركية الحيوية مباشرة، بل تمس مصلحة المواطن الأميركي الذي سوف يشعر بأنه يضحي بحاجاته الأساسية من أجل دعم العدوان الإسرائيلي.
وتبدو جدية الموقف السعودي وأهميته، في رفض مجيء السفير الأميركي الجديد إلى جدة من ناحية، وفي ظهور القوات السعودية على الجبهة السورية من ناحية ثانية.
كذلك تبدو أهمية الموقف السعودي، في الدعم المالي الكبير الذي قدمته السعودية إلى سوريا، وهو من شأنه أن يوسع نطاق الدعم إلى مصر وسوريا بما يضمن استمرار القتال إلى أمد تعجز إسرائيل عن التصدي له، لأن إسرائيل وإن كانت قادرة على تعويض خسائرها في المعدات، فهي عاجزة عن تعويض خسائرها في الطاقة البشرية، مهما كان عدد المتطوعين الذين يأتون إليها، وتتعمد هي إثارة ضجة إعلامية حولهم.
والذي يلفت نظر إسرائيل في الوقت الحاضر، بقدر ما يلفت نظر البيت الأبيض والشعب الأميركي، هو أن المعركة ضد إسرائيل بدأت تتخذ طابعاً قومياً ليس من السهل تجاهله. فالتحرك العربي الذي افتتح بالتأييد الكلامي التقليدي يتحول تدريجياً، وبقدر ما تستطيع كل دولة إلى دعم عملي متصاعد.
إن القوات العراقية التي كان إسهامها رمزياً في بادىء الأمر، أصبحت الآن في خطوط القتال، وثقلها في المعارك يزداد ساعة فساعة.
والأردن، الذي قيل أنه أسهم بلواء مدرع في الجبهة السورية ينتظر أيضاً أن تزداد قواته هذا إذا لم تدفع أعصاب إسرائيل المتوترة بها إلى إرغامه على فتح جبهة جديدة من حدوده.
وهكذا، تصح التقديرات الأولى التي أكدت أن استمرار القتال بضعة أيام، سيؤدي بالضرورة إلى جعل الأرض العربية كلها ميداناً للقتال.
لذلك سعت إسرائيل، بكل ما تملك من جهد إلى تحقيق نصر سريع خلال بضعة أيام. وإخفاقها في ذلك، رغم تجنيد احتياطيها كله، كاف لتوقع ما ينتظرها من أيام سود.
الأنوار: 14/10/1973
——–
الاختراق الإسرائيلي
في 15 تشرين الأول قامت القوات الإسرائيلية الخاصة بفتح ثغرة عبر البحيرات المرة تسللت منها إلى الضفة الغربية للقناة. كانت القوة بقيادة الجنرال آريل شارون ومعه دبابات سوفياتية الصنع من مغانم حرب 1967 ثم استطاعت تعميق هذه الثغرة حتى جعلت لنفسها قوة من حوالي 500 دبابة في الضفة الغربية بعد أن أفادت من قرار وقف إطلاق النار بعد 22 تشرين الأول فزادت من قواتها المتسللة. فكيف تم لها ذلك؟
دون أن نغرق في تفصيلات عسكرية.. نقول أن كل جيش يتحرك وفقاً لمهمة تحدد له في أمر التحرك، فمثلاً مهمة الجيش الثالث هي السيطرة على القطاع الجنوبي من الضفة الشرقية والتقدم شرقاً في اتجاه الممرات، ومهمة الجيش الثاني هي التقدم شمالاً للوصول إلى رمانه والعريش ومن هنا يصبح تركيز الجيش الثالث، وحشد قواته الأساسية في المقدمة وعلى الجناح الأيمن.. والجيش الثاني في المقدمة والجناح الأيسر.. وتبقى نقطة الضعف على يسار الجيش الثالث ويمين الجيش الثاني وقد اختارت القيادة العليا أن يكون المفصل أو نقطة اتصال الجيشين أو “الشفيتنع” على البحيرات المرة باعتبارها أكبر مساحة مائية على القناة.. وهذه الشقة الحرام بين الجيشين، كانت محل جميع الدراسات العسكرية حتى الحرب العالمية الثانية، لأنها عادة تكون اضعف نقطة في الجبهة، لأن فيها يقع تدخل طرفي الجيشين وربما تكون كثافة النيران فيها أكبر بحكم هذا التدخل، وأحياناً تعزز بكتيبة منفصلة تتبع القيادة العامة وتتمركز خلف الخطوط.. ولكن بسبب عدم تعارف أفراد الجيشين، وعدم تعاملهم تكون هناك فترة من عدم التكامل والاندماج.. وهذه المنطقة التي سماها هيكل المفصل تقع مسؤوليتها على القيادة العليا التي يتبع لها الجيشان.. وتحدد واجبات الدفاع عنها ويوقع عليها قادة الجيشين، وفقاً للنظام الروسي.. تحديداً للمسؤولية وتمهيداً للعقاب عند التقصير..
وعلى هذا الأساس تصبح هذه المنطقة “الثغرة” منطقة الالتحام، ويمكن أن تكون أقوى نقطة في الجبهة. إذا ما تابعت القواعد العسكرية السليمة.. (أشار الرئيس السادات في مؤتمره الصحافي إلى وقوع أخطاء..).
فهل كان ذلك تسللاً أم اختراقاً؟
كان تسللاً واختراقاً معاً.. ابتداء من اليوم الخامس للحرب بدأ تدفق السلاح الأميركي على إسرائيل بكميات مؤثرة، وإن تكن غير حاسمة، كما حدث في الأسبوع الثاني وبدأت إسرائيل عمليتين: شن غارات مكثفة على بور سعيد، سواء تمهيداً للقيام بعملية إنزال، بحري وجوي، عدلت عنها بفعل المقاومة الناجحة، أو للإيهام بذلك وقد مرت أيام كانت الغارات فيها تستمر 11 ساعة متواصلة على المدينة، وفي الوقت نفسه قذفت بالقوة الرئيسية لدباباتها في القطاعين الأوسط والجنوبي المحيطين بمنطقة التسلل.. وبلغ عدد الدبابات الإسرائيلية العاملة في المنطقة نحو 100 دبابة وفي اليوم الثالث للهجوم المضاد الإسرائيلي (أي يوم 12) وصفت المصادر المصرية هذا الهجوم بأن نتائجه ستكون مؤثرة في سير القتال.. ووصفت المعركة بأنها شرسة وقالت “الأهرام” أن القوات المسلحة لا تجعل هدفها كسب الأرض أو التقدم بل إلحاق أكبر قدر من الخسائر بقوات العدو.. كما أعلن رسمياً في الولايات المتحدة شحن صواريخ موجهة لإسرائيل من طراز جو – جو.. وكانت إسرائيل قد استدعت يوم (10) ست جنرالات من الاحتياطي، منهم الجنرال آريل شارون، الذي تولى قيادة عملية فتح الثغرة إلى الغرب.. ويمكن القول أن أكبر خسارة لإسرائيل في المدرعات كانت على الجبهة الوسطى.. وأن الجيش الثالث المصري استطاع أن يسحق الطوابير المتتالية التي تمركزت على شكل رأس رمح عرضه 8 كيلومتر وعمقه نصف كيلومتر.. ويقال أن لواء مدرعات مصري كان في القطاع فقد عدداً مؤثراً من دباباته، فتقرر إلحاق المتبقي بالجيشين الثاني والثالث..
يوم 13 قامت طائرة الاستطلاع الأميركية من طراز “أس – آر 71 آ” بجولة من بور سعيد إلى جنوبي السويس ثم إلى قنا ونجع حمادي بالقاهرة ثم عبرت إلى الضفة الشرقية فوق البحيرات المرة في النقطة ذاتها التي عبرت منها القوات الإسرائيلية في اتجاه مضاد لاتجاه الطائرات التي كانت على ارتفاع 25 كيلومتراً وبسرعة 3,5 ماك (سرعة الصوت) واحتج إسماعيل فهمي (وزير الخارجية) لدى ممثل الولايات المتحدة في القاهرة.
يوم 14 بدأت القوات المصرية هجوماً مصرياً شاملاً وصفه البيان 39 بأنه “طبقاً للخطة الموضوعة في تطوير الهجوم شرقاً.. ركزت قواتنا شمالاً واستطاعت أن تسحق لواء مدرعات إسرائيلي، بل وتقتل الجنرال إبراهام مندلر القائد العام للقوات المدرعة الإسرائيلية في سيناء.. اتخذت إسرائيل موقفاً دفاعياً في الشمال وركزت هجومها على الجيش الثالث في الجنوب، وعلى جناح الجيش الثاني في القطاع الأوسط، حيث يفترض أن التصور الاستطلاعي الأميركي، رشح منطقة الدفرسوار كأفضل نقطة لاختراق الخطوط المصرية، بسبب خلو المنطقة خلفها من القوات المدرعة الكافية..
في الوقت نفسه كانت الولايات المتحدة تصعد دعمها العسكري والسياسي، ففي يوم 15 – هدد نيكسون بتدخل على غرار ما حدث في لبنان والأردن. المهم استمر الضغط الإسرائيلي في الجبهتين الوسطى (حيث جناح الجيش الثاني الأيمن) والجبهة الجنوبية حيث الجيش الثالث.. بينما تركز الضغط المصري في القطاع الشمالي.. هذه المعارك الطاحنة على القطاعين الأوسط والجنوبي كان هدفها تثبيت جناحي الجيشين لمنع إغلاقهما الطريق إلى الثغرة المطلوبة.. وتقول المعلومات أن التسلل بدأ ليلة 14 على 15 بالتعبير العسكري.. بعدد صغير من الدبابات تحمل أسفلها قطعاً من كوبري عائم، وعندما تصل الدبابة الأولى إلى الشاطىء يلتصق طرف قطعة الكوبري المعلقة بأسفلها بالشاطىء وتعبر الدبابة، وتأتي الثانية فتلصق أول القطعة الثانية بآخر القطعة الأولى وهكذا حتى تعبر آخر دبابة فيكون الجسر قد أقيم.. ولم تجد الدبابات مقاومة، وحسبها الأهالي من القوات العربية الحليفة واستطاعت أن تختبىء بين الأشجار ويقال أنها وصلت في اليوم الأول إلى 37 دبابة ثم اكتشفت آخر سبع دبابات “متسللة” يوم 16 قبل ساعة وخمس وأربعين دقيقة من بدء خطاب الرئيس.. وبدأت عملية المطاردة، ولكن الدبابات التي تسللت كانت قد انتشرت وأقامت رأس كوبري عند الدفرسوار.. وتدفقت نحو 190 دبابة من وحدات الكوماندوس المدرعة ومن التي يطلق عليها اسم “الكرايكرز” أي الكساره، مهمتها خرق الخطوط ودك إسفين في العمق، وهي على درجة عالية من الكفاءة، ويتخير لها المتطوعون أو المهاجرون الذين مارسوا هذه الحرب في القات الأميركية في فيتنام وكان تركيز هؤلاء على تدمير قواعد الصواريخ على الضفة الغربية، وساعدهم على الانتشار طبيعة المنطقة التي تتكون من صحراء وحدائق وحشائش عالية برية، وقرى متناثرة تجعل مهمة المتسلل أسهل من مهمة القوات الوطنية التي تحرص على سلامة الأهالي، ورغم طبيعة الانتشار الإسرائيلي وصعوبة تحديد مواقعه ورغم أنه لم تكن توجد في تلك المنطقة قوات أساسية من المدرعات، إلا أن وحدات الجيش الثالث مع القوات الكويتية والفلسطينية وأفراد المقاومة الشعبية قاتلت قتالاً باسلاً.. مما اضطر القيادة الإسرائيلية إلى سحب وحدات الكرايكرز هذه خوفاً عليها من الخسائر باعتبارها أهم وحدات سلاح المدرعات.. وعبر الكوبري تدفقت الدبابات الإسرائيلية محاولة شق الطريق إلى الإسماعيلية ولكنها أوقفت تحت ضربات الجيش الثاني ضد نفيشه.. فاتجهت إلى الجنوب واحتلت سرابيوم جنوب البحيرات المرة.. محاولة الزحف إلى السويس ومهما يقال عن خطأ الثغرة، فإن بسالة وقوة المقاومة المصرية التي تجلت بسبب هذه الثغرة بالذات، هي أكبر شهادة بأن أسطورة التفوق الإسرائيلي قد سقطت.. فقد التحم المشاة المصريون بالدبابات الإسرائيلية وأنزلوا بها خسائر فادحة، كان الالتحام مباشراً بالقنابل اللاصقة التي تلصق بجسم الدبابة، وأحياناً بالقفز على الدبابة وفتح البرج وإلقاء قنبلة يدوية بداخله، وأحياناً باستخدام الصاروخ المحمول وهو سام 7 أو الحية (الثعبان) كما يسميه المصريون..
قال لي مراسل أجنبي من الذين اشتركوا بتغطية حرب فيتنام.. لو أن أي جيش آخر استطاع أن يحدث مثل هذه الثغرة في قوات عدوه، وفي مثل الظروف التي وجدت فيها القوات الإسرائيلية نفسها على الضفة الغربية لاستطاع أن يغير اتجاه الحرب تماماً.. ولكن الإسرائيليين بكل السلاح المتقدم الذي تدفق من الولايات المتحدة إلى حد هدد بنفاد الاحتياطي الأميركي في مخازن الذخيرة كما أعلن متحدث عسكري أميركي.. ورغم الظروف الخاصة التي كانت على الجبهة الغربية، لم يستطيع الإسرائيليون أن يحققوا أكثر من عدة جيوب محاصرة بدورها..
كان يوم 16 يوماً فاصلاً اتسع فيه التسلل الإسرائيلي واكتشف.. وأعلنته غولدا مئير في الكنيست.. وأعلن فيه الرئيس السادات مشروعه للسلام، ووصل فيه كوسيغين إلى القاهرة حيث ظلل أربعة أيام.. واجتمع فيه وزراء البترول العرب وبدأت حرب النفط.. وصدر بيان مصري (44) يعلن تسلل 7 دبابات وتدمير 3 منها وتشتت الباقي، ولم يكن البلاغ يهون الأمر، ولكن المعلومات المتوافرة حتى ذلك الوقت كانت في الأساس في تحديد الرقم، وإن كانت صيغته قد أصبحت محل انتقاد بعد ذلك..
وتتابعت أنباء التسلل في البيانات العسكرية المصرية، وانطلق المعلقون يحللون “ويفتون”، بعضهم يقترح سحب القوات من الضفة الشرقية لسحق هذا الجيب..
وبعضهم يقترح التخلي عن المعركة الدائرة في الشمال والوسط.. لتقفل قوات الجيشين الثالث والثاني عنق الاختراق على الضفة الشرقية.. ولكن المعارك الدائرة في سيناء كانت على أشدها، والتسلل الإسرائيلي اعتبر عملية محكوماً عليها بالفناء، مهما تكن أهدافها الدعائية..
ويلاحظ هنا أن المعلقين العسكريين في الخارج، وبالذات في الصحف الموالية لإسرائيل كانوا يقللون من شأنه.
دور ميلتون المحرر العسكري لصحيفة “نيويورك تايمس” كتب يوم 19 – 10 يقول “صرح المراقبون العسكريون في واشنطن بأنهم لا يرون أن في قدرة القوة الإسرائيلية غرب القناة أن تحدث تأثيراً غير عادي على سير المعارك”.
يوم 20 – 10… أعلنت المصادر المصرية أن التسلل كان بقوة غير صغيرة.. وعرف أن آريل شارون هو قائد العملية، وأنه أصيب ووصل كيسنغر إلى موسكو.. وفي اليوم التالي أعلن المتحدث العسكري المصري اللواء عز الدين مختار أن هذه القوة تتحرك على امتداد 10 كيلومترات وبعمق 7 كيلومترات.
بعد وقف إطلاق النار تم الانتشار الإسرائيلي الأكبر على امتداد 38 كيلومتراً وبعمق عشرة كيلومترات…
——
أميركا الكبرياء العربي
لم يكن صعباً على الولايات المتحدة، في وقت من الأوقات، أن تدرك ضخامة مصالحها الاقتصادية وغير الاقتصادية في البلاد العربية. ولا هي بحاجة إلى جهد كبير لتقدر احتمال خسارتها لهذه المصالح من جراء اصطدامها مع إرادة التحرر العربية.
وإنما كان الصعب على الولايات المتحدة أن تجد تلك الصيغة من التعامل مع العرب التي تتفق مع نظرة العربي إلى نفسه وإلى وزن أمته في العالم.
فأميركا عاجزة عن فهم سر الكبرياء القومي الذي لم تتخل عنه هذه الأمة في أحلك مراحل حياتها.
وبعض الأميركيين – من المسؤولين والمفكرين – يسردون بدهشة تجاربهم الفاشلة في التقرب من بعض الدول العربية، وعلى الأخص تجربة بالذات هي محاولتهم في مطلع عهد ثورة يوليو للتقرب من مصر، ويبدون الاستغراب من أن هذه المحاولة لم تثمر على الرغم من سخاء العروض التي قدموها يومذاك!
واليوم، وقد شاء الرئيس السادات أن يحاور أميركا من مركز القوة، تسنح الفرصة لتحليل سبب فضل هذه المحاولة، لا تفاؤلاً بموقف ممكن للولايات المتحدة، بل تصويراً لقضية هذه الأمة، في أبعادها النهائية، مع أميركا وغير أميركا من دول العالم، ومع نفسها وتاريخها وقيمها أولاً..
وعندما قام عبد الناصر والسادات ورفاقهما من الضباط الأحرار، كانوا جميعاً – وخصوصاً عبد الناصر والسادات – من المعجبين بشخصية المصلح التركي الكبير مصطفى كمال، وكانوا شديدي التقدير لتجربته الإصلاحية التي كانت تعتبر في زمن ما نموذج التجربة الإصلاحية الناجحة في بلاد الشرق. فقد حقق مصطفى كمال لأمته في فترة تاريخية قصيرة قفزة واسعة على طريق التقدم والأخذ بمقومات الحياة العصرية. وكانت صداقة السادات لعزيز علي المصري وهو البطل العربي لأكثر من انقلاب إصلاحي في زمن الدولة العثمانية، تجعله على أتم إطلاع على الجذور الحقيقية للحركة الكمالية وعلى أهدافها الوطنية التقدمية.
كانت نظرة الثورة المصرية هي هذه إلى مصطفى كمال وإنجازاته، عندما تقدم الأميركيون من الثوار المصريين يعرضون عليهم، بشكل مفاجىء، أن يكونوا مصطفى كمال مصر، وأن تكون الدولة التي ينشئون نسخة أخرى عن الدولة التركية، وهم بالمقابل – أي الأميركيون – مستعدون لكل مساعدة!
وكمن تعرض عليه على غير توقع أضخم الإغراءات، كان رد فعل عبد الناصر ورفاقه الذين كانوا يومذاك في أول عهدهم بالسلطة ولم يتكون لهم بعد رصيد من الإنجازات، أن ارتابوا بالعرض السريع السخي وخرجوا بالقناعة الثابتة أنه لو لم يكن مقدراً لثورة مصر أن تلعب دوراً في المنطقة أعمق وأوسع من دور مصطفى كمال، ولو لم تكن تناديهم، في مصر والبلاد العربية، قضية أضخم من قضيته، لما جاءتهم أميركا وفي يدها كل هذه العروض..
وهكذا رفض عبد الناصر ورفاقه التلويح الأميركي بالمساعدة على إقامة دولة عصرية، في المنطقة، ولكن محدودة الأثر في محيطها، وثانوية في الحساب النهائي، وآثروا المصير الآخر، مصير الارتباط بحلم الدولة العربية، الكاملة الكبرياء القومي والمنتشرة الإشعاع الإنساني، الدولة الكبيرة الشريكة في تقرير مصير العالم.
هذا، هو السر الأعمق للخلاف الأميركي العربي. أميركا، في أقرب حالاتها إلى التعاطف مع العرب، لم تستطع أن تفهم عن العرب أنهم أكثر من دويلات متخلفة خليقة بأن تتجاوب مع أول تلويح لها بالمساعدة، كائنة ما كانت هذه المساعدة… مفروض في الدول العربية، في زعم أميركا، أن تقبل ما تعرضه عليها، وأن ترحب به، لأن البديل الوحيد عنه هو الحرمان..
أما العرب فهم ينظرون إلى أنفسهم بمنظار آخر، هم أمة عريقة ووطن ضخم كبير. هم وجود غير قابل لأن يعيش في ظل وجود آخر، سواء أكان أميركياً أم إسرائيلياً أم غيرهما، يحاول أن يكون وصياً على درجة نموهم وتقدمهم وقوتهم، ويعتبر نفسه مسؤولاً عن تقنين التطور العربي في كل المجالات، وفقاً لمبدأ أن استمرار حياة المستغل شرط لاستمرار استغلاله!
أميركا لم تفهم اختلاف الأمة العربية النوعي عن الكثير من الأمم التي نجحت فيها، ولو إلى أمد، السياسة الأميركية ساعدت في إبقاء الدول والشعوب في إطار تقدم محدود ومضبوط، حيث استحال إبقاؤها في حالة التخلف الكامل.
أميركا لم تفهم مثلاً تجربة بريطانيا الاستعمارية… استطاعت بريطانيا أن تدخل الهند ونهرو إلى الكومنولث، أن تجعل من أمة تعد 500 مليون تقبل بتاج الملكة تاجاً لها، وأن تدخل جنوب أفريقيا والجنرال سمطس برضاهما تحت ظل التاج البريطاني، وأن تجر كندا إلى عضوية الكيان الدولي الكبير، ولكن بريطانيا لم تستطع أن تقنع شيخاً عربياً واحداً في أقصى منطقة عربية، سلطاناً من عشرات السلاطين، أصدقاءها بل محبيها، بتقبل فكرة الانضمام إلى هذا الكومنولث.. ذلك أنه كان من المستحيل على أي عربي تصور عزته مرتبطة بعزة التاج البريطاني، وكيانه القومي ذائباً في كيان آخر..
وأميركا اليوم تستمر في عدم الفهم.. لأنها تتحدث عن المفاجأة في التحرك المصري والسوري، وفي الإرادة العربية للقتال..
أي مفاجأة؟
أين المفاجأة في نهوض أمة عريقة وعميقة الحس بأصالتها وتراثها ومليئة بالكفاءات والطاقات لتحقيق جزء بسيط من حقوقها؟
أنتم أمام أمة مغروس في ذاتها الإيمان المطلق بنبلها، والحرص الكامل على شخصيتها، وتستنكرون عليها أن تندفع من أجل الحفاظ على وجودها!
أنتم أمام أمة كل عرف فيها يرفض إلا أن تصنف في طليعة الأمم وترفضون أن تسلموا لها حتى بإزالة آثار العدوان!
أنتم أمام أمة لكم ولغيركم من المستعمرين تجارب معها، وهذه التجارب تدل، لو أمعنتم في فهمها، أنها لا تستطيع أن تتقبل أي فكرة تريد أن تجعل من العرب دولاً عادية فكيف بجعلهم في مستوى أقل من الدول العادية.
لقد رفضت الثورة المصرية أن يعاملها الغرب بمثل ما عامل به حركة مصطفى كمال الإصلاحية. وكان المغزة الإصرار على الدور التاريخي المرموق لا لمصر وحدها بل للأمة العربية كلها… هذا هو الشعور الداخلي الثابت عند كل عربي حتى وهو يعاني الوهن والضعف في واقعه لأنه ينظر إليهما على أنهما حالة مؤقتة طارئة على جوهر أمته. وهذه هي الحقيقة العميقة التي لا بد أن يتعامل معها أولاً كل من يريد التعامل مع العرب.
منح الصلح
الأنوار: 20/10/1973
——-
وقف القتال والتسوية
22/10
– مجلس الأمن يصدر قراراً بعد سبعة عشر يوماً من القتال بوقف إطلاق النار خلال 12 ساعة من صدوره وعلى أن يتبع ذلك تنفيذ القرار 242 _1967) بكل فقراته. وتم تبني القرار الجديد 338 (1973) بأغلبية 14 صوتاً وامتناع الصين. القرار الجديد جرى تبنيه بعد 5 سنوات و11 شهراً من تبني القرار 242.
23/10
– وقف إطلاق النار ينهار عندما استغلت إسرائيل وقف إطلاق النار ودفعت بدباباتها إلى منطقة الدفرسوار وقيام القوات المصرية بالتصدي للقوات الإسرائيلية.
– مجلس الأمن يصدر قراراً جديداً رقم 339 (1973) يدعو إلى الوقف الفوري لإطلاق النار ودعوة قوات الفريقين إلى المواقع التي كانت تحتلها عندما أصبح وقف إطلاق النار السابق ساري المفعول. كما يدعو إلى إرسال مراقبين دوليين للإشراف على مراقبة وقف إطلاق النار. تم تبني القرار بأغلبية 14 صوتاً وامتناع الصين.
24/10
– مصر تطلب قوات أميركية – روسية مشتركة لتأمين وقف إطلاق النار في الوقت الذي خرقته إسرائيل وهاجمت مدينة السويس. واشنطن ترفض الطلب.
25/10
– مجلس الأمن يصدر قراراً يدعو إلى إرسال قوات طوارىء دولية تستثنى من الاشتراك فيها قوات الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن (الولايات المتحدة، الاتحاد السوفياتي، بريطانيا، فرنسا والصين). صدر القرار بأغلبية 14 صوتاً وامتناع الصين.
26/10
– ممثلون عسكريون مصريون وإسرائيليون يعقدون اجتماعاً في إشراف الأمم المتحدة وفي منطقة رفع عليها علم الأمم المتحدة للبحث في الإجراءات الكفيلة بتطبيق قرار مجلس الأمن.
27/10
– طلائع القوات الدولية تصل إلى مدينة السويس، ومجلس الأمن يوافق رسمياً على إقامة قوة طوارىء دولية تابعة للأمم المتحدة تضم 7000 رجل للمرابطة في الشرق الأوسط وتقدر تكاليفها بنحو 30 مليون دولار للأشهر الستة.
28/10
– ضباط مصريون وإسرائيليون يجتمعون مرة ثانية للبحث في تنفيذ وقف إطلاق النار.
7/11
– وزير خارجية الولايات المتحدة يجتمع بالرئيس المصري في القاهرة ويجري مباحثات تهدف إلى تسوية حرب الشرق الأوسط.
8/11
– مصر وإسرائيل توافقان على صيغة إتفاق أميركية تضع حداً للحرب وتوطد وقف إطلاق النار وتمهد الطريق أمام مؤتمر السلام الدولي.
9/11
– الولايات المتحدة تعلن رسمياً الاتفاق وتذيع تفاصيله.
10/11
– إسرائيل ترجىء حتى اليوم إعلان موافقتها على الاتفاق.
11/11
– التوقيع على الاتفاق داخل خيمة عسكرية نصبت في الأراضي المصرية عند الكيلومتر 101 على الطريق الصحراوي لمدينة السويس. وقع عن الجانب المصري اللواء محمد الحمصي، مساعد رئيس الأركان المصري، وعن الجانب الإسرائيلي الجنرال أهارون ياريف مساعد رئيس الأركان الإسرائيلي. وجرى التوقيع تحت إشراف قائد قوات الطوارىء الدولية.
بين حربين
في منتصف تشرين الثاني أفادت دراسة لاتجاهات الرأي العام في تل أبيب أن أغلبية الإسرائيليين مستعدون للتنازل عن كل الأراضي التي احتلت في الحربين الأخيرتين أو كلها تقريباً من أجل سلام حقيقي. كما أن 73 بالمئة أيدوا قرار حكومتهم توقيع اتفاق تعزيز وقف إطلاق النار. على أن دراسة مشابهة نشرتها صحيفة “معاريف” في أواخر عام 1972 أظهرت أن أغلبية الإسرائيليين كانوا يرفضون الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967. فقد رفض 91 بالمئة منهم إعادة شرم الشيخ والجولان، و88 بالمئة رفضوا إعادة القدس، و70 بالمئة رفضوا التنازل عن غزة و47 بالمئة رفضوا الانسحاب من الضفة الغربية و26 بالمئة رفضوا الانسحاب من سيناء.
معركة السلام
لا تزال موجة الغضب الصامت تجتاح الأمة العربية بسبب قرار القيادة بوقف القتال.
ومن الخطأ الذي يرتقي إلى مرتبة الجريمة أن يفسر انفجار الغضب في بعض عواصم العرب بأنه يستهدف تمزيق وحدة الأمة وزعزعة الثقة بقيادتيها في القاهرة ودمشق.
إن الذين انفجر غضبهم هم ثوار أحرار مهدوا، في فترة اللاسلم واللاحرب، طريق وحدة العرب إلى السادس من تشرين.
وهم الأخوان الشرفاء الذين بلغت ثقتهم بالقاهرة ودمشق حد الارتفاع على الجراح، فخاضوا المعركة بكل طاقاتهم وإيمانهم.
فإذا ما انفجر غضبهم بطريقة لا تتعدى نطاق الرأي الحر، فلا يعني ذلك أنهم يسيئون إلى الوحدة، بل إن غضبتهم تعتبر من أكبر الضمانات لسلامة هذه الوحدة بعد القرار بوقف القتال.
على كل حال إن لجم الغضب واجب في هذه الظروف لأننا مقبلون على معركة سياسية ستكون الحد الفاضل بين السلام القائم على العدل والسلام الذي تريده إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة.
وسيعود الجدل غداً حول الانسحاب من “الأراضي العربية” أو من “أراض عربية”.
ولن تأخذ إسرائيل وأميركا بمضمون المادة الأولى من قرار مجلس الأمن وهي التي تضع حداً قانونياً ومنطقياً لكل تفسير، لأنها تنص صراحة على منع احتلال أي أرض بالقوة.
غير أن الجدل لن يطول هذه المرة، لأن الجيوش العربية التي قفزت إلى ميدان القتال مخلفة وراءها الهزيمة ومجتاحة أمنع الحواجز والحصون، هذه الجيوش التي قيل لها: قفي.. لن تقف طويلاً مرة أخرى.
وسيكون كل يوم من أيام المماطلة والتردد في الانسحاب، مرشحاً لاتخاذ القرار الذي يشرف العرب ويكمل طريقهم إلى النصر.
سعيد فريحة
الأنوار: 28/10/1973
———