المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى في لبنان
القرار النهائي للقضاء الايطالي في قضية اخفاء
سماحة الامام موسى الصدر
والاستاذ السيد عباس بدرالدين
وفضيلة الشيخ محمد يعقوب
1- مطالعة النيابة العامة بتاريخ 20/12/1981
2- قرار قاضي التحقيق الصادر بتاريخ 28/1/1982
(ترجمة قانونية دقيقة من اللغة الايطالية)
المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى في لبنان
مقدمة
بيان نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى
في تقديم القرار النهائي للقضاء الايطالي
________
بيــــــان
نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى
سماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين
في المؤتمر الصحفي المنعقد في دار المجلس بتاريخ 23/2/1982
لتقديم القرار النهائي للقضاء الايطالي
في قضية إخفاء
سماحة الإمام السيد موسى الصدر
والاستاذ السيد عباس بدرالدين
وفضيلة الشيخ محمد يعقوب
ــــــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
أتوجه أولاً بالشكر إلى الله سبحانه وتعالى الذي وفقنا إلى هذا اللقاء على طريق وطننا وأمتنا، إذ إن قضية سماحة الإمام السيد موسى الصدر والأخوين المجاهدين الاستاذ السيد عباس بدر الدين مؤسس “وكالة اخبار لبنان” والشيخ محمد يعقوب، تتصل، بكثير من الوشائج الحية والعميقة، بكل ما جرى ويجري الآن، انطلاقاً من كل بيت في الجنوب، من كل قلب مدمى، من جرح كل مقاتل بريء، من خوفنا جميعاً على الجنوب، ومن عزيمتنا جميعاً على خلاصه. ومن كل بيت في لبنان، من سهله وجبله في ساحله وداخله، من كل معبد فيه، من كل مدرسة، من كل مستشفى، ومن كتب الأطفال ومخاوفهم وآمالهم في المستقبل….
هذه القضية، هذا بعض وشائجها في حياتنا، لا كجنوبيين، ولا كلبنانيين من الطائفة الإسلامية الشيعية، ولا كمسلمين، وإنما كلبنانيين في كل مكان وفي كل موقع، وكعرب في كل مكان وكل موقع، وكمسلمين في كل مكان وكل موقع….
أن نلتقي الآن، على هذا المستوى العالي الذي يمثل رموز لبنان كله في هذه القضية: يعني أنها ليست قضية شخص الإمام أو السيد والشيخ، بل هي تلخص في ثناياها كل قضيتنا اللبنانية وكل أبعادها.
كما قلت مراراً، لم يسافر الإمام موسى الصدر، تاجراً، أو سائحاً، أو في نشاط اجتماعي…. فهو، بعدما توضحت له المؤامرة بأشنع وجوهها وأخطر مراميها، حمل لبنان كله إلى العرب، وكان سيحمل لبنان كله إلى العالم….
قطعوا عليه الطريق في ليبيا, لأنه اريد للمؤامرة ان تمّر , وأريد للوعي ان يندحر…
ولكن شاء الله الا يندحر الوعي, وان ينمو، فيعبّر عن نفسه بشتى التعابير التي منها لقاؤنا هنا الذي يؤكد لجميع العرب والمسلمين, ولجميع القوى التي هي في أنظمة الحكم والتي هي خارج انظمة الحكم, أن قضية الامام الصدر تشكل تحديها الدائم, تحدّى مصداقيتها السياسية, تحدّى شعاراتها, وتحدى اخلاقياتها…
الشكر لله الذي أعاننا على ان تستمر هذه القضية لأنها تحمل في صميمها عناصر استمرارها. وستتأكد الفضيحة اكثر اذا لم يوضع حدّ ونهاية سليمة للقضية. ولا يمكن لأحد, لا بالمال, ولا بالارهاب, ولا بالدعارة السياسية ان يضع لها حدا غير سليم…..
ان مؤتمرنا هذا, هو لإعلان نتائج عمل القضاء الايطالي في قضية الامام الصدر, وهذه النتائج تدحض كل الادعاءات التي ارادت ان تستمر الجريمة وتمرّر المؤامرة…
* * *
ثلاث سنوات ونصف السنة انقضت على غياب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى سماحة الامام موسى الصدر عن لبنان, منذ توجه بتاريخ 25/8/1978 مع الاستاذ السيد عباس بدر الدين وفضيلة الشيخ محمد يعقوب و الى ليبيا, بدعوة رسمية من سلطاتها, في ختام جولته على الدول العربية لوضع حكامها امام مسؤولياتهم تجاه الازمة التي استمرت تعصف بلبنان وتجاه الخطر المصيري الذي بدأ يتهدد جنوبه.
ومنذ اللحظة الاولى التي علمنا فيها باخفاء الامام الصدر والسيد بدرالدين والشيخ يعقوب الذي بدأ بتاريخ 31 آب 1978, لم يكن لدينا ادنى شك في ان الاخفاء حصل في ليبيا, وفي أن السلطات الليبية هي المسؤولة عن هذا الاخفاء.
هذه كانت ايضاً قناعة غيرنا في لبنان وخارج لبنان.
حيال الدوي الهائل الذي احدثته هذه الجريمة النكراء وترددت اصداؤه في العالم كله, خرجت السلطات الليبية عن صمتها وأصدرت بتاريخ 17/9/78 بياناً رسمياً تعلن فيه ان الامام والسيد والشيخ غادروا ليبيا مساء يوم 31/8/1978 الى روما على متن طائرة اليطاليا.
فتحركت أجهزة الامن والقضاء الايطالية, وكانت تحقيقات دقيقة انتهت بقرار قاضي تحقيق روما بتاريخ 7/6/79 بحفظ القضية, باعتبار انه ثبت ان الامام الصدر والسيد بدرالدين والشيخ يعقوب لم يغادروا ليبيا على متن طائرة اليطاليا مساء يوم 31/8/78 ولم يصلوا روما بأية وسيلة اطلاقاً.
هذا القرار الذي كشف الحقيقة وأعلن بطلان مزاعم السلطات الليبية, شكل صدمة كبرى لهذه السلطات التي كانت قد استمرت, طوال فترة التحقيق, تصدر التصريحات بلسان كبار المسؤولين الليبيين, وتنشر الاخبار عبر أجهزة الاعلام المتصلة بها, مالئة الدنيا بروايات مصللّة وأنباء ملفقة لتمويه الحقيقة وتخفية جريمتها النكراء.
وبدلاً من ان تضع هذه السلطات حداً للتمادي في الجريمة وفي محاولات التضليل, اذ بها تعاود الكرة باختلاق تحقيق ليبي مزّيف يكلف به عقيد في جهاز الامن الليبي يقرّ بنفسه انه باشر التحقيق بتاريخ 3/11/79 (أي بعد انقضاء اكثر من سنة وشهرين على جريمة الاخفاء) ويملأه افادات ملفقة بقصد تبديل وجه الحقيقة.
وتتقدم السلطات الليبية بهذا التحقيق المزيف من السلطات الايطالية بتاريخ 15/2/1980 طالبة من القضاء الايطالي اعادة فتح التحقيق في القضية, وممارسة في الوقت ذاته، ولهذا الغرض، ضغوطاً على السلطات السياسية الايطالية على نحو كشفه الصحافة الايطالية (يراجع مجلة “الاسبرسو” الاسبوعية الايطالية في عددها بتاريخ 3/3/1980).
ويقبل الطلب الليبي, ويسارع العقيد القذافي على الاثر للاعلان في لقاء صحفي مع وكالة “رويتر” بقوله: “انا الان مقتنع بأن موسى الصدر وصل الى ايطاليا. وهناك ادلة جديدة على هذا” (الصحف اللبنانية بتاريخ 3/3/1980). وتنطلق, من جديد, حملة اعلامية واسعة تستأنف التضليل وتزييف الحقيقة….
ويضع القضاء الايطالي يده مجدداً على القضية, ونعلن آنذاك في مؤتمرنا الصحفي بتاريخ 10/4/1980 ثقتنا بنزاهة القضاء الايطالي. ونبادر الان الى توجيه تحية اكبار واجلال لهذا القضاء النزيه الذي صمد في وجه الضغوط وشتى المحاولات, وأبى الا ان يكون على مستوى قداسة رسالة القضاء, وحافظاً شرف ايطاليا ووجهها الحضاري.
فبعد ان اعاد القضاء الايطالي فتح التحقيق بناء للطلب الليبي, وقام بتحقيقات اضافية دقيقة ومعمقة, ووقف على وقائع وأدلة جديدة, واستمع الى شهود التحقيق الليبي المزّيف, واستغرقت جهوده المبذولة في التوسع بالتحقيق حوالي سنتين, لفظ قراره النهائي في القضية بمطالعة النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف في روما بتاريخ 20/12/1981 وبقرار قاضي التحقيق لدى المحكمة المذكورة بتاريخ 28/1/1982, المتوافقين, واللذين نضعهما امامكم بصيغتهما الاصلية باللغة الايطالية وبترجمتها للغة العربية.
هذا القرار النهائي جاء يثبت ويؤكد القرار الصادر بتاريخ 7/6/1979، ويكشف تفاصيل دقيقة ويعلن عدة حقائق، نكتفي بإبراز أهمها:
الحقيقة الأولى: أعلنها قاضي التحقيق الإيطالي في قراره بقوله الحرفي:
أن التحقيقات الإضافية المعمقة التي أجريت، عززت وأيدت بشدة، نتائج التحقيقات السابقة، وأفرزت أدلة ثبوت متطابقة لا يرقى إليها أدنى شك، وهي وفيرة جداً، بحيث يترتب الجزم، بكل تأكيد، أنه لم يرتكب أي جرم على أراضي الدولة الإيطالية بحق موسى الصدر وعباس بدر الدين ومحمد يعقوب، لأنه ثبت أن المذكورين لم يصلوا إلى مطار فيوميتشينو (روما) في ساعة متأخرة من ليل 31 آب 1978 على متن طائرة أليطاليا (الرحلة 881) القادمة من طرابلس، وأن أشخاصاً آخرين غير معروفين انتحلوا شخصيات الأشخاص الثلاثة، وزيفوا آثاراً لدخولهم وإقامتهم على أراضي بلدنا.
الحقيقة الثانية: أن قدوم الإمام الصدر إلى ليبيا كان من أجل عقد لقاء مع العقيد القذافي، أشار به الرئيس الجزائري الراحل المغفور له هواري بومدين، للبحث في “شأن ذي أهمية كبرى” هو شأن “الوضع الخطير في لبنان” والخطر على جنوبه.
وأن العقيد القذافي حدد للإمام خلال إقامته في ليبيا، ضيفاً رسمياً على سلطاتها، موعدين قبل 31/8/1978، ألغيا، ثم صار تحديد الموعد الثالث في الساعة الواحدة والدقيقة الثلاثين من بعد ظهر يوم 31/8/1978، حيث شوهد الإمام يغادر الفندق مع السيد والشيخ، ودون حقائب، قبل حلول الموعد بنصف ساعة متجهين إلى مكان اللقاء بالسيارات الرسمية الموضوعة بتصرفهم، ولم يعد يرهم أحد بعد ذلك، وافتقدهم القائم بالأعمال اللبناني في ليبيا ونزلاء الفندق اللبنانيون الذين استمروا منذ بعد ظهر ذلك اليوم ينتظرون عودتهم إلى الفندق دون طائل.
الحقيقة الثالثة: ثبت بشكل أكيد، أنه لم تكن للإمام أية نية بمغادرة ليبيا في يوم 31 آب 1978، وأن السلطات الليبية الرسمية هي التي استحصلت – دون طلبه أو علمه – على تأشيرتي دخول له ولفضيلة الشيخ محمد يعقوب إلى إيطاليا وفرنسا، بالرغم من عدم نيتهما في التوجه إلى إيطاليا، وبالرغم من عدم حاجتهما لتأشيرة دخول إلى فرنسا حيث كانا حائزين هذه التأشيرة وكانت سارية المفعول. وان الاستحصال على هاتين التأشيرتين, وايصال حقائب الامام والسيد والشيخ الى فندق “هوليداي ان” في روما, كانا من اعمال “التمثيل المسرحي” للايهام بأنهم غادروا ليبيا ودخلوا ايطاليا.
الحقيقة الرابعة – ان “التحقيق” الذي قدمته السلطات الليبية الى السلطات القضائية الايطالية, من اجل طلب اعادة التحقيق, هو تحقيق مزّيف جملة وتفصيلا ولا اساس له من الصحة.
الحقيقة الخامسة – ثبت للقضاء الايطالي اقدام اشخاص مجهولين على انتحال شخصية كل من الامام الصدر والسيد بدرالدين والشيخ يعقوب وعلى تزوير جواز سفر الامام واستعماله مزوّراً في ايطاليا وعلى تزوير بطاقتين باسم الامام وفضيلة الشيخ محمد يعقوب في فندق “هوليداي ان” في روما.
وان هؤلاء الاشخاص مثّلوا “مسرحية” قدوم الامام والسيد والشيخ الى ايطاليا.
* * *
وبعد هذا, ماذا نقول؟
اننا نقول للسلطات الليبية التي استمرت تمعن في التضليل بقصد طمس الحقيقة الى درجة تلفيق تحقيق ليبي مزيّف, نقول لهذه السلطات:
– ان كفاها ممارسة اساليب غش باتت مفضوحة امام العالم كله. وانه آن الاوان لكي تنزع عن وجهها قناعاً ممزّقاً, وتكف عن جريمتها المتمادية في حق الامام والسيد والشيخ: الامام الذي نذر نفسه للانسانية وللمحرومين وللقيم وللقضايا العادلة وفي طليعتها قضية العرب الكبرى والاولى.
– ان لا تظن ولو للحظة واحدة, ان احدا في لبنان او خارجه, يمكن ان يخدع بمزاعمها انها تسعى لانقاذ لبنان وجنوبه, وهي التي انكشف امام العالم انها احتجزت واعتدت على الامام الذي جاءها مستحثاً للمساهمة في الانقاذ, وكان ردّها على ندائه غدراً به وهو الذي يمثل غاية اماني اهل الجنوب وبالتالي لبنان, والعامل النشط على اطفاء الحريق فيه وافساد المؤامرة عليه.
ونقول للابسين لبوس الحكماء, ان ينزعوا لبوسهم في التوجه الى الضحية بالصبر على الظلم والعدوان, وأن يبادروا الظالم المعتدي بالكف عن ظلمه وعدوانه ووضع حدّ لجريمته المتمادية….
ونعلن امام العالم اجمع, انه الى ان يعود الامام الى ساحة جهاده ووطنه وأهله, مع السيد والشيخ, فان هذه القضية, خلافاً لكل التوقعات والحسابات, ستظل حية فينا ونابضة في ضميرنا, ومحركة وفاعلة, كما اثبتت الاحداث وما تزال, وستبقى باذن الله سبحانه وتعالى.
والسلام عليكم
_________________________________________________________
ان المدعي العام,
بعد الاطلاع على ملف قضية اختفاء الامام الشيعي موسى الصدر والسيد عباس بدر الدين و الشيخ محمد شحاده يعقوب,
وبعد الاطلاع على الادعاء بحق مجهولين, كما هو مذكور في الملف,
تبيـــــــــن
انه بموجب تقارير مؤرخة في 18و20 و24 و25 و27 ايلول 1978 و17 تشرين الاول 1978 والايام اللاحقة, صادرة عن ادارة الشرطة في روما وعن فصيلة الشرطة في مطار فيوميتشينو, وسنداً لأخبار وزعتها وكالات الانباء, علمت النيابة العامة للجمهورية في روما ان امام الشيعة في لبنان موسى الصدر و الصحافي السيد عباس بدر الدين والشيخ محمد شحاده يعقوب وصلوا ليبيا في 25 آب 1978, بزيارة رسمية, وانقطعت اخبارهم بعد ذلك.
وان السلطات الحكومية الليبية اجابت على استيضاح السلطات اللبنانية بالموضوع, ان الامام والسيد والشيخ غادروا ليبيا قاصدين ايطاليا بتاريخ 31 آب 1978 على متن طائرة اليطاليا (الرحلة 881) في الساعة الثامنة مساء, وان السلطات الليبية لم تتلق اي علم مسبق بهذه المغادرة التي تمت بالرغم من ان رئيس الدولة القذافي كان قد حدد موعداً في الساعة الواحدة والنصف من بعد ظهر ذات اليوم (31 آب) لاستقبال الامام الذي لم يحضر في هذا الموعد.
وانه بمقتضى الافادات المثبتة في الملف, وخاصة افادات نزار فرحات القائم بالاعمال اللبناني في طرابلس (الصفحة 374 من القسم 2 والصفحتان 431 و586 من القسم 3) ونزار علي (الصفحات 69 -75 من القسم 5) وزوجة الامام وشقيقته, فان الامام كان ينوي, بعد انجاز مهمته في ليبيا, ان يتجه الى فرنسا للقاء زوجته التي كانت تعالج فيها, ولم يكن يوجد اي سبب معلوم او منطقي لاحتمال سفره باتجاه ايطاليا سوى سبب وحيد هو توقف الطائرة في ايطاليا بطريق باريس عند عدم توفر طائرة تنتقل من طرابلس مباشرة الى باريس.
وانه بالتحقيق لدى السفارة الفرنسية في طرابلس تبين انها منحت الامام ويعقوب تأشيرة دخول الى فرنسا. اما السيد عباس بدر الدين فكان قد سلم جواز سفره الى نزار فرحات ليؤّمن له تأشيرة الدخول الى فرنسا. وعندما أمّن فرحات هذه التأشيرة, ترك فرحات جواز سفر السيد بدر الدين في فندق الشاطيء حيث كان الثلاثة ينزلون, وحصل ذلك بعد الساعة 12 من يوم 31/8/1978 (الصفحة 586 وما يليها من القسم 3).
وأنه بالتحقيق لدى السفارة الإيطالية في طرابلس، اتضح أنه في ذات اليوم أي في 31/8/78 وحوالي الساعة 12 منح الامام والشيخ يعقوب تأشيرة دخول الى ايطاليا, وحصل طلب التأشيرة من قبل مأمور ليبي وبدون “الطلب الخطي” المألوف (الصفحة 384 من القسم 2). وتبين انه لم يرد الى السفارة الايطالية اى طلب تأشيرة من السيد عباس بدر الدين.
بتاريخ 24 ايلول 1978 علمت النيابة العامة للجمهورية في روما انه عثر في فندق “هوليداي ان” في روما على حقائب وجوازي سفر الامام والشيخ يعقوب. وعلمت ايضاً انه بتاريخ اول ايلول 1978 وحوالي منتصف النهار طلب شخصان عرّفا عن نفسيهما انهما الامام والشيخ يعقوب, اشغال غرفتين في الفندق المذكور واعطيا الغرفتين رقم 701 و702, ودفعاً الحساب سلفاً لمدة اسبوع ابتداء من اول ايلول وانتهاء بـ8 ايلول 1978. وان واحداً منهما كان يرتدي لباساً دينياً. وبعد ان شغلا الغرفتين لفترة عشر دقائق, رحلا ولم يعودا. وان الشخص الذي كان يرتدي لباساً دينياً عند قدومه, خرج مرتدياً لباساً مدنياً.
وتبين ايضاً:
أ) أن رحلة طائرة اليطاليا رقم 881 من طرابلس الى روما ليوم 31 آب 1978 كان محدداً موعدها في الساعة (20) مساء, الاّ انها بدأت فعلاً حوالي الساعة (21), اي بتأخير حوالي ساعة واحدة.
ب) ان الطائرة وصلت الى روما في الساعة 23 والدقيقة 12.
جـ) ان الشخص الذي عرّف عن نفسه بأنه السيد عباس بدر الدين تقدم من مكتب الامن العام في مطار فيوميتشينو في الساعة 23 والدقيقة 35 من يوم 31 آب ذاته مصرحاً– خلافاً للحقيقة – بأنه ينوي الاقامة في فندق “ساتلايت”, وطلب تأشيرة دخول لمدة 48 ساعة لزيارة المدينة على ان يغادرها متابعاً سفره الى مالطه في اليوم التالي اي بتاريخ اول ايلول على متن طائرة اليطاليا الرحلة 490 في الساعة 11 والدقيقة 40.
ولقد استجوبت الشرطة القضائية فوراً العاملين في فندق “هوليداى ان”, وأفراد طاقم طائرة اليطاليا للرحلة 881 ليوم 31 آب 1978, ومأمور الامن العام العريف زوطو دوناتو Zotto Donato الذي كان قائماً بوظيفته في مكتبه بالمطار ومنح تأشيرة دخول موقت الى الشخص الذي عرّف عن نفسه بأنه السيد عباس بدر الدين.
لقد نفى العاملون في فندق “هوليداى ان” ان يكون للشخصين اللذين نزلا في الفندق المواصفات الجسدية وملامح الوجه التي هي للامام وللشيخ يعقوب. وظهرت افاداتهم معبّرة بصورة خاصة وقاطعة على اساس الاعتبار انه بالتأكيد كانت ستبقى مدموغة في أذهان العاملين في الفندق البنية الجسدية العفية والقامة المميزة للامام (طوله 190 سنتم) وكذلك وجهه الذي يظهر عليه لحية وشاربان.
ونفى ايضاً بشكل قاطع, افراد طاقم طائرة اليطاليا للرحلة 881 ليوم 31/8/78, عند استجوابهم بعد ايام قليلة من نبأ اختفاء الثلاثة, ان يكون شخص له مواصفات الامام المميزة قد سافر على متن الطائرة في تلك الرحلة.
وكذلك نفى العريف زوطو دوناتو ان يكون الشخص الذي عرّف عن نفسه بأنه السيد عباس بدر الدين, هو ذاته السيد بدر الدين الحقيقي الذي عرضت عليه صورته من قبل المحققين.
بالاستناد الى العناصر الرئيسية الدقيقة المذكورة اعلاه, طلب المدعي العام للجمهورية بتاريخ 10/5/1979 من قاضي التحقيق (وهذا قرر بتاريخ 7/6/79) حفظ القضية بأفتراض انه ثبت عدم حصول اية جريمة في ايطاليا بحق الامام والسيد والشيخ.
ومن ثم, وبموجب مذكرة مؤرخة في شباط 1980, طلب المكتب الشعبي للجماهيرية الليبية في روما من المدعي العام اجراء تحقيق اضافي بالقضية. وارفقت هذه المذكرة بنسخة عن تحقيق – لم يبدأ الاّ بتاريخ 3 تشرين الثاني 1979 – اجرته الشرطة الليبية وارتكز بصورة خاصة على الاستماع الى شهود ليبيين وشاهد واحد موريتاني اعتبروا ان بإمكانهم ان يشهدوا ان الامام والسيد والشيخ غادروا فعلاً الاراضي الليبية مساء 31 آب 1978 على متن طائرة اليطاليا الرحلة 881.
وبعد ان قبل الطلب, اجرى المدعي العام للجمهورية تحقيقاً اولياً دقيقاً ومعقداً, فاستمع بصورة خاصة الى شهود عديدين لبنانيين وليبيين وفقاً لما ورد في تحقيقات كل من البلدين.
وبتاريخ 23 ايلول 1981 احيلت الينا الاوراق للتعجيل في التحقيق والتعمق به. وبالفعل تمّ اجراء تحقيقات اضافية تصمنها القسم الخامس طيه.
* * *
بناء على ما تقدم, يلاحظ المدعي العام ان اختفاء الامام والسيد والشيخ يفترض احتمالين:
1- ان الاختفاء حصل في ايطاليا.
2- ان الاختفاء حصل في ليبيا, اذا ثبت (او افترض ثبوت) ان الاشخاص الثلاثة المختفين لم يغادروا البلد المذكور. وهذا الاحتمال الاخير يجري تحليله هنا على اساس مبدأ الصلاحية الاقليمية لقانون الجزاء, وبشكل عرضي فقط, اي ضمن الحدود اللازمة للتدقيق السلبي في الاحتمال الاول.
* * *
يدقق في الاحتمال الاول, لأسباب الوضوح, وبالرجوع الزمني, فيتبين:
اولا- انه ثبت بصورة اكيدة قاطعة وبناء على وقائع موضوعية, ان لا الامام ولا السيد عباس بدر الدين وحتى لا الرفيق الاخر الشيخ يعقوب وصلوا الى فندق “هوليداى ان” في اواخر صباح يوم 1/9/1978.
ان ادلة الثبوت القاطعة والاكيدة هي التالية:
1)- افادات العاملين في فندق “هوليداى ان”:
يفهم من مجمل هذه الافادات ان عدة اشخاص حضروا صباح يوم 1/9/1978 الى فندق “هوليداى ان”. وأن واحداً منهم فقط كان يرتدي لباساً دينياً. وان هذا الشخص وشخصاً آخر – بعد ان ابرزا جوازي سفر الامام ويعقوب – حجزا لمدة اسبوع لغرفتين رقم 701و702. وان يعقوب ملأ استمارة الفندق (بطاقة نزيل الفندق) باسمه وكذلك ملأ الاستمارة باسم الامام, ووقع الاستمارة العائدة له وحدها. وبعد أن شغل الشخصان الغرفتين لمدة عشر دقائق تقريباً, غادرا الفندق – مرتدين كلاهما ثياباً مدنية بالزي الاوروبي – ولم يعد يراهما احد بعد ذلك. وأنهما لم يستعملا السريرين. وانه بعد انقضاء الايام السبعة المدفوع اجرها, فتحت الغرفتان وعثر على جوازي الامام ويعقوب متروكين على طاولة قرب السرير, كما عثر على اربعة حقائب.
من هذا العرض, يسهل جداً الاستنتاج, اكتفاء بهذه الافادات, ان الشخصين اللذين نزلا الفندق باسم الامام ويعقوب, هما مزيّفان, وبالحقيقة:
– نيكولوزي ليوناردو NICOLOSI LEONARDO (الصفحة 114 من القسم 1) لم يتعرف في صورة الامام التي ابرزت امامه الى اي من الشخصين العربيين اللذين قدما في اول ايلول, وذلك بالرغم من شكل الامام الفريد (قامته بطول 190 سنتم, لحية كثيفة, لباس ديني وبنية جسدية عفية), وبالرغم من ان الشاهد ادلى بافادته بتاريخ 27/9/78 اى بوقت قريب من تاريخ الواقعة.
-كولانجيلو بياترو COLANGELO PIETRO (الصفحة 115 القسم1) صّرح بأنه لم يرى اطلاقاً الشخص الماثل في صورة الامام التي عرضت عليه, بالرغم من شكل الامام الفريد, وبالرغم من ان الاستماع الى افادته حصل في وقت قريب.
-زامبوكو مارغريتا ZAMBUCCO MARGHERITA (الصفحة 116 من القسم 1) وصفت الشخص الذي كان يرتدي لباساً دينياً وعمامة بأن طول قامته يبلغ حوالي 175 سنتم, والشخص الذي كان يرتدي ثياباً مدنية بأنه قصير القامة. ونفت ان يكون الشخص الاول ذات الشخص الظاهر في صورة الامام التي عرضت عليها, وذلك بالرغم من شكل الرجل الديني الفريد, وبالرغم من كونها ادلت بافادتها في وقت قريب.
– تشادروني البيرتو CEDRONT ALBERTO (الصفحة 117 من القسم 1) وصف الشخص الذي كان يرتدي لباساً دينياً وعمامة بأن طول قامته يبلغ 180 سنتم تقريباً وانه بدون لحية وبلا شاربين, ووصف الشخص الذي كان يرتدي ثياباً مدنية بأنه قصير القامة. ونفى اطلاقاً ان يكون الشخص الاول هو نفسه الذي يظهر في صورة الامام التي عرضت عليه.
– دورانتي جيوزيبي DURANTE GIUSEPPE (الصفحة 118 من القسم 1) وصف الشخص الذي كان يرتدي لباساً دينياً بأن طول قامته يبلغ 175 – 180 سنتم تقريباً, وانه بدون لحية وبلا شاربين, ووصف الشخص الاخر بأنه قصير القامة وله شاربان. ونفى بشكل قاطع ان يكون الشخص الاول مطابقاً لصورة الامام التي عرضت عليه, وبالرغم ايضاً من ان الاستماع الى هذا الشاهد حصل في وقت قريب وان شكل الامام فريد.
– هوبر زيغفريدو HUBER SIGFRIDO (الصفحة 13 من القسم 1) نائب مدير الفندق. صرّح – حسب ما بلغه عن لسان العاملين في الفندق – بأن الشخصين العربيين “يمكن ان يكونا بعمر واحد وهو ثلاثون سنة تقريبا”. علما بأن الامام من مواليد سنة 1928 ويعقوب من مواليد سنة 1948.
2)- افادات زوجة الامام, وشقيقته, وزوجة يعقوب, ونزار علي:
– نفت الشاهدتان الاولتان ان يكون للأمام ثياب مدنية. ونفتا ايضاً ان يكون ارتدى في اي وقت مثل هذه الثياب بتاتاً. (الصفحة 36 من القسم 5 والصفحة 423 من القسم 3).
اذن فان الشخص الذي قدم الى فندق “هوليداي ان” مرتدياً لباساً دينياً, وغادره مرتدياً لباساً مدنياً اوروبياً, هو دجال ومزيف.
– ادلت الشاهدة الثالثة بافادة مماثلة بخصوص يعقوب.
اذن فإن الشخص الذي قدم الى الفندق باسم يعقوب, وبلباس مدني اوروبي, هو دجّال (الصفحة 39 من القسم 5).
– ونفت ايضاً الشاهدة الثالثة ان تكون استمارتا الفندق الظاهرتان في الصفحتين 24 و25 من القسم الخامس, مكتوبتين بخط يد زوجها. كما نفت ان يكون التوقيع باللغة العربية المذيل به الاستمارة المنظمة باسم زوجها, عائداً له.
اذن فإن الشخص الذي ملأ الاستمارتين بخط يده, هو مزيف.
– الشاهد الرابع اكد (انظر الترجمة في الصفحات 69 -75 من القسم 5) انه كان موجوداً في طرابلس يوم 30 آب 1978 وكان عليه ان يسافر في اليوم التالي الى باريس, فاجتمع بصديقه الامام الذي طلب منه ان يبلغ ابنه وزوجته الموجودين في باريس انه سيصل الى هذه المدينة, في أبعد حد, بتاريخ 2-3 أيلول 1978.
اذن فإنه من المستحيل ان يكون الامام ذاته قد حجز للاقامة في فندق “هوليداي ان” لمدة اسبوع بكامله – من اول ايلول لغاية 7 أيلول – ومن جهة اخرى, لو كان الامام نفسه سيسافر في 31 آب وهو ذات يوم سفر نزار علي, لما كان بحاجة الى ان يبلغه الرسالة التي كلّفه بها.
3)- استمارتا الفندق (الصفحتان 24 -25 من القسم 5)
ملئت هاتان الاستمارتان بخط يد الشخص حامل جواز سفر يعقوب (كما هو ثابت) بافادات: نيكولوزي ليوناردو – الصفحة 114 من القسم 1 – وكولانجيلو بياترو – الصفحة 115 من القسم 1 – ودورانتي جيوزيبي الصفحة 118 من القسم 1-).
من الاكيد ان هاتين الاستمارتين مزورتان بفعل ملئهما وتوقيع احداهما من قبل شخص هو غير يعقوب. وهذا يستنتج من:
– افادة زوجة يعقوب المذكورة اعلاه.
– الخط الردئ الذي ملئت به الاستمارتان والذي لا يمكن ان يكون خط شخص حائز شهادة دكتوراه في الفلسفة وفقاً لما هو مدّون في جواز سفر يعقوب.
– الاغلاط الانشائية الواضحة في كتابة اسمي الامام ويعقوب على الاستمارتين.
– عدم مطابقة توقيع يعقوب على احدى الاستمارتين, مع توقيعه الظاهر على جواز سفره.
4)- جوازا السفر
عثر العاملون في الفندق على هاتين الوثيقتين موضوعتين بشكل ظاهر على طاولة قرب السرير في الغرفتين اللتين حجزهما الشخصان (افادة هوبرHUBER الصفحة 15 القسم 1).
وتبين من التدقيق في الوثيقتين المذكورتين, ان جواز سفر الامام الدبلوماسي قد جرى التلاعب فيه, وهذا التلاعب حصل في الصورة الفوتوغرافية. فالصورة الملصقة ليست فقط منتزعة جزئياً, بل ان الخاتم الناشف المحفور عليها يظهر الملصقة ليست فقط منتزعة جزئياً, بل ان الخاتم الناشف المحفور عليها يظهؤ بشكل غير متلائم مع رسم الخاتم الموجود على الصفحة رقم 3 من هذه الوثيقة. ومن جهة اخرى, يظهر من قفا الصورة انها نزعت وثيقة اخرى بقيت آثارها على قفا الصورة. اما الصفحة رقم 3 من الجواز فتبدو خالية من آثار الانتزاع (انظر الوثيقة في القسم 4).
ان التدقيق في الوثيقتين يقودنا الى اعتبار انهما (او على الاقل وثيقة الامام) استعملا من قبل شخصين انتحلا اسمي الامام ويعقوب. او على الاقل جرى تزوير في جواز سفر الامام للتمكن من ابدال الشخص.
لقد ترك الجوازان مفتوحين ومعروضين بصورة واضحة, وعن قصد, على الطاولة قرب السرير في غرفة الفندق.
5)- حقائب المختفين
تبين من تفحص الحقائب ومحتوياتها:
-ان الوثائق والثياب والاغراض الخاصة بالامام, خلطت فيما بينها خلطاً فوضوياً.
-اختلطت ببعضها البعض, في الحقائب الاربعة, اغراض ووثائق الصدر مع اغراض ووثائق يعقوب وبدر الدين, ووجدت بينها اغراض لآخرين مجهولين (انظر محاضر الفحص في الصفحة 271 وما يليها من القسم 2 وايضاً تصريحات زوجات المختفين في القسم 5)
– ان حقيبة الامام الصغيرة, السوداء اللون, تحتوي ايضاً اغراضاً تخص السيد بدر الدين (من بينها مجموعة صور فوتوغرافية له بحجم تذكرة الهوية, واربع قطع تستعمل لتثبيت طرفي ياقة القميص الاوروبي الزيّ, ونظارة, واوراق تحمل اسم الوكالة الصحفية التي تخص السيد بدر الدين بالذات) وتحتوي ايضاً اغراضاً لأشخاص مجهولين (من بينها محفظة لونها بني وتظهر عليها صورة عربة وحصان, وورقة مكتوب عليها عنوان فندق “هوليداي ان” بخط ليس خط يد الامام ولا يعقوب حسب افادات زوجة الامام وشقيقته وزوجة يعقوب).
– وجدت أمتعة السيد بدر الدين بكاملها – حقيبة سمسونايت لونها رمادي غامق – (راجع افادة زوجته في الصفحة 43 من القسم 5).
الاّ انه كان من المفروض ان لا تكون موجودة مع الحقائب الاخرى في فندق “هوليداي ان” لأن السيد بدر الدين أو بالاحرى الشخص الذي انتحل اسمه لم يأت بتاتاً الى هذا الفندق (انما صرّح للعريف زوطو zotto في مطار فيوميتشينو أنه سينزل في فندق ساتلايت).
– وأيضاً في نفس حقيبة السيد بدر الدين التي هي سمسونايت ولونها رمادي غامق, وجدت اغراض تخصّ الامام (عباءتان غامقتا اللون, وملفات تضم وثائق وصوراً فوتوغرافية للامام واشخاص آخرين) وأغراض تخص يعقوب (بينها تذكرة هوية وصورة فوتوغرافية) وأغراض تخص مجهولين (على الاقل ربطة عنق بنّية اللون).
– ان بعض الامتعة الاخرى, مثلاً الحقيبة ذات اللون البني الفاتح التي تخص يعقوب – وهي حقيبته الوحيدة – تحتوي على ثوب أبيض وقميص للباس الداخلي لونه يميل للإصفرار, لا يخصان يعقوب, ولم تتعرف اليهما زوجته ولا زوجة الامام ولا شقيقته ولا زوجة السيد بدر الدين, لا سيما محفظة الوثائق (افادة زهرة بدر الدين – صفحة 43 من القسم 5).
-وأخيراً ان ساعة يد الامام وضعت في أحد الطرود, وزجاجتها مكسورة وانتزع منها الطوق, ورقم الايام فيها متوقف عند الرقم (1), والعقارب متوقفة عند توقيت الساعة الواحدة والدقيقة 14.
من التدقيق في العناصر المذكورة اعلاه, وفي العناصر التي يلي ذكرها, يسهل الاستنتاج:
أ)- انه لم يصل بتاتاً الى فندق “هوليداى ان” لا الامام ولا الشيخ يعقوب. كما لم يصل اليه ايضاً السيد بدر الدين (بالرغم من ان احدى الحقائب التي عثر عليها تخصه).
ب)- ان اشخاصاً مجهولين تعمدوا اظهار آثار الثوبين الدينيين في الفندق, بقصد الايهام بأن الاختفاء حصل في روما.
وفي الحقيقة, فانه ليس منطقياً ولا طبيعياً, ان يظهر خاطفون آثار المخطوفين (مثلا الحقائب والوثائق الخ…) بدلاً من اخفائها.
وبنفس المعنى فانه ليس لصالح الخاطفين المزعومين الاحتفاظ بساعة يد الامام المتضررة, سواء أكان هذا الضرر ناتجاً عن كسر حقيقي (وفي هذه الحالة لا يفهم لماذا يهتم خاطفون بالاحتفاظ بالشيء بدلا من التخلص منه) او كان القصد اظهار توقيت الاختفاء بالساعة واليوم, ومن اجل هذا القصد وضعت الساعة في الحقيبة!!…
يبقى افتراض ثالث – وهو ان يكون الضرر عفوياً في سببه وظروفه ووقت حصوله – الا ان هذا الافتراض يتعارض مع التوقيت الظاهر في الساعة والذي يشير الى اليوم “1” (اول ايلول؟).
ج)- انه بالتالي, وبالنظر الى الافعال الحاصلة في فندق “هوليداي ان”, ارتكب في روما اشخاص مجهولون جرائم انتحال اسماء وتزوير خط خاص واستعمال جوازات سفر مزورة: بخصوص هذه الجرائم يصدر القرار الاعلاني (ACTS DECLARATORIE) اللازم (تسطّر مذكرة تحر دائمة).
* * *
ثانياً- انه من الثابت بصورة جازمة ان اختفاء الامام والسيد والشيخ لم يحصل في فترة وجودهم المزعوم في روما, لا في ليل 31 آب 1978 ولا في الوقت اللاحق لغاية أواخر صباح يوم 1/9/1978 (وهذا التوقيت الاخير هو وقت الاحداث في فندق “هوليداي ان”)
ان ادلة الثبوت هي الآتية:
1)- افادات طاقم طائرة اليطاليا (الرحلة 881 بتاريخ 31/8/1978)
يستنتج من تدقيق هذه الافادات, ان الامام لم يستعمل الطائرة الى روما بتاريخ 31/8/1978. وكذلك رفيقاه.
وتظهر هذه الافادات ايضاً مقنعة لسببين:
أ)- لأن الافادات فورية وضبطت خلال الفترة الواقعة بين 19 و25 ايلول 1978 (الصفحات 89 و92و 93و94 و95 من القسم 1).
ب)- لشكل الامام الفريد والمميّز.
وبصورة خاصة:
– اسطولفي اورلندو: ASTOLFI ORLANDO (الصفحة 89 من القسم 1) المساعد في طائرة الرحلة 881, صرّح بأن عمله في الرحلة كان بصورة خاصة في قسم ركاب الدرجة الاولى (في مقاعد هذه الدرجة يسافر الامام ورفيقاه, وزعم انهم سافروا فيها).
لقد نفى هذا الشاهد, بصورة قاطعة, ان يكون راكب مثل الامام قد سافر في قسم الدرجة الاولى الذي يحتوي على 8 مقاعد.
قال اسطولفي ان راكباً بقامة الامام وبنيته, لا بدّ ان يلاقي صعوبة في ايجاد المقعد المناسب الذي يجب ان يتوجه اليه: لكن هذا لم يحصل.
عرضت عليه صورة الامام, فصّرح “مؤكداً” ان الامام لم يكن على متن الطائرة.
أما بخصوص بدر الدين ويعقوب فلم يستطع قول شيء.
– بيجي بيارو: BIGI PIERO (الصفحة 92 من القسم 1) المساعد في الرحلة في قسم الدرجة السياحية. صرح أنه لم ير بين الركاب شخصاً له أوصاف وملامح الإمام.
عرضت عليه صور الإمام والسيد والشيخ، فلم يتعرف على أي واحد منهم في عداد ركاب الطائرة للرحلة المذكورة.
– كوتشياني ليتشيا COCIANT LICIA (الصفحة 93 من القسم 1) مضيفة الرحلة صرحت اثناء صعود الركاب الى الطائرة, كانت واقفة عند الباب الامامي الذي دخل منه كل الركاب. وانه لو كان بينهم شخص له بنية جسد الامام, لوجد صعوبة في الدخول, ولكان عليها ان تبتعد عن الباب, ولكن شيئاً من هذا لم يحصل. وفي اي حال, لم يكن في عداد ركاب الدرجة الاولى شخص له اوصاف الامام. ولو كان مثل هذا الشخص موجوداً لكان عليه ان يجلس في الصف الامامي او في الصف الاخير.
ونفت نفياً قاطعاً, وبكل تأكيد, عند عرض صورة الامام عليها, ان تنطبق اوصافه وملامحه على اي من الركاب. ولم تقل شيئاً بخصوص السيد والشيخ.
– كونتينو سارجيو: CONTINO SERGIO (الصفحة 94 من القسم 1) المساعد في الرحلة في قسم الدرجة السياحية. صرّح بانه لم ير بين الركاب شخصاً يشبه الامام. ونفى ان تكون اى من صور الاشخاص الثلاثة التي عرضت عليه مطابقة لأي من الركاب. وأكدّ قائلاً انهم لو كانوا موجودين, لكان “لاحظهم” ولكان “تعرّف عليهم بدون شك” بموجب الصور الفوتوغرافية. وقال انه عادة عندما يوجد راكب ذو بنية كبيرة وجسيمة, فانه يجلس في مقعد خاص.
– بانيولو روبير ريشار:BAGNULO ROBERT RICHARD (الصفحة 95 من القسم 1) المساعد في الرحلة في الدرجة السياحية. قال انه “لم يلاحظ” اي راكب مثل الامام. لا بل “نفى” وجوده, وقال “لو كان موجوداً شخص له هذه القامة الطويلة ويرتدي هذا الشكل من اللباس, لبقي مطبوعاً في ذهني”.
وعند عرض الصور الفوتوغرافية للاشخاص الثلاثة عليه, نفى ان يكون اي منهم بين الركاب.
2) افادات الموظفين في مطار فيوميتشينو والراكبين “فالنتي” و “دونسلمان”
– كردونه اندريا: CARDONE ANDREA وماندرونه كارمينه MANDRONE CARMINE (الصفحتان 86 و88 من القسم 1) كانا مولجين بتدقيق جوازات السفر مساء يوم 31 آب 1978 في مطار فيوميتشينو. ولقد نفيا, بشكل قاطع, ان تكون صورة اي من الامام والسيد والشيخ مطابقة لأي من الاشخاص الذين دققا جوازاتهم خلال خدمتهما.
-فيديله الفريدو: FEDELE ALFREDO (الصفحة 83 من القسم 1) موظف في إدارة الجمارك.
أكّد انه كان يؤدي خدمته في المطار- في قسم التدقيق والمراقبة في الجمارك – وذلك للفترة الممتدة من الساعة 18 من مساء يوم 31 آب لغاية الساعة الثامنة من صباح اليوم الاول من شهر ايلول 1978, وانه كان الموظف الوحيد المسؤول عن كامل قسم الرحلات الدولية.
نفى هذا الشاهد, بصورة قاطعة وجازمة, ان يكون قد مرّ أمامه أي من الاشخاص الثلاثة المعنيين الذين عرضت عليه صورهم (هذا مع العلم بشكل الامام الفريد والمميّز).
وعزّز افادته بواقع كونه يجيد اللغة العربية حيث انه اقام لمدة طويلة في القاهرة, وبقوله ان من عادته ان يخاطب بهذه اللغة المسافرين العرب الذين كانوا يمرّون امامه.
– فالنتي الساندرو: VALENTE ALESSANDRO ودونسلمان جوزفين DUNSELMAN JOSEPHINE, وهما راكبان في الرحلة المذكورة.
لقد نفيا أن يكونا شاهدا على متن الطائرة شخصاً له مواصفات الامام (الصفحة 107 من القسم1).
كل هذه الافادات – وخاصة افادة فيديله FEDEL- التي ضبطت بصورة فورية خلال الفترة الواقعة بين العشرين والثالث والعشرين من شهر ايلول سنة 1978, تشكل أدلة ثبوت مثلما هي الافادات المذكورة في الفقرة (1) اعلاه.
3)- افادة العريف في الامن العام ZOTTO DONATO
حضر امام العريف زوطو المسؤول عن تدقيق جوازات السفر في مطار فيوميتشينو, في الساعة 23 والدقيقة 35 من ليل 31/8/1978, شخص ادعى انه السيد عباس بدر الدين, وابرز تذكرة سفر بالطائرة الى مالطا (الرحلة بتاريخ 1/9/78 على متن طائرة اليطاليا برقم 490) وطلب اذن اقامة في ايطاليا لمدة 48 ساعة, واعطي الاذن بعد ان صرح بأنه سوف ينزل في فندق ساتلايت (انظر الاذن في الصفحة 59 من القسم 1).
وأفاد زوطو – بتاريخ 19و20 ايلول 1978 – ان الشخص الذي حضر امامه كانت ملامحه تنطبق على الصورة الفوتوغرافية الملصقة على جواز السفر, وانه لا يذكر ملامح الشخص الذي طلب منه اذن الاقامة, وانه “لا يذكر بتاتاً انه رأى” شخص السيد بدر الدين الحقيقي الذي عرضت عليه صورته من قبل المحققين, ولا يذكر انه كان للشخص الذي حضر امامه شاربان (السيد بدر الدين الحقيقي صورته بشاربين): الصفحتان 84 و 8 من القسم 1 والصفحة 90 من القسم 5.
وبعد التحقيقات التي جرت, بما فيها التحقيق المباشر من قبل هذه الدائرة, في فندق ساتلايت, ولدى قسم ادارة الشرطة في روما المختص باقامة الاجانب, ثبت عدم اقامة اي شخص باسم “بدر الدين عباس” أو “عباس بدر الدين” في ليل 31 آب وبعده, في فندق ساتلايت او في اي فندق آخر في روما (انظر التقرير في الصفحة 96 وما يليها من القسم 1, والمذكرات في الصفحات 12 و16 و17 من القسم 5).
وبعد التحقيق لدى شركة مالطا للطيران ولدى شركة اليطاليا, تبين انه لم يسافر اي شخص باسم “بدر الدين عباس” أو “عباس بدر الدين” الى مالطا على متن طائرة اليطاليا الرحلة 490, لا في اول ايلول 1978 ولا في باقي ايام الاسبوع الاول من ايلول (التقرير في الصفحة 96 من القسم 1 والوثائق في الصفحات 18-20 من القسم 5).
تأكدت هذه النتائج وثبتت نهائياً بمذكرة مكتب الاستعلام والتحقيقات الامنية العامة في روما (DIGOS) تاريخ 12/12/1981, وبتحقيقات اجريت في مالطا بطلب من المكتب المذكور وثبت بنتيجتها عدم مجيء السيد عباس بدر الدين الى مالطا في الفترة المعنية (يراجع القسم 5).
لذلك فإن الشخص الذي حضر امام العريف زوطو في الساعة 23 والدقيقة 35 من ليل 31 آب 1978, باسم وبجواز سفر السيد بدر الدين, هو شخص دجال ومزيّف.
ومن ناحية اخرى, وكما رأينا, لا طاقم الطائرة في الرحلة 881 ولا الموظفون في مطار فيوميتشينو شاهدوا أو صادفوا السيد بدر الدين.
فاذا افترضنا الاحتمال الاول صحيح, فإنه لا يفهم ولا يفسر تعمد الامام الحقيقي والسيد والشيخ – بملء ارادتهم – اضاعة آثارهم. ولا يظهر من الوثائق اى سبب حقيقي او معقول لتعمد الثلاثة الاختفاء ليل 31 آب ليظهر صباح اول ايلول اثنان منهما فقط في فندق “هوليداى ان”.
يجب علينا ايضاً ان نضيف ان زوجة الامام وشقيقته أكدّتا ان الامام عندما كان يسافر, كان يعلم مسبقاً السلطات اللبنانية عن المكان المقصود, وان هذه السلطات كانت تجري اللازم لاستقباله: حتى بهذا الصدد, لا يمكن بصورة موضوعية الاخذ بأن اختفاء الثلاثة في ليل 31 آب هو اختفاء ارادي.
ورّب معترض يقول باحتمال اختطاف الثلاثة فور نزولهم في روما, وعلى كل حال في ليل 31 آب, وبذا يفهم عدم وجود آثار لهم في ليل وصولهم الى روما.
ان هذا الاعتراض خال من الاساس المنطقي, وهو من الناحية الموضوعية:
أ = يتناقض بصورة رئيسية, مع أدلة الثبوت في النقاط السالف ذكرها.
ب= يتناقض مع امر ثابت هو ان وجود الاشخاص الثلاثة في روما, اذا حصل, فهو وجود غير اكيد, ولمدة قصيرة, وبصورة خاصة يكون وجود صدفة (مرة اخرى نشير الى واقع ان افتراض توقفهم الموقت في روما محصور في حالة واحدة هي حالة عدم وجود طائرة تنقلهم من طرابلس مباشرة الى باريس).
فهذا الوجود الاحتمالي, بشروطه المذكورة, لا يوفّر مطلقاً الامكانية لأشخاص مجهولين موجودين وعاملين في روما بأن يقرروا وينظموا وينفذوا عملية معقدة جداً ومحفوفة بالمخاطر كعملية اختطاف الاشخاص الثلاثة.
وان امكانية كهذه, تفترض بالضرورة, ان يكون مجهولون آخرون عاملون في طرابلس قد أبلغوا بالسرعة القصوى الاشخاص العاملين في روما لينفذوا عملية الاختطاف: وبدون ان ندخل في تفاصيل إضافية, فإن صعوبات جمة كانت ستعترض الاتصال بينهم, لانه – حسبما اتضح من الوثائق – كانت الاتصالات الهاتفية الدولية من طرابلس الى الخارج صعبة جداً, واثباتاً لذلك نعلم ان الاشخاص الثلاثة لم يتمكنوا من الاتصال هاتفياً بعائلاتهم (راجع بخصوص صعوبة الاتصالات الهاتفية من ليبيا, الصفحات 429 وخلفها و441 و440 و 506 من القسم3).
* * *
الحقيقة ان الادلة الثبوتية المذكورة اعلاه – وكلها تصب في نفي احتمال سفر الامام والسيد والشيخ الى ايطاليا نفياً قاطعاً – هذه الادلة تتناقض مع الافادات الحاصلة في ليبيا على يد شرطة الامن في البلد المذكور(1).
ـــــــــــــــــــــ
(1) – 1- واحد)- المرغني التومي: (الصفحات 192 – 194 و390 من القسم 2) سائق سيارة مكتب البروتوكول في وزارة الخارجية الليبية, صرّح للشرطة الليبية بأنه في 31 آب 1978, وعند الغروب رافق شخصياً الامام والسيد والشيخ الى المطار. وان الامام وحده كان يرتدي لباساً دينياً, أما رفيقاه فكان لباسهما بالزي الاوروبي. ثم امام هذه النيابة العامة صرّح بأن احد الرفيقين كان يرتدي لباساً دينياً.
2 – اثنان)- احمد الحطاب: (الصفحات 194 و 195 و395 من القسم 2) مسؤول عن التسهيلات للرسميين في مطار طرابلس – صرح انه استقبل الامام والسيد والشيخ في الساعة 19.20 في المطار, وتسلم جوازات سفرهم, وتدخل لدى الهادي الصداوي ليؤمن للاشخاص الثلاثة السفر بمقاعد الدرجة الاولى. وانه اعاد اليهم جوازات سفرهم بعد صعودهم الى الطائرة. واكمل معاملاتهم كلها “بأقصى سرعة” لان الطائرة كانت “على وشك الاقلاع حالا”, انها بالفعل اقلعت بعد دقائق قليلة من الساعة 20″. وصرح امام هذه النيابة العامة (قفا الصفحة 395) بأن جواز سفر الامام لونه احمر.
3 – ثلاثة)- الهادي ابراهي الصداوي: (الصفحات 195 – 197و 261 من القسم 2) تذكر بأنه شاهد وصادف في مطار طرابلس الامام والسيد والشيخ, وبأنه اهتم بتأمين مقاعد لهم في قسم الدرجة الاولى. وان اثنين منهم كانا يرتديان اللباس الديني (الصفحة 262 من القسم 2).
4 – أربعة)- عبد الرحمن محمد غويلا: (الصفحتان 197 و 198 من القسم 2) تذكر انه بصفته ضابط شرطة في المطار ختم جوازات سفر الاشخاص الثلاثة اللبنانيين, وان احمد الحطاب هو الذي قدم له هذه الجوازات.
5 – خمسة)- احمد مسعود صلاح: (الصفحات 198 و199 و389 من القسم 2) رقيب في شرطة المطار. صرح انه حوالي الساعة 20 مساء يوم 31 آب كان موجوداً مقابل الممر الذي يوصل الى الطائرة المسافرة الى روما, والذي هو مخصص فقط لمرور المسافرين الحائزين قسيمة الخروج.
وتذكر بأن “هؤلاء الركاب وصلوا بالضبط في الوقت وفي برهة وجيزة سبقت اقلاع الطائرة”. وتذكر ايضاً ان اثنين منهم كانا يرتديان ثياباً بالزي الاوروبي, وان الثالث “الذي هو طويل القامة وله لحية” كان باللباس الديني.
6- ستة)- ابراهيم خليفة عمر: (الصفحات 200 و201 و393 من القسم 2) ملازم شرطة في المطار. قال انه رأى الشخصيات اللبنانية الثلاث تتقدم الى الطائرة 881 بالمرور مباشرة من “قاعة الانتظار الرسمية” الى الطائرة, وان شخصاً واحداً بينهم كان يرتدي لباساً دينياً.
7 – سبعة)- محمد خليفة صهبون: (الصفحات 201 و203 و387 من القسم 2) صرّح للشرطة الليبية بأنه سافر من طرابلس الى روما في 31/8/1978 بالرحلة رقم 881 وبمقعد من مقاعد الدرجة الاولى, وان من بين رفاقه في الرحلة شخص طويل القامة كان يرتدي ثوباً دينياً, وانه شاهد هذا الشخص ينزل في روما حاملاً حقيبة صغيرة. اما هو فانه بعد وصوله الى روما تابع سفره فوراً في نفس الليلة الى بلدة “بسكارا”.
8 – ثمانية)- عيسى مسعود عبد الله المنصوري: (الصفحات203 و206 و263 من القسم 2) صرّح للشرطة الليبية بأن سافر في مقاعد الدرجة السياحية من طرابلس الى روما على متن ذات الطائرة وفي ذات اليوم المذكورين وانه شاهد – في البداية على متن الطائرة وبعدئذ في مطار فيوميتشينو – ثلاثة اشخاص بينهم شخص واحد طويل القامة, ذو لحية, ويرتدي لباساً دينياً. ولدى هذه النيابة العامة, صرح (الصفحة 263 من القسم 2) بأنه اقام في ايطاليا مدة اسبوعين: اسبوع في روما ثم خمسة ايام في بولونيا وباقي الايام في روما. وانه في بولونيا نزل في فندق قريب من الساحة الرئيسية للبلدة. اما في روما فقد اقام في بنسيون (نزل) “فابرلو” الكائن بشارع تشيسترونه او ساحة كافور. وصرح للنيابة العامة ذاتها بأن اثنين من الثلاثة كانا يرتديان البسة دينية.
9 – تسعة)- محمد محمود ولد دادي: (الصفحة 207 من القسم 2) سفير موريتانيا في طرابلس, صرح انه مساء يوم 31 آب 1978, وداخل المطار, وبينما كان موجوداً هو شخصياً بالقرب من المدخل الرئيسي لاحظ “شيخاً مميزاً ومحترماً” اثار انتباهه, وكان “يقف” الى جانب هذا الشيخ شخص موريتاني معروف من قبله هو (أي السفير). وبالرغم من انه لم يسبق له ان شاهد الامام أبداً من قبل, فإنه تمكن من معرفة انه الامام موسى الصدر, من الشخص الموريتاني اولاً, وثانياً لأن الامام شخص معروف كفاية.
وأكد الشاهد انه كان موجوداً مساء يوم 31 آب 1978 في المطار, حيث كان برفقة الوفد الموريتاني المدعو للمشاركة في احتفالات الثورة الليبية بتاريخ الاول من ايلول.
10 – عشرة)- محمد علي الرحيبي: (الصفحة 396 من القسم 2) ضابط ليبي في شرطة المباحث – بعد ان حدّد بتفاصيل انه في وقت اختفاء الامام لم يكن موجوداً في ليبيا بل كان في العربية السعودية حيث بقي فيها من 20 آب لغاية 4 ايلول 1978 – صرّح انه بتاريخ 18 ايلول 1978 قدم الى ايطاليا الاجراء تحقيق حول مصير الامام, وبعد اتصاله بالسلطات الايطالية, ومن بين الامور التي تحقق حول مصير الامام, وبعد اتصاله بالسلطات الايطالية, ومن بين الامور التي تحقق له معرفتها, ان جواز سفر الامام كان سليماً, وبصورة خاصة كانت الصورة الفوتوغرافية سليمة وكانت ملصقة في محلها وبشكل سليم.
انما لا يمكننا الاّ أن نشير الى ان قناعة هذه الدائرة (النيابة العامة) ترتكز الى أدلة ثبوت دامغة ومتطابقة بصورة دقيقة جداً فيما بينها سواء من الناحية المنطقية ام من الناحية الحسية الملموسة.
وبالتالي فان مصادر الادلة في التحقيق الليبي تثير شكوكاً غير قليلة. وبالفعل:
1)- فانه مقابل السرعة الفورية التي تحرك بها المحققون الايطاليون للحصول على ادلة ثبوتية, نلاحظ هنا التأخر الحاصل في فتح التحقيق الليبي (بدأ هذا التحقيق بتاريخ 3 تشرين الثاني سنة 1979).
2)- بذات المعنى المذكور في الرقم (1) اعلاه, فان بعض الذكريات الدقيقة جداً – تعود الى مساء 31 آب 1978- الواردة على لسان بعض الشهود الليبيين, تثير الشك.
3)- مقابل هذه الذكريات البالغة الدقة, وقع الشهود في تناقضات عديدة وفي اقوال افتقرت الى الدقة.
وبالفعل:
أ)- الشاهد المرغني التومي: أكّد مرّة (الصفحة 193 من القسم 2) ان الامام وحده كان يرتدي لباساً دينياً. ثم في مرّة اخرى اكد ان يعقوب ايضاً كان يرتدي لباساً دينياً (الصفحة 390 وقفاً الصفحة 391 من القسم 2).
ان تصريحه الاول لا ينطبق ابدا على افادة زوجة يعقوب التي يتبين منها ان زوجها كان لا يرتدي ولا يقتني الا الالبسة الدينية.
ب)- الشاهد احمد الحطاب: قال انه اجرى المعاملات “بسرعة فائقة” لان الطائرة كانت على وشك “الاقلاع فوراً”. ولكن اتضح ان الطائرة غادرت المطار بتأخير مدة ساعة كاملة (اقلعت في الساعة 21). اذن لا يوجد تفسير لهذه “السرعة”. كما لا يمكن تفسير تأخر الامام الراغب في السفر, بمغادرة فندق الشاطىء الا اذا كان يتوقع تأخر الطائرة في الاقلاع (وهو امر لم يكن بإمكانه العلم به مسبقاً)!!..
والقول عن مثل هذه “السرعة” لم يرد في افادة السائق الذي زعم انه قاد الامام الى المطار.
هذه الملاحظة بالذات, ترد ايضاً على افادة الشاهد احمد مسعود صلاح
وقال الحطاب ايضاً ان لون جواز سفر الامام “احمر”:
وهذا القول لا ينطبق على الواقع كما نرى من مشاهدة جواز السفر بين الوثائق في القسم 4.
جـ)- الشاهد الهادي ابراهي الصداوي: قال ان شخصين كانا يرتديان اللباس الديني (الصفحة 262 من القسم 2), بينما قال الشاهد ان احمد مسعود صلاح (الصفحات 198 و 199 و389 من القسم 2) وابراهيم خليفة عمر (الصفحات201 و202 و393 من القسم2)
ان شخصاً واحداً فقط كان يرتدي لباساً دينياً, اما الشخصان الاخران فكانا يرتديان البسة بالزّي الاوروبي.
د – الشاهد عيسى مسعود عبد الله المنصوري (الصفحات 203 و206 و363 من القسم 2) قال للشرطة الليبية أن شخصاً واحداً فقط كان يرتدي اللباس الديني. ثم عاد فقال أمام النيابة العامة ان شخصين كانا يرتديان الالبسة الدينية.
وبالنسبة لهذا الشاهد ايضاً (الذي زعم انه سافر في الدرجة السياحية على متن الطائرة ذاتها 881), فإننا نلاحظ استناداً الى ما ثبت لنا من التحقيقات التي أجرتها هذه الدائرة (الصفحات 12 و17 و26 من القسم 5) انه خلافاً لأقواله, فهو في الفترة موضوع التحقيق, لم يكن مقيماً في ايطاليا: لا في روما ولا في مدينة بولونيا, ولا في اي مكان اخر.
4)- وذكريات الشاهد محمد خليفة صهبون: تبعث على شك لا يستهان به. انها ذكريات دقيقة جداً.
زعم هذا الشاهد انه سافر مع الامام في ذات الرحلة, من طرابلس الى روما. ليس بوسعنا الاّ ان نلاحظ, حسب ما ثبت من التحقيقات التي اجرتها هذه الدائرة (الصفحتان12 و26 من القسم 5), انه لم تحصل له اقامة في ايطاليا وبصورة خاصة في بلدة “بيسكارا”.
5)- وتأكيدات محمد علي الرحيبي: تثير شكوكاً غير قليلة, وخاصة فيما يعود لقوله ان جواز سفر الامام كان سليماً بما في ذلك الصورة الفوتوغرافية اذ ان الثابت, استناداً الى مصادر الشرطة الايطالية, بالاضافة الى الفحص الذي قامت به النيابة العامة بذاتها, ان الصورة الفوتوغرافية الملصقة على الجواز غير سليمة وتظهر مفارقات على النحو الذي سبق ذكره مراراً.
6)- وأخيراً ان التصريحات الموريتاني محمد محمود ولد دادى: (الصفحة 207 من القسم2) تثير الشك ايضاً.
وبالفعل, وبموجب مذكرة مؤرخة في 11/11/1981 قدّمها وكلاء عائلة الامام, ابرزت صورة عن الصحيفة الموريتانية “الشعب” في عددها الصادر بتاريخ 31 آب 1978. تحتوي هذه الصحيفة على مقال عنوانه “وفد مهم في ليبيا”. ورد في هذا المقال انه صباح البارحة (اي بتاريخ 30 آب) غادر الوفد الموريتاني الى ليبيا للمشاركة في الاحتفالات الليبية التي تقام بتاريخ الاول من ايلول.
اذن يوجد اثبات حسي للاعتقاد بأن هذا الشاهد لم يكن موجوداً في مطار طرابلس مساء يوم 31 آب, بل ان وجوده حصل بتاريخ اليوم السابق باعتبار ان سفر الوفد الموريتاني كان بالضبط في يوم 31 آب. وان الشخص الذي شاهده في المطار لم يكن بكل تأكيد الامام موسى الصدر.
واخيراً, ودائماً بالنسبة لهذا الشاهد, فالملاحظ انه لا يعرف الامام شخصياً, وانه من الصعب الاعتقاد بأن الامام كان يستدعي لفت انتباهه وبالتالي ترسيخه في ذهنه, بالرغم من كون الامام شخصاً معروفاً ويسهل تمييزه جسدياً: خاصة وان هذا الشاهد ادلى بإفادته بعد سنة وثلاثة اشهر تقريباً من تاريخ الواقعة.
* * *
فيما خلا الجرائم المذكورة في الوقائع المبينة أعلاه,
يتحصل بالضرورة مما تقدم – على اساس مبدأ اقليمية قانون العقوبات – انه ثبت, بالتأكيد الجازم, انه في ايطاليا لم يرتكب اي جرم بحق الشخصيات الثلاث موضوع البحث.
الا انه نظراً لانحصار سلطان القضاء الايطالي بالحدود الاقليمية (الولاية تشكل شرطاً لتحريك الدعوى).
فإنه لا يمكن الا احالة القضية مجدداً للحفظ, فيما يختص باختفاء الامام موسى الصدر والسيد عباس بدرالدين والشيخ محمد يعقوب او بأي جرم آخر قد يكون وقع على اشخاصهم.
لهذه الاسباب
نطلب من قاضي التحقيق:
– ان يقرر حفظ القضية فيما يختص باختفاء الامام موسى الصدر والاستاذ السيد عباس بدر الدين والشيخ محمد يعقوب.
– وأن يقّرر ايضاً عدم متابعة الاجراءات في شأن الجرائم الاخرى المبيّنة في الملف, لأن فاعليها بقوا مجهولين.
20 كانون الاول 1981
النائـــــب العـــام
الدكتور سلفاتوري فكيـوني
(DR. SALVATORE VECCHIONE)
=================================================
قـــرار قاضـــي التحقيـــق
الرقم 30/81 سجل عام النيابة العامة
الرقم 8168/81 ب1 سجل عام غرفة التحقيق
محكمـــة رومـــا
غرفـــة التحقيــق – القســم 12
________________________
– قرار بالتحقيق وبحفظ الاوراق.
– وقرار بعدم امكانية تحريك الدعوى الجزائية
__________________
الجمهورية الايطالية
باســـم الشـــعب الايطالــــي
القاضي المحقق الدكتور دومينيكو نوسترو DR. DOMENICO NOSTRO
– بعد الاطلاع على اوراق الدعوى الجزائية ضد:
مجهولين مدعى عليهم
أ)- بالجرم المنصوص عليه في المادتين 110 و494 من قانون العقوبات, لاقدامهم بالاشتراك فيما بينهم, على انتحال شخصية كل من موسى الصدر ويعقوب شحاده.
ب)- بالجرم المنصوص عليه في المواد 110 و476 و482 من قانون العقوبات, لإقدامهم بالاشتراك فيما بينهم, على تزوير جواز سفر موسى الصدر واستعماله مزوراً في ايطاليا.
جـ)- بالجرم المنصوص عليه في المادتين 110 و85 من قانون العقوبات, لإقدامهم بالاشتراك فيما بينهم, على التزوير في ملء بطاقة النزلاء في فندق “هوليداي ان” وفي توقيعها بإمضاء مزوّر باسم يعقوب محمد شحاده, واستعمالها مزوّرة.
الواقعة في روما بتاريخ اليوم الاول من شهر ايلول 1978.
– وبعد الاطلاع على اوراق دعوى اختفاء الامام الشيعي موسى الصدر و السيد عباس بدر الدين ومحمد شحاده يعقوب.
تبيــــــــــن
أنه بموجب تقرير مؤرخ في 18 ايلول 1978, ابلغت ادارة الشرطة في روما المدعي العام للجمهورية انه في اليوم الثالث عشر من الشهر ذاته نشرت وكالات الانباء اخباراً تفيد ان رئيس الطائفة الاسلامية الشيعية في لبنان الامام موسى الصدر غادر بيروت بتاريخ 25 آب المنصرم, برفقة اميني سره, في زيارة رسمية الى ليبيا, ولم يعودوا الى بلدهم.
وحسب الاخبار الصحفية ذاتها, فإن الحكومة الليبية عندما استوضحت من قبل الحكومة اللبنانية بالموضوع, افادت ان الامام, بعد انتهاء زيارته لليبيا, سافر بتاريخ 31 آب على متن طائرة “اليطاليا” متوجهاً الى روما. الاّ أن السفارة اللبنانية في روما لم تبلغ اي خبر عن وصول الرئيس الشيعي الى العاصمة الايطالية.
وفي ذات التقرير المؤرخ في 18/9/1978 ورد ايضاً ان شخصية بارزة في منظمة التحرير الفلسطينية صرّحت بأن تنظيم الطائفة الشيعية في بيروت اصدر بلاغاً يفيد ان الامام موسى الصدر والسيد عباس بدرالدين والشيخ محمد يعقوب شوهدوا, بحالة طبيعية, من قبل لبنانيين شيعة, في طرابلس مساء اليوم الاول من شهر ايلول, اي بعد تاريخ السفر المزعوم للامام نفسه الى روما.
وتضمن التقرير اخيراً, نتيجة التحقيقات التي اجرتها مفوضية الامن العام في مطار فيوميتشينو (روما) والتي تضمنت ان اشخاصاً باسم موسى الصدر وعباس بدر الدين ومحمد يعقوب غادروا طرابلس على متن طائرة اليطاليا (الرحلة 881) بتاريخ 31 آب ووصلوا الى روما في ساعة متأخرة من الليل, الاّ انهم لم يغادروا في اليوم التالي الى مالطا على متن طائرة اليطاليا (الرحلة 490) حسب ما كان قد صرح به شخص تقدم من المفوضية المذكورة باسم السيد بدر الدين عندما طلب اذناً لمدة 48 ساعة لدخول الاراضي الوطنية (الايطالية).
ثم بالتحقيق لدى السفارة الايطالية في طرابلس, اتضح انها بتاريخ 31 آب منحت كلا من موسى الصدر ومحمد يعقوب تأشيرة دخول الى ايطاليا.
وبتاريخ 24 ايلول ابلغت النيابة العامة للجمهورية بوجود حقائب الامام ويعقوب في فندق “هوليداي ان” في روما, فبادرت الى حبسها, ودققت في محتوياتها فوجدت فيها ثياباً وألبسة داخلية وملفات واوراقاً مطبوعة على الالة الكاتبة, مختلطة ببعضها البعض, خلطاً فوضويا, في كل الحقائب. ووجدت في داخل الغرفتين اللتين حجزتا في الفندق للشخصين, جوازي سفر موسى الصدر ومحمد يعقوب, موضوعين بشكل ظاهر ومفتوحين.
بواسطة صور فوتوغرافية للامام, استحصل عليها من عائلته, اجريت تحقيقات للتثبت فيما اذا كان الرئيس الشيعي سافر فعلاً على متن طائرة اليطاليا (الرحلة 881) يوم 31/8/1978, ونزل في مطار فيوميتشينو في ساعة متأخرة من ليل ذلك اليوم, واخيراً فيما اذا كان قد نزل في فندق “هوليداى ان” أو قدم اليه.
هذه التحقيقات اعطت نتيجة سلبية قاطعة, حيث ان افراد طاقم الطائرة, والركاب المسافرين على متنها, والموظفين في مطار فيوميتشينو, والموظفين في فندق “هوليداي ان”, الذين تمّ الاستماع اليهم, نفوا نفياً قاطعاً ان يكونوا قد لاحظوا, كل في مكان عمله, وجود شخص تنطبق أوصافه على أوصاف الامام.
وكذلك أعطت نتائج سلبية تماماً, التحقيقات التي اجريت لمعرفة ما اذا كان الامام والسيد والشيخ قد سافروا بتاريخ 31 آب, بواسطة اية شركة طيران, الى اية جهة في منطقتي الشرق الادنى والشرق الاوسط.
وذات النتائج السلبية اعطتها التحقيقات التي اجريت لمعرفة ما اذا كان الاشخاص الثلاثة قد نزلوا في اي فندق في العاصمة.
ولدى الاستماع الى افادة المواطن الفرنسي نزار علي, بموجب استنابة قضائية دولية بتاريخ 30/11/1978, تبين ان هذا الشاهد كان قد نزل في ذات الفندق الذي نزل فيه الامام في طرابلس, وانه التقى الرئيس الشيعي والسيد والشيخ بعد ظهر يوم 30 آب 1978 ومساء اليوم نفسه. وفي هذه المناسبة, وبما ان موسى الصدر كان قد علم مسبقاً من السيد بدر الدين بأن نزار سوف يعود الى فرنسا في اليوم التالي, فسلمه الامام رسالة خطية باللغة العربية كي يسلمها الى عائلته الموجودة في فرنسا. وفي هذه الرسالة يبلغ الامام عائلته عن عزمه على المغادرة الى فرنسا يوم السبت او الاحد القادمين (أي اليوم الثاني او الثالث من شهر ايلول).
وقال هذا الشاهد, انه علم, خلال حديثه في الفندق مع الامام والسيد والشيخ, ان موسى الصدر كان ينتظر لقاء العقيد القذافي, وانه بعد الغاء موعدين سابقين, صار تحديد الموعد الجديد لهذا اللقاء يوم الجمعة في الاول من ايلول. ولهذا فان الشاهد يعتقد بأنه بالرغم من ان الامام كان يرغب الوصول الى باريس في اقرب وقت ممكن, الاّ انه لم يكن بإمكانه مغادرة طرابلس قبل اليوم الثاني او الثالث من شهر ايلول.
وأضاف الشاهد المذكور ان الامام لم يشر بتاتاً الى اية نية عنده للمرور في روما الاّ ان السيد بدر الدين ذكر هذا الاحتمال في حال عدم وجود رحلة طيران مباشرة من طرابلس الى باريس.
على اساس ادلة الثبوت المتكونة, وبعدما تبين لمدعي عام الجمهورية انه لا يمكن احتمال حصول اي جرم بحق موسى الصدر على الاراضي الايطالية, طلب بتاريخ 9 أيار 1979 اصدار القرار بعدم امكانية قيام الدعوى الجزائية. وصدر هذا القرار عن قاضي التحقيق بتاريخ 7/6/1979.
* * *
فيما بعد, وبموجب مذكرة مؤرخة في 15 شباط 1980, طلب المكتب الشعبي للجماهيرية العربية الليبية الشعبية من المدعي العام لدى محكمة الاستئناف في روما اجراء تحقيق اضافي بالقضية.
هذه المذكرة ارفقت بنسخة عن تحقيق أجرته الشرطة الليبية ابتداء من 3 تشرين الثاني 1979, يتكّون, بمعظمه, من استماع شهود ليبيين وشاهد واحد موريتاني.
بعد قبول الطلب, اجرى المدعي العام للجمهورية تحقيقات ابتدائية دقيقة, بالاستماع الى شهود عديدين لبنانيين وليبيين مستمعين في التحقيقات التي اجريت في البلدين.
بتاريخ 23 ايلول 1981 احيلت اوراق الدعوى الى المدعي العام لدى محكمة الاستئناف الذي قام بتحقيقات اضافية, وبعد اكتمال هذه التحقيقات, طلب اصدار القرار بحفظ القضية فيما يختص بإختفاء الامام موسى الصدر و الاستاذ السيد عباس بدر الدين والشيخ محمد يعقوب, واصدار القرار ايضاً بعدم متابعة الاجراءات في شأن الجرائم الاخرى المبيّنة أعلاه لأن فاعليها بقوا مجهولين.
* * *
ان طلبات المدعي العام في محلها ويجب قبولها كلها.
فالتحقيقات الاضافية المعمّقة التي اجريت, عزّزت وأيدت بشدة نتائج التحقيقات السابقة, وأفرزت أدلة ثبوت متطابقة لا يرقى اليها ادنى شك, وهي وفيرة جداً, بحيث يترتب الجزم, بكل تأكيد, انه لم يرتكب اي جرم على اراضي الدولة الايطالية بحق موسى الصدر وعباس بدر الدين ومحمد يعقوب, لأنه ثبت ان المذكورين لم يصلوا الى مطار فيوميتشينو في ساعة متأخرة من ليل 31 آب 1978 على متن طائرة اليطاليا (الرحلة 881) القادمة من طرابلس, وان أشخاصاً آخرين غير معروفين انتحلوا شخصيات الاشخاص الثلاثة, وزيّفوا آثاراً لدخولهم وإقامتهم على أراضي بلدنا.
* * *
ان الحدود المعروفة لمبدأ اقليمية قانون العقوبات, تفرض على قاضي التحقيق هذا: التدقيق فيما اذا كان اختفاء الامام والسيد والشيخ قد حصل في ايطاليا, حيث زعم بصورة مبطنة, ان الثلاثة ذهبوا ضحية مجموعات ارهابية او مخابرات سرية تعمل في بلدنا.
ان التدقيق في هذا الاحتمال, لا يمكن ان يغفل التدقيق, بصورة عرضية او فرعية (incidente), في احتمال حصول اختفاء الثلاثة في ليبيا وذلك ضمن الحدود اللازمة من اجل تكوين ادلة ثبوت او نفي لاحتمال الاختفاء في ايطاليا.
وعليه, يبدو من المناسب, الرجوع واستعادة الوقائع, بطريقة منهجية, فيما يعود للسفر الذي قيل انه قاد الامام موسى الصدر وعباس بدر الدين ومحمد يعقوب الى روما.
* * *
بالنسبة الى الوصول المزعوم للامام موسى الصدر ومحمد يعقوب الى فندق “هوليداي ان” يمكن الملاحظة انه بالفعل قدم الى الفندق المذكور, في ذات الوقت وفي عداد اشخاص آخرين. شخصان, احدهما يرتدي لباساً دينياً, وحجزا لمدة اسبوع لغرفتين رقم 701 و702 ودفعا الاجرة سلفاً.
ابرز الشخصان جوازي سفر الامام ويعقوب, وتولى الشخص حامل جواز سفر يعقوب ملء بطاقتي نزلاء الفندق عنه وعن الشخص الثاني, ووقع البطاقة الخاصة به وحدها.
ذهب الشخصان الى غرفتيهما, وبعد عشر دقائق تقريباً خرجا مرتديين لباساً مدنياً بالزي الاوروبي, ولم يعد يرهما احد من بعد.
وبعد مرور الايام السبعة على الحجز, فتحت الغرفتان وأمكن ملاحظة ان السريرين لم يستعملا.
عثر في الغرفتين على /4/ حقائب, وعلى جوازى سفر الامام ويعقوب.
هذا ما نتج عن افادات العاملين في الفنندق (نيكولوزي ليوناردو, كولانجيلو بياترو, زامبوكو مارغريتا, تشادروني البيرتو, ودورانتي جيوزيبي– الصفحات 114 – 118 من القسم1) الذين لدى استماع افاداتهم من قبل النيابة العامة في التحقيق الاولي بتاريخ 26 و27 ايلول 1978,اعطوا تفاصيل عن اوصاف الشخصين تختلف كلياً عن اوصاف الامام والشيخ يعقوب, ثم عندما عرضت عليهم صورة الامام موسى الصدر, نفوا نفياً قاطعاً ان تنطبق اوصافه على اوصاف اي من الشخصين اللذين قدما الى الفندق (الصفحة 106 من القسم1).
ومن المجدي ايضاً ان نلاحظ ان أيا من الشهود لم يذكر ان للشخص الذي انتحل شخصية الامام لحية وشاربان. بل ان الشاهدين تشادروني ودورانتي أكّدا ان الشخص المذكور لم تكن له لحية ولا شاربان. علما بأن اللحية والشاربين من اوصاف الامام الخاصة والمميزة.
ويحسن الاضافة ايضاً ان العاملين في الفندق صرّحوا الى نائب المدير هويبر زيغفريدو (الصفحة 13 من القسم1) بأنه يمكن ان يكون الشخصان بعمر واحد وهو ثلاثون سنة تقريباً. علما بأن فارق العمر بين الامام والشيخ يعقوب عشرون سنة, فالأول مولود سنة 1928 والثاني مولود سنة 1948.
ان عدم تعرّف العاملين في فندق “هوليداي ان” على الامام, يجب اعتباره دليل اثبات على ان شخصين انتحلا شخصيتي الامام موسى الصدر والشيخ محمد يعقوب ولا تنطبق اوصافهما على هذين الاخيرين, حضرا الى الفندق المذكور صباح اليوم الاول من ايلول 19789, وهذا الدليل لم يتكّون فقط من التطابق المطلق في اقوال الشهود المذكورين, بل ايضاً من كون افادتهم فورية. هذا من جهة, ومن جهة اخرى بالنسبة الى اوصاف الامام الفريدة والمميّزة (طول قامته 190 سنتم, لحية كثيفة, لباس ديني اسلامي وبنية جسدية ممتلئة جداً).
ثم انه يوجد ادلة اخرى, اكيدة, تثبت ان اشخاصاً اخرين انتحلوا شخصيتي الامام ويعقوب لدى الفندق.
من افادات كولانجيلو, وزامبوكو, وتشادروني, ودورانتي, يتضح ان الشخص الذي انتحل شخصية موسى الصدر, فور ان علم برقم الغرفة التي خصصت له, صعد بمفرده الى الطابق الذي توجد فيه هذه الغرفة, وأخذ يتمشى ذهاباً واياباً في الممر, منتظراً مجيء رفيقه الذي كان قد بقي في باحة الفندق للقيام بالاجراءت اللازمة وتنظيم بطاقتي نزلاء الفندق.
يظهر واضحاً من هذا التصرف, ان منتحل شخصية الامام, بذل كل ما في وسعه لتفادي الملاحظة, ولو لفترة محدودة, باختلاف اوصافه عن اوصاف الامام المعروفة (وبهذا يفسّر ايضاً ابتعاده بعدئذٍ بسرعة عن الفندق), وذلك كله تداركاً للفشل الفوري للتمثيلية التي يقوم بها.
يمكن الحصول ايضاً على أدلة ثبوت قاطعة اكثر, على انتحال الشخصية المنفذ في فندق “هوليداي ان”, من افادات عائلتي الامام ويعقوب, ومن جوازي سفر الرجلين اللذين عثر عليهما في الفندق, ومن حقائبهما, ومن بطاقتي نزلاء الفندق اللتين ملئتا باسميهما.
وبالفعل, نفت بشكل قاطع, زوجة الامام وشقيقته وزوجة محمد يعقوب, ان يرتدي الرجلان ألبسة مدنية, أو ان يكونا قد اقتنيا مثل هذه الالبسة (الصفحتان 36 و39 من القسم 5 والصفحة 423 من القسم3), وذلك بعكس ما فعل الشخصان اللذان قدما الى الفندق (احدهما عند دخوله الى الفندق, والاثنان عند خروجهما منه).
ومن جهة ثانية, اتضح من الافادات المذكورة ومن افادة زوجة عباس بدر الدين (الصفحة 43 من القسم 5) ان الحقيبة نوعها سمسونايت ولونها رمادي غامق, والتي وجدت بين الحقائب المتروكة في الفندق, هي حقيبة السيد عباس بدر الدين, وان الحقائب الاربعة كلها التي خلطت فيها محتوياتها خلطاً فوضوياً, تحتوي اغراضاَ تخص موسى الصدر وعباس بدر الدين ومحمد يعقوب, كما تحتوي اغراضاً لاشخاص آخرين مجهولين (من بينها وبكل تأكيد, محفظة جلد لونها بني ومرسوم عليها عربة وحصان, وورقة مكتوب عليها عنوان فندق “هوليداي ان” بخط هو غير خط اي من المختفين, وربطة عنق لونها بني, ولباس ابيض وقميص للباس الداخلي لونه يميل للاصفرار).
فاذا اخذنا بعين الاعتبار وجود حقيبة تخص السيد بدر الدين كان يجب ان لا تكون بين الحقائب المتروكة في فندق “هوليداي ان” لأن صاحبها – كما سنرى فيما بعد – كان قد اتخذ وجهة سفر مختلفة عن وجهة سفر الامام ويعقوب.
واذا نظرنا الى اختلاط الاغراض داخل الحقائب, اختلاطاً فوضوياً, والى اختلاط اغراض الاشخاص الثلاثة ببعضها البعض (وهو امر لا تفسير له في ضوء العلاقة القائمة بينهم والتي هي علاقة صداقة وليست علاقة ود لصيقة), وبصورة خاصة الى وجود اغراض لا تخص أيا من الاشخاص المختفين,
فعلينا ان نستنتج ان هذه الحقائب جرى فيها تلاعب من قبل اشخاص هم غير اصحابها, في ظروف استوجبت العجلة بدون تبصر ويجب ان تكون ذات علاقة بالاختفاء, وبهذا يفسر فقدان محفظة الوثائق خاصة السيد بدر الدين (راجع افادة زهرة بدر الدين في الصفحة 43 من القسم 5).
وايضاً فيما يتعلق بالحقائب التي عثر عليها في الفندق, يجب الملاحظة بأنه وجدت في احداها ساعة يد الامام وقد كسر زجاجها وانتزع منها الطوق وهي معطلة, ومتوقفة عند تاريخ (1) وعند الساعة الواحدة والدقيقة (14).
هذه المعطيات, فيما يعود للساعة, لا يمكن ان تؤدي الى تفسير من جهة واحدة. فعدم وجود الطوق, وكون الساعة معطلة, وتوقيت الايام موقوف عند الرقم (1), عوامل تظهر متناقضة مع احتمال عطل ناتج عن حادث.
اما فيما يتعلق بجوازي السفر, فبعد أن نلاحظ ان الوثيقتين هما حقيقة تخصان الامام ويعقوب, وبعد معرفة انهما وجدتا من قبل العاملين في الفندق, معروضتين بصورة ظاهرة في الغرفتين, يجب الملاحظة ان الجواز الدبلوماسي باسم موسى الصدر قد جرى فيه.
تلاعب وتزوير. فالصورة الفوتوغرافية منزوعة جزئياً, وآثار الخاتم الناشف على الصورة لا تنطبق تماماً على الاختام الموجودة على الصفحة 3 من الوثيقة, وتظهر على قفا الصورة آثار ورقة غريبة عن ورقة الجواز التي الصقت عليه والتي تظهر بالفعل خالية من آثار انتزاع.
اذن, فمن المنطقي الاستنتاج بأن هذه الصورة نزعت عن وثيقة اخرى تركت عليها بعض الآثار الظاهرة. ويدل على انه قد جرى تزوير في جواز سفر الامام من قبل الشخص الذي انتحل شخصيته.
اما واقع كون الصورة الفوتوغرافية الاساسية لم توضع ثانية على الجواز, فهذا يفسر بضرر لحق بها اثناء نزعها او بخطأ وقع فيه الشخص الذي قام بالعملية.
وبالنسبة لبطاقتي نزلاء الفندق, اخيراً, فلقد اوردنا افادات العاملين في الفندق بأنه قام بملء محتوياتهما الشخص الذي انتحل شخصية يعقوب, وهو الذي وقّع البطاقة العائدة له.
اذن, وبهذا الخصوص, يجب ان يثبت بصورة لا تقبل الاعتراض, ان البطاقتين ملئتا من قبل شخص غير يعقوب وقّع أيضاً على بطاقته.
قبل كل شيء, ان الكتابة على البطاقتين هي بأحرف كبيرة, وان الخط بدائي وبتردد, وذلك على نحو يتبين منه انه لشخص بمستوى علمي متدن بشكل ملحوظ عن مستوى محمد يعقوب الذي يظهر من جواز سفره انه دكتور في الفلسفة.
لقد نفت, بصورة قاطعة, زوجة محمد يعقوب, ان يكون لزوجها الخط والتوقيع على البطاقتين المعروضتين.
ثم ان التوقيع الظاهر على البطاقة المنظمة باسمه, يختلف كلياً عن توقيعه الظاهرعلى جواز سفره.
وأخيراً ان اسم كل من الامام ويعقوب, مكتوب بأغلاط واضحة, وبصورة خاصة اسم يعقوب الذي كتب بأحرف كبيرة هكذا (محمد شحاده). واسم (شحاده) هو اسم والد محمد يعقوب حسب ما تبين من جواز السفر.
يجب ان يكون ايضاً سلبياً تماماً الجواب على السؤال فيما اذا كان الرفيق الثاني للامام, وهو السيد عباس بدر الدين, قد وصل الى الاراضي الايطالية مساء 31/8/78 وأقام عليها لبعض الوقت.
الواقع انه في الساعة 35, 23 من ذلك المساء, حضر امام مفوضية الامن العام في مطار فيوميتشينو شخص ادعى انه السيد عباس بدر الدين, طالباً الاذن بالاقامة لمدة 48 ساعة في ايطاليا وابرز حجزاً لليوم التالي على متن طائرة اليطاليا (الرحلة 490) الى مالطا, وصرّح بأنه سوف يقيم في فندق ساتلايت.
انما العريف زوطو الذي منح اذن الاقامة الى السيد بدر الدين المزعوم, صرّح لدى ضبط افادته بتاريخ 19 و20 ايلول 1978 بأنه لم يشاهد ابداً شخص السيد بدر الدين الحقيقي الظاهر على الصورة الفوتوغرافية التي عرضت عليه (الصفحات 84 و85 من القسم 1 والصفحة 90 من القسم 5).
اتضح ايضاً بعد التحقيق لدى فندق ساتلايت, وفي بطاقات نزلاء الفنادق المحفوظة لدى مديرية الشرطة في روما, انه لا يوجد اي شخص اسمه السيد عباس بدر الدين اقام في فندق ساتلايت او اي فندق اخر في العاصمة ليل 31 آب.
كما اتضح ايضاً ان التحقيقات التي اجريت لدى شركة مالطا للطيران ولدى شركة اليطاليا, وفي مالطا, اظهرت انه لم يسافر اي شخص اسمه السيد عباس بدر الدين على متن طائرة اليطاليا (الرحلة 490) باتجاه مالطا في اول ايلول (ولا على متن أية طائرة اخرى خلال الاسبوع الاول بكامله من هذا الشهر) او نزل في مالطا خلال نفس الفترة المذكورة (راجع الصفحة 96 وما يليها من القسم 1 والصفحات 12 و16 و17 و18 و20 و156 من القسم 5).
فمن البديهي اذن, ان شخصاً غير معروف زيّف آثار السيد بدر الدين الحقيقي في مطار فيوميتشينو.
وهذا الظرف معزز بواقع ان السيد بدر الدين المزعوم لم ينزل في فندق “هوليداي ان” حيث عثر على جزء من الحقائب التي تخص السيد بدر الدين الحقيقي.
ثم انه لا يوجد بالفعل اي سبب منطقي يفسر لماذا افترق السيد بدر الدين عن الامام وخصوصاً في ايطاليا, وذلك باعتبار انه يتبع الامام رسمياً بصفته الصحفية.
وفي الحقيقة, فان الافتراق الذي حصل في ايطاليا, يتماشى فقط مع فرضية انتحال شخصية كل من الثلاثة المختفين من قبل اشخاص مجهولين, ويجد تفسيراً منطقياً في الوقائع التي سلطت عليها الاضواء التحقيقات بخصوص جواز سفر السيد بدر الدين.
وبالفعل تبين ان جواز السفر هذا الذي سلمه حامله في طرابلس الى نزار فرحات القائم بالاعمال اللبناني, كي يحصل له على تأشيرة دخول الى فرنسا, لم يعد الى السيد عباس بدر الدين الذي كان غائباً عن الفندق, بل وضع في الصندوقة العائدة للغرفة التي كان يشغلها السيد بدر الدين. (راجع افادة بشارة مرهج في الصفحة 428 من القسم 3).
واذا وصلنا هذا الظرف بالظرف الاخر – اي ان الطلب من السفارة الايطالية في طرابلس بتاريخ 31/8/78 اعطاء تأشيرة دخول الى ايطاليا فقط لموسى الصدر ومحمد يعقوب (الصفحة 4 من القسم 1) – يصبح من البديهي الاستنتاج ان مؤلفي الرواية التمثيلية لم يتمكنوا من الحصول على جواز السفر الحقيقي العائد للسيد عباس بدر الدين.
من هنا يظهر عدم امكانية ترك جواز السفر في فندق “هوليداي ان” كما حصل لموسى الصدر ومحمد يعقوب, وبالتالي ضرورة تمثيل عملية دخول السيد بدر الدين الى ايطاليا بوسيلة اخرى وفي هذه الحالة بواسطة اذن الاقامة لمدة 48 ساعة على الاراضي الايطالية الذي استحصل عليه في المطار باسم السيد عباس بدر الدين.
تظهر نتائج التحقيق بوضوح, واقع عدم سفر الامام والسيد والشيخ على متن طائرة اليطاليا (الرحلة 881) التي غادرت طرابلس, وبالتالي عدم وصولهم الى مطار فيوميتشينو في الساعة 12 و23 من يوم آب 1978.
ان افادات طاقم الطائرة والموظفين في مطار فيوميتشينو والراكبين فالنته ودنسلمان, هي متطابقة فيما بينها وحرية بالثقة نسبة لأوصاف الامام الفريدة والمميزة, ونسبة لكون هذه الافادات اعطيت بعد فترة وجيزة جداً من وقوع الحادث (الصفحات 89 و92 و93 و94 و86 و89 و83 و107 من القسم 1).
لقد نفى مساعد الرحلة العامل خاصة في مقاعد الدرجة الاولى (اسطولفي اورلندو) نفياً قاطعاً ان يكون في عداد ركاب الرحلة المذكورة وخاصة في مقاعد الدرجة الاولى التي يبلغ عددها ثمانية فقط راكب تنطبق اوصافه على اوصاف الامام.
واضاف ان راكباً, بقامة الامام وبنيته الجسدية لا بدّ وان يلاقي صعوبة في الجلوس ولكان قد اضطر للتوجه اليه في هذا الشأن, الامر الذي لم يحصل.
ونفى مساعد الرحلة في الدرجة السياحية (بيجي بيارو) ان يكون شاهد بين الركاب شخصاً له اوصاف الامام, ولم يتعرف في صور المختفين الثلاثة التي عرضت عليه على أي واحد منهم في عداد ركاب الطائرة للرحلة المذكورة.
كما نفت المضيفة (كوتشياني ليتشيا) وجود اي شبه بين ملامح الامام واوصافه الظاهرة في الصورة التي عرضت عليها, وبين اي راكب في الطائرة. وأضافت ان راكباً له بنية الامام الجسدية لكان وجد صعوبة في الجلوس داخل الطائرة وحتى في الدخول من باب الطائرة الذي دخل من كل الركاب فيما كانت هي موجودة الى جانب هذا الباب خلال صعود الركاب.
وأكّد (كونتينو سارجيو) وهو مساعد في الرحلة في القسم السياحي الخلفي, انه لم يلاحظ اي راكب اوصافه تشبه اوصاف الامام ونفى ان يكون شاهد على متن الطائرة ركاباً لهم سمات المختفين الثلاثة.
ونفى (كادرونه اندريا) و(ماندرونه كارمينه) وهما المولجان بالتدقيق في جوازات السفر في مطار فيوميتشينو مساء 31/8/1978, نفياً قاطعاً وبكل تأكيد, ان تنطبق اوصاف الامام والسيد والشيخ كما ظهرت في الصور التي ابرزت امامهما, على اي من الاشخاص الذين جرى تدقيق جوازاتهم خلال دورهم في الخدمة.
ونفى ايضاً بصورة جازمة (فيديله الفريدو) وهو مأمور في الجمارك مسؤول عن المكتب الوحيد للمراقبة الجمركية الذي يعمل في نطاق الرحلات الدولية, ان يكون قد مرّ امامه ثلاث ركاب تنطبق سماتهم على سمات المختفين الثلاثة. وأضاف ان ظرفاً مثل هذا لا يمكن ان يغفل عنه نسبة لعادته بالتكلم مع الركاب العرب بلغتهم.
وأيضاً راكبا الطائرة (فالنتي الساندرو ) و(دونسلمان جوزيفين) نفيا ان يكونا قد شاهدا على متن الطائرة شخصاً له اوصاف الامام.
ونتيجة افادة (بانيولو روبير ريشار) هي ذاتها, اذ نفى هذا الشاهد وجود اي راكب على متن الطائرة بأوصاف الامام (الصفحة 995 من القسم 1).
وهذه النتائج المذكورة اعلاه تناقضها نتائج التحقيق الذي اجري في ليبيا من قبل شرطة امن البلد المذكور, وهذه النتائج المستخرجة من افادات المرغاني التومي, واحمد الحطاب, والهادي ابراحي الصداوي, وعبد الرحمن غويلا, واحمد مسعود صلاح, وابراهيم خليفة عمر, ومحمد خليفة صهبون, وعيسى محمد عبد الله المنصوري, ومحمد محمود ولد دادى, ومحمد علي الرحيبي.
– المرغاني التومي: وهو سائق سيارة في وزارة الخارجية الليبية, صرح انه في 31 آب 1978 وعند الغروب, رافق شخصياً الامام والسيد والشيخ الى مطار طرابلس (الصفحات 192 و194 و390 ومن القسم 2).
– احمد الحطاب: وهو المسؤول عن التسهيلات الرسميين في مطار طرابلس صرّح بأنه استقبل الامام والسيد والشيخ في الساعة 19.20 وأخذ جوازاتهم, وأنه تدخل لدى الهادي الصداوي كي يؤمن للثلاثة مقاعد في الدرجة الاولى, وأنه أعاد الجوازات الى الثلاثة بعدما اصبحوا على متن الطائرة (الصفحات 194 و195 و395 من القسم 2).
أيّد الهادي ابراحي الصداوي: افادة احمد الحطاب (الصفحات 195 و197 و261 من القسم 2).
افاد عبد الرحمن احمد غويلا: انه بصفته ضابط شرطة ملحقاً بالمطار ختم جوازات الشخصيات اللبنانية الثلاثة التي قدمها له أحمد الحطاب (الصفحتان 197 و198 من القسم2).
اكد احمد مسعود صلاح: وهو رقيب في شرطة المطار, بأنه صادف ان كان موجوداً مقابل المّمر المؤدي الى الطائرة المسافرة الى روما, وأنه شاهد الركاب الثلاثة يصلون بالضبط قبل لحظات قليلة من اقلاع الطائرة (الصفحات 198 و199 و389 من القسم 2).
وأكد ابراهيم خليفة عمر: وهو ضابط في شرطة المطار, أنه شاهد الشخصيات الثلاث اللبنانية تتقدم باتجاه الطائرة, مارة مباشرة من قاعة الانتظار الرسمية الى الطائرة (الصفحات 200 و201 و393 من القسم 2).
وأكد ايضاً محمد خليفة صهبون: أنه سافر على متن طائرة اليطاليا (الرحلة 881) بمقاعد الدرجة الاولى, وأنه لاحظ رفيقاً لسفره بين المسافرين شخصاً طويل القامة كان مرتدياً ثوباً دينياً (الصفحات 201 و203 و387 من القسم 2).
كما أكد عيسى مسعود عبد الله المنصوري أنه سافر على متن نفس الطائرة بالدرجة السياحية, وأنه لاحظ أولاً على متن الطائرة, ومن ثم في مطار فيوميتشينو ثلاث شخصيات احدها طويل القامة له لحية وشاربان ويرتدي لباساً دينياً (الصفحات 203 و206 و263 من القسم 2).
وأكّد سفير موريتانيا في طرابلس محمد محمود ولد دادى انه كان موجوداً مساء 31 آب 1978 في مطار طرابلس بصحبة وفد بلده الذي قدم بدعوة للمشاركة في اول ايلول باحتفالات ذكرى الثورة الليبية, وأنه لاحظ شخصاً عرف أنه الامام موسى الصدر لكونه شخصية معروفة كفاية (الصفحة 207 من القسم 2).
وصرّح محمد على الرحيبي وهو ضابط في شرطة المباحث, أنه قدم الى ايطاليا في 18 أيلول 1978 لاجراء تحقيقات بخصوص مصير الامام, وأنه تأكد شخصياً بعدما اجرى اتصالات مع المخابرات الايطالية, أن جواز سفر الامام كان سليماً من ناحية الصورة التي كانت ملصقة في محلها و”مكبسنة”.
* * *
الملاحظة الاولى: التي ترد, بصورة عامة, في شأن تحقيق الشرطة الليبية, تتناول الثقة بنتائج هذا التحقيق. اذ انه لا يمكن الاّ النظر بشك الى الامكانية الحقيقية لبعض الشهود عند سؤالهم بعد انقضاء اكثر من سنة على الاحداث (التحقيق بدأ فعلاً بتاريخ 3 تشرين الثاني سنة 1979) من ان يتذكروا بصورة خاصة ما هو ذا أهمية ثانوية طفيفة (مثلاً تحديد مقاعد الجلوس عيناً في الطائرة) مقابل وقوعهم في التردّد والتناقض فيما يتعلق بالوقائع التي هي ذات معنى.
اما فيما يتعلق بالافادات, بشكل افرادي, فيمكننا ان نلاحظ:
1)- صرح المرغاني التومي امام الشرطة ان الامام وحده كان يرتدي لباساً دينياً, بينما صرح امام النيابة العامة ان احدا من السيد والشيخ كان يرتدي ايضاً لباساً دينياً.
يظهر ان الافادة الاولى تنطبق على ما هو معلوم بالنسبة لما حدث في فندق “هوليداي ان”, انما تتناقض مع افادة زوجة يعقوب التي أكّدت ان زوجها كان يرتدي دائماً ثياباً دينية.
ويلوح ان الافادة الثانية تأخذ في الاعتبار هذه المعطية الاخيرة وتنطبق على افادة الهادي ابراهي الصداوي الذي قال ان شخصين كانا يرتديان ثياباً دينية, ولكنها تتناقض بصورة غير قابلة الرجوع مع افادة الشاهد الاولى ومع افادة كل من احمد مسعود صلاح وابراهيم خليفة عمر اللذين قالا ان شخصاً واحداً كان يرتدي ثوباً دينياً.
2)- نفس الملاحظات اعلاه تؤخذ في الاعتبار بالنسبة الى عيسى مسعود عبد الله المنصوري (هذا أكّد ايضاً في البداية ان شخصاً واحداً كان يرتدي ثوباً دينياً, ثم عاد وصرّح امام النيابة العامة بأن شخصين كانا يرتديان ثياباً دينية.
وبخصوص هذا الشاهد المنصوري يجب الاضافة انه اتضح من التحقيقات التي اجريت الكذب واضح في تصريحاته بأنه بقي في ايطاليا بين روما ومدينة بولونيا لمدة اسبوعين (الصفحات 12 و17 و26 من القسم 5).
3)- افاد احمد الحطاب والهادي ابراحي الصداوي واحمد مسعود صلاح وابراهيم خليفة عمر عن العجلة التي تمت بها العمليات للحاق بالطائرة دون اعطاء اي تفسير لهذه العجلة. الاّ انه تبين ان الطائرة لم تقلع الاّ في الساعة 21.00, أي بتأخير ساعة هذا مع العلم بأن المرغاني التومي السائق الذي زعم انه اوصل الامام والآخرين الى المطار, لم يشر بشيء بخصوص هذه العجلة.
4)- واحمد الحطاب بذاته صرّح بأن جواز سفر الامام موسى الصدر كان لونه احمر, بينما لونه ازرق.
5)- ان محمد خليفة صهبون الذي ادلى بتفاصيل دقيقة جداً بالنسبة لسفره ووصوله مع الامام الى مطار فيوميتشينو, قد كذب, بكل تأكيد, في قوله عن اقامته في ايطاليا, لأن التحقيقات التي اجريت نفت اقامته في ايطاليا وبصورة خاصة في بسكارا (الصفحتان 12 و26 من القسم 5).
6)- ان قول محمد علي الرحيبي بأنه تأكد شخصياً من ان جواز سفر الامام كان سليماً حتى في الصورة الفوتوغرافية مكذّب بصورة قاطعة, اذ أنه تبين كما لاحظنا سابقاً بأنه يظهر على الصورة آثار تلاعب (راجع ايضاً الصفحتين 157 و158 من القسم 5).
7)- صرّح محمد محمود ولد دادى بأنه كان في مساء يوم 31 آب 78 بمطار طرابلس بصحبة وفد آت من بلاده, وبأنه لاحظ في تلك المناسبة موسى الصدر (وهو لم يكن يعرف الامام). ولكن يتبين من صورة الصحيفة اليومية الموريتانية “الشعب” في عددها تاريخ 31 آب 198, (راجع الصفحة 153 من القسم 5) أن الوفد المذكور سافر الى ليبيا في اليوم السابق (من الواضح اذن نظراً للمسافة بين البلدين انه لا يمكن للوفد الموريتاني الوصول الى طرابلس في 31 آب).
8)- تكلم احمد الحطاب واحمد مسعود صلاح عن تدخلهما لتأمين سفر الاشخاص الثلاثة وعن جوازات السفر خاصة الثلاثة (الاول اخذها وسلمها اليهم على متن الطائرة, والثاني ختمها). انما هذا القول لا ينطبق على الحقيقة, لأن جواز سفر السيد بدر الدين لم يكن موجوداً مع جوازي سفر الامام ويعقوب, كما سبق بيانه.
وفي النهاية يظهر ان افادات الشهود المذكورين اعلاه لا تحوز الثقة لدحض النتائج الواضحة التي ابرزتها التحقيقات بالنسبة الى عدم وصول موسى الصدر وعباس بدرالدين ومحمد يعقوب الى ايطاليا على متن طائرة اليطاليا (الرحلة 881) في 31 آب 1978.
* * *
اذا قبلنا ان الامام والسيد والشيخ وصلوا فعلاً في مساء اليوم المذكور الى مطار فيوميتشينو, فيجب ابراز ادلة ثبوت لا يشك فيها, واعتبارات منطقية لا تدحض, تتصدى لاحتمال حصول اختفاء الامام والسيد والشيخ في روما خلال الفترة الزمنية الواقعة بين وقت وصول الطائرة الى مطار فيوميتشينو ووقت حضور موسى الصدر ومحمد يعقوب المزعومين الى فندق “هوليداي ان”.
وعليه, انه من المعلوم ان التحقيق لم يعثر على أية آثار تدل على وجود الامام وبدر الدين ويعقوب على الاراضي الايطالية خلال الفترة الواقعة بين وصول الطائرة الى مطار فيوميتشينو الذي حصل في الساعة 23 والدقيقة 12 من ليل 31 آب 1978 وبين ظهور اثنين منهم في اواخر صباح اليوم الاول من ايلول 1978 في فندق “هوليداي ان” بإستثناء الاثر في اذن الاقامة لمدة 48 ساعة الذي منح باسم السيد عباس بدر الدين من قبل سلطة الامن العام في المطار في الساعة 23 والدقيقة 35 من ذات ليل يوم 31 آب.
ثم انه لا يوجد اي دليل يدعم الاحتمال بأن يكون للامام وبدر الدين ويعقوب اي سبب معقول لإخفاء آثارهم في روما طيلة ليل 31 آب 1978.
بل بالعكس, فإنه بالنظر الى عادة الامام بأن يعلم, بصورة متواصلة، ذويه عن تنقلاته, وان يعلم عن وصوله الى بلدان اخرى السلطات الدبلوماسية المختصة (التي كانت تهتم بتأمين استقباله). وبالنظر ايضاً, الى الصعوبات التي اعترضت اتصاله بعائلته من ليبيا (ولهذا السبب كانت الضرورة بتسليم رسالة الى نزار علي), فإنه من الطبيعي والمعقول ان يبادر الثلاثة – فور وصولهم الى روما الى اعطاء علم بوصولهم الى عائلاتهم والى السلطات الدبلوماسية اللبنانية في بلدنا.
اذن, بات الاحتمال الوحيد الممكن اعتباره هو ان يكون اختطاف اللبنانيين الثلاثة قد حصل فور وصولهم الى روما, أو – على كل حال – خلال ليل 31 آب 1978.
انما هذا الاحتمال الذي يفسر لوحده عدم وجود آثار للثلاثة في ليل 31 آب, تنفيه سلسلة ادلة ثبوتية وبراهين وحجج يصعب دحضها.
فالاحتمال المذكور يفرض, قبل كل شيء ان يكون منفذو الاختطاف المزعوم على علم – خلافاً لما هو عليه حال عائلات المخطوفين والسلطات اللبنانية والمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى – بوصول الامام والسيد والشيخ الى روما. وليس من الممكن تصور تحقق علم هؤلاء المنفذين بأمر السفر ما دامت السلطات الليبية تقول بأن السفر من طرابلس كان مفاجئاً لدرجة انها لم تخطر به وان الامام لم يعلم القذافي عن عدم ذهابه للقائه في الموعد المحدد بتاريخ 31 آب.
ومن ناحية ثانية, ان وجود الثلاثة الافتراضي في روما, سيكون, بدون شك, بشكل صدفة, ولمدة قصيرة يتطلبها التوقف, واحتمالاً داخل حرم المطار, بانتظار طائرة اخرى مسافرة الى باريس (التوقف في روما يفترض لسبب عدم وجود رحلة مباشرة من طرابلس الى باريس). وبالتالي فإنه لا يمكننا ان نتصور كيف تتمكن مجموعة تعمل في روما من اقرار وتنظيم وتنفيذ عملية معقدة جداً ومحفوفة بالمخاطر كعملية اختطاف ثلاثة اشخاص.
وبغض النظر عن ذلك, من المسلم به القول بضرورة وجود صلة بين منفذي اختطاف الامام والسيد والشيخ المزعوم وبين فاعلي اختفاء موسى الصدر ومحمد يعقوب في فندق “هوليداي ان” (على الاقل لأن هذين الفاعلين كان بحوزتهما حقائب المختفيين وجوازي سفرهما) وانه لا يفهم أية ضرورة كانت للخاطفين المزعومين, بعد ان تمّ لهم تحقيق الاختطاف المزعوم, ان يمثلوا وجود المخطوفين الاثنين في الفندق (مع ما في ذلك من مخاطر تكشف امرهم بتجولهم في روما مع حقائب ووثائق المخطوفين) علماً بأن فاعلي اي جرم يهتمون بإخفاء آثارهم بدلاً من ابرازها.
وفي هذا المجال ايضاً, فإنه لأمر ذو مغزى, وجود ساعة يد الامام داخل احدى الحقائب, وحالتها تفترض اما ان الساعة تضررت من جراء عمل عنف بحق الامام, واما ان تكون اتلفت عن قصد وتعمد لتمثيل الوقت والتاريخ اللذين حصل فيهما الاختطاف. ففي الحالة الاولى, فانه لا يفهم لماذا اهتّم فاعلو الامر بالاحتفاظ بالساعة. وفي الحالة الثانية, تظهر المحاولة مكشوفة جداً لأنه من المفروض ان لا توضع الساعة داخل حقيبة الامام التي – حسب التمثيل – جلبها معه الى الفندق الامام نفسه.
وفي الحقيقة انه ايضاً التمثيل المسرحي الذي جرى في فندق “هوليداي ان” هو بحدّ ذاته برهان على ان احتمال اختطاف موسى الصدر وعباس بدرالدين ومحمد يعقوب أو ارتكاب اي جرم آخر على اشخاصهم, على اراضي الدولة الايطالية, غير قابل للتصديق وخال من كل اساس.
في الختام, وحسماً للنتيجة بشكل جازم, ان ظروفاً اخرى تثبت ان الامام والسيد والشيخ لم يصلوا الى روما مساء يوم 31/8/1978:
1 – من الثابت, استناداً الى ادلة حسية وشهادات وافرة, ان الامام لم يذهب الى ليبيا للمشاركة في احتفالات ذكرى الثورة الليبية (التي دعي اليها وفد لبناني آخر), بل لأنه تلقى دعوة من العقيد القذافي من اجل لقاء تجري خلاله مناقشات حول الوضع الخطير في لبنان.
اتضح ايضاً ان هذا اللقاء تبناه رئيس جمهورية الجزائر بومدين, وأن الامام قرر السفر الى ليبيا بالرغم من معارضة عدد كبير من اعضاء المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى.
واتضح اخيراً انه بالفعل, ومرّات عديدة بعد وصول الامام الى ليبيا, حدّد موعد اللقاء ثم اجّل, وانه بعد الساعة 13.00 من يوم 31 آب 1978 شوهد موسى الصدر وعباس بدر الدين, بدون حقائب, في فندق الشاطىء, حينما كانا يتأهبان الى مغادرة الفندق للذهاب الى اللقاء المحدد مع القذافي كما أفاد اسعد المقدم.
اذن تظهر افادة احمد الشحاتي خالية من الثقة والصدق اذ قال بأنه استقبل وفد الامام في المطار في 25 آب ثم التقى في اليوم التالي وفي مكتبه, الامام والسيد والشيخ, وزعم انه خلال هذا اللقاء طلب منه الامام ان يحجز له مقعداً بجانب العقيد القذافي خلال عرض الاحتفالات في اليوم الاول من ايلول, وانه لما تلقى جواباً سلبياً, اعتبره الامام بمثابة اهانة, لدرجة انه عدل عن حضور احتفالات اليوم الاول من ايلول وسافر الى روما بصحبة السيد والشيخ.
ان ردّة فعل الامام الغاضبة التي نسبها له الشاهد, محاولاً ايجاد اي دعم للفرضية بأن الامام امتنع عن الحضور الى اللقاء مع القذافي, ردّة الفعل هذه غير محتملة وغير واردة, وذلك باعتبار ان الامام بقي في طرابلس بعد نشوء السبب المفترض لردة الفعل المزعومة, لغاية 31 آب على الاقل, اي انه استمر في الاقامة مدة خمسة ايام على الاقل.
ومن ناحية اخرى, فإن اصرار بومدين على ان يتم اللقاء بين الامام والقذافي, واصرار الامام على السفر من اجل هذا اللقاء بالرغم من معارضة أركان المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، كل ذلك يبرهن على أن اللقاء مع الرئيس الليبي كان لشأن ذى اهمية كبرى, الامر الذي يتعارض مع القول بالعدول عنه لسبب يتعلق بمكان يخصص للامام في المهرجانات, هذا القول الذي يناقضه ايضاً واقع ان الامام, خلال مأدبة العشاء في 30 آب, لم تظهر عليه آثار خيبة بسبب ان القذافي استقبل قبله وفداً آخر من لبنان وصل بعده الى ليبيا.
2- كانت نية الامام المكوث في ليبيا مدة خمسة ايام تقريباً, لينتقل بعدها الى فرنسا حيث كانت زوجته تعالج في “فيشي”, وبالتالي يعود مع زوجته او بدونها الى لبنان ليكون بين ابناء طائفته في نهاية شهر رمضان.
ان الافادات المعطاة بهذا الخصوص, أيّدتها تماماً تصريحات نزار علي, وبصورة خاصة محتوى رسالة الامام الى عائلته التي سلّمها الى نزار علي مساء يوم 30 آب بمناسبة لقائهما في فندق الشاطىء.
وعندما نتذكر ان الرسالة كانت تعلم عائلة الامام بوصوله الى باريس بتاريخ 2 أو3 ايلول على أبعد حدّ, لا يمكننا الاّ ان نلاحظ ان مضمون الرسالة يظهر مطابقاً تماماًًًًً لالتزامات موسى الصدر في ليبيا (اللقاء مع العقيد القذافي كان موعده محدداً بالفعل في الساعة 13 والدقيقة 30 من يوم 31 آب).
اذن, يستنتج من ذلك, بكل تأكيد, أنه لم يكن للامام أية نيّة بمغادرة طرابلس بتاريخ 31 آب, اذ انه لو كان الامر على عكس ذلك لما كانت الضرورة لتسليم رسالة الى نزار علي الذي كان سيسافر بتاريخ 31 آب بالضبط.
3- لم يرد في برنامج رحلة موسى الصدر وعباس بدر الدين ومحمد يعقوب, السفر الى ايطاليا في ذلك الوقت عند عودتهم من ليبيا.
فبالاضافة الى الاعتبارات التي بحثت في هذا الموضوع (حيث تبين أن مشروع سفر كهذا الى ايطاليا, كان جديداً تماماً على عائلات المختفين والسلطات الدبلوماسية اللبنانية واعضاء المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى) يجب الاخذ ايضاً في الاعتبار ان موسى الصدر ومحمد يعقوب, كانا غريبين تماماً عن طلب منح تأشيرة الدخول الى ايطاليا من قبل سفارتنا في طرابلس بتاريخ 31 آب 1978.
ويظهر واضحاً انه لو كان الامام ومحمد يعقوب قد اضطرا للقدوم الى ايطاليا, وبالتالي للاستحصال على تأشيرة الدخول اللازمة, لكانا اتصلا بالقائم بالأعمال اللبناني في طرابلس نزار فرحات الذي كانت له معهما عدة لقاءات لغاية مساء يوم 30 آب, والذي اتصل به بالتحديد السيد عباس بدر الدين من اجل ان يستحصل له على تأشيرة دخول الى فرنسا حيث كان السيد بدر الدين المذكور هو الوحيد غير الحائز هذه التأشيرة مسبقاً.
ومن ناحية اخرى, ما دام السيد بدر الدين قد طلب تأشيرة دخول الى فرنسا وحدها, فإن ذلك يثبت انه كان على الثلاثة السفر الى فرنسا, ولم يكن لهم مشروع ذهاب الى ايطاليا. وفي ما يختص بالسيد بدر الدين فإنه يظهر من هنا ايضاً عدم وجود نيّة لديه بالسفر الى مالطا على النحو الذي صرّح به السيد بدر الدين المزيّف حين طلب من سلطات الامن العام في مطار فيوميتشينو اذناً بالاقامة لمدة 48 ساعة في بلادنا.
4- انه كما ثبت بصورة قاطعة ودون أدنى شك, ان الامام ويعقوب كانا غريبين تماماً عن طلب تأشيرة الدخول الى ايطاليا, فإنهما ايضاً كانا كذلك بالنسبة لطلب تأشيرة الدخول الى فرنسا من قبل السفارة الفرنسية في طرابلس, وان السلطات الليبية نفسها هي التي قدمت هذا الطلب.
وإثباتاً لذلك, فإن موسى الصدر ومحمد يعقوب, كما اتضح من التدقيق في جوازي سفرهما, كانا حاصلين بتاريخ 31/8/1978 على تأشيرة دخول الى فرنسا سارية المفعول, وبالتالي لم يكونا بحاجة قطعاً لطلب تأشيرة اخرى. وعليه فإن التأشيرة الثانية التي هي بدون جدوى, يجب بالضرورة ان تكون طلبت من قبل اشخاص هم غير صاحبي جوازي السفر ويجهلون وجود تأشيرة نظامية وسارية المفعول من اجل الدخول الى فرنسا.
5- يوجد ثمة علاقة, في الحقيقة لم يبحث فيها, بين التمثيلية التي قام بها مجهولين, وبين صور السيد عباس بدر الدين التي عثر عليها داخل الحقائب في فندق “هوليداي ان” (انظر الصفحة 43 من القسم 5 والصفحة 272 من القسم 2).
انها صور فوتوغرافية من القياس العادي الذي يستعمل لوثائق الهوية, وهذه الصور مأخوذة ومظّهرة في طرابلس حيث انها وجدت داخل غلاف عليه دلالة هذه المدينة في ليبيا.
لا يوجد دليل على حاجة السيد بدر الدين لأخذ هذه الصور له في ليبيا, وبالتالي فإنه لابّد من وجود علاقة بين وجود هذه الصور وبين واقع كون جواز سفر السيد بدر الدين بقي في فندق “الشاطىء”.
6- شوهد الامام و السيد عباس بدر الدين, لآخر مرّة في طرابلس, على الاقل حسب الافادات الواردة في الملف, امام مدخل فندق الشاطىء حوالي الساعة 13 من يوم 31/8/1978 وعلى الارجح فيما كانا يتأهبان لمغادرة الفندق في طريقهما للقاء القذافي المحدد موعده في الساعة 13 والدقيقة 30 من اليوم ذاته.
خلال كامل فترة بعد الظهر, وطيلة الليل, لم يتمكن أحد, وبصورة خاصة القائم بالأعمال اللبناني في طرابلس نزار فرحات, من الاتصال بالامام والسيد والشيخ.
فقط في صباح اليوم التالي, علم فرحات من العاملين في الفندق بأن الثلاثة ذهبوا, ولكن دون ان يتمكن من الاستحصال على معلومات محددة عن وقت الذهاب والمكان المقصود.
لهـــــذه الأســــباب
وبعد الاطلاع على مطالعة المدعي العام,
وسنداً للفقرة الاخيرة من المادة 378 وللمادة 74 من قانون اصول المحاكمات الجزائية,
نقـــــرّر
عدم متابعة الاجراءات في شأن الجرائم المحدّدة والمبيّنة في الوقائع اعلاه, لأن فاعليها بقوا مجهولين.
نقــــرّر
عدم لزومك تحريك الدعوى الجزائية بخصوص اختفاء موسى الصدر وعباس بدر الدين ومحمد يعقوب, وحفظ الاوراق.
روما في 28 كانون الثاني 1982
الكاتب قاضي التحقيق
ج. كالزتا دومينيكو نوستـرو