بيروت في 12-8-2002
بقلم زهير عسيران
تعرفت على عباس بدر الدين عندما كان صحفياً ناشئاً وإذا به بعد مدة قصيرة يلمع اسمه بين الصحفيين بسبب الأخبار والأحاديث التي كان ينفرد بالحصول عليها، لأنه كان مثال الصحفي الذكي الذي يستدرج كبار المتكتمين من الرجال الرسميين بإبتسامته الطبيعية المحببة وبدماثة أخلاقه إلى الإفضاء بما في رؤوسهم من أخبار وآراء.
لقد خاض عباس بدر الدين الصحافة برأسمال ضخم لا بالثروة التي لم يكن يملك منها شيئاً بل بثقته بنفسه وبالجهد والإخلاص وأضاف على الأخبار التي ينفرد بها شيئاً من روحه ووطنيته وصدق مصادره.
وبعد أن نجح كصحفي علمت فجأة أنه أسس وكالة للأخبار فأشفقت عليه لأن الإقدام على مثل هذا الإنتقال يتطلب جهداً كبيراً لتعدد وكالات الأخبار الناجحة، ورغم كل ذلك وبعد وقت قصير من إصدار الوكالة التي بدأت صغيرة أمام الوكالات الأخرى، أخذت تتقدم وتنفرد بالأخبار الهامة حتى كبر حجمها وحققت النجاح المطلوب.
إن عباس بدر الدين كان من الصحافيين الشرفاء الذين يتورعون عن قبض المال للترويج لرجال مشبوهين أو سياسيين منحرفين أو مرتشين أو من أصحاب الأموال الذين جنوا ثروتهم بطرق ملتوية وبخداع الشعب المغلوب على أمره.
هكذا انتقل عباس بدر الدين من محرر صحفي إلى صاحب وكالة للاخبار، وهكذا نجحت الوكالة للأسباب ذاتها التي نجح بها كصحفي قدير.
لقد أيد عباس بدر الدين النهج الذي اختطّه الإمام موسى الصدر بكل قواه، وكانت الوكالة تنشر نشاطات الإمام عن قناعة بالنهج الذي سلكه الإمام للدفاع عن المحرومين والمظلومين. ذلك لأن عباس بدر الدين كان صاحب عقيدة لا تتبدل ونفس كبيرة لا تلين أمام المغريات فكان يرضي عقيدته وضميره في خدمة بلاده وفي السير على النهج الذي اختطه الإمام الصدر.
لم يكن عباس بدر الدين يمتاز بأسلوبه الصحفي فقط بل بصفات طيبة كثيرة منها طهارة القلب ووداعة الخلق وصفاء النفس والسريرة، فلا حقد على أحد ولا حمل غلا لإنسان.
من أجل كل ذلك اختاره الإمام موسى الصدر لمرافقته بعد أن وجهت إلى سماحته دعوة رسمية من العقيد القذافي والحكومة الليبية لزيارة ليبيا.
وفي 26 آب غادر الإمام الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب وعباس بدر الدين إلى طرابلس الغرب. ثم انقطعت أخبارهم ولم يعد يعرف أحد ماذا حلّ بهم بعد أن قابلوا القذافي فلم يعودوا إلى الفندق ولا إلى أي مكان آخر.
إن خسارة عباس بدر الدين ليست خسارة عادية بل خسارة صحفية كبرى، فقد كان ذكياً وعصامياً بنى نفسه بنفسه فوصل إلى ما وصل إليه بشهادة كبار الصحفيين.