الرئيسية / News / Latest / الدروس العسكرية للحرب الرابعة +الشرق الاوسط بين 1967 و1973

الدروس العسكرية للحرب الرابعة +الشرق الاوسط بين 1967 و1973

غير مصحح

الدروس العسكرية للحرب الرابعة

تمثل الحروب والاشتباكات مختبرات حية للأفكار العسكرية والعقائد الحربية ومختلف الأسلحة ووسائط القتال. وتبني الدول عادة عقائدها وترسم استراتيجياتها وقف تصوراتها لطبيعة الحرب التي ستتعرض لها في المستقبل، والأرض التي ستجري عليها المعارك وحجم القوات المعادية المحتملة. ثم تجهز الأداة اللازمة لهذه الحرب (القوات المسلحة) وتعدها مادياً ومعنوياً، وتسلحها بمختلف الأسلحة والمعدات القتالية اللازمة لنجاح العمليات. وتبدأ بعد ذلك بإجراء تدريبات عملية لاختبار التكتيكات والعقائد على أرض المناورات.

ولكي يكون الاختبار ناجحاً والاستنتاجات الناجمة عنه صحيحة تحاول الجيوش إجراء المناورات والتمارين العملية في ظروف قريبة من ظروف الحرب المنتظرة، ولكن الوصول إلى ظروف المعركة الحقيقية نفسها أمر في غاية من الصعوبة، ولا يمكن تحقيقه في زمن السلم مهما بلغت دقة إعداد التمارين وارتفع مستوى تقاربها مع ما يجري خلال القتال الحقيقي، وتبقى الحرب المعلم الأول، ويبقى التعميد بنار المعارك أمراً لا غنى عنه لاختبار القدرة القتالية الحقيقية، ويبقى القتال أمام عدو حقيقي الأسلوب الأمثل لاستخلاص الاستنتاجات. من هنا جاءت رغبة الدول في المشاركة في الحروب المحدودة لاختبار أسلحتها وأساليبها وعقائدها وخاصة عندما تتبنى هذه الدول عقائد جديدة، أو تبتدع أسلوباً مبتكراً، أو تصنع سلاحاً حديثاً، وتريد وضع هذه الأمور الحديثة على حجر المحك العملي قبل الاشتباك بحرب كبيرة منتظرة. ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك في التاريخ الحديث الحرب الأهلية الأسبانية (1936 – 1939) التي دعمت فيها الدول الأوروبية هذا المعسكر أو ذاك، وجربت تكتيكاتها وأسلحتها عشية الحرب العالمية الثانية. ثم اندلعت حروب التحرير الوطنية بعد الحرب العالمية الثانية، وتجابه في هذه الحروب سلاحان وعقيدتان حربيتان، وكانت كوريا وفيتنام والجزائر (إلى حد ما) والشرق الأوسط مختبرات كبيرة دامية، وضعت معاركها قيد الفحص والتحليل للخروج بدروس عملية في مجال الاستراتيجية والتكتيك والتسليح. ولقد خضعت عملية دخول قوات حلف وارسو إلى تشيكوسلوفيا، والحرب الهندية الباكستانية، ومعركة الدبابات التي جرت خلال أيلول 1970 بين سورية والأردن لمثل هذا الفحص والتحليل مع الاستناد إلى التقارير المفصلة والمشاهدات المباشرة والصور الجوية وصور الأقمار الصناعية.
ومن المؤكد أن معارك الحرب العربية الرابعة تخضع الآن لدراسة مشابهة في قيادات حلفي وارسو وشمالي الأطلسي وفي قيادات دول المنطقة المعنية مباشرة بالصراع. ومن المؤكد أن هذه الدراسة ستخرج باستنتاجات هامة على مختلف الأصعدة وسيكون لدروس هذه الحرب انعكاس واضح على عدد من قواعد الاستراتيجية والتكتيك والتسليح، وقد تنشر هذه الدراسات في المستقبل على صفحات المجلات العسكرية المختصة أو تبقى مدفونة في خزائن الأركان السرية، ولكن بوسعنا الآن استنتاج عدد من الدروس التي نرى أن بوسعنا تقديمها ضمن إطار المعلومات المتوفرة لدينا والإمكانات المحدودة الموضوعة تحت تصرفنا مع الاستناد إلى مبادىء العلم العسكري والمحاكمة المنطقية للأمور دون أن نطمح بأن تكون هذه الدروس كاملة بشكل مطلق. فالكمال في هذا المجال بحاجة إلى المعلومات بالإضافة إلى العلم، كما أنه بحاجة لزمن طويل واختبارات عملية تعقب الاستنتاجات للتحقق من مدى صحتها على مسارح العمليات الحربية الحقيقية أو على أرض المناورات على الأقل.
أ – دروس في الاستراتيجية
• القوة تخلق القوة المعاكسة:
إن من أهم أسس العقيدة العسكرية الإسرائيلية الحصول على قوة مادية كبيرة متفوقة على العرب تستطيع ردعهم أو التغلب عليهم في حالة اندلاع القتال. ولقد آمن الإسرائيليون بهذه الفكرة واهتموا بقواتهم المسلحة إلى حد بعيد وبنوا مجتمعاً اسبارطياً عسكرياً كل ما فيه معد للقتال، وأخضعوا الاقتصاد والحياة العامة لمتطلبات الأمن الذي اعتبروه “بقرتهم المقدسة” واعتبروا القوة المتفوقة ركيزة من مرتكزات هذا الأمن. والتقت وجهة نظرهم مع مصالح الولايات المتحدة واعتقادها بضرورة تدعيم قوتهم العسكرية لأن هذه القوة هي الضمانة الوحيدة لاستقرار المنطقة ومنع نشوب الحرب، فسعت الولايات المتحدة باستمرار إلى تدعيم القوة الإسرائيلية وتؤمن لها دائماً التفوق على الدول العربية المجاورة. فماذا كانت النتيجة؟ لقد أدى تعاظم القوة الإسرائيلية إلى تعاظم إحساس العرب بالخطر، مما دفعهم إلى زيادة قوتهم العسكرية وتعزيزها، وكان التحدي الإسرائيلي حافزاً يومياً يذكر العرب بضعفهم وثغراتهم، وكان رد الفعل على مستوى التحدي، واستطاعت الدول العربية المعنية خلق الأداة اللازمة لتحطيم ميزان القوى، وعندما تحقق لها ذلك اندلع القتال.
• الحدود الآمنة نظرية سقطت:
استخدم الإسرائيليون دوماً نظرية الحدود الآمنة كذريعة للتوسع على حساب الأرض العربية. فكانوا يطالبون دائماً بحدود يسهل الدفاع عنها، مما كان يعني بشكل آخر التوسع جغرافياً بغية الوصول إلى مواقع طبيعية يستندون إليها في دفاعهم. ولقد حصلت إسرائيل بعد حرب 1967 على حدود شبه مثالية (قناة السويس، نهر الأردن، الجولان) وكانت تعلن ضرورة التمسك بهذه الحدود لضمان بقائها، وكانت ترفض باستمرار الانسحاب إلى حدود 5 حزيران 1967 بحجة أنها تضيق هامش المناورة الاستراتيجية في المكان والزمان، وتضع القوات العربية في مواقع تهدد مناطقها الحيوية. وكان من أسس نظرية الأمن الإسرائيلي القتال في المراحل الأولى على الحدود البعيدة عن المناطق الآهلة بالسكان بشكل يضمن عدم تهديد هذه المناطق ويعطي الاحتياط الزمن اللازم للاستعداد والدخول في المعركة.
ولقد هوجمت هذه النظرية أكثر من مرة، لأن الأسلحة المتطورة في الحرب الحديثة (طيران، صواريخ أرض – أرض بعيدة المدى) قادرة على ضرب العمق وتهديد المناطق الحيوية في قلب البلاد، كما أن وجود القوات بعيداً عن مناطق الحشد ومراكز الإمداد يزيد من الصعوبات الإدارية (اللوجستيكية) في المعركة بالإضافة إلى أن الأمن الذي تحميه القوات لا الأرض سيتعرض للخطر إذا ما جرى تدمير هذه القوات، لأن الأرض تصبح في هذه الحالة مسافات يمكن اجتيازها بسهولة (سيناء في حرب 1967). ولقد ظهرت صعوبات العمل على المسافات الكبيرة عندما تحركت القوات الإسرائيلية المدرعة نحو مسارح العمليات في سيناء واضطرتها ظروف المعركة إلى التحرك على سلاسلها بدلاً من التحرك فوق حاملات الدبابات. وكان من الممكن أن تزداد هذه الصعوبات لو ضربت القوة المصرية الممرات الإجبارية (جفجافة، مثلاً) بالطيران.
وبدت هشاشة فكرة أمن المناطق الآهلة بالسكان عندما استطاعت القوات السورية قصف مستعمرات سهل الحولة بصواريخ فروغ – 7، كما وأن استعمال الصواريخ المصرية بعيدة المدى 300 كيلومتر من شأنه أن يقوض هذه النظرية من حيث الأساس.
• الهدف من وراء النزاع يبطل نظرية الردع:
تعتمد نظرية أمن العدو إلى حد بعيد على الردع عن طريق القوة أو التلويح بالقوة أو الاستخدام المحدود للقوة عند اللزوم. ولقد مارست إسرائيل الردع طوال السنوات الماضية وكانت تؤمن تناوب الردع والعمل حسب مقتضيات الأوضاع المحلية والعالمية، وتستخدم العمل لتحقيق أغراض إيجابية، ثم تستخدم الردع للحفاظ على الوضع الراهن الجديد، وقلبه إلى وضع دائم مقبول به. وكان امتلاك القوة المتفوقة، والاستعداد لاستخدامها، والقدرة على تصعيد أية مجابهة نحو المجابهة الشاملة يمنح إسرائيل قوة رادعة لا يستهان بها. وبالرغم من وجود هذه القوة، وبالرغم من إمكاناتها الردعية، فقد اندلعت الحرب الرابعة وتحطم الردع. ويرجع السبب في ذلك إلى أن “هدف النزاع” بالنسبة للعرب كبير لا يمكن التخلي عنه، وهو هدف يتعلق بأرضهم وكرامتهم ومصيرهم ومستقبل أجيالهم القادمة، وفي التخلي عنه تهديد لوجودهم كله. ومن المعروف أن الردع لا يعطي ثماره إلا إذا كان “هدف الرهان” محدوداً يمكن التخلي عنه خوفاً من التعرض لخسارة تفوق “هدف الرهان”. أما إذا كان “هدف الرهان” كبيراً فإن وجود القوة أو التلويح بالقوة بفقدان معناهما، وينعدم الاستقرار رغم وجود القوة ويصبح الانتقال إلى العمل العنيف أمراً محتوماً. وهكذا أثبتت الحرب الرابعة أن الردع يفقد تأثيره عندما يكون “هدف الرهان” عند الطرف الآخر هاماً، وعندما يكون الضغط الداخلي للحصول على هذا الهدف كبيراً مستمراً متصاعداً قادراً على تحطيم حلقة الردع.
• خطوط التحصينات معرضة للخطر:
وبالرغم من اعتماد الجيش الإسرائيلي على حرب الحركة في الهجوم والدفاع، وبالرغم من تجربة هذا الجيش السابقة مع خط التحصينات في الجولان فقد أقر خلال حرب الاستنزاف فكرة بناء خط بارليف الحصين استناداً إلى المعطيات التالية:
1- ضرورة تخفيف الخسائر الناجمة عن قصف المدفعية المصرية.
2- ضرورة تخفيض عدد القوات العاملة في سيناء وعدم تجميد قوة بشرية كبيرة إلى الحد الذي يعرقل الاقتصاد.
3- الإفادة من مناعة القناة كحاجز مائي يصعب عبوره.
4- الاعتماد على الطيران لتدمير الجسور والقوات العابرة، وتدمير أو إبطال بطاريات المدفعية المصرية التي ستدعم العبور.
5- الاعتماد على احتياطي مدرع متمركز خلف الخط للقيام بهجمات معاكسة ضد موجات العبور الأولى.
6- الاعتقاد بأن القوات المصرية لا تملك الروح التعرضية اللازمة لعبور مثل هذا الحاجز المائي إذا كان مدعوماً بخط حصين.
ولقد أثبتت الحرب الرابعة من جديد عدم قدرة خطوط التحصينات على الصمود أمام هجوم مصمم عنيف تدعمه مدفعية قوية وتستخدم القوات المهاجمة فيه البعد الثالث وذلك بإبرار (إنزال) قوات كبيرة محمولة بالهليكوبتر وراء خط التحصينات. ولقد جاء الإثبات هذه المرة حاسماً لأن خط التحصينات لم يكن خطاً عادياً في أرض منبسطة بل كان خطاً مستنداً إلى حاجز مائي الأمر الذي يفترض زيادة قوته مرتين أو ثلاث مرات على الأقل.
• فشل المناورة على الخطوط الخارجية عندما يكون الضغط على الجبهتين متناسقاً:
لجأت إسرائيل بحكم وضعها الجغرافي إلى الاعتماد على المناورة الاستراتيجية على الخطوط الداخلية لمواجهة الهجمات العربية من عدة جبهات. وكانت تعمل دائماً (خلال المواجهات السابقة) على تثبيت إحدى الجبهات دفاعياً والعمل هجومياً على الجبهة الأخرى، والانتقال إلى الهجوم على الجبهة الثانية بعد حسم الموقف على الجبهة الأولى. ويمكن القول أنها نجحت في الماضي إلى حد بعيد في تنفيذ هذه الخطة نظراً لبطء الحركة العربية آنذاك، وعدم تنسيق الضغط على الجبهات (1948 و1967).
ولقد فوجئت القيادة المعادية هذه المرة بهجوم منسق من الجبهتين، وكان الضغط مستمراً من الشمال والجنوب، ولم يستطع الجيش الإسرائيلي حسم الموقف على إحدى الجبهتين لتركيز كبد قواته على الجبهة الأخرى، وبقيت قواته دائماً موزعة حتى عندما شن هجمه المعاكس على الجبهة السورية، الأمر الذي أفقده القدرة على تحقيق مبدأ الحشد. ولقد رأينا خلال دراسة العمليات العسكرية أن تركيز الهجمات المعاكسة على الجبهة السورية سمح للمصريين بالتقدم وتعزيز مواقعهم. وعندما نقل مركز ثقله إلى الجبهة الجنوبية استعادت الجبهة الشمالية جزءاً من حرية العمل، وأخذت القوات السورية والعراقية تستعد لشن هجوم جديد بثلاث فرق. ولقد حدد يوم 21 تشرين الأول كموعد لهذا الهجوم ثم تأجل الموعد بناء على اتصال جهات عربية مسؤولة مع القيادة السورية، وفي اليوم التالي صدر قرار وقف القتال.
• خطأ الاعتماد الكلي على الاستخبارات لتأمين هامش الأمن بالزمان:
اعتمدت إسرائيل دائماً على قوة استخباراتها وعلى ارتباط هذه الاستخبارات باستخبارات عدد من الدول الغربية والاستخبارات الأميركية بصورة خاصة. ولقد بنت إسرائيل بالفعل جهازين قويين للاستخبارات هما المخابرات العامة “شين بيت” والاستخبارات العسكرية “موديعين تسفائي”، ووزعت شبكة من الجواسيس في البلدان العربية وفي مختلف أقطار العالم بغية جمع المعلومات الخاصة بتسليح العرب واستعدادهم ونواياهم وإعداد التدابير الكفيلة بإحباط خططهم.
ولقد حققت الاستخبارات في حرب 1967 نجاحاً كبيراً، وكانت دقة المعلومات التي قدمتها إلى القيادة الإسرائيلية عاملاً من عوامل النجاح وخاصة بالنسبة لضرب الطيران المصري على الأرض. وتزايدت أهمية الاستخبارات بعد حرب 1967 وتم تزويدها بكوادر واسعة وإمكانات كبيرة وأصبح الاعتماد عليها كبيراً إلىحد بعيد. ومن هنا  جاءت الثقة بها وبقدرتها لا على أخذ المعلومات فحسب بل على تحليلها أيضاً. وكان سوء تحليل المعلومات وخطأ الاستنتاجات التي توصلت إليها أجهزة الاستخبارات وتبني القيادة العسكرية لهذه الاستنتاجات أحد العوامل التي أدت إلى المفاجأة الاستراتيجية. وهكذا أثبتت الحرب أن الاستخبارات جهاز يمكن أن يخطىء وأن يصيب، وأن من الخطورة بمكان اعتبار استنتاجاته أموراً مؤكدة، كما أن من الخطورة تقييم الوضع بناء على تقدير الاستخبارات لنوايا الخصم دون الاهتمام بمقدرته وإمكاناته وطاقاته العسكرية.
• فشل الطيران في تحقيق الحسم الاستراتيجي:
ولقد بنى الإسرائيليون على تجربتي 1956 و1967 استنتاجات كثيرة جاءت حرب 1973 لتحطمها عندما استطاعت أجهزة الدفاع العربية (صواريخ أرض – جو وطائرات معترضة وبطاريات مدفعية مضادة) حرمان الطيران المعادي من حرية العمل وجردته من القدرة على ضرب القوات وتنفيذ الحسم العملياتي، كما جردته من القدرة على ضرب المدن لتأمين الحسم الاستراتيجي عن طريق انهيار الجبهة الداخلية.
ب- دروس في التكتيك
• ضرورة عدم فصل المدرعات عن أسلحة الدفاع ضد الطائرات:
تقول أسس قتال المدرعات أن من الضروري عدم انفصال المشاة عن الدبابات حتى تستطيع وحدات المشاة حماية الدبابات من أسلحة العدو المضادة. وتدل خبرة الحرب الرابعة على أن من الضروري حصول المدرعات على أسلحة صاروخية مضادة للطائرات قادرة على مواكبة الوحدات المدرعة وعدم الانفصال عنها وخاصة في حالة القتال الهجومي على أرض مكشوفة وفي ظل تفوق جوي معاد.
• الاستعاضة عن تطهير الأرض من الجو بتطهير الجو من الأرض:
يعتمد الهجوم البري على الدعم الناري الذي تقدمه الطائرات. ويستهدف هذا الدعم عادة تطهير الأرض من الجو للسماح للقوات البرية بالتقدم. ولقد أثبت خرق الدفرسوار أن من الممكن قلب المعادلة، وذلك عن طريق استخدام قوات برية مدرعة لتدمير قواعد الصواريخ المضادة للطائرات وتطهير الجو من الأرض ليتمكن الطيران بعد ذلك من العمل بحرية أكبر.
• المشاة في مجابهة الدبابات:
أثبتت معركة تدمير اللواء 190 المدرع الإسرائيلي في سيناء، أوالهجمات المعاكسة التي شنتها قوات المغاوير السورية في المرحلتين الثانية والثالثة من القتال أن وحدات مشاة خفيفة مسلحة بأعداد كبيرة من قاذفات الصواريخ المضادة (ر.ب.ج. – 7) بمعدل صاروخ لكل 3 جنود، قادرة على شن هجمات ليلية عنيفة على الوحدات المدرعة وإلحاق خسائر كبيرة بها شريطة أن تتم هذه الهجمات بأسلوب غارات المغاوير.
• الصواريخ الموجهة ضد الدبابات سلاح مرافقة ضروري:
استخدم الطرفان في الحرب الرابعة صواريخ موجهة محمولة على عربات مدرعة. ولقد أثبتت هذه الصواريخ قدرتها على مواكبة القطعات المدرعة وحمايتها من الهجوم، كما أثبتت فاعلية كبيرة في الدفاع ضد هجمات الدبابات. وسينجم عن هذه الحقيقة زيادة نسبة وحدات الصواريخ داخل القطعات المدرعة في المستقبل.
• الهليكوبتر تجابه الدبابة:
استخدم العدو الإسرائيلي على الجبهتين المصرية والسورية طائرات الهليكوبتر المسلحة بصواريخ موجهة ضد الدبابات. ولقد أثبتت هذه الطائرات فعالية كبيرة، وقدرة فائقة على المناورة، ودقة بالغة في الإصابة. ومن المنتظر أن يتوسع العدو في استخدام الهليكوبتر المسلحة في المستقبل اعتماداً منه على أن تفوقه الجوي سيسمح لطائرات الهليكوبتر المسلحة بالعمل بحرية فوق مسرح القتال.
• التكتيك الإسرائيلي لا يصلح للحرب طويلة الأمد:
يستخدم الإسرائيليون تكتيكاً قتالياً يعتمد على الغزارة النارية لتعويض النقص  العددي بقوة النيران. ويبلغ الإسرائيليون في استخدام الذخيرة لضمان التدمير المادي أو لتحقيق السيطرة المعنوية على الأقل. وهم يعتمدون على أن قصر مدة المعركة والحرب بصورة عامة يسمح لهم بمثل هذا الاستهلاك والتبديد. ولقد أثبتت الحرب الرابعة، التي طالت أكثر مما يتوقع العدو، أن هذا التكتيك الذي يتطلب إمداداً متواصلاً لا يتلاءم مع الحرب طويلة الأمد ويؤدي إلى نفاذ الذخيرة التي يستورد العدو معظمها من الولايات المتحدة. ولقد صرح موشي دايان بعد وقف القتال أن القوات الإسرائيلية بدأت تحس بنقص الذخيرة منذ يوم 21 تشرين الأول أي قبل وقف القتال بيوم واحد. وسيؤدي هذا الدرس في المستقبل إلى تعديل تكتيك العدو والتوجه نحو توفير الذخيرة. أو التوجه نحو تدعيم الصناعة الحربية وخاصة صناعة الذخائر.
• ضرورة التوجه نحو تدعيم القوات المحمولة بالهليكوبتر:
أثبتت عملية جبل الشيخ الأولى (السورية 6-11) وعملية جبل الشيخ الثانية (الإسرائيلية 21 و22-11) وعمليات المغاوير السوريين والفلسطينيين لاحتلال التلال والنقاط المتحكمة في هضبة الجولان وعملية اجتياز خط بارليف جواً، وعمليات أبرار (إنزال) المغاوير المصريين في سيناء وراء قوات العدو أن من الضروري التوجه نحو زيادة عدد القوات المحمولة بالهليكوبتر، وتدعيم أسطولها الجوي بطائرات هليكوبتر عملاقة قادرة على حمل أعداد كبيرة من الرجال والمعدات، وتعزيز تسليحها بدبابات محمولة جواً ومدافع ذاتية الحركة محمولة جواً، وتأمين حماية الأبرار عنوة (في مكان يدافع عنه العدو) بواسطة هليكوبترات مسلحة بصواريخ ورشاشات ثقيلة بالإضافة إلى الحماية الجوية المعروفة.
• عندما يفقد القائد الاحتياط يخسر المعركة:
يعتمد فن القيادة على حسن استخدام القوات والقدرة على المناورة مع الاحتفاظ بحرية العمل. ومن الأمور التي تحقق له ذلك الاحتفاظ باحتياط مناسب في مكان مناسب. ولا يستخدم القائد هذا الاحتياط إلا عندما يتطلب الوضع ذلك، وعليه بعد استخدام الاحتياط جمع احتياط آخر لأن بقاءه يفقده حرية العمل أمام المواقف المتبدلة المفاجئة. ويوصف القائد الحاذق بأنه القائد القادر على تدبير احتياط بعد استخدام احتياطيه.
إن نجاح الاحتياط في مجابهة المواقف المفاجئة يعتمد على عدة عوامل: 1 – حجم الاحتياط، 2 – مكانه، 3- لحظة استخدامه، 4- سرعة استخدامه، ويمكن القول أن الاحتفاظ باحتياط ذي حجم مناسب (أن صغر حجم الاحتياط يضعف فاعليته وكبر حجمه يضعف فاعلية القوات المشتبكة في الأنساق الأولى) ومكان مناسب، واستخدامه بسرعة في اللحظة المناسبة (إن استخدامه قبل الأوان تبديد للقوى واستخدامه بشكل متأخر يفقده كثيراً من أثره) هي أسس استخدام الاحتياط التكتيكي أو العملياتي أو الاستراتيجي. ولعل في خرق الدفرسوار وتصرف الاحتياطيين التكتيكي والعملياتي إزاءه إثبات لكل ما ذكرناه.
• بالإمكان بناء الجسور قبل تعميق رأس الجسر:
تقول قواعد العبور أن القوات العابرة لا تنصب الجسور الثابتة أو العائمة إلا بعد توسيع رأس الجسر وتعميقه إلى مسافة تؤمن عدم إصابته برمايات المدفعية المعادية (أكثر من 12 كيلومتراً) ولقد رأينا أن القوات المصرية التي عبرت في يوم 6 – 10 بنت الجسور في ليلة 6 – 7 – 10 قبل تعميق رؤوس الجسور على الضفة الشرقية، كما أن القوة الإسرائيلية التي عبرت في يوم 15 – 10 بنت الجسور في ليلة 15- 16 – 10 قبل تعميق رأس الجسر على الضفة الغربية، ويمكننا أن نستنتج من ذلك أن بإمكان القوات العابرة تجاهل القاعدة المذكورة آنفاً في الحالتين التاليتين:
إذا كانت المدفعية متفوقة بالمدى والعدد بشكل يسمح لها بتدمير بطاريات العدو، وكانت هذه المدفعية محمية من الطائرات بواسطة دفاع صاروخي قوي (وهذه هي حالة المصريين).
إذا كان طيران القوات العابرة متفوقاً وقادراً على الحركة في الأجواء بحرية وقادراً بالتالي على إسكات بطاريات مدفعية خصمه (وهذه هي حالة الإسرائيليين).
• درسان في التكتيك البحري:
ــ زيادة حجم استخدام طائرات الهليكوبتر المسلحة ضد مراكب الأسطول.
ــ انعدام نشاط البحرية في حالة تفوق العدو جواً إلا إذا زودت قطع البحرية بصواريخ موجهة سطح – جو ضد الطائرات.
ج- دروس في التسليح
• سقوط القول بأن هناك أسلحة دفاعية وأخرى هجومية:
أثبتت الحرب الرابعة أن السلاح السوفياتي الذي كان بيد العرب منذ عام 1955 واستخدمه العرب منذ ذلك الحين دفاعياً ضمن استراتيجية دفاعياً، قد تحول إلى سلاح هجومي عندما بدل العرب استراتيجيتهم وانتقلوا من الهجوم إلى الدفاع. والحقيقة أن جميع الأسلحة تستخدم في الهجوم والدفاع على حد سواء. فالدبابة مثلاً سلاح يمكن أن يستخدم داخل كتل مدرعة ضخمة كبيرة العدد في الهجوم، كما يمكن أن توزع على وحدات المشاة في الدفاع. والمدفع سلاح هجومي إذا استخدم لدعم القوات المتقدمة أو لرمي خطوط العدو قبل الهجوم، وهو يصبح سلاحاً دفاعياً إذا ما خصص لخلق السدود النارية الثابتة أو المتحركة أمام المهاجمين. والصاروخ “سام – 6” المضاد للطائرات سلاح دفاعي إذا ما كلف بمهمة حماية المنشآت الحيوية أو مراكز تجمع القطعات المدافعة، ولكنه سلاح هجومي إذا ما واكب القوات المهاجمة وحماها من طيران العدو. والطائرة القاذفة سلاح معد لقصف أهداف العدو في العمق، سواء أكان هذا القصف لمساعدة القوات المهاجمة أم كان للحد من اندفاع العدو ضد قواتنا المدافعة. والطائرة المقاتلة المعترضة سلاح قادر على حماية أجواء البلاد ضد هجمات العدو الجوية، كما أنه قادر على حماية القاذفات المتوغلة في أجواء العدو لضرب أهداف يتوقف تقدم الهجوم على تدميرها. والطائرة القاذفة المعترضة سلاح يجمع صفتي القاذفة والمعترضة معاً، لذا فإن من الطبيعي أن ينطلق عليها ما ينطبق على هاتين الطائرتين. والصواريخ الموجهة المضادة للدبابات (“س.س – 11” أو “ساغر” أو “سنابير”) عبارة عن أسلحة فعالة قادرة على إيقاف تقدم دبابات العدو إذا ما أخذت مواقعها في الخطوط الدفاعية، كما أنها قادرة على دعم الدبابات المهاجمة ومساعدتها على تدمير دبابات العدو وحصونه وأسلحة مواقعه الدفاعية.
• مستقبل الدبابة في خطر:
لقد أثبتت الصواريخ المضادة للدبابات في الحرب الرابعة فعالية كبيرة وكان لها أكبر الأثر في تدمير الوحدات المدرعة لكلا الطرفين المتحاربين. ويمكن القول أن نجاح صواريخ الكتف (ر ب ج – 7 أو بازوكا) والمدافع عديمة الارتداد (ب – 10 أو 106مم) والصواريخ الموجهة المضادة للدبابات (ساغر أو سنابير أو س.س – 11 أو تاو) وإمكانية استخدام هذه الأسلحة على الأرض أو على العربات المدرعة وإمكانية استخدام بعضها من طائرات الهليكوبتر وثمنها حوالي نصف مليون دولار معرضة للتدمير بصاروخ لا يتجاوز  ثمنه مئات الدولارات الأمر الذي يعرض مستقبل الدبابة للخطر. ويرى العسكريون الغربيون أن إنقاذ الدبابات ومنعها من الاختفاء كسلاح (كما اختفت الخيالة بعد ظهور الرشاشات) لا يمكن أن يتم إلا بإنشاء الألوية “ذات المقدرة المثلثة” حيث تتعاون الدبابات والمشاة المحمولة على عربات مصفحة خفيفة والدعم الجوي المتحرك، وتعمل كلها معاً كما لو كانت قطعة واحدة.
• الصاروخ يجابه الطائرة:
تقول الإحصائيات الأميركية أن 80 بالمئة من الطائرات الإسرائيلية التي سقطت في الحرب الرابعة أصيبت بصواريخ أرض – جو على حين سقطت الـ20 بالمئة الباقية في معارك جوية تقليدية. ولقد كان سلاح الطيران الإسرائيلي يمتلك أجهزة مضادة الكترونية معقدة ضد الصواريخ سام – 2 وسام – 3 ولكنه لم يكن يملك أجهزة مضادة للصواريخ سام – 6، من هنا جاءت ضخامة الخسائر التي لحقت بطائراته ولقد زاد من ضخامة الخسائر وفاعلية الدفاع الأرضي استخدام الصواريخ وبطاريات المدفعية المضادة للطائرات بتنسيق متكامل، ومهارة الجنود العرب الذين أثبتوا خبرة تقنية وكفاءة قتالية لم يستطع العدو تقديرهما قبل القتال. ويقودنا نجاح استخدام الصواريخ الموجهة ضد الدبابات ونجاح استخدام الصواريخ الموجهة ضد الطائرات إلى القول بأن قدرة هذه الأسلحة البسيطة الرخيصة الثمن على مجابهةأسلحة معقدة غالية (يبلغ ثمن الفانتوم أكثر من 5 ملايين دولار) ستفتح المجال أمام الدول الفقيرة لمجابهة الدول الغنية التي تملك أحدث الأسلحة. وستحرم الدول الغنية من القدرة على قهر الشعوب وإجبارها على الخضوع عن طريق عرض العضلات والتلويح بالطائرات والدبابات. وستعيد للإنسان المقاتل جزءاً كبيراً من الأهمية التي أضاعها من قبل هدير الآلات الحربية الضخمة.
المقدم الهيثم الأيوبي
—–
قارة أفريقيا والحرب
الدول الأفريقية التي قطعت علاقاتها بإسرائيل منذ الحرب
الدولة    التاريخ
رواندا    9/10
داهومي    9/10
فولتا العليا   10/10
الكاميرون   13/10
غينيا الاستوائية   15/10
تانزانيا    18/10
ملاغاشي   20/10
أفريقيا الوسطى   21/10
الحبشة    23/10
نيجيريا    25/10
زامبيا    27/10
غامبيا    27/10
غانا    28/10
السنغال    28/10
الغابون (تعليق)   29/10
سيراليون   29/10
كينيا    1/11
ليبيريا    2/11
ساحل العاج   8/12
بوتسوانا    13/11
وكانت كل من النيجر ويوغندا والكونغو  – برازافيل ومالي وبوروندي وتشاد وتوغو قد قطعت علاقاتها بإسرائيل في الثمانية عشر شهراً التي سبقت الحرب. أما زائيري فقد قطعتها في 4/10. وبذلك تكون 27 دولة أفريقية قد قطعت علاقاتها (أو علقتها كما هو حال الغابون) بإسرائيل. أما الدول التي لم تقطعها فهي ليسوهو وسوازيلاند وجنوب افريقيا وروديسيا وجزيرة موريشيوس. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الدول الأفريقية العربية (مصر، السودان، ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، موريتانيا والصومال) فمعنى ذلك أن إسرائيل معزولة عن 40 بلداً أفريقياً، يمثلون 274 مليون نسمة مقابل حوالي 25 مليون نسمة يمثلون الدول التي لم تقطع علاقاتها بإسرائيل (منهم حوالي 18 مليون في جمهورية جنوب أفريقيا). ولم ندخل في الاعتبار الصحراء الإسبانية، أنغولا، ناميبيا، موزامبيق والصومال الفرنسي التي لم تستقل بعد وغينيا بيساو التي استقلت حديثاً ولم تقم أية علاقات مع إسرائيل. كما وأن ليسوتو وسوازيلاند لا تتمتعان باستقلال سياسي حقيقي لوقوعهما ضمن أراضي جمهورية جنوب افريقيا.
—-
من الهزيمة إلى طريق النصر
“هذه أول مرة في التاريخ العسكري الحديث تستطيع فيها وحدات مشاة مترجلة من إحداث خسائر على مثل هذا القدر من الفداحة الذي تكبدته التشكيلات المدرعة الإسرائيلية في حرب 1973”.
9 تشرين الأول 1973… الجنرال اهارون ياريف، مساعد رئيس الأركان الإسرائيلي يعلن “أن حكومة إسرائيل جازفت عندما منحت العدو فرصة المبادرة دون أن تتخذ مبادرة وقائية” لأنها، حسب تعبيره، أرادت أن تثبت للعالم أنها تريد السلام.
2 تشرين الثاني 1973… الجنرال حاييم بارليف، رئيس الأركان السابق ومستشار الأركان خلال الحرب، يقول بعد تسريحه وعودته لعمله كوزير للتجارة والصناعة “أن إسرائيل فوجئت مرة وأن هذا لن يتكرر ثانية… إن الجيش الإسرائيلي لن يؤخذ على حين غرة كما حصل هذه المرة وسيكون لدينا من الآن وصاعداً أنباء موثوق بها كما أن الاستنتاج والتقويم سيكونان مختلفين”.
وحسبما نقلت صحيفة “الفيغارو” الفرنسية، فإن الحكومة الإسرائيلية كانت تتوقع هجوماً مفاجئاً ولكنها “رفضت تحمل مسؤولية هجوم وقائي”.
ما هي الاستنتاجات من هذه التصاريح المتناقضة وأيها الصحيح. لا شك أن الجواب على هذا السؤال هو محور الفارق الشاسع الذي اجتازته الجيوش العربية ومن ورائها العالم العربي بين حربين. حرب 1967 والهزيمة وعام 1973 الذي بدد أسطورة التفوق الإسرائيلي وكسر حلقة الجمود العربي وأذاق العرب حلاوة الانجازات العسكرية الباهرة.
ومما لا شك فيه أن إسرائيل كانت على علم بالحشودات ولكنها كانت تنظر، هي ومعها وكالة المخابرات المركزية الأميركية، إلى المعلومات بوجهة نظر مسبقة وتحاول أن تفسر وقائع جديدة على ضوء ماض واجتهادات قديمة..
أما وقد انتهت الحرب فما هو التعتيم الجديد المنبثق من طبيعة الاختلاف بين الحربين. وإذا أراد المرء أن يجمل الفروقات فهي:
أولاً: أخذ العرب بزمام المبادرة وقاموا بتحريك الأحداث وصنع التاريخ.
ثانياً: الإنجازات العسكرية والفوارق على مستوى العمليات.
ثالثاً: الروح الهجومية، أو بحسب تعبير حاييم بارليف، فالعرب (وقد قال هو المصريين) كانوا مصممين هذه المرة على المجازفة”.
رابعاً: التنسيق بين الجبهات العربية المشتركة في القتال.
خامساً: قومية المعركة التي وحدت العالم العربي كما نسقت بين مختلف قواه ووضعتها كلها في أتون الحرب من  جهة وتحت تصرف القيادات من جهة أخرى.
فلنستعرض ذلك بالتفصيل:
• العرب يأخذون زمام المبادرة
أخذت كل من مصر وسوريا في الجولة الرابعة المبادرة الاستراتيجية على خلاف الحال عام 1967 عندما تركت القيادة المصرية لإسرائيل فرصة توجيه الضربة الأولى ولم تتمكن من امتصاصها وكان لها ذلك الأثر الكبير في مجرى حرب 1967 والهزيمة اللاحقة.
هذه المرة جاء الدور معكوساً. وعلى حد تعبير الجنرال اليعازر، رئيس الأركان الإسرائيلي، فإن أمن إسرائيل لا يرتبط بتحذير مسبّق فقط وإنما بجيش نظامي دائم وسلاح جوي قادر على منع وقوع كارثة في حال وقوع هجوم دون سابق إنذار كاف.
ويضيف العازر أن وجود القوات المصرية السورية على خطوط وقف القتال، على عكس الوضع عام 1967 عندما نقلت الجيوش إلى سيناء، جعل معطيات الإنذار تختلف هذه المرة.
وهكذا أدت التحركات العسكرية المصرية التي سبقت حرب 5 حزيران 1967 إلى توفير الوقت اللازم للقيادة الإسرائيلية لتستعد لشن هجومها الوقائي سواء من حيث التخطيط أو الحشد وتعبئة الاحتياطي أو تحضير المناورة السياسية الخارجية، التي ستتم على أساس هامش حرية العمل الذي تحقق، تلك الضربة الهجومية في ظل نوع من التأييد أو التحييد الدولي. وكان ذلك كله أحد عوامل النجاح الإسرائيلي في توجيه الضربة الخاطفة الأولى ضد الطيران المصري وهو جاثم على الأرض، وهي الضربة التي أثرت على مجرى الأحداث كلها بعد ذلك بصورة كبيرة خاصة من حيث الاضطراب النفسي والفكري الذي لحق بالقيادة العسكرية المصرية وقتئذ والذي كان السبب الرئيسي في اتساع حجم الهزيمة العسكرية التي لحقت الجيش المصري بصحراء سيناء.
والواقع أن العرب لم يفقدوا في حرب 1967 المبادرة العسكرية فقط وإنما فقدوا كذلك المبادرة السياسية الناجحة، بمعنى أنهم خسروا المناورة الخارجية اللازمة لتغطية العمل العسكري وأعطوا إسرائيل فرصة الظهور بمظهر الدولة الضعيفة المعرضة للاعتداء والدمار والإلقاء في البحر، وبالتالي تحقق لها في نظر قطاعات سياسية عالمية عريضة الحق شبه الشرعي في شن الحرب الوقائية ضد العرب قبل أن يبادروا هم بضربة قوية منسقة.
أما في حرب تشرين الأول فقد كسب العرب ليس فقط المبادرة العسكرية وإنما كسبوا أيضاً وبصورة مسبقة المناورة الخارجية اللازمة  لتحركهم العسكري واستطاعوا أن يكسبوا أو يحيدوا معظم العالم الخارجي إلى جانبهم في نضالهم العادل من أجل تحرير أرضهم المحتلة، وذلك بدليل موقف معظم دول أوروبا المختلف كثيراً عن موقفها عام 1967 وموقف الغالبية الساحقة من الدول الأفريقية الذي لم يسبق له مثيل من قبل بالإضافة لموقف أغلبية الدول غير المنحازة وجميع الدول الاشتراكية بحيث لم تقف دولة بوضوح سافر إلى جانب إسرائيل سوى الولايات المتحدة الأمريكية وهولندا.
وهناك فارق هام آخر بين حرب 1967 وحرب 1973 أثر في نتائج كل منهما وهو أن القيادة السياسية العربية لم تكن تقصد الإقدام على عمل عسكري إيجابي حينما حشدت القوات المسلحة في سيناء وأحاطت هذا الحشد بأكبر قدر ممكن من الدعاية الإعلامية، وإنما قصدت القيام بمظاهرة عسكرية تدعم مناورتها السياسية الهادفة إلى ردع إسرائيل عن الاعتداء على سوريا أو الاعتداء على مصر نفسها نتيجة لإغلاق مضائق نيران في وجه الملاحة الإسرائيلية، ولم تدخل في حساباتها إمكان الدخول في معركة حقيقية شاملة بالقوى المسلحة. وعندما فشلت المناورة السياسية تدهور الموقف العربي السياسي كله نتيجة لفشل المناورة العسكرية حينما تعرضت لمناورة العدو العسكرية الشاملة.
أما في حرب 1973 فقد مهدت المناورة السياسية للعمل العسكري، الذي كان عملاً إيجابياً ذو فاعلية رغم محدودية الأهداف العسكرية. كما لعبت المناورة السياسية دورها بوضوح أثناء العمل العسكري وعقب توقفه أيضاً، مثلما أن العمل العسكري قدم المناورة السياسية التي يدور في إطارها.
• الإنجازات العسكرية والفوارق على مستوى العمليات:
هناك فارق رئيسي بين حرب 1967 وحرب 1973 على المستوى العسكري المباشر، وهو انتقال العرب من جانب الدفاع المطلق إلى الهجوم العام ثم الدفاع الديناميكي الذي تتخلله هجمات مضادة قوية ومستمرة، وذلك بعد أن كان الجيش الإسرائيلي في حرب 1967 هو المهاجم دائماً والجيوش العربية متخذة موقف الدفاع الثابت السلبي في ظروف إستراتيجية غير ملائمة إطلاقاً نظراً لتحقق السيطرة الجوية الكاملة للعدو الإسرائيلي منذ الساعات الأولى من الحرب.
هذا تغيير هام من الناحية الاستراتيجية والمعنوية سيكون له نتائجه البالغة الأهمية عسكرياً وسياسياً في المراحل المقبلة من الصراع. فلقد أدت السيادة الجوية الإسرائيلية عام 1967 إلى تحقيق تفوق كبير من الناحية البرية اختلت معه علاقات القوى الفعلية بين القوى المدرعة للطرفين التي كانت قادرة على حسم المعركة لأي منهما في حالة تمتعه بالتفوق الجوي. أما في عام 1973 فإن السيطرة الجوية لم تتحقق لأي من الطرفين نظراً لأن الدفاع الجوي العربي، استطاع، بمساندة جزئية من الطيران، أن يعادل من أثر التفوق الجوي الإسرائيلي الذي ترتكز عليه كل معادلة التفوق الإسرائيلي والعقيدة العسكرية الإسرائيلية.
فكانت أن أتيحت الفرصة للمرة الأولى، بالنسبة للعرب، أن يستخدموا قواتهم البرية، ومدرعاتهم بصورة خاصة، استخداماً واسع النطاق وبقدر كبير من الفاعلية، وكان أن جرت أول معارك صدامية بين الدبابات المصرية والإسرائيلية في صحراء سيناء بمستوى جعلها توصف بأنها من أضخم معارك الدبابات مذ الحرب العالمية الثانية.
أتيحت الفرصة للعرب كذلك أن يستخدموا صواريخهم المضادة للدبابات بفاعلية. إن الصاروخ “سنابير” الموجه توجيهاً سلكياً كان في حوزة العرب عام 1967 ولكنه لم يستعمل بكفاءة بسبب الاضطراب النفسي والشلل العسكري العام الذي حكم معظم الأعمال القتالية التي جرت خلال الحرب.
وهكذا أوضحت حرب 1973 ما لم تستطع  حرب 1967 أن توضحه من إنجازات عسكرية وفوارق على مستوى العمليات العسكرية. وذلك بسبب الظروف والملابسات الخاصة التي أحاطت كل من الحربين منذ البداية.
والاستنتاج الهام في هذا المجال هو أن جدوى وكفاءة الأسلحة العربية، والأسلحة عامة. لا تظهر أو تتحقق بالصورة المطلوبة إلا حين استخدامها بشكل متكامل متناسق الأداء وأنه لا يوجد ذلك السلاح التكتيكي المطلق الذي يستطيع أن يفعل الأعاجيب بمفرده كالفارس الأسطوري كما تصور الكثيرون عقب حرب 1967 بالنسبة لطائرة “الميراج” ثم بالنسبة لطائرة “الفانتوم” وما كان يتصوره البعض الآخر من أن التصدي لقوة إسرائيل العسكرية بفاعلية لا يمكن الإقدام عليه وتحقيقه بدون الميغ 23 أو الميغ 25.
• الروح الهجومية:
كانت الاستراتيجية العسكرية العربية في حرب 1967 مبنية على فكرة الدفاع لحماية الكسب السياسي الذي حققه الرئيس عبد الناصر عند إغلاق مضيق العقبة وتطبيق الخنق الاستراتيجي على رئة إسرائيل الجنوبية. لذا كانت تكتيكات القتال دفاعية بحتة. بيد أن المفاجأة الإسرائيلية والمبادرة عبر الطيران وإصدار القيادة المصرية لأمر الانسحاب جعلت القوات المصرية في سيناء تتعثر حتى في تطبيق قواعد المعركة الدفاعية. وعندما انهارت القوة العسكرية المصرية وتحولت القوات الإسرائيلية نحو الأردن وسوريا أدى الشلل الاستراتيجي واختلاف موازين القوى إلى انهيار الجبهتين الأردنية والسورية وحسم القتال قبل أن يتم الحسم عن طريق الاشتباك العنيف.
أما في حرب 1973 فلقد تطورت الاستراتيجية العربية تطوراً ملحوظاً وتحولت، لأول مرة منذ عام 1948، من الدفاع إلى الهجوم. ولقد جاء هذا التطور من تبدل الظروف السياسية الدولية والعربية، ومن تبدل غرض الحرب (من منع إسرائيل من العدوان والتوسع إلى تحرير الأرض المحتلة في حرب 1967). وانعكست الاستراتيجية الجديدة على تكتيكات القتال التي أخذت طابعاً هجومياً تعرضياً على الجبهتين السورية والمصرية، وبدت الروح الهجومية واضحة في الهجوم نفسه، وفي الدفاع الديناميكي (الهجمات المعاكسة) خلال فترات الدفاع.
ومن المعروف عسكرياً، أن الحرب هي الهجوم، وما الدفاع سوى مرحلة مؤقتة تحضيرية من مراحل الهجوم يقوم بها الطرف الأضعف بغية استنزاف قوى الخصم، وتجميع قواه الذاتية والانتقال بعد ذلك إلى الهجوم. وكل دفاع لا يصنع في تصوره الانتقال إلى الهجوم دفاع مستكن لا يقدم أية نتيجة إيجابية، وأكثر ما يستطيع تقديمه هو الحفاظ على الوضع الراهن. ولكن تحرير الأرض العربية المحتلة لا يمكن أن يتم عن طريق الحفاظ على الوضع الراهن، ولا بد له من تحطيم هذا الوضع بواسطة الهجوم. لهذا يمكن أن نقول أن حرب 1967 التي حدد العدو أغراضها  ومكانها وزمانها وحدودها وأسلوبها، واستخدم فيها الهجوم ضد العرب المدافعين كانت حرباً إسرائيلية صرفة. أما حرب 1973 التي حددت مصر وسورية أغراضها التحررية، ورسمت خططها، وأعدت القوى اللازمة لهذه الخطط، واختارت الزمان والمكان المناسبين للتنفيذ واستخدمت الأساليب الهجومية عند التنفيذ فهي حرب عربية صرفة. بل وأول حرب عربية منذ بدء الصراع العربي – الإسرائيلي.
• التنسيق بين الجبهات العربية:
ولعله من أبرز الفروق بين حرب 5 حزيران 1967 وحرب 6 تشرين الأول 1973 وجود درجة كبيرة من التنسيق بين الجبهتين المصرية والسورية بصورة لم يسبق لها مثيل في حروب 1948، 1956، 1967 رغم وجود قيادات مشتركة وغيرها من محاولات التنسيق خلال هذه الحروب الثلاث. بل إن حرب 1967 التي بدأت مقدماتها نتيجة لتهديد مصر بالتدخل ضد إسرائيل في حالة إذا ما هاجمت سوريا لم تشهد أي تنسيق فعال بين الجبهتين الأمر الذي أتاح لإسرائيل الاستفادة من حرية وسرعة حركتها على الخطوط الداخلية، التي كانت تتمتع بها بصورة كبيرة في ظروف 1967 نظراً لصغر مساحتها وسهولة طرق مواصلاتها، وركزت جهودها على الجبهة المصرية حتى حسمت الموقف لصالحها فيها تماماً ثم نقلت تركيزها إلى الجبهة الأردنية، ثم تفرغت في النهاية للجبهة السورية وأنهت الحرب كلها لصالحها بالكامل.
أما في حرب 1973 فقد فتحت الجبهتان معاً في آن واحد وبعمل هجومي منسق، وأدى ذلك إلى اجتذاب قوى عربية أخرى بسرعة إلى ساحة المعركة مما أدى إلى دعم عسكري عربي سريع.
ذلك أنه في الوقت الذي كانت طلائع القوات المصرية تجتاز القناة والدبابات البرمائية تتوغل في الجانب الشرقي وبطاريات المدافع الهوائية تقذف بحممها ونيرانها على الكثبان الرملية المعترضة فتذيبها، كان الوضع في مرتفعات الجولان على المقدار نفسه من السوء بالنسبة إلى القوات الإسرائيلية. فقد كان عنصر المفاجأة شاملاً إذ هاجمت مئات المدرعات السورية في اللحظة عينها التي هاجم المصريون. وفي خلال فترة قصيرة كانت القوات السورية قد نجحت في عملية اختراق إلى مسافة حوالي 20 كيلومتراً في قطاع الرفيد.
• قومية المعركة:
تجسدت قومية المعركة في حرب 1973 بشكل واضح، فلقد قدم العراق والجزائر والأردن والسعودية والكويت والمغرب والسودان مشاركتها العسكرية على درجات متفاوتة كما قدمت الدول النفطية كالسعودية والكويت واتحاد الإمارات والبحرين وقطر دعمها الاقتصادي والسياسي بصورة لم يسبق لها أن قدمت في أية مواجهة مع العدو.
وهكذا اتخذت حرب 1973 طابعاً قومياً عربياً بصورة ملموسة واضحة القسمات والآثار محلياً وعالمياً، على خلاف حرب 1967 التي اتخذت طابعاً قطرياً مصرياً بشكل أساسي رغم اشتراك سوريا والأردن فيها واحتلال أجزاء منهما خلالها إلا أن درجة مساهمتها العسكرية، وخاصة سورية، جعلت الحرب في النتيجة الأخيرة حرباً بين مصر وإسرائيل أكثر منها مواجهة شاملة مع العرب كما كانت حرب 1956 مع شيء من الاختلاف في النتائج من حيث التوسع الإسرائيلي. وعلى أي حال فقد أدى الصلف الإسرائيلي والتعنت الأمريكي من ورائه، من حيث التمسك بالأراضي المحتلة وممارسة الضغط العسكري على مصر خلال حرب الاستنزاف والضغط والاستنزاف الاقتصادي من خلال تعطيل الملاحة في قناة السويس ونهب بترول سيناء وتبديد جانب ضخم من موارد البلاد المالية والاقتصادية نتيجة الاضطرار إلى الاحتفاظ بجيش كبير ونفقات دفاع باهظة نتيجة لذلك، أدى ذلك إلى رفع حدة التناقض بين العرب وإسرائيل واحتدام الصراع المباشر بينهما إلى درجات أكبر وأعمق وأخطر من أي وقت مضى.
—–
معرض دمشق لحطام الفانتوم
• دخل صاروخ سام الأساطير الشعبية، صار واحداً من العائلة في كل بيت عربي. حتى الأماكن التي كان العم سام يسرح ويمرح فيها أغلقت أبوابها وشعرت بالخجل.
• الفيتناميون صنعوا من حطام طائرات الفانتوم خواتم يقدمونها لضيوف هانوي بدل مفتاح المدينة. دمشق تستطيع أن تملأ ساحات العالم بهذا الحطام.
إذا فتحت بريدك غداً فلا تستغرب أن تجد قطعة من جناح فانتوم مهداة إليك من أطفال سورية الذين قدم لهم أبطال الجيش هذه الألعاب الأميركية.
وفي العام المقبل سيكون في معرض دمشق الدولي جناح كبير لحطام الطائرات التي احترقت على جدار النار في تلك المدينة الساحرة.
• بعد هزيمة فرنسا في ديان بيان فو وتوقيع اتفاق جنيف قال هوشي منه منه لأبناء شعبه: ازرعوا الأشجار على جوانب الطرق. سيأتي يوم تحاربنا فيه أميركا وتقصفنا بالطائرات. ويجب أن نخبىء مدافعنا وآلياتنا وتراكتوراتنا تحت الأشجار.
أشجار دمشق أيضاً لم تكن للزينة فقط. ترى هل سبق الذين زرعوا أشجار الغوطة أفكار هوشي منه بالفطرة؟
• الوجوه التي لا نعرفها رسمت وجوهنا التي كانت ممحية. وضعتنا على خريطة العالم وانسحبت إلى الصمت والظل. بعضها سافر في دمه، وبعضها ينتظر العودة إلى كتابة سفر العرب بالنار.
هل يخفف من تقصيرنا، أن نركض حفاة، ونقبل تلك الأيدي التي قاتلت ببسالة؟
• الذي لا يخسر في الحرب لا يربح.هكذا يقول الخبراء العسكريون.
فهل نتعلم نحن ألا نقع في اليأس والمبالغة عندما نرى بناية مدمرة أو صورة دبابة محترقة؟
ليت المسؤولين في دمشق يتركون بناية من البنايات التي قصفت دون ترميم، ليتذكر الناس أن الجدار الذي قصف هنا سقط على رأس المحتل في الجولان.
• المرسوم الذي صدر في دمشق بمنح الوسام الجديد لمن يسقط 5 طائرات فانتوم لم يكن مجرد مرسوم لدفع الجنود إلى إسقاط الطائرات كما تسقط ثمار الجوز بالعصا. كان تكريساً لواقع قائم. ففي سورية أكثر من شخص أسقط أكثر من 5 طائرات.
• “اكسبرس – دمشق” لم يعمل كما حلم دايان. والشمبانيا التي وعد المراسلين الأجانب بشربها معهم في دمشق، لن تكون سوى كأس من الرمل في سيناء والجولان.
• إذا سأل طفل سوري والده ذلك السؤال الذي أصبح عنواناً لفيلم: ماذا فعلت في الحرب يا والدي؟ فإن الجواب لن يكون أكثر من كلمتين: فعلت الحرب.
• سقطت قنبلة على لعبة طفل، فهبت الريح وطيرت أساطير العدو.
وفي المساء فتحت دمشق عينيها لتكونا قنديل الليل الهادر.
فالريح لا تتآخى إلا مع جناحي النسر.
رفيق خوري
الصياد: 1/8- 11 – 1973
_____________________________________
الشرق الأوسط بين 1967 و1973

أولاً: على الصعيد العسكري
في 6/6/67: مجلس الأمن اتخذ قراراً بوقف إطلاق النار فوراً.
في 7/6/67: مجلس الأمن اتخذ قراراً ثانياً بوقف إطلاق النار فوراً.
في 8/6/67: توقف القتال على جبهتي الجمهورية العربية المتحدة والأردن.
في 9/6/67: مجلس الأمن اتخذ قراراً بوقف إطلاق النار على الجبهة السورية بسبب مضي إسرائيل في عدوانها. وسوريا توافق على القرار.
في 11/6/67: مجلس الأمن دعا القوات التي تحركت إلى الأمام بعد 10 حزيران إلى العودة فوراً.
في 11/6/67: إسرائيل توقف عملياتها على الجبهة السورية.
في 8/7/67: الجمهورية العربية المتحدة تقدمت بشكوى إلى مجلس الأمن حول انتهاك إسرائيل لوقف إطلاق النار. وقد اتخذ مجلس الأمن قراراً بتاريخ 9 – 10/7/67 خول الأمين العام للأمم المتحدة وضع مراقبين عسكريين تابعين للأمم المتحدة في منطقة قناة السويس.
في 21/10/67: الجمهورية العربية المتحدة أغرقت المدمرة “إيلات”.
في 24/10/67: الجمهورية العربية المتحدة تقدمت بشكوى إلى مجلس الأمن حول الغارات الإسرائيلية على منطقة قناة السويس. وقد أدان المجلس انتهاكات وقف إطلاق النار.
في 22/11/67: مجلس الأمن اتخذ قراراً رقم 242 (1967) حول التسوية السلمية في الشرق الأوسط.
في 29/3/68: الأردن تقدم بشكوى إلى مجلس الأمن حول اعتداءات إسرائيل على الضفة الشرقية. المجلس اتخذ قراراً يبدي فيه قلقه.
بين 5 – 16/8/68: مجلس الأمن عقد سلسلة اجتماعات حول شكوى الأردن من الغارات الجوية الإسرائيلية على مدينة السلط في 4/8/68 وشكوى إسرائيل حول انتهاك الأردن لوقف إطلاق النار. المجلس أدان الاعتداءات الإسرائيلية.
بين 4 – 18/9/68: مجلس الأمن عقد سلسلة اجتماعات حول شكاوى إسرائيل من كمين أعده جنود مصريون لدورية إسرائيلية في الضفة الشرقية لقناة السويس (26/8) وشكوى الجمهورية العربية المتحدة حول قصف إسرائيل بور توفيق والسويس والإسماعيلية والقنطرة في 8/8. المجلس يطلب احترام وقف إطلاق النار.
بين 1 – 4/11/68: مجلس الأمن عقد اجتماعان لبحث شكوى الجمهورية العربية المتحدة حول الغارات الجوية الإسرائيلية على أهداف مدنية في مصر العليا.
بين 29 – 31/12/68: مجلس الأمن عقد سلسلة اجتماعات حول شكوى لبنان ضد الهجوم الجوي الإسرائيلي على مطار بيروت المدني (28/12) وشكوى إسرائيل المتعلقة بمساعدة لبنان للقوات غير النظامية التي تهاجم إسرائيل. المجلس أدان إسرائيل (خلافاً للقرارات السابقة التي كانت تدين أعمال إسرائيل).
في 26/3/69: الأردن تقدم بشكوى إلى مجلس الأمن حول الاعتداءات الجوية الإسرائيلية على السلط. المجلس أدان الغارات الإسرائيلية المتعمدة وحذر إسرائيل من تكرارها.
في 23/7/69: الرئيس عبد الناصر أعلن حرب الاستنزاف ضد إسرائيل، التي كانت قد بدأت في نيسان.
(استمرت هذه الحرب لحين قبول الرئيس عبد الناصر بمبادرة روجرز وإعلانه وقف إطلاق النار مدة تسعين يوماً وذلك في آب 1970. وأن سلسلة الحوادث العسكرية على الحدود المصرية – الإسرائيلية خلال الاستنزاف لم تبحث في مجلس الأمن لأنها لم تطرح عليه. وكانت بالفعل من أهم الأعمال العسكرية خلال الفترة. فيها ضرب المصريون خط بارليف في حين انتقم الإسرائيليون بضرب مصنع أبو زعبل ومدرسة بحر البقر الابتدائية).
في 11/8/69: لبنان تقدم بشكوى إلى مجلس الأمن حول الغارات الجوية الإسرائيلية على قرى لبنان الجنوبي وإسرائيل تشكو لبنان من الاعتداءات المسلحة على إسرائيل من الأراضي اللبنانية. المجلس أدان الغارة الإسرائيلية المتعمدة وأبدى أسفه على جميع حوادث العنف.
بين 12 – 19/5/70: مجلس الأمن عقد سلسلة اجتماعات حول شكوى لبنان ضد الغارات الإسرائيلية الجوية والبرية على لبنان (12/5) وشكوى إسرائيل المقابلة. المجلس اتخذ قراراً بالانسحاب الإسرائيلي الفوري من الأراضي اللبنانية.
في 5/9/70: لبنان تقدم بشكوى إلى مجلس الأمن حول الغارات الإسرائيلية البرية والجوية على لبنان (في 4 و5/9). المجلس طالب بالانسحاب الفوري الشامل لجميع القوات الإسرائيلية.
(امتازت الفقرة من أيلول 1970 – شباط 1972 بفترة هدوء، خاصة على الجانب المصري – الإسرائيلي. انظر أدناه الشريط الخاص بالنشاط الدبلوماسي).
بين 26 – 28/2/72: مجلس الأمن عقد سلسلة اجتماعات لبحث شكوى لبنان المتعلقة بالغارات الإسرائيلية البرية والجوية على لبنان (25/2) وشكوى إسرائيل المقابلة. المجلس طالب إسرائيل بالكف عن نشاطاتها العسكرية والانسحاب.
بين 23 – 26/6/72: مجلس الأمن عقد سلسلة اجتماعات لبحث شكوى لبنان المتعلقة بالغارات الإسرائيلية البرية والجوية على لبنان (21 و22 و23) وشكوى إسرائيل المقابلة. المجلس دعا إسرائيل إلى الالتزام بقرارات المجلس والكف عن جميع الأعمال العسكرية ضد لبنان. كما ندد بجميع أعمال العنف.
بين 18 – 21/7/72: مجلس الأمن عقد سلسلة اجتماعات لبحث شكوى لبنان وسورية المتعلقة برفض إسرائيل إطلاق سراح العسكريين السوريين المعتقلين في الأراضي اللبنانية.
في 10/9/72: لبنان تقدم بشكوى إلى مجلس الأمن  من الاعتداءات الإسرائيلية عليه (في 8/9).
بين 13 – 21/4/73: مجلس الأمن عقد سلسلة اجتماعات لبحث شكوى لبنان المتعلقة بالغارات الإسرائيلية داخل بيروت وصيدا (في 10/4). المجلس أعرب عن قلقه العميق واستنكر الغارات الإسرائيلية.
ثانياً: على الصعيد الدبلوماسي
في 23/11/67: الأمين العام للأمم المتحدة دعا السفير السويدي غونار بارينغ إلى قبول تعيينه المبعوث الخاص الذي نص عليه قرار مجلس الأمن.
في 26/11/67: يارينغ يجري مباحثات مع ممثلي إسرائيل والأردن ولبنان وج.ع.م. في الأمم المتحدة حول التسوية السلمية لأزمة الشرق الأوسط. إسرائيل تمسكت بالمفاوضات المباشرة في حين أصرت ج.ع.م. والأردن على ضرورة الانسحاب الإسرائيلي قبل إجراء أية مباحثات.
27/12/67: وزير خارجية إسرائيل يقترح على يارينغ أن يجتمع ممثل إسرائيل وممثل ج.ع.م. كخطوة أولى، ويتقدم بجدول أعمال.
في 7/1/68: مندوب إسرائيل يقترح على يارينغ جدول أعمال مشابه للجدول المقترح للمباحثات المقترحة بين ج.ع.م. وإسرائيل.
في 19/2/68: إسرائيل تقترح على يارينغ في مذكرة جديدة عقد اجتماع مع الفرقاء المعنيين بدعوة منه (يارينغ).
في 20/2/68: وزير خارجية مصر يبلغ يارينغ قبول ج.ع.م. للمفاوضات غير المباشرة على أن يسبق ذلك تصريح صريح من إسرائيل بأنها ستنفذ قرار مجلس الأمن.
في 15/5/68: يارينغ يعود إلى مقر منظمة الأمم المتحدة ويجري مباحثات مع ممثلي الدول المعنية في المنظمة. إسرائيل أبلغته وجهة نظرها بأن قرار مجلس الأمن هو بمثابة “بيان مبادىء” وج.ع.م. تبلغه بأن القرار “خطة لتسوية النزاع” على الفرقاء أن ينفذوها.
في 3/4/1969: الممثلون الدائمون لفرنسا والاتحاد السوفياتي وبريطانيا والولايات المتحدة يعقدون سلسلة اجتماعات حول أزمة الشرق الأوسط بهدف التوصل إلى تفسير عام لقرار مجلس الأمن مع صيغة عامة لنصوص تسوية سلام عامة. (استمرت هذه المباحثات حتى أيلول 1971).
في 19/6/70: حكومة ج.ع.م. تلقت من وزير الخارجية الأميركي، وليم روجرز، مبادرة جديدة للسلام تقوم على الاعتراف المتبادل بين دول المنطقة وانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة وفق قرار مجلس الأمن ووقف إطلاق النار لمدة 90 يوماً على الأقل لتسهيل الاتفاق بين الأطراف المعنية.
في 23/7/70: الرئيس عبد الناصر يعلن قبوله بمبادرة روجرز.
في 7/8/70: وضع اتفاق وقف إطلاق النار موضع التنفيذ في الشرق الأوسط بموجب مبادرة روجرز.
في 21/8/70: يارينغ يعو إلى الاتصال بالفرقاء المعنيين ويوجه الدعوة لمباحثات مفتوحة في نيويورك. مندوب إسرائيل قاطع المباحثات بعد جلسة واحدة عقدها مع يارينغ. فانتهت المباحثات.
في 4/11/70: الجمعية العامة للأمم المتحدة اتخذت قراراً أعلنت فيه أن حيازة أراض بالقوة غير مقبولة وطالبت بإعادتها كما حثت على تنفيذ سريع لقرار مجلس الأمن، واستئناف المباحثات بإشراف يارينغ. وتمديد وقف إطلاق النار فترة ثلاثة أشهر جديدة. فمدد ذلك.
في 5/1/71: المباحثات استؤنفت  في مقر الأمم المتحدة بإشراف يارينغ. الجانب الإسرائيلي طالب بأن تقدم ج.ع.م. التزامات محددة ومباشرة ومتبادلة إلى إسرائيل بأنها ستكون مستعدة للدخول في اتفاقية سلام معها. أما مسألة الحدود واتفاقيات الانسحاب فتبحث في الوقت الملائم. ج.ع.م. والأردن أكدا أن قرار مجلس الأمن يحوي نصوصاً ليقوم الفرقاء بتنفيذها كما أكدا أن تنفيذ التزاماتهما بموجب هذا القرار مشروط بأن تفعل إسرائيل مثل ذلك.
في 8/2/71: يارينغ يقدم إلى الدول العمعنية أن تقدم سلفاً بعض التعهدات. الأطراف المعنية لم تخرج في أجوبتها عن مواقفها السابقة. إضافة إلى ذلك فإن إسرائيل أعلنت أنها لن تنسحب إلى خطوط ما قبل 5 حزيران.
في 2 و4/2/71: حكومتا إسرائيل وج.ع.م. مددتا وقف إطلاق النار ثلاثين يوماً استجابة لدعوة من الأمين العام للأمم المتحدة.
5/3/71: الأمين العام للأمم المتحدة يعلن أن عدم نجاح محاولة يارينغ يعود إلى الموقف الإسرائيلي. ودعا الفرقاء إلى مسعى جديد. كما دعا إلى تجديد جديد لوقف النار. لكن الرئيس السادات أعلن أن بلده لم يعد يعتبر نفسه ملزماً بوقف إطلاق النار.
بين 2 – 5/11/71: بعثة تحقيق تابعة لمنظمة الوحدة الأفريقية برئاسة الرئيس سنفور قامت بزيارة إلى كل من ج.م.ع. وإسرائيل لحث الفريقين على استئناف المفاوضات غير المباشرة تحت إشراف يارينغ.
13/12/71: الجمعية العامة للأمم المتحدة تصدر قراراً يدعو إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من أراض احتلت في الحرب الأخيرة وإعادة تنشيط مهمة يارينغ.
بين 19 – 27/2/72: يارينغ يعقد مباحثات مع وزير خارجية ج.م.ع. في كل من القاهرة وعمان والقدس. إسرائيل رفضت تقديم أي صيغة تصريح له مفعول معادل للتعهد بقضية الانسحاب. كما وتراجعت عن مضمون إجاباتها بمذكرة يارينغ تاريخ 8/2/71.
في 24/3/72: يارينغ يعود إلى منصبه في موسكو.
في 8/12/72: الجمعية العامة للأمم المتحدة تصدر قراراً تبدي فيه أسفها على عدم امتثال إسرائيل لقراراتها. كما وتؤكد مجدداً على الانسحاب الإسرائيلي وعلى مبدأ بطلان حيازة أراض بالقوة.
في 20/4/73/ الجمعية العامة للأمم المتحدة تبحث مسألة الشرق الأوسط مجدداً وتستأنف ذلك في 6/6/73 وتتخذ سلسلة قرارات مشابهة للسابقة.
وقف النار والتسوية
قرار مجلس الأمن رقم 338 (1973) تاريخ 22/10/73 بوقف إطلاق النار:
“إن مجلس الأمن،
أولاً – يدعو جميع أطراف القتال الحالي إلى وقف إطلاق النار، وإلى إنهاء كل نشاط عسكري فوراً، على أن يتم ذلك في وقت لا يتجاوز 12 ساعة بعد تبني هذا القرار وفي المواقع التي تحتلها هذه الأطراف الآن.
ثانياً – يدعو الأطراف المعنية إلى البدء مباشرة بعد وقف إطلاق النار بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 بجميع فقراته.
ثالثاً – يقرر وجوب بدء مفاوضات فورية في الوقت ذاته الذي يتم فيه وقف إطلاق النار، وتحت رعاية مناسبة، بغية تحقيق سلام دائم وعادل في الشرق الأوسط”.
قرار مجلس الأمن رقم 339 (1973) تاريخ 23/10/73 بتأكيد وقف إطلاق النار وإرسال مراقبين دوليين:
“إن مجلس الأمن إذ يشير إلى قراره 338 (1973) الصادر بتاريخ 22 تشرين الأول سنة 1973.
1- يؤكد قراره المتعلق بوقف جميع أنواع إطلاق النار، وجميع النشاطات العسكرية فوراً، ويحث على أن تعود قوات الجانبين إلى المواقع التي كانت تحتلها عند نفاذ قرار وقف إطلاق النار.
2-  يطلب من السكرتير العام اتخاذ إجراءات لإرسال مراقبين من منظمة الأمم المتحدة فوراً للإشراف على التقيد بوقف إطلاق النار بين قوات إسرائيل وجمهورية مصر العربية، مستخدماً لهذه الغاية موظفي الأمم المتحدة الموجودين الآن في الشرق الأوسط، وقبل كل شيء الموظفين الدوليين الموجودين في القاهرة”.
قرار مجلس الأمن تاريخ 25/10/73 حول إرسال قوات طوارىء دولية إلى منطقة القتال في الشرق الأوسط.
“إن مجلس الأمن،
إذ يعيد إلى الذاكرة قراره رقم 338 (1973) المؤرخ 22 تشرين الأول 1973 وقراره رقم 339 (1973) المؤرخ 23 تشرين الأول 1973،
وإذ يسجل بأسف ما يذكر عن خرق متكرر لوقف إطلاق النار دون تقيد بالقرارين 338 (1973) و339 (1973)،
وإذ يسجل بقلق استناداً إلى تقرير السكرتير العام أن مراقبي الأمم المتحدة العسكريين لم يتمكنوا بعد من التمركز على جانبي خط وقف إطلاق النار،
1- يطلب أن يتم الامتثال لوقف إطلاق النار الفوري والكامل وأن يعود الفريقان إلى المواقع التي كانا يحتلانها عند الساعة 16,50 بتوقيت غرينتش في 22 تشرين الأول 1973:
2- يطلب من السكرتير العام، كخطوة فورية، أن يزيد عدد مراقبي الأمم المتحدة العسكريين على الجانبين،
3- يقرر أن ينشىء فوراً تحت سلطته، قوة طوارىء دولية تكون مؤلفة من عناصر من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، غير الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، ويرجو السكرتير العام أن يرفع تقريراً خلال 24 ساعة يتضمن اقتراحات حول الخطوات المتخذة لهذا الغرض،
4- يرجو السكرتير العام أن يرفع تقريراً إلى المجلس على أساس مستعجل ومتواصل عن وضع تنفيذ هذا القرار فضلاً عن القرار 338 (1973) و339 (1973)،
5- يرجو جميع الدول الأعضاء أن تتعاون كلياً مع الأمم المتحدة في تنفيذ هذا القرار وكذلك القرار 338 (1973) و339 (1973)”.
قرار رقم 242 (1967) تاريخ 22/11/1967 حول وقف القتال في الشرق الأوسط:
إن مجلس الأمن،
يعرب عن استمرار قلقه للوضع الخطير في الشرق الأوسط.
ويؤكد أنه لا يجوز كسب الأراضي بالحرب، والحاجة إلى العمل من أجل سلام عادل ودائم تستطيع معه كل دولة في المنطقة أن تعيش بأمن.
ويؤكد كذلك أن كل الدول الأعضاء قد التزمت بموافقتها على ميثاق الأمم المتحدة، بالعمل وفق المادة الثانية من الميثاق.
1- يؤكد أن تنفيذ مبادىء الميثاق يتطلب إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، وأنه يجب أن يصل إلى تنفيذ المبدأين التاليين:
أ‌- انسحاب القوات الإسرائيلية المسلحة من الأراضي التي احتلت في القتال الأخير.
ب‌-  إنهاء كل حالات الحرب واحترام السيادة ووحدة الأراضي والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة والاعتراف بها، بالإضافة إلى حقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها دون تهديد باستخدام القوة.
2- ويؤكد أيضاً على ضرورة:
أ‌- ضمان حرية الملاحة عبر الممرات المائية الدولية في المنطقة.
ب‌- إحلال تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين.
ت‌-  ضمان عدم انتهاك الأراضي والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة عن طريق إجراءات بما فيها إقامة مناطق منزوعة السلاح.
3- يطلب إلى السكرتير العام تعيين ممثل خاص للذهاب إلى الشرق الأوسط من أجل إقامة اتصالات بالدول المعنية، والإبقاء على هذه الاتصالات من أجل السعي إلى إتفاق ومساعدة الجهود الرامية إلى تحقيق تسوية سلمية ومقبولة وفق نصوص ومبادىء هذا القرار.
4- يطلب إلى السكرتير العام تقديم تقرير إلى مجلس الأمن بصدد سير مهمة ممثله الشخصي بالسرعة الممكنة.
البيان الإسرائيلي حول قرار مجلس الأمن بوقف القتال بتاريخ 22/10/73:
“لقد أبلغت حكومة إسرائيل أن حكومة مصر أصدرت أوامرها إلى القوات المسلحة المصرية لوقف الأعمال الحربية بناء على قرار مجلس الأمن المتعلق بوقف إطلاق النار. وبناء عليه فقد أصدرت حكومة إسرائيل أمراً إلى قوات الدفاع الإسرائيلية بوقف القتال على الجبهة المصرية في السادسة والدقيقة الثانية والخمسين مساء اليوم بتوقيت إسرائيل شرط التأكد من أن المصريين أوقفوا الأعمال الحربية فعلاً. لذلك فإن وقف إطلاق النار سيصبح نافذ المفعول في نهاية فترة الساعات الإثنتي عشرة التي نص عليها قرار مجلس الأمن”.
البيان المصري بقبول قرار مجلس الأمن بوقف القتال بتاريخ 22/10/73:
“درس الرئيس السادات بعناية بالغة قرار مجلس الأمن، الذي صدر صباح اليوم والذي ينص على وقف إطلاق النار في مدى 12 ساعة من صدوره وعلى التطبيق الفوري والكامل لقرار مجلس الأمن الصادر في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1967 وعلى محادثات سلام باشتراك كل الأطراف المعنية والمهتمة في إطار مجلس الأمن وبمساهمته العملية.
ودرس الرئيس أنور السادات بعناية بالغة تفاصيل مناقشات مجلس الأمن ملاحظاً ما يأتي:
1- أن مشروع القرار، الذي عرض على مجلس الأمن، تقدمت به الدولتان الأعظم الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة بعد اتصالات مكثفة على أعلى المستويات بينهما وبمسؤولية خاصة بهما في الأوضاع الدولية الراهنة.
2- إن مجلس الأمن وافق على مشروع القرار ومن دون أي اعتراض من جانب أي عضو من أعضائه.
3- أن المناقشات التي دارت في المجلس كانت لها أهمية كبيرة وألقت أضواء ضرورية على معناها. وفي هذا الصدد كانت ملاحظات فرنسا والهند ملاحظات لها أهميتها. ولقد كانت هناك اعتبارات مهمة أثناء دراسة ذلك كله بينها:
أ‌- مشروع السلام الذي عرضه الرئيس أنور السادات على الأمة وعلى العالم، في خطابه أمام مجلس الشعب واللجنة المركزية يوم 16 أكتوبر (تشرين الأول) والذي جعل من الانسحاب الكامل أساساً لا شك فيه لأي عمل سياسي.
ب‌- المحادثات التي جرت بينه وبين الرئيس السوفياتي اليكسي كوسيغين، رئيس وزراء الاتحاد السوفياتي، الذي زاره في القاهرة في الفترة ما بين 16 إلى 19 من شهر أكتوبر (تشرين الأول) وقد أتاحت لهما هذه الزيارة فرصة خمس جلسات عمل مشتركة.
ت‌- التأكيدات التي تلقاها الرئيس أنور السادات من الزعيم السوفياتي ليونيد بريجنيف والتي قدمها له السفير السوفياتي في القاهرة في رسالة خاصة تلقاها الرئيس مساء 21 أكتوبر (تشرين الأول) 1973.
ث‌- الاتصالات التي جرت مع عدد من العواصم العربية المهتمة مباشرة بالمعركة.
إن الرئيس السادات يعتبر أن القاعدة الوطيدة التي غيرت طبيعة وظروف أزمة الشرق الأوسط كلها برزت وتدعمت بالعمل العظيم والمجيد الذي قامت وتقوم القوات المسلحة العربية وأثبتت به نفسها في ميدان القتال بشجاعة ومقدرة وفداء. ذلك لأن هذا العمل العظيم والمجيد هو وحده الذي كسر جمود الأزمة وبدل الأمر الواقع وغير الخريطة السياسية للشرق الأوسط كلها، وأنهى إلى الأبد صلافة وحماقة القوة التي مارس بها العدو الإسرائيلي 25 سنة في الواقع.
وبناء على ذلك كله، كان الرئيس السادات أصدر، بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة، أمره إلى القيادة العامة بوقف إطلاق النار في الموعد الذي حدده قرار مجلس الأمن شرط أن يلتزم العدو به.
إن الرئيس السادات، وهو يتخذ القرار بمسؤوليته التاريخية، يعتبر أن الفضل لأكبر والأول في هذه المرحلة الأولى من فترة حاسمة في النضال القومي يعود إلى صلابة الأمة العربية كلها وإلى الوعي العميق لشعوبها”.
البيان السوري حول قرار مجلس الأمن بوقف القتال بتاريخ 22/10/73:
“منذ أن أصدر مجلس الأمن الدولي، صباح اليوم، قراره الداعي إلى وقف إطلاق النار، بناء على المشروع، الذي تم الاتفاق عليه بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية، وعرضته الدولتان على مجلس الأمن بصورة مشتركة، كان هذا القرار موضوع دراسة من قبل القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية في اجتماع عقدته صباح اليوم، ومن قبل القيادتين القومية والقطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، في اجتماع مشترك عقد بعد ظهر اليوم.
كما جرت اتصالات مع الملوك والرؤساء العرب لتبادل الرأي حول قرار مجلس الأمن.
ويتضمن قرار مجلس الأمن ثلاثة بنود تدعو كل الأطراف في القتال الحالي، إلى التوقف عن كل إطلاق للنار وإنهاء كل نشاط عسكري فوراً وبموعد لا يتعدى اثنتي عشرة ساعة من لحظة تبني مجلس الأمن للقرار، في المواقع التي تحتلها الآن.
كما يدعو الأطراف المعنية إلى البدء فوراً عقب توقف إطلاق النار بتطبيق قرار مجلس الأمن الرقم 242 لعام 1967 بكل أجزائه.
ويدعو أيضاً إلى بدء مفاوضات بين الأطراف المعنية وتحت الرعاية المناسبة فوراً، وفي الوقت نفسه مع وقف إطلاق النار، بهدف إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط.
وقد أعلن في القاهرة أن الرئيس أنور السادات أصدر أمره إلى القيادة العامة للقوات المسلحة، في جمهورية مصر العربية لوقف إطلاق النار في الموعد الذي حدده قرار مجلس الأمن شرط أن يلتزم العدو أيضاً.
وقد اتخذ الرئيس أنور السادات هذا الإجراء بعدما درس قرار مجلس الأمن وتفاصيل مناقشات مجلس الأمن حوله بعناية بالغة”.
بيان اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حول قرار مجلس الأمن بوقف القتال بتاريخ 22/10/73:
“إن الثورة الفلسطينية ليست معنية بهذا القرار وهي تؤكد أنها ستتابع الكفاح المسلح والجماهيري ضد الكيان الصهيوني من أجل تحرير الوطن وحق شعبنا في تقرير مصيره بنفسه. إن الثورة الفلسطينية التي انطلقت لتحرير كامل التراب الفلسطيني في أحلك الظروف التي مرت بها القضية الفلسطينية والأمة العربية سارعت منذ اللحظات الأولى لاندلاع حرب التحرير في 6/10/73 إلى أخذ مواقعها القتالية على كل جبهات القتال داخل وطننا المحتل وعلى جبهات القتال العربية مع العدو الصهيوني. وأنها لذلك تواصل الكفاح المسلح مع قوى أمتنا العربية لإنجاز تحرير كل الأراضي المحتلة بلا قيد أو شرط”.
البيان السوري حول الموافقة على قرار مجلس الأمن بوقف القتال بتاريخ 24/10/73:
درست القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 338 سنة 973 آخذة في دراستها في الاعتبار الأمور الآتية:
1- الظروف العربية والدولية التي نشأت من إصدار القرار.
2- نتائج الاتصالات التي أجريت حوله مع ملوك الدول العربية ورؤسائها.
3- نتائج الاتصالات التي أجريت مع الاتحاد السوفياتي وكذلك الإيضاحات والضمانات التي توفرت من خلال هذه الاتصالات.
4- التأكيدات التي قدمت إلى جمهورية مصر العربية والتي تشكل ضمانات للحقوق العربية. وقد قررت القيادة المركزية نتيجة هذه الدراسة قبول قرار مجلس الأمن على أساس أنه يعني الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من كل الأراضي العربية المحتلة في حزيران 1976 وما بعده. وضمان حقوق الشعب العربي الفلسطيني.
وقد بعث السيد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية السيد عبد الحليم خدام إلى السيد كورت فالدهايم الأمين العام للأمم المتحدة ببرقية في هذا الصدد هذا نصها:
السيد كورت فالدهايم الأمين العام للأمم المتحدة.
بالإشارة إلى برقيتكم المؤرخة 22/10/1973 المتضمنة إبلاغنا قرار مجلس الأمن الرقم 338 المقرر في الاجتماع الرقم 1747 تاريخ 22/10/1973 يرجى أخذ العلم وإبلاغ مجلس الأمن أن الحكومة السورية وافقت على القرار المذكور مؤكدة أن فهمها يرتكز على:
1- الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من كل الأراضي العربية المحتلة في حزيران 1967 وما بعده.
2- ضمان الحقوق الوطنية المشروعة للشعب العربي الفلسطيني وفقاً لقرارات الأمم المتحدة وعلى أن يلتزم الجانب الآخر بتنفيذ القرار المشار إليه.
بيان حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” حول تسوية الحرب في الشرق الأوسط كما أذاعته “وكالة الأنباء الفلسطينية” بتاريخ 4/11/73:
أولاً- أن الثورة الفلسطينية قد انطلقت من أجل تحقيق هدف استراتيجي أساسي، وهو تحرير وطننا المغتصب، وإقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية على كامل ترابنا المحتل. وأن ههذ الاستراتيجية هي الهدف الذي ناضل شعبنا وثوارنا وما زالوا يناضلون لتحقيقه، ولن يتخلوا عن هذا المبدأ مهما غلت التضحيات.
ثانياً – إننا في حركة “فتح” نرى أن الظروف القائمة بما فيها من خطورة، تتطلب أن ندرس القضايا الراهنة بموضوعية وأن نستمر في إجراء الاتصالات والمشاورات مع كافة أبناء شعبنا داخل وخارج الوطن المحتل، ومع أشقائنا العرب وأصدقائنا في العالم ليكون قرارنا منسجماً ومتفقاً مع نتائج هذه الاتصالات والمشاورات، وحتى يتحمل الجميع مسؤوليته التاريخية في هذا الظرف الخطير.
ثالثاً – أن من الحقائق الثابتة التي تراها الحركة، أن هناك أنظمة عربية وطنية خاضت معركة مع العدو الصهيوني، وأن نتائج إيجابية لهذه المعركة لا بد أن توضع بالاعتبار، كما أن هنالك نتائج أخرى لم تحسم بعد. وبغض النظر عن الوضع الحالي للمعركة، فهناك تطورات قد تطرأ على الموقف مما يستدعي حشد كافة الجهود العربية والفلسطينية رسمياً وشعبياً لمواجهة هذه التطورات. وعليه فإننا لا نقر أسلوب إصدار البيانات المنفردة التي تعني عدم تقدير حقيقي ومسؤول لخطورة الوضع الحالي.
رابعاً – أن هناك في هذا العالم، قوى صديقة لثورتنا لا يجوز مطلقاً أن يتعرض لها، ونحن من جهتنا نعتز بالعلاقة النضالية التي تربطنا بها.
خامساً – إن حركة “فتح” تؤكد أن أي قرار سيصدر عنها ستكون قواعده الأساسية التي يستند إليها مرتكزة على موقف مبدئي لا يتبدل، ومؤكدة ما يلي:
أ‌- أن ينبع القرار من المصلحة الوطنية للشعب العربي الفلسطيني والحفاظ على حقوقه الشرعية والتاريخية.
ب‌- تأكيد استمرار تنمية وجود شعبنا النضالي والسياسي واستمرار كفاحنا المسلح.
ت‌-  الحفاظ على مكاسب ومنجزات شعبنا الفورية التي حققها عبر نضاله الوطني الطويل وخلال تضحياته وقوافل شهدائه.
ث‌- الحرص على وحدة الصف الفلسطيني مقاومة وشعباً، في الداخل والخارج، والعمل على تحقيق وحدة الموقف الفلسطيني.
الاتفاق على تسوية حرب الشرق الأوسط كما أذاعه البيت الأبيض في رسالة موجهة من وزير خارجية الولايات المتحدة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 9/11/1973:
“عزيزي السيد الأمين العام،
“أتشرف بأن أبلغكم أن حكومتي مصر وإسرائيل مستعدتان لقبول الاتفاق التالي الذي يعتبر تنفيذاً للمادة الأولى من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 338 والمادة الأولى من قرار مجلس الأمن رقم 339.
لقد توصلت مصر وإسرائيل تحت إرشاد الولايات المتحدة وبفضل مساعيها الحميدة إلى اتفاق ذي أهمية كبيرة للسلام في الشرق الأوسط على النقاط التالية:
أولاً – توافق مصر وإسرائيل على مراعاة وقف إطلاق النار الذي دعا إليه مجلس الأمن الدولي بدقة.
ثانياً – يوافق الجانبان على بدء المحادثات بينهما فوراً لتسوية قضية العودة إلى خطوط وقف إطلاق النار القائمة في 22 تشرين الأول ضمن نطاق اتفاق على فك الارتباط وفصل القوات تحت إشراف الأمم لمتحدة.
ثالثاً – تتلقى مدينة السويس تموينات يومية من المواد الغذائية والماء والأدوية. وينقل جميع الجرحى المدنيين من مدينة السويس.
رابعاً – لن تكون هناك عقبات في طريق انتقال التموينات غير العسكرية إلى الضفة الشرقية.
خامساً – تحل نقاط تفتيش دولية محل نقاط التفتيش الإسرائيلية على طريق القاهرة – السويس. وعند نهاية الطريق قرب مدينة السويس، يستطيع ضباط إسرائيليون الاشتراك مع الأمم المتحدة في الإشراف على الطبيعة غير العسكرية للشحنات عند ضفة القناة.
سادساً – وبمجرد إقامة نقط التفتيش الدولية على طريق القاهرة السويس سيتم تبادل جميع أسرى الحرب بمن فيهم الجرحى.
وقال الدكتور كيسنجر في رسالته إلى الدكتور فالدهايم:
“ولقد وافق الجانبان أيضاً على عقد اجتماع تحت رعاية قائد قوات الأمم المتحدة في المكان المعتاد، وهو الكيلومتر 101 على طريق السويس – القاهرة، لتوقيع هذا الاتفاق والعمل على تنفيذه.
“وسأكون ممتناً جداً إذا اتخذتم الخطوات المناسبة لتأمين عقد الاجتماع يوم السبت في 10 تشرين الثاني سنة 1973 أو في وقت آخر يكون مناسباً لممثلي الفريقين”.
“إننا ننوي نشر هذا الاتفاق ظهراً بتوقيت نيويورك يوم الجمعة في 9 تشرين الثاني 1973.
“أفضل التحيات – هنري كيسنجر”
البيان المصري حول الاتفاق الذي تم نتيجة زيارة وزير خارجية الولايات المتحدة إلى القاهرة بتاريخ 9/11/73 كما أذاعه راديو القاهرة:
إن الاتفاق الذي تم نتيجة زيارة كيسنجر للقاهرة ومحادثاته فيها هو التالي:
أولاً – تطبيق قرارات مجلس الأمن الخاصة بوقف إطلاق النار، والعودة إلىخطوط 22 تشرين الأول.
ثانياً –  جميع هذه الخطوات تتم تحت إشراف الأمم المتحدة، وبناء على تعليمات السكرتير العام للأمم المتحدة.
ثالثاً – تنفيذ التزام الأطراف بتعهداتها الخاصة بمعاملة أسرى الحرب.
رابعاً – يعتبر التنفيذ السليم لهذا كله، خطوة أولى لتنفيذ قرارات مجلس الأمن نحو السلام.
مواقف دولية
مقتطفات من النص المتعلق بالشرق الأقصى من خطاب الأمين العام للحزب الشيوعي السوفياتي، ليونيد برجنيف، في المؤتمر العالمي للقوى السلمية بموسكو، بتاريخ 26 تشرين الأول 1973:
(…)
إنكم على إطلاع، بالطبع، على سير الأحداث. ولهذا السبب سأتحدث عن الجانس المبدئي من المسألة. فما هي الأسباب الأساسية للنزاعات العسكرية التي تنفجر دورياً في هذه المنطقة، وخاصة الحرب الحالية؟ إن الجواب واضح باعتقادنا. إنه استيلاء إسرائيل على الأراضي العربية نتيجة لعدوانها، وهو أيضاً رفضها العنيد أن تأخذ بالحسبان الحقوق المشروعة للشعوب العربية، وهو كذلك الدعم الذي تلقاه هذه السياسة العدوانية من قبل قوى العالم الرأسمالي التي تسعى إلى منع تطور الدول التقدمية في الحرية والاستقلال.
وخلال الأعوام الأخيرة حذر الاتحاد السوفياتي مراراً عديدة بأن الوضع في الشرق الأدنى أصبح قابلاً للانفجار. وموقفنا من هذه المسألة هو موقف واضح ودائب من أوله إلى آخره. وفي آن واحد انطلاقاً من المبادىء العامة للسياسة الخارجية الاشتراكية ومن واقع أن هذه المنطقة تقع في الجوار المباشر لحدودنا فنحن نهتم بأن يسود سلم وطيد وعادل حقاً في الشرق الأدنى وضمان أمن كل بلدان وشعوب هذه المنطقة وحقها في تنظيم حياتها بهدوء كما ترغب. وهذا هوا لسبب في أن الاتحاد السوفياتي لم يكف عن المناداة بوجوب إعادة الأراضي المحتلة من قبل إسرائيل إلى الدول العربية وإنصاف الشعب الفلسطيني. هذه هي السياسة التي مارسها الاتحاد السوفياتي وسيواصل ممارستها.
ومنذ استئناف الأعمال العسكرية في الشرق الأدنى، في بداية هذا الشهر، اتخذ الاتحاد السوفياتي، بالاتصال الوثيق مع الدول العربية الصديقة، كل التدابير السياسية التي تتوقف عليه من أجل المساهمة في وقف الحرب وتوفير الظروف لكي يكون السلم وطيداً فعلاً في الشرق الأدنى بالنسبة لكل دول هذه المنطقة.
وكما هو معلوم، ففي 22 و23 تشرين الأول، وبناء على اقتراح الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية، وافق مجلس الأمن مرتين على قرارين حول وقف إطلاق النار. وفي المرتين أعلنت إسرائيل استعدادها للرضوخ لقرار المجلس، لكنها خرقته غدراً في الواقع بمواصلتها العدوان ضد مصر. والاستيلاء على أراض جديدة أيضاً تجاهلت إسرائيل تجاهلاً تاماً مطلب مجلس الأمن المتعلق بسحب الجيوش إلى المواقع التي كانت تحتلها في مساء 22 تشرين الأول.
(…)
إن الإرادة الجماعية لأولئك الذين يطالبون بإقامة السلم في الشرق الأدنى يجب أن تتغلب على جنون خارقي السلم. إن تجربة الأيام الأخيرة تملي الحذر. ويجب أن تتخذ تدابير ملحة وحازمة من أجل إحراز التطبيق الحازم لقرارات وقف إطلاق النار وسحب القوات.
وخاطب الرئيس المصري أنور السادات الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية طالباً منهما أن ترسلا، إلى مسرح العمليات العسكرية، ممثلين للقوات المسلحة من أجل مراقبة تنفيذ قرارات مجلس الأمن حول وقف إطلاق النار. ونحن على استعداد لتلبية طلب مصر هذا، وقد أرسلنا هؤلاء الممثلين. وفي الوقت عينه، نبحث تدابير محتملة أخرى يمكن أن يتطلبها الوضع.
(…)
إن الاتحاد السوفياتي على استعداد للمساهمة مع كل البلدان المعنية بجعل الوضع طبيعياً في الشرق الأدنى. لكن هذا التعاون لا يمكن أن تساعده، بالتأكيد، أعمال كالأعمال التي قامت بها في الآونة الأخيرة بعض أوساط بلدان حلف الأطلسي، كالتسعير المصطنع للمشاعر بترويج كل أنواع الاختلافات الخيالية حول نوايا الاتحاد السوفياتي في الشرق الأدنى. وفي مثل هذه الحالة، يبدو لنا بأن موقفاً أكثر مسؤولية وأكثر استقامة، وأكثر صفة بناءة، سيلقى درجة أكبر من التركيب.
وأود أن أذكر بأن قرار مجلس الأمن بتاريخ 22 تشرين الأول ينص ليس فقط على وقف إطلاق النار، بل أيضاً على مساع هامة من أجل إزالة الأسباب ذاتها للحرب. وفي هذا إنما تكمن قيمته الرئيسية. ويجب أن تشرع الأطراف المعنية فوراً في التطبيق العملي لقرار مجلس الأمن بتاريخ 22 تشرين الثاني حول الشرق الأدنى بجميع بنوده.
وأود التذكير بأن هذا القرار، الذي يؤكد “عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بواسطة الحرب” ينص على سحب القوات المسلحة الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في 1967. ويطالب القرار باحترام سيادة وسلامة أراضي كل دولة من دول هذه المنطقة، وباستقلالها السياسي، وكذلك بحقها بأن تعيش في سلم، مع الاعتراف بكل ذلك. ويشدد القرار أيضاً على ضرورة التوصل إلى تسوية عادلة لمسألة “اللاجئين” وبعبارة أخرى، ضمان الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني.
(…)
ووفقاً لروح ونص القرار المتخذ من قبل مجلس الأمن يوم الإثنين 22 تشرين الأول، يتوجب على الأطراف المعنية الشروع فوراً، تحت الإشراف اللازم، بمفاوضات تهدف إلى إقامة سلم وطيد ودائم في الشرق الأدنى. ولا يمكن استصغار شأن هذه المفاوضات. فإن مسؤولية تاريخية تقع على المشتركين فيها. أما فيما يختص بالاتحاد السوفياتي، فأستطيع التأكيد أنه على استعداد لأن يساهم، وسيساهم، بنصيبه البناء في هذا العمل. ونحن على اقتناع راسخ بأن كل دول وكل شعوب الشرق الأدنى، أجل أقول كل دول وشعوب هذه المنطقة، يجب أن تتمكن من التمتع بالسلم، والأمن والحصانة المضمونة للحدود.
إن الاتحاد السوفياتي على استعداد للاشتراك في الضمانات اللازمة.
(…)
مقتطفات من بيان الرئيس الأميركي نيكسون حول الشرق الأوسط في مؤتمره الصحافي بتاريخ 26 تشرين الأول 1973:
(…)
وبالنسبة إلى قوة حفظ السلام أظن أنه من المهم بالنسبة إليكم جميعاً أيها السيدات والسادة وبخاصة بالنسبة إلى أولئك المستمعين للراديو والتلفزيون أن يعلموا لماذا أصرت الولايات المتحدة على ألا تكون الدول الكبرى طرفاً في قوة حفظ السلام وألا تدخل الدول الكبرى قوات عسكرية إلى الشرق الأوسط. إن الأزمة بارزة جداً تنطوي على احتمالات الانفجار تطورت يوم الأربعاء هذا الأسبوع. فقد حصلنا على معلومات جعلتنا نعتقد بأن الاتحاد السوفياتي يخطط لإرسال قوة جوهرية جداً إلى الشرق الأوسط، قوة عسكرية.
وعندما تلقيت تلك المعلومات أمرت بعد منتصف الليل بقليل، في صبيحة الخميس باستنفار جميع القوات الأميركية حول العالم. وكان هذا استنفاراً احترازياً. وكانت الغاية من ذلك الإشارة إلى الاتحاد السوفياتي بأننا لا نستطيع أن نقبل أي تحرك من طرف واحد من جانبه لنقل قوات عسكرية إلى الشرق الأوسط. وفي الوقت نفسه في ساعات الصباح الباكر، تحركت أيضاً على الجبهة الدبلوماسية. ففي رسالة بعثت بها إلى المستر بريجنيف، رسالة مستعجلة، شرحت له تفكيرنا وأهبت به ألا نمضي قدماً في ذلك الاتجاه. وأننا عوضاً عن ذلك ننضم إلى الأمم المتحدة في دعم مشروع قرار يستبعد اشتراك أية دولة كبيرة في قوة لحفظ السلام.
ونتيجة لذلك الاتصال وللرد الذي تلقيته من المستر بريجنيف – وقد جرت عدة تبادلات بيننا، أقول – توصلنا إلى نتيجة أننا سنؤيد معاً مشروع القرار الذي جرى تبنيه في الأمم المتحدة.
والآن نأتي طبعاً إلى الظرف الدقيق من حيث مستقبل الشرق الأوسط. وهنا الدلائل تدعو إلى الأمل أكثر بكثير مما كان عليه الحال طوال هذا الأسبوع الماضي. وأظن أنه يمكنني القول في مأمن أن هناك فرصاً للحصول ليس فقط على وقف إطلاق النار الذي هو قائم الآن والذي كان بالطبع قائماً في الشرق الأوسط لبعض الوقت غير أن المجال لإقامة سلام دائم هو الآن أفضل مما كان عليه منذ 20 عاماً.
وسبب هذا أن الدولتين الكبيرتين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة قد اتفقتا – وكانت هذه إحدى نتائج رحلة الدكتور كيسنجر إلى موسكو – اتفقتا على أن نشترك في محاولة الإسراع في بدء المحادثات بين الفرقاء المعنيين. وذلك لا يعني أن الدول الكبرى ستفرض تسوية ولكنه يعني أننا سنستخدم نفوذنا لدى الدول في المنطقة للإسراع في الوصول إلى تسوية.
(…)
البيان المشترك لدول السوق الأوروبية المشتركة حول الشرق الأوسط بتاريخ 6 تشرين الأول 1973:
“تبادلت حكومات السوق الأوروبية المشتركة التسع وجهات نظرها حول الموقف في الشرق الأوسط.
وذكرت أن وجهات النظر المعروضة هنا لا تمثل سوى إسهام مبدئي في السعي إلى حل شامل للمشكلة، ووافقت على ما يأتي:
أولاً – تؤكد حكومات الدول التسع بقوة، أنه ينبغي لقوات طرفي النزاع في الشرق الأوسط العودة فوراً، طبقاً لقراري مجلس الأمن الرقم 339 و340، إلى المواقع التي كانت عليها في 22 تشرين الأول اعتقاداً منها أن العودة إلىهذه المواقع من شأنها أن تيسر حل المشاكل الأخرى العاجلة المتعلقة بأسرى الحرب والجيش المصري الثالث.
ثانياً – أن لدى هذه الحكومات الأمل القوي بأنه بعد موافقة مجلس الأمن على قراره الرقم 338 بتاريخ 22 تشرين الثاني الماضي سيصبح من الممكن البدء في إجراء مفاوضات من أجل سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط تطبيقاً لقرار مجلس الأمن الرقم 242 بكل بنوده. وتعلن عن استعدادها لبذل كل ما في وسعها للمساهمة في ذلك. ونرى أنه يجب أن تدور هذه المفاوضات في إطار الأمم المتحدة. وتشير إلى أن الميثاق أسند إلى مجلس الأمن المسؤولية الرئيسية في حفظ السلام والأمن الدوليين. وعلى المجلس والأمين العام للأمم المتحدة القيام بدور خاص في إحلال السلام والمحافظة عليه تطبيقاً لقراري المجلس الرقم 242 و338.
وتقدر الدول التسع الأعضاء في السوق الأوروبية المشتركة أن أي اتفاق سلام ينبغي أن يستند بصفة خاصة إلى المبادىء أو النقاط الآتية:
أولاً – عدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة.
ثانياً – ضرورة أن تضع إسرائيل حداً لاحتلالها للأراضي التي تحتفظ بها منذ حرب 1967.
ثالثاً – احترام سيادة كل دول المنطقة واستقلالها ووحدتها الإقليمية والحق في الحياة في سلام داخل حدود آمنة ومعترف بها.
رابعاً – الاعتراف بأنه في حال إقرار سلام عادل ودائم ينبغي أخذ حقوق الفلسطينيين المشروعة في الاعتبار.
خامساً – تشير هذه الدول إلى أنه وفقاً للقرار 242 الصادر عن مجلس الأمن يجب أن تتضمن التسوية السلمية ضمانات دولية. وترى الدول التسع الأعضاء في السوق الأوروبية المشتركة أن هذه الضمانات يجب أن تدعم بإجراءات عدة من بينها إرسال القوات المكلفة الحفاظ على السلام في المناطق التي قد يتقرر نزع سلاحها وفقاً للمادة الثانية من القرار 242. واتفقت هذه الدول على أن الضمانات الدولية تتميز بأهمية رئيسية في ما يتعلق بتسوية الموقف العام في الشرق الأوسط وفقاً للقرار 242 الذي ذكره مجلس الأمن في القرار 338. وتحتفظ الدول التسع بحق تقديم أية مقترحات في هذا الشأن.
وأشارت دول السوق في هذه المناسبة إلى الروابط المختلفة التي تربطها منذ وقت بعيد بدول جنوب المتوسط وشرقه. كما أكدت مرة أخرى في هذا الصدد بنود بيان مؤتمر القمة الذي عقد في باريس في 21 تشرين الأول 1972. وأشارت دول السوق الأوروبية إلى تصميمها على التفاوض مع هذه الدول وذلك في إطار تقارب شامل ومتوازن”.
مواقف عربية سياسية
مقتطفات من خطاب الرئيس الأسد بتاريخ 29 تشرين الأول 1973:
(…)
لقد كانت هذه الأيام الثمانية عشر التي انقضت على حرب التحرير تجربة هامة فرضت نفسها على شعبنا، فاجتاز التجربة بنجاح، بل اجتازها بتفوق. صمد الإنسان العربي صموداً جباراً وقاتلت القوات العربية قتالاً بطولياً، ورص شعبنا صفوفه وراء قواته المسلحة في جبهة متماسكة قوية وجمعت الأمة العربية إمكاناتها، وزجت بالكثير منها لتعزيز الصمود العربي ودعم المجهود الحربي. وكان وراء كل ذلك إيمان بالله وإيمان بالقضية التي قاتلنا في سبيلها وثقة بالقدرة الذاتية وبالطاقات العربية الهائلة. وها نحن اليوم نشعر بأننا أقوى منأي وقت مضى وأوفر قدرة على مواصلة مسيرة النضال بالسلاح والتضحية والفداء، وأشد ثقة بقدرتنا على تحقيق النصر. وقد قاتلنا ونقاتل دفاعاً عن أنفسنا، عن حقوقنا ونقاتل لكي ندفع القتل والتدمير عن شعبنا ووطننا. وأعلنا منذ بدء الحرب أننا ننشد الحرية ونضع نصب أعيننا هدفين للقتال نتمسك بهما، ولا نحيد عنهما مهما غلت التضحيات ومهما طال الطريق. هذان الهدفان هما تحرير الأرض العربية المحتلة واسترداد حقوق شعب فلسطين المغتصبة وأكدنا بالوقفة الجبارة لقواتنا المسلحة وجماهير شعبنا وبالدعم الذي قدمته أمتن العربية تصميمنا الأكيد على بلوغ هذين الهدفين بأي ثمن.
وفيما كانت القوات المسلحة تعزز مواقعها يوماً بعد يوم، ويخرج من صفوفها ابطال اشاوس، وتحقق المزيد من النجاحات في سيرها بعزم وتصميم نحو الغاء اية مكاسب حققها العدو على الارض، وفيما كان شعبنا يعزز صموده، ويؤكد، بالسلوك والعمل الايجابي اليومي، عزمه على مواصلة سياسة النفس الطويل، كان العالم يتابع تطور الصراع الناشىء في منطقتنا، ويراقب تنامي قدراتنا وتصاعد صمودنا العظيم بنظرات تتراوح بين الاعجاب والتقدير والتأييد من جهة، وبين الحذر والقلق من جهة اخرى. كان العالم يتابع، في الوقت ذاته، تحطم صلف عدونا وغروره على صخرة قوتنا وتبدد احلامه في قهر ارادة شعبنا، وبدت للذين اتخذوا المواقف العدائية تجاه امتنا، نذر القضاء على مصالحهم في كل انحاء الوطن العربي. كما اخذ الوعي العالمي لحقيقة اسرائيل وطبيعتها العدوانية يزداد يوماً بعد يوم، وتتابعت قرارات الدول الافريقية بقطع العلاقات مع اسرائيل ادانة لعدوانها واستنكاراً لتحديها الرأي العام العالمي.
وفي خلال ذلك، كانت عوامل الشقاق بين الحكومة الاميركية وحلفائها في اوروبا الغربية تتفاعل، فيضغطها اصحاب الشأن لئلا تنفجر، والقتال في هذه المنطقة ما يزال مستمراً. وكانت عوامل الخلاف تفعل فعلها داخل مجتمع اسرائيل، وتهدد هي ايضاً بانفجار لا يقوى مجتمع العدو على احتماله. وفوق هذا وذاك، كانت قضيتنا تهز الضمير العالمي.
في هذا الجو العالمي، وتحت تأثير الصمود العربي الجبار قبل كل شيء، جاء قرار مجلس الامن الداعي الى وقف اطلاق النار، والذي اتفقت عليه الدولتان الكبريان: الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الاميركية، وقدمتاه بصورة مشتركة، وتبناه مجلس الامن بدون معارضة احد من اعضائه.
كان صدور هذا القرار مفاجأة لنا، بل اننا لم نعلم بوجود مشروع القرار او بدعوة مجلس الامن للانعقاد الا بعد ان تناقلته دور الاذاعة ووكالات الانباء. وقد وضعنا ذلك امام ظروف جديدة، كان لا بد من اخذها بعين الاعتبار. وكان القرار موجهاً الى كل أطراف القتال، ونحن طرف رئيسي، فكان ينبغى لنا اذن ان ندرسه وندرس الظروف المستجدة التي نشأت عنه، وان نحدد موقفنا منها.

وهكذا كان. درسنا قرار مجلس الامن بشعور عميق بالمسؤولية، انطلاقاً من المصلحة القومية، والالتزام بالمبادىء والاهداف التي قاتلنا في سبيلها. وعقدنا، لهذه الغاية، في يومي الاثنين والثلاثاء، أي منذ صباح الثاني والعشرين وحتى نهاية الثالث والعشرين من تشرين الاول [اكتوبر] اجتماعات مطولة للقيادتين القومية والقطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، والقيادة المركزية للجهة الوطنية التقدمية، وأجرينا اتصالات، تبادلنا خلالها الرأي مع ملوك ورؤساء الدول العربية، كما اجرينا اتصالات مع الاتحاد السوفياتي وكانت كل هذه الاتصالات موضع اعتبار في اجتماعاتنا التي خصصناها لدرس قرار مجلس الامن. وقد توخينا من اتصالاتنا مع الشقيقة جمهورية مصر العربية ومع الاتحاد السوفياتي، ان نستجلي الموقف بكل نواحيه فيما يتعلق بهذا القرار.
خلال ذلك، اكد لي الاخ الرئيس انور السادات انه تلقى من القادة السوفيات ضمانات بأن يتم انسحاب اسرائيل انسحاباً كاملا من جميع الاراضي العربية المحتلة. واكد لنا الاتحاد السوفياتي، ايضاً، ان موقفه، في كل هذا الامر، ينسجم ويتجاوب مع موقفنا ومصالحنا وتطلعات شعبنا المشروعة ، ولذلك، فانه عند اعداد مشروع قرار مجلس الامن، استرشد بتأكيدنا على انسحاب اسرائيل الكامل من الاراضي العربية المحتلة، وعلى استرداد حقوق شعب فلسطين.
وبنتيجة الاتصالات التي اجريناها ، وخاصة مع الشقيقة جمهورية مصر العربية ومع الاتحاد السوفياتي، باعتباره احدى الدولتين صاحبتي مشروع القرار، فقد فهمنا قرار مجلس الامن بأنه يعني انسحاب اسرائيل الكامل من جميع الاراضي العربية المحتلة، وفهمنا ايضاً انه يعني عدم المساس بحقوق الشعب العربي الفلسطيني الذي سيكون وحده صاحب الرأي الاول والاخير وصاحب القرار النهائي عند اي بحث لقضيته.
على اساس هذا الفهم لقرار مجلس الامن، وبعد ان وافقت عليه جمهورية مصر العربية، في ضوء القناعات التي تكونت لدى الاخ الرئيس انور السادات، اتخذنا في القيادة المركزية للجبهة الوطنية التقدمية، قراراً بالموافقة على قرار مجلس الامن. وصدرت الاوامر الى القوات المسلحة بوقف اطلاق النار بشرط ان يلتزم العدو بذلك، وعلى ان تظل قواتنا المسلحة على اتم الاستعداد لاستئناف القتال اذا ما دعت الضرورة اليه.
ايها الاخوة، ان الانتصارات التي حققناها خلال هذه الحرب، انتصارات رائعة ومفخرة من مفاخر تاريخنا، تستحق منا كل تقدير واعجاب. وقد اضافت الى تاريخ امتنا المجيد صفحات رائعة ومجيدة، وهي من اروع المنجزات التي قدمها شعبنا لنضاله في هذا العصر.
ماذا تعني هذه الانتصارات؟ هل تعني اننا حررنا الارض التي يحتلها العدو؟كلا، لم نحرر الارض بعد، بل ما يزال قسم من الارض في منطقة الخرق بيد العدو، لان وقف القتال جاء مفاجئاً لنا ومغايراً لتصورنا عن سير المعركة، اذ كنا نتصور معركة طويلة الامد، وفي مثل هذا التصور يتم تحركنا في اتجاهات مختلفة وبكثير من المرونة، وبما يخدم هدف المعركة النهائي. وفي مثل هذا التصور، ايضاً، قد يكون من غير الضار، بل قد يكون من المفيد، ان يتواجد هذا العدو هنا او هناك في منطقة قريبة او بعيدة لفترة من الزمن قد تطول او تقصر، كل ذلك وغيره يتم في هدي دليل واضح محدد، هو الهدف النهائي للحرب. لا شك ان الاخوة المواطنين الذين يستمعون الآن، يرغبون في مزيد من الشرح حول هذه النقطة بالذات. ولكن مزيداً من الشرح والتفصيل قد يفيد العدو. انا، ايضاً، ارغب في مزيد من الحديث حول هذه النقطة، يمنعني من ذلك ما يمكن ان يفيد منه العدو. ومن هنا، اعود لاقول اننا لم نحرر الارض بعد، وان قرار مجلس الامن كان مفاجأة لنا ومغايراً لمسيرتنا وتصوراتنا. اذن ما هي انتصاراتنا؟ انها كبيرة. لم تحرر الارض، ولكن حررنا ما هو الاساس، وما لا بد من تحريره اولا. حررنا ارادتنا من كل قيد، حررنا ارادتنا في القتال من اجل حياة شريفة وكريمة، وحررنا نفوسنا من الخوف والتردد واللامبالاة، وحررنا نفوسنا من عقدة الذنب والقصور طالما اننا، في السابق ومنذ قيام اسرائيل، لم نحارب كما يجب ان نحارب. حررنا صورتنا الحقيقية من كل ما لحق بها من زيف وتشويه، فأصبحت الصورة التي تؤكد قدرتنا على استيعاب المعارف واستخدامها، الصورة التي تؤكد قدرتنا الكبيرة في مجال العلم واستثمار معطياته ونتائجه. الصورة التي تؤكد ان في امتنا مواهب كثيرة وكبيرة.الصورة التي تؤكد اننا نؤمن بالحق، وندافع بقوة عما يؤمن به.الصورة التي تؤكد اننا نرفض التخاذل، ولا مكان بيننا الجبناء. الصورة التي تؤكد اننا اصحاب تراث، ونحرص ونستطيع ان نجسد وان نتمثل هذا التراث. الصورة التي تؤكد ان ايماننا بأمتنا ووطننا لا تحده حدود، وفي سبيل هذه الامة وهذا الوطن، نقدم كل تضحية مهما غلت التضحية. الصورة التي تؤكد ان امتنا امة خيرة معطاء، تعمل من اجل الخير، وتدافع بعنف ضد كل مظاهر الشر.  حررنا صورتنا الحقيقية من كل ما لحق بها من زيف وتشويه، فأصبحت الصورة التي تجسد كل الفداء، وكل التضحية، وكل البطولة.

Print Friendly

عن admin

شاهد أيضاً

نشرة الأربعاء 16 تشرين الأول (10) 2019 العدد 5781

رئيس الجمهورية تابع التطورات المتعلقة بالحرائق في عدد من المناطق، وقمة لبنانية-ايرلندية غدا في قصر ...

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *