الثورة الاسلامية الايرانية

العروسان الملكيان محمد رضا وفوزية في بيروت

  

 

 

 

 

من ايران الشاه  الى ايران الخميني

 

التوازن الطبيعي

   وكالة اخبار لبنان 22-6-2009 العدد1373
(
أ.ل) - إن السياسة ليست إلا عبارة عن مصالح متعددة فيما بين الدول ومنها المتوازي ومنها الذي يلتقي ومنها المتبادل ومنها المتقابل (أو الضد). هكذا تسير الأمور فيما بين الدول وهذا للتوضيح أن الدول الكبرى لها مصلحة في الثروات الطبيعية أهمها البترول في الخليج العربي. لذا فإن الأنظار كلها متجهة نحو هذا الخليج وإيران ودول شمال أفريقيا أهمها ليبيا والجزائر.كما يغط الذباب على النحل دون آذن له او كما يحط البعوض على بشرة الانسان دون سابق موعد  
   وطالما أن الخليج لديه فائض يحتار ماذا يفعل به فلما لا الاستفادة من قبل الدول الكبرى بتسجيل فواتير حقيقية أو وهمية لاستنزاف هذا المال كالحرب التي أقامتها أميركا لاسترجاع الكويت من صدام المطيع لرؤسائه ونذكر هنا كيف تحولت المملكة العربية السعودية الى دولة مديونة ومن كان ليصدق هذا الحدث و لكنه حصل!
   بيد أن هذا الأمر لا يرضي كل الدول الكبرى لأن السيطرة والكلمة الأولى هي للولايات المتحدة التي تعتمد كافة الطرق لسحب أموال هذا الخليج فما المانع من تجديد خطوط شبكة الهاتف كل سنة وما المانع من بيع طائرات حربية لا يجيد استعمالها العرب وغيرها من مصاريف على الملذات والطائرات الخاصة واليخوت والسيارات و كل ما هو لطيف....ويلهي عن التفكير...
  
وبما اننا على عتبة خطوة عالم جديد الله وحده يعلم كيف سيكون ...وإذا كنا قد عرضنا في الوكالة هذه الوثائق المتنوعة فإنما لاستعراض التاريخ ولفهم وتوعية ما يحدث اليوم خصوصاً أن الأحداث تتكرر ولا بد من الاستفادة من العبر ولتكون فرصة للقارىء المطلع أن يفهم ماذا جرى ويجري وسيجري واتخاذ القرار الحكيم الذي يرضي الإنسانية جمعاء فلا يموت بشر من التخامة وآخرون يموتون من الجوع أو لجهلهم ما هي الوقاية والتلقيح من الأمراض. الجميع له الحق بالعيش وعلى القوي أن يساعد الضعيف لا استعباده.

    فعلماء البيئة يستعملون دائماً كلمة "ecosystem" وهذا يعني التوازن الطبيعي اي أن فناء أي جنس بشري أو حيواني أو نباتي يؤدي إلى خلل في هذا الميزان الطبيعي الذي هو من خلق الله سبحانه وتعالى والذي خلق الإنسان بأحسن تصوير واستغرق سبع أيام لخلق المكان الذي نعيش فيه بدقة هندسية لامتناهية ومن إحدى حكمه هو وجود الخير والشر والتوازن والانسجام فيما بين كل مخلوقاته.
   
ونشير هنا إذا عملنا على قتل الجراذين المقززة للنفس وإبادتها كلياً من الوجود فإن الذي سيحدث  هو خللٌ بيئي مثل الارتفاع بكمية النفايات والأعشاب التي ستتزايد بشكل لم نعهده. هذه هي حكمة رب العالمين الذي دعا الإنسان ألا يعتمد الفساد في أعماله وحياته حتى لا يخل بالميزان الذي خلقه .فمن منا يستطيع ان يعيش في يومنا هذا من دون براد او جهاز تلفزة او غسالة او... وكله على الطاقة الكهربائية - رحم الله حسن كامل الصباح - الذي اقدم على خطوة لا مثيل لها في عالم الكهرباء ووضع اسس الطاقة الشمسية الغير ملوثة للبيئة.
 
 وبالحديث عن هذا التوازن فيجدر ان نتطرق الى عالم المخدرات الذي يؤدي الى غناء فاحش لزارعيه وادمان الفرد من كل الطبقات و الالوان والفئات.السبب الرئيسي لصناعة المخدرات هو الفقر و الحاجة والعوز.افلا نلومن هذا الفقير الذي يزرعها لانه يجهل جسامة الضرر الذي يلحقه بالانسان وانما ما يدركه هو الجوع. ولو كان الفقر رجلا لقتلته "الامام علي بن ابي طالب(ع)".
    وبالتالي لا تكون معالجة هذا الموضوع باقامة افلام بوليسية فيما بين البوليس و الحرامي و القيام بملاحقات لا نهاية لها او اعتقالات لن تؤدي الا الى مزيد من الشر والمزيد من تجار المخدرات الذين سيفرخون مكان الذي فقدوا وكل ممنوع مرغوب.على سبيل المثال قام الرئيس الراحل فؤاد شهاب بدراسة اجتماعية لمناطق الفقر والعوز والحرمان خصوصا في عكار فلاحظ ان الفقر هناك غير طبيعي عندئذ قام بتطويع الشباب من عكار في الجيش كي لا يبقى بلا عمل. وهذه النقطة يمكن قراءتها في كتاب الاستاذ الزميل باسم الجسر.ونستنتج من هذا العرض  أنه يتم مداواة الداء بالداء فقط لا غير.
   لكن ما يجري فعليا هو وجود هؤلاء التجار دائما وغض النظر لفترة زمنية عنهم اذا صح التعبير للاستفادة من اموالهم في البنوك و لافادة الاقتصاد العام ومن جهة ثانية تقوم الدول بحملات توعية واعلانية كذلك مفيدة للاقتصاد العام! المعادلة سهلة!...

وبالختام نقول أنه كما للغني الحق بأن يعيش كذلك الفقير وذوو الطبقة الوسطى كذلك الجنس الأبيض والأحمر والأسود والأصفر و... وهي دعوة للكف عن استغباء الشعوب لأن هذه الشعوب إن كانت جاهلة فسيأتي اليوم الذي ستتنور فيه وتدرك الأحيال والخدع التي تعرضت لها وإن طال الزمن. فاللبناني مثلاً كان يسافر إلى أفريقيا يغش في البضاعة التي يبيعها للأفريقي بمختلف الطرق والسبل في سبيل جني المال والثروة وإن كان المال في الغربة وطن. . ولست أفهم كيف أن المال يعني السلطة كما أسمع؟!

أما اليوم فإن الأفريقي تغير وتوعى وأصبح مدركاً فكانت النتيجة أنه نبذ اللبناني واسترجع مكانه في التجارة دون عودة للغريب وتحول بالتالي اللبنانيون إلى مكروهين لاستغبائهم الأفارقة في الزمن الغابر وهكذا تكون النتيجة أن اللبناني عاطل عن العمل نتيجة لمكره وخبثه (وهنا طبعاً لا أشمل جميع اللبنانيين إنما الفئة التي قامت بهذه الأساليب).
هذا على الصعيد الفردي والأمر نفسه يطبق فيما يحدث بين الولايات المتحدة الأميركية و الجمهورية الإسلامية في إيران وباقي الشعوب التي لا بد ان تستيقظ .
   وبالحديث عن ايران فان الايراني يتمتع بشعور قومي عال تجاه بلاده ان كان من المحافظين او الاصلاحيين فالثورة الايرانية عندما حصلت شاهدت طهران بام عيني في ربيع 1979 مع والدتي، لا يوجد على الارض اي نفايات او صور على الجدران او آثار رصاص أو حرائق.. انه فعلا بلد عريق بشعبه و تاريخه و حضارته.
  لذا اتساءل هنا هل من المعقول ان تصل الامور في ايران الى هذا الحد فلا بد اذن من طابور خامس يشعل النيران فيما بين الشعب الايراني المتكتل على بعضه ولطالما كان وسيبقى موحداً، ربما لاقليته في منطقة عربية.(انتهى)
                                                                                              زاهر.ع. بدر الدين


الشاهنشاهية في الثالثة و الخمسين
محمد رضا حصل على العرض مقابل حفنة من.. سكر النبات:

(الصياد لا تاريخ لجورج مصروعه)

 الدولة التي تبسط ظلها على مليون و648 ألف كيلومتر مربع من الأرض، بين تركيا والاتحاد السوفياتي، وأفغانستان وباكستان والعراق، واسمها إيران، تبلغ العام الثالث والخمسين من عمرها في 31 تشرين الأول المقبل، لأنها نشأت في 31 تشرين الأول 1925.
 قبل هذا التاريخ كان لها اسمان مترادفان: بلاد فارس، وبلاد العجم، فألغاهما مؤسس الأسرة الحاكمة حالياً، رضا بهلوي واختار اسم إيران.
شاهات مغمورون:
 إن تاريخ إيران طويل، يملأ عشرات المجلدات، لذلك ولمناسبة الأحداث الجسام التي تعصف بالمدن الإيرانية. هذه الأيام، نقصر هذا البحث على الخطوط العريضة للحقبة الممتدة من أواخر القرن الثامن عشر حتى اليوم.
 الأسرة الحاكمة السابقة هي أسرة قاجار، أسسها خضي تركي الأصل متوقد الذكاء، بالغ القسوة والشراسة، يدعى آغا محمد خان، وقد تمكن من توحيد البلاد بعد حروب داخلية ضاربة استغرقت ثلاثة أعوام، قضى فيها على خصومه بالحديد والنار في شيراز، ثم استعاد منطقتي جورجيا وخراسان، وكانتا قد استقلتا بتشجيع من روسيا وبريطانيا.
 وآغا محمد خان هو الذي جعل طهران عاصمة دولته. وكان هلاكه فيها عبرة، إذ حكم على اثنين من خدمه بالموت قبل تكبيلهما بالحديد، فهاجماه، وانهالا عليه ضرباً حتى لفظ أنفاسه.
 وخلفه ابن أخيه فتح علي خان عام 1797، وكان وسيماً عظيم اللحية، مستهتراً، منصرفاً عن شؤون الدولة إلى اللهو والتنعم بملذات الحياة بين الجواري والخصيان، ففتح أبواب البلاد لمطامع الروسيين والإنكليز والفرنسيين والأتراك، وأدى ضعف السلطة المركزية في عهده إلى انتشار الفوضى والاضطرابات وحركات التمرد والعصيان في طول البلاد وعرضها، وكان ضباط الاستخبارات الأجانب يقتسمون القبائل، ويستقطبون الزعامات المحلية، ويصبون الزيت على النار.
 وتوالى على العرش، بعد فتح علي، محمد الثاني فناصر الدين، فمظفر الدين الذي كان مريضاً، هزيل الشخصية، فمحمد علي، فأحمد شاه، وهو الذي خلفه رضا بهلوي.
 في ليلة ليلاء من ربيع العام 1878، أي منذ مائة عام بالضبط. كانت قافلة فارسية تجتاز جبال الشمال الوعرة، التي يبلغ ارتفاع قمة ديماوند فيها5600 متر.
 وكانت في هذه القافلة امرأة محجبة أرهقها التعب حتى أشرفت على الإغماء، إلا أنها لم تتخلى عن صرة صغيرة كانت بين يديها.
 ولما ترجلت عن بغلها للاستراحة، ووضعت تلك الصرة إلى جانبها، تبين أن فيها ولداً ابن يومه، حسبه ميتاً كل من رآه، حتى أمه التي تقبلت تعزية أفراد القافلة دامعة العين، مذعنة لمشيئة القدر.
 ولكن الوليد ما لبث أن صاح معبراً عن جوعه، فهرعت أمه إليه، وألقته على ثديها حتى شبع ثم نام.
 هذا الطفل الذي أبصر النور في عاصفة ثلجية على القمم الشامخة، هو رضا شاه، مؤسس الأسرة المالكة الحالية. وقصة ولادته هذه، ونجاته من الموت بشفاعة الإمام هاشم ولي تلك المنطقة الجبلية القاسية، انقلبت أسطورة على السنة الرواة، وساعدت على تكرسيه بطلاً قومياً، إذ أحدثت تأثيراً بالغاً في خيال شعب شديد التوق إلى الخوارق.

على طريق المجد
 كانت أسرة رضا إيرانية عريقة، متشبثة بأرضها، عسكرية النزعة. وكان والد ذلك الطفل عقيداً في فوج منطقته، يعتز بانتمائه إلى آل باوند، أحفاد كيوس بن قباز، الأخ الأكبر لانوشروان، إلا أنه لم يفرح طويلاً بولده رضا، إذ وافاه الأجل والطفل في اليوم الأربعين من عمره، فكان على الأم أن تربي ولدها بالعمل الدائن وعرق الجبين.
 لا نعرف شيئاً عن طفولة رضا وفتوته، كلتاهما مغمورتان. ولما بلغ الرابعة عشرة، تطوع في لواء القوزاق الروسي الصبغة. ولم يكن قد تلقى أقل تنشئة عسكرية أو ثقافية، فقرر أن يثقف نفسه، وأكب بكل ما فيه من حزم وإرادة على تعلم القراءة والكتابة، مستعيناً برفاقه المتعلمين.
 وإلى جانب توقه إلى العلم، نشأ طموحه إلى الارتقاء في مراتب الجيش، على أمل أن يصبح يوماً ما قائد اللواء الذي ينتمي إليه، وهو من النخبة المنيعة الجانب  بين ألوية الجيش الروسي.
 وبعد خدمة طويلة استغرقت سبعة وعشرين عاماً، بلغ رتبة عقيد، واشترك في القيادة العليا، وكان لواء القوازق قد توسع فأصبح فرقة. 
 وفي 26 تشرين الأول 1919 رزق رضا بصبي سماه محمد رضا، وهو الشاه المالك حالياً، فاطمأن الوالد إلى مستقبل أسرته، كأنه يرى القمم التي يسير إليها، وكأن هذه القمم في متناول يده.
 وكانت "بلاد فارس"، في ذلك الحين تتخبط في أزمات أذربيجان، وجورجيا، وأرمينيا، وخضعت منطقة بوشهر البترولية للنفوذ البريطاني بعد اتفاق لندن وموسكو على اقتسام البلاد، وإقصاء نفوذ فرنسا وتركيا.
 وأمست الحكومة الوطنية صورة، لا سلطة لها، ولا وزن ولا قيمة، فانتشرت الشقاوة، وعمت الفوضى وأضحت القبائل والعشائر دويلات متذابحة في قلب الدولة الخيالية الكبيرة، ومن الطبيعي أن تصبح هذه الحالة المتردية أرضاً خصبة لنشاط ضباط الاستخبارات الأجانب، وللمغامرين من المرتزقة ولمحترفي الدسائس والمؤامرات.
 ولما استفحل الشر، وكادت البلاد ان تخسر كل شيء، لمعت بوادر الوعي الوطني، خصوصاً في المدن الكبيرة وفي صفوف رجال الدين، وكبار التجار وأصحاب المهن الحرة والمثقفين على النهج الغربي، فتنادوا جميعاً، وتحاوروا واتفقوا على أن الحكم القائم فاسد، لا بد من تغييره.
 وكان الشاه آنذاك مظفر الدين، وهو رجل طيب وعديم الإرادة، فوافق على كل مطلب شعبي، وخضع لدستور أجريت بموجبه انتخابات أسفرت عن مجلس يمثل الشعب.
 ولكن خليفته محمد علي شاه كان مستبداً على غير كفاءة، فقرر أن يضرب الزعماء الشعبيين ضربة قاضية، وقصف مبنى المجلس بالمدافع، ثم هرب لاجئاً إلى المفوضية البريطانية، واضطر بعدئذٍ إلى التنازل عن العرش، مفسحاً في المجال لإبنه أحمد شاه، وهو في الحادية عشرة من العمر، فتولى الوصاية عليه رجل معروف بنزعته التحررية.
 إلا أن هذه الأحداث لم تحسن الحالة العامة، فعادت المؤامرات الخارجية إلى نشاطها السابق، وفرغت الخزينة واستشرت الشقاوة وانتشرت المجاعة والأمراض السارية، وأمسى كل زعيم شعبي يسعى إلى المحافظة على نفسه وممتلكاته، أو يغادر الوطن غير آسف عليه، وعاد الروسيون إلى احتلال الشمال، فيما كان الإنكليز يرسخون أقدامهم في المنطقة البترولية.
 وفي هذا الليل الدامس، أشرق نجم رضا بهلوي.
الإصلاح سلم العرش:
 بدأ رضا عمله بإخضاع القبائل المتمردة، والفئات الانفصالية، وقد اشتهر بالنزاهة، والتجرد، والشجاعة، فالتفت حوله القوى الوطنية الصالحة.
 وفي عام 1920 سجل نصراً مصيرياً، إذ أبعد الضباط الروسيين عن فرقة القوزاق، وجعلها وطنية صرفاً، وتولى قيادتها على رأس مجلس أركان من الضباط الإيرانيين، ثم شرع يقضي تباعاً على كل نفوذ أجنبي لا يخدم البلاد.
 وكان في طهران يومذاك صحافي بعيد النظر يدعى سيد ضياء الدين، فدعا في جريدته "رعد" إلى إنقاذ البلاد من ويلاتها العديدة، ووجه إلى رضا كتاباً مفتوحاً دعاه فيه إلى القيام بانقلاب، لأن الشعب كله وراءه.
 لبى رضا ذلك النداء فجمع أولاً القوات المسلحة: القوازق الذين كانوا روسيي النزعة، ومفارز الدرك التي نظمها ضباط أسوجيون، ورجال الحرس الذين كانت قيادتهم نمساوية، والميليشيات المحلية المختلفة المشارب والنزعات...
 من هذا الخليط كله كون رضا جيشاً وطنياً يدين بالولاء المطلب لإيران وحدها قوامه أربعون ألف رجل.
 بهذه القوة استطاع الزعيم الحازم أن يفرض الإصلاح الأمني والاقتصادي والقضائي والعسكري.
     وفي تشرين الأول 1923 سافر أحمد شاه إلى فرنسا بعد تعيين رضا خان رئيس وزارة.
 وفي 31 تشرين الأول 1925 خلع المجلس الوطني أحمد شاه قاجار المقيم في باريس، ورفع رضا بهلوي إلى سدة العرش، وكان التتويج في 26 شباط 1926. وأعلن محمد رضا بهلوي ولياً للعهد.
حملة العودة إلى الجذور:
 قام الشاه الجديد بحملة واسعة لتحديث بلاده، فأعاد إلى الإيرانيين عنفوانهم القومي الذي كاد يغرق في المعارك الداخلية الآثمة. وألغى تسمية "بلاد فارس" متخذاً اسم "إيران"، وهو الوحيد المستعمل في اللغة الوطنية، واستبدل الأسماء العربية في المؤسسات والدوائر العامة بأسماء إيرانية، إلى أصولها، وحذف الكلمات الغربية منها، ودعا المواطنين إلى اتخاذ أسماء وطنية مستمدة من التاريخ لعيالهم ولأبنائهم مؤكداً لهم أنهم لن يجدوا في الأسماء الأجنبية أمجاداً تضارع أمجاد جدودهم الأكاسرة...
 ولكن هذه "التفاصيل"، على أهميتها، لا تبني دولة حديثة على أساس شعب ما يزال في القرون الوسطى على صعدان العلم، والثقافة والتقنية والتطور الاجتماعي، والصناعة والزراعة ومختلف مقومات الحياة في هذا العصر.
 ولمواجهة هذا الواقع الصعب، بدأ رضا بتنظيم الإدارة المالية، ثم انتقل إلى القضاء، فحقق معجزتين في هذين " الحقلين في أقل من عشرة أعوام.
 وعزز التربية الوطنية في مختلف الدورات المدرسية، من الصفوف الابتدائية إلى أعلى المراتب الجامعية. وأصلح المواصلات، فشق الطرق، ومد خطوط السكك الحديدية، خصوصاً بين طهران وبحر قزوين، واستعاض بفرض الضرائب عن اللجوء إلى القروض الخارجية.
 وفي العام 1932 ألغى الامتيازات البترولية وعقد مع البريطانيين اتفاقات جديدة أوفر ضماناً للحقوق الوطنية الإيرانية، ولم تكن فكرة التأمين واردة بعد، حتى ذلك الحين...
 وجملة القول أن رضا بعث في نفوس مواطنيه الشعور بالكرامة الوطنية، بعد خضوعهم، طوال قرن، للنفوذ الأجنبي المدمر. وكثيراً ما اصطدمت الحركة الإصلاحية بعقبات داخلية شديدة الخطر، كثورة مدنية مشهد المقدسة على تحرير المرأة وسفورها في العام 1935.
 وبعد اجتياز هذه العقبة الكؤود، تابع الإصلاح طريقه حتى شمل البلاد كلها، وفرض نفسه حيناً بالرضى، وحيناً أخر بالقوة.

عقاب ظالم:
ولما نشبت الحرب العالمية الثانية، عام 1939، تذكر رضا بهلوي ما قاست بلاده من الاحتلال الروسي، والتركي، والبريطاني، فاتخذ موقف الحياد.
 ولكن الحلفاء استنكروا هذا الموقف، خصوصاً لما هاجم النازيون الاتحاد السوفياتي، فأصبح بحاجة إلى المساعدة ليتمكن من الصمود.
 ناهيك بأن القيادة الحليفة كانت ترمي إلى فتح جبهة شرقية تجتذب القوات الألمانية، ليتسنى خرق الجبهة الغربية الحصينة والهجوم على قلب الكتلة المحورية المؤلفة من ألمانيا وإيطاليا واليابان.
 ولا ريب في أن الحلفاء كانوا يحسبون حساباً للعلاقات الاقتصادية الوثيقة التي نشأت قبل الحرب بين برلين وطهران.
 وهي علاقات تفتح للدعاية النازية آفاقاً واسعة في الشرق الأوسط، فاتهموا رضا شاه بأنه يغذي في بلاده "طابوراً خامساً"، لاعتقاده بصحة المذهب النازي.
 لم يكن هذا الاتهام قائماً على شيء من الواقعية، ولكن الروسيين والإنكليز ضخموه، ونشروه، واخترعوا له وثائق وأدلة وبراهين، وعادوا إلى مخاطبة الإيرانيين باللهجة الطاغية التي تعودوها يوم كانوا مسيطرين، فاضطرت الحكومة الإيرانية إلى المسايرة، وقبلت بعقد اتفاق مع الحلفاء.
 ولم يكن ذلك التساهل إلا ليزيد الحلفاء تصلباً. وبدون أن يفاوضوا الشاه، أو أن يسألون رأيه، أعلنوا عليه الحرب... وزحف الروسيون من الشمال، والإنكليزي من الجنوب، فاحتلوا البلاد.
 رأى رضا بهلوي نفسه في حرب لم يردها، ولم يتأهب لخوضها، ولا مصلحة له ولبلاده فيها، فتنازل عن العرض في 17 أيلول 1941 لولده محمد رضا تفادياً لانقسام إيران وتفككها.
 أما ثمن العرش الذي دفعه محمد رضا إلى أبيه، فكان حفنة من سكر النبات، عملاً بالتقاليد الإيرانية المرعية منذ اقدم العصور. فسكر النبات هو ثمن تبادل السلطات بين الأحياء. وأنه لتقليد طريف حقاً: "خذ بالعذوبة التي بها أعطيك!".
 أما المعاملة التي خص الإنكليزي بها رضا بهلوي، فلم تكن أفضل من تلك التي عاناها نابليون بونابرت...
طلب الشاه السفر إلى الولايات المتحدة الأميركية، أو الهند. فنفى أولاً إلى جزيرة موريس، ثم إلى جنوب أفريقيا حيث انتقل إلى العالم الآخر في تموز 1944، وهو في السادسة والستين من العمر. وقد ترك لابنه دولة متينة الدعائم.
 هل يعيد التاريخ ذاته، لإخراج إيران من الأزمة الحادة التي تعصف بها هذه الأيام؟
 هذا السؤال ما يزال همسا وراء الكواليس الدولية. والشاه الحالي قوي. وليس لخصومه من الطاقة الفعلية ما كان للحلفاء عام 1941. وقد يأتي الجواب الحاسم في الأيام المقبلة. (انتهى)


ما ابعد اليوم عن الامس!
صفحة لبنانية من تاريخ شاه ايران
كيف استقبلت بيروت "الشاهبور" قبل أربعين عاماً
ركب يخت "المحروسة " من بيروت لينقله الى عروسته الاميرة فوزية في مصر

(المصدر :الصياد لا تاريخ لجورج مصروعه) (مصحح)

 محمد رضا بهلوي هو شاهنشاه إيران منذ سبعة وثلاثين عاماً، فقبل العام 1941، وهو تاريخ تنازل والده رضا شاه عن العرش، تحت ضغط الحلفاء المنتصرين على ألمانيا النازية وحلفائها، كان محمد رضا "شاهبور" أي ولي عهد. وفي حقبة ولايته للعهد، تزوج للمرة الأولى من الأميرة فوزية، شقيقة الملك فاروق عاهل مصر، في العام 1939، أي منذ حوالي أربعين عاماً.
 وفي طريقه إلى القاهرة، أقيم له استقبالان، أحدهما متوسط في دمشق والآخر حافل في بيروت.
   أما استقبال بيروت، فقد كتبت تفاصيله الصحافية اللبنانية "أورو أوغور" في مجلة "فينيسيا" التي كان يصدرها آنذاك الشاعر باللغة الفرنسية شارل قرم.
 ولمناسبة أحداث إيران الأخيرة والغامضة النتائج، نروي في ما يلي بعض وقائع استقبال الأمير الإيراني في لبنان.

الأمير الفتان:
 بهذا العنوان المشرق الذي يتوج عدداً كبيراً من أساطير الحق الغربية، قدمت "أورو أوغور" الشاهبور محمد رضا، وقالت: "صباح اليوم الأول من آذار 1939، أفاقت بيروت على إحدى وعشرين طلقة مدفع، وصعد كل بيروتي على سطح منزله ينعم برؤية "المحروسة"، يخت صاحب الجلالة ملك مصر: صورة ناصعة البياض على بحر بنفسجي، تتوغل في مياهنا الإقليمية، وتواكبها خافرتا السواحل المصريتان "فاروق" و "فوزية".
 ألقت السفن الثلاث مراسيها في الميناء، ونشرت سفن القاعدة البحرية اللبنانية أعلامها الزاهية الألوان، فإذا هي أشبه برف من طيور الجزر البعيدة.
 وكانت السفينة اللبنانية "صنين" عابسة وراء حجاب من الغيوم، إلا أن مشهد بيروت وهي بصورة ملعب مستدير، أفرح قلوب ضيوفنا المصريين. وإذا كانت بيروت، في مثل هذا المشهد تبدو من البحر وكأنها قطع حمراء وبيضاء تتسلق الجو صعوداً إلى السماء، فإن الإسكندرية ترتسم في الأفق كتلة واحدة محمرة. فالتباين بين المدينتين واضح وكلي، خصوصاً حين يهبط الليل، فتحجب أضواء بيروت السماء، بينما تبدو نجوم الإسكندرية كأنها تلامس الأرض، إنه لمشهد لا ينسى.
 "ولكني لا أظن أن ضيوفنا في ذلك الصباح البهيج انصرفوا إلى المقارنة بين ذينك المشهدين، لأنهم ارتدوا ملابسهم الرسمية، وساروا للقيام بالزيارات البروتوكولية.
 وبعد أن استقبلهم المفروض السامي زاروا في السراية الصغيرة رئيس الجمهورية والحكومة اللبنانية.
 "ولم تعرف السراية الصغيرة قبلاً مثل تلك الحركة التي عصفت بها. فأصحاب المعالي، وقد حرموا نوم الصباح المريح، جلسوا في مكاتبهم مشدودي الأجسام في الثياب الرسمية، مشنجي الأعناق في الأطواق المنشأة... فروكز أبو ناضر مثلاً، كان يعبث بحبات سبحته العنبرية، دون أن يجرؤ على الجلوس، وقد ازداد سمنة بعد عيد رأس السنة، وحبيب أبو شهلا كان يلامس شعره مؤكداً للصحافيين أن كل شيء على ما يرام في أحلى جمهوريات العالم. وفي مكاتب الرئاسة كان هكتور خلاط مرتاحاً، وقد زين عقدة رقبته بحبة لؤلؤ، وراح يفكر في قصيدة يرفعها إلى "الربة المصرية الحسناء"، فيما هو يدقق في لائحة المدعوين.
 وشوهد رجال في أزياء عثمانية، كأنهم خارجون من قصر يلدز يصعدون أو ينزلون على السلالم برشاقة مصوري الصحف الأميركيين، ولما سألنا عنهم، قيل لنا أنهم المصورون "الرسميون" السينمائيون والصحافيون التابعون لبلاط صاحب الجلالة ملك مصر.
 وبعد زيارات المصريين للبنانيين، بدأت زيارات اللبنانيين للمصريين. ثم تحرك الموكب الرسمي ليذهب إلى استقبال السمو الامبراطوري شاهبور إيران على الحدود اللبنانية السورية.
 وبالطبع تأخر الموكب عن الموعد المقرر، واستطاع أعضاؤه تناول طعام الصباح في شتورة.

استقبال شعبي حماسي:
 وفي شتورة عقدت حلقات الدبكة اللبنانية حول فندق مسابكي، في جو من السرور العارم، والابتهاج الشعبي المزغرد، فيما كان العديد من المستقبلين يذرف دموع الفرح، تحت زخة مطر مفاجئة.
 وقفت طفلة في ثوب حريري أبيض، تلقي كلمة ترحيب باللغة الإيرانية، أمضت الليل في استظهارها وإتقان لفظ كلماتها.
  وبدا السرور على أديب نحاس الأنيق، والسيد سالان، لرؤيتهما ذلك الحشد من الناس في منطقتهما، وفي شهر آذار. أما السيد مسابكي، فكان يوزع كؤوس العرق بفرح ظاهر.. إلا أنه كان يفكر أيضاً بتقديم الفواتير!...
 وعلى الحدود، كاد الابتهاج العام يتقلص، إذ هبت رياح ثلجية جمدت الابتسامات على الوجود، لأن الثياب الرسمية لا يجوز أن تتوارى تحت المعاطف الدافئة، فتعرض الرسميون للإصابة بالتهاب الرئة في سبيل الأناقة التي لا بد منها في مثل هذه الأحوال.
 وفي هذه الأثناء، وصل الجنرال "بارب" والسيد "لافون" ممثلاً المفوض السامي، والجنرال القائد الأعلى، فأضفى وصولهم على الصورة العامة حركة منعشة ولوناً جديداً.
 فالجنرال في بزته المعرقة بالأسود والأحمر، كان عظيم المنكبين تحت معطفه الجميل، والسيد لافون كان مستقيم القامة fكالسيف في غمده، وهو غمد من الجوخ الأسحم اللون. وكان كلاهما في منتهى الجمال والهيبة.
 أما الكولونيل بوافان، فكان في بزة من الكاكي الفضي اللون، وقد اختبأ في سيارته هرباً من الصقيع، خصوصاً لما بدأ المطر ينهمر، فيما كان السيد "ميرفندرسكي" قنصل إيران العام، يروح ويجيء في كل مكان وهو بادي التأثر والسعادة.
 وأخيراً، وصلت الدراجات النارية السورية كطبالى الأزمنة الغابرة، في جلبة تصم الآذان، وترجل الأمير من سيارته..
    باهر الوسامة، طويل القامة، واضح النظرات، على كتفيه طيلسان كبريتي اللون... فإذا هو صورة حية للأمير الفتان، بطل الأساطير القديمة.
 وسار الموكب ليستقبله أبناء القرى بالتصفيق والهتاف والزغردة، وهذا أبلغ تعبير شعبي عن الفرح والمحبة.
 وفي بيروت تجاوزت مظاهر الابتهاج كل حد. ارتص الناس على الأرصفة وسطوح الأبنية، أتوا من الجبال والسواحل، تسلقوا الأشجار، ازدحموا على الشرفات، ليعبروا للأمير عن سرورهم باستقباله.
 وفي فرن الشباك، تحت قوس النصر المزدان بالأسد الإيراني تجمع الطلاب الإيرانيون في حشد لطيف وملتهب حماسة.
 وما كاد "الشاهبور" يترجل من سيارته، حتى استقبله السيد "ميرييه" ممثلاً المفوض السامي والجنرال القائد الأعلى ورئيس مجلس النواب، وحاشية من الرسميين في ثيابهم الرسمية الزاهية.
 وعلى طول الرصيف، اصطفت وحدة عسكرية بمدرعاتها ومدافعها ورشاشاتها ومشاتها ورماتها، وأدت التحية الرسمية. ولكن الأمير لم يرها جيداً، إذ كان محاطاً بجماهير المستقبلين. وبعد مراسم التعارف والتقاط الصور، صعد سموه إلى سيارته واجتهاز بيروت في مهرجان يثبت أن الشرقيين هم أشد شعوب العالم حماسة.
 في طريق الشام، وساحة البرج، وشارع ويغان كان صف طويل من رجال الأمن يمنع الجماهير المتراصة على الأرصفة من التدفق على الموكب، إلا أن بعض المرحبين اخترقوا هذا الصف بحماستهم الصاخبة في بعض الأماكن، ولمسوا سيارة الأمير مارين بين الفرسان السباهي الذين يواكبونها.
 إن مدينتنا بيروت لم تعرف مثل هذه الحماسة في ما مضى من تاريخها.
قصة حب... كانت عابرة:
 كانت هناك قصة حب، وكانت حكاية أمير يجتاز الجبال والأودية والسهول، في غمرة من حفيف الأجنحة وخشخشة الجواهر، وسحر أساطير الجن، وفتنة الخوارق... وهذا كله مما ألهب حماسة بيروت، المدينة التي درجت على أن تكون هادئة مترصنة.
 لا عذر لهذه الفوضى إلا كونها تعبيراً عن سرور الشعب وترحيبه الحار بالشاهبور.
ولما وصل الموكب إلى قنصلية إيران العامة، كانت السجاجيد تكسو الأرض، وقد جاء بها التجار الإيرانيون، وهي من أفخر ما أنتجت بلاد الشاهنشاه.
انحنت السيدة "ميرفندركسي" وجماعة من السيدات الإيرانيات أمام الأمير، وهن في أثوابهن الفاخرة أضمومة رائعة الجمال من أزهار أصفهان.
ومالت الشمس إلى الغروب بعد أن داعبت، مرة أخيرة أصواف كاشان وحريرها، وبدائع شيراز وبخارى..
إلا أن الأمير لم يكن قد أنهى يومه بعد، فزار اليخت الملكي "المحروسة" حيث كان من المقرر أن يمضي ليلته تلك، ثم أنه بعد حضور حفلة الشاي التي أقامها له رئيس الجمهورية تناول طعام العشاء في قصر الصنوبر حيث أقام له المفوض السامي والسيدة غبرييل بيو مأدبة تكريمية.
 وكان استقبال ممثل فرنسا لطيفاً، فما انتهى إلا في ساعة متأخرة من الليل، فتوجه سموه إلى الحجرة المعدة له في اليخت الملكي الجاثم، وكأنه الطائر البحري يطفو على بحر زيتي الهدوء..."(انتهى)


 

 لمحة تاريخية عن ايران

تاملات في المسألة الايرانية

"كل من عليها شاه"

المراة الايرانية تتظاهر ضد تحرير المرأة و المتظاهرون يفرقون دبابات الجيش بالورود و الرياحين

احداث ايران دفعت واشنطن الى اخراج ملفات الانظمة الاسلامية في مواجهة الشيوعية

(مجلة الحوادث الجمعة 22 ايلول 1978 العدد 1142 )

ظهرت أمبراطورية قورش ودارا قبل خمسمائة سنة من التقويم الميلادي . ولكنها هزمت , وإحتل الإسكندر إيران, ثم إحتلها الباريتيون الذين جاءوا من السهوب في وسط آسيا الى القرن الثالث الميلادي , ثم قام حكم الساسانيين الى القرن السابع, عندما وقع الفتح الإسلامي, وأصبحت إيران أو فارس جزءا من الإمبراطورية الإسلامية , وفي القرن الحادي عشر إحتلهم الأتراك ثم جاء المغول بعد قرنين فحطموا الحضارة , وأوقفوا عملية التعريب. وفي نهاية القرن الخامس عشر جاء الصفويون وهم أول من حمل لقب الشاه. ومع مطلع القرن التاسع عشر أصبحت إيران مسرحاً للنشاط الإستعماري البريطاني والروسي.. وعمل الإثنان على إفلاس الدولة ونشر الفتن فيها, حتى كانت اضطرابات 1908 من صنع المخابرات الأجنبية , التي أدت الى إعلان النظام البرلماني. ولكن ظهور النفط وقيام حركة إنفصالية أو إستقلالية في إقليم عربستان إستدعى قيام إنقلاب عسكري , نفذه الضابط رضا خان عام 1921... وعندما نجح في إخضاع القبائل الثائرة , توج نفسه "شاها" في 1926 . وفي 1941 إحتل الروس والإنكليز إيران وخلعوا الشاه, وولوا مكانه إبنه " محمد رضا بهلوي".
   لقد إستمتع الشاه بالإحتفالات التي لم يسبق لها مثيل ولن يكررها ملك غيره, ويبدو أنه إقتنع فعلاً أنه وارث عرش عمره 25 قرناً , مع أنه إبن ضابط قام بإنقلاب في ظروف دولية معينة , منذ خمسين سنة , وأبوه الضابط رضا خان, لم يحمل لقب شاه إلا في عام 1926 26 فهو الثاني في مملكة لا يزيد عمرها عن نصف قرن وليس 2500 سنة .(يتبع)

______________________________


المعتدلون يصالحون الحكم

(الصياد لروميو كرم لا تاريخ)
(مصحح)

   يبدو للمراقبين ان الشاه سينجح في شق المعارضة, رغم تأكيد آية الله شريعة المداري في حديث له في الاسبوع الماضي, قبل تشكيل الحكومة, بأن اهدافا واحدة تجمعه والامام الخميني. علما بأن وضعه وهو الذي يعيش في ايران, يختلف عن وضع الخميني الذي يعيش في منفاه بالعراق. والامام المداري ينفي أن يكون من دعاة العنف: "فأنا ضد العنف بجميع أشكاله... وكنت اطلب دائما من اتباعي ان لا يلجأوا الى وسائل العنف.
ومن اجل الوصول الى اهدافنا نستخدم فقط وسائل سلبية كالاضرابات والتظاهرات, واقفال الاسواق وغيرها من وسائل الكفاح السلمي".
   ولم يكن الامام المداري يعتقد بأن ثمة مجالا للتفاهم مع النظام, طالما لم ترضخ السلطة لمطالبه التي تتلخص, حسب قوله, بتطبيق دستور العام 1906 بحذافيره, لكن اعتقاد الامام المداري قد يتبدل, ان لم يكن قد تبدل فعلا الان, بعد ان جاءت حكومة جديدة, التزمت بتنفيذ معظم هذه المطالب.
   ومما يشجع المراقبين على الاعتقاد بأن المصالحة لا بد أن تتم بين المداري والسلطة, هو تركيز الاول على عجز الحكومة السابقة, دون المساس بالنظام. فالحكومة في رأيه, وتبعا للدستور, هي المسؤولة عن سير الامور في البلاد. وان استمرار معارضته لها, كان لعدم اجرائها تغييرات اساسية في سياستها.
   الا ان اعمال العنف تجددت في بعض المدن الايرانية في الايام الاخيرة التي تلت تشكيل الحكومة الجديدة. وهذا ما يحمّل بعض المراقبين على الاعتقاد بأنها ستواجه مشاكل كثيرة. وان اعادة الاستقرار الى البلاد, لا يتم فقط بالتفاهم مع جناح المعارضة المعتدل. فالشيوعيون وان كان تأثيرهم ضئيلا, غير أنهم قادرون على تفجير العنف في البلاد. لكن هذا العنف يمكن السيطرة عليه عن طريق شق المعارضة من جهة, وتحقيق اصلاحات ترضي الجماعة الدينية, وابعاد الجيش عن الاحداث.
   الشاه, بالطبع لا يرى الخطر من الداخل فحسب. فبعض الانظمة من حوله هي التي تزيد من الخطر الداخلي. وهو على قناعة بأن الاستراتيجية السوفياتية تسعى للاقتراب من منابع النفط العربي. وقد أقام السوفيات نظاما مواليا لهم في افغانستان. وأن تقدمهم نحو البحار الدافئة لا بد ان يؤدي الى خلق اوضاع صعبة في ايران.
   لكن هناك قوى تحاول احباط مساعي السوفيات لتجنيب منطقة الخليج أزمات قد تؤدي الى تغيير وجه العالم, ولعل تغيير نظام الحكم في ايران كفيل وحده, حسب رأي الشاه, بتغير وجه العالم. ولعل أعمال العنف الاخيرة التي رفعت عدد الضحايا الى ما يزيد عن 500 منذ ثمانية أشهر, وبعد حريق سينما ركس بعبدان, حمل بعض القوى الخارجية على دعم الشاه. وبات المراقبون مقتنعين بأن الاوضاع الدولية السائدة لا تسمح بتغيير نظام الحكم الايراني. بل ان الابقاء على حكم الشاه ضرورة ولو كان يوجب هذا الابقاء التضحية ببعض المبادىء المثالية لحقوق الانسان. وثمة قناعة ايضا لدى المراقبين بأن الولايات المتحدة لم تعد مستعجلة لدفع الشاه الى تطبيق مبادىء حقوق الانسان في ايران, اذا كانت هذه المبادىء ستؤدي الى استغلال اليسار الايراني لها.
   خطر سيطرة اليسار على ايران, ليس هاجسا ايرانيا, او اميركيا, فحسب, بل هو هاجس عربي ايضاً, كما هو هاجس القوى الغربية كلها بالاضافة الى الصين التي تسعى الى تطويق جميع محاولات الكرملين "للهيمنة" على العالم. فالتحرك العربي جاء عبر السعودية, التي وجهت نداء الى العرب والعالم الحر لدعم نظام الشاه. والسعودية التي تعتبر حامية الاسلام, والتي تؤيد تطبيق الشريعة الاسلامية حتى في ايران, خشيت ان تستغل موجة العنف لغير صالح الاسلام, وهي بالطبع كانت تعارض الموجة الغربية التي شجعها نظام الحكم في ايران.
   غير انها وجدت نفسها امام حل واحد هو دعم الشاه, لان انهيار حكم الشاه لن يجعلها في مأمن من عواصف اليسار وخاصة الشيوعية, رغم ان التنافس على تولي حماية الخليج بين البلدين هو على أشده, لكنها فضلت, انطلاقا من الواقع, أن تدعم حكما مناهضاً للشيوعية, يتمتع بالاستقرار, على دعم تحرك اسلامي مجهول المصير والنتائج, في ظل المناخات القائمة حاليا.
   وقد جاءت المعادلات السياسية الدولية لتحمل الى الشاه صداقة جديدة, هي صداقة بكين, وبالتالي دعما لنظامه. وقد تجلى هذا الدعم في الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الصيني هوا كوو فينغ الى ايران, والتي استمرت لمدة ثلاثة أيام. فالصين تشارك الولايات المتحدة والسعودية قلقهما من "الهيمنة" السوفياتية. وبكين تخشى ان يؤدي التغير في ايران, الواقعة على حدود الاتحاد السوفياتي, الى اتساع النفوذ السوفياتي, في وقت تسعى فيه, أي بكين, الى تطويق السوفيات, كونها ترى فيهم قوة استعمارية.
   لكن الاتحاد السوفياتي نفسه, لم يتخذ موقفا واضحا من أعمال العنف في ايران. فالمراقبون في موسكو يرون ان هذا التكتم من جانب السوفيات هو نتيجة تخوفهم من ان يركبوا مغامرة قد تنتهي لصالحهم. فالحزب الشيوعي الايراني (توده), برأيهم, ما يزال ضعيفا, وهوعاجز بالتالي عن السيطره على الموقف والامساك بخيوط اللعبة, فالمعارضة الدينية إن هي انتصرت, لا بد ان تحمل على الشيوعيين, خاصة وأن هوة الخلاف بين الطرفين المعارضين لحكم الشاه عميقة. لذلك فان السوفيات يفضلون التريث والتغاضي عما يجري,  خشية ان يضطر الشاه الى حسم الموقف مع الشيوعيين الايرانيين, بما لا تحمد عقباه.
   والمصادر الدبلوماسية في اوروبا الشرقية تتهم الولايات المتحدة, بأنها وراء ما يجري في ايران, وتقول هذه المصادر بأن واشنطن كانت مقتنعة بضرورة قلب نظام الشاه, والمجيء بضباط عسكريين يمينيين يتولون الحكم. وانه من المحتمل ان يعمدوا الى القيام بمغامرة عسكرية في الخليج لإلهاء المعارضة في الداخل.
   لكن, أيا كانت التكهنات. فالوقائع تشير الى ان الشاه ما يزال يتمتع بحرية الحركة في البلاد رهن بتطبيق الاصلاحات والمبادىء الجديدة التي أعلن عنها. والاوضاع الدولية السائدة, توحي بأن الاستقرار لا بد ان يعود الى ايران. (انتهى) 


مهمّة الطباطبائي في الجنوب:
نسف الوقيعة بين الشيعة والفلسطينيين

المصدر: الكفاح العربي في:  15/1/79 (مصحح)

   "ارادوا ان يقيموا فجوة بين الشيعة والمقاومة الفلسطينية في جنوب لبنان وراهنوا على امكانية نجاح خطتهم, الا ان زيارة الدكتور صادق الطبطبائي نائب رئيس الحكومة الايرانية والناطق الرسمي حالت دون ذلك. وساعدت على عودة الامور الى حالتها الطبيعية. بعدما افهمهم ان الدفاع عن الجنوب لا يمكن ان يتأمن الا من خلال التعاون الشيعي – الفلسطيني..
   هذا ما قاله العميد سعد صايل "ابو الوليد" مدير العمليات العسكرية في اللجنة المركزية لحركة "فتح" ... لعدد من الصحافيين. بعدما شارك في الاجتماع الذي عقده الجنرال ارسكين قائد قوة الطوارئ الدولية مع قيادة حركة "فتح" في الاسبوع الماضي في مقر العلاقات الخارجية.
   وفسرت الاوساط السياسية قول "ابو الوليد" المعروف بأنه لا يتعاطى مع الصحافيين في الامور السياسية ويفضل كعادته عدم الخوض فيها بأنه تقييم مباشر للاجتماع الذي عقد بين الدكتور الطبطبائي وياسر عرفات رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بحضور ابو جهاد وابو الوليد وابو الزعيم .. والذي تركز البحث حول قضية اساسية وهي التصدي للمحاولات الهادفة الى زرع بذور الشقاق بين المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى والمقاومة الفلسطينية في جنوب لبنان والعمل على توحيد الموقف الفلسطيني – الشيعي باعتباره يشكل الضمان لمواجهة المؤامرة الصهيونية – الامبريالية التي تطال الفلسطينيين كما تطال الشيعة على حد تأكيد الدكتور الطبطبائي في خطبه التي القاها خلال جولته التفقدية لقرى الجنوب والمخيمات الفلسطينية..
   وهذا يعني ان زيارة الدكتور الطبطبائي للبنان حققت اهدافها وجاءت في محلها في ظل توارد الاشاعات والاخبار عن ان الصدام بين الشيعة في الجنوب والفلسطينيين بات متوقعاً بين يوم واخر, وما يمكن ان يشكله هذا الصدام من ورقة ضغط تستخدم لمواجهة الوجود الفلسطيني في جنوب لبنان, والعمل على توظيفها في اطار مطالبة البعض بضرورة جلاء الفلسطينيين عن الجنوب..
   واذا كان الدكتور الطبطبائي قد نجح في مهمته بعيداً عن الاضواء, فإن عرفات حذر بدوره من "ان المؤامرة لا تزال بالمرصاد للثورة الايرانية, ويهمنا ان تبقى الثورة في ايران, لأن خميني جديد يكمل ما بدأه الامام آية الله الخميني..
   وقد رد الدكتور الطبطبائي قائلاً: "اننا في ايران نعتبر بأن اسرائيل هي مصدر كل خطر وشر ويجب التعاون مع كل الفرقاء لضرب هذا الشر المطلق فمصيرنا واحد, ولا خيار امامكم الا مواجهة المؤامرة الصهيونية وانتم في خندق واحد الى جانب الشيعة في جنوب لبنان..."
   زيارة الدكتور الطبطبائي هي الزيارة الثانية التي يقوم بها مسؤول ايراني للبنان خلال اقل من اسبوعين اذ سبقه الى بيروت السيد حسين الخميني حفيد الامام الخميني الذي وقف على كل ما يجري في الجنوب ونصح بالتفاهم الشيعي – الفلسطيني لأن سقوط هذا التفاهم يدعم موقف اسرائيل واعداء الامة العربية والاسلامية..(انتهى)


الخاسر الاكبر ...اميركا

(الجمهور 15 شباط 1979) بقلم ابراهيم الحلو

   قلنا ان هدم النظام القديم قد تم وبسهولة نسبية وسرعة قياسية. بقي البناء. اقامة النظام الجديد. وتلك هي المهمة الاصعب.
    وثمة سؤال أخير: اذا كان أية الله الخميني هو الرابح الاول فمن هو الخاسر الاكبر؟ الشاه؟ لا.. فالرجل, كما قال عنه مضيفه العاهل المغربي الحسن الثاني, "قد سئم الحكم وتعب منه بعد أكثر من ثلاثين سنة. وإذا كان يريد العودة الى ايران فليبقى فيها ستة أشهر أو سنة ينظم شؤون الدولة ويسلمها لغيره ثم ينسحب عن المسرح السياسي نهائياً".
   وهذا صحيح في أغلب الظن. بل ربما كان لسان حال الشاه نفسه إذ ليس ما يحمل العاهل المغربي على الادلاء بهذا الكلام, والشاه ضيف عليه, اذا لم يكن الشاه راغبا في اعلانه.
    الخاسر الاكبر هو, بلا أي ريب, الولايات المتحدة الاميركية. وذلك لسببين على الاقل:
1 – لأنها ظهرت في عيون جميع الناس بمظهر الصديق الذي لا ينفع عند الضيق ولا يمكن لحلفائها بعد الان الاعتماد على مساعدتها إذا ما احاقت بهم الاخطار (ينسب المراقبون هذه الظاهرة الى تردد الرئيس كارتر وضعف أجهزة وكالة الاستخبارات المركزية).
2 – لأن مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الاوسط سوف تتعرض لخطر كبير لأن أحدا لا يتوقع ان تمد اليها " الجمهورية الاسلامية" يد الصداقة بعد مواقف واشنطن المعادية التي دعمت الشاه ثم بختيار (ولو بالكلام..) حتى اللحظة الاخيرة.
      أما ما رددته الانباء عن ارسال وحدات مشاة البحرية الاميركية (المارينز) على عجل  الى تركيا لتكون على أهبة التوجه الى طهران بحجة واهية هي "حماية السفارة الاميركية عند الاقتضاء" أما هذه المبادرة – اذا صحت – فلم يأخذها أحد مأخذ الجد, ذلك لان واشنطن, اذا كانت تنوي التدخل مباشرة في ايران, فقد تأخرت كثيرا وكثيرا جدا. يضاف الى ذلك ويناقضه, ما تردد من ان ادارة الرئيس كارتر, تقوم حاليا, باتصالات مع بعض كبار انصار الخميني املا في ان تعوض ما فاتها, مظهرة الليونة نحو المعارضة الدينية المنتصرة. ويقول المقربون من البيت الابيض ان الحكمة الاميركية تكب على "درس الوسائل التي تسهل لها التقرب من الوضع الجديد في ايران والتناغم معه". الا ان احدا لا يؤمن بأن هذه المحاولات المتأخرة سيكتب لها النجاح وبخاصة مع رجل اشتهر بالتصلب والعناد كآية الله الخميني..
 يبقى امام الولايات المتحدة خيار وحيد بعد ان خسرت ايران – وهي خسارة جسيمة لا شك – هو ان تعمل على تدعيم جبهة موالية قوية اخرى في المنطقة كتعويض عما خسرته في طهران. ولكن اين هي تلك الجبهة؟ ومن هي الدولة أو الدول التي ما زالت تعتمد على الدعم الاميركي؟
أما موسكو فقد بدت في حرج شديد طوال الايام الحاسمة الاخيرة. فهي, من ناحية, لا تستطيع تأييد حكومة بختيار التي هي امتداد لنظام الشاه, ومن ناحية ثانية لا ترتاح كثيرا لحركة دينية كحركة الخميني ليس بوسعها تأييددها علنا لئلا يبدو هذا التأييد تنكرا للاديولوجية الماركسية في الجوهر.
   واعتقد الكرملين ان القاء تبعة كل ما حدث على عاتق" القيادة الرجعية للجيش الايراني التي خططت للقيام بانقلاب عسكري" يصلح لكي يكون المخرج الصحيح من المأزق..
     وخاسر اخر هو اسرائيل.
   فالدولة العبرية لم تخسر البترول الايراني وحسب بل دعم نظام الشاه لسياستها من جهة, وتخوفها على مصير اليهود الايرانيين, من جهة اخرى. وقد بادرت تل ابيب, بعد ثبوت انتصار المعارضة الدينية, الى المطالبة بالسماح لليهود الايرانيين " بإرسال أولادهم الى اسرائيل" بعدما تناقلت الوكالات نبأ احتلال الجماهير لمركز البعثة الديبلوماسية الاسرائيلية في طهران ورفع علم فلسطين عليه مع لافتة حملت عبارة: هنا سفارة فلسطين!
ومعروف ان جبهة التحرير الفلسطينية كانت في طليعة الذين أيدوا ثورة آية الله الخميني!(انتهى)


لقاء الشيعة والشيوعية
.. ودول الخليج العربي

الحوادث - المصدر 16/2/1979
محمد السماك

أين تبدأ الشيعية... وأين تنتهي الشيوعية في أحداث إيران؟
إن الجواب عن هذا السؤال ضروري ليس فقط لمعرفة ماذا يجري في إيران.. إنما لمعرفى مدى آثار هذا الذي يجري.. ومدى تأثيراته على المنطقة العربية والإسلامية المحيطة بإيران من الغرب ومن الشرق على حد سواء.
نظرياً هناك قاعدتان تنطلق منهما الشيعية السياسية في إيران:
القاعدة الأولى هي أن الشيعية كموقف سياسي، قامت أساساً على معارضة السلطة الحاكمة. وقد احتفظت الشيعية بهذه النزعة منذ القرون الأولى للإسلام. ولم تزل هذه النزعة التي تلازمها حتى الآن، تبلور نفسها في التطلع الشجاع نحو السلطة باسم الإسلام... ومن أجله.
ومنذ عام 1963 وآية الله الخميني يقول عن الشاه أنه يزيد بن معاوية القرن العشرين. ويزيد هو الذي أمر بقتل الإمام علي كرم الله وجهه.
أما القاعدة الثانية فأساسها اعتبار الأرستقراطية مظهر من مظاهر الكفر. أو أن الكفر مظهر أرستقراطي، كما يقول "خطيب" الثورة الفرنسية روبسبير. فالثروة الشخصية الطائلة للشاه والتي تقدر بأربعة آلاف مليون دولار. والثروات الضخمة التي تملكها عائلة الشاه... وكذلك رجال السلطة الذين عملوا معه... ورجال البلاط وسائر المقربين... مقابل الفقر المدقع الذي ينخر عظام العائلة الإيرانية العادية. هذا الواقع المأساوي ما كان له أن يجد وسيلة للتعبير عن نفسه أفضل من الانفجارات التي تهز عرش الشاه، وتسعى إلى الإطاحة به نهائياً.
ونظرياً أيضاً، فإن هناك قاعدتين تنطلق منهما الشيوعية في إيران.
القاعدة الأولى هي ركوب موجات المعارضة الوطنية – وحتى الدينية -  للوصول إلى السلطة، في مجتمعات يستحيل فيها اعتماد الأسلوب الديمقراطي – كما تفعل الأحزاب الشيوعية في فرنسا وإيطاليا مثلاً – لتحقيق طموحاتها السياسية.
القاعدة الثانية هي أن موقع إيران على حدود الاتحاد السوفياتي، وعلى طول الخليج العربي، يمكن أن يجعل منها، إما جسراً... أو سداً في وجه التطلعات السوفياتية نحو النفط والغاز... والمال... والأسواق المفتوحة.
ولقد جعل فوستر دالس وزير خارجية الولايات المتحدة من إيران سداً عالياً بإقامة حلف المعاهدة المركزية من إيران وتركيا وباكستان: (انسحبت العراق في عام 1958 بعد الإطاحة بالعهد الملكي" ثم بربط هذا الحلف، بحلف شمال الأطلسي من جهة، وبحلف جنوب شرق آسيا من جهة ثانية.
ورغم اهتمام الاتحاد السوفياتي في الوقت الحاضر بإقامة حزام من الدول المرتبطة به حول الصين، فإن قادة الكرملين يعتمدون على الأحزاب الشيوعية المحلية لتحطيم الأسوار التي أقامتها الولايات المتحدة حولها. وتعتبر أفغانستان أحد أبرز وأحدث الأمثلة على ذلك.
من هنا فإن لقاء الشيعية مع الشيوعية. إذا كان هناك من لقاء ما ضمن الجبهة الوطنية، فهو لقاء تكتيكي يقوم على أساس "عدو عدوي صديقي". فكلاهما يعتبر الشاه عدواً.
الشيعية تعتبره يزيد الثاني...
والشيوعية تعتبره حليف أميركا الأول – بعد إسرائيل.
وإذا كانت الشيعية حريصة على إسقاط الشاه، فإن الشيوعية لن تجد قاسماً مشتركاً أفضل من ذلك لتخوض المعركة ضده.
وبانتهاء هذه المعركة، المحسومة أساساً، ينتهي هذا اللقاء. فتبقى الشيعية حركة دينية سياسية. ويعود الشيوعيون إلى شعار "الدين أفيون الشعوب" مرة أخرى.
وخطأ الدول العربية في الخليج بصورة خاصة، هو أن هذه الدول تطرح أحداث إيران أما من زوايا غير مضيئة، وعبر مسالك مقفلة ودهاليز لا تعرف نهاياتها. وأما من خلال المبالغة في التبسيط العاجز. فكما أنه من الخطأ الاعتقاد أن سقوط الشاه يعني بالضرورة أن البديل عن عرش الطاووس هو الحزب الشيوعي. كذلك فإنه من الخطأ الاعتقاد أن إنقاذ الشاه يعني إنقاذ إيران... وإنه لم يبق للإنقاذ سوى العصا الأميركية تتعلق بها شعوب المنطقة الغارقة في بحر من الخوف والقلق.
لقد تعلمت الشيعية كما تعلمت الشيوعية دروساً وعبر كثيرة من تجربة تحالفهما الأول خلال الثورة الدستورية بين عامي 1905 و1911. وأول هذه الدروس والعبر. هو أنه مع استمرار الشاه على رأس الدولة، فإن عودتهما الطبيعية والحتمية إلى مواقع خلافاتهما الجوهرية ستقوي من الشاه مرة أخرى... وستجعل منه "ذئباً مقطوع الذنب" كما حدث بعد تفشيل حركة محمد مصدق.. وكما حدث قبل ذلك في عام 1925.
وإذا كانت الدول العربية بحكم معاناتها للاستعمار الأجنبي، غائبة عن دروس أحداث إيران التاريخية، فإن حضورها الحالي في قلب هذه الأحداث يحملها مسؤوليات جسام ليس من السهولة، ولا من الحكمة إلقائها على عاتق الولايات المتحدة، ومن ثم الاستلقاء "في ظلال الزيزفون"! (انتهى)


المنتصر..آية الله..

إيران..الأمس واليوم ..وغداً

(رياض خالد مجلة الموقف)

يمكن القول، أن هناك ثلاثة اتجاهات ، إنطلاقاتها مختلفة ، ولكنها تصب جميعها في إطار ما يجري في إيران اليوم، لتحاول كسب أكبر قدر ممكن من الأوراق الى جانبها، ضمن عملية بناء نظام ما بعد الشاه، إذ أن الأمر المحتوم أو المفروغ منه لدى جميع المراقبين ، إن إقامة الشاه المؤقتة في المغرب ، ستكون من نوع المؤقت – الدائم ، سواء في المغرب أو مصر أو الولايات المتحدة لاحقاً.
وهذه الإتجاهات الثلاثة ، التي تبرز على سطح الساحة الإيرانية هي:
1-  المضيق الخطر نوعاً والحذر كلياً الذي تسير في نطاق عملية التغيير في بلاد فارس من الملكية الى الجمهورية .
2-  الدروس التي يحاول البعض إستنباطها من ثورة إيران وخاصة على الصعيد العربي.
3- السباق الدولي لربح فرس الرهان في إيران المستقبل.
* التغيير في إيران
   لقد ذهب الإمبراطور محمد رضا بهلوي شاه ايران وسليل  حكامها منذ مئات السنين والطامع لجعلها أكبر قوة عسكرية في العالم الثالث .وثالث قوة في العالم كله وصاحب نظام السافاك، بفعل آية الله الخميني ذلك الإمام الديني المنفي من إيران منذ خمسة عشر عاماً والذي تحرك ضد ملك الملوك من خيمته في باريس ليصنع أول وأبرز ثورة جماهرية مستقلة في عصرنا الحديث.. والسؤال هنا  هل يذهب شاهبور بختيار رئيس وزراء الشاه المبعد بفعل الإمام الخميني ايضاً. 
   هناك من يقول أن وجود بختيار الآن في رأس السلطة في إيران . هو لمجرد القيام بعملية إبتزاز من قبل الولايات المتحدة الأميركية ضد الخميني وإن الخيار الحقيقي اليوم ليس بين الإمام وبختيار ولكنه بين الخميني والجيش الإيراني ولكن من يدعم الرئيس بختيار في الوقت الراهن؟
    من الطبيعي أن ظلال أو تأثيرات الشاه لم تعد تنفع رئيس الوزراء الإيراني لأجل فرض سلطته أو جعل كلمته أكثر واقعاً خاصة مرافقيه تغطية صورة كبيرة للشاه بستار أبيض ، أي أن بختيار قد لمس أن إستمراره خلف شرعية الشاه عملية خاسرة تماماً . ومن ناحية أخرى فإن عدة مصادر تشير الى أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تدعم مواقف بختيار وهي التي تسعى لتثبيت حكمه كبديل للشاه وكحل وسط بين حكم الخميني وحكم العسكر الذي تدرك أمريكا أنه سرعان ما قد يزول بإنقلاب عسكري آخر قد لا نعرف مداه ونوعيته لذلك يقول المراقبون أن أمريكا في سبيل دعمها لبختيار نفست اللهفة العسكرية التي كان يقودها الضباط من الطيران والبحرية الموالية للشاه بأن أرسلت لهم مهدئاً متجسداً بالجنرال روبيرت هايزر ثم عمد وزير الخارجية الأمريكي سايروس فانس الى الطلب من العسكر الإيراني أن يدعم حكومة بختيار وتساءلت بعض الأوساط عن هذا الدعم الأمريكي لبختيار ففسره بعضهم على أنه تهيئة لقيام الثورة المضادة في وجه الثورة الإسلامية التي يقودها الخميني ولكن هل سيبقى دورالجيش نائماً ومحصوراً بدعم بختيار أيضاً يقول بعض المراقبين أن هدف أمريكا الآتي من تجميد حركة الجيش يعود الى عمله لأن الجيش إذا قام بإنقلاب عسكري في هذه الأيام فإن ذلك سيؤدي الى تقسيم خاصة وأن هنالك مصادر تقول أنه قد ثبت عملية إعدام عدد ضباط من مختلف أسلحة  القوات العسكرية الإيرانية لمشاركتهم في التظاهرات وبعد التقسيم ستصل إيران الى حرب أهلية بين الملكيين والجمهوريين وهذا لن ترضى عنه أمريكا لأنه في حال وقوعه ويسبب قرب تأثيرات الإتحاد السوفياتي على إيران سيؤدي الى التنافس المباشر بين القوتين الأعظم .
   لذلك فإن دور الجيش محفوظ الى حين تصدي بختيار بالثورة المضادة لثورة الخميني خاصة اذا إستطاع رئيس الحكومة الإيرانية إجتذاب عدة قوى الى صالحه إن بالفعل الإغراء أو التورط وفي هذه الفكرة وصل المراقبون الى شبه تصور لمستقبل الوضع الإيراني على الشكل التالي .
1- قيام حكم عسكري بلا دعم شعبي
2- قيام حكم عسكري بمعاونة بعض القوى يتبني المطالب الشعبية  ويتوجه في مساراته بسياسة راديكالية.
3- قيام حكم شعبي بوجود معارضة عسكرية قوية تتحين الفرص للإنقضاض على هذا الحكم مما يجعله مؤقتاً الى حين تسمح  الظروف .بإعادة الى إيران ليحكم الشعب بهذه المرة ضمن نظام" ملكي دستوري ".
  ولكن , وفي مقابل كل هذه التصورات والإحتمالات ، فإن عدداً كبيراً من المراقبين ، يؤكدون ان الإمام الخميني لم يستعمل كل الأوراق التي بيده حتى الآن بل أنه جس النبض ببعض مما يحتفظ به، كإعلانه أنه أعطى الإذن بسلوك الجماهير للكفاح المسلح، أو بتحريك عدة أفراد من الجيش.
  ويقول نفس هؤلاء المراقبين،إن أكثر مرة بدت فيها قوة الإمام الخميني ، كانت في الفترة الأخيرة ، حيث كثرت تطلعات القوى المحلية المختلفة والقوى الكبرى الدولية للوثوب الى السلطة بعد رحيل الشاه.
  فقد إستطاع الإمام، أن يقيل بختيار وهو ما زال في باريس ، إذ انه وضع الحكومة الإيرانية أمام أحد أمرين : أما أن يستقبل بختيار وهو مستقيل، أو يعود لإيران ليقيل بختيار، وقد يصدر هذا العدد، ويكون الإمام الخميني في قلب طهران يقود الشعب ، وقد يكون بختيار قد قدم إستقالته.
*  أثر الثورة الإيرانية على الوضع العربي
 مما لا شك فيه ، في هذا المجال ، إن الإمام الخميني قد صرح أكثر من مرة ، أن الجمهورية الإسلامية التي سيقيمها ستتصدى  لإسرائيل ، وستقف الى جانب الشعب العربي الفلسطيني في كفاحه العادل من أجل العودة الى أراضيه وتقرير مصيره. وقد قال الإمام الخميني لوفد من المقاومة الفلسطينية ذهب ليناشده المساعدة بإسم القدس، إنه سيقاتل إسرائيل ليس من أجل القدس فقط ، بل من أجل حيفا ويافا أساساً بالإضافة الى ذلك ، فإنه قد أعلن أن الجمهورية الإسلامية ستقف الى جانب دعم الحق العربي في النضال ، وستساند قوى المواجهة العربية.
  ولكن هناك عدة أراء تصدر عن قوى ، تصب بأغلبها في محاولة لنقل صورة الصراع في إيران، منثورة تحررية وطنية الى مجرد ثورة إجتماعية ، يقوم بها اليسار ضد اليمين .. ومن هذه القاعدة يحاولون سحب هذا المنطق على الواقع العربي ، فيبنون تحليلاتهم وإستنتاجاتهم على اساس أن رياح التغيير الآتية من طهران ، ستتجمع آثارها أولاً, في بعض الدول العربية النفطية والخليجية، متجاهلين الأثر الأول والأكبر والأكثر طلباً والحاحاً ، على صعيد النضال العربي، ذلك الأثر الذي سيمس إسرائيل من جراء عدة متغيرات إقتصادية وسياسية وعسكرية ستنجم عن قيام جمهورية آية الله الخميني الإسلامية.
* السباق الدولي الى إيران
- وقد تمحورت الإتجاهات الدولية حول ثورة إيران، على عاملين إثنين يخدمان معاً ، مصالح القوى الكبرى في العالم الثالث ومنطقة الشرق الأوسط وهما:
1- إتهام ثورة الإمام الخميني ، بأنها مدعومة أمريكياً بدليل أن الشاه لم يسافر الى الولايات المتحدة الأميركية ، إلا للتعبير عن سخطه على حكومة واشنطن الساعية للتقرب من ثورة الخميني وبدليل ما ذكرته مجلة" تايم" الأميركية ، بإن الشاه حمل الرئيس كارتر مسؤولية إنهيار إيران، وبأن كارتر لم يأت في أو مؤتمر صحفي عقده بعد رحيل الشاه على ذكر الأمبراطور الإيراني بأية كلمة.
2- الحكم على ثورة الإمام الخميني بالفشل المسبق ، تحت مظلة القول ، إنه لا يمكن لأية قوة تغييرية أن تنجح بالوصول الى الحكم ، إلا بدعم أحدى الدولتين الأعظم ، وبما أن الشاه أمريكي ، وبما أن الخميني ليس شيوعياً ، لذلك فإنه سيفشل .
ويقول المراقبون ،إن السبب في تمحور إتجاهات العملاقين حول هذين العاملين يعود إلى خشيتهما معاً من آثار ونتائج الجمهورية الإسلامية الإيرانية في حال قيامها.
- فالولايات المتحدة الأميركية ، قد تعمل على سحب قرارها السياسي بدعم الشاه ، وقد تعمد الى رفع يدها ومظلتها عن رئيس الحكومة الحالي شاهبور بختيار، ولكنها غير مستعدة ضمن مخططاتها، إن تسحب قرارها الإستراتيجي بزرع أكبر قدر من خبرائها ومحطات إستماعها وقواتها في إيران بوجه المعسكر الشيوعي.
- والإتحاد السوفياتي ،يرى من ناحية ، أن قيام جمهورية اسلامية تحررية على حدوده، سيثير النزعة الإسلامية التي يسيطر عليها، ولا يستبعد بعد ذلك ، إن تبدأ هذه الجمهوريات بالمطالبة بحق الإستقلال وتقرير المصير وإقامة نظامها الإسلامي القومي المستقل.
  وتقول بعض المصادر ، إن موسكو تعمل في إطار مخططها ،على التحكم بمنافذ العالم الثالث، فلقد كسبت حتى الآن ، أفغانستان واليمن الديمقراطية وبعض الدول العربية. بالإضافة الى أثيوبيا وعدة ثورات تهيئها للسيطرة على الحكم وإذا جاءت الثورة الإيرانية ، لتفتح ثغرة في المخطط السوفياتي ، فإن موسكو ، ستعمل جهدها بالإتجاه المعاكس، لإحتواء هذه الثورة ، كي تستطيع تمتين الإقفال التي ترسم أوضاعها على حدود المنطقة ، ولا يستبعد المراقبون ، أن تقوم ثورة مضادة من القوى اليسارية الإيرانية ، فيأتيها الدعم من الإتحاد السوفياتي عبر أفغانستان أن بواسطتها.
  وأيضاً ، في مقابل كل هذه الترجيحات الدولية ، يؤكد العدد الكبير من المراقبين، إن القوة التي تدعم الخميني ، هي قوة الشعب التي أثبتت الثورة انه لا يمكن الإستهانة بها على الإطلاق ، بعد الإنجازات الضخمة والغير متوقعة التي صنعتها حتى الآن، ولذلك ،فإن نظام الحكم المقبل في إيران ، لن يكون أسلوبه محدداً بمدى رضى الدول الكبرى عنه ، بل بمقدار مواقف هذه الدول الكبرى عنه ، بل بمقدار مواقف هذه الدول من قضية تحرره وإستقلاله القومي ، بحيث سيجري الفرز على هذا الأساس وبالتالي ، سيكون التوجه السياسي الداخلي والخارجي على قاعدته.

الإمام الخميني يحدد أسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية

   (أ.ل)- تعيش إيران في الظرف الراهن, مرحلة إنتقال تاريخية, من عهد تمتد جذوره الى مئات السنين , قادته إباطرة أسرة بهلوي, الذي تعاقبوا وراثياً على إمتلاك عرش ملك الملوك, الى عهد , لا يؤمن سوى بالعرش الإلهي الأعلى,ولا يعتقد سوى بسلطة الشعب , ولا يتحرك إلا بارادة مستقلة عن الجميع, ذلك هو الضوء الباهر الذي غطى إيران بعد ظلمة قرون طويلة الملكية المطلقة ,والذي إنحرف بها عن معتقدات شعبها بالحرية والمساواة , ليحولها الى أداة طيعة في يد الإستعمار وليوقعها دائماً في أحضان المحاور الدولية . إن أيران تنتقل اليوم, من سلطة رجل كان يمشي على الذهب ويتبوا عرشاً إختلف الرواة في تقدير قيمة المجوهرات والأحجار الكريمة التي ترصعه , الى سلطة رجل رضى بالجلوس إلا على حصيرة بسيطة ليثبت أنه من هذا المنطلق , إستطلاع أن يشعل أحد أبرز الثورات في عالمنا المعاصر.
  وينتقل اشعب الإيراني من لسع سياط السافاك , وإحتكار وتحكم الشركات الأجنبية في بتروله وموارده ,ومن خدمة دعم إسرائيل وجنوب أفريقيا والإرتماء بالحضن الأمريكي , الى مرحلة القضاء على الإضطهاد , والتحكم بالموارد والمنتجات وبناء الإقتصاد على أساس وطني وإسلامي , ومحاربة العنصرية بإشكالها الصهيونية والفاشية , وإمتلاك زمام الأمور الوطنية بالإرادة الإستقلالية الحرة.
   فهل ينجح آية الله الخميني , وهل ينجح الشعب الإيراني معه, في قطف ثمار الثورة التي دفع ثمنها غالياً , بإقامة الجمهورية الإسلامية التي يعتبرها هدفه المنشود؟ هذا هو السؤال الذي ينتظر الإجابة في المرحلة المقبلة التي سيقودها الإمام الخميني من الداخل بعدما قاد مرحلة إسقاط الشاه من الخارج ونجح فيها.
   وبإنتظار ذلك فإن النظام الذي ستسير وتتطور وفقه. الجمهورية الإسلامية المتوخاة , قد سبر غوره أغلب المراقبون , وذلك من مراجعة ودراسة تصريحات وأقوال ومواقف آية الله الخيمني , وإذا كان هذا الأمر الثائر , قد قطع الخطوة الأولى على طريق إقامة الجمهورية في إيران فإن الخطوات المتبقية , يصبح توقع تنفيذها أكثر ترجيحاً , ولذلك فإننا من خلال التصريحات والمواقف التي أعلنها الإمام الخميني ,سنحاول تحديد تصور للبرنامج الإسلامي الذي سينهجه الحكم المستقبل في إيران . والذي سينتج عنه بلا  شك , الدستور الأول للجمهورية الأولى في البلاد التي صبنع شعبها فقط كل الثورة .
الثورة الإيرانية ومفهوم النضال
  يقول الإمام الخيمني , إن الثورة التي يقوم بها شعب من الشعوب , إنما تأتي نتيجة عصور طويلة من القهر والإستعباد, يكسب الشعب خلالها ,من تجاربه الثورية , خبرات مختلفة , تقوده الى النصر الأكيد.
ففي حديث أدلى به الى أحدى الجرائد اللبنانية يقول الإمام الخميني : مما لا شك فيه ان الهزائم التي تصيب الشعوب , خلال نضالها الطويل على طريق غدها الافضل ,تزودها بخبرا وتجارب هي من شروط النصر ,على أن النضال الإيراني , في هذا الطور , يتخذ صورة أخرى , أنه يتخذ طابعاً إسلامياً مئة في المئة , أن شعب الإسلام يقوم هذه المرة, ليدافع عن الإسلام بكل قوته, وليمحو آثار النظام المعادي للإسلام الذي كان يقيمه الشاه, ولذلك فإن الشعب مستعد للتضحية بكل شيء . ومن الطبيعي أن يكتب النصر لنضال هذا طابعه, فهو نضال يخوضه الشعب ليس فقط لإستعادة كرامته وحقوقه المنهوبة, بل قيل ذلك لإستعادة وتأكيد هويته , فيوجه عدو شرس حاول أن يدمر له هذه الهوية ووجوده العقائدي الإسلامي , وإننا على ثقة من ان الهزيمة ستحيق بهذا العدو نتيجة لنهوض الشعب ووعيه.
أدوات النضال وهدفه:
  ويوضح الإمام الخميني أن مختلف طبقات الشعب صاحبة المصلحة في التغيير , هي التي تقود العملية الثورية من أجل إقامة جمهوريتها الإسلامية فيقول: " إن هدف النضال الحالي في إيران , هو إقامة جمهورية إسلامية تشمل كل الطبقات , من سياسيين ومثقفين وجامعيين وعمال وفلاحين وتجار أهل السوق, وتشمل بطبيعة الحال الرجال والنساء جميعاً . والشعب هو صاحب القرار في كل الأحوال , على أنه ن الضروري التأكيد , على المؤثرات الأساسية في القرار , وأهمها النسيج الثقافي للشعب والقيم الإسلامية .
  إن لهذه المؤثرات دورها الكبيرة في صنع القرار وفي تحديد ماهيته, وعلى جميع الفئات والشخصيات التي تريد حقاً خدمة الشعب , إن تنطلق من هذا الإعتبار حتى يمكن لها أن توحد الشعب , إن النسيج الثقافي والقيم الإسلامية هي التي تصنع وجدان الشعب, إن النسيج الثقافي والقيم الإسلامية هي التي تصنع وجدان الشعب , فهل يمكن توحيده بعيداً عن وجدانه ؟ وهم إذا إخطاوا الطريق سينتهون , بل إنهم سيتسببون في تفسيخ المجتمع وتمزيقه وبالتالي هدمه بسرعة".
رجل الدين والثورة:
   ويؤكد الإمام الخميني ,ان قيادة رجل الدين للثورة في إيران إنما تعتمد على الشعب , وتعمل في إطار حركته وهو يقول في ذلك : " ما يهمني أن أؤكده هنا, أن رجال الدين يعتمدون على الشعب , وبما أن رجال الدين يتحملون مسؤولية خاصة في المجتمع , فإنهم لا يبحثون عن التشكل ضمن كادر سياسي من أجل الحكم , على أن هذا لا يعني , بأي حال , أن يترك رجال الدين المجال فارغاً أمام رجال أمريكا , وسيكون رجال الدين في المقدمة بعون الله ".
الركائز الإساسية في نظام الجمهورية الإسلامية
    مما لا شك فيه , إن عدة مفاهيم ستقلب رأساً على عقب في حال قيام الجمهورية الإسلامية في إيران , كما أن هناك عدة متغيرات ستحصل على مختلف الأصعدة الداخلية من المؤسسات الرسمية الى العلاقات بين الحكم وأفراد الشعب الى التحالفات السياسية والنظرة للصراع الطبقي والموقف من المعطيات الإجتماعية الى ما هنالك من التوجهات والركائز التي كانت شبه مقدسة في عهد الشاه المبعد, وسيجري تغييرها أو إبادتها.
الموقف من النظام الملكي
ويأتي في طليعة المفاهيم التي ستقلبها الثورة الإيرانية , وتعتبرها من التاريخ المنصرم المظلم في الحياة الإيرانية ,تلك السمة التي كانت الملكية تتميز بها وتتصرف من خلالها في حكم الشعب.
ويقول الإمام الخميني في هذا الصدد :" إن نظام الشاه يخالف جوهر الإسلام , وهذا النظام أضاع جميع الحقوق المشروعة للشعب الإيراني ,حتى الأقليات الدينية تشارك في المظاهرات ضد الشاه".
الموقف من حكومة بختيار
وكما أعلن الخميني وقوفه ضد حكومة جعفر شريف إمامي عندما قال ليس هناك أي فرد يستطيع أن يتخذ قرار ضد مصلحة الشعب . سواء كان هذا الفرد عميلاً معروفاً أو كان أولئك الذين لا يريدون الخيانة . إن وعي الشعب الإيراني سيحيط كل هذه المؤامرات ، وقد أعلنت مرات عديدة أن كل من يصل الى الحكم في إيران ، مع بقاء الشاه يعتبر خائن للإسلام والمسلمين وللوطن ..فإنه أعلن أيضاً أن حكومة شهبور بختيار والتي عين الشاه رئيسها من ضمن رجال المعارضة في محاولة لتنفيس النقمة الشعبية عليها ، إنها حكومة غير شرعية وقال بهذا الصدد لقد قلت مرات عدة أن الشاه السابق كان غير شرعي، والبرلمان غير شرعي وحكومة بختيار غير شرعية ولهذا أتوجه الى الأمة الإيرانية بأن تحتاط في هذه اللحظات الحساسة والحاسمة ، أنا لا أستطيع أن أقبل برجل يدعم الشاه لقد ساعدوا الشاه في السابق ويدعمون الآن بختيار. إذا كان هذا الرجل يدعو لأنه وطني فيجب أن ينضم كما أعلم الى الرأي العام الإيراني لماذا قبل إذن برئاسة حكومة على  الرغم من قرار الأمة ؟ لماذا لا يستقيل ويقف جانباً إذا كان يقول أنه يحترم الرأي العام وقد ألقي في أحد الأيام خطبة دينية عقبة صلاة في مقره في باريس وقال فيها: "اليوم إبتلينا بمحنة أخرى هي محنة الحديث عن الحرية والذهاب الى قبر الدكتور مصدق ، نحن لا نفرق بين الشاه وبختيار فالقتل هو القتل تارة بإسم الشاهنشاهية وتارة بإسم الديموقراطية ، وتوجه الى بختيار قائلاً:" إن الإسلام ينفي الحاكم الجائر وأنت حاكم جائر والإسلام يخالف الظلم والنبي كان يحارب الظلم ثلاثة عشر سنة وأنتم تسفكون الدماء لقد قتلتم شبابنا أيها الشباب خلصوا أمتكم من الأذناب وإقطعوا أيدي هؤلاء الظلمة ،وقد أظهر آية الله الخميني إنه لا يمكن أن يتعاون مع بختيار في تشكيل الحكومة الإيرانية رغم أن بختيار قد صرح بأنه يرحب ويدعو الخميني الى المشركة في الحكومة التي يرأسها . وبلغت قمة التصدي بين الإمام الخميني وبختيار عندما طلب الأخير مقابلة آية الله في باريس ، فرفض إستقبال بختيار على أساس أنه رئيس حكومة ، وطلب منه الإستقالة أولاً، ثم عاد الى إيران ليعلن إنه بصدد تشكيل محكمة ثورية لتحاكم بختيار وأعضاء حكومته.
- الحكومة  الإسلامية
وطرح الإمام الخميني البديل عن حكومة بختيار بأن أعلن من مقره في باريس تشكيل المجلس المؤقت للثورة الإسلامية الذي ستكون مهمته الإعداد لحكومة مؤقتة قبل تكوين الجمهورية الإسلامية الإيرانية .
وقالت وكالة الأنباء الفرنسية أن أعضاء هذا المجلس خمسة وهم الدكتور يازدي عضو حركة الحريات ورئيس المنظمات الطلابية في الخارج وصادق جوتبزاديح وفازلولاح بني صادر رئيس الشعب الطلابية في اللجنة الوطنية ومهدي يازار جان عضو اللجنة الوطنية وأبرز المهندسين اللذين قادوا المفاوضات مع المضربين في شركات البترول وعسكري واحد هو الجنرال ماداني.
وصرح الإمام الخميني لصحيفة اللوموند الباريسية .."في حال وصولنا الى الحكم في إيران سنعمل على تشكيل لجنة خاصة للقيام بإجراء المشاورات من أجل تشكيل مجلس للنواب بصورة شرعية وقانونية والشعب قد أعلن حتى الآن عن إرادته في تشكيل حكومة إسلامية ولكن إذا لزم الأمر إجراء إستفتاء شعبي من الناحية القانونية لن نعارض مثل هذا الإستفتاء .وأضاف الإمام الخميني إننا سنقدم مرشحاً لرئاسة الجمهورية وسيقدم إختياره من قبل الشعب وعند إختياره سنقدم له التأييد اللازم وقوانين الحكومة الإسلامية ، ستكون قوانين ومبادئ الإسلام
- السياسة الخارجية
ويحدد آية الله نوعية السياسة الخارجية التي ستنتهجها الجمهورية الإسلامية في علاقاتها الدولية فيقول نحن نحترم حريات الشعوب الأخرة وإستقلالها ، ولا نسمح للآخرين بأن يتدخلوا في شؤوننا ويهددون إستقلالنا ولن نتعهد بغير هذا وستكون هذه هي سياستنا في تعاملنا مع الدول العظمة ولن نقف الى جانب أي طرف ضد الطرف  الآخر وستقوم العلاقات بيننا وبينها على الإحترام المتبادل ووفق لمبادئ السيادة  ويقيم الإمام الخميني موقف الولايات المتحدة الأميركية من إيران فيعلن :" إن الإدارة الأميركية والرئيس الأمريكي قد تصرفوا كأعداء للشعب الإيراني ، إذ أن وجود القواعد العسكرية الأمريكية والمستشارين الأميركيين قد أفقر  بلادنا، هذا بالإضافة الى أن الولايات المتحدة الأميركية أيدت دوما أعمال التعسف بحق الشعب الإيراني التي كان يمارسها الشاه
ويقول الإمام الخميني عن موقف الإتحاد السوفياتي من الثورة الإيرانية أن القوى العظمة تحافظ دائماً على مصالحها الخاصة ، وهدفها هو نهب ثروات الدول المستضعفة ، لذلك فهي تعارض الحركات الإستقلالية في هذه الدول والإتحاد السوفياتي يفعل ذلك بنوع خاص لأنه قلق من إحتمالات الإنتفاضات الشعبية ، بدليل الحكم الدكتاتوري القائم في داخله ،ولكن حقيقة ما يخشاه الإتحاد السوفياتي حالياً ، هو خسارة مصالحة في إيران ولهذا السبب يدافع عن الشاه .
- الوحدة الوطنية الشعبية
ويحدد الإمام الخميني ان الثورة الإسلامية في إيران هي ثورة إنسانية ، تحفظ الحريات العامة وتصون كرامات المواطنين من مختلف الديانات كما أنها تلتقي معهم جميعاً ضد الظلم الطغيان والإستبداد . وفي هذا يقول : " النظام الإسلامي يحترم الحريات الإنسانية بصورة كاملة بدون تردد ، ولكننا سنضرب بيد من حديد على كافة الحريات التي تمس كرامة الأفراد . وأما موقفنا من غير المؤمنين بالله فإننا سنحاول أن نظهر لأولئك الناس طريق الخلاص ، وإذا رفضوا إتباعه فهم أحرار في حياتهم اليومية ، إلا إذا عملوا من خلال عقيدتهم على إثارة المؤامرات ضد الشعب الإيراني فعندها سنقوم بإتخاذ الإجراءات الردعية بحقهم".
ويجيب الإمام على سؤال حول ما أشيع عن خلاف سني شيعي :"هذه شائعات نكذبها بشدة إنه صوت يخرج من أبواق الشاه ، فليس في إيران ما يسمى بالخلاف السني الشيعي هنالك مظاهرات تجري داخل المناطق التي تضم أكثرية سنية ، وهذا دليل وحدة وإنسجام بينالشيعة والسنة في إيران ، وفي نداء وجهته الى إخواننا السنة ، شكرت نضالهم ضد الشاه السنة هم إخواننا وسوف يبقون هكذا .
- الموقف من الجيش
ولعل اللغز الأكثر صعوبة في المعادلة الإيرانية اليوم هوالجيش الذي يشاع عنه يومياً أن بعضه ما يزال يؤيد الشاه وبعضه يزعم القيام بإنقلاب عسكري . أما ما هو موقف آية الله الخميني من الجيش فإنه يقول لقد عمل الشاه على أن يبني الجيش الإيراني بناء خاصا ومحكماً بحيث شل يد العسكريين القدرة على المبادرة واقصد منه على وجه التحديد أولئك الذين بقوا أوفياء للشاه . ونحن نرى في الظاهرة أن العسكريين هم الآن في صف المدافعين عن النظام لكنني واثق بأن هؤلاء ليسوا راضين في أعماقهم عن الحكومة ولا يمكن للشاه أن يعتمد على مساندتهم الى الأبد لقد بدأوا الإلتحاق بالشعب وثورته ".
وقال في تصريح صحفي "لسنا خائفين من إنقلاب عسكري لقد تعودنا على الإنقلابات العسكرية ، إنقالاب رضا خان إنقلاب محمد رضا ، لقد تعودنا على ذلك لن نخاف من الضغط العسكري نريد الجيش على الحياد هناك قلة من القادة العسكريين الكبار في الجيش يريدون إخضاعه لأمرة القوى الأجنبية لكن كل أمة مستعدة لأن تقاوم وتواصل تصديها حتى النصر النهائي ولن نستسلم .
- المعطيات الإجتماعية للجمهورية الإسلامية
ويشدد الإمام الخميني على إعادة المساواة الإجتماعية بين أفراد الشعب والقضاء على الإمتيازات الإحتكارية فيقول في حديثه لمجلة إكسبرس الفرنسية إننا سنقاوم التبذير وسنعيد الثروات التي تم الإستيلاء عليها من قبل حفنة من الإستغلاليين وسنعمل على تحسين الظروف الحياتية للمحرومين وقادة الأمة في طريق الشرف والتضحية التي تأهلنا لبناء مجتمع جديد.
أفضل في الحرية والعدالة ويقول أيضاً إن الإسلام يقر حق الملكية مع الاخذ بعين الإعتبار كل الشروط المفروضة في هذا المجال ضماناً للعدالة وأهمها تحديد الملكية . إن شكل الملكية وحدودها في الإسلام وتوزيع الثروة بين الناس مبدأ مقر وله أسس وأنظمة في القوانين الإسلامية التي هي نتيجة للدراسات والأبحاث الدؤوبة للفقهاء والعلماء ".
*الجبهة الوطنية من وجهة نظر الخميني:
  ويعلق الإمام الخميني وأعضاء مجلس حكومته الثورية ، على الجبهة الوطنية في إيران ،ويستعرضون موقفهم ويحللون منطلقاتها، وفي هذا يقولون : "إن الجبهة الوطنية ليست حزباً ،إنها تجمع لبعض الأحزاب والقوى المتبقية من أيام الإنتفاضة في ظل حكومة مصدق وهي قد تعرضت لمحن كثيرة ، فإنشقت أكثر من مرة وأعيد تكوينها وسقط العديد من شخصياتها ووجوهها، وبعضهم فضل الإبتعاد نهائياً عن حلبة سياسة ومتابعتها التي لا تحصى.
إننا نحترم وجه من وجوه الحركة الوطنية مثل كريم سنجابي ، لكن هذا الأمر يتصل بالتاريخ ، بالماضي ،وليس بالمستقبل ، المستقبل للثورة الإسلامية .
يإختصار ، إن الدستور الجديد هو الذي سينظم العمل السياسي بعد إنتصار الثورة ، لكن تقديرنا أن الأحزاب المرابطة في الخارج مثل "تودة" سيحرم نشاطها.
*والأحزاب المستوردة .
  ويقول الإمام الخميني عن الأحزاب المرابطة بقوى أجنبية أن دورها إجهاض الحركات الوطنية والتحررية وفي هذا يأكد "إن الشيوعية في إيران وجدت بواسطة الأمريكان، كما أن حزب التودة، وجد في إيران بواسطة البريطانيون، وبناء على تقارير المطلعين فإن أكثر الشيوعيين تطرفاً في المنطقة هم اللذين صنعتهم أمريكا لتفشل أو لتجهض بواسطتهم الثورات التحررية الوطنية ".
  وعن حزب الشاه "راستاخيز" ,يقول الدكتور يزدي أحد أقرب المقربين من الخميني " إن ليس حزباً إنما "لمة" حكومة أقامتها السلطة بالقوة . لقد أجبرت الموظفون والمواطنون على الإنتماء الى هذا الحزب وإلا تعرضت مصالحهم وربما حياتهم للخطر . إن حزب الشاه، وقد سقط حتى من قبل أن يسقط سيده .
*الصراع الطبقي
وللإمام الخميني رأي واضح في قضية الصراع الطبقي في عهد الجمهورية الإسلامية ، فقد أكد إنه "في مجتمع تطبق فيه الأحكام الإسلامية ، لا تبقى هناك أرضية لمثل هذه المفاهيم إن من يقول مثل هذا القول ، لا يعرف الإسلام ولا الماركسية ، فالإسلام جاء لينقذ البشرية ويسعد الإنسان ، ولا يمكن أن يقارن بشكل خاص مع مذهب وضعي ومادي منطلقه هو إنكار وجود الله..
*دور المرأة في الثورة الإيرانية
ويحدد الإمام الخميني . دور المرأة في المجتمع الإسلامي. فيأكد لها حريتها وحقوقها ومشاركتها في صنع المستقبل الى جانب الرجل عندما قال: " المرأة كائن إنساني مثلها مثل الرجل ، ولها أن تتمتع بكل الحقوق التي للرجل ، وقد جاء الإسلام فقضى على الجاهلية ومفاهيمها وأكد المساواة بين الرجل المرأة .
  إن النظام الحالي الخائن والخائف من الحركة الإسلامية ، يتهمنا ويتهم الإسلام ويتهم الحركة بأننا ضد المرأة ، وواقع الأمرين سجون الشاه كانت تزدحم بإستمرار بالنساء وبالطالبات وبالجامعيات المعتقلات وتكفي نظرة الى شوارع المدن الإيرانية ، لترد على اكاذيب الشاه ، فثمة مئات الألوف من النساء الإيرانيات يشاركنا في التظاهرات ويصحن بشعار "الموت للشاه، فهل يصدق أحد بعد ، إن الشاه كان مع  حربة المرأة وإننا نحن ضدها؟ وفي المستقبل سوف تكون للنساء الحرية كاملة ليقرون بشأن الحجاب ، لن تدخل في هذا الأمر ولن تمنع من الثياب إلا ما يخدش العفة والذوق العام .(انتهى)

أثر الاوضاع الإيرانية على الإقتصاد المحلي والعالمي

المصدر نفسه
   (أ.ل)-التطورات الإيرانية الداخلية ، الظروف الإستثنائية التي تمر بها البلاد ، أفرزت بالطبيعة إشكالات إقتصادية تترك بصماتها واضحة على مسيرة الإقتصاد المحلي والدولي .. وتأتي أهمية تأثير الأوضاع الإيرانية على الأوضاع الدولية إنطلاقاً من ان إيران دولة مصدرة للنفط من الدرجة الأولى وتتعامل مع أهم الأسواق الإستهلاكية النفطية في العالم وهي الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا الغربية ..وهاتان المنطقتان تعتمدان الى حد كبير على طهران في إحتياجاتها النفطية ..
ولا يقتصر الخلل الإقتصادي على هذه الناحية ، فمنذ سنة تقريباً تجمدت معظم المشاريع الصناعية والزراعية والإنمائية مما يعود بالخسائر الجسيمة والباهظة على الشركات المنفذة والملتزمة بهذه المشاريع، ومنذ سنة تقريباً أعيد النظر من قبل الشاه والسلطات الحاكمة في جميع العقود التسليحية المبرمجة مع الشركات الدولية .وهذا بحد ذاته كافٍ لإحداث خسائر ضخمة تثقل كاهل تلك الشركات وقد تصيبها بالإفلاس..

حالة الريال الإيراني:
وبالطبع فالريال الإيراني لن يسلم من الإهتزاز بسبب الكثافة الرأسمالية الإيرانية في الداخل والخارج .. والمصادر المصرفية والإستثمارية في طهران تنظر بقلق الى ما يصيب الريال الإيراني من تذبذب بفعل التطورات وذلك يعود في نظره الى عاملين..
4-  إزدياد المعروض منه في عدد من الأسواق الخليجية والدولية بسبب تدفق الريالات الهاربة من ايران
5- إزدياد الطلب على الريال في بعض البلدان بسبب رغبة بعض الأطراف بجمع الأموال لإعادة إرسالها الى إيران دعماً للمعارضة والتذبذب ناتج عن عدم إنتظام حركة العرض والطلب..
ولا تخفي المصادر المصرفية توقعاتها من أن يكون للأحداث الإيرانية تأثيرات نفسية تظهر نتائجها في المجال النقدي والمالي بشكل سلبي، وخصوصاً على وضع الدولار الأمريكي في الأسواق العالمية .ما هو مصير المشاريع والشركات ؟
وتفيد المعلومات الإقتصادية الواردة من ايران أن عدد شركات إنشائية دولية ، تنتمي الى اليابان وألمانيا الغربية وفرنسا ، تكاد تواجه حالة إفلاس نتيجة توقف مشاريعها في إيران أو نتيجة إلغاء تلك المشاريع بما تتكبد معها الشركات الدولية خسائر كبيرة ..
وقد أثرت عليها موجة  الإضرابات وإمتناع العمال عن الحضور الى العمل وإنهماكهم في المشاركة بالمظاهرات الشعبية الضخمة التي يدعو اليها الخميني .. وهناك تقديرات إقتصادية تقريبية يمكن إيرادها في هذا المجال
- شركة ميسوي اليابانية تخسر حوالي 2 بليون دولار ..
- شركة تاير اند رابر تبلغ خسائرها حتى الآن حوالي مليون دولار..
- شركة جنرال موتورز التي تبلغ إستثماراتها في ايران بحدود 13 بليون دولار معرضة لخسائر جسيمة تبلغ مئات الملايين .اما في الجانب العسكري والتسليحي فإن الشركات سوف تخسر مبالغ باهظة ، إذ أن الحكومة الإيرانية عمدت مؤخراً الى إلغاء العقود المبرمة مع شركة دوغلاس للأسلحة الأمركية ومع شركة بيل هليكوبتر وشركة بينغ وشركة ليتون وكلها أميركية ..أما بريطانيا فستخسر جزء كبير من عقدها بخصوص دبابات تشيفتن وصواريخ رايبر ..بينما ستخسر ألمانيا الغربية عقداُ لبناء ست غواصات إلكترونية .. وبالنسبة للخزينة الإيرانية ،فإنها حسب تقديرات المصادر الإقتصادية المطلعة غير مهددة بالإفلاس حالياً ، فالبنك المركزي يتصرف بإحتياطي.يبلغ  12 بليون دولار وهو يكفي لسد تموين كل الواردات من الخارج لمدة ستة أشهر تقدريباً ..على أن تدخل البلاد مرحلة الإفلاس الحقيقي إذا إستمرت الأوضاع بعد الشهور الأخرى .
نتائج وقف ضخ النفط
والسؤال الأهم؟ ما هو حجم الإصابات الإقتصادية التي أصيب بها الإقتصاد العالمي والشركات الدولية من جراء إنقطاع النفط الإيراني ؟ وهل سيصاب العالم بما أصيب به عام 1973 أثناء الحذر النفطي العربي ؟ ..
 وفي الواقع لا يمكن المقارنة ، لأن الإنتاج النفطي العربي يفوق بكثير الإنتاج الإيراني ، ولأن الدول الأوروبية وأميركا قد تعلمت من تجربة الحظر النفطي العربي وبدأت تعتمد على مصادر متعددة لإستيراد وتعتمد على الإحتياطي المخزن ..
وكانت نتيجة توقف ضخ البترول الإيراني الى الولايات المتحدة الأمريكية أن إنخفض كل إجمالي البترول المستورد في أميركا بنسبة 10% من ما كان عليه سابقاً ..هذا إذا تذكرنا أن 19 دولة غربية صناعية التي تعرضت لأزمة عام 1973 شكلت تحالفاً إقتصادياً يقتضي عدم تعرض أي دولة لخسارة في إقتصادها القومي نتيجة إنقطاع ضخ النفط عنها ،حتى أن هذه الدول لم تتخذ إجراءات طارئة حتى الآن لمواجهة توقف تصدير البترول الإيراني ..ولكن ألا يعني ذلك أن هذه الأقطاب تواجه المتاعب وأن شركاتها تحصد الخسائر ؟
  وللإجابة على هذا السؤال ، يجب أن يكون واضحاً أن هناك سبع شركات عالمية تتحكم بالأسواق البترولية الدولية، وتأكل نصيبها جميعاً بشكل متفاوت من جراء توقف ضخ النفط الإيراني .. ويأتي في الطليعة :
2- شركة بيبي الإنكليزية التي تستورد حوالي 1،3 مليون برميل يومياً من النفط الإيراني أي بما يعادل 40% من إجمالي إحتياجات بريطانيا من البترول الخام ..وقد أعلمت عملائها أنها ستخفض الكمية المتفق عليها بحدود 30 و 35% .
6- شركة دويتش شل الهولندية- الإنجليزية، إستوردت 18% من إيران عام 1977 من إجمالي بترولها الخام أخبرت عملائها بأن نسبة التخفيض في الكمية المرسلة اليها سوف تتراوح من 5% و 7،5% في المرحلة الراهنة.وهناك مجموعة من الشركات البترولية سوف تربح من هذه العملية الإقتصادية لأنها تعتمد في إستيرادها للبترول الخام بنسبة كبيرة على المملكة العربية السعودية بخلاف الشركتين المذكورتين فشركة أكسوى تستورد 28،2% من السعودية و8،9% من إيران.. وشركة تكساسو تستورد 57،8% من السعودية 4،9% من إيران وشركة موبايل 55،6% من السعودية و 9،4% من إيران بينما شركة ستاندرد تستورد 66،2% من السعودية و 4،9 من إيران ..
وقد إستفادت السعودية من الفرصة بدورها فرفعت إنتاجها اليومي الى 10،5 مليون برميل وهو الحد الأقصى لإنتاجيتها ..ومع الأخذ بعين الإعتبار الزيادة الطفيفة في الأسعار الناجمة عن زيادة الطلب ..
وبالنسبة للدول الغربية فالخسارة ليست مؤثرة على المدة القريب لأنها تعوض الإستيراد كما قلنا من مصادر أخرى فألمانيا الإتحادية تأخذ 17% بترول خام من إيران وفرنسا 8% فقط.. وبشكل عام فالخسائر ، أول ما تلحق المستهلكين في دول الغرب وأميركا لأن الشركات سوف تعمد الى رفع الأسعار بسبب وبدون سبب متذرعة بالتأثير النفسي الذي تخلفه عادةً قضية إنقطاع البترول .. على أن جميع الأرقام التي ذكرت تبقى خاضعة للمد والجزر حسب إتجاهات رياح الثورة في طهران وحسب السياسات الخارجية التي سيرسمها الحكم الجديد في علاقاته مع العالم الخارجي ، حيث يتوقف على نوع هذه العلاقة مصير كثير من الشركات والمشاريع والمؤسسات والعقود وعندها يعرف الربح الدائم من الخسارة النهائية . (انتهى)

الخميني والعرب وفلسطين
كيف ينظر الخميني الى العلاقة المستقبلية بين ايران و العرب

المصدر نفسه
      (ا.ل)لقد حدد آية الله الخميني في أحاديثه الصحفية , السياسة العامة للجمهورية الإسلامية , القائمة على إنتهاج خط الإستقلال القومي وعدم الإنحياز والحياد الإيجابي في المجال الدولي .. إلا أن إيران الإسلامية, وكأي دولة , لا بد أن تتعامل مع جيرانها – ونقصد العرب على وجه التحديد – بخصوصية معينة نتيجة الروابط التاريخية والإقتصادية والجغرافية .. والمعلقون السياسيون شغوفون بمعرفة موقف الحكم الجديد من الأنظمة القائمة في المنطقة العربية وخاصة في الخليج ومن المعضلات التي تعيش في ظلها المنطقة وخاصة القضية الفلسطينية .
إيران ودول الخليج :
حدد الخيمني في تصريحاته العلاقة الجديدة  التي سيتبعها النظام الجديد مع أقطار الخليج العربي بأنظمته وشعوبه وقال: لا نحن لن نكون شرطي المنطقة وفي ما يتعلق بنا فإننا قادرون على الدفاع عن إنفسنا" وأضاف: " ستكون إيران جاراً طيباً للأقطار المحيطة بها, وسوف تلتزم مبادئ حسن الجوار ولن تتدخل الحكومة المقبلة, والتي ستقوم على مبادئ الإسلام – وتحت أي ذريعة في شؤون الآخرين .. إننا لن نتدخل بأي شكل ,وتحت أي شعار في شؤون الدول المجاورة حتى لو كان هذا التدخل يحقق ما يمكن تسميته " المصالح الإقليمية لإيران".
ثم أوضح الخيمني في تصريحاته المبادئ العامة التي تؤمن بها الجمهورية الجديدة في علاقاتها مع جيرانها قال:"إن الجمهورية الإسلامية في إيران سوف تتعامل مع جميع الدول التي تحترم إستقلال وحرية الشعب الإيراني , معاملة تقوم على الإحترام المتبادل, شرط الا يكون الإتصال والتعامل مع تلك الدولة يمس أو ينتهك القيم والقوانين الإسلامية ,التي ستحافظ عليها الجمهورية الإيرانية الإسلامية بشدة. ومن الطبيعي أن تكون للدول المجاورة الأولوية في علاقتنا الخارجية".
الخميني وفلسطين:
  أعلن آية الله الخميني ,في مناسبات عديدة تأييده لقضية الفلسطينية لأنها عادلة ومحقة , وعبر عن أدانته للدولة الصهيونية لأنها قائمة على العنصرية والإغتصاب وقال في حديث لصحيفة اللوموند الفرنسية:
"إننا سنوقف إمداد إسرائيل بالترول الإيراني, وذلك لأن سياسة هذه الدولة تتنافى ومبادئ الحق والعدالة ".. ومنذ ذيوع صيت الخميني التقى به عدد من السؤولين الفلسطينيين ومنهم الأخ فاروق القدومي رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية الذي زاره في 22 تشرين الثاني من العام الماضي ونقل اليه رسالة شخصية من السيد ياسر عرفات وبحث معه العلاقات الإيرانية الفلسطينية مستقبلاً .. وقد علق إبراهيم الصوص ممثل منظمة التحرير في باريس على تلك الزيارة وأبدى إنطباعاته بقوله: " إن شاه إيران يزود إسرائيل بالنفط بينما يعارض الخميني ذلك , وإن نضال الخميني هو ضد الإمبريالية وهو نفس النضال الذي نخوضه."
وأضاف الصوص: " إن المنظمة تتعاون بشكل وثيق منذ فترة مع المعارضين للشاه المسلمين منهم واليساريين".
  أما الاخ أبو إياد فقد أعلن في عدد من التصرحات بأن شاه إيران ومنذ البداية قد إتخذ موقفا ًمعادياً لقضيتنا اذ أن إيران كانت الدولة الإسلامية الوحيدة التي رفضت مساعدتنا ورفضت السماح لنا بفتح مكتب في اراضيها وهذا ما يبرر موقفنا المؤيد للثورة الإيرانية ..
وقال أبو إياد : " إن المقاومة الفلسطينية تؤيد الثورة الإيرانية , لأنها تتبنى سياسة معادية لإسرائيل ". ويؤكد الإمام الخميني من ناحيته, أن إسرائيل هي عدوة الإسلام والمسلمين, وليس فقط بسبب إغتصابها للأراضي الفلسطينية وإعتدائها على حقوق العرب وإنما بسبب جرائمها أيضاً ضد الشعب الإيراني في الداخل.
ويقول الخميني : لقد عاملت إسرائيل شعبنا كعدو حقيقي وطبقاً للمعلومات التي توفرت لدينا بالنسبة لأعمال التعذيب التي مارسها جهاز السافاك, فإن إسرائيل هي التي كانت تمده بأدوات التعذيب , كما قامت بتدريب رجال المخابرات على كيفية إستخدام الأساليب الوحشية  ويقال أن الخباراء والمدربين الإسرائيليين شاركوا في أعمال القمع التي مارسها رجال الشاه, كذلك فقد ساهمت إسرائيل في القضاء على الزراعة , وأعلن الشاه رسمياً في إحدى مقابلاته : أن لنا علاقات واسعة مع إسرائيل والتعاون بيننا يشمل مجالات كثيرة,لهذا فإننا نعتبر إسرائيل عدونا المباشر وأقل ما يجب علينا القيام به الآن , هو منع هذا العدو من الإستفادة من إمكانات إيران الضخمة لمصلحته. ولقد أكد آية الله أكثر من مرة , أنه في حال وصول أركان دعوته وثورته الى الحكم ,فإنه سوف يمنع النفط عن إسرائيل بالشكل التام, وسوف يدعم نضال الشعب العربي الفلسطيني في كفاحه , وفي المحافل الدولية.
  ويتوقع المراقبون من هذه الزاوية , أن تحدث عدة متغيرات إستراتيجية على صعيد منطقة الشرق الأوسط عامة ,والصراع العربي- الصهيوني خاصة, وأن عدة موازين سوف تقلب , لمصلحة النضال العربي القومي ضد الكيان الصهيوني المزروع في قلب الأمة العربية والمغتصب لقطعة من أراضيها . ولذلك , لا يستبعد هؤلاء المراقبون, تكاتف المؤامرات على الثورة الإيرانية وقيادتها من قبل قوى الإستعمار والصهيونية , لإجهاضها أو لعرقلة مسيرتها,أو لإمتلاك ورقة ما , في سبيل الضغط عليها وإبتزازها, للحصول على مكسب مقابل هذه الورقة .
إلا ان التوقعات لأغلب القوى التي تتابع سير تطور الثورة الإيرانية ,تؤكد أن الصهيونية قد فشلت فشلاً ذريعاً في إيران , وإن إنتفاضة الخميني وإبعاد الشاه, وتوقع قيام الجمهورية الاسلامية , تشكل مصدر قلق حقيقي ومباشر لقادة إسرائيل .
الخميني وكامب دايفيد:
من ناحية ثانية فقد أكد الإمام الخميني دائماً أنه مع الحق العربي في فلسطين ,وضد كل المؤامرات التي تحاك على هذا الشعب وعلى أرضه, فقد وصف كامب ديفيد بأنها جريمة في حق المسلمين وخيانة حقوقهم وتثبيتها ودعماً لقدرات العدوان الصهيوني ,وان الموقف من إسرائيل يتطابق على الموقف من إسرائيل يتطابق على الموقف من المتعاونين معها وعلى القابل بالصلح معها- وإسرائيل هنا, هي السادات , والجهاد مفروض ضد السادات مثلما هو مطلوب من كل المسلمين ضد إسرائيل. (انتهى)

جدول زمني بأحداث إيران

المصدر نفسه
لا شك , فإن إيران شهدت منذ العام الماضي وحتى عودة الخميني من منفاه, سلسة أحداث المتسارعة التي فاقت في تعاقبها كل التوقعات .. والتي تستحق , للذكرى , وللتاريخ , إن تسجل , وإن تجمع بشكل متناسق, اذ إنها في مجموعها صنعت إنتصاراً من أعظم الإنتصارات الشعبية في عصرنا الحاضر .وقد إخترنا أهم تلك الأحداث حسب الجدول التالي:
- 7 كانون الثاني 1978 : إندلعت إضطرابات دينية في مدينة قم في الذكرى الخامسة عشرة لبرنامج الإصلاح الزراعي, وتحرير المرأة قتل فيها سبعة أشخاص.
- 2 شباط قتل 13 شخصاً في التظاهرات المعادية للشاه في مدينة تبريز (رجال الدين قالوا أن الضحايا 300 ) – إحراق المصارف والفنادق ودور السينما – الحكومة تحمل مسؤولية الحادث " للمسلمين الماركسين".
- 12 آذار " الشاه يفرج عن 348 معتقلاً سياسياً في الذكرى المئوية لميلاد والده الشاه رضا الكبير مؤسس إسرة بهلوي.
- 2 أيار : قوات الجيش تطارد المتظاهرين في مدينة قم وتقتحم منزل آية الله شريعتمداري , وتقتل طالباً يدرس الدين وإندلاع المظاهرات في المدينة .
- 6 حزيران:الشاه يقيل الجنرال نعمة الله ناصري رئيس السافاك ويعين الجنرال ناصر موخادم محله..
- 11 آب : إعلان الأحكام العرفية في أصفهان.
- 18 آب : الشاه يتهم الشيوعين بإنهم وراء أحداث العنف.
- 20 آب: مقتل 377 شخصاً في حريق متعمد نشب في دار السينما في عبادان..
- 23 آب : الدكتور كريم سنجابي يعلن تنشيط الجبهة الوطنية التي تضم 30 حزباً سياسياً.
- 27 آب : إستقالة جاشيد أموزيجار رئيس وزراء إيران , وتعيين جعفر شريف إمامي رئيساً للوزراء والشاه  يطرد عدداً من كبار المسؤولين من أعضاء الطائفة البهائية.
- 8 أيلول :إعلان الأحكام العرفية في طهران و 11 مدينة إيرانية والجيش يقتل 121 شخصاً في تظاهرات صاخبة في طهران.
- 2 تشرين الأول: الإفراج عن 1125 معتقلاً سياسياً .
- 31 تشرين الأول: إضراب العاملين في قطاع النفط – إنخفاض الإنتاج من 6 ملايين برميل ًيومياً  الى 300 الف برميل.
- 5 تشرين الثاني: المتظاهرون يشعلون الحرائق في الفنادق ودور السينما والمحلات التجارية والمطاعم والفنادق .
- 6 تشرين الثاني : إستقالة جعفر شريف إمامي , الشاه يكلف الجنرال غلام رضا إزهاري بتشكيل حكومة عسكرية .
- 7 تشرين الثاني: الحكومة تقبض على 35 من كبار المسؤولين بتهمة الفاسد والرشوة .
- 9 تشرين الثاني: القبض على الدكتور سنجابي بعد لقائه مع الخميني في باريس.
- 25 تشرين الثاني : الخميني يدعو الى مقاومة الحكم العسكري .
- 27 تشرين الثاني: الولايات المتحدة تحذر الإتحاد السوفياتي من التدخل في شؤون إيران .
- 2 كانون الأول : الجيش يفتح النار على المتظاهرين في بداية إحتفالات ذكرى عاشوراء .
- 6 كانون الأول : الأفراج عن سنجابي .
- 10 كانون الأول : مليونا إيراني يشتركون في تظاهرة ضخمة في طهران .
- 12 كانون الأول:  مقتل 40 وإصابة 700 في تظاهرات معادية للشاه في أصفهان.
- 29 كانون الأول : الشاه يكلف الدكتور شاهبور بختيار بتشكيل وزراة مدينة.
- 30 و 31 كانون الأول: مصادمات دامية في مشهد , والأرقام الرسمية تحدد الضحايا بـ 106 قتلى والمعارضة تقول أن عددهم 200 شخص.
- أول كانون الثاني 1979 : الشاه يعلن في مؤتمر صحفي رغبته في السفر الى الخارج لقضاء إجازة , وبختيار يوافق على تشكيل الوزارة شرط مغادرة الشاه البلاد. إزهاري يقدم إستقالته.
- 4 كانون الثاني: الشاه يعين بختيار رئيساً للوزراء وبعد ذلك بيومين بختيار يقدم الوزارة الى الشاه.
- 9 كانون الثاني : الشاه يتنازل عن جزء من ممتلكاته الى صندوق بهلوي الخيري.
- 11 كانون الثاني:  بختيار يقدم برنامجه الإصلاحي أمام المجلس النواب.
- 13 كانون الثاني: الشاه يعين مجلس وصاية من ثماني شخصيات – 400 ألف شخص يحضرون مؤتمراً شعبياً في حرم جامعة طهران إحتفالاً بإستئناف الدراسة.
- 16 كانون الثاني : الشاه يغادر إيران وينفجر باكياً على سلم الطائرة ويصل الى مصر للإقامة فيها بعض الوقت.
- 22 كانون الثاني : الشاه يصل الى المغرب.
- 1 شباط : الخميني يعود الى إيران – 5 ملايين يشتركون في إستقباله.

من هو الإمام آية الله الخميني

المصدر نفسه
  (أ.ل)-هذه الشخصية الفذة , التي تستقطب إهتمام العالم في العام 1979 من خلال تحريكها لثورة شعبية , ومن خلال تحديها للنفوذ الأميركي , وخروجها على وصايات القوى الأجنبية , هذه الشخصية التي دخلت التاريخ الإيراني والعالمي لم تخرج من فراغ.وليست المرة الأولى التي يثور فيها آية الله الخميني على الشاه وعلى إمبراطورية آل بهلوي ,فثورته إبتدأت منذ عام 1941.. ولكن السؤال من هوالخميني؟
  إنه من مواليد عام 1900 في بلدة خميني ومنها أشتق إسمه, وكان أبوه مصطفى أيضا يحمل لقب آية الله. وبعد مولده بخمسة شهور قتل أبوه على يد أحد الزعماء وربته أمة وعمته التي كانت عاهدت نفسها على ملاحقة قاتل أخيها الى أن تسببت بإعدامه.
  وقد حصلت ثورة أولى في إيران عام 1906 والخميني طفل صغير , وقد عادها زعيم ديني مقيم في النجف بالعراق حيث أصدر أوامره بالتوقف عن التدخين, فتوقف جميع الناس تقريباً عن التدخين في نفس اليوم , حتى إن بلاط الشاه لم تظهر فيه السجائر في ذلك اليوم.
وحمل الخميني في صباه ذكريات هذه الثورة ضد إحتكار التبغ. وركز في نشأته على التعرف بعمق الى جميع العلوم الدينية في مدينة قم وقد عاصر حدثين هامين:
- الأول تفكك الدولة الفارسية في الحرب العالمية الأولى.
- والثاني ظهور " رضا خان " كحاكم ديكتاتوري على إيران. إذاً لقد بدأ حياته السياسية عملياً في عام 1941 عندما كتب مقالاً هاجم فيه شاه إيران آنذاك في تلك الفترة .
 وبعد الحرب العالمية الثانية , إعتبر الخميني إن الشاه يبيع إيران للأجانب وحذر الشعب الإيراني من أن الإسلام في خطر . وقد تصارع في إيران تيران : الأول يدعو الى تأكيد تاريخ فارس القديم وأصلها الآري وذكريات البلاد وإقامة علاقات أخوية مع العرب, ويؤيده رجال الدين.
وكان الخميني بين الحين والآخر يهاجم الإصلاحات التي يحدثها الشاه, ويشجب أساليبه الدكتاتورية التي يتبعها ضد المعارضة.
  وفي عام 1963 ,حصلت صدامات دموية عديدة بين المعارضين للشاه وقوات الأمن فألقى القبض على آية الله الخميني , ثم سرعان ما أفرج عنه. وفي عام 1964 غادر إيران الى تركيا بطلب من السلطات الإيرانية فوضعته تركيا تحت الإقامة الجبرية . ثم عاد الى إيران بضفط شعبي تركي وإيراني , ولم يلبث أن غادر البلاد منفياً الى العراق قاصداً النجف وهناك عثر على إبنه مقتولاً ,فإنهم المخابرات الإيرانية السافاك بإرتكاب الجريمة.
   وقد أمضى آية الله الخميني خمس عشرة سنة في النجف , تعرف فيها على رجال الدين المعارضين وجمعته بهم المصيبة الواحدة . وفي عام 1978 وبعد إندلاع الثورة الإيرانية من جديد توجه الإمام  الخميني الى قرية نوفل لو شاتو القريبة من باريس ليدير من هناك عجلة الزف الشعبي على العرش البهلوي , وقد بلغ من العمر السادسة والسبعين.
  إنه رجل ذو نظرات بعيدة , وأشد ما كان يؤلمه الإمتيازات العسكرية الأميركية في بلاده التي يعتبرها دليلاً على عبودية الشعب الإيراني.(انتهى)


اقتحم الشاه خلوة رجال الدين في "قم" عام 1963
فوقفوا له جميعاً باستثناء واحد هو... آية الله الخميني
فقال له الشاه: كان يجب ان آتيك بجزمة والدي...
فردّ عليه الخميني: ولكن جزمة والدك كبيرة عليك!...

(الجمهور 22 شباط 1979 )

    يصفونها بأنها أضخم ثورة في العصر الحديث. حّركها رجل واحد وقادها في مفازات متناهية الخطورة الى ان ارسى قواعدها في المرفأ الامين. هذا الرجل المتواضع, البسيط, الصلب, الذي بدا انه لا يعرف المساومة ولا المزايدة, يحمل على منكبيه الان ثقلاً باهظا. ثقل اعادة بناء دولة كبيرة تعد حوالي 300 مليون انسان. دولة انهار كل ما فيها خلال شهور الكفاح الطويلة وأصبح على زعيم الثورة آية الله روح الله الخميني, ان يعيد البناء حجراً حجراً ولبنة لبنة.
فمن هو هذا الرجل؟ وماذا يخبىء له الغد؟
   برغم كل ما كتبته الصحافة العالمية عنه. عن كفاحه. عن مقاومته العنيدة لنظام عرف بالقسوة والعنف واتهم سيده بالغطرسة, فثمة جوانب من شخصية هذا الرجل الفريد ما تزال مجهولة لا يعرفها الا قلة من الذين تابعوا نضاله المتواصل طوال خمسة عشر عاما.
   من هؤلاء النقيب رياض طه, الذي تتبع خطوات الزعيم الشيعي منذ 1963 كما التقاه في أكثر من مناسبة فكّون عنه فكرة, وحصل على معلومات جديرة بتسليط اضواء جديدة على جوانب مجهولة من شخصية آية الله الخميني يعرضها في هذا الحديث:

  • جاء في تصريح نشرته الصحف انك زرت آية الله الخميني عندما كان في فرنسا, في شهر تشرين الثاني, فما هو انطباعك عن هذا الرجل الذي يملأ اليوم سمع العالم وبصره؟
    - لقد كان اللقاء مع الزعيم الديني مفيداً جداً. وقد تأثرت بشخصيته القوية ومهابته الطاغية كما أعجبت ببساطته وميله الى العيش المتقشف الزاهد. غير اني اعترف بأن شخصيته لا تفسح في المجال لأي انسان ان يناقشه, وينتقد خطته وذلك لما يفرضه على جليسه من احترام آسر. فلقد كان في نيتي ان أردد على مسمعه مثلا عربيا قديماً هو: "لا تكن لينا فتعصر ولا قاسيا فتكسر" غير أن الجو الذي خيم على لقائنا لم يسمح لي بابداء هذه الملاحظة. واني أحمد الله اليوم على اني لم اقل ذلك في حينه لأن صلابة الرجل قد نجحت وان ملاحظتي في محلها لأنه كان يملك من المعطيات ما لا نعرف عن استجابة شعب ايران له واستماتة الشعب في مقاومة سلطة الشاه.
  • متى سمعت بالخميني, لأول مرة, وهل كنت على علم بجهاده في الماضي؟
     - كان السيد الخميني مغمورا فيما مضى بالنسبة الى القراء العرب والاجانب ولكنه كان معروفا في ايران وفي النجف وبعض انحاء العراق كما كان معروفا في بعض الاوساط الشيعية في لبنان وسائر البلدان العربية. واذكر اني سمعت باسمه لأول مرة في صيف 1963 حيث جاءني أحد رجال الدين من مشايخ الجنوب بأخبار عن "حركة الامام الخميني" وقد نشرت شيئاً من تلك الانباء في جريدة "الكفاح" حينذاك. ولقد سطع نجم الخميني لأول مرة في تلك السنة بالذات عندما قاد حركة علماء الدين الايرانيين ضد سلطة الشاه لأنها اصدرت قانونين أحدهما يقضي بتوزيع الاراضي العائدة لرجال الدين. والقانون الثاني يتعلق بإعطاء المرأة حقوقها السياسية. فقد تبين للعلماء ان المقصود بالقانون الاول تجريد الاوقاف والحوزات الدينية من الاراضي تشكل لها ريعا يضمن استغلالها وقد طالب الخميني يومئذ باستصلاح الاراضي الايرانية التي تشكل النسبة الكبرى من الاراضي المزروعة وتوزيعها على الفلاحين. اما بشأن قانون إعطاء المرأة حقوقها فقد تبين لرجال الدين ان المقصود بذلك الخروج على قواعد الدين والتقاليد والعادات المرعية في ايران. ويومها أراد الشاه ان يتحدى حركة رجال الدين فذهب الى عاصمتهم الدينية "قم" واقتحم آيات الله والعلماء في مجلسهم لمجابهتهم. وقد وقف رجال الدين جميعا احتراما للشاه باستثناء واحد هو السيد روح الله الخميني, الذي كان والد الشاه الحالي قد قتل والد الخميني في حملته ضد رجال الدين. وكان الشاه يعرفان الخميني هو قائد الحركة الدينية الجديدة ضد السلطة, فشاء ان يهدده بمصير والده لذا قال له: "كان يجب أن أتي اليك وأنا ألبس "جزمة" والدي... فرد الخميني بقوله: "ولكن جزمة والدك كبيرة عليك".
       وكان ذلك الموقف من المواقف المشهورة التي جعلت اسم الخميني يرتفع عملا بالحديث الشريف: "أفضل جهاد كلمة حث في حضرة سلطان جائر".
  • وماذا عن سجن الخميني ونفيه؟
     - في تلك الفترة بالذات, أي في مطلع صيف 1963, راى الشاه أن يقمع حركة الخميني بالالقاء به في السجن, مما زاد في شهرته وفي التفاف الايرانيين حوله, فضلا عن النجفيين وسائر علماء الشيعة. وفي يوم خروجه من السجن, ألقى آية الله الخميني خطابا عنيفا في منزله هاجم فيه الشاه واتهمه بأنه عميل للاستعمار وبأنه متعاون مع اسرائيل التي تحتل اراضي فلسطينية وتعتدي على مقدسات اسلامية. ورد الشاه على التحدي بنفى الخميني الى تركيا, حيث أمضى سنتين ثم انتقل الى النجف في العراق وبقي حتى أخر صيف 1978. 
  • ثم لماذا اختار فرنسا منفى جديدا له دون كافة الدول الاسلامية؟
     - هناك اكثر من رواية, الا أن ارجح الروايات هي رغبة الخميني في ايجاد منابر عالمية, بعدما ضاقت به النجف. وقيل انه قصد الكويت ثم عاد من الحدود الى النجف بعدما ثبت له ان السلطات الكويتية كالسلطات العراقية لا تستطيع ان تفسح له المجال الاعلامي كما يتسنى له في عاصمة كباريس.
  • هل تعتقد ان حركة دينية صريحة كحركة الخميني خليقة بإدارة سياسة دولة عصرية كبيرة كإيران في أواخر القرن العشرين؟
     - إذا عرف الخميني وأعوانه المثقفون العصريون كيف يوفقون بين روح الاسلام وبين مقتضيات التطور فان هذه الحركة سوف تنجح في الحكم كما نجحت في المعارضة. ذلك لأن روح الاسلام لا تناقض التحديث والعصرية, انما المشكلة هي في القوالب الجامدة التي يتمسك بها رجال الدين المتخلفون. على ان تطبيق الشرع الاسلامي بل النظام الاسلامي الكامل في الحكم لم ينجح الا في فترات قليلة في التاريخ. وهذا ما استوقف المؤلف الفرنسي الكبير غوستاف ليبون منذ خمسين سنة عندما ألف كتابه "الحضارة العربية" إذ تساءل: " كيف نجح النبي وبعض خلفائه في إدارة دولة اسلامية من كبرى الدول العظمى في حينها, بينما فشل خلفاء وملوك اخرون في ادارة هذه الدولة بل في المحافظة عليها". وقد وجد ليبون تفسيرا وحيدا لهذه الظاهرة هو ان النظام الاسلامي يتطلب من الحاكم الاحاطة بكل شأن من شؤون الناس والتدخل في امورهم الدنيوية والدينية, ولذا فلا ينجح الحاكم بإداء هذه المهمة الا اذا كان عبقريا. واستنتج المؤلف الفرنسي بأن انهيار الدولة الاسلامية وسقوطها وتجزئتها كان بسبب وجود قادة من غير العباقرة على رأس تلك الدولة. 
  • هل تعتقد ان قيام دولة شيعية كبيرة في العالم الاسلامي أمر يضعف وحدة الصف بين المسلمين؟
     - نقد طرح الخميني حتى الان مبدأ "الجمهورية الاسلامية" لا "الجمهورية  الشيعية". واذا كان قصده من ذلك العودة الى الينابيع والى اصول الاسلام وتخطي الفروقات والخلافات السياسية والمذهبية التي قسمت المسلمين بعد اذن فان في هذا الطرح ما يساعد على توحيد كلمة المسلمين لا على تجزئتها. وفي رأيي ان على الدول العربية, كما سبق وصرحت الى بعض الصحف, ان تبادر الى توثيق صلاتها بإيران الجديدة لكي تجعل من دعوة الخميني عامل توحيد وعنصر تضامن عربي – ايراني نحن في حاجة اليه اكثر من ايران, ذلك ان ايران الشاه كانت حليفة لاسرائيل وايران الخميني تتبنى قضية فلسطين أكثرمما تتبناها الدول العربية. ومن المفارقات المؤلمة ان نجد مصر اليوم في جانب المتعاطفين مع اسرائيل في حين تنتقل ايران الى جانب العرب.
    ولقد شاركني في هذا الرأي بعض الشخصيات التي قابلت ولي العهد السعودي الامير فهد بن عبد العزيز الذي كان يدعو في مجالسه مع الشخصيات العربية الى وجوب تعزيز الصلات الاسلامية انطلاقا من نجاح حركة الخميني.  

الصدمة الكهربائية المعاكسة...

(الجمهور 22 شباط 1979 بقلم فريد ابو شهل)
(مصحح)

  لا يستطيع المراقب وهو يتابع تفاصيل زيارة ياسرعرفات الى طهران الا ان يتوقف طويلا, متأملا.
الطائرة تجثم في مكان جانبي, ثم تقترب من صالون الاستقبالات الرسمية حيث فرشت أمامها السجادة الحمراء وأحاطت بها لجنة استقبال ثورية راحت تحيّي "أبو عمار" بحماس وبعلامة النصر وهو يهبط السلالم.
  وبطريقة عفوية تقفز الى الذهن صورة مشابهة تقريبا, لطائرة تحط في مطار القدس, وتفرش لها السجادة الحمراء, ويحيط بها مستقبلون يحيون بمنتهى الجدية والبرودة الزائر الاتي من القاهرة...
   الفارق الزمني بين الحدثين ليس كبيراً: سنة وبضعة شهور. ولكن الفارق المعنوي عظيم جدا جدا.
القضية واحدة: فلسطين. الوطن العربي السليب، المغتصب. ولكن الطريق اليه مختلف. واحد اعتقد ان العدو الخبيث يمكن ان تمتد اليه يد السلام. واخر يعلم ان مثل هذا العدو لا يواجه إلا باللغة التي يعرفها. لغة العنف.
لذلك كان لا بد من التجربة والخيار.
 **** 
   تجربة طريق المسالمة فشلت, ولم تؤت ثمارها. وزادت العدو تكبرا وتعنتا, وحطت من قدر المسالم حتى بات كأنه مستسلم.
    الى الامس القريب ربما كان هناك مجال, بعد, للاعتقاد بأن لسياسة المسالمة حسنات... خفية.
  فجاء آية الله الخميني. وجاءت ثورة ايران.
   وما يهمنا منه ومنها, هنا, الوجه العربي. فهي ثورة اسلامية ولكنها تعلن انفتاحها على العرب وعلى قضيتهم القومية الاولى. وقبل ان تنجح الثورة كان ملهمها يضع في أولويات أهدافه تغيير الموقف الايراني من قضية فلسطين, وقطع النفط الايراني عن اسرائيل.
   وكانت الولايات المتحدة قد بنت استرايجية حماية الوجود الاسرائيلي على شق الصف الاسلامي الى معسكر عربي ومعسكر غير عربي. وتمكنت من عزل تركيا وايران عن قضية المجموعة العربية, ووضعتهما في موقع غير طبيعي, تجاه الكيان الاسرائيلي, الذي يشكل بحد ذاته تحديا للعالم العربي وبالتالي للاسلام, معتمدة في ذلك على رواسب ا لنفور التاريخي الذي ساد العلاقات بين العرب والفرس من جهة وبين العرب و الفرس والامبراطورية العثمانية من جهة ثانية.
   وعندما بدأ الخميني ينقل معارضته للحكم الايراني الى مرحلة الثورة وراح يغذي هذه الثورة من منفاه الفرنسي, استبشر العاملون للقضية الفلسطينية خيرا به لأنه وضع قضية فلسطين في صدر الاماني التي يسعى الى تحقيقها.
ولم يكذب الرجل.
   فيوم استتبت له السلطة أمر بتحويل دار البعثة الاسرائيلية في طهران الى سفارة لمنظمة التحرير الفلسطينية وطرد الديبلوماسيين الاسرائيليين, وقطع العلاقات مع اسرائيل واقفل أبواب شركة طيران "العال". ورفع على السفارة علم فلسطين. فكان اول علم يرفع على اول سفارة فلسطينية في العالم, وفي اخر بلد كانت تحلم الثورة الفلسطينية ان ترى علمها يرتفع فيه. وقد بلغ من غيظ ميناحيم بيغن ان قال "إذا رفع عرفات العلم الفلسطيني فوق ارض طهران فانه لن يرفعه فوق ارض فلسطين". لذلك قال ياسر عرفات وهو يطأ أرض مطار طهران "ان ثورة ايران ملك لفلسطين, وشعرت وأنا أقترب من المطار أني أقترب من القدس".
****
   وإذا كانت الولايات المتحدة, ومعها قوى الصهيونية العالمية, قد استطاعت في الماضي ان تعزل ايران وتركيا, الدولتين الاسلاميتين الكبيرتين والقويتين, عن النضال العربي من اجل استرداد فلسطين, كما استطاعت ان تجعل منهما سندا ماديا وعسكريا للدولة الصهيونية المغتصبة, فإن هذه الصفحة من التاريخ الاستعماري قد طويت. وجرفت ثورة الخميني في ما جرفته كل قواعد هذه الاستراتيجية, وقلبت مقاييسها رأساً على عقب. وما كان الى الامس القريب يشكل ثقلا في وجه الثورة العربية وحاجزاً على طريق تحرير فلسطين, قد يصبح غداً شعلة وقوة دافعة في هذا الطريق.
   "لقد فكت الثورة الايرانية الحصار عن الفلسطينيين", قالها أبو عمار في ايران وهو مؤمن بأن الخميني, الثائر الاول, سيطوف "ظله فوق بيت المقدس والمسجد الاقصى".
   واذا كانت الجمهورية الاسلامية التي ينادي بها آية الله الخميني, من الشؤون الداخلية التي تهم الايرانيين وحدهم, فان على العرب جميعا بقطع النظر عن أنظمتهم وميولهم, ان يتعاملوا مع الحكومة الايرانية الجديدة من زاوية تعاطي هذه الحكومة مع القضايا العربية. فإذا كان العرب يختلفون كثيرا, وإذا كانت بينهم مشاكل يعجز عن حلها, فأنهم متفقون, على الاقل ومن حيث المبدأ, على وجوب تحرير فلسطين وتأمين حقوق الشعب الفلسطيني واقامة وطن له. حتى وان كانت "الاماني" العربية قد تقلصت منذ عشر سنوات الى "تحرير الاراضي المحتلة بعد 5 حزيران 1967" فقط.. ثم تقلصت من جديد, بعد رحلة القدس الشهيرة, الى البحث المصري عن صيغة لقبول الحكم الذاتي تحت الاحتلال الاسرائيلي في غزة والضفة الغربية...
   المهم ان كل هذه الحسابات يجب ان تطوى الان بعد ان نزلت الى الميدان قوة لم تكن في الحسبان.
   كان في المنطقة جيش من اقوى جيوش العالم لا يقف في صفنا.. ويلوحون لنا به على انه شرطي الخليج.. الى جانب شرطي المتوسط (الاسرائيلي) . فصار هذا الجيش نصيرا لنا, وسندا لقضيتنا. وهذا ليس بالامر العادي, وليس في التاريخ الحديث أو القديم "انقلاب" في موازين القوى يشبه هذا الانقلاب.
   والمراقبون والمتتبعون للاحداث يتساءلون الان بكثير من الاهتمام ما سوف تكون عليه ردة الفعل الاسرائيلية. وأي استراتيجية جديدة تعد لها العدة بالاتفاق مع سادتها في البنتاغون وفي وكالة الاستخبارات المركزية بعد هذه المفاجأة.
****
   عندما قام الرئيس السادات بزيارته التاريخية الى القدس في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 1977, قيل انه احدث "صدمة كهربائية"... ولكن اتضح فيما بعد, وكما اثبتت الايام, ان الصدمة لم تعط اطلاقا أي أثر. لقد راهن السادات على ردة الفعل عند اليهود ازاء مبادرة مسالمة, فإذا بهم يتصرفون وكأنه جاء اليهم مستسلما لا مسالما, واذا بالعرب هم الذين يصابون بالصدمة...
   واليوم باستطاعتنا العودة الى عبارة "الصدمة الكهربائية" ولكن في الاتجاه المعاكس. وفي اعتقادنا ان آية الله الخميني الذي حقق ثورة لامثيل لها في تاريخ البشرية, لا يستبعد ان يكون أحدث "صدمة كهربائية " في الاوساط العسكرية الاسرائيلية (والاميركية) التي تنهمك الان في اعادة النظر بخططها واستراتيجياتها..
   فماذا تكون ردة الفعل؟
   هل تتصرف اسرائيل بحماقة كما عودتنا؟
   هل تقوم بعمل عدواني على أساس استباق الاحداث؟
   وماذا يكون موقف الجيش الايراني, أحد أقوى جيوش العالم إذا أعتدت اسرائيل على لبنان أو سوريا أو أي بلد عربي آخر وهل هناك ما يمنع الجيش الايراني من مناصرة الحلفاء الجدد؟
   ان صورة ياسر عرفات يهبط سلالم الطائرة في طهران, والتي ذكرتنا بزائر اخر ينزل سلالم الطائرة في القدس... هل تكون رؤية مستقبلية لزعيم الثورة الفلسطينية ينزل سلالم الطائرة فوق أرض فلسطين المحررة؟


لماذا استبدل عرفات طائرته الى ايران؟
"ابو عمّار" للخميني: الى اللقاء في القدس

المصدر: الاسبوع العربي في 5/3/79

   التحذير جاء من دولة صديقة. كان السيد ياسر عرفات قد قرر ان يتوجه الى طهران على الطائرة نفسها التي اقلت البعثة الاعلامية والطبية الفلسطينية من مطار بيروت, والتي استأجرتها منظمة التحرير الفلسطينية, إلا ان القرار تبدل في اللحظة الاخيرة تجنباً لعملية أعدتها اسرائيل لخطف قائد الثورة الفلسطينية, فسافر من دمشق على متن "كرافيل سورية".
   وفي مطار طهران, موظفون قلة وعدد من المسلحين... وحالة سكون, توقفت الطائرة وتوجه الوفد الفلسطيني الى صالون الشرف, دون ان يخطر في بال الايرانيين ان "ابو عمار" من ضمن اعضاء الوفد... وكانت حالة ذهول!
   ولدى وصوله الى مقر آية الله الخميني ضج الحضور: الله اكبر, الله اكبر! وتعانق الرجلان لعدة دقائق, وحيا "ابو عمار" مستقبليه, وعاد يعرف القيادة الايرانية على اعضاء الوفد الفلسطيني, ثم بكى من شدة التأثر.
   ومعظم مساعدي الخميني يعرفون "ابو عمار" وهو يعرفهم جيداً. فقد تدربوا في معسكرات "فتح" واولهم نجل الخميني نفسه, والثوار الايرانيون كانوا يشاهدون في صبرا والجنوب اللبناني, كما في احراش جرش وعجلون واغوار الاردن.
   وقبل ان يصل طهران, كان عرفات يعرف المكانة التي للثورة الفلسطينية في قلوب قادة الثورة الايرانية. كان قد حول غرفة عملياته في صبرا الى غرفة عمليات للهبة الشعبية في طهران وتبريز وقم ومشهد... وكان على اتصال دائم ووثيق بآيات الله الخميني والطالقاني والمنتظري, والدكتور مهدي بازركان, يعرض عليهم خدماته في مختلف المجالات من اجل ان تنتصر الثورة.
   وليل الثلاثاء 13 شباط 1979, اجرت القيادة الايرانية اتصالاً هاتفياً بعرفات, اكدت خلاله انها سيطرت على الاوضاع, وان معاقل نظام الشاه قد سقطت. وسمع "ابو عمار" على الهاتف صوتاً يقول: ان الثورة الايرانية بقيادة الخميني, هي ثورة فلسطين من اجل تحريرها, وتحرير الاراضي العربية المحتلة, وايران الجديدة هي قاعدة هذا التحرير.
   واقفل المتحدث الايراني سماعة الهاتف, وحاول عرفات الاتصال بالخميني ليهنئه بهذا الانتصار, إلا ان قائد الثورة الايرانية كان مرهقاً, وقد اخلد الى الراحة لبعض الوقت. وتحدث "ابو عمار" الى احد كبار مساعديه, وكان هذا الحوار:
   عرفات: ان قلبي وقلوب الفلسطينيين تنبض في صدر البطل آية الله الخميني, آية الثورة وقائد المسيرة.
مساعد الخميني: ان ثورتكم هي قلب ثورتنا, ومنذ اللحظة الاولى وانتم معنا. شعاراتكم على جدران طهران, وصوركم في ايدي مناضلينا.
عرفات: كيف الحال عندكم؟
مساعد الخميني: نحن على مشارف النصر الآن. اتحدث اليك والانفجارات وزخات الرصاص تدوي. وكل شاحنة وكل عربة ركاب ملئت بأكياس الرمل وتحولت الى متراس متحرك. إننا نتقدم. لقد بدأ الهجوم العام. انتظروا اخباراً سارة خلال ساعات.
عرفات: اعتبروا الجسد الفلسطيني كيساً من الرمل ومتراساً لكم, إن قوتنا بكم لا حد لها, واعتزازنا بنضالكم البطولي اصبح خبزنا اليومي. كم اتمنى ان اكون الى جانب ابي وقائدي آية الله... هل تسمعني؟
المساعد: نعم اسمعكم.
عرفات: الى اللقاء فوق جبل المكبر في القدس..
المساعد: الى اللقاء يا "ابو عمار", ودار سفارة اسرائيل ستكون مكتباً لمنظمة التحرير الفلسطينية.
   وفي ايران التقى الخميني وعرفات ثلاث مرات. اللقاء الاول استمر ساعة على انفراد, والثاني عدة ساعات, والثالث, الذي عقد قبل عودة "ابو عمار" استغرق وقتاً غير قليل وربما كان الاهم.
   وقد سمع عرفات من الخميني ان ايران ستشارك في تحرير فلسطين بمختلف الوسائل المتاحة, وان ايران الاسلامية قوة تضاف الى القوى العربية, وسد منيع.. وسمع ان النفط الايراني هو جزء لا يتجزأ من الاسلحة التي ستستخدم في المعركة, ولن تذهب منه قطرة الى اسرائيل او جنوب افريقيا. وسمع ايضاً ما يطمئن الى دعم الثورة الايرانية للثورة الفلسطينية في مختلف المستويات "فدين الثورة الفلسطينية كبير ومهما قدمنا لا نستطيع الوفاء".
   ومصادر فلسطينية مقربة قالت ان زيارة عرفات سجلت عدة انجازات لعل ابرزها:
- التاكيد على العلاقات النضالية بين الشعبين الايراني و الفلسطيني.
 -تعويض الخلل الذي احدثه خروج مصر من الصف العربي وواجهة الصراع, وتأمين عمق استراتيجي جديد للقوة العربية.
 -توظيف طاقات ايران في خدمة الثورة الفلسطينية والقضايا العربية التحريرية.
   واذا صح ان الثورة الايرانية احدثت انهياراً يكاد يكون كاملاً في الطموحات الخارجية والتطلعات الخارجية الى منطقة الخليج العربي, فإن السيف الذي كان مصلتاً على الرقاب العربية يكون قد رفع, والمعادلات التي كانت قائمة تكون قد سقطت...
ويكون عرفات, دونما حاجة الى بروتوكولات, قد حقق للثورة الفلسطينية كسباً استراتيجياً لا يقدر بثمن


تقرير اميركي الى البيت الابيض
البريطانيون يعملون ضد اميركا لتكون لهم حظوة لدى الخميني

(مجلة الموقف في 17-9-1979)
  
تلقى البيت الابيض الاميركي تقريرا عن التطورات الاخيرة في ايران انطوى على مفاجاة يتوقع لها المراقبون ان تتسبب في مشكلات حادة بين الولايات المتحدة و بريطانبا(..)
فقد ذكر التقرير الذي اعدته اجهزة اميركية سياسية و اقتصادية و عسكرية ان هناك "مفاجأة" تدعو للتامل ز الدراسة و هي ان الحكومة الايرانية و كذلك الزعيم الايراني آية الله الخميني ،يستثنون بريطانيا في اجراءاتهم و التصريحات المناهضة للغرب.بينما يركزون في الوقت نفسه على الولايات المتحدة و المانيا الغربية و فرنسا و اسرائيل .
و لاحظ واضعوا التقرير ان الامام الخميني و مساعده لا يشيرون بأي كلمة نقد الى بريطانيا ،و ان كل الاجراءات التي اتخذتها الثورة الايرانية لم تمس بالمصالح الاقتصادية البريطانية في ايران .كذلك فان الغاء العقود المبرمة مع بريطانيا ،و شمل العقود مع الولايات المتحدة و المانيا الغربية و فرنسا.
و بقيت عقود ايران السابقة مع بريطانيا لشراء دبابات "تشيفتين" و لشراء قطع بحرية و لانشاء طريق "زهيدان".
كما اشار التقرير الاميركي الى استمرار استخدام صناعة النفط الايرانية لخبراء و تقنيين من البريطانيين كافة في اقليم "خوزستان "و كانت اول بعثة اقتصادية ايرانية بعد الثورة هي البعثة التي زارت بريطانيا .
و يقول التقرير الاميركي انه لا يمكن تفسير هذه المعاملة التفضيليةالتي يلقلها البريطانيون دون كل الدول الغربية ،من جانب الامام الخميني الا في ضوء مساعدة البريطانيين له لفترة طويلة ضد الشاه ،و خاصة في الفترة التي كان يقود فيها نشاطه الثوري في الخارج .الامر الذي جعل البريطانيين يعملون على اضعاف مركز الاميركيين بين القوى المناهضة للشاه.
و يذكر التقرير الاميركي الى البيت الابيض ان رجل المخابرات بريطاني بارز يدعى "ماك سوين"يعد الوحيد من خبراء الشؤون الارانية الغربيين الذي يستطيع مقبلة الامام الخميني و مساعديه المقربين.
و يعتقد واضعوا التقرير ان اصدقاء الامام البريطانيين يسعون لديه للتخلص من المهدي بازركان الذي يعتقدونه انه يفضل كثيرا اقامة علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة على بريطانيا ،يؤيده في ذلك عدد من اعضاء حكومته.

صادق طباطبائي يعلن "البلاغ رقم 1" في الجنوب
ندعو الى قمة عربية في ايران

المصدر : 15-10-1979 الاسبوع العربي
(مصحح)
نورا فاخوري

   منتصف الليل يزحف على بيروت بتعب, (...) "صادق" دونما حاجة استعمال الالقاب, هو الدكتور طباطبائي نائب رئيس الوزراء والناطق الرسمي باسم الحكومة الايرانية.
   والحصول على حديث خاص في بيروت من صادق طباطبائي مهمة شاقة. ففي جدول مواعيده زيارات لا تنتهي: ابو جهاد, المفتي, رئيس الوزراء, رئيس الجمهورية, السفارة الايرانية, الجنوب, سفير الكويت, واجتماعات عمل مع اعضاء المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى المحيطين به كيفما اتجه.
   هذا على الصعيد الرسمي. والناس في الجنوب وفي مدينة الزهراء تريد رؤية وجه الثورةعن كثب. بعضهم يتعرف اليه فيندفع محيياً الثورة والخميني, ومطالبا بعودة الامام.. ومنزله في الجنوب.
   والزيارة ليست الاولى لصادق. فقد كان يتردد كثيراً على لبنان يوم كان طالباً في المانيا. وفي صور, وبالتحديد في مهنية برج الشمالي, كان يجتمع بالدكتور مصطفى شمران وزير الدفاع الحالي في الحكومة الايرانية, ويخاله الامام الصدر ويخططون للثورة.
  وفي الليلة الاولى شباب من "امل" وفي الليلة الثانية عناصر من قوى الامن الداخلي والردع و"امل", فللحماية اصول.

  • السلام عليكم. ما زلت منتظرة منذ الصباح؟! قالها بالانكليزية اعذريني, دقائق ونبدأ الحديث.
    كان مرهقاً.
    جلس على "الكنبة" اكراماً لعاداتنا ثم بدأ يتململ بعفوية (....)غاب لحظات ثم عاد باللباس العسكري لحركة "امل", حافي القدمين وقف امام المسلحين الخمسة ومرافقه قاسم مهدوي وصار يتلمس بدلته المرقطة. وبسرعة سحب احد الشباب مسدسه, وقدمه له.
    o ما رأيك؟
    واضاف مازحاً: "اعلن البلاغ رقم واحد"!
  • وهل ستذهب بهذا اللباس غداً الى الجنوب؟
    o لو لم تكن هذه نيتي لما طلبت البدلة المرقطة! لكن ينقصني الحذاء غداً استعير واحداً من الشباب.

وبعد منتصف الليل, بدأنا حديثاً هذه تفاصيله:

  • كيف تصف العلاقات اللبنانية – الايرانية, بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران, وما هي المشاكل العالقة بين البلدين, قبل وبعد الثورة؟
    o في الواقع قبل انتصار الثورة الايرانية, كان للشاه علاقات وارتبطات مع بعض السياسيين اللبنانيين, وكان يرجح مصالح اقلية في لبنان, التي هي ضد المحرومين, على مصلحة الشعب اللبناني. كان لبنان مركزاً لتجمع افكار الشرق والغرب, ومركزاً لتوزيع مختلف الاتجاهات السياسية. الثوار, وطلاب الحرية الليبراليون كانوا يستفيدون من الديمقراطية في لبنان, ويتبادلون الافكار والعقائد, ومن جهة ثانية كانت منظمات التجسس تتآمر عليهم وتخطط ضدهم.
         لبنان كان ارض الضيافة للفلسطينيين وشيعته كانوا المضيفين الاساسيين لهؤلاء الثوار. وشاه ايران, بسبب تعاونه مع اسرائيل, كان يصرف اموالا باهظة ضد المصالح الفلسطينية واللبنانية وخصوصاً الشيعية منها.
       بشكل عام نستطيع القول بأن روابط الدولة الايرانية في عهد الشاه المخلوع ليست بعيدة عن المطامع الامبريالية والصهيونية والسفارة الايرانية السابقة كانت وكراً للمؤامرات ولم تكن سفارة للشاه فقط, بل لاسرائيل ايضاً.
       هذا الجو انقلب بعد الثورة, والدولة الايرانية اصبحت ممثلة للشعب الايراني, حامي المحرومين في العالم. والشعب الايراني يحاول جاهداً تحقيق اهداف المحرومين والمستضعفين ومنهم المحرومون اللبنانيون. اما العلاقات بين الدولتين الايرانية واللبنانية في الوقت الحاضر, فلا تشوبها اية مشكلة دبلوماسية.
  • ومشاكل غير دبلوماسية؟
    o ابتسم وأصر: لا مشاكل دبلوماسية..
  • ذكر ان وفداً لبنانياً زار طهران ليطالب بالحد من تحركات الفلسطينيين في الجنوب اللبناني (؟) الى اي مدى يمكن للثورة الايرانية ان توقف التزاماتها الشيعية في لبنان وتحالفها مع الثورة الفلسطينية في الظروف الراهنة؟
    o اسرائيل مثل غدة سرطانية موجودة في كل منطقة, لا تستهدف الفلسطينيين فقط, بل مجتمعات العالم الاسلامي كله. والحرب معها صراع ما بين الاسلام واهداف الغرب التوسعية. وقد ركزت اسرائيل حربها على ثلاث نقاط:
     - خلق خلافات فلسطينية – فلسطينية. والامام الصدر كان احد الاشخاص الذين منعوا نشوب مثل هذه الخلافات.
     - كما سعت اسرائيل الى خلق حرب فلسطينية – شيعية, وكان الامام الصدر الوحيد الذي وقف في وجه هذا السعي.
     - حاولت اسرائيل للمرة الثالثة اشعال الحرب الفلسطينية– اللبنانية. وكان الامام احد موانعها.
       بعدما فشلت هذه الخطط, قامت اسرائيل علنا بحملات عسكرية في الجنوب لتحرض الشيعة ضد الفلسطينيين. والفلسطينيون يعترفون بتجاوزاتهم وبأنهم اخطأوا, ومن لا يخطىء من الناس؟! لكن هذه التجاوزات, كانت من خارج اهداف التحرير. (...............)
  • كيف كان لقاؤكم مع "ابو جهاد" وما هي النتائج التي اسفر عنها؟
    o لم ينته الحديث مع "ابو جهاد", وسنحدد لقاءات اخرى في طهران او خارج طهران. تحدثنا عن الثورة الايرانية واثرها في العالم وفي المنطقة وفي العالم الاسلامي ككل, وعن الاخطار التي تتجه من اسرائيل نحو هذه الثورة. والخطر الذي يهدد جنوب لبنان غير منفصل عن الخطر الذي نواجهه في كردستان. واليد نفسها التي تشعل النار في جنوب لبنان تضرمها في كردستان.
       وبما اننا نعتقد ان القدس للمسلمين فتحريرها جزء من ايماننا بالثورة الاسلامية, وعلى كل الذين يؤمنون بهذا  الاعتقاد ان يشكلوا جبهة لتحرير القدس. فلنوضع الخلافات الشخصية جانباً, وليعمل الجميع لهدف واحد. ولأن الوقت كان ضيقاً, فلم نصل الى استخلاص نهائي لحديثنا, ولكنني اكدت على ان الدولة الايرانية تطالب بسيادة لبنان كاملة على ارضه, وتريده بلداً موحداً غير قابل للتقسيم. 
  • الشيعة منقسمون في لبنان, فهناك التيار الخميني واللاخميني و"التيار الثالث". هل تقرون مثل هذا التصنيف, وماذا فعلتم لتوحيد الصف الشيعي؟
    o اذا نظرنا بمنظار الثورة الايرانية, يمكنني ان اقول بصراحة ان القسم اللاخميني لا يملك اصالة وصدقاُ في خطه السياسي, وحتى في اعتقاداته الفكرية. والفئة الثالثة تفتقر الى الوعي الكافي لاتخاذ القرار, ولا يجوز ان يكون هناك حياد بين الحق والباطل, فالمحايد يكون من جيش الباطل, والشيء الوحيد الذي تستطيع ايران ممارسته, هو توضيح اهداف الثورة ومصداقيتها. وكما تقول الآية الكريمة: "قد تبين الرشد من الغي" الثورة الايرانية تستطيع ان توضح طريق الرشد من طريق الغي, هذا اذا كان الخلاف واقعاً بالفعل.
  •  الى اي حد هناك تنسيق سوري – ايراني على مستوى العلاقات الثنائية وعلى مستوى المنطقة وما هي نتائج زيارتكم لسورية؟
    o لعل سورية هي الدولة الوحيدة ا لتي تقف في مواجهة اسرائيل. وبما ان الثورة الايرانية تعتبر ان فلسطين وتحرير القدس قضية اسلامية فإن هذا يخلق ارتباطاً عقائدياً ومعنوياً بين ايران وسورية.
    المباحثات بين البلدين تجري حول الامور الاقتصادية والثقافية والسياحية. ونتائج زيارتي لسورية كانت مفيدة جداً, وواضحة, وليس من زاوية مبهمة حول جميع الصعد. بقيت ثلاث مسائل صغيرة سأستوضحها الرئيس حافظ الاسد في عودتي الى دمشق. 
  • هل يمكن الحديث من تحالفات استراتيجية جديدة في الخليج لحماية الممرات النفطية ومواجهة المخططات الاميركية – السوفياتية؟
    • هنالك محاولات كثيرة لفتح الطريق امام اميركا والمصالح الغربية لأستقدام جيوشها الى المنطقة بحجة الحفاظ على امن الممرات النفطية. ولكن الهدف الرئيسي هو ضرب الثورة الاسلامية في ايران, لأن هذه الثورة تعتبر خطراً عليهم وعلى مصالحهم. الشائعات التي تدعو للسخرية والتي تدعي ان ايران ترغب في السيطرة على الخليج والبحرين والكويت, تنطلق من افواه اناس ليس لهم مراكز سياسة ولا قيادية على المستوى الديني وان قائد الثورة الاسلامي والمسؤولين الرسميين والشعب الايراني يرفضون مثل هذه الاقاويل. وقصد الغربيين من تضخيم هذا الكلام واثارته ان يصلوا على المدى البعيد الى تشكيل جبهة عسكرية اميركية للتدخل في منطقة الخليج تجاوباً مع طلب الحماية من بعض دول المنطقة.
        عملنا هو ايضاح الموقف لجيراننا والمسلمين, ان ليس هنالك خطر يهددكم من جانب ايران بل بالعكس. إن حمايتكم وحياتكم واستقلالكم وحريتكم مرهونة بانتصار الثورة الاسلامية الايرانية. 
  • مع من تتحالفون ضد الحلف الاخر؟
    o لا نتحالف ضد الآخرين, ولكن ضد هذه الشائعات. سورية تساعدنا, والرئيس وحافظ الاسد بعث برسالة في الاسبوع الماضي الى اميري الكويت والبحرين موضحاً ان الاشياء التي ادخلت في اذهانهما لا تمت الى الواقع بصلة, وان النية الحقيقية للثورة في ايران هي ان تساعد على انتصار الامة العربية. 
  • ما هو تعليقكم على مشروع سلطنة عمان لحماية الممرات ؟
    o افضل ان لا اجيب عن هذا السؤال.
  • في اية مرحلة تمر العلاقات الاميركية–الايرانية, وهل من مصادر بديلة للتسلح الايراني؟
    o قمنا بثورتنا لاعلاء الحق والقيم الالهية وهذا ما نريد ان نحافظ عليه بكل قوة. بأي ثمن سنحافظ على الحرية والسيادة والاستقلال. قطع الغيار التي سترسلها لنا اميركا دفعنا ثمنها منذ سنتين. وهذه الاجراءات تقنية فنية وليست سياسية, بينما الاسباب التي منعت ارسال هذه القطع كانت سياسية. اميركا وجدت نفسها مضطرة للوفاء بوعدها, ومن المحتمل انها تريد وضع الحكومة الايرانية تحت ضغط معين, ولكننا نذكرها بأن ثورتنا انتصرت بسلاح الله. 
  • وماذا عن العلاقات الايرانية – السوفياتية؟
    o العلاقات الايرانية – السوفياتية جيدة.
       وكأن الحديث الجدي اتعبه. والرجل صاحب نكتة ذكية. قال: "بما اننا نتحدث عن الاتحاد السوفياتي, فسأخبرك حادثة حصلت بيني وبين سفير الاتحاد السوفياتي في ايران. دخل السفير السوفياتي الى مكتبي ذات يوم وحملني رسالة الى الامام الخميني تتضمن عشرين بنداً ومنها بند يعني ان لا علاقة للاتحاد السوفياتي بما يحصل في افغانستان. بعدما قرأ الامام المضمون, ضحك وقال: "هناك ثلاثة انواع من الكذب: ان تكذب ولا يعرف الاخرون انك تكذب. ان تكذب ويعرف الاخرون انك تكذب ويخفون الامر عنك. وان تكذب ويعرف الاخرين انك تكذب, وتعرف انت انهم سيعرفون. وصاحبنا السوفياتي من النوع الثالث".
    وفي المساء رويت للايرانيين تلفزيونياً ما حصل, فجاءني السفير محتجاً في اليوم التالي
  •  ما هي القوى السياسية الفعلية التي تحكم ايران اليوم. وهل تمكنت الدولة الجديدة من ارساء مؤسسات وبنيات تحتية قوية لمواجهة الحركات الانفصالية واعداء الثورة؟
    o القوة السياسية التي تحكم ايران الآن هي القوة السياسية التنفيذية المتمثلة بشخص الامام الخميني, علماً ان هناك اراء في الساحة السياسية الايرانية غير اراء الامام الخميني. وهذه اراء اقلية ضئيلة جداً لا تتجاوز 2 و 3%. والقوة التنفيذية, اي الحكومة والدولة بأكلملها, تتبع الخط الذي يرسمه الامام الخميني. الى جانب هذه القوة هناك مجلس الثورة, الذي يمثل القوة التشريعية ولا يملك سلطة او مسؤولية تنفيذية. والى جانب هاتين القوتين هناك السلطة القضائية الممثلة بالمحاكم الثورية. هذه القوى الثلاث غير مرتبطة ببعضها البعض وهي تأخذ تعليماتها مباشرة من الامام الخميني. وعلى الرغم من ذلك فأننا نرى اشخاصاً يناهضون, ويمكننا ان نجمعهم في "طبق" واحد. منهم من يؤمن بالاسلام وبالثورة وبقيادة الامام الخميني ولكن لا يعجبه الاسلوب التنفيذي الذي تمارسه الحكومة. ومنهم من يناهض تركيبة الحكومة الحالية وهناك اشخاص علمانيون لا يؤمنون بالدين ولكنهم يريدون الحرية والعدالة الاجتماعية, واي حكومة اسلامية كانت او غير اسلامية تستطيع ايجاد العدالة الاجتماعية يقبلون بها. ولكن في الظروف الحالية  للثورة لا يمكننا ان نبسط العدالة الاجتماعية في ايران كلها.
       فهنالك بعض المتزمتين الذين يمارسون التجاوزات. من جراء ذلك انضم هؤلاء المناهضون الى الشيوعيين والماركسيين الذين هم ضد الثورة الاسلامية, ومن منطلق عقائدي. ولأنهم يعرفون ان ايجاد نظام شيوعي في ايران مستحيل في الظروف الحالية, فهم يخططون لاستراتيجيات بعيدة المدى وربما لعشرين سنة مقبلة.
       الشيوعيون والماركسيون اربعون فريقاً, منهم من يرى نفسه مضطراً اليوم لأن يقول "نعم" للثورة الاسلامية ولكنه غير راض, ولا يقبل بها ايديولوجياً. ومنهم من يناهض الثورة الاسلامية بصورة مطلقة وبأي شكل كان, ويرى من الضروري مواجهتها واجهاضها سواء كان بازركان رئيساً للحكومة ام غيره. وهكذا نرى ان هنالك خطأ مناهضاً للحكم الحالي, لكنه يتألف من اتجاهات مختلفة, معتدلة ومتطرفة. لذلك وجب التمييز بين كل هذه الاتجاهات واختلاف منطلقاتها. لا يمكن ان ننظر الى الجميع من زاوية واحدة والانتقادات التي توجه من قبل بعضهم ضد الحكومة ربما تكون محقة وتسهم في طريق البناء, في حين ان لماركسيين يوجهون الانتقادات نفسها ولكن من منطلق جذري مضاد للثورة. فمثلاُ اذا دعى واحد منهم للتظاهر ضد اغلاق صحيفة ما من قبل الدولة, يلبي الجميع الدعوة ويشكلون في الشارع جبهة واحدة. لكن الحكومة اذا ارادت اظهار ردة فعلها فهي لا تستطيع ان تشمل بها الجميع. لأنها تعرف ان بين هؤلاء من يؤمن بالاسلام والثورة وقيادة الخميني ومن ينكر الاسلام من الجذور.
       انه امر صعب, لذلك حاولت الحكومة ان تعالج الموقف بوعي وحذر, وتوضح الحقائق للناس وللشعب حتى يميزوا بين صفوف الاعداء. فهناك تيار مناهض للثورة, وهناك الماركسيون المتطرفون, وأيدي الشاه المخلوع, وعملاء الصهيونية, والذين يريدون احلال النظام الملكي بصورة عامة. والحكومة استطاعت اليوم ان تكشف بؤرهم مستفيدة من وعي شعبها وقدرته على التمييز وبدأت مواجهتهم. وهنا يجب ان اضيف ان المناهضين للثورة لا يؤمنون بنجاحهم في ضرب الحكومة, لأنهم يعرفون جيداً انها تعتمد على دعم شعبي ضخم بنسبة 98% انهم يعرفون ان التغلب على هذا الشعب غير ممكن الا بالقوة العسكرية, ويعرفون كذلك ان قوتهم العسكرية ليست اقوى من الشعب. 
  • كيف تنظرون الى قضية الجنوب اللبناني وهل تعتبرون ان الحل في لبنان لبناني ام عربي ام دولي وأي دور لأيران في هذا الحل؟
    o ان جنوب لبنان هو كردستان ايران وهو لا يفصل ولن يفصل عن ايران ولا عن القدس. ان القيادة والدولة والشعب في ايران همها الوحيد اخراج الجنوب والمستضعفين من الامهم ووضعهم. وحل قضية الجنوب لا يكمن في الجنوب بل في المنطقة وفي ما هو ابعد من المنطقة. وانني اعلن ان الجنوب يجب ان يدافع عنه جيشه اللبناني, ونحن مع الامام موسى الصدر الذي كان يقول: "لا يحمي البلد الا ابناؤه وجنوده". والثورة الايرانية مستعدة لكل مساعدة يحتاج اليها ابناء الجنوب.
       ان جنوب لبنان ليس بعيداً عن شمال ايران, ونحن مصممون على رمي الصهيونية في مزبلة التاريخ. لقد قدمنا خلال سنة اكثر من ستين الف شهيد من اجل القيم الاسلامية التي لا تفرق بين الحدود الجغرافية. فلتكن الصفوف واحدة ولا انتصار للثورة في ايران ما دام هناك سفك دماء في الجنوب. 
  • كيف تفسر ظاهرة الانتشار الايراني الكثيف في الجنوب اللبناني؟
    o ماذا تقصدين بالانتشار الايراني...  الافكار الايرانية؟ 
  • اقصد الاشخاص...
       ينظر بعبوس, يبتسم, ويضيف:
       انا اعرف شخصاً ايرانياً واحداً كان في جنوب لبنان وعاد الى ايران بعد  انتصار الثورة, واصبح الان وزيراً للدفاع هو الدكتور مصطفى شمران.
    o (....)
  •  نشرت الصحف ووسائل الاعلام, اخباراً وصوراً عن المعارك الاخيرة في كردستان. فما هو الموقف الصريح للحكومة الايرانية تجاه مشكلة الاكراد؟
    o الحرب مع الصهيونية لن تنحصر ولن تنتهي لا في جنوب لبنان ولا في كردستان. وسوف نشهد نشوب معارك في بلوشستان وبعض المناطق الحدودية في ايران قريباً. لقد قبضنا على اشخاص اسرائيلين يحملون جوازات سفر فرنسية ومعهم بطاقات صحافية ورخص مزورة من وزارة الاعلام الايرانية. وهناك اشخاص كثيرون غير ايرانين وغير اكراد قبض عليهم في كردستان.
    • ليبيا تدعو العرب الى عقد القمة بشأن الجنوب في طرابلس, والسعودية ليست متحمسة بعقدها في الرياض (؟) وتونس اعتذرت بسبب مرض الحبيب بورقيبة. فما هو تعليقك؟
    o بسبب  وجود عدة خلافات, من المحتمل ان لا تعقد القمة, انا ادعو الى عقد القمة في طهران.

 


 ايران.. هل بدأت تواجه التحدي الكبير!

الجمهور 8 تشرين الثاني 1979

   تعيش المدن الايرانية الكبرى منذ مدة قصيرة, حالة من الذعر. فالوضع الامني متوتر خاصة في مقاطعة خوزستان ومدينة تبريز, حيث تم اغتيال ممثل الخميني الشخصي في المدينة آية الله محمد علي قاضي طباطبائي الذي كان انتقد بشدة في وقت سابق ممارسات حراس الثورة ووصفهم بأنهم يسيرون على طريق "السافاك" السابق.
   وذكرت انباء طهران ان عملية الاغتيال تمت لدى خروج آية الله طباطبائي من احد مساجد تبريز من قبل عناصر مسلحة اطلقت عليه النار من على دراجة نارية. وهذه هي الشخصية السادسة المقربة من آية الله الخميني التي تسقط ضحية اعمال العنف منذ قيام الثورة الايرانية.
   وعلى صعيد الوضع في ايران, فان استقالة حاكم خوزستان وقائد البحرية الايرانية الاميرال احمد مدني من جميع مناصبه طرح مجدداً مصير حكومة الدكتور مهدي بازركان على بساط البحث خاصة ان هذه الاستقالة جاءت مقرونة بأسباب تعود الى عدم ارتياح الاميرال مدني الى ممارسات حراس الثورة, علماً بأن احمد مدني يعتبر الرجل القوي في الجيش الايراني.
   وبعد هذه التطورات الامنية والسياسية في ايران, ينتظر ان يتخذ الامام آية الله الخميني سلسلة تدابير من شأنها اعادة الاستقرار الى البلاد عن طريق تحديد مهمة حراس الثورة ومنح السلطات العسكرية والسياسية صلاحيات اوسع لتوطيد الامن والاستقرار في ايران, ولا سيما في كردستان. 


إيران: من يسرق الثورة؟

المصدر الكفاح العربي 12/11/1979
نبيه برجي

• الخميني يواجه محاولة "انقلاب مقنع" بنقل الحرب إلى الأرض الأميركية.
• معلومات دبلوماسية إلى عاصمة عربية تؤكد تواطؤ بعض المسؤولين الإيرانيين في المحاولة.
• موقف إيران من "كامب ديفيد" والثورة الفلسطينية محور أبحاث تقوم بها لجان مشتركة أميركية – إيرانية من وراء ظهر الخميني.
• الاستخبارات الأميركية تهيىء عناصر في ألمانيا الغربية وإسرائيل وكوريا الجنوبية لتأهيلها لتتسلم السلطة في الوقت المناسب.
• استرداد الشاه كشعار لعملية السفارة الأميركية ليس أكثر من "مؤثّر صوتي".

لا أحد يستطيع أن يقول: كيف سينتهي مأزق احتلال السفارة الأميركية في طهران؟ والمأزق هذا ذو وجهين. إنه مأزق لمحتلي السفارة. ومأزق للأميركيين أيضاً. فلا أحد يظن أن محتلي السفارة سيدقمون على قتل الرهائن.. ولا أحد يتصور أن يندفع كارتر إلى إرسال "المارينز" الأميركيين لتحرير السفارة الأميركية – إلا إذا كان مستعداً لاحتلال إيران كلها لتحقيق ذلك.. في الوقت الذي لا يبدو بإمكان دولة بحجم الولايات المتحدة ألا تنزل عند مطلب تسليم الشاه.. كل ما يمكن أن تفعله هو أن تصبر أكثر، وتعلن اليوم الذي دخل فيه الشاه أراضيها. ثم تعلن أنه هو نفسه قرر الرحيل منعاً للحرج، أو لأن علاجه من مرضه ليس في مستشفيات أميركا.. إنما في مستشفيات جزر باهاما.
مع ذلك فإن الدلائل عديدة على أن عملية السفارة الأميركية ليست هي كل الحرب الإيرانية – الأميركية.. وأن هذه الحرب مرشحة للاتساع ولمزيد من الخطورة.
والذين يرقبون نتيجة هذه العملية ليسوا فقط الولايات المتحدة، بل هناك أيضاً أميركيو الداخل.. الأميركيون الإيرانيون.. والبريطانيون.. والأكراد وعربستان.. والعراق، وكل من له معركة أو قضية مع السلطة الإيرانية أو مع الثورة الإيرانية.
وإذا كان البعض يرى أن حكومة الدكتور مهدي بازركان كانت أول ضحايا عملية السفارة الأميركية فلا بد من الاعتراف بأن سقوط هذه الحكومة لم يكن يحتاج إلا لعربة عليها "ميكروفون" يهتف باسم الخميني وبسقوط بازركان. وربما يسود الاعتقاد بأن سقوط هذه الحكومة يثير استياء الأميركيين الذين كانوا مرتاحين إلى اعتدالها بالمقارنة بالمجلس الثوري. ولكن يبدو في الحقيقة أن ارتياحهم لسقوطها أكبر. لأن ذلك وفقاً للتصور الأميركي يوقع الفراغ اللازم لتدخل عناصر أخرى. ومن يمكن أن يكون المقصود بعناصر أخرى إلا جنرالات الجيش. وبالتالي فلن يكون بازركان أول وآخر من يسقط.. وسيتلوه آخرون.
ومن وجهة نظر الثورة الإيرانية بمفهومها الخالص المجرد – أي من وجهة نظر خمينية خالصة – فإن العكس هو الصحيح إن استقالة حكومة بازركان قد سدت الفراغ الذي كان حاصلاً في المسافة بين المجلس الثوري والحكومة. وأن المجلس الثوري قادر على القيام الآن بمهامه متخلصاً من بيروقراطية الوزراء واعتدالهم.. على أقل تقدير.
مع ذلك، فإذا كانت الدنيا كلها تقوم الآن ولا تقعد لأن السفارة الأميركية التي كانت حاكمة في طهران أيام الشاه أصبحت حكومة بمجموعة من الطلاب الإيرانيين الذين يطالبون بتسليم الشاه السابق.. فإن ما يجري خلف كواليس الصدام بني الثورة الإيرانية والقوة الأميركية من صراعات هو أخطر كثيراً من مصير مجموعة الدبلوماسيين والموظفين الأميركيين.
هناك من يقول إن الثورة الإيرانية لم تمنح لها فرصة "هدنة" من الصراعات منذ أن أطاحت بالشاه.. لا أميركا هدأت، ولا السوفيات راضون. ولا العرب يريدون منح إيران الثورة فرصة لالتقاط أنفاسها. من يتحالف معها يريد منها أكثر مما يستطيع ومن يخالفها يضغط عليها بأكثر من احتمال صبرها.
لكن هناك أيضاً من يقول: الثورة الإيرانية هي التي فتحت على نفسها كل أبواب المشاكل دفعة واحدة. لقد أطلقت العنان للآراء المتطرفة الفردية. فهذا ضد عروبة الخليج.. وهذا يريد البحرين.. وذاك متهم بالعمالة للاستخبارات الأميركية. والكل يتمسحون باسم آية الله الخميني وباسم الثورة.
ولا يبدو أن الشعب الإيراني نفسه راض عن ما يجري من حوله بعد كل التضحيات التي قدمها.
والحقيقة وإنما بكليتها لا تقف مع هذا الطرف أو ذاك.. إنما في الغالب في موقع وسط.
ولكن الحقيقة لا تتمثل في مشاكل إيران وصراعاتها البادية على السطح اليوم. إنما الأصل هو في الصراعات "التحتية" التي تجري تحت الموائد لا فوقها.
وإذا كان هناك شعور لدى الجميع. لدى الشعب الإيراني نفسه ولدى كل من صادقوا الثورة الإيرانية من البداية.. وحتى لدى من تحفظوا على أساليبها وزعاماتها هو أن كل القوى تريد الآن أن تسرق الثورة الإيرانية. ويبدو وكأن المسألة هي مسألة وقت ومسألة من. من تسرق الثورة ومن الذي سينجح بين كل المتكالبين عليها في سرقتها؟".
لكن ما هي أولاً قصة الصراعات "التحتية" أو الخلفية التي لا تجد طريقها عادة إلى الصفحات الأولى من الجرائد وإلى الخبر الأول في نشرات الأنباء.
قبل أسابيع قليلة فوجىء رئيس دولة عربية ليست بعيدة كثيراً عن إيران، خاصة من الناحية السياسية – بتقرير رفعه إليها ممثل هذه الدول في الأمم المتحدة حول "تحركات" يقوم بها بعض رجال السلطة في إيران – ومنهم من يشغل مراكز حساسة – وهي تحركات تدور حول نقطتين هامتين:
- مستقبل العلاقات الإيرانية – الأميركية وكيفية التحكم في اتجاهاتها.
- موقف طهران من السلام الأميركي في الشرق الأوسط.. أي بالتحديد من "كامب ديفيد" ونتائجه من ناحية، ومن المقاومة الفلسطينية من ناحية.
ولم يتردد التقرير المرفوع من رئيس الوفد العربي في الأمم المتحدة إلى رئيس جمهوريته في أن يقول على وجه التحديد أن النقطتين غير منفصلتين بالطبع.. ولكن الأبحاث الدائرة بشأنها بين "بعض المسؤولين الإيرانيين" و"دوائر أميركية رسمية" تفصل بينهما على أساس أن موقف طهران من الشرق الأوسط هو جزء من كل أكبر هو العلاقات الإيرانية – الأميركية.
ويزيد التقرير أن "لجان عمل إيرانية – أميركية مشتركة" قد شكلت. ويستنتج واضع التقرير أن ذلك "بمعزل تام" عن الإمام آية الله الخميني، ولكن بمباركة من بعض وزراء حكومة الدكتور مهدي بازركان (المستقيلة) وعدد من ضباط الجيش المعروفين بميول فارسية متعصبة ومعادية للعرب، وهم – وهذا أهم – نفس الضباط الذين نظموا في الأشهر السابقة إعادة التعاقد على الأسلحة الأميركية للجيش الإيراني.
ويضيف التقرير الدبلوماسي أن هدف هذه اللجان يتعدى كثيراً حدود الاتفاقات الجزئية لدعم علاقات أميركية – إيرانية أكثر مراعاة لمصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية والاقتصادية مع إيران.. إنما يمتد إلى "تكريس حالة انقلاب مقنع داخل إيران يتحول فيه آية الله الخميني إلى مجرد رمز يتراجع تأثيره عن السياسة الإيرانية العليا، وينحصر في الشؤون الدينية والأخلاقية، ويكف تماماً عن أن يكون له قرار بشأن محورين أساسيين للعلاقات الإيرانية – الأميركية هما النفط والسلاح.
ويفيد التقرير – أكثر من هذا – أن الولايات المتحدة لا تريد أن تخوض هذه اللعبة وحدها.. ولا بنفسها مباشرة. فثمة اتصالات مصرية – إيرانية في نيويورك أيضاً – ودون علم الخميني فيما يستنتج – تهدف إلى إزالة التوتر تدريجياً بين القاهرة وطهران عن طريق الاستفادة من الغبار الكثيف الذي يثيره اضطراب العلاقات بين إيران حالياً وعدد من الدول العربية الأخرى فيكون تعزيز العلاقات من جديد بين طهران والقاهرة على خلفية من هذا الاضطراب، لحساب تفكيك العلاقات الإيرانية – الفلسطينية الخاصة التي وصلت إلى حد تؤكد معه جهات عربية ودولة بأنها تلعب دوراً أساسياً في بلورة معادلات جديدة في المنطقة وأنها ليست بعيدة بتأثيراتها عن انطلاق منظمة التحرير الفلسطينية في هجومها الدبلوماسي العالمي الأخير. وهو أمر أكدته أنباء وساطة منظمة التحرير الفلسطينية لدى سلطات الإمام الخميني من أجل إطلاق سراح رهائن السفارة الأميركية المحتلة في طهران.
ويتضح  من التقرير أن هناك قدراً كبيراً من المصداقية أو على الأقل  الاقتراب من الحقيقة في الاتهامات الموجهة داخلياً في إيران إلى عدد من الشخصيات البارزة بالولاء للولايات المتحدة بحكم تربية جامعية أميركية أو تأثيرات أيديولوجية معينة أو بحكم صلات قديمة لم تنقطع على الرغم من انخراط هذه الشخصيات في صفوف الثورة ضد الشاه في المرحلة الأخيرة. وهكذا فإنه خلال السنة الماضية كلها نجح عدد من المسؤولين الإيرانيين في لعب دور بارز ي تثبيت عدد من بقايا الأرستقراطية السابقة والأشخاص الذين يرتبطون بشكل أو بآخر بالولايات المتحدة في مناصب حيوية. وبالفعل فإن بعضاً من هؤلاء كانوا في الخارج وقت انفجار الثورة، وعادوا إلى طهران "في خط مستقيم" إلى جهاز السلطة دون أن يدري أحد كيف تسنى أن يسقطوا من اللائحة السوداء ليستقروا في أمكنة مرموقة.. على اللائحة البيضاء.
(وعندما يقول واحد من أقرب رجال الإمام آية الله الخميني – هو الحسن بني صدر – في حديث مع "الكفاح العربي" في هذا العدد أن النظام القديم يمكن أن يعود حتى بدون الشاه.. فإن وقائع هذا التقرير تكتسب قدراً أكبر من المصداقية. إنها شهادة من داخل البيت بما فيه من غرائب).
وبطبيعة الحال فهؤلاء لا تتيسر مهمتهم إلا بإزالة الأحجار الكبيرة من طريقهم داخل إيران نفسها.. أي كل القوى المعادية للولايات المتحدة بطبيعة توجهاتها الأيديولوجية أو السياسية. ولهذا من المفهوم الآن معنى المعلومات السرية الواردة من طهران بأن آية الله الخميني تدخل بكل ثقله عدة مرات خلال الأشهر الأخيرة لوقف محاولات كان ينوي "الحرس الثوري" القيام بها لتصفية القوى اليسارية التي كانت شريكاً فعالاً في الثورة... ومن المفهوم أيضاً لماذا أصدر الحزب الشيوعي الإيراني "توده" مجدداً في الأسبوع الماضي بياناً جديداً بتأكيد تأييده لآية الله الخميني على وجه التحديد والحصر... ولماذا عادت صحف ماركسية إلى الظهور بعد احتجاب.
لقد كانت معلومات طهران تشير إلى أن بعض قادة "الحرس الثوري" – وبناء على خطط مجهولة المخططين – كانوا ينوون اختراق موقف الخميني والقيام بمذبحة كبرى تطال "فدائيين خلق" و"مجاهدي خلق" اليساريين على السواء. لكن التحرك الكردي وانعكاساته الخطيرة على مسار الثورة حمل القادة على التريث بانتظار توافر الشروط "الموضوعية" التي تتيح لهم تحقيق هدفهم بـ"الاستئثار بالثورة"، أي التمهيد للثورة المضادة. وهذا ما حذر منه المفكر الفرنسي ميشيل فوكيه الزعيم الديني شخصياً لأن تحطيم القوى الأخرى الشريكة سيقود الثورة بالضرورة إلى التقوقع الذي هو البداية المنطقية للثورة المضادة.
وتلاحظ المعلومات أن العناصر التي تشحن – سيكولوجيا – الخط المناهض لائتلاف القوى الثورية في البلاد لم تكن معروفة قط خلال الأيام الصعبة التي شهدتها الثورة، إذ ظهرت فجأة على السطح حتى أن صحيفة "كيهان" نفسها حذرت من أن "بعض المسؤولين يؤخذون بسحر بعض المواقف التي يطلقها طفيليون نموا كالبثور الضارة فوق جلد الثورة.
واللافت أن بعض آيات الله بدأوا يرددون نفس التصريحات التي كان يطلقها قادة البيروقراطية في البلاد وبعض الضباط ذوي "الرغبات الخاصة"، إن في ما يتعلق بالنفط أو في ما يتعلق بالسلاح، فآية الله روحاني مثلاً لا يرى مانعاً من أن يعود الإنتاج الإيراني إلى سابق عهده (أي بين 5 و6 ملايين برميل يومياً) وأن تعقد صفقات الند للند مع الولايات المتحدة، باعتبار ان النفط، على الرغم من كل مظاهر الإثارة، يظل مادة تجارية بحتة لا علاقة لها بأي موقف سياسي، وهو الموقف نفسه الذي يعتمده بعض من يعتبرهم روحاني عقبة في طريق الثورة الإسلامية الشاملة، مع العلم بأن الخميني يرى في خفض إنتاج النفط محافظة منهجية على الثروة الأولى في البلاد، من جهة، ومن جهة أخرى فإنه يعيد هذه المادة السريعة الالتهاب إلى رشدها بحيث يمكن السيطرة عليها بعدما كانت في عهد الشاه "ثروة سائبة".
وروحاني الذي لا يرى ضيراً في تزويد الولايات المتحدة بما تحتاجه من النفط خشية أن يتحطم ميزانها التجاري في سوق روتردام الحرة... لا يرى ضيراً أيضاً في تجديد عقود السلاح المبرمة مع واشنطن أو إبرام عقود جديدة "تكفل للثورة إكمال طريقها إلى نهايته". وهذه المواقف الخطيرة التي تعوزها التجربة تماماً أثارت ذهول المراقبون الذين راحوا يشيعون أن النجوم الأميركية بدأت تظهر جلية فوق العمائم.
وبموازاة هذا التوجه الأميركي الرامي إلى عقد مصالحة استيعابية مع الثورة الإيرانية كانت ثمة توجهات سرية أخرى تبتغي تدمير هذه الثورة نهائياً لكي يقوم فوق أنقاضها نظام مشابه لذلك القائم في كوريا الجنوبية أو في الأرجنتين أو حتى في تركيا.
وعلى الرغم من أن المعلومات حول تلك التوجهات الأميركية السرية كانت تتدفق تباعاً على طهران، ومنها دعم وكالة الاستخبارات المركزية للعناصر المناوئة للثورة والموجودة  في أوروبا، وهو الدعم الذي لم يعرف له حدوداً معينة، فعندما جاء السيد محمد صادق طباطبائي إلى بيروت سمع الكثير وقال الكثير، ومنه أن الـ"سي.آي.آي" أحدثت في داخلها جهازاً برئاسة ستانسفيلد تورز مدير الـ"سي.آي.آي" شخصياً يتولى الإشراف على تدريب العناصر الإيرانية التي تنتمي إلى العهد البائد وتأهيلها لكي تتسلم السلطة في الوقت المناسب.
وقد كشفت هذه المعلومات أن إعداد هذه العناصر يتم في ألمانيا الغربية وكوريا الجنوبية وإسرائيل. وكان مقرراً أن تستحدث معسكرات تدريب مماثلة في مصر، لكن صرف النظر عن ذلك لأسباب لا تزال مجهولة حتى الآن، وإن كان بعض المصادر يفيد بأن عدداً من ضباط القيادة المصرية رفض تورط مصر في هذه العملية.
وتقول هذه المعلومات أيضاً أن جماعة الفرقان "هي واحدة من سلسلة فرق تعدها أجهزة المخابرات في كل من الولايات المتحدة وألمانيا الغربية وإسرائيل بهدف التصفية المنظمة لرموز الثورة الإيرانية. وهذا ما حمل آية الله الخميني على وصف تلك الجماعة برقاص الساعة الذي تحركه الأبالسة، فهي تتوخى المحافظة على خط البلبلة الراهن تمهيداً لإحداث خطوط أخرى تصب جميعها عند نقطة واحدة تتمثل في سحب كل معطيات الحياة من أمام الثورة الإيرانية بحيث يفاجأ الخميني ذات يوم وقد تحولت "قم" إلى حاضرة دينية معزولة تماماً عن الآلية السياسية التي تقود البلاد".
والثبات أن آية الله الخميني كان يعرف الكثير من التفاصيل، وسواء كان ذلك عن طريق المعاينة المباشرة أم عن طريق المعلومات التي يزوده بها الأصدقاء في الداخل والخارج، لكن تدفق هذه المعلومات كان يتزامن وارتفاع التراكمات والعقبات في وجه الثورة، حتى أن الزعيم الديني ألمح لأحد القادة الفلسطينيين بأن ثمة من يعمل "هنا وهناك لكي لا نتقدم خطوة واحدة إلى الأمام".
و"الكفاح العربي" ألمحت أكثر من مرة إلى أن الخميني هو بصدد القيام بثورة داخل الثورة، مشيرة إلى أن ذلك قد يتطلب بعض الوقت لأن الحائط الكهنوتي الذي شكله بعض "رجال البعد الواحد" حوله جعله يتريث حتى يتسنى له تفكيك أجزاء من هذا الحائط المدعوم من الولايات المتحدة التي تعتبر، وكما قال ستانلي هوفمان، أن الحصار التكتيكي هو الطريقة الأفضل في الوقت الحاضر، وربما على المدى المتوسط، للحد من فعالية ذلك الصوت المشع الذي يتميز به الخميني.
لكن التحرك بات أكثر من ضروري بعدما ثبت أن الولايات المتحدة نجحت في تحقيق جزء كبير من أهدافها الحيوية والتي يمكن تلخيصها تبعاً لما يلي:
- تفكيك الجبهة الداخلية بإقصاء القوى الثورية المعروفة بعدائها الأيديولوجي للولايات المتحدة.
- زعزعة الاقتصاد إلى الحد الذي أصبح فيه "أي حل" هو الحل، وكانت تلك بمثابة السانحة الذهبية التي أتاحت للبورجوازية التحايل على الخط العقائدي للسلطة وفرض أشكال اقتصادية معرقلة لعمليات تثوير بنيان قطاعات الإنتاج المختلفة.
- إثارة بعض الأقليات، وهنا لا بد من الإشارة إلى شوفينية بعض رجال الدين وبعض العسكريين التي كانت وراء تحريك الحساسيات القومية، لا سيما وأن هذه الأقليات التي كانت مسحوقة في عهد الشاه رأت الفرصة مناسبة للتململ في ظل الفوضى التي تعكس ضعف السلطة المركزية.
وقد أدى استخدام الأقليات العنف في التعبير عن تململها إلى إظهار البلاد وكأنها أقرب إلى التفكك منها إلى الوحدة. وفي هذا المجال قامت الإدارة الأميركية بدور بارع للغاية إذ راحت تشيع في بعض الأوساط الدينية والسياسية والعسكرية أن ليس ثمة من إمكانية لإعادة توحيد البلاد، إلا بدعم خارجي كبير، وهذا ما يجب أن تضطلع به الولايات المتحدة بالذات زاعمة أن وجود الاتحاد السوفياتي على حدود إيران "يفترض" فيه دور الذي يرغب في ازدراد أجزاء حيوية من إيران لا ترسيخ ارتباطها بالسلطة المركزية.
وتفاقم خط الأقليات استتبع "استعمال" العسكر – وهو ما تردد الخميني طويلاً قبل الإقدام عليه – كما أنه استتبع بالضرورة، البحث عن مصادر للسلاح والذخيرة، وكانت الولايات المتحدة تنتظر مجرد إشارة لتلبية جميع الطلبات ما دام ذلك يؤي إلى تدجين الثورة وبالتالي تدجين ستة ملايين برميل من النفط يومياً خرجت من "الاحتياطي الأميركي" بين ليلة وضحاها.
وقد لاحظ المراقبون في الجولة الأخيرة من الحرب الكردية أن الخميني أمر بتقليص دور القوات المسلحة تفادياً لانبعاث الروح الإمبراطورية في صفوف الضباط. وهذه الخطوة كانت أول علاج عملي للحمى الأميركية.
وسيناريو احتلال السفارة لم يكن عفوياً، بل إنه مدبر بإتقان، فالثورة باتت فعلاً داخل الحصار، ولم يكن يجدي، في هذه الحال، سوى نقل المعركة إلى "الأرض الأميركية" بعدما خاضت الولايات المتحدة حربها خلال الأشهر التسعة الماضية فوق الأراضي الإيرانية. وهذه هي بداية المجابهة الحقيقية التي لم تكن مسألة استرداد الشاه فيها سوى "مؤثر صوتي"، حتى أن السؤال الذي طرحه البعض بشكل تلقائي، بل وساذج: "ماذا تستطيع الولايات المتحدة أن تفعل؟" لم يكن يجيب على السؤال الآخر، أي السؤال الحقيقي: من هو الذي سينتصر في هذه الحرب التي لن تكون على جبهة واحدة؟
والرد البديهي يتوقف على قوة الجبهة الداخلية التي يبدو أنها لم تتخذ أية إجراءات لتعزيزها عن طريق إعاة التلاحم بين عناصر الثورة المختلفة، وهذا هو "الامتياز الإستراتيجي" الأميركي الوحيد في حرب يتحتم أن تنتصر فيها الشعوب.
وآية الله الخميني يعرف جيداً أن الثورة، وكما قال له صديقه ميشيل فوكيه، لا تدمر الأفكار الحليفة بل تتفاعل معها. وهذا هو المطلوب في الوقت الحاضر بعدما دخلت العملية الثورية مرحلة الاقتحام.. والسؤال هل يسبق هذا "الاقتحام الثوري" اقتحام كل أولئك الذين يتربصون ليسرقوا الثورة الإيرانية؟
 _____________________________________________

الدرس الإيراني في العلاقات العربية الأميركية

المصدر الأسبوع العربي 26/11/1979

إثر انفجار الموقف في الضفة الغربية على أوسع نطاق، منذ احتلالها في عام 1967، فإن السؤال الذي رفعته أكثر من عاصمة عربية هو: أين تقف الولايات المتحدة من هذا الانفجار؟
ظاهرياً، سجلت موافقة الولايات المتحدة على التوصية التي اتخذتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بمناشدة إسرائيل إعادة النظر في قرار طرد رئيس بلدية نابلس بسام الشكعة إلى دولة عربية، سابقة في سجل التصويت الأميركي في الجمعية العامة. ذلك أن هذه الموافقة كانت الأولى التي تصدر عن الولايات المتحدة بشأن جانب من جوانب الصراع العربي – الصهيوني.
غير أن الطلب الأميركي بعدم إبعاد الشكمة لا يعني بالضرورة معارضة السياسة الإسرائيلية في الضفة الغربية، وذلك لسبب بسيط، وهو أنه ليس لإسرائيل سياسة محددة من الضفة الغربية.
ويقول جورج بول وكيل وزارة الخارجية الأميركية السابق في مقال نشره في مجلة "هاربر": إن الضم ليس ممكناً. والفلسطينيون لا يمكن إبعادهم من الضفة، فما هي سياسة إسرائيل على المدى البعيد نحو الأراضي المحتلة؟
ويجيب بول عن السؤال بقوله: حتى الآن هي سياسة اللاسياسة. أي أن تفعل لا شيء مطمئنة إلى ثقة القادة الإسرائيليين بأن التأييد الأميركي غير المحدد سوف يعمل بطريقة ما من أجل مصلحة إسرائيل؟
واعتبر جورج بول في مقاله "أنه إذا كانت إسرائيل تراهن في دورها على مغفرة الولايات المتحدة باعتبارها الشقيق الأكبر، فإن ذلك سيكون خطأ أميركا الكبير مخاطبتهم إسرائيل ليس اللغة الدبلوماسية، إنما لغة الاحترام. والرؤساء ووزراء الخارجية وأعضاء مجلس الشيوخ والنواب يتنافسون باستمرار في إصدار البيانات بأنه يمكن الثقة بأميركا إلى الأبد كحامية لأمن إسرائيل.. وأن الولايات المتحدة لن "تضغط" أبداً على إسرائيل في محاولة "لفرض" حل أو حتى من أجل إقناع الحكومة الإسرائيلية بتغيير موقفها".
وقد أظهرت معركة انتخابات الرئاسة الأميركية مدى صحة ما ذهب إليه جورج بول في مقاله، خصوصاً بعد التصريحات والبيانات التي أدلى ويدلي بها كل من روبرت كيندي وجيمي كارتر.
ولكن هل أن هذا الموقف الأميركي هو في مصلحة الولايات المتحدة نفسها؟
قبل أن تقر الزيادة الجديدة على المساعدات الأميركية لإسرائيل كان حجم المساعدة بموجب إحصاءات العام الماضي يبلغ 7 ملايين دولار  يومياً. خمسة من الحكومة ومليونان من القطاع الخاص.
ولكن ليس المهم ما تدفعه الولايات المتحدة إلى إسرائيل، إنما المهم هو ما قد تخسره الولايات المتحدة إذا ما اتخذ العالم العربي قراراً بمقاطعتها نفطياً.. ومالياً وتجارياً كما فعلت إيران الإمام آية الله الخميني؟!
أن الولايات المتحدة تستورد أكثر من 50 بالمئة من حاجتها من النفط، والتي تبلغ حوالي 9 ملايين برميل يومياً (أي ما يعادل كل نتاج السعودية) من الخارج. ومن أصل هذه النسبة، تستورد من الدول العربية وحدها أكثر من 40 بالمئة، ما يجعل العالم العربي أكبر وأهم مصدر للنفط للولايات المتحدة.
وبسبب أهمية النفط العربي استراتيجياً (اقتصادياً وعسكرياً) للولايات المتحدة، وبسبب ثقة البيت الأبيض بأن سياسته من القضايا العربية تتناقض مع الأماني والآمال والحقوق العربية، فقد عمد إلى تشكيل قوة عسكرية لاحتلال منابع النفط العربي – أو على الأقل للتهديد باحتلالها – إذا ما بادرت – أو على الأقل إذا ما فكرت – أية دولة عربية بحظر، أو على الأقل بخفض نتاجها من النفط المصدر إلى الولايات المتحدة.
ومع أنه كان يمكن – كما أثبتت التجربة الفرنسية – ضمان المصالح النفطية الأميركية باتباع سياسة واقعية وموضوعية متوازنة من الصراع العربي – الصهيوني. فإن الولايات المتحدة تسير بعينين مغلقتين وراء السياسة نفسها التي سار عليها من قبل الرؤساء السابقون، من ترومان حتى جونسون، وإلى حد ا، نيكسون وفورد.
وقد يثبت أن التهديد الأميركي باحتلال منابع النفط ليس سوى صرخة في الظلام. ففي ضوء تجربة الأزمة الأميركية – الإيرانية، فإن أكثر ما قامت به الولايات المتحدة هو إجراء مناورات عسكرية في بحر العرب. وعلى الرغم ن أن العلاقات الإيرانية – السوفياتية ليست على أحسن ما يرام. فإن التحسب الأميركي من ردة الفعل السوفياتية حال دون ارتكاب أية حماقة عسكرية ضد إيران.
فكيف يكون الأمر، وثمة علاقات ومعاهدات ومواثيق بين الاتحاد السوفياتي وبعض الدول العربية؟ بل كيف يكون الأمر، والاتحاد السوفياتي الذي سيتحول في السنوات القليلة المقبلة إلى مستورد للنفط، لا يجد في السوق العالمية غير الدول العربية مصدراً للنفط.
أما الودائع المالية العربية في الولايات المتحدة، والتي يزيد حجمها على مئة ألف مليون دولار، فإن أقصى ما يمكن أن تعرض له هو المصادرة، كما حدث للودائع الإيرانية التي تبلغ 12 ألف مليون دولار (؟) ولكن إذا كانت الولايات المتحدة قد وجدت مبرراً في حادث احتجاز رهائن سفارتها في طهران، فأي مبرر ستجد لمصادرة الودائع العربية.. إذا ما قرر أصحابها سحبها لاستثمار أفضل.. في مكان أفضل؟!
ثم ماذا يكون مصير الدولار، كوحدة مالية عالمية إذا ما قررت الدول المنتجة للنفط تسعير نفطها بالذهب بدلاً من الدولار؟.. أو على الأقل بسلة عملات كما سبق أن اقترح وزير نفط دولة الإمارات العربية المتحدة؟
بالإضافة إلى ذلك كله. فإن قمة حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والعالم العربي يصل إلى ملياري دولار في السنة. (يضاف إليها حجم المشتريات العسكرية). صحيح أن هذا الرقم لا يشكل رقماً أساسياً في التجارة الأميركية الخارجية، إلا أنه أكثر من 15 مرة من حجم التبادل التجاري الأميركي مع إسرائيل!
ومع ذلك فإن الولايات المتحدة تغامر بكل مصالحها هذه. فتستعدي الدول العربية لاسترضاء إسرائيل؟. ولكن هل صحيح أن حال الاستعداء هذه تعرض مصالح الولايات المتحدة للخطر؟
حتى الآن لا تتصرف الإدارة الأميركية على أساس الإحساس بأي خطر جدي. فالاحتجاجات العربية الخجول على مصادرة الأموال والممتلكات الإيرانية، رافقها طلب أميركي بزيادة إنتاج النفط العربي لسد النقص المترتب على وقف شحنات النفط الإيراني إلى الولايات المتحدة.
ولكن هل تنفع هذه السياسة على المدى البعيد؟
قبل أسابيع قليلة من سقوط الشاه في إيران، كان الرئيس كارتر يشيد بالشاه ويمتدح نظام حكمه المستقر والقوي. أما الشاه الآن فإنه يشكل عبئاً لا يطاق على كاهل أية دولة تمنحه تأشيرة دخول. أفلا تشكل هذه الحادثة وحدها درساً للولايات المتحدة لتعيد النظر في حساباتها الخاطئة في الشرق الأوسط؟
والقرار العربي الذي اتخذ في عام 1973 بمبادرة الملك فيصل رحمه الله، بخفض إنتاج النفط، وبحظر تصديره إلى الولايات المتحدة وهولندا. ألا يشكل  هو أيضاً درساً وعبرة؟؟.
على الرغم من حمى المزايدات في تأييد إسرائيل التي بدأت ترتفع مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأميركية. فقد ارتفعت أصوات اميركية عديدة محذرة من النتائج الوخيمة لهذه السياسة.
وجاءت أزمة إيران بانعكاساتها النفطية والمالية والاستراتيجية على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط لتوسع من دائرة المتخوفين من النتائج السلبية المحتمة للسياسة الأميركية الحالية من الصراع العربي – الصهيوني. حتى أن بعض زعماء المنظمات الصهيونية بدأوا يدركون هذه الحقيقة، قلقين من مغبة تحميل إسرائيل مسؤولية أية أزمة تصيب الاقتصاد الأميركي من جراء أية مبادرة عربية بالمقاطعة.. مما يرفع من حرارة العداء للسامية في الولايات المتحدة.
يبقى أن تظهر الدول العربية ولو حداً أدنى من التضامن على استعمال هذا السلاح الفعال.

____________________

 الازمة الايرانية من الداخل
صراع الإمامين

• الخلاف كان كامناً تحت الرماد حتى قبل انتصار الثورة
• الموازاييك الايراني استيقظ مع تراخي قبضة الحكم
بقلم ابراهيم الحلو

المصدر :الجمهور 20 كانون الاول 1979  ص23-مصحح

   عندما وصلت "البعثة الحكومية لتقصي الحقائق" الى مدينة تبريز, عاصمة اذربيجان, استقبلتهما تظاهرة صاخبة ضمت عشرات الالوف من الاذربيجانيين المؤيدين لزعيمهم الروحي آية الله شريعتمداري, الرجل الثاني في الزعامة الدينية بعد آية الله الخميني.
   ولفت "البعثة الحكومية" التي يرئسها ابو الحسن بني صدر, وزير المال والاقتصاد وعضو "المجلس الثوري" والمسؤول السابق عن الشؤون الخارجية, ان اللافتات التي رفعها المتظاهرون "المداريون" ركزت شعاراتها على ضرورة تعديل الدستور الايراني الذي اقر قبل اسبوعين في استفتاء شعبي قاطعته اذربيجان وكردستان وبلوشستان وغيرها من المناطق التي تسكنها اقليات عرقية او دينية. ومرد معارضة جماعة شريعتمداري للدستور الجديد هو ان هذا الدستور يعطي آية الله الخميني سلطات شبه مطلقة منها, على سبيل المثال لا الحصر, حق الموافقة, او عدمها, على اي مرشح لرئاسة الجمهورية الاسلامية, كما اسند اليه شخصياً سلطة تعيين كبار قادة الجيش في القطاعات البرية والبحرية والجوية واقالتهم عندما يشاء.. وبكلمة ان الدستور الجديد يجعل من الخميني اكثر من "شاه" واكبر من دكتاتور.. ويحول الجمهورية العتيدة الى ملكية مطلقة من طراز الملكية الفرنسية قبل الثورة, حيث كان الملك  يستمد سلطته من الله وليس من الشعب, وهذا الطراز من الحكم المطلق بالذات هو الذي فجر الثورة الفرنسية الكبرى عام 1789, ام الثورات في العالم.
   واذا كانت الثورة الفرنسية قد اطاحت نظام الملكية الاستبدادية "والحق الالهي" للملوك, فقد أرست مكانهما جمهورية حقيقية ديمقراطية جعلت لها شعاراً شهيراً "حرية, عدالة, مساواة" ووضعت لها دستوراً دائماً هو "شرعة حقوق الانسان" التي لم تجد منظمة الامم المتحدة, بعد قرن ونصف القرن, افضل منها لتتبناها, مع بعض التعديلات في الشكل لا في الجوهر, ولتجعل منها قانوناً  اساسياً عالمياً تعمل بمقتضاه المنظمة الدولية.
   وكما كانت الثورة الفرنسية ام الثورات العالمية التقدميةو فقد كانت الجمهورية الفرنسية الاولى ام الجمهوريات الديمقراطية في العالم.
   اما الثورة الايرانية فقد سارت في خط معاكس, فبعدما اطاحت نظاماً امبراطورياً مستبداً يعود تاريخه الى 2500 سنة, وبعدما قوضت اقدم عرش في التاريخ, جاءت, تحت لواء الدين, لتقيم "جمهورية اسلامية" ذات دستور يقر مبدأ "الحق الالهي" ويلقي بالسلطات  المطلقة بين يدي رجل واحد هو زعيم هذه الثورة آية الله روح الله الخميني.
  الا ان المبادئ التي قام عليها دستور "الجمهورية الاسلامية" لم تكن مفاجأة لأحد, ذلك ان آية الله الخميني كان قد شرحها وفصلها في "الكتاب الاخضر, المستقى من مجموعة كتابات الزعيم الشيعي الايراني (نشر مؤخراً بالفرنسية والانكليزية فضلاً عن الفارسية).
   يقول الخميني مكرساً "الحق الالهي" للحاكم:
  "الحكومة الاسلامية خاضعة لقانون الاسلام الذي لا يستمد لا من الشعب ولا من ممثليه بل مباشرة من الله ومن ارادته القدسية.."
  "هذا القانون يجب  ان يخضع له كل الناس وينفذه كل الناس بلا استثناء ولا اعتراض. وعلى الجميع طاعة حكام الحكومة الاسلامية لأن تلك هي ارادة الله. وليس لاحد اي حق التدخل في الارادة الالهية وليس عليه سوى واجب واحد اوحد هو الطاعة".
  لما كان الله تعالى لم يعين احدا ًبالاسم لتولي شؤون الدولة الاسلامية في غياب الامام الثاني عشر المتخفي, فما الذي ينبغي لنا ان نفعل؟. ننتظر ظهور رجل كفوء تجتمع في شخصه الفضائل المثلى, فيقيم دعائم الدولة الاسلامية, لان قتل هذا الرجل يجسد الولاية التي اسندها الله تعالى الى نبيه الكريم لقيادة شعبه, عندئذٍ يتوجب على الشعب ان يطيعه طاعة مطلقة. وانه لمن الخطأ الاعتقاد ان السلطة التي اعطاها الله للنبي كي يحكم المؤمنين كانت اسمى من تلك التي اعطيت لعلي, ومن الخطأ ايضاً القول ان السلطات الممنوحة لعلي يجب ان تكون اسمى من تلك الممنوحة, في وقتنا الراهن, للزعماء الدينيين. صحيح ان الفضائل الشخصية للنبي ولعلي كانت اسمى من فضائل مخلوق بشري, ولكن مقدار الفضيلة لا يزيد في شيء السلطة التي يتمتع بها الحاكم. وبالتالي فإن جميع السلطات العسكرية والمدنية التي اسندها الله الى النبي والائمة, تتمتع بمثلها الحكومة الاسلامية الحالية كما اكد الخميني في كتابه المذكور.
   وبديهي ان يكون زعيم ديني آخر في ايران قد تنبه, منذ البداية, الى المحاذير التي يسعى اليه الخميني وأنصاره من وراء الدستور الجديد للجمهورية الاسلامية وطرحه على الاستفتاء على هذه الاسس. هذا الزعيم هو آية الله شريعتمداري, الزعيم الروحي لمقاطعة اذربيجان الشمالية الواقعة على شواطئ بحر قزوين.
   ولم يفت المراقبين السياسيين الذين تتبعوا  تطورات الثورة الاسلامية في ايران, منذ نجاحها في الاستيلاء على الحكم, في شباط الماضي, وحتى قبل ذلك عندما كان الخميني مقيماً في منفاه الباريسي "نوفل-لي-شاتو" لم يفتهم  تلمس بذور المعارضة داخلية متعاظمة تستعد لمقاومة المخطط الخميني في محاولة لمنع وقوع كل السلطات بين يديه تحت شعار "الحق الالهي" في الحكم المطلق ووجوب الطاعة له.
   ولما كانت الموجة الدينية متفجرة وطاغية في ايران, فقد تسلم دفة المعارضة رجل دين اخر هو آية الله شريعتمداري, فسار وراء المعارضون من كل شكل ولون, اذ ليس من المعقول ان يقود مسيرة المعارضة رجل مدني ولا حتى عسكري في مثل هذه الظروف.
   وفي اجتماع المراقبين انه, لو لم يقد المعارضة رجل دين من مستوى الخميني مرتبة, لما قدر لها ان تبصر النور ولما خرج ايراني واحد في التظاهرات التي اصبحت الخبز اليومي للشعب الايراني كله وعلى اختلاف نزعاته, فمن لا يتظاهر تأييداً الخميني يخرج ليهز قبضته مؤيداً شريعتمداري او منادياً بالسفر الى جنوب لبنان "لمقاتلة الصهيونية والامبريالية" –وكأن ليس من وجود للصهيونية والامبريالية الا في جنوبنا التعس!.. – او مطالباً بالحكم الذاتي للاقليات الكردية .. او هاتفاً: الموت لاميركا!
   ان ايران موزاييك حقيقي  من القوميات الاتنية التي شكلت, على مر العصور, امبراطورية فرضتها القوة في اغلب الاحيان وجمعها الدين في احيان اخرى (على وجه التحديد منذ دخول الاسلام الى بلاد فارس عقب موقعة القادسية عام 636م حيث هزم سعد بن وقاص جيوش الفرس وقوض عرش الاكاسرة, ثم فرقها الدين نفسه بعد موقعة كربلاء ومقتل الحسين بن على يوم 10 محرم عام 61هـ) (10تشرين الاول عام 680م) على يد جنود يزيد بن معاوية الاموي. فكان الانشقاق الكبير في الاسلام, حقيقياً يطالب بالخلافة التي انتزعت منه بقوة السلاح.
   اما الموازييك الايراني الحالي فمؤلف من خمس قوميات اهمها الازربيجانيون الاتراك الذين يعدون اربعة ملايين يليهم الاكراد (3 ملايين ونصف المليون) الذين يعيشون في مقاطعة كردستان شمالي غربي ايران على الحدود ايضاً, فالعرب (مليونان) يقطنون المناطق البترولبة على الخليج العربي, في مقاطعة عربستان, وأخيراً التركمان (نصف مليون) والبالوش (نصف مليون) أما باقي السكان فمن الفرس (حوالي 25 مليوناً). ولكل من هذه القوميات زعيمها الديني او السياسي, فالفرس وكلهم من الشيعة يتزعمهم آية الله الخميني بينما يتزعم الاذربيجانيين وهم من اصل طوراني (تركي) آية الله شريعتمداري, وللاكراد اكثرمن زعيم اما العرب فزعيمهم هو اية الله الخالقاني (في الاقامة الجبرية حالياً ويحاول الاميرال احمد مدني قائد البحرية والموالي للخميني اخذ الزعامة من الخالقاني ويقال انه فعل ذلك لقاء وعد بتعيينه رئيساً للجمهورية الاسلامية ذات يوم..)
  في عهد الشاه استطاعت سلطته ضبط هذه القوميات ومنعها من اثارة القلاقل او المطالبة بالحكم  الذاتي عن طريق القمع والتهديد والاغراء, فبدأ الايرانيون شعباً واحداً متماسكاً ومنصهراً ومتعايشا, غير ان ذلك لم يكن سوى مظهر خارجي, او, بكلمة اصح: الرماد الذي يغطي الجمر, وما ان زال حكم الشاه وتبددت وطأته وانحسر شبح القمع والبطش حتى اخذت تلك القوميات تتململ مستغلة مرحلة عدم الاستقرار التي تعانيها الثورة الخمينية شأنها كشأن كل ثورة تنتصر بسرعة غير متوقعة فيدهمها الوقت للانتقال من مرحلة الثورة – وهي مرحلة سلبية – الى مرحلة الدولة – وهي المرحلة الايجابية.
   ومع مرور الشهور ازدادت الثورة ارتباكاً لكثرة ما واجهها من مشكلات مستعصية بعضها طارىء وبعضها خلقته هي لسبب او لاخر, فازدادت ضعفاً وتراخت قبضتها عل اعنة الحكم الامر الذي شجع الاقليات الاتنية والمذهبية على الجهر بأهدافها ومطالبة مجلس قيادة الثورة الذي لا يسيطر على كل البلاد الا بالاسم, بالاستقلال الذاتي تارة (كما هو شأن الاكراد) وطوراً بوضع دستور ملائم (كما هو الامر مع الاذربيجانيين), وبلغ الامر حد الاصطدامات الدامية هنا وهنالك في وقت بدا ان ثورة الخميني تجهد لخلق مشكلات لها من كل لون, وكأنها تستعجل تصدير ثورتها عبر الحدود قبل ان يستتب لها الامر في البلاد وترسخ اقدام نظامها في المناطق المتمردة.
   ولعل اسطع دليل على ذلك تلك التصرفات الفردية التي يقوم بها جماعات محسوبة على الخميني فلا يسع الثورة الا مباركة ممارساتها وتشجيع خطواتها.
   ان المثلين الاكثر خطورة ومغزى هماً, أولاً: اقدام "الطلاب الاسلاميين" على احتلال السفارة الاميركية وفتح معركة ضخمة مع الولايات المتحدة, معركة بدأت وليس من يستطيع التكهن كيف ومتى تنتهي. وانها لمن الخطورة بحيث باتت تهدد بحرب حقيقية  في الشرق الاوسط قد تتمخض بها الايام او الاسابيع القليلة المقبلة. فرغم الهدوء النسبي الذي يتخلل فترات التهديد والوعيد المتبادلين, يؤكد تقرير دبلوماسي من منطقة الخليج ان معظم الاجانب من مختلف الجنسيات قد ابلغوا  بطريقة غير رسمية, بالتصرف على اساس ان انفجاراً عسكرياً ضخماً سوف  يحدث في الايام الاولى من العام المقبل وهذا ما أكده, بطريقة غير مباشرة, تصريح اخير للخميني في الرد على الرئيس كارتر, اكد فيه الزعيم الايراني ان مسألة الرهائن تهم كارتر بمقدار ما يهمه تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية وبترولية. ومع ذلك فقد لاقى "الطلاب الاسلاميون" مباركة "بطريرك قم" وتشجيع مجلس ثورته لدرجة انهم تطاولوا على وزير الخارجية الحالي صادق قطب زاده ومنعوه من التعاطي بشؤون الرهائن فغضت السلطة المركزية النظر عنهم وتركتهم يصعدون الازمة وتركت القضية تتفاعل على اعلى المستويات الدولية متغافلين عما قد تسفر عنه من اخطار غير معروفة الحدود.
   اما المثل الثاني فهو بدعة ارسال متطوعين الى جنوب لبنان ليس بلا استشارة الدولة اللبنانية فقط بل رغم معارضتها القوية المعلنة وممارضة جامعة الدول العربية بلسان امينها العام الشاذلي القليبي والعدد الكبير من الدول العربية جهاراً او ضمناً. ومع ذلك فجماعة حجة الاسلام محمد منتظري يصرون على المجيء "للدفاع عن الجنوب" ان لم يكن جواً فبراً عبر تركيا وسورية (...), ويعتصمون تارة في المطار وطوراً في وزارة الخارجية ويضربون عن الطعام.. ويتذرع المتطوعون وقادتهم بشعار رفعه الخميني يقول "اليوم ايران وغداً فلسطين". وهو شعار يثلج قلوب العرب ولا شك ولكن, هل فرغ الخميني حقاً من تسوية مشكلات ايران وحان الوقت للالتفات الى فلسطين؟؟
  واذا كان منتظري ومتطوعوه لا يدركون ابعاد الاخطار التي يجرها مجيء بعضهم  او كلهم الى الجنوب – كما قد يجهل "الطلاب الاسلاميون" اخطار احتجاز "رهائن دبلوماسيين – فالاحرى بالحكومة المركزية, او قيادة الثورة, ان تدرك اخطار كل هذه التصرفات فتحد من اندفاعتها لا لانها غير مسؤولة وحسب بل لان وقتها لم يحن بعد بالتأكيد, ولكن هل مجلس الثورة قادر على وقف "المد الثوري" المبكر؟ وهل هو راغب في ذلك؟
  خلال الاسبوع الماضي وحده انتقل مبنى الاذاعة والتلفزة في مدينة تبريز عاصمة اذربيجان ثلاث مرات من ايدي انصار الخميني الى ايدي انصار شريعتمداري. ورغم ارسال "قم" لجنة برئاسة بني صدر في محاولة للتهدئة والمصالحة فقد اصر الاذربيجانيون على التظاهرة والمناداة بالاستقلال الذاتي.
   وهكذا يبدو جلياً ان ما حدث في "قم" في الاسبوع الاسبق من هجوم على منزل شريعتمداري وقتل بعض حراسه ثم تحرك اتباعه, لم يكن مجرد حادثة عابرة او "فورة دم". انه تعبير عن صراع خطير بين الامامين. صراع على امور اساسية جداً هي ما ذكرنا في مطلع هذا المقال من سلطات مطلقة اعطاها الدستور الجديد الخميني.
   واذا ما ضممنا الى تمرد اذربيجان ثورة كردستان وتململ عربستان وسلبية بلوشستان,ادركنا ضخامة المشكلات الداخلية التي تواجه الثورة الخمينية قبل انقضاء عام واحد على انتصارها.
   واذا ما انعمنا النظر في الاسلوب الذي تعالج فيه "قم" هذه المشكلات الخطيرة, لرأيناها وكأنها تعطي الاولوية لاستعادة الشاه الذي لم يعد يشكل أي خطر على الثورة بعدما غدا طريداً شريداً لا يجد سقفاً يأوي اليه كما تأكد ان مرضه العضال لن يمهله طويلاً.. ولوجدناها تعلق اهمية كبرى على الدفاع عن جنوب لبنان رغماً عن لبنان وسكان جنوب لبنان, مع علمها الاكيد بأن الالف او العشرة الاف متطوع لن يحلوا مشكلة – هذا اذا وصلوا سالمين – بل يعقدون جميع المشاكل.
   ولنتذكر انه, يوم الاثنين الاسبق, أورد بعض الوكالات نبأ اقلاع طائرة المتطوعين من مطار ماهاباد في الساعة السابعة صباحاً (كان الخبر مختلفاً) وفي تمام الساعة العاشرة (الرحلة من طهران الى بيروت تستغرق ثلاث ساعات)  كان الطيران الاسرائيلي في سماء الجنوب وفوق مطار بيروت.. فماذا  لو وصلت الطائرة الايرانية في الموعد, اليس وارداً جداً ان تعتدي عليها المقاتلات الاسرائيلية قبل هبوطها في المطار – هذا اذا استطاعت الهبوط-؟ ولحساب من تكون المجزرة؟
   ان المراقبين السياسيين المحايدين حائرون في تفسير اصرار الثورة الايرانية على تعقيد الامور في داخل ايران وخارجها بينما تقضي مصلحتها, في هذه المرحلة بالذات, بتبسيط المشكلات لمعالجتها وايجاد الحلول المناسبة لها كي يتسنى لها توطيد سلطتها وترسيخ اقدامها.
   ولعل مفتاح جواب هذه التساؤلات كلها في عبارات نشرتها زميلة اسبوعية وفيها: "لقد قيل يوم انتصر الخميني ودخل طهران ان العقدة الشيعية هي في الاستشهاد لا في الانتصار. ولكن عندما انتصر واصبح هو الحاكم بقي يتصرف تصرف الساعي الى الاستشهاد ولو خرب العالم. وهذه نقطة اساسية في فهم الذي يجري في ايران. فآية الله الخميني رجل يعيش مع الشهداء في الجنة ويتصرف بعقلية الراحل عن الدنيا فيعبث بكل القوانين المتعارف عليها بين اهل الارض".
  وحبذا لو عمل آية الله روح الله الخميني بكلمة الغزالي الفيلسوف الاسلامي المتصوف: "اعمل لدنياك كأنك تعيش ابداً ولأخرتك كأنك تموت غداً".
 


بريجنيف ينفذ وصية لينين في افغانستان!
لماذا اختفت ملفات "السافاك" حول الوجود السوفياتي في ايران؟

المصدر: الحوادث 18/1/80 (مصحح)

حسن حماده

  "حزام الأمن الآسيوي" هو الحلم الكبير الذي راود تفكير لينين قائد الثورة البولشيفية في روسيا و مؤسس دولة الاتحاد السوفييتي.
   كان لينين  يعتبر ان السيطرة على آسيا تؤدي حكماً الى سقوط اوروبا بأكلملها في قبضة الشيوعية الروسية. هذه النظرية التي سبقت إكتشاف البترول في الخليج والمناطق المحيطة به, تأكدت, بما لا يقبل الشك, بعد ظهور الذهب الأسود الذي بدونه تختنق الدول الصناعية, وفي مقدمتها, دول اوروبا التي لا تملك الا القليل من هذه الطاقة...
   اما تعبير "حزام الأمن" فيقصد به حلف عسكري بقيادة الاتحاد السوفياتي و "دول آسيوية" ... يكبر تدريجياً وتتسع رقعته بحيث تنتشر سلطة الكرملين على كامل القارة الآسيوية وبالتالي على البحار المحيطة بها. ولتحقيق ذلك لا بد من موطىء قدم على حدود الاتحاد السوفياتي, يدخل في الستار الحديدي ويصل دولة لينين بالمياه الدافئة من خلال تواصل جغرافي يكفل سيطرة  "روسيا الحمراء" على مستعمراتها الجديدة... فكيف إذا كانت هذه المستعمرات مثل افغانستان البلد الذي تؤكد بعض المصادر المطلعة, التي استقت منها المعلومات صحيفة "لوكوتيديان" الفرنسية, ان في مناطقه الشمالية الغربية كميات ضخمة من البترول قد لا تقل عن الثروة النفطية لإيران! ...
   وحسب كبار الخبراء في السياسة السوفياتية, إن نظرية "حزام الأمن الآسيوي" هي البوصلة التي تمثل مدى الاستمرارية في الستراتيجية السياسية لدولة لينين ... وضمن هذا الاطار يمكن تفسير الغزو الروسي لإفغانستان وردات الفعل التي صدرت عن الولايات المتحدة وحليفاتها والصين وباكستان ... وهذه الاخيرة تعتبر, بالنسبة للأوساط الديبلوماسية, الهدف الثاني بعد افغانستان.
    ولم تكذب إذاعة "كابول" الاوساط الديبلوماسية الغربية, إذ بثت يوم السبت 29 كانون الاول (ديسمبر) الماضي برنامجاً خاصاً حول ما اسمته "بالروابط المتينة" بين افغانستان وباكستان مؤكدة ان النظام الجديد يؤيد "حق  السكان الباكستانيين من البلوش والباثان في تقرير مصيرهم بأنفسهم" ... مما يعكس السياسة السوفياتية القاضية بتحريك القوميات والعنصريات بغية القضاء على وحدة باكستان من الداخل تمهيداً لابتلاعها فتفتح الطريق امام الروس للوصول عبر البر الى بحر العرب الواقع شمالي غربي المحيط الهندي, وبالتالي القضاء على الثوارالمسلمين الافغان الذين يأخذون من الاراضي الباكستانية قاعدة خلفية لحربهم ضد النظام الشيوعي في "كابول" وبعض  المدن الافغانية, خاصة وان الاتحاد السوفياتي يحرص كثيراً على عدم انتقال عدوى الرفض الاسلامي الى "اوزباكستان" السوفياتية حيث الاكثرية الساحقة من المواطنين المسلمين. وهذا ما اشارت اليه صحيفة "الازفستيا" الصادرة  صباح الخميس 3 الشهر الجاري عندما بررت قمع الثوار المسلمين الافغانيين بحجة "عدم السماح بقيام حركات تخريبية يقصد منها التشويش على بعض المناطق داخل اراضي الاتحاد السوفياتي" ...
    و "المبادرة" السوفياتية بإتجاه باكستان اثارت زيغنيو بريزنسكي, مستشار كارتر لشؤون الامن القومي, فاعلن في 30 الشهر الماضي ان الولايات المتحدة "ملتزمة بالدفاع عن باكستان اذا ما تعرضت لأي عدوان سوفياتي" ... منهياً بذلك مفعول الحظر الذي فرضته واشنطن على الباكستان بسبب عصيان الرئيس ضياء الحق لأوامر البيت الابيض واصراره على المضي في صناعة القنبلة الذرية التي يطلق عليها الغربيون, بكثير من المرارة, تسمية "القنبلة الاسلامية".
   وما ان صدر تصريح بريزينسكي حتى صدر في اليوم التالي رد من الرئيس الافغاني الجديد بابراك كارمل جاء فيه: "... إن افغانستان تؤمن بوجوب حل كافة الخلافات الحاصلة مع حكام باكستان بروح أخوية صادقة" ...  ويبدو ان هذه الروح التي تحدث عنها كارمل يقصد بها الجالية السوفياتية من التقنيين والخبراء العاملين في باكستان والبالغ عددهم 5.500 تقني, الذين يشكلون القاعدة الخلفية لجالية الجواسيس الروس التابعين لجهازي الاستخبارات:"الكاي- جي – بي" و "الجي – آر – يو". ومن المعروف ان الحكومة الباكستانية شكلت جهازاً خاصاً بمكافحة التجسس, لكن هذا الجهاز لم يفلح كثيراً في ترقب وملاحقة الجواسيس الروس. غير ان بعض التقارير الديبلوماسية السرية نشرت اسماء ثلاثة رجال سوفيات, مقيمين في باكستان, تأكدت الاستخبارات الباكستانية انهم يدبرون حركة الجاسوسية السوفياتية في الباكستان, وهم: فاسيلوف وهو القنصل العام للاتحاد السوفياتي في اسلام اباد, ونائبه المسؤول عن العلاقات مع الصحفين الباكستانيين ويدعي خوخلوف, مهمته انتقاء الاشخاص "المؤهلين" للعمل في حقل الجاسوسية لصالح موسكو.
   اما الشخص الثالث فهو نائب رئيس البعثة التجارية الروسية في باكستان واسمه "برغرين" الذي تمكنت الاستخبارات من معرفة رتبته العسكرية في جهاز "الجي– آر– يو", وهي, رائد.
    وحسب ما تورده بعض المصادر الديبلوماسية, ان السوفيات اسرعوا في غزو افغانستان بسبب تعاظم الثورة الاسلامية هناك وتهديدها بشكل جدي للنظام, وبالتالي بسبب اسراع باكستان في انتاج القنبلة الذرية بعد ان نجحت في جمع واستيراد المواد اللازمة, طيلة خمس سنوات, دون ان تتمكن الدول الغربية من معرفة ذلك. ولا شك في ان انتشار الاسلحة الذرية على شواطىء المحيط الهندي يعرقل الى ابعد الحدود امكانية نجاح مشروع "حزام الأمن الآسيوي" ... ومن الطبيعي ايضاً ان يكون للاسراع في غزو افغانستان علاقة شديدة مع الوضع الذي تجتازه الثورة الايرانية.
   ولعبة الاتحاد السوفياتي مع ثورة الامام الخميني هي لعبة ... السكوت! ولا يوازي هذا السكوت سوى اللقاآت المتكررة التي تحصل بين الزعيم الايراني والسفير السوفياتي منذ الدخول الروسي الى افغانستان. صحيح ان المرجع الايراني ندد بعملية الغزو, غير انه ما زال يعطي الأولوية لمواجهة الولايات المتحدة في موضوع الرهائن. لذلك يركز الايرانيون على عدم  اثارة الروس عليهم ديبلوماسياً. من هنا اتى تنديد قطب زادة. وزير الخارجية, بالهجوم الروسي على "كابول" بمثابة عتاب اكثر مما هو عداء.
   كان ذلك للحؤول دون وقوف موسكو الى جانب الدول الخمس في مجلس الأمن اثناء التصويت على القرار المتعلق بإطلاق سراح الرهائن الاميركيين.ولما أتى الموقف الروسي بالامتناع عن التصويت بدلا من استعمال حق الفيتو,هوجمت السفارة السوفياتية في ايران واحتلت لوقت قصير ما لبث "حراس الثورة" ان اخرجوا المعتصمين منها. ولقد علق احد المراقبين على ذلك  بأنها مجرد "شمطة أذن" والحرص على عدم قطع شعرة معاوية مع الروس ... حتى ولو دعا الطلاب الذين يحتلون السفارة الأميركية" الحكومة الروسية المتعطشة للدماء لأن تعلم ان قمع الأمة الافغانية المحرومة يوازي قمع الشعب الفيتنامي الذي جلب الهزيمة والعار للولايات المتحدة" ... فإن العلاقات على صعيد القمة لا تخلو من التنسيق فالروس اوعزوا لجواسيسهم وانصارهم بعدم مواجهة التيار الخميني الجارف, بل بالانجراف معه ومسايرته. فحسب تقارير وقعت بين يدي بعض المراسلين الاوروبين, إن جهاز الاستخبارات الروسية " الكاي – جي –بي" يسير اربعة اجهزة في ايران, الأول هو الحزب الشيوعي الايراني (تودي) الذي يضم اكثر من 50 الف ملتزم إضافة الى عدد مماثل من الحزبيين المستترين. الجهاز الثاني مؤلف من عدد من العسكريين الايرانيين منهم على الاقل ضابط واحد برتبة جنرال وثلاثة كولونيلات. وتتساءل التقارير عن سبب اختفاء ملفات "السافاك" (جهاز الاستخبارات الذي كان تابعاً للشاه) المتعلقة بالتواجد السوفياتي في ايران لتاريخ عودة الامام الخميني (!) ... أما الجهاز الثالث فمؤلف من بعض الذين تقربوا من الزعيم الايراني اثناء وجوده في فرنسا. والجهاز الرابع يضم عدداً من الجواسيس المتواجدين في كردستان اذربيجان. وتقول المعلومات ان هؤلاء لعبوا دوراً هاماً, الى جانب "زملاء" لهم اميركيين, في تحريك الحرب الاهلية التي جرت في تبريز بمطلع الشهر الماضي بين انصار الخميني وانصار شريعتمدرأي ...
   ولم ينس "كرمل" الصين, عندما تحدث عن "الروح الأخوية" التي يجب ان تسود بين افغانستان وجاراتها فقال "ان الشعب الافغاني يطلب صداقة مع الشعب الصيني مجردة من اية مصلحة", واتنى تصريحه هذا رداً على بيان حكومة بكين الذي  جاء  فيه ان "الصين تعتبر ان الغزو السوفياتي لافغانستان يهدد امنها القومي" ... فمن ثوابت السياسة الصينية, محاربتها لأي مشروع سوفياتي يهدف الى تطويقها, او على الاقل عزلها استراتيجياً عن جاراتها الأسيويات. ولا ينسى الصينيون كيف حاول الروس, في عهد ستالين, تقسيم البر الصيني تمهيداً لضم القسم الشمالي منه الى الاتحاد السوفياتي ...
   كما لا ينسى الصينيون المحاولات الانقلابية التي يحركها الاتحاد السوفياتي تمهيداً لمجيء نظام موال للكرملين. أي, نظام "كرمل صيني". فالصينيون عادوا وانفتحوا على الهند منذ سنة 1975 ومن ثم طوروا علاقاتهم مع اليابان ودول منظمة امم جنوب شرقي آسيا (تايلاندا, الفيليبين, ماليزيا, اندونيسيا وسنغافورة) ... ويعتبر المراقبون ان احداث افغانستان ستزيد في توثيق العلاقات بين بكين وطوكيو بشكل أساسي, ومن ثم بين باكستان والهند. ولا شك في ان زيارة هارولد براون, وزير الدفاع الاميركي, لبكين للتشاور حول سياسة المواجهة مع موسكو تكسب العلاقات الاميركية الصينية زخماً أكبراً وبعداً جديداً وذلك بأن ساوتها واشنطن بباقي حليفاتها الأطلسيات.
   أما ابرز ما في المواجهة الاميركية للتوسع السوفياتي فهو استعداد بعض الدول مثل الصومال وكينيا ومصر واسرائيل وعمان ... على اعطاء واشنطن السماح في إقامة قواعد عسكرية في اراضيها.
   وفي نظر المراقبين, إن الاتحاد السوفياتي دخل الثمانينات من الباب الواسع عسكرياً ليحمي نفسه اقتصادياً. ولكن, مقابل ذلك, خلق الغزو نفوراً شديداً عند بعض الدول التي كانت منحازة ومن ثم وطدت علاقاتها مع موسكو, كتركيا مثلاً, او غير منحازة كالهند العروفة بسياستها الخارجية المتزنة.
   يبقى هنالك عدة تساؤلات من اهمها: هل سيتمكن الجيش الروسي الجرار من سحق. ثورة المسلمين في افغانستان؟ ... وما تأثير ذلك على العلاقات الايرانية الروسية؟ ... وفي حال لم يتجاوز الاعتراض الايراني حدود الكلام, هل تحافظ الثورة الايرانية على مصداقيتها بالنسبة للذين تجاوبوا معها؟ ... وما هي حدود الاعتراض الاميركي؟ ...
   ومهما يكن من امر, فلقد كان من المتعارف عليه, عند الصينيين بشكل خاص ومن ثم عند الاميركيين ان الاتحاد السوفياتي, حسب قول الكاتب الاميركي إدغار سنو: "يثير ضجيجاً في الشرق ليوجه ضربته الى الغرب" ..
   أما اليوم, فكما قال اللورد كارينغتون, وزير الخارجية البريطاني, ان "المشكلة ابعد بكثير مما حصل حتى الآن. انه اول تحرك عسكري سوفياتي خارج اوروبا مما يعني انهم سيتحركون في كل مكان" ..
   فالمهم بالنسبة للروس كسر "القوس الاستراتيجي المشؤوم الذي بناه الاميركيون طوال السنين بالقرب من حدود الاتحاد السوفياتي الجنوبية" .., كما ذكرت "البرافدا" في عددها الصادر في 31 الشهر الماضي, واستبداله بملف عسكري يمثل حزاماً يقي الاتحاد السوفياتي ويسمح له بتركيع العرب.
    فهل ينجح في ذلك وهوالذي تعود في السنين الاخيرة ان يكسب موقعاً بعد موقع في العالم؟
  الجواب عند الاميركيين وحدهم. 


حياة الامام الخميني
صفحات ناصعة من علم الثورة والايمان

   اذا قدر لشاه ايران ان يحكم طيلة ثمانية وثلاثين عاماً, فان هذا يعني ان الشعب الايراني كان خاضعاً للظلم وراضياً بالارتباط مع الاجنبي ومتذللا لحكم الاقطاع والتسلط, وانما كان يجمع طاقاته بين الفينة والاخرى, ويفجر نقمته بين المرحلة والثانية. ولكن ثورة الشعب في ايران, كانت تبحث عن منهج وقائد لها, عن منهج يضع نضال الجماهير في اطاره الصحيح الذي لا يتيح الفرصة  للامبراطور محمد رضا بهلوي ان يستفيد منه, ويعود لفرض تسلطه  بعد غياب مؤقت, وعن قائد يعرف كيف يوجه الثورة  نحو هدفها بحيث يقف امامها الشاه واجهزته القمعية عاجزاً وراضخاً.
   وبعد حوالي العشرين عاماً من النضال المتواصل. تحركت جماهير ايران بالاسلام, وثارت على الشاه ونظامه بقيادة الامام الخميني. لتصنع ابرز ثورة شعبية عرفتها منطقة الشرق الاوسط, في العصر الحديث ومنذ قيام ثورة 13 يوليو في مصر.
   لقد استطاع هذا الشيخ الجليل, الذي امضى ثمانين عاماً من عمره بعيداً عن الاضواء, ان يطيح باكبر قاعدة استعمارية في الشرق الاوسط, وان يقارع وينهي النظام الذي قال المراقبون السياسيون والاستراتيجيون ان خلعه يعتبر من رابع المستحيلات.
   واذا كان شاه ايران قد نفى الامام الخميني مؤقتاً وهو متربع على عرشه ومعتمر تاجه. فقد تمكن هذا الثائر المؤمن, من ان ينفي ملك الملوك الى الابد, وهو متربع  على سجادة بسيطة في خيمته المتواضعة في باريس. ومعتمر عمامته الدينية.. فمن هو هذا القائد الايراني, الذي قلب موازين العالم بثورته, اربك استراتيجياً الغرب والشرق على حد سواء. ونقل ايران من قاعدة استعمارية الى واحة ثورية مؤمنة ومساندة لحق الشعوب في التحرير؟
   ومن هو هذا الامام, الذي انهى عهد التسلط والارهاب, ووضع ايران على عتبة استفتاء  شعبي ليختار شعبها النظام الذي يرضاه ويسعى من اجله, في اول حق ديمقراطي صحيح يمارسه بعد انتهاء عهد الامبراطورية الفاشية؟
الخطوط الاساسية التي حكمت جهاد الامام
   منذ عام 1963 حتى الان, بلغ الصدام ما بين الامام الخميني والسلطة الايرانية البهلوية ذروته, فمن الاعتقال الى القمع الرهيب للجماهير الى العسف بالطلائع المؤمنة التي رباها الخميني على قيم الجهاد والفداء, الى نفي الامام خارج البلاد خوفاً من استمراره في الجهاد الذي استمر فيه من منفاه, بالرغم من صعوبة الظروف وضيقها. في هذه الفترة تبلورت الخطوط الاساسية التي تحكم مسيرة جهاد الامام, وهي العداء للاستعمار والصهيونية, واعتبار ان خطرها لا يقتصر على الارض المغتصبة في فلسطين بل هو مرشح للامتداد, من هنا جاء توجهه للثورة الفلسطينية واعتبارها الاطار النضالي الذي وضع القضية في المنحى الطبيعي, باعتبار الكفاح المسلح اسلوباً في المواجهة مع الصهيونية.
 نبذة عن تاريخه
   في الشهور الاولى من حياته فقد الامام الخميني اباه, وحرم بذلك من حنان الابوه, وقبل ان يكمل سن الخامسة عشر فقد عمته التي ساهمت الى حد كبير في تربيته, وفي نفس تلك السنة فقد امه, ولكن الامام رغم هذه المصاعب. لم يفقد ذاته. لقد واصل الجهاد في طلب العلم والمعرفة والفضيلة دون انقطاع, واحرز اعلى الدرجات والمراتب في هذا المضمار, وتمكن من تخطي المراحل الاولى والضرورية بسرعة وتفوق, وما ان اتم سن الخامسة عشر حتى شرع بتحصيل العلوم الاسلامية على ايدي خيرة المدرسين وافضلهم, ابتداء من اخيه "بسنديدة" وانتهاء بالمرجع الديني المرحوم الشيخ عبد الكريم الحائري, حيث حاز على مرتبة الاجتهاد في سن مبكرة تقريباً, وانتقل مع الحوزة العلمية من "اراك" الى مدينة "قم" ليكون نفسه علمياً ومستقلاً, واصبح من ابرز المجتهدين والعلماء النوابغ ومن خيرة علماء الحوزة العلمية لمدينة "قم", وان الامام الخميني بالاضافة الى المنزلة الرفيعة التي نالها في الفقه, امتلك تخصصاً عميقاً في علم الفلك والفلسفة والعرفان.
   وقد امضى الامام الخميني شطراً من حياته في تدريس كتب الفلسفة والفقه والاصول. وكان تدريسه لا يقتصر على الجانب الاكاديمي بل يتعداه الى تربية النفوس وتهذيبها وتوجيهها في شتى  شؤون الحياة.
 المعلم والمؤلف:
   بدأ الامام الخميني بتدريس الفلسفة وكان عمره حينذاك لا يتجاوز السبعة والعشرين, وانتقل بعد ذلك الى تدريس العلوم الاخلاقية بغية بناء الانسان المتكامل المتحلي بالادب والاخلاق الاسلامية السامية, وبعد ذلك انكب على تدريس كتب الفقه والاصول وبدأ بتدريس ما يسمى بدرس الخارج "وهي محاضرات تقريرية في الفقه والاصول المتعارف عليها", وقد تميز تدريسه في الحقلين الاخرين عن اقرانه ومعاصريه بميزات واضحة, مما سبب تحولاً كبيراً في جامعة "قم" الدينية, ولم تمض سوى فترة قصيرة حتى احتل الامام الخميني اكبر منابر التدريس الاسلامي في الجامعة الاسلامية الشيعية.
   وبالاضافة الى نيله هذه الميزة التدريسية الفريدة, فقد احتل مكاناً بارزاً في الخطابة والبيان والكتابة, والف كتباً عدة في مختلف الميادين, حيث ان البعض منها لم يطبع بعد, وكان باكورة تأليفاته هو كتاب "صباح الهداية" الذي كتبه ولم يكن قد تجاوز بعد سن السابعة والعشرين من عمره, واعقبه بشرح على كتاب "وعاء السحر" الذي عبر فيه عن مقدار رقيه الفكري في المسائل العقلية, ومن ثم الف كتاب "اربعون حديثاً" الذي اشتمل  على سبعة احاديث في المسائل العقلية وثلاثة وثلاثون حديثاً في المسائل الاخلاقية.
و مما الفه الامام الخميني نذكر:
 1-حاشية على كتاب "نصوص الحكم" للقيصري.
 2-حاشية على كتاب "مفتاح الغيب".
 3-كتاب اسرار الصلاة او معراج السالكين
 4-رسالة في الطلب والارادة.
 5-حاشية على رسالة وشرح حديث راس الجالوت للقاضي سعيد, وشرح مستقل عن ذلك الحديث.
 6-كتاب كشف الاسرار.
 7-شرح حديث "حدود العقل والجهل".
 8-كتاب اداب الصلاة.
 9-الرسائل: بالنسبة الى قاعدة "لا ضرر ولا ضرار", والاستعجاب", و"التعادل", و"الترجيح والاجتهاد والتقليد والتقية".
 10-كتاب "تحرير الوسيلة, كامل للدورة الفقهية".
 11-دروسه الفقهية في النجف الاشرف والتي طبع منها حتى الان اربعة مجلدات.
 12-كتاب الطهارة: وهو كناية عن بحوث فقهية وطبع منها ثلاثة مجلدات.
 13-كتاب تهذيب الاصول: وهو تقديرات درس اصول الفقه في مدينة "قم" وطبع في ثلاثة مجلدات.
 14-كتاب "نيل الاوطار في بيان قاعدة لا ضرر ولا ضرار".
 15-رسالة الاجتهاد والتقليد.
 16-كتاب "زبدة الاحكام".
 17- كتاب الحكومة الاسلامية او ولاية الفقيه".
 18-كتاب "جهاد النفس او الجهاد الاكبر".
 19-كتاب "المكاسب المحرمة" وطبع على مجلدين.
 20-رسالة تتضمن بعض الفوائد في المسائل العويصة او الصعبة.
التحرك نحو الثورة:
   تسلم الامام الخميني زعامة الشعب الايراني المسلم, بعد وفاة مرجع الشيعة في العالم, الامام آية الله البروجردي, وبدأ حركته الاسلامية ونهضته المعادية لنظام الشاه الديكاتاتوري بصورة علنية وصريحة ومباشرة.
 في نفس الوقت الذي اعلن فيه النظام البهلوي عن عزمه على تطبيق المشروع الاستعماري او ما سمي بـ"الثورة البيضاء". وقد ارجع المراقبون اسباب ودوافع نهضته الى اربعة اسباب:
 1-محاولة منع انحراف المفاهيم الاسلامية.
 2-حشد طاقات جماهير ايران المسلمة ضد الصهيونية.
 3-فضح المشروع الاستعماري المسمى "بالثورة البيضاء".
 4-الدفاع عن مبادىء الشريعة الاسلامية الحضارية.
   وبعد ذلك, بدا يقود الانتفاضة الجماهيرية تلو الاخرى, وفي احدى الانتفاضات, اعتقل الشاه الامام الخميني وزج به في السجن, مما ادى الى قيام انتفاضة شعبية على شكل تظاهرات استنكار صاخبة, هتفت بحياة الامام الخميني وبسقوط الشاه وسياسة الارتهان, وقد رددت الجماهير السؤال: ما العلاقة التي تربط بين الشاه واسرائيل حتى تحذرنا منظمة الامن التابعة للشاه من الكلام حولها؟ وقد ادان الامام الخميني في خطاب تاريخي كان قد القاه اعمال منظمة امن الشاه الدنيئة وقال: وردني نبأ يفيد بأن منظمة الامن استدعت عدداً من خطباء طهران, وطلبت منهم بواسطة التهديد ثلاثة امور:
 -عدم الاساءة الى الشاه.
 -عدم مهاجمة اسرائيل.
 -عدم التصريح بأن الخطر يحدق بالاسلام.
   والجدير بالذكر, هو ان جميع مشاكلنا واختلافاتنا تكمن في هذه المواضيع الثلاثة, فاذا ما تجاوزناها, فلا خلافات, ومن الضروري ان نلاحظ, اننا اذا لم نقل بأن الشاه معرض للخطر. فهلينتفي الخطر؟ واذا لم نقل بأن اليهود واسرائيل مصدر الخطر على ايران, او ليست معرضة الان لخطرهم الداهم؟ ولنتحرى الاسباب ونتساءل, ما العلاقة التي تربط الشاه واسرائيل. وهل تعتقد منظمة الامن, بان الشاه يهودي!!
  بعد هذا الخطاب, قام الشاه باستعمال كامل وحشيته والته العسكرية من دبابات وطائرات ومدافع رشاشة ومدافع ميدان, في ابشع جريمة ذبح جماعية لشعب قام بها برابرة على وجه الارض. واذا بوكالات الانباء والمراقبين ينقلون انطباعاتهم من طهران فيقولوا: لقد بدت طهران اشبه بمدينة عصفت بها موجة غزاة برابرة. فما من زاوية او رصيف او منعطف شارع او ساحة الا وتكدست فيها الجثث,وقد بلغ عدد الشهداء خمسة وعشرون الفاً, ما عدا عشرات الالاف من الجرحى الذين لم تستوعبهم لا المقابر ولا المستشفيات بينما كان المتظاهرون يهتفون للامام  الخميني المعتقل في سجن الشاه. الموت دونك يا خميني, بالروح نفديك يا خميني, وليسقط الشاه. وفي اعقاب اعتقال الامام الخميني, وبعد هذه الانتفاضة الجماهيرية الرائعة. ثارت حملة احتجاج واستنكار واسعة ضد الشاه في انحاء العالم الاسلامي. وقد شجب عدد من كبار العلماء هذه العملية النكراء, وعلى راسهم فضيلة شيخ الازهر وقتها. الامام الاكبر محمود شلتوت. الذي بذل جهداً كبيراً في توحيد صفوف العلماء المسلمين ودعاهم في بيان اصدره الى التصدي لهذه العملية. وختمه بالقول: فاشهد اللهم ان اعتداء على حملة رسالتك قد وقع. وان رفع الاذى عن اوليائك فرض في رقاب المؤمنين بك. وانت نعم المولى ونعم النصير". وارسل شيخ الازهر الشريف برسالة الى الشاه قال له فيها: اذا هانت كرامة العلماء. هان في الامة كل عظيم. ولم يبق على ظهرها معنى مقدس ولن يكون ضيم العلماء الا نذير تهلكة. لا ينجو منها الا انصار الحق ودعاته والقائمون على احترامه".
   وتحت الضغط الداخلي والخارجي من انحاء العالم الاسلامي. اطلق سراح الامام الخميني ونفي الى تركيا التي توجه منها الى العراق متابعاً من هناك رسالته التي لم يفل عضده وعزيمته امامها اية محاولة واية مؤامرة.
   وراحت اجهزة الشاه بعد ذلك. تحرك اعلامها المضلل لفبركة الاكاذيب من اجل تضليل الرأي العام الايراني.
   فادعت اجهزة الشاه. انها القت القبض على شخص يدعى "عبد القيس جوجو". وهو لبناني. قالت انه يحمل معه مبلغ مليون "تومان". مرسل من قبل جمال عبد الناصر لشخصيات خاصة في ايران.
   ولكن كل اباطيل الشاه. لم تؤثر في موقف الامام الخميني. الذي واصل نضاله. وقد القى بعد اطلاق سراحه بأيام. خطاباً في طلبة ايرانيين جامعيين قال فيه: "ان من اهدافنا هي: الاسلام واستقلال ايران وتطهيرها من رجس اسرائيل والاتحاد مع الاقطار الاسلامية".
   ثم اعلن في البيان الذي اصدره مع عدد من كبار العلماء بمناسبة تخليد الذكرى السنوية للانتفاضة الجماهيرية الايرانية: ان منهجنا هو الاسلام. وهدفنا وحدة كلمة المسلمين. للوقوف صفاً رصينا في وجه الصهيونية واسرائيل وكل الدول الاستعمارية. وضد الذين ينهبون هذا الشعب المعدم  وخيراته".
   في المقابل. نشط علماء. البلاط الشاهنشاهي المزيفون. وبعد عدة اجتماعات سرية. انطلقوا يبثون بين الجماهير المسلمة بان النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال: الكفر ملة واحدة. فما معنى قيام الخميني. بدق ناقوس الخطر باستمرار ضد اسرائيل وحدها؟
   وادرك الامام الخميني ابعاد هذا المخطط. وبادر الى اطلاع الشعب الايراني على المخططات الاجرامية التي يرسمها عملاء الشاه. وفضح في بيان صريح مؤامرات الشاه الشيطانية وقال: ان الامر المؤسف اشد الاسف واعمقه. هو سيطرة اسرائيل وعملائها" على مقدرات ايران. فاسرائيل في حرب مع الدول الاسلامية. والحكومة الايرانية تمد اليها يد الصداقة والتعاون. وتؤمن لها كل الامكانات الاعلامية وسبل استيراد بضائعها. لقد حذرت مراراً من الخطر الاسرائيلي المحدق بالدين الاسلامي.
   والمهدد لاستقلال بلادنا واقتصادها بالفناء. ومما يؤلمني حقاً شيوع  ما يقولونه " الكفر ملة واحدة" بين الناس, عن طريق السافاك. فهذا يغير نص القرأن الكريم. والهدف من اشاعته دعم اسرائيل وعملائها وتقوية مواقعهم تمهيداً لتأمين الحماية للفرقة السياسية المصطنعة باسم "البهانية" وهاجم الامام الخميني الاستعمار الامريكي والصهيوني وقال: فليعلم العالم, بأن جميع مشاكلنا تنبع من امريكا, وجميع مشاكلنا تنبع من اسرائيل, اسرائيل جزء من امريكا, وهؤلاء النواب (النواب الايرانيون) هم ايضاً من امريكا, وهؤلاء الوزراء ايضاً, كلهم عملاء وصنائع اميركا".
  بعد اشهر من ابعاد الامام الخميني, تمكنت مجموعة من المناضلين من انزال اشد الضربات, بالمصالح الصهيونية والامريكية في ايران, ومنها اشعال النار في مكتب شركة "العال" الاسرائيلية في طهران, وحرق عدة دور سينما صهيونية, وشهر الحملة على مركز العلاقات الثقافية الايرانية الامريكية. وتنظيم عدة مظاهرات في شوارع العاصمة بمناسبات مختلفة معادية لاسرائيل. في تركيا, كرس الامام الخميني وقته لتأليف كتاب "تحريرالوسيلة", الذي حدد فيه الواجبات المترتبة على المسلمين لمواجهة الظالمين والنظم المستبدة الجائرة.
   ثم انتقل سماحته الى العراق, حيث قضى تسعة اعوام, حيث كان له مواقف حاسمة ازاء الصهيونية, وقفها بكل جرأة في مختلف المناسبات والفرص. وكرر دعوته الى الشعب الايراني والى الشعوب الاسلامية عامة يحثهم فيها على خوض الكفاح الشامل.
 موقف الامام الخميني من حرب حزيران
   في بيان للامام الخميني اصدره ابان حرب حزيران 1967, قال فيه: يجب على الدول الاسلامية وشعوبها على اختلاف قومياتها ولغاتها: ان تتوحد وتبذل كل جهودها وامكانياتها في استئصال الغاصب المعتدي وان تكف عن مساعدة اسرائيل وعملائها والسائرين ركابها ومناصريها وان تقطع عنهم كل رابطة تجارية وسياسية وان تمتنع عن استعمال المنتوجات الاسرائيلية كافة. ولتعلم الامة الاسلامية جمعاء ان المخالف كما نوهنا به, يعتبر عدواً مناهضاً للاسلام والمسلمين".
   ونتيجة لتصعيد نضاله, فقد هدده نظام الشاه بالاغتيال, فما كان منه الا ان اجاب في احد خطبه: ان الجهاز الجائر, يظن انني راض بهذه الحياة,  فيهددني بالموت, ماهذه الحياة التي اعيشها؟ الموت لهذه الحياة. افضل ان اتحرر من الحياة باسرع وقت وانتقل الى الرفيق الاعلى, وانجو من هذه الحياة المليئة بالاسى والشقاء, ما قيمة هذه الحياة الممتزجة بصرخات واستغاثات الجماهير الايرانية المسلمة الكادحة والمضطهدة.
 ... وموقفه من حرب تشرين
   واصدر سماحته بياناً حدد فيه نظرته الى حرب اكتوبر وقال فيه: بسم اله الرحمن الرحيم واقتلوهم حيث ثقفتموهم واخرجوهم من حيث اخرجوكم والفتنة اشد من القتل, وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة.
  على الدول التي تحارب اسرائيل ان تكون في هذه المعركة المقدسة جدية  وقوية الارادة, وان تثبت وتقاوم وان لا تغفل عن الامر الالهي: تواصو بالحق وتواصو بالصبر",  وان لا تهتم لتوصية اوامر المنظمات التابعة للدول الاستعمارية, حول وقف اطلاق النار, وعليها ان تطمئن الى انه في ظل الصبر والمقاومة, وتنفيذ الاوامر الاسلامية يكون النصر والظفر للامة الاسلامية. ولشد ما تكون كلماته هذه, نبراساً مضيئاً امام نضال الشعوب الحرة, ولشد ما سوف يكون موقفه ومؤازرته لقضايا الحق, عنواناً سامياً في تاريخ الكرامة,ولشد ما سوف تصفع ثورته. جباه الخونة والمرتدين او لم يقل يوماً: لقد احرقوا المسجد الاقصى ونحن نصرخ: دعوا اثار الجريمة باقية, في حين يفتح نظام الشاه حساباً في البنوك, لاعادة بناء وترميم المسجد الاقصى. وعن هذا الطريق, يملأ جيوبه وخزائنه, ويزيد ارصدته, وبعد ترميم المسجد, يكون قد غطى وستر كل اثار الجريمة الصهيونية. 


 مقابلة مع صادق قطب زادة رجُل الخميني في الاتصالات العربية
الشاه والجيش يذهبان معاً ولن يكون فراغ بعدهما

المصدر: الكفاح العربي لا تاريخ - مصحح
  
 منذ بضعة اسابيع نشرت مجلة "نيوزويك" خبراً صغيراً تتهم فيه بعض بطانة الامام الخميني بالاتصال بالشيوعيين والسوريين والليبيين, ثم سمت صادق قطب زاده, احد معاوني الامام الخميني, وجعلته صلة الوصل بين الامام وبين "المخابرات الليبية" ومضت الى حدّ القول انه ذهب بجواز مزور الى ليبيا مرتين.
   ثم ما لبث مجلة "جون افريك" ان نقلت الخبر بعد ان نسبته الى مصادر في الاستخبارات الفرنسية وبعدها تلقفته صحافة اليمين واحدة بعد واحدة.
   وصادق قطب زاده صحافي ايراني مستقل, وخميني واحد قادة حركة تحرير ايران قابلناه لنسأله عن اخر اخبار ايران وعن توقعاته الشخصية, سيما وان صلاته بالامام الخميني وقربه منه وسفارته له تجعل لكلامه دلالة خاصة. وكان بديهياً ان نبدأ بسؤاله عن سير الحملة عليه شخصياً.
  وكان جوابه هو "ان هذا ليس بجديد علي. منذ 18 سنة سحبت الحكومة الايرانية مني جواز سفري. ثم طردت من الولايات المتحدة حيث كنت اكمل دراستي, ووجدتني في وضع يقصد منه استدراجي الى ايران.
   وفي ايران اوقف شقيقي واودع السجن مدة ستة اشهر, مع انه لم يكن له اي نشاط سياسي. فقد كان القصد ابتزازي لاعود للبلاد بعد محاولات. يائسة مع السلطات الايرانية. بعد توسيط منظمات دولية مختلفة: كمنظمة الشبيبة الكاثوليكية الدولية, ومنظمة حقوق الانسان ومنظمة الديمقراطيين العالميين الخ عمدت الى اخذ جواز سوري بعد ان توسط احد الاصدقاء عام 1964 لدى رئيس الحكومة السورية يومها – الاستاذ صلاح البيطار – اثر ذلك بدأت محاولة شرائي. وعندما فشلت جاءت محاولة اغتيالي: كان واضحاً انني بت محكوماً بالاعدام او بالنفي المؤبد, واعتقادي ان الحملة الاخيرة هي استمرار للاولى انها محاولة اعدام معنوية.

  • يقال انك سافرت الى ليبيا مرتين وبجواز سفر مزور وانك صلة الامام بالشيوعيين.. الخ؟
     -سافرت الى ليبيا مرتين فعلا بناء لطلب الامام الامام الخميني ولسؤال المسؤولين الليبيين عما يعرفونه حول قضية الامام الصدر. لكن الاسم الذي ذهبت به هو اسمي الحقيقي المسجل على جواز السفر.. اما الاتصال بالشيوعيين فقضية غريبة. ذلك ان الشيوعيين الايرانيين يتهمونني من جهتهم بالعداء للشيوعية. 
  • نشرت لك صحيفة "لوسوار" البلجيكية حديثاً تهاجم فيه السيد كريم سنجابي حين اعتقل وقلت ان المقصود من اعتقاله هو اعطاؤه بعض الشعبية, في حين ان خطاب سنجابي الاخير يشير الى مطالبته بتنحي الشاه؟
     -القضية ليست قضية مهاجمة. بل المسألة كلها هي اننا نعتقد بأنه نتيجة للتجربة الصعبة والاستبداد, فان الطريق الوحيد الناجح لاخراج الشعب الايراني من البؤس الذي يعانيه, وتقديم حل له قيمته للمشاكل الهامة التي نواجهها, هو طريق السلام. وعلى هذا فإن شاغلنا الاساسي هو تنظيم المسلمين وترقية مفاهيمهم الايديولوجية من اجل مستقبل البلاد. ومن هنا فإنني ارفض الاعتراف بالتنظيمات المعادية للاسلام او اللااسلامية. ورأيي الشخصي هو انها ليست مفيدة للنضال الذي نخوضه. ولا اعتقد ان الاحزاب غير الدينية بما في ذلك الجبهة القومية, تستطيع ان تقدم ادنى حل للازمة الحالية!
       اما بالنسبة لخطاب سنجابي الاخير فإننا نرحب به مثلما نرحب بكافة المواقف والتصريحات التي تتخذ ضد النظام الحالي؟ 
  • من المعروف انك من الخمينيين. وانك في الحين ذاته في قيادة حركة تحرير ايران: فأي الامرين هو في نظرك وضعك الرئيسي؟
     -الاساس الايديلوجي لحركتنا هو الاسلام. وخمينيتنا سببها اسلامي. وكما تعلمون فان في داخل الحركة الخمينية العريضة اناساً يؤيدون الخميني لمعاداتهم ولمعاداته هو للنظام الشاهنشاهي. اما نحن فنؤيده لهذا ولاسلاميتنا. وبهذا المعنى فنحن خمينيون خمينية تامة كامة ...  وهذا هو وضعنا منذ 15 عاماً وليس من الان ونحن نؤمن بأن الدين والسياسة وجهان لحقيقة واحدة وانهما لا ينفصلان. ونؤمن بأن روحانية السياسة امر لا غنى عنه لمجمل الحياة الانسانية بجوانبها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
        يبقى ان الاسلام ليس برنامجاً اقتصادياً, بل هو مثال اعلى اقتصادي ومثال اعلى للعدالة. والبرنامج يتحدد بحسب حاجات البلدان بل والمناطق. فشمال ايران على سبيل المثال غير جنوبها. وبطبيعة الحال فإنني هنا لا استطيع الدخول في تفاصيل. لكن دعني اقول ان برنامجنا يتناول ثلاثة بنود اساسية في مجال الاقتصاد. الاصلاح الزراعي, التصنيع, والنفط كما يلح على تكامل هذه العمليات. فليس يكفي ان توزع الارض على الفلاحين لكي يبيعوها بعد حين بسبب الاقساط المتراكمة بل لابد من تأمين التجهيزات الضرورية – وبصورة مجانية اذا امكن. ومن المعلوم ان لدينا حاجة للماء في ايران. لابد اذن من تحلية مياه البحر وتوزيعها على الفلاحين. ثم تسهيل عملية توزيع المنتجات الزراعية عبر تعاونيات مع التشديد على تأمين الاكتفاء الذاتي من الغذاء.
       مثال اخر: التصنيع: الصناعة الحالية تركيبية, وهي لم تغير في علاقة التبعية التي نعاني منها شيئاً: فنحن نبيع مواد اولية ونشتري مواد مصنعة.. لكن نركبها. وهذه المواد المصنعة لا تستجيب لحاجات ايران الحقيقية. فالايرانيون لا يحتاجون الى صناعة السيارات الان, بل يحتاجون الى صناعة البناء ومواد السكن والتجهيز المنزلي والخلاص من احياء الصفيح اكثر...(انتهى)

رئيس حركة "امل" ل "الصياد" :
"امل" لبنانية عربية لا ايرانية
الامام الصدر حي

المصدر الصياد: زينب حمّود لا تاريخ

   الاتصال برئيس حركة "امل" الجديد المحامي "نبيه بري" المنتخب مؤخراً .. مشكلة. فهو دائماً "لولب" هذه الحركة: قضايا, اعمال, ومشاكل. بما فيها القضية الكبرى التي ما زالت تشغل بال الكثيرين وهي اختفاء سماحة الامام موسى الصدر ورفيقيه. لكننا على الرغم من مشاكل الهاتف عندنا في لبنان استطعنا ان نصل الى منزله, ونجري معه هذا الحوار.
   والمحامي نبيه بري رئيس حركة "امل" من بلدة تبنين الجنوبية. ومن عائلة "المشايخ" والعلماء. فلا بأس ان كان "لولب" حركة شيعية تناصر المحرومين وتقف الى جانب الضعفاء والمساكين.
   منذ صغره يحب السياسة, ويحب الكلمة الحق, اضافة الى صراحته المتناهية وظرفه وثقافته الواسعة التي تحمل في طياتها تواريخ المنطقة ومنطقية معالجة مشاكل هذه المنطقة التي لا يحلها الا "الحلال" على رأي المثل.
الرئيس نبيه بري   ولولا ذلك لما جاء على رأس حركة "امل" في ظروف صعبة تمر بها البلاد.
   مقابل صورة للامام الغائب ووسط كثرة الزوار الذين يتوافدون بازدياد ورنين الهاتف المتواصل اجرينا هذا الحوار الذي استمر اكثر من ساعتين وحضره احد المرافقين ممن لا يفارقون "الاخ" نبيه بري الذي يمازحهم ويتحدث معهم بروح مرحة اخوية بريئة:

  • ما هي الخيارات المطروحة حالياً امام منظمة "امل" والطريق الذي تختطه "امل" لنفسها الان؟
    الجنوب في الواجهة
     -حركة "امل" لها اهدافها الاساسية التي تناضل من اجلها بجميع الوسائل. اولاها استعادة سماحة الامام السيد موسى الصدر "قائد الحركة". وثانيها الوجه الاخر المتعلق بقضية الامام وهو موضوع الجنوب. والحفاظ عليه من الاطماع التي تحيط به وتهدد مصيره وبالتالي تهديد كيان لبنان ووحدته واستقلاله وسيادته. من هذا المنطلق تعمل حركة "امل" ضد التقسيم والتوطين وهي مع الشرعية التي تبنى على العدالة والكفاءة والمساواة والغاء الطائفية السياسية, الا اننا ازاء هذه المطالب نناضل خاصة لايصال حقوق المستضعفين والمحرومين في جميع انحاء لبنان ولأي فريق انتموا بشتى الوسائل الديمقراطية. لكننا وفي سبيل استعادة الامام والقائد, وفي سبيل وحدة لبنان والحفاظ على جنوبه نستعمل الوسائل العسكرية اذا اقتضى الامر.
       وبالتالي فهذا هو الطريق الذي اعلنته وتعلنه حركة "امل" منذ تأسيسها الى ان يعود لبنان الى  عافيته وبدءاً من جنوبه. 
  • لماذا تم اختياركم قائداً "لأمل". ولماذا استقال النائب حسين الحسيني وما هي اللعبة السياسية وراء هذا التغيير؟
     -ان قائد "امل" ما يزال سماحة الامام السيد موسى الصدر. وشخصيا ًاقوم اثناء غيابه بمسؤولية رئاسة مجلس قيادة "امل". اما حول ما ورد في السؤال بشأن استقالة الاخ السيد "حسين الحسيني" فهو غير دقيق اذ ان السيد حسين الحسيني لم يستقل من حركة "امل". على العكس فقد ترشح لعضوية مجلس القيادة وفاز وهو الان عضو مجلس قيادة الحركة.
       كل الذي حصل كما اوضحناه في مقابلات صحفية عديدة. انه بعد غياب سماحة الامام السيد "موسى الصدر" استحدث نظام استثنائي الى جانب النظام الاساسي للحركة وحدد مدة هذا النظام لعام واحد, ينتهي في (3 نيسان 1980) وبالفعل عقد المؤتمر العام للحركة في اليوم الذي يلي الثالث من نيسان وقرر الغاء النظام الاستثنائي والعودة للنظام الاساسي للحركة, الامر الذي ادى حتماً الى الغاء الامانة العامة. فظهر وكأن في الامر "شرخ" والحقيقة ان في الامر عودة الى الاصل لا اكثر ولا اقل..
    شمران, فقط, عضو في "امل"
  • "مصطفى شمران" وزير الدفاع الايراني. و"قطب زادة" وزير الخارجية الايراني اعضاء في قيادة "امل". وهناك انطباع عند عدد كبير من الناس بأن تيارات كثيرة تتنازع صفوف امل. اذ يقول بعض الناس ان منظمتكم ايرانية اكثر منها لبنانية او عربية . ما رأيكم في ذلك؟
     -الاخ "مصطفى شمران" وزير الدفاع في الجمهورية الاسلامية  الايرانية هو عضو في قيادة حركة "امل" وهذا الواقع مرده الى ان الدكتور "شمران" عاش طيلة الفترة السابقة لنجاح الثورة الايرانية في لبنان وانخرط في صفوف الحركة منذ انطلاقتها واندرج في تحمل مسؤولياتها حتى وصل الى المسؤولية التنظيمية. وعندما نجحت الثورة الايرانية طلب اليه – بأعتباره احد المناضلين في خطها – ان يتحمل مسؤولياته هناك وكان من الطبيعي ان يبقى عضواً في الحركة. ما دام يستلهم مواقفه من مبادئنا.
       اما ما ورد في السؤال لجهة باقي الاسماء فهو غير صحيح. ان حركة "امل" لها صداقاتها مع كثيرين من المسؤولين الايرانيين وتفتخر خاصة بعلاقتها الحميمة جداً مع آية الله الخميني, ومع الرئيس "ابو الحسن بني صدر" وهذا مرده الى ان الثورة الاسلامية في ايران عكست اهداف حركة "امل". سواء بالنسبة للقضية الفلسطينية ومحاربة اطماع اسرائيل.
      هنا تكمن حقيقة علاقاتنا وتعلقنا بالثورة واسلاميتها وقائدها. وليس ابدا من منطلق مذهبي او طائفي, لاننا لا نؤمن ولا تؤمن الثورة بهذه الامور.
      اما ان تكون منظمتنا ايرانية. فأنا أرفض الجواب على اقاويل اقل ما يقال فيها انها سخيفة. فحركة "امل" تعطي الشهادات لسواها في لبنانيتهم وعروبتهم وليست بحاجة الى من يعطيها الشهادة.
    عروبة شيعة الجنوب عريقة
  • هل شيعة لبنان عرب من احفاد بني جبل عامل, ام انهم فرس؟
     -اما حول شيعة الجنوب وعرقيتهم فلست متضلعاً من معرفة اصولهم العرقية. انما معلوماتي تؤكد ان هذا الجبل المقدس "جبل عامل" الذي مر عليه الانبياء. وعبر فيه "المسيح بن مريم" من قانا الجليل وفقاً لما ورد في الكتب المقدسة. والذي كان ملاذاً "لابي ذر الغفاري" اول اصحاب النبي واول ناصر للمحرومين والفقراء والذي كان يقول "عجبت للجوعان كيف لا يشهر سيفه ويخرج ضارباً رقاب الناس", - يعود في تشيعه الى "ابي ذر الغفاري" هذا. فهو ابو الشيعة هناك. اذن فعروبة جبل عامل تعود الى الاف السنين ولا ادري كيف يمكن القول بأن سكان جبل عامل هم من الفرس.
    التوطين طريق التقسيم
  • يقال بأن تفتيت "امل" وادخالها في صراعات جانبية يقصد منه تمرير التوطين. وهذا سيكون على حساب الشيعة في الجنوب. ما موقف "امل" من هذا كله؟
     -من يحلم بتفتيت حركة "امل" كمن يبحث في المستحيل. فقواعد "امل" تجعلها امتن من ان تمس. ولن ندخل في صراعات جانبية وتاريخنا يشهد اننا طيلة الاحداث اللبنانية حاولنا ونحاول منع اي اقتتال. وقلنا ان حمل السلاح واجب في حالات يهدد فيها مصير لبنان وقضاياه الاساسية ومن بين هذه القضايا التوطين.
       ان التوطين يصب في خانة التقسيم وهو مرحلة متقدمة من مراحل المؤامرة على لبنان ووحدته واستقلاله. بل انه مؤامرة اكثر على القضية الفلسطينية بالذات فالفلسطيني الذي يذعن للتوطين معناه انه تخلى عن ارضه وعن ربوعه وعن نضاله وعن قضيته وعن ايمانه والتزم بشكل او باخر باغتصاب ارض غيره.
       وعلى العكس فنحن الان لنا من وعي القياديين الفلسطينيين لهذه الحقيقة ما نسمعه كل يوم من استنكارهم ورفضهم المطلق للتوطين.
       اما اذا كان الامر سيفرض علينا جنوبيين وفلسطينيين فليمر على جثثنا معاً. ان الجنوبي سوف يهدد امن العالم حتى نصف قرن اخر. وحتى يرتفع كل ظلم قد يخيل للدوائر المتآمرة انه سهل التحقيق. ولي ملاحظة هنا وهي ان التوطين ليس على حساب الشيعة فقط. انه على حساب لبنان والامة العربية والشعب الفلسطيني. والامة الاسلامية. وعلى جميع هؤلاء ان يتحدوا للحيلولة دونه والا فلن تسلم من رذاذه اية بقعة على خريطة المنطقة. 
  • علاقاتكم بالحركة الوطنية: كيف تقومونها؟ وهل تنوون اقامة اتصالات مع الجبهة اللبنانية لتكريس الوفاق وتنفيذه؟ وما وضع علاقاتكم مع سورية؟
     -علاقاتنا مع جميع الفرقاء تقوم وفقاً لمبادئ واسس وموازين تصب في مصلحة لبنان وشعبه ووحدتهما. من هذا المنطلق نركز علاقاتنا مع الفرقاء على الساحة اللبنانية هي علاقات قائمة على الاحترام المتبادل. اما حول الوفاق فقد اشتركنا في المشاركات الوفاقية في القصر الجمهوري واعلنا المبادئ التي نرى ضرورة الاخذ بها لمصلحة هذا البلد. واصررنا على ان العبرة في التنفيذ وليس بمجرد الاعلان عن هذه المسلمات التي نؤمن بها وأيدناها.
       واننا على استعداد تام, بدون أي تحفظ ومن خلال الشرعية لوضع كل امكاناتنا في سبيل تحقيق الوفاق الوطني, بالتشاور مع جميع الفرقاء.
       اما بخصوص علاقاتنا مع الشقيقة سورية فأقول انها علاقات مميزة وخاصة قائمة على اسس قومية ووطنية نظراً لدور سورية النضالي في خط المواجهة مع العدو الاسرائيلي ولدورها المهدىء على الساحة اللبنانية سواء من خلال قوات الردع العربية او من خلال مساعيها الحثيثة لتحقيق الوفاق اللبناني الذي هو مدخل لحل القضايا الشائكة.
    الامام الصدر حي
    • ظهرت في الآونة الاخيرة انباء تؤكد اغتيال سماحة الامام "موسى الصدر" . ما هي اخر المعلومات لديكم بشأن هذا الامر؟
     -لا صحة لهذا اطلاقاً. واذا كان المقصود ما ورد على لسان الشيخ "الخلخالي" فقد اجبنا في حينه على تلك البدع التي لا تستند الى اي اثبات او شبه اثبات وانما هي تخيلات خصبة لا يجوز للقاضي خلخالي ان يطلق لها العنان...
  • وما اخر اخبار سماحة الامام اذن؟
     -جميع الاخبار المتوافرة لدينا تؤكد ان الامام ورفيقيه "الشيخ محمد يعقوب" و"السيد عباس بدر الدين" ما زالو محتجزين في ليبيا.
    • قطب زاده في زيارته الاخيرة قال لكم ان لا حل الآن لقضية الجنوب. كيف تقومون هذا الرأي وما هي التفسيرات التي قدمها قطب زاده؟
     -ان وزير خارجية الجمهورية الاسلامية الايرانية في زيارته الاخيرة لبيروت كان يحمل بالاضافة الى همومه الايرانية الكبيرة هموم لبنان وجنوبه بالذات, وهو يرى ان مسؤولية الجنوب مسؤولية عربية واسلامية. بل اكد انه يجب على الامم المتحدة ان تنفذ قراراتها المتراكمة والمتكدسة بالنسبة الى الجنوب اذ لا يجوز ان تبقى المسؤولية الدولية  المعلنة مجرد انشاء عربي للقراءة والاستهلاك. وعلى الاسرة الدولية ان تتحمل مسؤولياتها كاملة  ولو مرة في التاريخ بالنسبة الى الجنوب.
       والا فأنظار العالم كل العالم اصبحت تجول في جو ريبة حول فاعلية قرارات الامم المتحدة والجامعة العربية. ان مطامع اسرائيل  في مياه الليطاني ونظريتها في الامن الذاتي ليسا في حاجة الى شرح. وعلى الشعب اللبناني بخاصة ان يتحد كتلة متراصة للحفاظ على جنوبه.
       لبنان الجنوبي هو بوابة لبنان وهو كل لبنان منه بدأت الشرارة ومنه يبدأ الاخماد. (انتهى)

"المكّوك" الجزائري بين طهران وواشنطن
بدأ ببازركان والخوف منه عراقيّ ومغربيّ

(النهار العربي و الدولي العدد189 من الاثنين 15 الى الاحد 21 كانون الاول 1980)

   الوساطة الجزائرية بين طهران وواشنطن تستمر في صمت. وتحركها الذي يلفت الاهتمام لم يولد مع بداية حلحلة ازمة الرهائن بل هو يعود الى اواخر عام 1979, عندما بدأ رئيس الحكومة الايرانية الموقتة مهدي بازركان مساعيه الديبلوماسية لاعادة العلاقات الطبيعية مع الولايات المتحدة. ومن ضمن هذه المساعي كان اللقاء الرسمي الاول بين واشنطن وطهران هو الاجتماع المنعقد في الجزائر في تشرين الاول (اكتوبر) 1979 الذي اشترك فيه كل من بازركان ووزير خارجيته يزدي من الجانب الايراني. وزبيغنيو بريجنسكي من الجانب الاميركي.
   ومن دون الدخول في تفاصيل التأويلات حول مباركة الخميني عقد هذا اللقاء الاول ام لا فإنه مكّن الطرفين من تجريب الوساطة الجزائرية وكرّس الجزائر في دور الوسيط الموثوق في خبرته.
   وطوال المراحل المتتالية من تطور قضية الرهائن, لعب الديبلوماسيون الجزائريون في واشنطن وطهران دوراً اساسياً في استمرار الحوار غير المباشر بين الحكومتين الايرانية والاميركية. وحين اقتنعت ادارة الرئيس كارتر بالتخلي عن المراهنة على الشخصيات السياسية الموالية للغرب والتعاطي مباشرة مع رجال الدين, قام الجزائريون بدور اساسي في مد جسور مفاوضات لا تفرط باسمها بين الجانبين. فخلال زيارة محمد باجاوي ممثل الجزائر لدى الامم المتحدة الى طهران في ايار (مايو) الماضي بصفته نائب رئيس اللجنة الدولية للتحقيق في جرائم الشاه, اجتمع الى آية الله محمد بهشتي رئيس الحزب الجمهوري الاسلامي والرجل القوي بين رجال الدين الايرانيين. وكان الديبلوماسي الجزائري من اكبر المشجعين على ايجاد اتفاق بين بهشتي والاميركيين.
   هذه التحركات والوساطات التي تدرجت مع تطور ازمة الرهائن,  رشحت الجزائر لتصبح الوسيط الرسمي والعلني حين اندلعت الحرب الايرانية – العراقية  وبدأ رجال الدين يفكرون في التخلص من الرهائن. وانطلق الحوار الرسمي بين الاميركيين والايرانيين في حضور وفد من الخارجية الاميركية برئاسة وارن كريستوفر يوم 10 تشرين الثاني (نوفمبر) في الجزائر في اطار بدء المفاوضات غير المباشرة حول قضية الرهائن.
   ثم عاد كريستوفر ثانية الى الجزائر الاسبوع الماضي لتقديم توضيحات الادارة الاميركية التي كان طلبها منها الايرانيون, بواسطة الديبلوماسيين الجزائريين يوم 25 تشرين الثاني (نوفمبر).
ثلاث شخصيات جزائرية تلعب الدور الرئيسي في هذه الوساطة وهي: عبد الكريم غريب ورضاء مالك سفيراً الجزائر في طهران وواشنطن, ومحافظ البنك المركزي الجزائري. لكن المصادر الرسمية في الجزائر تؤكد ان دور الوسطاء الجزائريين دور فني بحت. وان محادثات محمد بن يحيى وزير خارجية الجزائر مع كريستوفر الاسبوع الماضي اقتصرت على تقديم ايضاحات فنية تتعلق بالرد الاميركي على الاستفسارات الواردة من طهران. وبالرغم من التأكيدات الجزائرية فإن بلدين عربيين متخوفان من هذه الوساطة بين واشنطن وطهران. وهما المغرب والعراق. فحكومة الرباط تخشى من ان يستفيد الجزائريون من دورهم المهم في المفاوضات الايرانية الاميركية ليساوموا واشنطن على موقفها من الصحراء الغربية, ويدفعونها الى وقف دعم المغرب او في أسوأ الحالات الوقوف على الحياد بين الطرفين. وحتى قرار الكونغرس الاخير القاضي برفع المساعدة الاميركية للمغرب, لم يطمئن الاوساط الرسمية المغربية. اما مع العراق فإن العلاقات تمر في فترة صعبة, لأن الجزائريين في محافظتهم على علاقات جيدة مع ايران, برغم الحرب المشتعلة, قد رفضوا نظرية الرئيس العراقي القائلة بأنه لا مجال للحياد بين العربي والاجنبي. لكن الديبلوماسية الجزائرية المعروفة باتزانها عرفت كيف تكرّس موقفها من دون الدخول في مواجهة مباشرة مع الموقف العراقي. (انتهى)


قرار أميركي : موت الشاه؟

 (الكفاح العربي لنصير مروة بتاريخ :24-3-1980 )
 
 لا يحتاج المرء الى عراف لكي يتنبأ بأن شاه إيران السابق لن يغادر باناما وأنها ستكون مثواه الأخير.
والمراقب لا يحتاج كذلك الى علم العلماء ليرى ان العلاقات الأميركية الإيرانية المتأزمة لا تترك للولايات المتحدة خياراً يذكر. فلا العودة الى قرارات المقاطعة الإقتصادية واردة بعد في حسابات الرئيس الأميركي , ولا الحملة العسكرية ممكنة , ولا تواصل الوضع على ما هو عليه- في ظروف الإنتخابات الرئاسية وتوتر العلاقات مع الإتحاد السوفياتي _ أمر مقبول.
وإذا كانت الرئاسة الإيرانية تسعى بدورها جاهدة لإطلاق الرهائن , فلانها تعتبر أن إيران كطرف له تطلعاته ودوره داخل العالم الثالث, إنما يقتضي منها أن تتخلص من عملية الرهائن لأنها تغل لها يديها من حيث أنها لا تحظى بأدنى تعاطف عالمي بل وتعزلها في  المحافل الدولية.
  ومشكلة الرهائن ليست مسألة قانون دولي كما يقدمها البعض ولا مسألة إرهاب كما يصفها بعض آخر. أو لنقل أن هاتين الصفتين ليستا الصفتين الغالبتين عليها. بل لعل القضية الحقيقية هي أن الطلبة الإسلاميين بادروا الى ما كان سبقهم اليهم آخرون في الأيام الأولى للصورة حين هاجم مسلمون السفارة الأميركية وردهم عنها الدكتور يزدى وزير الشؤون الثورية في ذلك الحين, ثم سار وراءهم شعب بكامله. ولهذا فإنه حتى الذين عارضوا عملية الإسترهان منذ بداياتها – كالرئيس بني صدر ظلوا مضطرين لأخذ هذا التأييد بعين الإعتبار. ولو كانت القضية قضية إرهاب عادي , لكانت المسألة قد وجدت لها حلاً منذ زمن.
  غير ان الأميركيين وقعوا في الفخ الذي نصبوه . فقد إستنكروا العملية كما كان لا بد لهم أن يفعلوا ثم راحوا يهيجون الرأي العام عندهم ضد إيران , ويستصرخون الحلفاء لمقاطعة طهران, ويهددون بمهاجمتها عسكرياً... الى أن تبين أن الأمر كله غير ممكن.. ثم الى أن جاءت أحداث أفغانستان لتغير الوضع في نظرهم , وتعطيهم الوسيلة اللازمة لمحاولة خيار آخر.
  والواقع هو أن الرئيس كارتر كان كثير الإستبشار في الأيام الحكومة الإيرانية المؤقتة إذ تبين له أن الزعيم الإيراني "معاد للشيوعية . وعلى هذا فقد بدا له أنه بالإمكان أخذ الإيرانيين من مدخل "أن عدو عدوهم داخل في صداقتهم " وبطبيعة الحال, فإن أحداث السفارة الأميركية جاءت لتذكر بالشطر الثاني من الحديث , وهو الذي يقول: صديق عدوي داخل في عداوتي . فحلفاء الشاه وحماته وفارضو إسرائيل , هم أعداء إيران وأعداء شعوب الشرق الإسلامي.
غير أن التدخل السوفياتي في كابول , والموقف المعادي الذي إتخذته إيران منه , أعاد لإستبشار الرئيس الإميركي بعض الحياة, فقد بات يأمل في أن تكون الثورة الإفغانية مقدمة "لحلحلة" الأوضاع بين واشنطن وطهران.
  لكن طهران ليست كل شيء.. فهناك أيضا قم. والخميني لم يترد في إعلان عدائه للتدخل السوفياتي بكل سبيل ممكن. لكن كراهية ما يقدم عليه السوفيات في إفغانستان, لا تجعل من الأميركيين شيئاً محبباً في إيران . والطريقة التي يقرأ بها الخميني تختلف عن تلك التي يقرأ بها الغربيون. فالأميركيون مثلاً ليسوا أعداء أعدائه (ليدخلوا في صداقته):
بل كلاهما عدو لامة إسلامية واحدة .
   والفارق بين القراءتين الغربية والخمينية , هو الفارق بين الايديولوجية والجغرافية السياسية . والإيرانيون الذين يغلبون الجغرافية السياسية على ما سواها , إنما يقرؤون – إعترفوا بذلك أم لم يعترفوا- بنفس الأسلوب الذي يقرأ به الغربيون.
   فإيران الإيرانية بحدودها المباشرة مع السوفيات , وذكرياتها التي لا تعود الى أبعد من الحرب العالمية الثانية , لا تستطيع في نهاية المطاف إلا أن تحاذر السوفيات أن لم تعادهم.
أما الأميركيون فإنهم وإن كانوا سبب الأوجاع الحاضرة, إلا أنهم طردوا, وهم في نهاية المطاف بعيدون بعد القارة الأميركية عن مياه المحيط الهندي.
ويبدو أن هذا الرأي هو أيضاً رأي البريطانيين , أساتذة علم الجغرافيا السياسية ودهاقنة العلاقات السياسية الدولية. فقد تطلع هؤلاء الى أحداث إيران ولم يرتاعوا , وشاهدوا توقف طلبات السلاح من إيران على صناعاتهم العسكرية ولم يقنطوا. فالثورات تمر, في رأي داوننغ ستريت, وتبقى الأوضاع التاريخية والجغرافية . ولقد شاهدوا وفوداً عسكرية إيرانية تأتي وتروح طلباً لقطع الغيار لدبابات تشفتين وسواها ولم يأبهوا لتغير أشخاص الوفود- لأن ذلك من طبيعة الثروات – وإنما إعتبروا أن إستمرار مجيء الوفود برغم تغير أفراد طاقمها هو دليل على أن الهيئة السياسية والإدارية قد تتغير, لأن الحقائق المادية من جغرافية وسواها تظل . وهم حتى عندما تابعوا الأميركيين في قرارات مقاطعة إيران, ظلوا يعتقدون بأن ما يجري في إيران هو سحابة صيف ولن تلبث أن تنقشع بصورة أو بأخرى.
وعندما قدر لنا بأن نلتقي وزير الخارجية الإيراني في المؤتمر الصحفي الذي عقده في سفارة بلاده بباريس كان سؤالنا له: كيف ترون أن يكون مستقبل العلاقات الأميركية الإيرانية إذا ما حلت مسالة الرهائن بصورة أو بأخرى , وما هي في رأيكم شروط تطبيع العلاقات؟ . فكان أن تلافي السؤال الحقيقي , ووارب في الأجابة وقال: المهم ألا يتدخلوا في شؤوننا . وحين أعادت زميلة أميركية السؤال مرة أخرى بكلمات أخرى , جاء الجواب مواربا مرة أخرى بكلمات أخرى. (انتهى)


لعبة الكلمات المتقاطعة في ايران تبدو مهمة مستحيلة...
الشرق الأوسط – اوروبا.. مساومة بين الجبارين

• طهران: سنقتل الرهائن اذا تدخلتم
• واشنطن: سنتدخل اذا قتلتم الرهائن
• طهران: سلمونا الشاه وامواله وخذوا رهانئكم
• واشنطن: لن نسلم الشاه وعليكم تسليم الرهائن
بقلم ابراهيم الحلو

   "الازمة الايرانية – الاميركية هي اخطر ما واجه العالم منذ الحرب العالمية الثانية".
  لم يجمع الشعب الاميركي على التصدي لازمة واجهته كما يجمع الان الا عند وقوع كارثة بيرل هاربور".
   "اميركا هي الشيطان وعلينا ان نحاربها بكل ما نملك من وسائل ومهما كان الثمن والتضحيات".
  هذه الاقوال الثلاثة التي تلتقي في التعبير عن خطورة النزاع الاميركي – الايراني, صدرت, في الايام القليلة الماضية, عن كورت فالدهايم وجيمي كارتر واية الله الخميني.
   الامين العام للامم المتحدة يسعى, مسلحاً بسلطاته المعنوية, الى تخفيف حدة الصراع تمهيداً لايجاد الحل المعقول له, وهو, بصفته "حارس سلام العالم", لا يستطيع الا ان يكون حكماً نزيهاً وغير منحاز, واذا كان قد شجع مجلس الامن الدولي على مطالبة سلطات طهران باطلاق الدبلوماسيين الاميركيين فلأن احتجازهم – كما اجمعت المحافل الدولية بلا استثناء- خرق صريح للاعراف الدولية ولا سيما اتفاق فيينا الذي يحمي الدبلوماسيين بالحصانة ويحظر الحاق اي اذى بهم حتى في حال ثبوت ارتكابهم جريمة او جنحة (المادة الخامسة من بروتوكول فيينا), ولكن الامين العام,  ومعه مجلس الامن بالاجماع, قرر ايضاً, وفي الوقت نفسه, تكليف الامين العام باتخاذ كل ما يلزم من خطوات لتسوية المسألة تسوية سلمية تحفظ كرامة الطرفين المتنازعين وتعطي لكل ذي حق حقه. وبالفعل باشر فالدهايم مساعيه الحميدة هذه, فاجرى اتصالاً مع السيد صادق قطب  زاده وزير الخارجية الايرانية ويبدو, كما يقول المراقبون في واشنطن, ان الوزير كان ايجابياً الى حد ما, مع الامين العام, فوعد بارسال مندوب الى نيويورك للتباحث, وربما عكست الاية فيرسل فالدهايم مندوباً شخصياً الى طهران (ثمة من يقول انه قد يسافر هو شخصياً).
   المهم ان عجلة الامم المتحدة بدأت تدور وان يكن ببطء لان طريق السلام امامها فيها عوائق كثيرة وجسيمة.
  وبالتوازي مع جهود الامم المتحدة تنظر محكمة العدل الدولية في لاهاي في المسألة, والغالب, كما يرى المراقبون, الا يخرج قرارها عن مضمون قرار مجلس الامن لانه سيرتكز عليه ويستمد منه.
  ولئن كانت الجهود السليمة قد تحركت فهذا لا يعني ابداً ان الازمة قد فقدت خطورتها او ان حدتها قد خفت.
   عندما اعتكف الرئيس كارتر في منتجع كامب ديفيد, في عطلة نهاية الاسبوع الاسبق, استدعى الى مقره كبار معاونيه وزيري الخارجية فانس والدفاع براون ومستشارة للامن القومي بريجنسكي, ورؤساء الاركان وكبار الضباط ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية "سي.اي.اي", وما ان دخلوا على الرئيس في مكتبه حتى بادرهم كارتر سائلاً: هل استنفدت لوسائل السلمية؟
   وكان الرد سلبياً. فما زالت هناك مساع لم تستنفد بعد.
  وصبر كارتر, وصبرت اميركا, لان الرئيس كان قد اعلن, في وقت سابق, انه سوف يستنفد الوسائل الدبلوماسية جميعاً قبل ان يلجأ الى "الوسائل الاخرى التي تملكها بلاده", غير ان هذا الصبر لم يوقف عجلة الاستعدادات العسكرية الاميركية ففي كل يوم يزداد عدد القطع الحربية في المحيط الهندي وعلى مقربة من الخليج العربي, وبالتوازي مع هذه التحركات, تنشط الادارة الاميركية لتضيق الخناق الاقتصادي اكثر فأكثر حول ايران, فبعدما جمدت الارصدة الايرانية في اميركا, وسعت هذه الدوائر لتشمل بعض بلدان اوروبا ولا سيما بريطانيا, هذا مع ان والتر مونديل نائب الرئيس الاميركي قد قال في تصريح اخيرا له ان "اميركا لا تنوي شن حرب على فقراء ايران" (...)
  أما من الجانب الايراني فالتصعيد لا يتوقف, والتهديد بمحاكمة الرهائن بتهمة التجسس يطلق كل يوم تقريباً, سواء بلسان "الطلاب الاسلاميين" الذين يحتجزونهم او بلسان المسؤولين في الحكومة والزعامات الدينية, الا ان هذه التهديدات تأتي دائماً مقرونة بـ"اذا اقدمت الولايات المتحدة على التدخل عسكرياً في ايران" بينما ترد واشنطن, بلسان المسؤولين الكبار في ادارة كارتر, بانها تتدخل عسكرياً "اذا حوكم المحتجزون او لحق اذى بواحد منهم".
   وهكذا تدور الازمة في حلقة مفرغة وهي اشبه بعملية العض على الاصابع من يصرخ اولاً  يخسر: اميركا تنتظر تقديم الرهائن الى المحاكمة لتضرب, وايران تنتظر الضربة الاميركية لتحاكم الرهائن او تقتلها..
   ترى هل هذه هي الصورة الحقيقية للازمة؟ ام ان لعبة الكلمات المتقاطعة هذه ليست سوى القشرة السطحية التي تخفي تحتها بركاناً يتأجج ويستعد للانفجار في كل لحظة؟
   ولنبق قليلاً على سطح الاحداث: طهران تقول منذ البداية: اعيدوا الينا الشاه وامواله وخذوا رهائنكم.
وترد واشنطن – ومنذ البداية ايضاً- :
لن نسلم الشاه ولا امواله, ولن نخضع للابتزاز, ولن نقر اسلوب خرق الاعراف الدولية لانه سابقة تزلزل القواعد التي تقوم عليها العلاقات الدولية مرة والى الابد.
   وهنا تبدو لعبة الكلمات المتقاطعة من جديد, مهمة مستحيلة.
   اما الشاه فيقول انه مستعد لمغادرة اراضي الولايات المتحدة فور توفر مكان آمن يلجأ اليه. وكارتر يقول انه غير نادم على السماح للشاه بدخول بلاده – لاسباب انسانية – وانه لن يطلب اليه الرحيل كما لا يمنعه من ذلك متى اراد..
وترد طهران: ان السماح للشاه السابق بمغادرة الولايات المتحدة – دون تسليمه الى الشعب الايراني او التحقيق في التهم المنسوبة اليه على الاقل – جريمة افدح من السماح له بالبقاء في اميركا..
   حتى هذه المرحلة من الازمة – وهي القشرة السطحية كما ذكرنا – يبدو كأن اللعبة محصورة بين واشنطن وبين طهران دون غيرهما, وكأن ليس في العالم من قوى تهتم بهذه اللعبة, على خطورتها, وتأمل في ان تجني من ورائها الفوائد والمنافع. وكأن عالم اليوم عالم دول معزولة تتنازع اثنتان منها فلا يأبه سائر الدول لذلك ولا يتأثر.
  الواقع السياسي والاقتصادي في هذا العصر عكس ذلك تماماً فكل ازمة تنشب في اي بلد من العالم, مهما بعد او صغر او قل شأنه, لا بد لها ان تنعكس, بصورة او بأخرى, على بلدان العالم الاخرى, بنسب مختلفة طبعاً, ولكن اثارها تصل حتماً الى اقاصي الارض, فما بالنا عندما تكون هذه الازمة من عيار النزاع الاميركي – الايراني الذي تدور رحاه في منطقة هي, قطعاً, اكثر مناطق العالم قابلية للاشتعال فالانفجار.. الا يكفي انها المنطقة البترولية, والبترول مادة ملتهبة اذا وصلتها الشرارة احرقت مكانها وما حولها وامتدت السنتها عبر حدود البلد والمنطقة والقارة...
   ولكي تكتمل الصورة لا بد لنا من الاشارة الا ان اهم عناصر التفجر وتعقيد الامور عدم وجود سلطة مركزية قوية في ايران, فالحكومة صورية اكثر منها حاكمة وسلطة الثورة الخمينية, كما يؤكد مراسل فرنسي, لا تتعدى مدينتي طهران العاصمة السياسية وقم العاصمة الروحية وضواحيهما. وهذا الكلام قيل قبل انفجار الخلاف المعلن بين الامامين اية الله الخميني وشريعة مداري عقب الهجوم على منزل الاخير في قم وقتل عدد من حراسه الامر الذي اعتبره انصار شريعة مداري تحدياً خطيراً فهبوا, في مقاطعة ازربيجان الشمالية واحتلوا مبنى الاذاعة والتلفزيون وأعلنوا عصيانهم على سلطة الخميني بعدما طردوا, بقوة السلاح, حراس الثورة والموظفين التابعين للسلطة المركزية واعلنوا زعيمهم شريعة مداري "امام الشيعة في العالم كله" وهذا يعني, بتعبير اخر, انهم خلعوا صفة الزعامة المطلقة عن الخميني بعد اقل من سنة على انتصار ثورته الاسلامية في ايران.
   والخلاف بين الزعيمين الدينيين الكبيرين ليس ابن الامس القريب, انه يرجع, عندما امر الخميني بتشكيل لجنة لوضع صيغة للدستور العتيد "للجمهورية الاسلامية" وسرعان ما تسرب ان اللجنة, وجل اعضائها من انصار الخميني, تنوي اعطاء زعيمها سلطات غير محدودة بحيث "يصبح دكتاتوراً حقيقياً في ايران كما قال شريعة مداري نفسه".
   وظلت نار الخلافات تحت الرماد الى ان اعلن مشروع الدستور المتضمن, فعلا, تلك الصلاحيات الواسعة التي "حولت اية الله الخميني الى شاهنشاه جديد" على حد تعبير احد المراقبين السياسيين في طهران.
   وما كان متوقعاً حصل. فقد قاطع انصار شريعة مداري الاستفتاء كما قاطعته الاقليات الكردية والبالوشية (سكان بلوشستان). وحيال هذا الموقف المتصلب من اخصام "بطريرك قم" كما تطلق عليه الصحافة الغربية – انقطعت شعرة معاوية بين آيتي الله فكان الهجوم على منزل شريعة مداري وكان عصيان ازربيجان وقد جاء ليضاف الى تمرد كردستان وبلوشستان وتململ عربستان.
   والمعركة ما زالت مفتوحة رغم اجتماع جرى, اواخر الاسبوع الماضي, في قم التي لم يغادرها شريعة مداري مع ان "الشعب يطالب بي في ازربيجان" كما قال هو نفسه.
   اما اوساط الخميني فقد القوا بتبعة الانشقاق الداخلي الذي بات ينذر بحرب اهلية دامية, على عاتق الاستخبارات الشيوعية والـ"سي.اي. اي." الاميركية.
   وفي رأي مراقبين كثيرين ان هذه التهمة ليست مجرد كلام يقصد منه اسناد المسؤولية الى "اعداء الاسلام والمسلمين من الملحدين والامبرياليين" على حد تعبير احد كبار انصار الخميني, بل لها جذور من الحقيقة والمنطق.
   اما  الـ"سي.اي. اي." فهي في حرب مكشوفة مع نظام الخميني, وقضية الرهائن الاميركيين بعيدة جداً عن كل الحلول المحتملة برغم تصريحات مهدئة ادلى بها وزير الخارجية قطب زاده مؤخراً حول "احتمال اطلاق عدد من الرهائن الذين لم تثبت ادانتهم بالتجسس" غير ان تصريحات  قطب زاده وأي مسؤول رسمي اخر في ايران اليوم تعني كبير شيء, بدليل ان "الطلاب الاسلاميين" الذين يحتجزون الرهائن بادروا فوراً الى تكذيب هذه التصريحات تكذيباً لا يتناسب مع مقام قائلها.. فقد اعلن زعيم الطلاب ان "قطب راده لا علاقة له بمسألة الرهائن ولا صلاحية له اطلاقاً بالنسبة لتقرير مصيرهم" وكأن هذا الناطق نفسه قد اعلن, غداة تعيين قطب زاده خلفاً لبني صدر, وعندما قام بتفقد السفارة الاميركية المحتلة, اعلن "اننا قد افهمنا وزير الخارجية ما يجب ان يقوله وما لا يجب" (...) ويبدو ان ما قاله حول اطلاق بعض الرهائن يدخل في باب "ما لا يجب"!.
   وفي رأي مراقبين سياسيين مطلعين ان وزير الخارجية "لم يقفز فوق توجيهات الطلاب الاسلاميين الا عندما لاح شبح الصراع الداخلي في البلاد فأراد ان يخفف من حدة الازمة مع اميركا لتتفرغ السلطة الى معالجة الاوضاع الداخلية المتردية لانها – اي السلطة – غير قادرة على خوض حرب جبهتين."
صراع ام صفقة؟
   لاحظ المراقبون, منذ الرابع من شهر تشرين الثاني الماضي – يوم احتلال السفارة الاميركية – ان الموقف السوفياتي بدأ فاتراً  جداً. ولم تفتهم الملاحظة ان الاتحاد السوفياتي هو الجار الاقرب الى ايران وانه صاحب مصالح كبيرة في المنطقة, ومثل هذه الازمة الحادة التي وصلت الى نقطة بالغة الخطورة تهدد بنشوب نزاع مسلح واسع النطاق على حدوده الشمالية, لا يصح ابداً ان تترك الكرملين غير آبه ولا مكترث, فبقطع النظر عن احتمال امتداد اللهب الى حدوده, فمن المعروف ان موسكو ترمق منابع النفط بنظرات طامعة ذلك انه لا يغيب عن بالها ابداً انها سوف تضطر قريباً, وفي عام 1981 على وجه التحديد, الى استيراد البترول لاستهلاكها المحلي واستهلاك حليفاتها في الكتلة الشرقية.
   وكانت واشنطن غير غافلة عن هذه الحقيقة وبدهي ان تعمل على ابعاد الدب الروسي عن  منطقة الذهب الاسود التي ظلت طوال سنين كثيرة, تعتبرها "مجال صيدها المحروس" – كما يقول الفرنسيون – الا ان مصالحها المتشابكة مع مصالح الاتحاد السوفياتي, وبخاصة ما يتعلق باتفاقات "سالت" والسياسة الاوروبية, حال دون الخصام المعلن بين واشنطن وموسكو.
   ولعل هذا ما يفسر عدم استياء الولايات المتحدة من "الموجة الاسلامية" الطاغية برغم اتصافها, في ايران وغير ايران, بنزعة تعصبية عنيفة. وعندما نقول "عدم استياء" فلكي لا نقول مباركة  وتشجيع, ذلك ان الحسابات الاميركية قامت على اساسين:
 أ-ان المد الاسلامي هو طفرة دينية جامحة لا بد له من الاصطدام, عاجلاً ام اجلاً, بالعقيدة الشيوعية الملحدة, ومثل هذا الاصطدام سيكون قطعاً في مصلحة واشنطن.
 ب-لان الولايات المتحدة كانت تدغدغ الامل في ان تسري عدوى التحرك الاسلامي عبر الحدود السوفياتية لتصل الى الملايين الخمسين من المسلمين الذين يعيشون في ظل الحكم السوفياتي الشيوعي منذ حوالي نصف قرن دون ان يتخلوا عن معتقدهم الديني لمصلحة العقيدة الماركسية – اللينينية ذات الطابع المادي الالحادي, وان تظاهر بعضهم بذلك خوفاً من بطش السلطة وانتقامها.
   ولكن حسابات واشنطن هذه لم تلبث ان ظهر خطأها بعد استتباب الامر في ايران للسلطة الاسلامية مجسدة بزعامة آية الله الخميني. ولعل هذا الواقع هو الذي حدا بشاه ايران السابق الى القول في مذكراته التي نشرت  بعض فصولها في ايطاليا مؤخراً, ان "معظم ما يجري في ايران الان من كوارث وما يستشري من فوضى, هو من كوارث وما يستشري من فوضى, هو نتيجة طبيعية لاخطاء السياسة الاميركية المتراكمة". والخطير في هذه الاقوال ان صاحبها يعيش الان في حماية واشنطن التي تتأهب لخوض حرب ضد اعدائه في ايران.
   صحيح ان الحرب التي تتأهب واشنطن خوضها ضد نظام الخميني ليست لغرض إعادة الشاه السابق الى عرشه بل لحساب هيبة اميركا ومصالحها وكرامتها, ولكن هذا لا يحول دون تطبيق المثل الشهير: عدو عدوي صديقي.
   وخطأ الحسابات الاميركية بدا جسيماً عندما اخذ "المد الاسلامي" يجتاح المواقع الاميركية قبل السوفياتيه, لا لان الثورة الدينية ترى في اميركا عدواً اخطر من العدو الشيوعي, بل لان السياسة السوفياتية كانت اكثر حكمة وتعقلاً واقل مخاطرة ومغامرة.
   فبرغم ما تعرفه موسكو حق المعرفة من ان موجة دينية متطرفة ومتعصبة تنطلق على حدودها الجنوبية لن تكون برداً وسلاماً عليها, فقد لزم الكرملين, منذ وصول الخميني الى الحكم, في شباط من العام الماضي, جانب الحذر, موقف من ينتظر ويراقب. وكما راهن الاميركيون على صدام بين الاسلام والشيوعية, راهن السوفياتيون على انفجار الازمة بين الثورة الاسلامية والامبريالية الاميركية.
   واذا كانت واشنطن قد اخطأت في تقديراتها فان موسكو لم تقع في الفخ نفسه.
   كانت موسكو تدرك ان حركة دينية متعصبة كحركة الخميني تنادي بالعودة الى صيغة في السياسة والحكم ابعد ما تكون عن روح العصر, لا بد لها من تفجير خلافات عديدة لدى اول احتكاك لها بحضارة متطورة كالحضارة الغربية, اذ كيف يمكن ان يتعايش نظام يحرم الموسيقى والسباحة وخروج المرأة من المنزل الخ... مع حضارة قطعت شوطاً بعيدة في المجالات الاجتماعية والتحرر من كل قيد للمرأة كما للرجل؟
   وكانت موسكو تدرك ان العلاقات الاقتصادية التي ظلت قائمة بين الولايات المتحدة وايران طوال عدة عقود من الزمن ولصالح الرأسمالية الاميركية التي جعلت من ايران سوقاً استهلاكية ضخمة, لا بد ان تصبح عنصر تفجير اخر في ظل نظام صوفي يدعو الى التقشف في كل شيء: في المأكل والملبس ووسائل الترف والترفيه وحتى على صعيد المكننة والتقنية والتسلح.
   وحيال التطورات المرتقبة بعد نجاح الثورة الاسلامية, وقفت موسكو تنتظر ساعتها. ساعة انفجار الصراعات الداخلية, وتمرد الاقليات الدينية والعرقية, وتنافس الزعامات الدينية, بالاضافة الى النزاع المحتمل مع الغرب الرأسمالي.
   وكانت موسكو واثقة من انها ستكون هي الرابحة الوحيدة من الفوضى التي ستعم البلاد – وقد عمته!- وليس ابرع من السوفياتيين في استغلال جميع ضروب الفوضى التي تستشري في اي بلد من البلدان, وليس امهر منهم في ركوب الموجات الطارئة مهما كان لونها واتجاه الربح التي تحركها, وهذه البراعة وتلك المهارة صفتان اصيلتان في العقيدة الشيوعية منذ ان استغل لينين الفوضى التي اجتاحت روسيا القيصرية عقب الهزائم العسكرية التي انزلتها بها المانيا في الحرب العالمية الاولى. ولم يكتف لينين في الاستغلال بل عمد الى "برمجة" الوسائل الآيلة الى امتصاص نقمة الجماهير ويأسها وضياعها واجتذابها الى صفه حتى غدا هذا الاسلوب في صلب الاستراتيجية الشيوعية. ولقد نجح في ظروف كثيرة وفي بلدان مختلفة, وكانت آخر نجاحاته في اثينا وأنغولا وافغانستان.
   ولعل هذه الحقيقة هي التي حدت بوزير الخارجية الايراني قطب زاده الى تحذير موسكو من التدخل في الشؤون الايرانية حتى في حال اقدام الولايات المتحدة على استخدام القوة العسكرية ضد نظام الخميني.
   والسؤال الان: هل اصغي الكرملين الى تحذير قطب زاده وهل يكفي تصريح وزير خارجية لا يملك سلطة فعلية لقطع شهية السوفياتيين وتخليهم عن اللعبة للاميركيين؟
   الامر مستبعد جداً. فموسكو لا تجهل ابدا انه اذا ما تم طرد اميركا من المنطقة تنتقل مفاتيح الحل والربط الى يدها. الا ان موسكو لا تراهن, في الوقت الحاضر على الاقل, على طرد ناجز لاميركا من الشرق الاوسط. فهي تعرف اكثر من كل الناس ان للاميركيين اكثر من قاعدة – في طليعتها اسرائيل – وان لهم اكثر من حليف, ومن ليس حليفهم فهو يفضل  اهون الشرين.. وموسكو لا تجهل ايضاً ان واشنطن تملك قوة عسكرية ضخمة تسمح لها, عند الاقتضاء, بلعب الورقة الاخيرة.
   لجميع هذه الاسباب, ورغبة من الكرملين في الا يخرج من المعمعة صفر اليدين, وثقة منه بأن حرباً عالمية غير واردة الاحتمال من اجل ايران ولا من اجل اي مشكلة في العالم, فقد اختار... المساومة!
اوروبا مركز ثقل اخر
   ولكن اين يساوم الاتحاد السوفياتي وعلى ماذا؟
   هنا مشكلة ساخنة الان تنير قلقاً بالغاً في موسكو هي اعتزام الولايات المتحدة, تحت مظلة حلف شمال الاطلسي, نصب عدد غير محدود من الصواريخ ذات الرؤوس النووية, المتوسطة المدى, في انحاء مختلفة من البلدان الاوروبية الاعضاء في الحلف. وعلى وجه التحديد: بريطانيا, المانيا الغربية, ايطاليا وهولندا. والمشروع الاميركي ذو مدلول مخيف فعلاً: انه يعني تطويق الواجهة الغربية للاتحاد السوفياتي بشبكة ضخمة من الصواريخ الاستراتيجية القادرة على تهديد مدنه ومصانعه ونقاطه الحيوية دفعة واحدة, وبصورة تشكل لديه كل قدرة على التحرك وتبعد عن اوروبا الغربية كابوس الخطر الشيوعي الذي طالما ارق لياليها.
   ولقد حاول الكرملين بالوسائل الدبلوماسية وغير الدبلوماسية, ثني البيت الابيض عن قراره هذا, فلجأ الى التهديد تارة والى الضغط على الدول الاوروبية طوراً, ولكن دون جدوى.
   وقبل الازمة الاميركية – الايرانية لجأت موسكو الى سياسة الملاينة, فذكرت واشنطن باتفاق سالت -2 ولمحت الى سالت -3 واستعدادها لتوقيعه. واكثر من ذلك: عندما قام السوفياتي الاول ليونيد بريجنيف بزيارة المانيا الديمقراطية (الشرقية) في الصيف الماضي, اعلن على رؤوس الاشهاد, عن اعتزام بلاده سحب شطر هام من القوة السوفياتية الصفارية المرابطة, منذ نهاية الحرب العالمية الثانية, في الاراضي الالمانية, وهذا تدليلا على حسن نية موسكو وطيب استعدادها لتخفيف حدة التوتر في اوروبا واعطاء المثل الصالح لواشنطن كي تعدل عن مشروع زرع الصواريخ في اوروبا الغربية.
   ويبدو, كما تؤكد المصادر المقربة من البنتاغون, ان واشنطن ادارت اذناً صماء لهذا الغزل السوفياتي المكشوف, ومضت قدماً في تنفيذ مخططها وهي سعيدة بما احدث لدى موسكو من ذعر صريح.
   والمخطط الاميركي ما كان ليعطي هذا المردود لو انه حصل قبل سنوات معدودة اي قبل المصالحة التي تمت بين الولايات المتحدة والصين الشعبية, لان الاتحاد السوفياتي, قبل التقارب الصيني – الاميركي, كان طليق اليدين في جنوبي شرقي اسيا فلا يتأثر كثيراً بتهديد يأتيه من الغرب لانه يستطيع ان يرد عليه بتهديد مماثل للمصالح والمواقع الاميركية في اسيا واليابان.
   اما اليوم فقد خلطت الاوراق, وانقلبت الحسابات رأساً على عقب...
   وحيال هذا الواقع, وفي موعد لم يكن يتوقعه كثيرون, مرض شاه ايران السابق, وقام هنري كيسنجر ببذل مساعيه الحميدة لدى سيد البيت الابيض, متذرعاً بالدوافع الانسانية, فنزل كارتر عند رغبة "مهندس الازمة الراهنة" كما اطلق على كيسنجر خصومه السياسيون في حملات نقد عنيفة طفحت بها اعمدة الصحافة الاميركية في الاسابيع المنصرمة.
   ومع وصول الشاه السابق الى نيورك وقع المحذور واحتل "الطلاب الاسلاميون" السفارة الاميركية في طهران, وأخذت الازمة تتفاقم يوماً فيوماً, بل ساعة فساعة, الى ان بلغت درجة مخيفة فعلاً من التصعيد والغليان.
   وفي الوقت الذي حبس العالم انفاسه وراح يمارس هواية العد العكسي للانفجار الاعظم, قرر الكرملين ان ساعته قد دقت فخرج عن صمته وتخلى عن قتوره, وبدأ "يزكزك" الولايات المتحدة بتصريحات وتلميحات فهمت مدلولها واشنطن دون ريب.
   ومدلول تصريحات وتلميحات الكرملين تعني, بتبسيط, انه لن يترك البيت الابيض يأكل قطعة الحلوى وحده لا شريك له. فما ايران سوى جارة للاتحاد السوفياتي, والجار احق بالجار, فثمة خط احمر يقسم البلاد الى شمال وجنوب, واذا كان الاميركيون اشد حرصاً على بترول الجنوب منهم على ارواح الرهائن, فان السوفياتيين راغبون في اعادة سيطرتهم على الولايات الشمالية التي كانت في ايديهم طوال سنوات الحرب العالمية والتي انتزعها منهم تشرشل, بدعم من اميركا في مؤتمري يالطا وطهران.
   فلماذا لا يعيد التاريخ نفسه؟ ولماذا لا تطلق ايدي موسكو في الشمال لقاء اطلاق ايدي واشنطن في الجنوب؟
   هل يعني هذا تقسيم ايران الى ايرانين اميركية وسوفياتية؟ ليس بالضرورة, فالمطلوب هو الاشراف وارساء قواعد النفوذ لا الاحتلال العسكري حسب الاسلوب الاستعماري الكلاسيكي البائد.
   ثم ان لموسكو مطامع في النفط الايراني, فلماذا تستأثر به واشنطن وحدها وهي التي لا تستورد منه الا 5 بالمئة من استهلاكها؟ لتكن لموسكو حصة منه. نسبة مئوية معقولة!
   هذا بالنسبة لايران, ولكن سكوت الكرملين عن المخطط الاميركي يساوي اكثر من ذلك.
   انه يساوي العدول عن "وضع القفل النووي على الباب الغربي للاتحاد السوفياتي" – على حد تعبير احد المعلقين – اي صرف النظر عن زرع الصواريخ في اوروبا الغربية.
صفقة؟ مساومة؟ ربما.
   وفي رأي الكرملين انها صفقة رابحة للجبارين: واشنطن تنقذ هيبتها وتستعيد سيطرتها على ابار النفط الايراني, وموسكو تنال مكاسب عينية في ايران وتتحرر من كابوس "القفل النووي" على بابها الغربي – وهذا هو الاهم.
   ولكن ليس من يستطيع ان يجزم ما اذا كانت الصفقة قد ابرمت ام لا. ولكن المؤكد ان المساومة جارية بين الجبارين على قدم وساق.
   اما بوادر الاتفاق على "الاخذ والعطاء" فقد باتت تلوح في اوروبا الغربية بالذات. وكان اول الغيث رفض البرلمان الهولندي بأكثرية 76 صوتاً ضد 69 فكرة انتاج ونشر الصواريخ النووية الجديدة في اوروبا الغربية. ومن يدري فقد تصدر غداً او بعد غد قرارات مماثلة عن برلمانات الدول الاعضاء في الحلف الاطلسي. فهل يعني هذا ان دولة صغيرة مثل هولندا قد شقت عصا الطاعة على زعيمة العالم الرأسمالي؟ ام انه دليل على ان المساومة بين الجبارين قد أوشكت ان تصبح صفقة؟! (انتهى)  



اعتقال الإمام السيد موسى الصدر
وصحبه:
الزميل الأستاذ عباس بدر الدين
والشيخ محمد يعقوب
منذ 31 آب 1978
هي مسؤولية:
 ليبيا – الفلسطينيين وإيران
والعرب
ثم لبنان
زاهر ع. بدر الدين


 
 
وكالة اخبار لبنان في:12-3-2010 العدد1550

خلخالي: الجزر الثلاث ستظل إيرانية إلى الأبد
وإيران والجزر كلها... للفلسطينيين!

"الحوادث" تستجوب "الحاكم الشرعي العام" في إيران

* إخفاء جثة الإمام موسى الصدر كان لزرع الشقاق بين الشيعة والفلسطينيين
* مصير الرهائن الأميركيين يحدد بين العفو العام والسجن بعد شهرين

(ا.ل) – في السابعة عشرة من العمر كان مصطفى الخميني وصادق خلخالي طالبين صديقين في مدرسة دينية بمدينة "قم" اسمها "الفيضية" وكانا مشاغبين. وقد تعرف خلخالي إلى عائلة الخميني وأصبحت طأم مصطفى" تعامله كواحد من أفراد الأسرة. كما تتلمذ خلخالي زهاء ثلاث عشرة سنة على يد والد مصطفى ودرس الدين والفقه لدى كبار العلماء في إيران. ثم بدأ يؤلف الكتب في شؤون اختصاصه.
وبينما أقام مصطفى مع والده في النجف بالعراق، حيث نشط في الدعوة للثورة الإسلامية وقتل على أيدي "السافاك" لم يغادر صادق إيران، حيث نفي لمدة خمسة أعوام في أرجائها وسجن لبضعة اشهر أيضاً. وعندما كان الإمام الخميني في "نوفل لو شاتو" بفرنسا يستعد بعد انفجار الثورة للعودة إلى إيران كان صادق ما زال منفياً في "بندر لانغا" بإيران، حيث حاول المحافظ أن يطيب خاطره في الأيام الأخيرة لعهد الشاه وكان هو يرد بالسخرية!.
وعلى أثر نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة الإمام الخميني سلم آية الله صادق خلخالي كتاباً أمر فيه بتعيينه "الحاكم الشرعي العام" في إيران. ويقول خلخالي (55) عاماً الذي يعتبر نفسه "ابن الإمام" أن الخميني أعفاه من استشارته في أحكام الإعدام، التي يعتمد فيها "على نفسي واجتهادي وعلمي بالقضاء الشرعي الإسلامي".
وعلى أثر نجاحه في انتخابات المجلس التشريعي أخيراً نائباً عن مدينة "قم" وحيازته 127 ألف صوت، من أصل 150 ألف مواطن اشتركوا في الانتخابات لاختيار نائبين هناك، يروي خلخالي المعتد بنفسه أن الإمام قال له: "فرحت جداً لأنك نجحت وأنا مطمئن ومرتاح".
قلت: من كان الأكثر مسؤولية في عهد الشاه بين الذين حكمت عليهم بالإعدام؟
خلخالي: الجنرال... نعمت الله نصيري رئيس "السافاك".
"الحوادث": لماذا لا تأخذون بالطريقة الصينية في إعادة تثقيف المجرم السياسي بدل قتله؟
خلخالي: (بعدما غرز إصبعه في كتفي) القرآن يقول: "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب"، أي أن في موت المجرم حياة للبقية.
"الحوادث": متى تعلمت العنف الثوري؟
خلخالي: عندما كنت في "المدرسة الفيضية" تعرفت إلى نواب صفوي مؤسس منظمة "فدائيان إسلام" وبعدما مات والد الشاه رضى خان في المنفى ببرهانسبورغ – نقلوا جثمانه غلى إيران، عن طريق الأهواز وبالسكك الحديدية إلى طهران. وقد أعددنا لعملية نستولي فيها على جثمان رضى خان ونحرقه خصوصاً وأنه كان في برنامج الجنازة الدوران بالنعش على العتبات المقدسة. وبعدما أعددنا الخطة وأحضرنا البنزين كشفت العملية وألقي القبض علينا... وضربنا وقد بقيت مراقباً منذ ذلك الوقت وحتى آخر عهد لنا ويسعون إلي للانتقام من كل عملية جديدة.
"الحوادث": كيف تقيم تنفيذ مهمتك في كردستان حيث عينت قائداً "للمحاكم الميدانية" في العام الماضي؟
خلخالي: خلصنا المنطقة الكردية من الأشرار لكن (رئيس الحكومة السابق مهدي) بازركان والدولة لجئا، إلى أسلوب آخر فلم يقدرا ما عليهما. لم يقبلا بإعدام اثنين من المجرمين وها قد سقط خمسمئة من المسلمين. لقد قلت للإمام: إذا مشوا على سياسة "خطوة خطوة" أو "قدم وقدم" فلن تحل المشكلة الكردية وستذهب آثار  الثورة الإسلامية في كردستان خلال عام واحد!
"الحوادث": كيف أصبحت رئيس منظمة "فدائيان إسلام"؟
خلخالي: ذلك جزء بسيط من نشاطاتي. وقد حدث أنني بحثت عن قاتل مؤسسها نواب صفوي وهو الفريق محمد تقي مجيدي فحكمت عليه بالإعدام وسلمته إلى الباقين من أعضاء "فدائيان إسلام" فنفذوا فيه حكم الإعدام. وقد حدثوني أنه كان يشهق في بكائه بصوت عال وهو ذاهب إلى الإعدام! بعد ذلك قالوا لي "نعتمد عليك".
"الحوادث": هل لمنظمة "فدائيان إسلام" فروع في الدول العربية؟
خلخالي: نعم. ويلاحقون الشاه.
"الحوادث": وهل لها علاقات بالحركات الإسلامية في الدول العربية؟
خلخالي: لها تشكيلاتها ومكاتبها وعلاقاتها مع الحركات الإسلامية. لكن قادتها سيتشيرونني في مسألة الإعدام فقط ويأخذون الحكم مني.
"الحوادث": هل لمنظمة "فدائيان إسلام" علاقة بحركات "الأخوان المسلمين" في بعض الدول العربية؟
خلخالي: في الماضي كانت هناك علاقة بحسن البنا وكنا نقدر إسلامه. أما الآن فليست هناك تلك العلاقة. سوىمع عدد قليل من "الأخوان المسلمين" في الخليج. وهي علاقة شخصية لي معهم!
"الحوادث": متى ستحل مشكلة الرهائن في السفارة الأميركية بطهران؟ وكيف؟
خلخالي: يبقون لشهرين حتى يجتمع مجلس الشعب ويقرر مصيرهم. والذين جرائمهم قليلة وبسيطة سيشملهم العفو العام، أما الآخرون الذين خربوا مصالح الجمهورية الإسلامية فسيحاكمون كجواسيس ويساقون إلى السجن... لأن ليس لدينا فنادق يقيمون فيها على الدوام!
"الحوادث": قدم العراق شكوى إلى الأمين العام للأمم المتحدة ضد احتلال إيران لثلاث جزر عربية – هي أبو موسى  طنب الكبرى وطنب الصغرى – في الخليج. فماذا سيكون غيرنا؟
خلخالي: إن الجزر الثلاث إيرانية إلى الأبد.
"الحوادث": لكن ذلك الموقف يوسع الهوة بين الإيرانيين العرب؟
خلخالي: (بغضب) الهوة ليست بين العرب والإيرانيين...
"الحوادث": هل صحيح أن الحكومة الإيرانية تبحث تسليم تلك الجزر إلى منظمة التحرير الفلسطينية كخطوة أولى؟
خلخالي: إيران كلها للفلسطينيين مع الجزر الثلاث!
"الحوادث": هل يمكن أن يستعمل الشاه ورقة ضدكم بعد لجوئه إلى مصر؟
خلخالي: تلك مسألة بسيطة، أكدت لنا خروج (الرئيس أنور السادات) على الإسلام. ولا يمكن استعمال الشاه ورقة ضدنا. كما أن الحكومة الإيرانية تطلب أن يسلم (الرئيس الأميركي جيمي كارتر) الشاه وكافة أمواله المسروقة إلى إيران. ولكنه لا يقوم بتسليمه. ونحن نقوم في الوقت الحاضر باستعمال إمكاناتنا في التسلل وغير ذلك داخل مصر حتى نغتال الشاه.
"الحوادث": ماذا كانت نتائج زيارتك لسوريا وليبيا؟
خلخالي: موضوع جولتي كان العلاقات بين سوريا وليبيا والفلسطينيين. وأرجو أن يصفى الاختلاف بين الفلسطينيين والليبيين. وأن يقف الشعب الليبي خلف الشعب الفلسطيني ومن ورائه العقيد.
"الحوادث": صرحت بأن الإمام موسى الصدر قد توفي. فما هي المعلومات التي بنيت عليها ذلك الاستنتاج؟
خلخالي: أدليت بذلك التصريح قبل ستة أشهر، ولا شك في أن الإمام الصدر هو أحد ضحايا القوى العالمية التي قضت على الدو موروو (كمال) جنبلاط و(المهدي) بن بركة. ولم تظهر جثته كي يبقى الجرح ينزف دماً ولإثارة الخلاف بين الشيعة والسنة من جهة وبين الشيعة والفلسطينيين من جهة أخرى. ولو أراد (الرئيس الليبي) معمر القذافي القضاء عليه لكان ذلك أسهل عليه في لبنان. ولو أراد ذلك إذا اختلف معه في ليبيا لوضعت قنبلة في حقيبة الإمام!
"الحوادث": كيف يمكن منع الصدام بين الشيعة والفلسطينيين في لبنان؟
خلخالي: لا بد من اليقظة والتضامن ودراسة الموقف. والتاريخ الإسلامي الأسود الذي مر علينا في قديم الزمان. أن الصهيونية والامبريالية العالميتين تسعيان في كل يوم لإيجاد الأزمات بين الشعوب الإسلامية وبين السنة والشيعة في إيران وكل مكان، بهدف تفرقة المسلمين وتجزئتهم وتمزيقهم. وعلى العلماء المسلمين في جميع المناطق أن يفطنوا لذلك فلا نقع في الفخ الذي نصب لنا.
موعد "الحوادث" مع خلخالي كان في أحد المنازل قرب "المدينة الرياضية" ذات ليلة وتأجل، بعدما وصل السيد ياسر عرفات رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية فجأة وعقد "جلسة مغلقة" دامت زهاء ساعة ولم تكن الأولى، مع آية الله الذي زار لبنان بموجب سمة دخول حصل عليها من قبل الأمن العام على جواز سفره الذي أرسل من دمشق. ثم وزع "أبو عمار" الهدايا على خلخالي وأعضاء وفده، قبل أن تبدأ المواجهة الصحافية أعلاه، في حضور عدد من المسؤولين الفلسطينيين والإيرانيين.

شمس الدين انتقد والسفارة نفت!
استنكر نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ محمد مهدي شمس الدين تصريحات خلخالي حول وفاة الإمام موسى الصدر. وقال: المثير للدهشة أن الشيخ خلخالي أصدر أحكامه في قضية الإمام الصدر من دون أن يستمع إلى وجهة  نظر أصحاب القضية.
كما أن سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في بيروت كانت قد نفت في بيان أصدرته الأسبوع الماضي، أن تكون لتصريحات خلخالي حول قضية الإمام الصدر، أية صفة رسمية.. بل هي آراء شخصية!

البحث عن قاتل الصدر بعد إعلان مصرعه!
ذكرت "الحوادث" بتاريخ 4 آذار 1980 بعددها 1222 السنة 24 أنه قرر المجلس الشيعي الأعلى، إرسال مبعوث إلى طهران لمقابلة آية الله صادق خلخالي، للوقوف منه على المعلومات التي أعلنها خلال زيارته لليبيا مؤخراً، والتي تضمنت اعترافاً بمقتل سماحة الإمام السيد موسى الصدر وصحبه الأستاذ السيد عباس بدر الدين وفضيلة الشيخ محمد يعقوب.
وهذه هي المرة الأولى التي يصدر فيها مثل هذا التصريح عن مسؤول إيراني.
وتقول الأنباء أن خلخالي قد بحث مع السلطات الليبية موضوع الإمام الصدر، وطلب معلومات رسمية أراد أن ينقلها للإمام الخميني ولزعماء الشيعة في لبنان.
وبما أن المصادر السابقة لم تؤكد نبأ الوفاة، فقد بقي هذا الموضوع معلقاً إلى أن جاء تصريح خلخالي ليثبته بتصريح عممته "وكالة الأنباء الليبية".
أما عن أسباب القتل والجهات التي قامت به، فقد كان جواب خلخالي عمومياً إذ قال: "إن المؤامرة على الإمام الصدر شبيهة بالمؤامرة التي تعرض لها كل من الزعيم اللبناني كمال جنبلاط والسياسي المغربي مهدي بن بركة (اختفى في فرنسا) وزعيم الحزب الديمقراطي المسيحي الإيطالي الدو مورو (اعترفت الألوية الحمر بقتله) والنائب اللبناني طوني فرنجية".
ونفى خلخالي أن تكون لليبيا أية علاقة باختفائه، وقال: لو أرادوا اغتيال الإمام الصدر لفعلوا ذلك في بيروت أو في الجنوب أو في بيته".

آخر رواية عن الصدر: اختفى ورفيقاه في مطار "لافاليت"!
"الحوادث" – الجمعة 18 نيسان 1980 العدد 1224 السنة 24 - من معلومات زعيم روحي مسيحي ذي صلة ببعض دول أفريقيا الشمالية أن الإمام موسى الصدر وصحبه الأستاذ السيد عباس بدر الدين والشيخ محمد يعقوب، ركبوا الطائرة المغادرة للأراضي الليبية، مع أوائل أيلول 1978، ولكن الطائرة نزلت في مطار "لافاليث" عاصمة جزيرة مالطا، وهناك تعرضوا للاحتجاز والتصفية!
ولكن الشيخ محمد مهدي شمس الدين نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، من خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده في الأسبوع الماضي، ودحض فيه مزاعم آية الله صادق الخلخالي حول مصير الإمام، ومن خلال معلوماته الوثيقة، يعتبر أن الإمام وصحبه أحياء، وأن القضية الآن هي إجراء الضغوط العربية لاستردادهم من الجماهيرية الليبية التي لم يغادروا أراضيها.
وترى أوساط المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان أن التحرك السلبي لآية الله الخلخالي في موضوع الإمام الصدر يستهدف غلق ملف هذه القضية لتفريج العلاقات بين الجماهيرية الليبية وإيران وحلفائها.(انتهى)
ـــــــــــــــــــــــــ


داوودي والقذافي يؤكدان على تعزيز العلاقات بين ايران وليبيا

المصدر: إيرنا عام 2007

- النائب الاول لرئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية والزعيم الليبي العلاقات الثنائية والتعاون الاقليمي والدولي والقضايا ذات الاهتمام المشترك.
وافادت وكالة مهر للانباء ان النائب الاول لرئيس الجمهورية الدكتور برويز داوودي شرح خلال هذا اللقاء الذي حصل عصر امس بطرابلس مراقف الجمهورية الاسلامية الايرانية ازاء التعاون الثنائي واكد على ضرورة توسيع العلاقات بين طهران وطرابلس , مضيفا : ان التعاون الاخوي بين البلدين في مختلف القضايا بعد انتصار الثورة الاسلامية كان دوما في اطار تحقيق طموحات الشعبين ومقرونا بالخير والبركة.
 واضاف النائب الاول لرئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية : ينبغي تطوير التعاون الثنائي في المجالات الاقتصادية والعلمية والفنية والثقافية في المستقبل من اجل تحقيق العزة الاسلامية.
 واشار الدكتور داوودي الى التطور الذي حققته الجمهورية الاسلامية الايرانية , واكد على متابعة الحق المشروع للشعب الايراني العظيم في امتلاك دورة الوقود النووي , موضحا ان ايران ستترجم عمليا جميع  مطالباتها القانونية.
 واكد على دعم الجمهورية الاسلامية الايرانية القاطع للشعب العراقي المسلم ووحدة اراضية , مضيفا : استنادا الى مطالبة الحكومة والشعب العراقي , يجب رحيل قوات الاحتلال على وجه السرعة. واشار النائب الاول لرئيس الجمهورية الى الموقف المشترك للبلدين في دعم حق الشعب اللبناني في تقرير مصيره بنفسه ودعمهما للمقاومة.
 ووصف داوودي القضية الفلسطينية بانها معقدة للغاية , موضحا ان في مقدمة اهتمامات البلدين دعم حق تقرير مصير فلسطين وحكومة حماس المنتخبة.
 من جانبه اكد الزعيم الليبي معمر القذافي في هذا اللقاء على المكانة البارزة التي تتمتع بها الجمهورية الاسلامية الايرانية على الساحة الدولية والشرق الاوسط , مؤكدا ان تعاون البلدين الذي ينطلق من الفهم العميق لليبيا ومكانة الثورة الاسلامية الايرانية , سيكون مثل السابق تعاونا اخويا ووطيدا في شتى المجالات. ودعا الشركات الاقنتصادية الايرانية للمشاركة في المشاريع التنموية في ليبيا. ووصف القذافي زيارة الوفد الايراني الرفيع المستوى الى ليبيا بانها زيارة هامة , موضحا ان الزيارات الرسمية بين البلدين ستتيح آفاق واسعة للتعاون الثنائي سيلمسها شعبي البلدين.
 وغادر داوودي ليبيا مساء الخميس متوجها الى جيبوتي .(انتهى)


الجمهورية الصعبة (إيران في تحولاتها الداخلية وسياساتها الإقليمية)

الكاتب: طلال عتريسي
الناشر: بيروت، دار الساقي ـ 2006
   المستقبل - الاربعاء 5 تموز 2006 - العدد 2315 - ثقافة و فنون - صفحة 19

    (أ.ل)-يعالج الكتاب الكيفية التي استجابت من خلالها إيران للتحولات السياسية والاستراتيجية بعد الحربين اللتين خاضتهما الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق. ويتطرق الى الواقع الإقليمي الجديد الذي نشأ في أعقاب الانتشار العسكري الأميركي على الحدود الإيرانية وفي قلب الشرق الأوسط بعد غزو العراق من قبل قوات التحالف. ويستعرض الكاتب الفرص والتحديات التي تواجهها إيران نتيجة لهذا الواقع السياسي الجغرافي المستجد، وقد جعل منها القوة الإقليمية الأبرز في ظل الأهداف المباشرة وغيرها للضغوط الأميركية والتهديدات الناتجة عنها.
ويحلّل المؤلف الأسباب التي كانت وراء صعود الحركة الإصلاحية في إيران، ومن ثم هبوطها وحركة الإنهاك والارتباك التي أصابتها. كما يناقش الخلفيات السياسية والاقتصادية والإيديولوجية التي أدت الى عودة التيار المحافظ الى تسلّم دفة الحكم في الجمهورية الإسلامية في إيران. كما يحاول أن يتبيّن تأثير هذه العودة على إدارة العلاقات مع الغرب، وعلى التشدّد في الملف النووي الذي أصبح الشغل الشاغل للمسؤولين الإيرانيين في الوقت الراهن.
يرى الكاتب، في سياق عرضه للتحولات الإيرانية، أن طهران التي آثرت "الحياد الإيجابي" لمواجهة ما يحصل في جوارها الإقليمي وعلى حدودها، كانت تشهد تغيرات بنيوية داخلية بعد عقدين ونيّف على انتصار الثورة الإسلامية وتجربة "الجمهورية". فقد بلغ تعداد سكانها قرابة السبعين مليوناً، وازدادت أزماتها الاجتماعية والاقتصادية، واتسع الالتفاف حول "الخطاب الإصلاحي" في أوساط الطلاب والمثقفين والسياسيين، مشدداً على أولوية "مصالح إيران القومية" في إدارة سياستها الخارجية. ويميل الكاتب الى الاعتقاد بأنه على الرغم من "واقعية" إيران ومرونتها السياسية، لم يتركها "المحافظون الجدد" في واشنطن وشأنها. فما أن انتهت الحرب على أفغانستان حتى أدرجوها في "محور الشر". وما أن سقط النظام في العراق حتى أثاروا، وفقاً للمؤلف، المخاوف من برنامجها النووي، ملوّحين باستهدافها عسكرياً وبتغيير النظام في الداخل. ويتوقع الكاتب أن تستجيب إيران لهذه التحديات، برفع وتيرة استعدادها العسكري، من دون أن تكون راغبة في التورّط في أي حرب إقليمية جديدة. ويرى كذلك، أنها لن تبادر الى أي استفزاز مباشر أو معلن للقوات الأميركية في العراق. ولن تغرّد، في الوقت عينه، خارج السياسات الإقليمية والدولية التي تدعو الى وحدة العراق واستقراره ودعم العملية السياسية فيه.
ينطوي الكتاب على الفصول الآتية: النموذج الإسلامي؛ صعود الإصلاحيين؛ إيران وأميركا "نافذة الفرص"؛ القائد والرئيس؛ إيران بعين العرب؛ سقوط كابول ـ التخلّص من طالبان؛ موت الإصلاحات؛ بعد سقوط بغداد.
يقع الكتاب في 272 صفحة من القطع الكبير.(انتهى)


الوكالة تقلب نظام مصدق في إيران

المستقبل - الخميس 17 كانون الثاني 2008 - العدد 2849 - ثقافة و فنون - صفحة 20
توفيق المديني

الكتاب: Le livre noir de la CIA
الكاتب: Yvonnick Deno‘l, Gordon Thomas
(PrŽfacier), Laure Motet (Traducteur), Judith
Strauser (Traducteur)
الناشر: NOUVEAU MONDE

(أ.ل)- الكثير لا يعرفون أن ثمة ثلاثة أشخاص تحمل أسماء روزفيلت وكيرميت والجد ثيودور وأيضا العم فرانكلين, ولكن كيرميت يظل هو اللغز الوحيد في هذه العائلة والتاريخ ظلمه ضمن من ظلم على الرغم من أنه كان الشخصية المفتاح في العلاقات ما بين الولايات المتحدة الأميركية والشرق الوسط أثناء الحرب الباردة. الرجل المفتاح في وكالة الإستخبارات الأميركية قبل أن يلتحق بالصناعة البترولية, وأصبح صديقاً حميماً لأمراء عرب, وأدار الأمور من وراء الستار في اللعبة الكبرى الشرق الأوسطية. ولكن الإنجاز الأكبر لكيرميت يظل هو ضربة معلم في إيران سنة 1953.
يكتب غوردون توماس: في بداية سنوات الخمسينات بدأت الحركات القومية الإيرانية في البرلمان الإيراني تنتقد توزيع الريع النفطي وإنتهى الأمر بإعدام رئيس الوزراء الذي كان موالياً لبريطانيا سنة 1951 وحل مكانه الزعيم الوطني محمد مصدق الذي قام بتأميم شركة النفط الإيرانية البريطانية. لم يتأخر موقف البريطانيين الذين ذهب بهم الغضب الى درجة محاولة زعزعة مصدق, وبدأوا حصاراً على صادرات النفط الذي يمنع البلد من عائداته. هنا قام الشاه, وهو موال للغرب , بإقالة مصدق , ولكن البرلمان الإيراني أعاده على الفور.
السياق التاريخي لم يعد يساعد بريطانيا على القيام بحركة سياسية كبرى ضد الزعيم مصدق: بريطانيا التي خرجت من الحرب الكونية الثانية منهوكة القوى ,يديرها زعيم كاريزمي ولكنه عجوز , ونستون تشيرشل, كانت على وعي بأنها لم تعد تهيمن على الوضعية , وبالتالي طلبت تدخل الولايات المتحدة الأميركية. والظروف الأميركية كانت ملائمة حسب المؤلف. فقد إنتخب الأميركيون رئيساً جديداً وهو إيزنهاور, الذي كان على خلاف سابقه, متحمساً لحركة سرية لقلب مصدق الذي كان من أنصار سياسة عدم الإنحياز, وإذن فهو متهم , في المنظور الأميركي , بالتعاطف مع الشيوعيين. من هنا جاء مشروع أجاكس Ajax, الذي صاغته وكالة الإستخبارات الأميركية, ويروم قلباً شبه قانوني لمصدق من خلال التحكم والسيطرة على الرأي العام الإيراني وعلى البرلمان. وحين سيصل التذمر الى نقطة اللاعودة يقوم الشاه بخلع رئيس الوزارء ويكون قراره مدعوماً ومقوّى من قبل إضرابات وتظاهرات شارع تلقائية وحينها سيتم إستبدال مصدق بجنرال موال للغرب. ولكن الشاه لم يقبل على الفور وأظهر تردداً واضحاً على الرغم من تطمينات المبعوث الأميركي جينها وهو الجنرال نورمان شوراتزكوف أبو الجنرال الذي كان رئيساً لأركان الجيش الأميركي في حرب العراق الأولى 1991 . .الرغبة الأميركية في الإطاحة بمصدق إذن كانت واضحة. ولكن يبدو أن تصرفات ومواقف مصدق عجلت من تصميم الأميركيين على الحسم. إذ أنه بدأ مفاوضات تجارية مع السوفييت لتعويض الحصار البريطاني. وهو ما جعل منه حليفاً للسوفييت في نظر الاميركيين العملاء الإيرانيون لكيرميت روزفيلت طلبوا مبلغ 5 ملايين دولار لتنفيذ العملية. وعلى الرغم من شكوك مصدق في الأمر وعلى الرغم من هروب الشاه الى إيطاليا فإن روزفيلت إستطاع تجنيد وتحريك مضربين ومتظاهرين دفعت لهم أموال كبيرة كما إستطاع إستمالة قطاعات واسعة من الجيش وكانت أول مرة تختار فيها الولايات المتحدة, بإسم محاربة الشيوعية وفي تناقض مع سياستها, بطريقة مباشرة وشبه مفتوحة, قلب حكومة شرعية في بلد أجنبي, مؤثرة على تاريخه بشكل جذري. لكن العملية عادت بأهمية قصوى على الولايات المتحدة: إذا إعتبرت نجاحاً كبيراً منح وكالة الاستخبارات الاميركية مكانة المنظمة التي لا تقهر وأظهرت الرغبة في تجريب الأمر في مناطق أخرى ساخنة من الكرة الأرضية. (انتهى)

__________________



أسئلة


نشرة 12-6-2009 العدد 1367

(أ.ل)لماذا أمراء الحرب وأغنياء الحرب ومنهم مجرمي حرب يقررون مصير لبنان؟
لماذا لبنان هو البلد الوحيد الذي تحكمه الأديان في حين أن دولة الفاتيكان الفريدة من نوعها تعود لطائفة واحدة؟
لماذا هناك شعوب تفنى وتزول؟
لماذا الشبعان لا يشعر مع الجوعان؟
لماذا الذين يتكلمن نفس اللغة لا يفهمون على بعضهم؟
لماذا الحب أعمى لا يعرف لغة ولا لون ولا دين؟
لماذا أنا موجود؟
لماذا أعيش؟
لماذا الصمت؟
ما هو الوقت؟
أين أنا؟
أي طريق أهتدي؟
من يتحكم بالبوصلة؟ الطبيعة أم البشر؟
ماذا سأفعل غداً؟
ما هو البرنامج؟
ماذا يخبىء لي المستقبل؟
أي ساحر أي منجّم ألجأ إليه لأعرف قدري؟
هل هناك حياة على كوكب غير الأرض؟
هل سأعمر طويلاً أم سأموت باكراً؟
ما هو الموت؟ ماذا بعد الموت؟ هل هناك حياة ثانية (علمياً) هل سيتمكن الإنسان من السفر عبر الزمن؟
متى ستنتهي الحياة على كوكب الأرض؟
لماذا الجيش اللبناني ليس بحوزته أسلحة متطورة؟
لماذا لا تحل القضية الفلسطينية ويسترجع هذا الإنسان المهجر حقه ويطلق سراحه من سجن البؤس؟
أين هي السعادة؟
لماذا لا يكتفي الرجل الأبيض من حبه للسلطة ولجوئه إلى المكيدة والحيلة؟
***********
وبعد طرحنا هذه الأسئلة التي تصيبنا من وقت لآخر يمكننا العمل على وضع جواب لكل سؤال ولو بأسلوب فلسفي أو اجتهادي... الأجوبة موجودة (ولو بالاستعانة بصديق).
نعم الأسئلة كثيرة، ويمكننا أن نضيف منها صفحات وصفحات لا يحدّها حدود. لكن بالمقابل إذا تمّ العمل على إيجاد أجوبة إذا ما كانت شافية قد تردّ ولو على جزء منها.
بيد أن السؤال الوحيد الذي لا يمكننا الإجابة عليه هو متى ستنتهي الطائفية في لبنان؟
فحتى القضية الفلسطينية حظها أوفر بأن تحل عبر عامل الوقت وذلك بعد نفاذ النفط في الشرق الأوسط أو اعتماد العالم على مصدر بديل للطاقة...
... نعم إن هذا السؤال لا جواب له ولن يكون له جواب ويعود ذلك للموقع الجغرافي لهذا البلد، على ملتقى الشرق والغرب المتنوع بأشكاله وألوانه وأطيافه وأديانه وأفكاره ولبسه.. مما يجعلنا نستنتج أن هذا الوطن ليس لبنيه: إنه كمحطة القطار: يأتي قطار ليرحل الآخر، لا شيء ثابت فيه سوى أنه غير ثابت أي متقلب.
وفي محاولة للإجابة قد يكون غياب القومية والشعور الوطنية وتغييب كتاب التربية المدنية في أيامنا وهذا أمر من الخطورة بمكان أنه يشكل نقطة ضعف لهذا الوطن الشكلي الأمر الذي يبقيه ممزقاً. فأوروبا مثلاً مرت بالعصور الوسطى بحالة من الجهل والتقاتل والحرب العالمية الأولى والثانية التي أنتجت عن مقتل الملايين وتحديداً إذا ما راجعنا تاريخ سويسرا حتى نستخلص أن هذه القارة أدركت أنه لا بد من اللجوء إلى جعل أوروبا أمة واحدة ولو إن في ذلك تحقيق لأمنية بونابرت.
وبالمقابل الولايات المتحدة الأميركية تتمتع بشعور مرتفع من القومية وهذا ما يعلمه جيداً المفكر كسنجر وإذا صح التعبير تتحلى بشعور أممي فما إن تتعرض أميركا للخطر حتى يهب جميع الأميركيين المتنوعين بأصولهم وجذورهم لفداء وحماية هذا البلد حرصاً على مصالحه (بغض النظر عما إذا كان الحق إلى جانبهم أم لا...).
... وعندما يخسرون الحرب يتراجعون تلقائياً أو يلجأون إلى النازيين في صناعة القنبلة الذرية.
وهنا نسأل هل يمكننا تحويل الكرة الأرضية إلى قرية كونية واحدة بناءاً على ما يشهده عصرنا من حداثة في الاتصالات والنقل؟
وهل يعود ذلك إلى انتشار حمى القرن من سيدا وجنون بقر وطيور وخنازير فهي لا ترحم أحداً.
كما أن التلوث البيئي لا يرحم أحد من جنس الإنسان والحيوان والبشر والأمراض تتفشى لأسباب بيئية وغير بيئية بنفس الوقت كحدوث خطأ في مختبرات الأبحاث التي لا نراها.
وبعد تحول هذا العالم إلى قرية كونية متطورة وحديثة تلبي جميع التطلعات والحاجات يبقى السؤال:
من سيترأس قبيلة هذه القرية؟!.....
هل سيتشارك العالم في سياسة موحدة بمباركة ورضا الجميع لتخبىء من ورائها السيطرة على العالم من خلال عناوين حضارية متطورة؟
وختاماً نسأل: لماذا هناك دائماً ظالم ومظلوم؟
الجواب: يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم (الإمام علي "ع").(انتهى)
_____________________________________
                                                                                                          بقلم زاهر. ع. بدر الدين